أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بوضوح أن إدارته ستنهي دعمها للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، ولكن ليس واضحًا بعد كيف ستبدو السياسة الأمريكية تجاه اليمن في ظل إدارة بايدن.
لطالما كانت سياسة واشنطن تجاه اليمن مدفوعة بمصالح مكافحة الإرهاب ومصالح إقليمية أوسع، وظلت على ما هي عليه دون أي تغيير جوهري خلال عهد إدارات الرؤساء الثلاثة جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب. وفي بعض الأحيان، كثفت الولايات المتحدة ضربات الطائرات المسيّرة أو خففت من حدة العمليات البرية العسكرية المباشرة، ولكنها تركت الشؤون الداخلية اليمنية -السياسية والاقتصادية والأمنية- باستمرار للسعودية. وفيما يتعلق بحرب اليمن، دعمت واشنطن السعودية بثبات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ووفرت الأسلحة والدعم اللوجستي لمواصلة القتال ضد جماعة الحوثيين المسلحة.
ولكن خلال النصف الثاني من فترة إدارة ترامب، بدأ دعم الولايات المتحدة في الكونغرس حول استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه يتذبذب إلى حد كبير. صُدم المشرعون بتعذيب وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، المقيم الدائم في الولايات المتحدة والمعروف في واشنطن، في أكتوبر/تشرين الأول 2018 داخل القنصلية السعودية في اسطنبول. كما ازدادت المعارضة على مبيعات الأسلحة في الوقت الذي تنامت فيه المخاوف بشأن دور السعودية في حرب اليمن. استمر ترامب بدعم القيادة السعودية بلا هوادة ولكن بدأ بعض المنافسين من الحزب الديمقراطي بطرح أسئلة حول العلاقة مع السعودية وأولويات الولايات المتحدة في الخليج وتأثير القرارات الأمريكية على اليمن.
سيستلم أحدهم، بايدن، سدة الرئاسة في يناير/كانون الثاني. تعهّد بايدن بإحداث تغيير في هذه السياسات ولكنه لم يوضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتراجع ببساطة عن القتال أو ستستثمر رأس مال دبلوماسي في اليمن. في هذا المنشور، يناقش أربعة خبراء السياسة التي يجب أن تتبناها إدارة بايدن في اليمن.
هذه المادة جزء من سلسلة إصدارات لمركز صنعاء تناقش أدوار الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين الأجانب في اليمن.
التحدي الثلاثي أمام بايدن في اليمن
ستايسي فيلبريك ياداف، أستاذة مساعدة في العلوم السياسيّة في كليات هوبارت وويليام سميث، وزميلة غير مقيمة في مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في جامعة براندايس. وتشغل حاليًّا منصب عضو في المجلس الاستشاري في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق (CARPO) حيث ساهمت في عمل حول بناء السلام في اليمن. تغرد على تويتر philbrickyadav@.
عندما يتعلق الأمر باليمن – كما هو الحال بأمور شتى – ستواجه إدارة بايدن ثلاثة تحديات متداخلة، فالإدارة القادمة ستُكلّف بعكس السياسات الضارة التي تبنتها إدارة ترامب، وإعادة التعامل مع المؤسسات والشركاء متعددي الأطراف، وإعادة تصور علاقتها بالصراع في اليمن. سيتطلب هذا إنهاء السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب وكذلك إنهاء -على الأقل- بعض السياسات التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
خلال السنوات الأربع الماضية، أبدى ترامب التزامًا فاترًا -اقتصر على التصاريح إلى حد كبير – بالجهود المتعددة الأطراف لبناء السلام في اليمن، مضعفًا بذلك هذه الجهود عبر استمرار التعاون العسكري مع التحالف بقيادة السعودية. ويجوز أننا لم نر بعد أكثر سياساته ضررًا، فمنذ خسارته الانتخابات، أثار قرار إدارة ترامب دعم البيع المقترح لمعدات عسكرية بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات مخاوف بقلب موازين القوى داخل التحالف نفسه بطريقة قد تعقّد التصعيد المحموم في الجنوب بلا داع.
