إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

سياسة الولايات المتحدة والصراع المسلح في اليمن

Read this in English

ملخص تنفيذي

في أواخر شهر مارس من هذا العام، أفضى التوتر السياسي الإقليمي المتأجج مُنذُ فترة طويلة إلى صراع مسلح شامل في اليمن ضد حركة الحوثيين والقوات المسلحة الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذين يقاتلون في سبيل السيطرة على المدن الرئيسية والأقاليم الأهم في البلاد. وفي مواجهة تحالف الحوثي وصالح تشكل تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وعناصر مسلحة أخرى موالية للرئيس الحالي عبدربه منصور هادي وحكومته في الخارج، من الحراك الجنوبي ووحدات مسلحة تنتمي لحزب الإصلاح والجنرال علي محسن الأحمر وعديد القبائل ذات النفوذ وكذا جماعات متنوعة أخرى من فصائل السلفيين والجهاديين.

وحتى الآن، قُتل أكثر من 4,300 يمني في هذا الصراع ، نصفهم على الأقل من المدنيين؛ كما نزح أكثر من 1.4 مليون مواطن. وتعود الإصابات بين المواطنين إلى الهجمات غير القانونية التي لا تفرق بين المقاتلين والمدنيين و المُنفذة من طرفي الصراع، سواءً التحالف العربي أو تحالف الحوثي وصالح.

اختار الرئيس عبد ربه منصور هادي أن تلعب الدولة دور الوسيط بينً أنصار الله وخصومها على أن تكون طرفا في النزاع. كما حافظ الرئيس هادي على هذا الموقف خلال اجتياح عمران، على الرغم من اشتراك الجنرال علي محسن، المستشار العسكري الرسمي للرئيس هادي في ذلك الوقت.

وبالرغم من عدم التزام الولايات المتحدة بأي قوات مقاتلة في هذا الصراع، إلا أنها تعلب دوراً محورياً فيه. وعلى الصعيد الدوبلوماسي، لعبت الولايات المتحدة دوراً هاماً وواضحاً في إعادة أطراف الصراع إلى طاولة الحوار. وعليه، فإن على حكومة أوباما أن تعمل مع دول الجوار في اليمن وبقية المجتمع الدولي من أجل تأمين طرق إيصال المساعدات الإنسانية، وإنهاء الصراع، والتوصل إلى تسوية سياسية بدعم دولي، وكذا وضع خطة إعادة إعمار مادية واقتصادية شاملة. كما يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن للأمم المتحدة، الذي تجاوزه التحالف العربي بقيادة السعودية، على ضمان أن أي تدخل عسكري آخر في اليمن سيكون وفقاً للفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة.

وفي تناقض مع الجهود الدبلوماسية البناءة، تُساهم العديد من أنشطة وسياسات الإدارة الأمريكية في استمرار الصراع وزعزعة الأمن في اليمن. حيث تدعم الدوائر العسكري والاستخباراتية للولايات المتحدة الضربات الجوية التي يُنفذها التحالف العربي بقيادة السعودية في الوقت الراهن، والتي ارتكبت العديد من الاختراقات للقانون الإنساني الدولي عبر الاستهداف المتعمد للأحياء السكنية والبنى التحتية المدنية وكذا فشلها في حماية المدنين.

وبعد بدء الضربات الجوية، أعلنت الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة والقوات المسلحة السعودية أنشأت “خلية التخطيط المشترك” وأن الواليات المتحدة ستقدم “دعما لوجستيا واستخباراتيا للعمليات العسكرية التي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي..

في حين استمرت الولايات المتحدة في تنفيذ ضرباتها الصاروخية ضد أعضاء مشتبهين من تنظيم القاعدة قُتل خلالها ما لا يقل عن 76 شخص في العام 2015 م، ولطالما جذبت جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في اليمن انتقادات لتركيزها على التكتيكات “الحركية” (“kinetic” tactics ) للضربات الصاروخية والهجمات المسلحة على مواقع القاعدة بدلاً من التركيز على البرامج التي تعالج الأسباب والعوامل المؤدية إلى التطرف والعنف. ونتيجة لتغير توازن القوى داخل اليمن، فإن الضربات الأمريكية قد تساهم في زعزعة استقرار الوضع وزيادة التجنيد في صفوف الجماعات المسلحة.وقبل إندلاع الصراع الراهن، كانت اليمن تواجه وضع إنساني حرج، الأمر الذي ترتب عليه حدوث كارثة إنسانية كبيرة في الوقت الحالي.

ووفقاً لمكتب منسقية الأمم المتحدة للشئون الإنسانية (UNOCHA) فإن أكثر من 80% من إجمالي سكان اليمن في حاجة لشكل من أشكال المساعدة الإنسانية، ويعاني ملايين اليمنيين من إنعدام الأمن الغذائي والحاجة للمياة النظيفة؛ وتبدو البلاد على حافة الوقوع في مجاعة. في حين شهد النظام الصحي في اليمن إنهيار واضح، فإن آلاف اليمنيين يموتون بسبب القصور في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية. كما أن نداء الطوارئ الذي قدمته الأمم المتحدة بخصوص دعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لم يتم تمويل سوى 18% منه. وفي بداية هذا الصراع تعهدت المملكة العربية السعودية بتغطية الخطة بشكل كامل؛ إلا أنها لم توفِ بذلك حتى الآن.

بينما يعيق كلاً من التحالف العربي وتحالف الحوثي وصالح إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين في اختراق واضح للقانون الإنساني الدولي. وبالرغم من تواجد عدة سفن حربية تابعة للولايات المتحدة في خليج عدن، فشلت الولايات المتحدة في إخلاء المواطنين الأمريكيين والجنسيات الأخرى من اليمن، كما هو مطلوب في قرار مجلس الأمن الأخير.

