بعد اختتام أعمال منتدى اليمن الدولي الثالث الشهر الماضي، يستعرض مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في هذه الورقة أهم المُخرجات والآراء المُستقاة من المشاركين اليمنيين وممثلي المجتمع الدولي، حول مستقبل البلاد وفرص تحقيق السلام والاستقرار.
خلال الفترة (16 – 19 فبراير المنصرم، استضافت العاصمة الأردنية (عمّان) النسخة الثالثة لمنتدى اليمن الدولي الثالث –أكبر مؤتمر سنوي يُعنى بالحوار حول مستقبل السلام في اليمن – بحضور أكثر من 300 مشارك ومشاركة. على مدار الأيام الثلاثة، انخرط السياسيون اليمنيون والشخصيات القبلية وممثلو/ات النساء والأقليات والشباب ونشطاء المجتمع المدني إلى جانب ممثلي الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية وممثلي الأمم المتحدة والخبراء، في نقاشات صريحة – وأحيانا صعبة – بحثاً عن سبل إحلال السلام والاستقرار في اليمن والحيلولة دون تصاعد الصراع.
ألقت أزمة البحر الأحمر، والدفع باليمن إلى صراع إقليمي موسّع، بظلالها على الآمال بالتوصل إلى تسوية سلمية، بعكس التفاؤل الذي خيّم على أجواء النسختين السابقتين للمنتدى في ستوكهولم (2022)، ولاهاي (2023). من الجدير بالملاحظة أن منتدى اليمن الدولي الثالث أتاح فرصة فريدة من نوعها لليمنيين وممثلي المجتمع الدولي للالتقاء وتقييم التطورات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة منذ حرب غزة، والنظر في التحديات والفرص المستقبلية.
خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمنتدى، أشار وزير الخارجية اليمني الدكتور شايع الزنداني، إلى أن أمن المنطقة مرهون بأمن اليمن، وحث على مزيد من التعاون والانخراط الإقليمي لإنهاء الحرب في اليمن. من جهة أخرى، تميزت كلمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بنبرة جدية، حيث نوّه إلى تنامي خطر التصعيد العسكري في اليمن، الذي يهدد بتعميق معاناة المدنيين ونسف الجهود الرامية إلى تحقيق السلام، قائلاً: “الأزمة الإنسانية حادة … وتستمر الانقسامات السياسية. مع ذلك، أظهر هذا المنتدى وجود خبرة وعزيمة لمواجهة هذه التحديات”.
شملت أعمال المنتدى تنظيم 29 جلسة – ما بين جلسات عامة وموائد مستديرة وورش عمل ومناقشات مغلقة، جرت وفقاً لقاعدة تشاتام هاوس. اعتمد تصميم جلسات منتدى اليمن الدولي على خمسة ملفات أساسية مرتبطة بالوضع الداخلي في اليمن والهدف المتوخى لتحقيق سلام عادل وشامل ومستدام، وهي – التلاحم السياسي، والعدالة الانتقالية، ومبدأ الشمول والحيز المدني، والتعافي الاقتصادي، والاستدامة البيئية. حرصت نسخة هذا العام على تناول المشهد السياسي المتغير في اليمن وارتباطه بالتطورات الجيوسياسية، والحاجة إلى انخراط إقليمي استراتيجي وإرادة قوية للتعامل مع التحديات.
تمهيداً لإصدار التقرير الشامل لنتائج منتدى اليمن الدولي الثالث، نستعرض فيما يلي أبرز مُخرجات أعمال المنتدى والاتجاهات التي يتعين على صانعي السياسات رصدها خلال العام المقبل، وذلك استناداً إلى الآراء المستقاة من المشاركين في المنتدى.