كما بدأت الإدارة الأمريكية بالنظر في تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، ما يشير إلى أن إدارة ترامب تبتعد عن الدبلوماسية وتسعى نحو حل عسكري للنزاع الذي تتفق معظم الأطراف اليمنية على إنهائه عبر المفاوضات.
كما قللت إدارة ترامب من أهمية الدبلوماسية، وأوقفت دعمها للمشاريع الإنسانية الرئيسية في اليمن؛ تاركة بذلك الملايين عرضة للخطر. ليست الولايات المتحدة وحدها من يقف وراء انخفاض نسبة التزام المانحين، ولكن معارضة إدارة ترامب لمختلف أشكال محاسبة الأطراف التي تستهدف المدنيين تشجّع على تقليص برامج الإغاثة الأساسية في البلد الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في المنطقة.
دعا فريق الخبراء البارزين المعني باليمن مجلس الأمن خلال الأشهر الماضية إلى إحالة الأطراف المنخرطة في الحرب للمحكمة الجنائية الدولية على أساس ما وثقه من استهداف للبنية التحتية وإعاقة وصول المعونات. ولكن الولايات المتحدة لم تدعم هذه الجهود لمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، بل وذهبت أبعد من ذلك إذ جرمت المحكمة الجنائية الدولية نفسها عبر فرض عقوبات على كبار موظفيها.
لن يقتصر عمل الرئيس المنتخب بايدن على إصلاح أو عكس الضرر إذ لديه -أيضًا- فرصة فريدة ليبدأ بإعادة تصوّر أوسع للسياسة الأمريكية في وتجاه اليمن، ومن المخيّب للآمال أن دعوات الكونغرس لإخضاع السياسة الخارجية تجاه الخليج للمساءلة أتت متأخرة، ولم تأت إلا حين قُتل مواطن سعودي واحد -جمال خاشقجي- ولكن بايدن سيصيغ السياسات مع كونغرس مختلف كليًّا عن الذي عمل معه حين كان نائب أوباما.
ساهم ضغط الكونغرس على التحالف الأمريكي السعودي في كسر الجمود الدبلوماسي الحاد في ستوكهولم عام 2018، ومن الواضح أن تحديات الحزبان -الجمهوري والديمقراطي- لمبيعات الأسلحة لحلفاء واشنطن الخليجيين ستستمر حتى ضمن هذا السياق المنقسم بعد الانتخابات. وحان الوقت الآن لاستخدام وعي الكونغرس بتكاليف الحرب (وتورط الولايات المتحدة فيها) للضغط من أجل إعادة التفاوض على إطار العمل الدبلوماسي. وفي حال عدم استخدام الرئيس الأمريكي لحق النقض الرئاسي، قد يكون من الممكن للسلطات التنفيذية والتشريعية العمل بما يتجاوز النهج الضيق لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216.
ومع أن الإدارة المنتهية ولايتها تعمل على عرقلة فريق بايدن بطرق غير مسبوقة، فإن التحديات الثلاث الموضحة هنا تتعلق بطريقة التفكير بقدر ما تتعلق بالتخطيط، وهي تستلزم على الولايات المتحدة إعادة التفكير بنهجها تجاه اليمن قبل أي شيء آخر، وهذا تحدي من الممكن للفريق الجديد -بل وعليه- الشروع في مواجهته.
لخَلْق النفوذ وتطبيقه على جميع الأطراف
براء شيبان، المسؤول عن ملف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة ريبريف الحقوقية حيث يجري تحقيق ميداني حول برنامج الطائرات المسيّرة الأمريكي. وهو مستشار سابق للسفارة اليمنية في لندن وشارك في مؤتمر الحوار الوطني اليمني ممثلًا الشباب. يغرد على BShtwtr@.