اتبعت الولايات المتحدة خلال فترة حكم هادي منهج دبلوماسية “تنفيذ الخطوات المحددة مسبقا”، حيث عملت بشكل مستمر على الدفع بالعملية السياسية بحسب الخطوات المنصوص عليها في مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، بالرغم من الهوة الواسعة بين نص المبادرة والواقع السياسي في اليمن.


توصيات متعلقة بالأولويات

التعامل الدبلوماسي:

  • على الولايات المتحدة حث المملكة العربية السعودية وحلفائها على إنهاء التدخل العسكري، والإصرار على أن يخضع أي تدخل دولي مستقبلي في اليمن لقيود القانون الدولي في ميثاق الأمم المتحدة. وعليه يتوجب على الولايات المتحدة أن تدفع نحو صياغة قرار صادر عن مجلس الأمن بهذا المحتوى.
  • على الولايات المتحدة أن تعمل على إشراك كل الأحزاب والفصائل، بما فيها من جماعات مقاتلة غير حكومية، في عملية السلام. إن مشاركة كل هذه الجماعات في المفاوضات أمر محوري من أجل بناء سلام دائم.
  • على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل فعال مع اللاعبين الإقليميين خارج دول مجلس التعاون الخليجي، إيران على وجه الخصوص، والقوى الدولية الأخرى للحد من تغذية أطراف الصراع الداخلي في اليمن والسعي لإيجاد إطار إقليمي ودولي يفضي إلى إتفاق سلمي نهائي.

وجدت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة دامغة على أن العديد من الغارات الجوية السعودية انتهكت القانون الإنساني الدولي. وفي حال أن أفراد عسكريين أو من المخابرات الأمريكية قاموا بدعم الغارات الجوية السعودية، فإن أولئك الأفراد والمسئولين في الإدارة الأمريكية يتحملون، أيضا، المسؤولية عن جرائم الحرب.

التدخل العسكري:

  • على الولايات المتحدة تعليق دعمها الفني واللوجستي لضربات التحالف العربي الجوية التي لا تتوافق مع المعايير القانونية فيما يخص حماية المدنيين أو التمييز بين الأفراد المحاربين من غيرهم، وإيقاف أي تحويلات معلقة من الذخائر أو المواد الأخرى لدول التحالف.
  • على الولايات المتحدة أن تتخذ جميع التدابير المتاحة لديها للحد من الهجمات غير القانونية ضد المدنيين اليمنيين، أو الأعمال العسكرية التي تعرض المدنيين لخطر لا مبرر له.

إن الولايات المتحدة، كجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تتحمل مسؤولية ضمان عدم استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح حرب، وتشجيع توفير ممر حر للغذاء والدواء، وغيرها من المستلزمات الضرورية للمدنيين الذين يعيشون تحت الحصار، وذلك بموجب القانون الدولي.

المساعدة الإنسانية:

  • على الولايات المتحدة أن تعمل فورا على تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، والمساعدة في تأمين طرق إيصال المساعدات الإنسانية.
  • على الولايات المتحدة حث المملكة العربية السعودية على الإيفاء بما تعهدت به من تمويل لخطة الاستجابة الإنسانية، والسماح لمنسقية الأمم المتحدة للشئون الإنسانية (UNOCHA) بتحدد كيف وأين يستخدم هذا التمويل.
  • على الولايات المتحدة حث تحالف الحوثي وصالح، والتحالف العربي أيضاً، على تأمين ممر حر والسماح بتوزيع المساعدات الإنسانية.

جمع باحثون مستقلون ومن منظمات محلية ودولية أدلة كثيرة على أن العديد من الضربات التي نفذت في إطار البرنامج السري قد تسببت في مقتل مدنيين، بما في ذلك اليمنيين المشاركين في مكافحة تنظيم القاعدة. بل أن هناك مبررا للاعتقاد بأن العمليات الأمريكية ضد القاعدة قد تخلق فرص للجماعات المتطرفة الأخرى للتوسع في اليمن.

الأمن ومكافحة الإرهاب:

  • ينبغي على الولايات المتحدة تعليق برنامجها “القتل المستهدف”” targeted killing” على الفور، ووضع نظاماً لتقييم فعالية البرنامج، فضلا عن الفعالية المحتملة من البرامج البديلة، برامج”غير الحركية””“non-kinetic.
  • يتعين على البيت الأبيض، ومجتمع الاستخبارات، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب وإعطاء الأولوية للحلول غير العسكرية للتحديات طويلة المدى.
  • ينبغي على وزارة الدفاع تقييم فعالية المساعدات العسكرية السابقة لليمن، وربط أي مساعدة مستقبلية بإصلاحات مؤسسية حقيقية.

تصميم الجهود المستقبلية لمكافحة الإرهاب يجب أن تعالج جذور وأسباب التطرف والتشدد، وتعمل على تعزيز سيادة القانون، وكذلك بناء القدرات اليمنية في مجال الشرطة وملاحقة العنف السياسي.

مساعدة مواطني الولايات المتحدة:

  • ينبغي على وزارة الخارجية والمسئولين العسكريين اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان الإخلاء الآمن لأي من مواطني الولايات المتحدة المتبقين والراغبون في مغادرة البلاد، وضمان نقلهم وأفراد أسرهم الذين غادروا اليمن سابقاً، والذين لا يزالون حتى الآن في جيبوتي أو مصر أو في أي مكان آخر في المنطقة، على وجه السرعة وبشكل آمن إلى الولايات المتحدة.

عن مركز صنعاء:

مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.

مشاركة