1. استقرار اليمن جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة
تغير المشهد الأمني في اليمن والمنطقة جذرياً بسبب التداعيات السياسية لحرب غزة، مما يعكس الطبيعة المترابطة للحروب وآفاق السلام في المنطقة. برزت رسالة أساسية في مستهلّ أعمال منتدى اليمن الدولي: لم يعد من الوارد اعتبار الحرب في اليمن معضلة منحصرة داخل حدود اليمن، خاصة وأن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر – بتداعياتها عالمياً – مَحَت كل الجدران الفاصلة التي تعزل الصراع اليمني عن ديناميكيات المنطقة. في هذا السياق، قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن غابرييل مونويرا فينالس: “الاستقرار في اليمن يعني الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي باب المندب، وفي البحر الأحمر، وفي قناة السويس، ويعني استقرار حركة الملاحة الدولية. الاستقرار في اليمن هو استقرار لنا جميعًا”.
مع ذلك، حذّر خبراء يمنيون من أن النظر إلى اليمن من عدسة إقليمية حصرية قد يجازف بالتعامل مع الملف اليمني باعتباره قضية أمنية إقليمية، وهي مقاربة تُخاطر بتدويل الصراع وتُزعزع الاستقرار محلياً، وتُعطي الأولوية للحلّ العسكري على حساب عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. في هذا الصدد، أشار فارع المسلمي، الزميل الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) والرئيس السابق لمركز صنعاء، إلى أن السلام “أصبح ورقة مساومة”، في وصفه للنهج الحالي تجاه اليمن، مضيفاً بأن إعادة إحياء عملية السلام في اليمن مرهونة أولاً بإنهاء هجمات البحر الأحمر. سيكون من الحكمة أن يأخذ صانعو السياسات هذه الكلمات بعين الاعتبار، لا سيما وأن ضمان الاستقرار في المنطقة مرهون بتحقيق السلام والازدهار لليمنيين، في ظل وجود شريط ساحلي لليمن محاذٍ للبحر الأحمر وشريحة كبيرة من الشباب الذين تشكلت أفكارهم وتوجهاتهم على مدار عقد من الحرب.
2. التفكير بالمدى البعيد
وجّه المشاركون في منتدى اليمن الدولي رسالة قوية بشأن الوضع في اليمن، تدعو إلى التفكير بالمدى البعيد. في هذا السياق، أشارت ياسمين الإرياني، المديرة التنفيذية للإنتاج المعرفي بمركز صنعاء، إلى عدم فعالية الاستجابة الدولية لأزمة البحر الأحمر، وإلى تعثر عملية السلام الهشة، حيث شهد المساران استجابات قليلة التبصر في العواقب واستراتيجيات محدودة، وركزت على إدارة الأزمة على حساب الاستراتيجيات بعيدة المدى، محذرة من أن الحلول السريعة ليست العلاج لمعضلة اليمن الذي هو بحاجة إلى تسوية شاملة.
أجمع الحاضرون في المنتدى على أن تحقيق السلام يحظى بفرص أفضل في حال اتباع نهج مدروس وأكثر حذراً ومتعدد المسارات، لا سيما في ظل تراجع الإرادة السياسية وتصدّر المخاوف الأمنية الأولوية على الصعيد الدولي. عملياً، هذا يعني أهمية توحيد الجهود الدولية لدعم الاستقرار الاقتصادي ومبادئ الحُكم الرشيد، وتعزيز التنسيق الدبلوماسي والإقليمي، وحماية أنشطة المجتمع المدني، وتلبية مطالب الشعب اليمني في تحقيق العدالة، وضمان إشراك اليمنيين في صنع القرارات المتعلقة بمستقبلهم.
3. الإصلاحات السياسية
برزت مسألة استرجاع وإعادة بناء ثقة اليمنيين بالحكومة في كل نقاش تقريبًا، خلال أعمال منتدى اليمن الدولي الهادف إلى رسم مسار مستقبل اليمن، فَبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تشكيله، لا تزال الانقسامات والاختلالات الهيكلية والأجندات السياسية المتنافسة تنخر مجلس القيادة الرئاسي، وأدى غياب حكومة فاعلة وقادرة على التصدي للتهديد الحوثي إلى خلق بيئة خصبة لظهور أطراف مسلحة غير حكومية. رغم تباين الآراء حول أفضل السبل المتاحة للتعامل مع التحديات التي تواجه مجلس القيادة الرئاسي، اتفق المشاركون على ضرورة تبني إصلاحات جذرية داخل المجلس بما يضمن تحوّله إلى كيان حَاكم فاعل يضطلع بأدوار محددة وواضحة، ويخضع للمساءلة.
