إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

حروب اليمن المتداخلة – مقابلة مع عبد الغني الإرياني

Read this in English

انضم المحلل والباحث اليمني، عبد الغني الإرياني، مؤخراً إلى مركز صنعاء كباحث أول بعد أن عمل في مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن، وبعثة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الحديدة والعمل لعقود من الزمن لدى منظمات دولية. بانياً على معرفته وخبرته ووجهات نظره النادرة بشأن المجتمع والتاريخ السياسي في اليمن، يشرح الإرياني وجهة نظره كيف اندلعت حرب اليمن كجزء من نزاع داخلي في العائلة السعودية المالكة، وكيف يتماشى تدخل الرياض العسكري مع خطة طويلة الأمد تهدف للوصول المباشر إلى المحيط الهندي، ولماذا تشعر معظم دول الخليج -بما فيها دولة الإمارات- بالقلق من السعودية أكثر من إيران.

كما يناقش الإرياني جذور الصراع بين النخب القبلية الزيدية الشمالية، وكيف تمنح عملية السلام الحالية للأمم المتحدة الحوثيين ما يتوقون إليه ببساطة -الاعتراف- خاصة بعد انتصار مقاتليهم في المعركة. وقد جعل كل ذلك -من وجهة نظره- استمرار الحرب أمراً إجرامياً، بينما تحقق أيضاً النصر لطهران.

في حديث مع باحثي مركز صنعاء، يناقش الإرياني أيضاً كيف يسير جنوب اليمن في إيقاعه الخاص، ولماذا تعتبر اتفاقية الرياض الأخيرة “برميل بارود” ينتظر الانفجار. ثم يتحدث عن دولة الإمارات التي تصرفت كـ”طفل في متجر حلوى” باليمن، إذ بذخت في العطاء للسلفيين الذين يمكن أن يصبحوا بسهولة قاعدة؛ أي قاعدة، من حزب الإصلاح إلى تنظيم القاعدة.

مركز صنعاء: ما أسباب الحرب في اليمن؟

عبد الغني الإرياني : لا يتفق اليمنيون على السبب الجذري للصراع، لذا لا يسعني سوى تقديم رأيي حول سبب اقتتال اليمنيين. من وجهة نظري، ما يجري هو دورة أخرى من التنافس على السلطة بين النخب القبلية الزيدية الشمالية من جهة وبقية اليمن من جهة أخرى. وقد ظهرت عملية التفاوض الاجتماعي هذه بشكل دوري على مر تاريخ الدولة. ومثّلت محاولة الثورة الدستورية عام 1948 جزءاً من تلك العملية، وكذلك كانت الثورة الجمهورية عام 1962 محاولة لكسر احتكار النخب القبلية الزيدية للسلطة. ومع ذلك، وفي كل مرة حاولت المكونات الأخرى لليمن القيام بذلك، كانت النخب الزيدية تخرج منتصرة في النهاية.

وكانت ثورة 2011 استمراراً لهذه العملية. الانتفاضة المكونة بشكل رئيسي من الطبقة الوسطى والفئات ذات الدخل المنخفض والجنوبيين وغيرهم ممن لم يتم تضمينهم في الصفقة السياسية التي أدارت نظام الحكم في اليمن، إذ سعت أساساً إلى كسر احتكار السلطة، ولاقت نجاحاً قصيراً في ترتيب تقاسم السلطة الذي استمر لعامين ونصف. ولكن كالعادة استعادت النخب القبلية الزيدية الشمالية سيطرتها. مع إضافة عنصر مهم من عناصر النخب الزيدية الشمالية هذه المرة، عنصر جرى استبعاده منذ بداية ظهور الجمهورية؛ وهو العنصر الديموغرافي الزيدي في صعدة.

ومع استمرار الحرب، اجتاح الحوثيون صنعاء واستولوا على العاصمة صنعاء بالقوة في 21 سبتمبر 2014. في البداية تحالفوا مع جناح حزب المؤتمر الذي بقي موالياً للرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل تهميشهم لحزب صالح تدريجياً وقتل صالح نفسه في نهاية المطاف. وبعد فترة وجيزة، بدأ الحوثيون في إعادة دمج الموالين لصالح، ليصبح أغلبيتهم الآن جزءاً من نظام الحوثيين.

في الواقع، ورث الحوثيون اليوم نظام صالح لكن بدون صالح. إذ سيطروا على مؤسسات الدولة، وأقاموا تحالفات مع شيوخ القبائل واستحوذوا على ما تبقى من حزب المؤتمر وترتيبات سلطتهم. باختصار، وفي حين يبدو هذا الصراع سياسياً، إلا أنه صراع على الهوية في الجوهر، حيث كتل ديموغرافية مختلفة تتنافس أو تقاتل أو تتحالف.

لم يكن جنوب اليمن جزءاً من عملية التفاوض الاجتماعي هذه التي جرت في الشمال. لهذا السبب يميل الجنوب إلى التصرف على طريقته الخاصة، طريقة لا تتماشى تماماً مع الدينامية المركزية للصراع اليمني عادة. فمن حيث الجوهر، يتصف الصراع في الجنوب بأنه صراع هويات بشكل أكبر منه حتى في الشمال، بين ما يشار إليه باسم “البدو” الذين يمثلهم الرئيس هادي وحلفاؤه، ورجال القبائل الذين يمثلهم المجلس الانتقالي الجنوبي.

