يُهدد التصعيد السريع الذي جرى مؤخرا بين إسرائيل وإيران، بإعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية، ويكشف حدود قدرة جماعة الحوثيين (أنصار الله) على ممارسة دور أداة ضغط موثوقة لصالح طهران.
في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 13 يونيو، وقبل أن تبدأ إسرائيل هجماتها ضد إيران، كانت جماعة الحوثيين قد قدّمت نفسها باعتبارها التهديد الأكثر نشاطًا وفاعلية تجاه إسرائيل، وردًا على الضربات الجوية الإسرائيلية في اليمن، حذّرت الجماعة من أن لا موقع في إسرائيل سيكون آمنًا بالكامل، معلنة أنها تختبر صواريخ جديدة قادرة على إلحاق أضرار أكبر، بل وصل بها الأمر إلى دعوة البعثات الدبلوماسية في إسرائيل إلى الإجلاء والتنسيق مع “القوات المسلحة اليمنية” لضمان سلامتها. داخليًا، واصلت الجماعة الترويج لسردية مفادها أنها حققت نصرًا استراتيجيًا في البحر الأحمر، بزعم أنها أجبرت الولايات المتحدة على وقف غاراتها الجوية من خلال إيقاع خسائر وفرض تكاليف على الأصول البحرية الأمريكية والغربية.
الضربة الإسرائيلية ضد إيران قوّضت هذه السردية. في غضون أيام، فقدت طهران عددًا من أبرز علمائها النوويين، ومن القادة العسكريين رفيعي المستوى، وتعرضت منشآت نووية ونفطية حساسة لهجمات دقيقة، بما في ذلك مواقع قريبة من مقر المرشد الأعلى. هذه الضربات دفعت إيران إلى الرد المباشر، متخلية بذلك عن نمط الحرب بالوكالة الذي اتّبعته طويلًا.
رغم استمرار نشاط الحوثيين وادعائهم بإطلاق عدة صواريخ تجاه إسرائيل بالتزامن مع الرد الإيراني، إلا أن التفاوت بين الجانبين صار واضحًا: إذ نشرت إيران عشرات الصواريخ المتقدمة، بينما بدت الصواريخ الحوثية أقرب إلى هجمات رمزية، مثل إطلاق “عدد من صواريخ فلسطين 2”.
كان الحوثيون قد خرجوا لتوّهم من تحت وطأة حملة جوية مكثفة قادتها الولايات المتحدة وانتهت في مايو الماضي. أسفرت عملية “الراكب الخشن/ Rough Rider” عن مقتل المئات من مقاتلي الجماعة، بمن فيهم أبرز خبرائها الصاروخيين وعدد من قياداتها الميدانية. لقد أظهرت العملية أن لا أحد بمنأى عن الاستهداف، حتى القيادات العليا. في حين أفادت تقارير واسعة بأن إسرائيل استهدفت مؤخرًا رئيس هيئة أركان الحوثيين، محمد عبدالكريم الغماري، في صنعاء، يبقى من غير الواضح حجم المعلومات الاستخباراتية التي تمتلكها أجهزة الأمن الإسرائيلية والأمريكية حول الحوثيين مقارنةً بإيران أو حزب الله.
من المرجّح أن تؤدي الضربات التي طالت إيران إلى تقويض قدرة طهران على دعم الحوثيين ماديًا وعسكريًا، بالنظر إلى انشغالها داخليًا وإعادة ترتيب أولوياتها الأمنية. كما أن الصورة التي سعت الجماعة إلى ترسيخها عن نفسها كخصم مركزي لإسرائيل أصبحت أقل إقناعًا. مع ذلك، فإن مدى تأثير ذلك على قبضتها الداخلية يظل محل شك على المدى القريب.
خيارات محتملة أمام الحوثيين
من غير المرجح أن يتخلّى الحوثيون عن الهجمات الموجهة ضد إسرائيل في هذه المرحلة، إذ يسعون من خلالها إلى الحفاظ على ادّعائهم بأنهم يشكّلون قوة مقاومة في الخطوط الأمامية للدفاع عن فلسطين — وهو الدور الذي عملت الجماعة على ترسيخه منذ السابع من أكتوبر — وكذلك عن قضايا العالمين العربي والإسلامي بشكل عام..