مع دخول النزاع في اليمن عامه السابع، حان الوقت للولايات المتحدة الأمريكية وإدارة بايدن تبنّي نهج مختلف، وبالرغم من حقيقة وجود صراع بالوكالة، فمن الضروري مقاربة النزاع من منظور يمني.
أولًا، على الولايات المتحدة خلق نفوذ لحث الأطراف المختلفة على الجلوس على طاولة المفاوضات. لم ينتج مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد بعد انتفاضة الربيع العربي ولا الجولات الأربع للمحادثات التي عُقدت برعاية الأمم المتحدة أي نتائج ملموسة؛ يعود هذا بشكل أساسي إلى فشل المجتمع الدولي في خلق نفوذ على الحوثيين بطريقة تجبرهم على الجلوس على طاولة المفاوضات. بوسع إدارة بايدن، على سبيل المثال، ربط أي مشاركة أمريكية بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) باستخدام إيران نفوذها لدفع الحوثيين على تقديم تنازلات. وبالمقابل، على الولايات المتحدة استخدام نفوذها لفعل الأمر نفسه مع السعوديين والحكومة اليمنية.
ثانيًا، تحالفات مكافحة الإرهاب تعرقل مؤسسات الدولة. على إدارة بايدن إعطاء الأولوية لكبح جماح الإمارات، وربط أي شراكة مستمرة معها بإنهاء الأخيرة لدعمها للميليشيات ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب اليمن، فعمليات مكافحة الإرهاب المزعومة التي تشنها الإمارات في اليمن قوّضت بشكل مباشر قدرة الحكومة اليمنية على بناء هياكل دولة محلية وقوية، كما أضعف دعم الإمارات للميليشيات الأمن عبر الجنوب وأدى إلى احتجاز واغتيال الأشخاص الذين يعارضونها، وبالتالي إلى تآكل الجهود المبذولة من أجل إعادة توحيد اليمن.
ثالثًا، هجمات الطائرات دون طيار لا تساعد اليمن. على إدارة بايدن إنهاء تلك العمليات في اليمن فورًا، وإلغاء الخطط التي أُعلن عنها في نوفمبر/تشرين الثاني حول بيع الامارات طائرات مسيّرة من طراز MQ-9B غير مسلحة لكنها جاهزة للأسلحة. وغالبًا ما تكون المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها ضربات الطائرات المسيّرة معيبة، فضلًا عن أن غياب المساءلة يساعد جماعات مثل القاعدة في جزيرة العرب والدولة الإسلامية على تجنيد المقاتلين وبث بذور الخلاف.
وأخيرًا، يجب على إدارة بايدن إعادة تأكيد دعمها لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي مع ربط هذا الدعم بمعايير معينة، تضمن أن الأخيرة شفافة وتُحاسب على أفعالها. على الولايات المتحدة أن لا تتردد في فرض عقوبات على المسؤولين الفاسدين الذين يستفيدون من الصراع الجاري، كما يجب أن تحذو هذا النهج تجاه شركاء الحكومة اليمنية، مثل السعودية والإمارات.
خطوة نحو استراتيجية
د. غريغوري دي جونسن، محرر تقرير اليمن الشهري وهو زميل غير مقيم في مركز صنعاء وفي مؤسسة بروكينغز. وهو مؤلف كتاب “الملاذ الأخير: اليمن والقاعدة والولايات المتحدة.” يغرّد على تويتر gregorydjohnsen@.
صرّح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بوضوح أن إدارته ستنهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن. هذه خطوة ضرورية وحكيمة ولكن يجب أخذها كجزء من استراتيجية أوسع لإنهاء الحرب في اليمن، والعمل بأناة لتجنّب التقسيم الفعلي للبلاد.