كما أن هنالك البعد الإقليمي؛ حين وصل الحوثيون إلى عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء) في 2014، عرضت السعودية التدخل. لكن هادي رفض ذلك، وتطلع إلى زحف الحوثيين إلى صنعاء وقتل من كانوا يضايقونه، متوقعاً منهم بعد ذلك العودة إلى منازلهم. وبالطبع، لم يحدث ما كان يأمله. وبعد استيلاء الحوثيين على العاصمة وهروب هادي منها، طلب من السعودية التدخل، ووافقت هذه لسببين: الأول؛ خشية السعوديين من استدعاء الحوثيين للنفوذ الإيراني إلى البلاد – هناك بالتأكيد صلة بين الحوثيين وإيران، إلا أنها ليست قوية أو عميقة كما تقول السعودية – وجاء دخول الرياض في الصراع اليمني بهدف ردع تدخل وكلاء إيران. والسبب الثاني -وهو الأهم- تمثل في أن وزير الدفاع حينها، محمد بن سلمان، كان بحاجة إلى إنجاز كبير ليصبح ولياً للعهد. وحين رأى بعد الأشهر القليلة الأولى أن هذه الاستراتيجية -التدخل في اليمن- لم تنجح، أهمل الملف اليمني وبدأ يتشاجر مع أبناء عمومته وأعمامه.

كان من الواضح أن وراء حرب اليمن قضية داخلية سعودية كانت مبرراً رئيسياً لاندلاعها، وحين توقف هذا المبرر المحلي، لم يعد لدى محمد بن سلمان الوقت الكافي لإيقافها. ثم ظهرت أمور أخرى مثل اقتصاد الحرب. هناك أيضاً جناح في السعودية لا يزال حتى يومنا هذا يفكر في ضم حضرموت والمهرة، أو الحصول على حقوق تتجاوز الحدود الإقليمية فيهما.

بذلت السعودية جهداً جاداً لكسب الحرب حتى عام 2016 فقط، حين بدأت مفاوضات السلام الكويتية. وحين فشلت تلك المفاوضات، لم تُستأنف الجهود السعودية الجادة لكسب الحرب.

لماذا فشلت مفاوضات الكويت؟

جرت مفاوضات السلام الكويتية بين الحوثيين وحزب المؤتمر من جهة، وهادي والبقية من جهة أخرى. وكان للمفاوضات مستويان، فعلى المستوى الرسمي جرت المفاوضات بين حكومة هادي المعترف بها دولياً من جهة والحوثيين وصالح من جهة أخرى. إلا أن المفاوضات الحقيقية جرت في الغرف الخلفية بين السعوديين والحوثيين. وقدم السعوديون تنازلات كبيرة للحوثيين على أمل إنهاء النزاع. وحسب فهمي، اتفق الجانبان على تأمين الحوثيين للحدود السعودية اليمنية، وابتعادهم عن إيران وعودتهم إلى ما كانوا عليه في التاريخ الحديث؛ حلفاء السعودية. فى المقابل، ستتيح السعودية لهم الفرصة للحصول على حصة في الحكومة وأن يكونوا قوة مهيمنة داخل حكومة الوحدة الوطنية.

وللتوضيح، كان سكان صعدة على مدى أجيال مرتبطين على الدوام بالسعودية. وكانت صعدة جزءاً من اقتصاد السعودية، إذ كانت تستورد كل شيء من السعودية وكانت تصدر المنتجات هناك. كما كان العديد من سكانها يزورون المدن السعودية دون أن تسبق لهم حتى زيارة صنعاء. وكان الزواج والروابط العائلية العابرة للحدود من الأمور الشائعة بينهما. لذا يعد الوضع الحالي الذي يصطفون فيه ضد السعودية حالةً استثنائية، تطورت فقط على مدار العقدين الماضيين أو نحو ذلك، بسبب سوء إدارة صالح وخصمه علي محسن لحروب صعدة الست.

لكن في النهاية، فشلت مفاوضات الكويت لأن صالح لم يحصل على ما يريد. فقد طالب برفع العقوبات عنه وأن يكون لعائلته -نجله على وجه الخصوص- دور في الحكومة المقبلة. وحين لم يحصل على ذلك، اعترض على الاتفاق وتوقفت المفاوضات.

منذ محادثات الكويت، اتضح لي أن السعودية لم تعد تحاول كسب الحرب، بل أبقت النزاع عند مستوى منخفض يكون مقبول ومحتمل، ولهدف لم يكن واضحاً في ذلك الوقت. وعلى مدى السنوات القليلة التالية، أصبح من الواضح أن السعوديين كانوا يمددون الحرب بهدف ما حاولوا القيام به عام 1994؛ تفكيك اليمن، وتفكيك حضرموت والمهرة والوصول إلى المحيط الهندي. لقد كان ذلك هدفاً استراتيجياً ثابتاً للسعودية على مدار عقود من الزمن، بغية عدم الاعتماد على مضيق هرمز في مسلك صادراتها. وأنا على يقين من أن هذا سبب عدم سماح السعودية لقوات هادي بالتقدم على أي جبهات ضد الحوثيين إبان الفترة التي تلت محادثات الكويت. وقد تحدثت مع العديد من الجنرالات وقالوا؛ “في كل مرة حاولنا فيها التقدم، كانت قوات التحالف ترسل طائراتها لإيقافنا”.