في هذا السياق، أشار عبد الرزاق الهجري، القائم بأعمال الأمين العام لحزب الإصلاح ومستشار الرئيس اليمني، إلى أن التحدي الكبير الذي يواجه مجلس القيادة الرئاسي هو عدم التزام الأفراد والمؤسسات بالعودة إلى عدن والاضطلاع بمهامهم من هناك، وأن المفارقة تكمُن في وجود حكومة تؤدي مهامها بشكل شبه كامل من عواصم الدول المجاورة. أضاف الهجري بأن التنسيق العسكري الفعّال، وتفعيل اللجنة العسكرية لإدارة وتنسيق التشكيلات المسلحة بشكل أفضل، من شأنه أن يعزز شرعية الدولة، في ظل الانفلات الأمني داخل عدن، وتواجد قوات مسلحة متنافسة في مناطق سيطرة الحكومة. من جانبها، أشارت ميساء شجاع الدين، باحثة أولى بمركز صنعاء، إلى أن مجلس القيادة الرئاسي لم يتشكل بإرادة وطنية أو محلية بل بإرادة قوى إقليمية.
لقد اعتُبر الحوار اليمني – اليمني خطوة جوهرية لتعزيز موقف مجلس القيادة الرئاسي أمام الشعب اليمني، وتخفيف الانطباع السلبي السائد نتيجة تبعيته للقوى الإقليمية، إلى جانب النهوض بثقافة المصالحة. فضلا عن ذلك، سلطت نقاشات المنتدى الضوء على أهمية القضية الجنوبية، حيث أكد المشاركون على محوريتها في أي حوار وطني جامع حول مستقبل اليمن، وشددوا على ضرورة التحوّل من حوار جنوبي-جنوبي، إلى حوار جنوبي- وطني.
4. التعافي الاقتصادي
سلّطت جلسات المنتدى المخصصة للملف الاقتصادي هذا العام، الضوء على شلل قطاع النفط والغاز في اليمن، حيث توقفت صادرات النفط والغاز – والتي تُعد أحد أهم المصادر الحيوية لإيرادات الحكومة وتسيير العمل الحكومي – بسبب الحرب الاقتصادية واستهداف الحوثيين لموانئ تصدير النفط في جنوب البلاد. اتفق المشاركون على أن التحدي القادم لن يكون سهلاً، حيث يعتمد استئناف صادرات النفط والغاز على الجهود الدبلوماسية وتحسّن الوضع الأمني وتدفق الاستثمارات الأجنبية وإصلاح البنية التحتية، كما أكدوا على أن دعم التعافي الاقتصادي يتوقف على إعادة بناء ثقة المجتمع الدولي بالحكومة اليمنية، وتوفّر الدعم الإقليمي، وتحسين الشفافية ومعايير الامتثال، وتنقيح الأطر القانونية ذات الصلة.
برز قرار إعادة تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، كأحد مواضيع النقاش الرئيسية في المنتدى، حيث أبدى المشاركون قلقهم من التداعيات السلبية لقرار التصنيف، لا سيما على القطاع المصرفي والقطاع الخاص في اليمن، وعلى المنظمات الدولية والمحلية العاملة في اليمن. في هذا السياق، استعرض المشاركون تجارب بلدان أخرى تتعامل مع قيود مماثلة، وبحثوا سبل دعم بناء قدرات البنوك المحلية والبنك المركزي اليمني، للتخفيف من تداعيات قرار التصنيف، إلى جانب إشراك المؤسسات المالية الدولية في وضع مبادئ توجيهية واضحة للتعاملات المالية مع الشركات اليمنية (وفق ما يسمح به قرار التصنيف) ، لا سيما تلك العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين.