من دون تبنّي سياسة أوسع؛ لن ينجز إنهاء الدعم الأمريكي الكثير، لكنه سيؤدي إلى تصدّع العلاقات الأمريكية السعودية التي هي بحاجة إلى إصلاح، كما يضفي الطابع المؤسسي على انقلاب جماعة الحوثيين المسلّحة في صنعاء، وفي نهاية المطاف، يقسّم دولة اليمن إلى أجزاء. هذا السيناريو المتمثل بتقسيم البلاد إلى أجزاء سيكون له عواقب وخيمة وبعيدة المدى على الأمن القومي الأمريكي.
عند استلامها زمام الأمور في البيت الأبيض، على إدارة بايدن إبلاغ السعودية ثلاثة أمور: ضرورة إنهاء الحرب في اليمن، وإيقاف الدعم الأمريكي للسعودية، ومساعدة واشنطن الرياض في التوصل إلى خطة سلام قابلة للتنفيذ. احتاجت السعودية إلى موافقة الولايات المتحدة لبدء هذه الحرب وبالتالي ستحتاج إلى مساعدتها لإنهائها.
كان لدى المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة حوالي ست سنوات للتوصل إلى اتفاق شامل في اليمن، ولكنهم عجزوا عن ذلك ليس لأنهم ليسوا دبلوماسيين ماهرين، ولكن الأمم المتحدة تفتقر إلى النفوذ اللازم لإجبار الأطراف المختلفة على الجلوس على طاولة المفاوضات ثم الإصرار على تنفيذ ما يُتفق عليه. تمتلك الولايات المتحدة هذا النفوذ، على الأقل مع السعوديين.
كما يجب على الولايات المتحدة، كجزء من جهودها الدبلوماسية، التوسط في محادثات بين الأطراف الثلاثة، الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا والحوثيين والسعودية، والإصرار على السلامة الإقليمية لليمن ووحدة أراضيه.
على الحوثيين أن يفهموا أنهم يتفاوضون بهدف أن يكونوا جزءًا من الدولة وليسوا الدولة، وعلى السعودية أن تستوعب بأن الحوثيين سيكون لهم دورًا في مستقبل اليمن، كما على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أن يعي أن إعادة سيناريو محادثات الكويت عام 2016 لن يكون مقبولًا، وإما يكون هو جزءًا من الحل أو من المشكلة.
لقد أخفقت الولايات المتحدة مرتين في اليمن، فخلال إدارة أوباما، استعانت واشنطن بمصادر خارجية لعملية الانتقال الديمقراطي المفترضة في اليمن، وأوكلت المهمة إلى السعودية ومجلس التعاون الخليجي، وبعد بضع سنوات، عندما فشلت عملية الانتقال – كما كان متوقعًا – ضاعفت واشنطن من الخطأ عبر دعم السعودية في حرب حمقاء لا يمكن الفوز بها، ولم تحقق الكثير سوى تقريب الحوثيين أكثر من إيران.
ليس هناك أي وقت لإضاعته، فتصرفات الحوثيين تحاكي ممارسات الدولة، فهم – على سبيل المثال – يعيّنون ويستقبلون السفراء. كما يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الانفصال. وعدة جيوب في البلاد أصبحت تتمتع باستقلال ذاتي كبير خلال السنوات الماضية.
اليمن المقسّم إلى عدة أجزاء سيمثّل تحديات للولايات المتحدة؛ على صعيد المساعدات الإنسانية الهائلة التي سيتوجب إرسالها؛ وأمن ممرات الشحن البحري؛ واحتمال تجدد التهديدات الإرهابية. وبالتالي، قد تكون الجهود الدبلوماسية المتجددة، بقيادة الولايات المتحدة الفرصة الأخيرة نحو يمن موّحد.
خيارات بايدن قد تكون محدودة مع تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية
توماس جونو، زميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تتركز أبحاثه على علاقة اليمن بالإقليم، وهو أيضًا أستاذ مساعد للشؤون العامة والدولية في كلية الدراسات العليا، بجامعة أوتاوا في كندا. يغرّد على تويتر thomasjuneau@.