كيف أُبرمت اتفاقية ستوكهولم، وما تقييمك لنجاحها بعد أكثر من عام؟

تبعت السعودية نفس السياسة السابقة في إطالة حرب اليمن حتى مقتل جمال خاشقجي، حين تكثفت الضغوط الدولية لوقف الحرب. وهذا ما أدى إلى اتفاق ستوكهولم.

تفاوضت الأمم المتحدة على اتفاق كان برأيي طموحاً أكثر من اللازم. وأعتقد أن التأكيد على استمرار عمل موانئ الحديدة وفتح الطرق وتوجيه العائدات من الموانئ لدفع الرواتب هي أمور يمكن تحقيقها، أما توقُّع أن تنسحب الأطراف بصورة كبيرة من مدينة الحديدة -ما يسمونه إعادة الانتشار لتجنب الأعمال العدائية- فيصعب تحقيقه.

أعتقد أن اتفاقية ستوكهولم حققت نجاحاً كبيراً مع ذلك. إذ فتحت الباب للتفاوض. وأعتقد أن عناصر الاتفاقية التي يتعذر تنفيذها الآن سيتم تنفيذها فقط كجزء من وقف الأعمال العدائية على الصعيد الوطني.

ما هو وضع مفاوضات السلام في الوقت الحالي؟

تسعى الأمم المتحدة الآن إلى المزيد من المفاوضات، معظمها فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق ستوكهولم. لكن علينا أن نقبل أن الأمم المتحدة هي مجرد أداة، ليست الأمم المتحدة من سيصنع السلام في اليمن، بل اليمنيون في حال كانت الأطراف جادة في المضي نحو السلام، حينها تكون الأمم المتحدة أداة مفيدة للتفاوض على التباينات. أما إذا كان أحد الأطراف لا يريد التوصل إلى السلام، فبغض النظر عن مدى ذكاء المبعوث الخاص، لا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئاً، لا يمكن لأحد فرض اتفاق سلام على أحد.

أعتقد أننا وصلنا الآن إلى نقطة يمكن تحقيق السلام فيها. العوائق التي تقف في طريق السلام تتساقط واحداً تلو الآخر. كان اقتصاد الحرب من العقبات الرئيسية، ولكن على مدى الأشهر القليلة، وربما السنة الماضية، انخفض مدخول العاملين فيه. وقد تمثل مصدر الدخل الرئيسي للحوثيين في الرسوم التي فرضوها على المنتجات البترولية المستوردة. لكن انخفاض قيمة الريال اليمني أدى إلى زوال هذا الدخل. ولا يمكن للناس أن يدفعوا أكثر مما يدفعون حالياً، لذلك لا يمكن أن تكون زيادة الأسعار تعويضاً لانخفاض قيمة الريال.

على الجانب السعودي والرئيس هادي، أعتقد أن السعوديين يشددون الخناق قليلاً على الأموال التي تذهب لحلفائهم في اليمن. وعلى الرغم من أن إنفاقهم الشهري على حرب اليمن لا يزال يبلغ نحو 1.85 مليار دولار، لا يبدو أنهم ينفقون الكثير من المال للحفاظ على حلفائهم في هذا الصراع. على الجانب السياسي، أعتقد أن السعوديين حين شعروا بعجزهم عن تنفيذ مخططاتهم الاستراتيجية طويلة الأمد بشأن اليمن، وجدوا السلام هو الخيار الأفضل لهم. وبحلول عام 2019، كان السعوديون يستعدون بشكل واضح للسلام، ولكن مشكلة واحدة كانت تقف في طريقهم؛ وهي أنهم تعرضوا للإهانة.

كانوا بحاجة إلى ضرب الحوثيين بشدة، وتسديد ضربة قوية أو اثنتين قبل إعلان نهاية الحرب. حاولوا مرتين، الهجوم على صعدة في أغسطس/ آب – سبتمبر/ أيلول الماضي، ولكنهم فشلوا بشكل ذريع. وبدلاً من كسبهم انتصاراً لحفظ ماء الوجه، ازدادت إهانتهم. وذلك ما جعل من الصعب عليهم بدء مفاوضات سلام جادة.

أعتقد أن حفظ ماء الوجه لن يحدث في ساحة المعركة، إذ أظهر السعوديون قلة كفاءة مراراً وتكراراً، وليس أمامهم سوى الطريق السياسي. دون ذلك أعتقد أنهم سيواصلون الصراع، وربما يزيدون من حدته، بما سيؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء. لكن لا توجد طريقة يمكنهم فيها تغيير النتيجة؛ فقد أظهروا أنهم غير قادرين على هزيمة الحوثيين عسكرياً.

أي طرف له اليد العليا في الحرب؟

أعتقد أن الحوثيين، وبدعم من إيران، قد انتصروا في الحرب، ولا يمكن تغيير ذلك. يختلف الكثير مع رأيي ولكنني أقول ذلك بسبب ما يلي؛ أصبحوا يسيطرون بشكل كامل على مؤسسات الدولة اليمنية. وسيطروا على النخبة السياسية التي حكمت اليمن لعقود من الزمن ويفرضون سلطتهم على غالبية السكان، في وضع يسمح لهم بالتحدث باسم الشعب اليمني، في حين شُرّدت الحكومة المعترف بها دولياً وفقدت مصداقيتها على مر السنين. هم الآن صوت الزيديين الشماليين وأصبح الناس يلجأون إليهم للحفاظ على مصالحهم.