5. المساعدات الإنسانية
يعيش السكان المدنيون في اليمن مرحلة حرجة غير مسبوقة، مع تراجع التمويلات المخصصة للمساعدات الإنسانية عالمياً وتضاؤل الموارد الحكومية. في هذا الصدد، قال تشارلز هاربر، نائب السفير البريطاني في اليمن: ”علينا بالتأكيد التحوّل من الاعتماد على المساعدات الإنسانية إلى تبني الإصلاحات … لكن شريحة كبيرة من السكان – 17 مليون نسمة – لا يملكون ما يكفي من الطعام”. تتناقص المساعدات الخارجية المقدمة إلى اليمن في ظل استمرار التحديات في بيئة العمل محلياً وإعادة توجيه المانحين تركيزهم إلى أزمات إقليمية أخرى. من الجدير بالملاحظة أن النقاشات حول التحوّل من الأعمال الإغاثية المؤقتة إلى التنمية والتعافي، سعت إلى إيجاد حلول للموازنة بين الاحتياجات الملحة والتدخلات المستدامة.
في هذا السياق، بعث المشاركون برسالة قوية مفادها أن الوقت غير مناسب حالياً لرفع الأيدي عن اليمن، لا سيما مع تنامي خطر التصعيد، والتداعيات السلبية المتوقعة لقرار تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، واستمرار الأزمة الإنسانية الحادة. بناء عليه، يترتب على تراجع ووقف الدعم في هذه المرحلة الحرجة عواقب وخيمة، بما في ذلك قيود مستجدة على تدفقات المساعدات والتحويلات المالية التي يعتمد عليها الملايين، وفقدان فرص العمل في قطاع العمل الإنساني ومنظمات المجتمع المدني، واحتمال نزوح الكثيرين من المناطق الشمالية بحثاً عن فرص عمل.
أقر جوليان هارنيس، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن، بافتقار اليمنيين للتمثيل في عملية صنع القرارات المرتبطة بالعمل الإنساني، بالقول: “لفترة طويلة جدًا، كان المانحون هم من يملي الأجندة وليس اليمنيين”، مؤكدًا التزام الأمم المتحدة بزيادة نسبة التمثيل في المستقبل.
6. تراجع نشاط المجتمع المدني
خيّمت حالة من الحزن على المشاركين في اليوم الأخير من أعمال منتدى اليمن الدولي، مع ورود خبر وفاة والدة إحدى المعتقلات اليمنيات، قبل أن تسنح لها فرصة رؤية ابنتها المعتقلة في صنعاء. برزت قضية الاعتقالات المستمرة للناشطين والفاعلين في المجتمع المدني وعمال الإغاثة في مناطق سيطرة الحوثيين كأحد أهم النقاشات في المنتدى، حيث أشار ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء، إلى أنه انخرط في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عاماً ولم يسبق أن شهد ضغوطًا تُمارس بهذا القدر على نشاط المجتمع المدني.
في هذا السياق، أكد المشاركون على ضرورة أن يُقدم المجتمع الدولي دعمه للمجتمع المدني في اليمن، وأن يدعو بقوة للإفراج عن المعتقلين. رغم أن طبيعة القيود في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أقل صرامة، دعا الحاضرون المسؤولين الحكوميين المشاركين في المنتدى إلى تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني وإصلاح القوانين التي تُقيد أنشطة هذه المنظمات. من جانب آخر، تطرقت النقاشات إلى استمرار تراجع حقوق المرأة اليمنية، فقد حثت سوسن الرفاعي، خبيرة في السياسات العامة، المجتمع الدولي على دعم النساء اليمنيات على الأرض وإيلاء الثقة لأفكارهن المطروحة، مؤكدة أنه رغم كل الصعاب، تبذل النساء اليمنيات قصارى جهدهن للدفاع عن قضاياهن، مما يستدعي دعمهن دون كلل.