تعتزم الإدارة الأمريكية تصنيف جماعة الحوثيين المسلحة كجماعة إرهابية قبل انتهاء ولاية ترامب في يناير/كانون الثاني 2021، حسبما أفادت تقارير صحفية. يتسم حكم الحوثيين في شمال غربي اليمن بفساده وتسلطه وعنفه المتزايد، وبثبات قرّبت الحرب في اليمن الجماعة من إيران.
بالتالي، هذه السياسة الصحيحة التي يجب أن تتبناها الولايات المتحدة لمواجهة الحوثيين، استراتيجيًّا وأخلاقيًّا. غير أن إدراج الحوثيين على لائحة الارهاب قد يأتي بنتائج عكسية؛ إذ قد يعرقل عمل المنظمات الإنسانية -الصعب أصلًا -التي تحاول إيصال المساعدات التي يحتاجها اليمنيون بشدة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يعتمد 80% من السكان على المساعدات الإنسانية، كما قد يعقد هذا القرار جهود السلام المتعثرة، فضلًا عن أنه بالكاد سيؤذي الحوثيين.
النتيجة الرئيسية لهذا التصنيف ستتمثل في تقييد أيدي إدارة بايدن القادمة. يجادل مؤيدو إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب أن هذا التصنيف سيوفّر للإدارة الأمريكية القادمة نفوذًا إضافيًا في أي عملية سلام تحدث في نهاية المطاف عبر السماح لها بانتزاع مزيد من تنازلات الحوثيين مقابل إزالتهم من قائمة الإرهاب.
هذا صحيح بعض الشيء من الناحية النظرية، وبالتالي هذه الخطوة ليست فكرة سيئة؛ إذ من الممكن المساومة عليها قبل أي مفاوضات مستقبلية. وبما أن الحوثيين لهم اليد العليا في ميزان القوة العسكرية على الأرض في اليمن، فمن المناسب بناء نفوذ ضدهم.
لكن من الناحية العملية، فالمرجّح أن تكاليف تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية ستفوق جدواها. في مرحلة ما في المستقبل، قد تعتبر واشنطن أن شطب الحوثيين من قائمة الإرهاب ضروري على مستوى إحراز تقدم في عملية السلام، غير أن القول سيكون أسهل من الفعل؛ لأن الخطوة ستلقى معارضة كبيرة لا محالة من السعودية وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها.
من الناحية الإجرائية، الأمور غير معقدة، ولكن عند التمعّن في أمثلة أخرى عن العقوبات التي أصبح من الصعب جدًا رفعها، والتي يصعب السيطرة على العواقب المترتبة عنها، نرى أن السياسة هي التي تشكل تحديًّا على الصعيدين المحلي والدولي.
يتسق هذا النهج مع جانب أساسي من السياسات الخارجية المتشددة تجاه إيران: النية في تقييد أيدي الإدارات الأمريكية المستقبلية، وضمان عدم خروجها من ديناميكية المواجهة الحالية، وعرقلة أي جهود للتعامل مع إيران والجماعات المسلحة التي تدعمها.
مثل هذه السياسات العقابية ضرورية إلى حد ما، فإيران هي خصم للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وهناك الكثير من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط نتيجة السياسات الإيرانية؛ بالتالي، من الضروري أن تعمل الولايات المتحدة لاحتواء إيران، ولكن عند استخدام العقوبات كمطرقة تبحث عن مسمار، بدلًا عن كونها وسيلة تحقق أهدافها بدقة وحكمة، فإن التكاليف تفوق المكاسب.
هذه العقوبات المفرطة وغير الضرورية لا تجعل التعامل مع إيران أو الجماعات المسلحة مستحيلًا -فمن الناحية النظرية من الممكن رفع العقوبات -ولكنها تجعل الأمر معقدًا أكثر ومكلفًا سياسيًّا أكثر. ونتيجة لذلك، فإن الآثار الجانبية السلبية -التي من الواضح أنها مقصودة – (وفي حالة اليمن هي إعاقة إيصال المساعدات وخلق عقبات أمام مسار السلام) سيطول أمدها.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.