لذلك لدينا جانب يسيطر على الدولة اليمنية وآخر غير قادر على تنفيذ أي شيء. فقدت الحكومة المعترف بها دولياً قاعدتها في الجنوب ولم تتمكن من بناء مؤسسات للتنافس مع تلك التي يسيطر عليها الحوثيون. كذلك فقدت مصداقيتها لدى السكان، الذين باتوا يرون أن الحكومة تشارك عن قصد في استخدام الاقتصاد سلاحاً ضد السكان. وتُلام الحكومة بشأن إغلاق مطار صنعاء. وتُلام بشأن العقبات التي تعترض استيراد المنتجات البترولية والأغذية والسلع الأساسية. وتُلام على نقل البنك المركزي إلى عدن والتعهد بدفع رواتب جميع [موظفي القطاع العام]، ثم عدم دفعها. لذا، لن يمنحهم عامة السكان أي شرعية. شرعية الحكومة متأتية في الوقت الحالي من مجلس الأمن الدولي، الذي يمكن أن يصادرها في أي وقت يريد، وحينها لن يتبقى لدى الحكومة شيء.

والآن؛ فبعد انتصار الحوثيين برأيي، لم يعد استمرار الحرب غير معقول فحسب، بل جريمة. لكن بين جماعة هادي كثيرون يعرفون أن حياتهم المهنية ستنتهي مع نهاية الحرب.

تواصل الأمم المتحدة متابعة سعيها لتطبيق صيغة الكويت في المفاوضات؛ وقف عام للقتال وتشكيل حكومة وحدة وطنية وترتيبات أمنية في صنعاء للحكومة الجديدة وعودة القادة العسكريين الذين فروا في 2015، إلا أن هذه الصيغة مستحيلة التنفيذ. يبدو أن أي ترقيع مع الجيش لن ينجح -لا توجد طريقة لإنشاء قوات أمن محلية مقبولة من كلا الجانبين. والسبب سيطرة جانب واحد هو الجانب الحوثي على كل شيء. فلماذا سيقبلون في التخلي عنه؟

لسوء الحظ، لن يؤدي مسار المفاوضات التي يتابعها المبعوث الخاص مارتن غريفيث الآن إلا إلى طريق مسدود. أعتقد أن عليه، بل علينا جميعاً للأمانة، البدء بالتفكير في طريقة جديدة قابلة للتنفيذ. علينا إدراك أن أقصى ما يمكننا الخروج به من المفاوضات هو تجميد الوضع الحالي وترسيمه بحيث يتحكم كل طرف ويدير المناطق والسكان الذي يسيطر عليها حالياً. نحن بحاجة إلى ترسيم خرائط السيطرة، وتعزيز التنسيق بين المجموعات المختلفة بحيث يمكن استعادة المؤسسات الوطنية التي تم تقسيمها إلى كيانين أو ثلاثة. وبمجرد توحيد هذه المؤسسات الوطنية وإعادة تنشيطها، يمكننا بعدها البدء في الحديث عن استعادة الدولة اليمنية، وأعتقد أن أي نهج آخر سيكون حالماً وغير قابل للتنفيذ. وأظن أكثر الخيارات التي تحظى بفرصة للنجاح هو الاتفاق على حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات ضبطية أكثر من كونها تنفيذية. من شأن حكومة كهذه أن تعمل على استعادة وإعادة توحيد وتنشيط مؤسسات الدولة الوطنية، ثم نقل هذه المؤسسات إلى اختصاصات مختلفة للحكومات المحلية وترسيم تلك التي تم نقلها على نحو اختصاصي.

هل يثق الطرفان في الأمم المتحدة؟

لا يثق الحوثيون في الأمم المتحدة. مرة كنت في اجتماع مع بعض القادة الحوثيين وسمعت منهم اتهامات للأمم المتحدة بالانحياز إلى الجانب الآخر. وقلت لهم بكل وضوح؛ الأمم المتحدة تحكمها قرارات مجلس الأمن في واقع الحال، ولآراء الأعضاء الدائمين فيه تأثير كبير على البعثة الخاصة إلى اليمن. ومع ذلك، ما يريده الحوثيون بشكل رئيسي هو اعتراف الأمم المتحدة بهم على أنهم الدولة اليمنية، وبالنظر إلى واقع سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة اليمنية، يتوجب على الأمم المتحدة التعامل معهم، وبالتالي منحهم هذا الاعتراف. وبينما حاولت الأمم المتحدة تبطيء العملية قدر الإمكان، إلا أنها أعطتهم تدريجياً ما يريدون؛ الاعتراف.

من ناحية أخرى، ليس لدى الحكومة المعترف بها دولياً سوى الأمم المتحدة لمنحها الشرعية، لذا تثق الحكومة في الأمم المتحدة بطبيعة الحال. وتعلم الحكومة أن الأخيرة تبذل قصارى جهدها لمساعدتها على العودة إلى صنعاء. يمكن للسعودية ممارسة تأثير مفرط على ما تفعله الأمم المتحدة لمجموعة متنوعة من الأسباب، فهي تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ولديها أيضاً نقاط نفوذ مختلفة إذا أرادت مضايقة الأمم المتحدة، يمكنها حجب تراخيص رحلات الأمم المتحدة إلى صنعاء، مثلاً. ويمكنها رفض تمويل المهمة الخاصة وأنشطة الأمم المتحدة الأخرى. هناك العديد من الطرق التي يمكن للمملكة عبرها وضع العراقيل أمام الأمم المتحدة. ليست هذه الأدوات متاحة على الجانب الآخر. لتلك الأسباب، ليست الأمم المتحدة محايدة في هذا الصراع، ولا يمكنها أن تكون كذلك لأسباب برغماتية للغاية.