7. المسار نحو العدالة الانتقالية
لم يحظَ مفهوم العدالة الانتقالية في اليمن بمثل هذا الزخم منذ انعقاد مؤتمر الحوار الوطني خلال عامي 2013 و2014؛ حيث قُطعت أشواط كبيرة منذ أن أُعيد طرح المفهوم في النسخة الأولى من منتدى اليمن الدولي عام 2022. أصبحت التوجّهات المقاومة والمناهضة والمشككة بهذا المفهوم تُقابل اليوم بتصميم أقوى من جانب الضحايا على تحقيق العدالة، وزيادة المطالب بإشراكهم في العملية السياسية. في هذا السياق، تساءلت رنا غانم، عضو هيئة التشاور والمصالحة التابعة لمجلس القيادة الرئاسي ونائبة رئيس لجنة العدالة الانتقالية والمصالحة، إذا ما كان الوقت قد حان للتكاتف لإعادة بناء البلاد، بالنظر إلى دورات العنف التي عانى منها اليمنيون.
خُصصت سبع جلسات (من أصل 29 جلسة عُقدت خلال منتدى اليمن الدولي) لهذا الملف، حيث ركزت معظم المناقشات المتمحورة حول العدالة الانتقالية على “الوسيلة” لتحقيق العدالة الانتقالية، بدلاً عن “الأسباب” التي تدفع لتحقيقها. ناقش المشاركون أيضا – من بين مسائل أخرى – مسار إصلاح النظام القضائي مستقبلاً، ودور القوانين العرفية والقبلية باليمن في رفد العدالة الانتقالية، وآليات إشراك الضحايا في تدابير العدالة الانتقالية والمصالحة، إلى جانب تخليد ذكرى الضحايا كوسيلة لإذكاء الوعي العام بمفهوم العدالة الانتقالية. كان من الملاحظ تطوّر طبيعة النقاشات حول ملف العدالة في منتدى هذا العام، حيث وضعت الأسس لرسم مسار يمني للعدالة الانتقالية.
رغم أن اليمنيين لا يزالون بحاجة إلى الاتفاق حول ما يعنيه ذلك في السياق المحلي، إلا أنه تم إحراز خطوة مُهمة: للمرة الأولى، ناقش قادة سياسيون بارزون وأحزاب سياسية بارزة بشكل علني مسار العدالة الانتقالية، ويجري النظر في خُطط لتدريب القضاة اليمنيين وإذكاء وعيهم بالقوانين والأعراف الدولية ذات الصلة.
8. التهديدات البيئية
حظي الوضع البيئي الحرج في اليمن باهتمام متزايد من المشاركين في منتدى اليمن الدولي (صنفت اليمن في المرتبة السادسة لأكثر الدول المهددة بآثار تغيرات المناخ وواحدة من أكثر البلدان شُحاً بالموارد المائية على مستوى العالم)، وأشار خبراء يمنيون في هذا المجال إلى أن استغلال واستنفاذ الموارد المائية، ونضوبها المتسارع، وغياب الأطر القانونية اللازمة لإدارة المياه قد يفاقم من حدّة الصراع ، خاصة وأن شح المياه أصبح عاملاً مهمًا من عوامل الصراع. توجد حلول عملية قابلة للتطبيق، لكنها تعتمد على زيادة الدعم في هذا المجال، بما في ذلك تحسين فرص اليمن بالوصول إلى صندوق المناخ الأخضر والاستفادة منه. إن وجود دعم مالي سَيساهم في إحياء الأساليب القديمة المحلية (التي لم تعد تُمارس اليوم)، مثل تجميع مياه الأمطار.
علاوة على ذلك، تناولت المناقشات حول الملف البيئي مسألة التحوّل إلى الطاقة المتجددة، حيث طُرح مفهوم العدالة الانتقالية الخضراء (أي المراعية للبيئة والمناخ). في هذا السياق، قالت سارة كنوكي، مديرة مركز دراسات حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: “يجب على القادة اليمنيين والجهات الفاعلة الدولية والمنظمات المنخرطة في عملية السلام، أن تأخذ الأضرار البيئية بعين الاعتبار، وأن يُسعى إلى التعامل معها من خلال آليات العدالة الانتقالية، وبطريقة تعكس عُمق العلاقة بين الأرض وسكانها”. تطرقت النقاشات أيضاً إلى إمكانية إنشاء مرصد بيئي متخصص لتوثيق ورصد الأضرار البيئية في اليمن.