سيواصل الحوثيون تأطير هذه الهجمات ضمن خطاب يربطها بالسعي إلى فك الحصار عن غزة، مع تعميق التنسيق المعلن مع طهران. يعزز ذلك تصريحات مثل تأكيد عبدالملك الحوثي أن “اليمن شريك لإيران في الموقف وبكل ما تستطيع”، بما يعكس توجّهًا واضحًا نحو الاصطفاف غير المشروط مع محور طهران.
تدل هذه اللهجة على رغبة الجماعة في تثبيت موقعها داخل محور المقاومة، رغم إدراكها للمخاطر الكامنة في اعتمادها على نظام قد يكون هشًا؛ إذ أن أي إضعاف للسلطة الإيرانية أو انهيارها المحتمل قد يترك الحوثيين في عزلة استراتيجية.
إذا ما تصاعد النزاع إلى مرحلة لا رجعة فيها، مع احتمال انخراط الولايات المتحدة بصورة مباشرة، فإن الحوثيين ألمحوا إلى إمكانية العودة إلى تعطيل حركة الملاحة في مضيق باب المندب، وربما بالتنسيق مع إيران التي لوّحت بدورها بإغلاق مضيق هرمز. قد يتراوح هذا التصعيد بين مضايقة السفن التجارية وتهديد الأصول البحرية الأمريكية أو حتى استهدافها. بالنظر إلى ما حدث للإيرانيين—الذين اتهموا واشنطن بازدواجية المواقف من خلال علمها المسبق بالهجمات وتقديمها دعمًا ماديًا لها، رغم استمرار المحادثات النووية—فقد يُعيد الحوثيون بدورهم النظر في اتفاق التهدئة القائم مع الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، سيعملون على تشديد الإجراءات الأمنية حول القيادات العليا وتعزيز الجبهات الداخلية، تحسّبًا لأي ضربات إضافية.
بالمقابل، تحركت المملكة العربية السعودية بسرعة لاحتواء التداعيات الإقليمية للتصعيد. كانت الرياض من أوائل الدول التي أدانت الضربات الإسرائيلية على إيران، حيث أجرى ولي العهد محمد بن سلمان اتصالًا مباشرًا بالرئيس الإيراني لنقل إدانة المملكة للهجوم، في خطوة تشير إلى التزام السعودية بإدارة التوترات الإقليمية والحفاظ على مسار التقارب الثنائي. توحي هذه الدبلوماسية الحذرة بأن الرياض تسعى إلى الحيلولة دون قيام إيران برد يستهدف المصالح الأمريكية في الخليج، بما في ذلك داخل الأراضي السعودية، وتجنّب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.
فيما يتعلق بالملف اليمني، فمن المرجح أن تعمد السعودية إلى ضبط إيقاع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومنعها من إصدار تصريحات تصعيدية أو التلويح بعمليات برية جديدة ضد الحوثيين، بخلاف الخطاب المتشدد الذي كان سائدا خلال عملية “الراكب الخشن”.
حتى الآن، أظهر التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، حدود فعالية الردع الحوثي في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية. عمليا، إيران تخوض المعركة حاليًا بمفردها. لا يعني ذلك أن الحوثيين خرجوا من المعادلة، لكن قدرتهم على تغيير موازين الصراع عسكريًا لصالح طهران تبقى محدودة، ورغم تقليصهم لوتيرة الهجمات البحرية في الآونة الأخيرة، لا يزال الحوثيون يحتفظون بالقدرة على تعطيل حركة الملاحة، إذا ما قررت إيران توسيع نطاق المواجهة. قد يبدو الدور الحوثي ثانويًا في هذه المرحلة، إلا أنه يظل مطروحًا كخيار محتمل في إطار تنسيق أوسع إذا ما اتسع الصراع.
هذا التحليل هو ضمن سلسلة من الإصدارات التي يُنتجها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بتمويل من حكومة مملكة هولندا. وتغطي السلسلة موضوعات اقتصادية وسياسية وبيئية، وتهدف إلى تغذية النقاش العام وصنع السياسات المتعلقة باليمن بما يعزّز تحقيق سلام مستدام. ولا تُعبّر الآراء الواردة في هذه المادة بالضرورة عن مواقف مركز صنعاء أو حكومة هولندا.