أشرتَ إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي تم تبنيه عام 2015 والذي يكرس شرعية حكومة هادي بشكل رئيسي. هل ما زال للقرار دور يلعبه؟

صدر القرار 2216 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وهدف إلى ردعهم وإجبارهم على التراجع بعد الانقلاب وإعادتهم إلى العملية السياسية. ولكن لأنه فشل في تحقيق هذا الهدف وفقد بعد بضعة أشهر جدواه، ظهرت الحاجة إلى حل جديد أكثر توازناً وواقعية للتعامل مع الحوثيين.

منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، اُستخدم القرار 2216 بشكل سلبي. إذ استخدمه السعوديون لإطالة أمد الحرب. وحين ضغط المجتمع الدولي على السعوديين لوقف الحرب، قالوا “نحن مستعدون ولكن على الحوثيين تنفيذ القرار 2216” أي الإنسحاب من صنعاء، وتسليم الأسلحة والعودة إلى صعدة، وبعدها يمكن التوصل إلى اتفاقيات.

تم فرض هذه الشروط المستحيلة واستخدامها لإطالة أمد الحرب لسنوات. وعلى الرغم من ذلك، كان المستفيد الرئيسي من القرار 2216 هو الطرف الأكثر تنظيماً؛ الحوثيون. صلاحية القرار 2216 انتهت قبل أربع سنوات، ولا يزال المجتمع الدولي يفكر في إصدار قرار جديد. صحيح أن للمبعوث الخاص للأمم المتحدة دوراً، ولكن في النهاية، الأميركيون والبريطانيون هم من يقرر كل شيء؛ يقررون وأعينهم على السعودية؛ يتخذون قراراتهم شرط ألا يُغضبوا السعودية. وفي النهاية الرغبة السعودية هي ما يوجه القرارات الدولية المتعلقة باليمن. بعبارة أخرى، لا أحد مستعد لاتخاذ قرار قد يتسبب مثلاً في خسارة شركة بوينغ لصفقة طائرات بقيمة 20 مليار دولار لصالح إيرباص.

دعنا ننتقل إلى لاعبين آخرين في الصراع. إذا نظرنا إلى الجنوب، هل تعتقد أنه يمكن لاتفاق الرياض إحداث تفاهم دائم بين الحكومة المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي؟

لسوء الحظ، تم نسخ مفاوضات جدة من نفس إطار مفاوضات الأمم المتحدة من أجل وقف الأعمال العدائية على مستوى وطني. وحملت الصياغة نفسها، ما يعني برميل بارود سينفجر في المستقبل.

يتحدثون عن السلام والوئام الذي سيعم بين جماعة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، بالصياغة ذاتها التي تم الحديث فيها عن إعادة القوات الحكومية إلى صنعاء وتعميم السلام والوئام بين الجميع. بينما هي صياغة لجولة جديدة من النزاع. ولا أعتقد أنها ستساهم في عملية صنع السلام الوطنية.

الاتفاق احتوى على جزء وحيد جيد، وهو الاعتراف بالمجلس الانتقالي الجنوبي طرفاً في النزاع، يحق له مقعد في المفاوضات على المستوى الوطني. تهميش المجلس الانتقالي الجنوبي كان يعيق عملية السلام في اليمن، حيث جعل تمثيل الجنوب مائلاً لصالح جانب واحد من الصراع، ما جعل الجزء الذي يمثله المجلس الآن خصماً محتملاً لأي اتفاق. أعتقد أن جماعة المجلس لم يعودوا جادين بشأن الانفصال، فهم يدركون صعوبة الأمر. ولكنهم يريدون ما يكفيهم من السلطة والاستقلالية، ويريدون موقعاً على طاولة المفاوضات واعترافاً بدورهم كممثلين لمعظم الجنوب. وأعتقد أن الناس يرون ذلك كأمر إيجابي؛ فالجنوب بحاجة إلى تمثيله بكل مكوناته وليس فقط من جانب هادي.

يتزايد الجدل عن السلفيين في اليمن. هل يمكنك شرح دورهم بإيجاز؟

السلفيون هم قاعدة القواعد كلها، أي أنهم قاعدة شعبية للأحزاب الدينية. الإصلاح يأخذ منهم، والقاعدة تأخذ منهم، وداعش يأخذ منهم. وكان رهان الإماراتيين على السلفيين خطأ تاريخياً.

لكن ألم يكن رهان ثبتت فاعليته؟

حين جلست مع الإماراتيين، سألتهم: “هل تعرفون ماذا تفعلون في اليمن؟ أنتم تستخدمون السلفيين لمواجهة حزب الإصلاح”. كان ذلك عام 2015.