9. إعادة تعريف الانخراط الإقليمي
شهد منتدى هذا العام حضورًا متزايدًا لوجهات النظر الخليجية، حيث ناقش الحاضرون ضرورة وجود انخراط إقليمي أكثر إيجابية، وبرزت ثلاث رسائل أساسية خلال المناقشات كالتالي: أولاً، أهمية أن تدعم الأطراف الفاعلة الإقليمية عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة – ليس كوسطاء بل كشركاء أساسيين لليمن في مساره نحو السلام؛ ثانياً، نقل المعرفة والتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي واليمن وكيف يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج بنّاءة وإيجابية، خصوصاً في التحوّل إلى الطاقة المتجددة وإدارة الموارد المائية، حيث تتشارك دول الخليج تحديات مماثلة مع اليمن؛ ثالثًا، النظر إلى اليمن كشريك اقتصادي مُحتمل، والذهاب إلى ما هو أبعد من النهج الأمني الذي ميّز انخراط مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكن أن يؤدي هذا إلى استدامة الأمن في المنطقة.

في هذا السياق، أشار الدكتور عبدالعزيز الغشيان، الباحث السعودي المتخصص في استراتيجيات السياسة الخارجية للمملكة ومدير الأبحاث في مؤسسة الأوبزرفر للدراسات الشرق أوسطية (ORF Middle East)، إلى أن معالجة القضايا الأمنية بفعالية تحتّم أخذ العوامل الاجتماعية والاقتصادية في الاعتبار. من ضمن الأمثلة على فرص التكامل الاقتصادي توسيع مشاريع رائدة ونموذجية كالمنطقة الحرة بالمزيونة بين عُمان واليمن، وتشجيع الحوار بين رجال الأعمال اليمنيين والخليجيين، وإحياء البرامج الهادفة التي تُسلح الشباب اليمني بالمهارات المطلوبة لدخول أسواق العمل الخليجية.
10. الطريق نحو السلام
رُغم الوضع السياسي القائم حالياً، أبدى المشاركون من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية دعماً قوياً لعملية السلام المتعثرة. في هذا الصدد، أعرب يوسف البلوشي، رئيس مجلس مسقط للسياسات، عن قناعته بأن خارطة طريق السلام برعاية الأمم المتحدة لا تزال قابلة للتنفيذ وأن الأوان لم يفت بعد.
يظل الخيار الوحيد المجدي هو جمع الأطراف اليمنية على طاولة المفاوضات لرسم مسار المستقبل، وهو ما يتماشى مع سعي المجتمع الدولي لتفادي حل عسكري للصراع. في هذا السياق، أشار الخبراء والمشاركون اليمنيون إلى تراجع الدعم لعملية السلام في اليمن، وعدم إحراز تقدم يُذكر في خارطة الطريق الحالية، مؤكدين على أن السلام الجامع والشامل هو السبيل الوحيد لضمان استدامة أي تسوية سياسية. من جانبها، قالت سفيرة مملكة هولندا لدى اليمن السيدة جانيت سيبن: “لا بديل للسلام، ولا بديل لسلام يدعمه ويبنيه الشعب اليمني بالكامل”.
أسدل أسامة الروحاني، المدير التنفيذي للسياسات والشراكات بمركز صنعاء، الستار على النسخة الثالثة لمنتدى اليمن الدولي الثالث، بالتأكيد على أهمية إبقاء قنوات الحوار حية في منابر كَمنتدى اليمن الدولي، مشيراً إلى أن الحوار يأتي بمثابة جسر بين اليمنيين والمجتمع الدولي، ومشدداً على أن التدابير البناءة التي تعقب المنتدى أهم من الجلسات نفسها.