قبل عام 1991، كان الإصلاح يتحدث بلغة السلفيين ولم يكن هناك اختلاف بين الاثنين. في ذلك الوقت، سُمح بأن يصبحوا حزباً ويكونوا معتدلين ومتسامحين مع الآخرين ومستعدين للمشاركة في العملية السياسية. ولا يزال لديهم جناح متطرف، سلفي صرْف ويرفض كل هذا ويشارك في العملية السياسية لأهداف المراوغة والالتفاف فقط. لكن جزءاً كبيراً من الإصلاح أصبح معتدلاً من حيث الشراكة والتعاون مع الآخرين والآن أنتم (الإمارات) تستخدمون السلفيين ضد الإصلاح. في غضون 10 أو 15 عاماً، قد يتحول هؤلاء السلفيون، في أسوأ الأحوال، إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو داعش. وفي أحسن الأحوال سينضمون إلى الإصلاح. إذن لم الانتظار 10 أو 15 سنة للتعامل مع الإصلاح؟ تعاملوا معه الآن.

يمكن تفسير سلوك الإمارات بتعارض منطق عملهم مع منطق عمل الإسلاميين إلى حد كبير، لذا لم تجد دولة الإمارات أي بديل سوى القضاء عليهم. وهي تستهدف الإسلاميين المعتدلين الذين يمكن قبولهم في أوساط المجتمع الدولي. لكنهم بدفعهم القاعدة الشعبية المعتدلة من الإسلاميين إلى جهة الجماعات المتطرفة مثل القاعدة، فهم يعلمون أن المجتمع الدولي سينضم إليهم في مهاجمتهم والقضاء عليهم.

أخبرنا المزيد عن الإصلاح، ما هو؟

الإصلاح قبيلة قبل أي شيء آخر -كانت قبيلة زيدية. لاحظ الأصول الزيدية أو الهوية الزيدية لدى جميع قادة الإصلاح الرئيسيين، الهوية التي أسميها الهوية القبلية الزيدية الشمالية. والزيدية هوية اجتماعية وليست طائفة دينية. وقد هدفت الانتفاضة عام 2011 إلى إنهاء احتكار القبائل الزيدية الشمالية للسلطة. الإصلاح جاء واختطف الثورة، وكان يحاول عملياً اختزال الأمر في سؤال من سيخلف علي عبد الله صالح. كان هذا البديل بالنسبة للإصلاح هو حميد الأحمر (النائب البارز في الإصلاح، ورجل الأعمال القوي وأحد شيوخ اتحاد قبائل حاشد الشديد النفوذ)، ما يعني إعادة تدوير النخبة القبلية الشمالية بدلاً من مشاركة بقية المجتمع.

وكان ذلك سبب فقدانهم لقاعدتهم الشعبية، وكان الناس سواء في الشارع الزيدي أو بقية اليمن، يرونهم يزيلون نظام علي عبد الله صالح ويستبدلونه بالجانب القبيح من نظامه. مثّل الأحمر وعلي محسن (نائب الرئيس) الوجه الآخر لنظام صالح. لذلك اختطفا الثورة وحولاها من ثورة اجتماعية إلى لعبة سلطة بين النخب القبلية الزيدية الشمالية. أما الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بتقاسم السلطة جرى استبعادهم تماماً. وسيطرت النخب القبلية الزيدية الشمالية على حزب الإصلاح، الذي يُفترض أنه من جماعات الإخوان المسلمين الوهابية، ولذلك نشب صراع داخل النخبة نفسها. لذا من غير الصحيح القول بأن الثورة أُجهضت عام 2012 حين تم التوقيع على المبادرة الخليجية. بل أُحبطت حين انضم إليها علي محسن ومولها حميد الأحمر. لقد انتهت الثورة بالفعل في ذلك الوقت، وما تلاها كان مجرد صراع بين النخبة نفسها، النخبة الحاكمة.

هل هناك شعور بالكراهية قائم على الهوية في اليمن؟

الانقسامات كلها قائمة على الهوية وينسحب ذلك على المستوى السياسي، ولكن هذه ليست كراهية. فالانقسامات مبنية على المصالح، لا العداء. قبل الثورة كان رجال القبائل الشمالية يحتكرون معظم المناصب الحكومية، فجامعو الضرائب والشخصيات العسكرية والأمنية والقضاة انحدروا بشكل رئيسي من الزيديين الشماليين. وفي الحفاظ على ذلك مصلحة خاصة كان الآخرون يتحدونها. لكنني لا أعتقد أن اليمنيين يكرهون بعضهم إلى درجة القتال. بل تُمثّل المعركة الحالية عملية تفاوض اجتماعي حول المصالح الاقتصادية.

شهدنا تنافساً متزايداً بين القاعدة وداعش في اليمن. كيف تُقيّم فرص كل منهما؟

ليست داعش سوى علامة تجارية، ولا يتجاوز عدد الأعضاء المرتبطين بها تنظيمياً بضع عشرات ربما. وما من شك في أن القاعدة أيضاً علامة تجارية، لكن عدد العناصر المرتبطين بها تنظيمياً يقدّر بالآلاف.

ويصحّ القول إن القاعدة في اليمن من أهم فروع القاعدة في العالم، لكنها منظمة صغيرة ومعظم حاملي علم القاعدة ليسوا أعضاء فيها؛ ليسوا عناصر حقيقيين في القاعدة ولا يمكن القضاء عليهم عن طريق الطائرات بدون طيار، وإنّما عبر المتخصصين الاجتماعيين ومشاريع التنمية.

بالعودة إلى آفاق التسوية السياسية. لماذا استأنف السعوديون المحادثات مع الحوثيين العام الماضي؟ ولماذا يهتم الحوثيون بوقف النزاع الآن طالما أنهم انتصروا فعلياً على حد قولك؟

فيما يتعلق بمقترح الحوثيين بوقف إطلاق النار، ما زال السعوديون يفاجئوننا من نواح عدة. يدّعي الحوثيون تنفيذهم الهجوم على أرامكو (في سبتمبر/أيلول 2019) الذي كان ضربة قوية للسعوديين. ثم قال الحوثيون، “سنتوقف عند هذا الحد”. المذهل أن السعوديين قالوا نعم، وقالوا إنهم يفكرون فيما إذا كانوا سيوافقون على وقف إطلاق النار، وهو موقف سياسي غريب. هناك ديناميات داخلية ما، لا تعرفها. من وجهة نظري، لا يستطيع السعوديون وقف القتال وهم في الجانب الخاسر. ما يفعلونه الآن مؤشر على رغبتهم القيام بشيء ما على الجانب العسكري لإنقاذ ماء الوجه، لكن توقعاتي أنهم لا يستطيعون، وأنهم سيفشلون.

يتصف الحوثيون بالبراغماتية الشديدة، إذا قدمت لهم صفقة سلام اليوم، سيوافقون. إذ يعلمون أن تفوقهم وانتصارهم الحالي هو الوقت الأنسب لإنهاء الحرب. في حين أنهم قادرون عسكرياً تماماً، إلا أنهم يعانون اقتصادياً، إذ لا يدفعون رواتب، والناس يتضورون جوعاً. ولا يمكنهم الاحتفاظ بالسيطرة لفترة طويلة مع عجزهم عن دفع الرواتب على الأقل. لذا يصدّرون كل المؤشرات التي تدل على رغبتهم في السلام. لكن المشكلة أنهم يريدون سلام المنتصر، الذي لا يريد أحد أن يمنحهم إياه في الوقت الحالي. أعتقد أنه قبل ستة أشهر، كان سعيهم إلى سلام المنتصر طموحاً جداً، لكنه اليوم يبدو حسبة معقولة. وقد يطلبون المزيد في الغد.

تعاني جماعة الحوثيين من انقسامات داخلية شديدة، ويختلف السياسيون والعسكريون فيما بينهم. ومع ذلك، فهي منظمة شديدة الانضباط وولاؤها لقائدها مطلق. ولولا ذلك لكانوا قد اقتتلوا فيما بينهم. لكن هذا الولاء يبقيهم متّحدين ومنضبطين. ولذلك هم الجانب الوحيد في اليمن الذي يمكنه الالتزام باتفاقية إذا أراد، ولا يمكننا قول ذلك عن هادي أو المجلس الانتقالي الجنوبي أو أي من المشاركين النشطين الآخرين في النزاع. الحوثيون يدينون بالولاء لمكتب الزعيم الديني الأعلى، والذي إذا سقط في الحرب سيحل محله شخص آخر ويتمتع بالولاء والانضباط ذاته.

بالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الحوثيون، ألا تستطيع حكومة هادي الانتظار؟

تكمن المشكلة في أن الجانب الذي تمثله الحكومة يتضعضع أيضاً، وقدرته على الاستمرار أقل من قدرة الحوثيين. لذلك لا أعتقد أن هذا الخيار معقول، على الرغم من أن الحكومة ستحاول القيام بذلك. لكي نكون منطقيين، علينا الاعتراف أن حكومة -ولو معترف بها دولياً – تعيش في فنادق بلد آخر هي حكومة ذات نفوذ محدود.

ماذا عن العلاقة بين إيران والحوثيين؟ كيف نفهم ذلك في ضوء المحادثات السعودية الحوثية؟

ترسل إيران شحنات منتظمة من المنتجات البترولية للحوثيين، قُدّرت قيمتها بين 200 و250 مليون دولار سنوياً. ولكن هذا ليس سوى مساهمة صغيرة في إجمالي إيرادات الحوثيين. كما تقدم إيران المشورة السياسية، والتدريب العسكري للحوثيين، وكان هناك ما لا يقل عن 5000 طالب يدرسون في إيران في وقت ما. ونعلم أنهم يرسلون أحياناً صواريخ أو قطعاً من صواريخ، ولكن الأسلحة التي تستخدمها الجماعة متاحة بالفعل في السوق السوداء. وإذا لم ترغب إيران في التورط فلن تحتاج إلى إرسال الصواريخ. أحد وزراء الحوثيين تاجرُ أسلحة مشهور، واسمه على قائمة الأمم المتحدة، ولديه شبكة لتوفير الأسلحة من أي مكان في العالم.

يصعب تقدير مدى الارتباط الأيديولوجي بين إيران والحوثيين لكنه موجود. وهناك الاعتماد المتبادل والمصلحة المتبادلة. إلا أن الحوثيين ليسوا وكيلاً لإيران أو بيدقاً يحرّكونه، ولديهم أجندتهم الخاصة، فهُم قوة محلية ذات أجندة محلية. يتحالفون مع إيران، ولكنهم لا يخضعون لتأثيرها بالطريقة التي يُروَّج لها. ولا تمتلك إيران، في الواقع نفوذاً على الحوثيين بالشكل الذي يتحدث عنه الجميع.

لا يمكن لإيران منع الحوثيين من إبرام صفقة مع السعوديين مثلاً، ولا توجد طريقة تسمح للسعوديين بإنهاء الحرب بشكل يقبلونه دون عقد صفقة مع الحوثيين. وأعتقد أن محادثات الكويت تشير إلى إمكانية إبرام صفقة بينهم. إيران من جهتها تبذل قصارى جهدها لبيع اليمن مقابل شيء أكثر ديمومة، مثل سوريا. وقد ظلت إيران تقول للجميع “لماذا لا تشركوننا في اليمن، يمكننا المساعدة في صنع السلام”. لكن ورقة اليمن سقطت في حضن إيران دون بذل الكثير من الجهد، وإيران تعرف أنها ستنتهي صلاحيتها عما قريب وأنها ستخسرها إذا لم تستخدمها. لذلك تحاول استخدامها الآن للحصول على تنازلات في ميدان آخر.

ما تقييمك للعلاقة بين زعيمتي التحالف -السعودية والإمارات- بعد انسحاب الأخيرة من اليمن؟

أولاً، يجب أن نوضح لماذا تتعارض الدولتان. السعودية دولة توسعية اقتضمت مساحات من كل دولة مجاورة لها باستثناء إسرائيل. السعودية -وليس إيران- هي التهديد الوجودي الرئيسي للدول الأصغر في الجزيرة العربية. جميع الأطراف تدرك أنه إذا حاولت إيران الاستيلاء على قطر أو الإمارات، فلن تتمكن من النجاة بفعلتها. ولكن إذا فعلت السعودية الشيء نفسه فستكون لديها فرصة معقولة لفعل ذلك والإفلات من تبعاته. يجب أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار لفهم سبب انخراط الإمارات في اليمن.

أعتقد أن الهدف الرئيسي للإمارات هو التأكد من عدم حصول السعودية على منفذ إلى المحيط الهندي. وقد استولت الإمارات على الجنوب بأكمله بسرعة كبيرة، وأظهرت نجاعة عسكرية وفعلت كل ما يلزم لإنشاء قوة جنوبية.

انسحاب الإمارات ارتبط بالعديد من الجوانب، منها تصاعد خطر انخراط إيران مماقد يتسبب بأضرار جسيمة للإمارات، ومنها ازدياد قدرات الغارات الجوية للحوثيين. ولكن أعتقد أن الجانب الرئيسي هو أن مهمة الإمارات قد أُنجزت، لقد شكلوا قوة عسكرية يمكنها إحباط أي مخططات سعودية على الأراضي اليمنية الجنوبية. وبذلك أمكنهم العودة إلى ديارهم والاعتماد على حلفائهم للقيام بدورهم.

كثيراً ما يتهم الناس الإمارات بمحاولة السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية. ضع في اعتبارك ما يلي؛ شركة موانئ دبي الدولية حصلت على امتياز لمدة 25 عاماً لتشغيل محطة الحاويات والمنطقة الحرة في ميناء عدن، وفي عام 2013 فقط تطلبت الموانئ استثمار نحو 85 مليون دولار لأعمال الصيانة، ولكنها رفضت ذلك باعتباره غير مجدٍ اقتصادياً. وكان على الحكومة اليمنية أن تلغي الاتفاق لعدم الامتثال. هل تظن أن عدن لم تكن تستحق 85 مليون دولار عام 2013، والآن بعد 2015 تستحق بذل مليارات الدولارات؟ جاءت الإمارات إلى اليمن بهدف استراتيجي واحد، وهو إحباط المخططات السعودية للوصول إلى بحر العرب. بعد أن سيطرت على جنوب اليمن، بدأت الإمارات تتصرف لاحقاً كطفل في متجر حلوى؛ تلتقط الموانئ والجزر هنا وهناك بدون آفاق واقعية ولا مسارٍ في القانون الدولي لتتمكن من الاحتفاظ بها.

هل ما زالت عُمان وسيطاً بعد أن عبرت عن هواجسها من الوجود السعودي في محافظة المهرة على الحدود العمانية اليمنية؟

عُمان الآن أكثر انخراطاً في الصراع اليمني، وهي متهمة بدعم تهريب الصواريخ واستضافة كل من يقف ضد السعودية. العمانيون يخشون من سيطرة السعودية على المنطقة ويفعلون كل ما بوسعهم لمنع ذلك. ولو كانت علاقة عمان مع الإمارات أفضل، لربما نسقتا جهودهما ضد السعودية. ولكن بسبب إفساد الإمارات علاقاتها مع السلطنة يبدو أن الأخيرة تقف بمفردها.

ماذا تفعل قطر في اليمن؟

قطر بالنسبة لها تدافع عن نفسها، إنها مسألة حياة أو موت. ولذلك هي تحاول خلق مشاكل للسعودية في كل مكان من أجل تقليل ما تراه تهديداً وجودياً عليها من السعودية.

قلت مؤخراً إن إيران ربحت في اليمن؟

ربحت لأنها لم تخسر. تخيل أنك استثمرت ما بين 50 إلى 60 مليون دولار على مر السنين -من الثمانينيات حتى عام 2014- مقابل عشرات المليارات التي استثمرتها السعودية. والآن جماعتك تنتصر بينما جماعة السعودية في الفنادق،؟ هل هناك نصر أفضل؟


عبد الغني الإرياني باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، يركز عمله على عملية السلام وتحليل النزاعات وتحولات الدولة اليمنية. يتمتع الإرياني بخبرة تزيد عن ثلاثة عقود كمستشار سياسي وإنمائي. يغرد على موقع تويتر باسم @AbdulGhani1959.

نشرت النسخة الانجليزية من هذه المقابلة بتاريخ 10 مارس 2020


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.

مشاركة