نظم مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني زيارة لوفد صحفي دولي إلى محافظة شبوة اليمنية. هذه ثالث رحلة من نوعها ينظمها المركز، حيث نظم سابقًا رحلة إلى محافظة مأرب وأخرى إلى محافظة حضرموت. تأتي هذه الرحلة كجزء من التزام مركز صنعاء بضمان رؤية العالم، عبر وسائل إعلامه، اليمن، لا سيما في ظل القيود المفروضة على وصول وسائل الإعلام الدولية إلى البلاد بسبب الحرب وجائحة كورونا.
رافق الوفد الصحفي إلى شبوة ريان بيلي، وهو محرر وباحث في مركز صنعاء يعيش خارج اليمن، كما وثق تفاصيل زيارته الأولى إلى اليمن.
اليوم الأول – الوصول
حطت رحلتنا التي طارت على متن الخطوط الجوية اليمنية في مطار سيئون في وقت مبكر من المساء. ترجلنا من الطائرة نحو هواء الصحراء الدافئ ونزلنا على السلالم ضمن طابور طويل من العائلات اليمنية ومجموعة صغيرة من الطلاب الأجانب في طريقهم للدراسة بدار المصطفى، مركز إسلامي صوفي شهير في بلدة تريم القريبة.
كادت هذه اللحظة ألّا تتحقق. ففي وقت سابق من اليوم، أُلغيت تذاكرنا قبل ساعات قليلة فقط من موعد إقلاع رحلتنا المقرر من مطار القاهرة، ما جعلنا في حيرة من أمرنا. كنّا في مركز صنعاء نخطط لهذه الرحلة منذ شهور. حصلنا على التصاريح اللازمة، وملأنا الاستمارات المطلوبة، وأجرينا فحوصات الكشف عن كورونا، ولكن يبدو أن شخصًا ما في الحكومة اليمنية أو التحالف العربي الذي يسيطر على أجواء اليمن كان لديه رأي آخر في السماح لمجموعة من الصحفيين الغربيين بالدخول إلى البلاد. ومع اقتراب موعد إقلاع الطائرة، أجرى رئيس مركز صنعاء فارع والمدير التنفيذي ماجد العديد من الاتصالات، واستخدما كل الوسائل من مجاملات وتهديد وتودد، طالبين من البعض إسداءهم معروفًا وممن يدين لهما بمعروف أن يرد الجميل. وتمكنا أخيرًا من تأخير الرحلة لمدة ساعة؛ كانت كافية لتجديد الإذن بالسفر والصعود على الطائرة وربط أحزمة الأمان والانطلاق نحو وجهتنا.
بعد المرور عبر الجمارك وفحص الحقائب في سيئون، اصطُحبنا إلى غرفة، فقد حان وقت الأكل. وُضعت أطباق مستديرة كبيرة من الأرز يغطيه لحم الضأن المشوي على مائدة من النايلون فُرشت على الأرض، وقُدمت مع خبز “الملوح” وصلصة “السحاوق” التي كان طعمها رائعًا. وفي وقت لاحق، بعد أن أشبعنا بطوننا بتلك الوجبة الشهية، ونحن ما زلنا مشتتين الذهن قليلًا بعد الرحلة، صعدنا جميعًا وعددنا 16 شخصًا على أربع سيارات دفع رباعي مدرعة وانطلقنا في رحلة استمرت لست ساعات في الظلام إلى مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة. مررنا عبر محافظة حضرموت التي قيل لي أن تضاريسها الجرداء جميلة للغاية.
سارت السيارات وراء بعضها ورافقنا أفراد من القوات الحكومية اليمنية وقوات الأمن الشبوانية المحلية ورجال القبائل المسلحين في مركبات أخرى. كنت متشوقًا جدًا ولم أستطع النوم، وأمضيت الكثير من الرحلة محدقًا في سيارة الحراسة التي تمضي أمامنا متسائلًا، كيف انحشر الرجال المسلحون في الجزء الخلفي من شاحنة النقل الصغيرة أمامنا؟! شعرت بالتعاطف معهم.
ما زال عناصر القاعدة يتواجدون في منطقة وادي حضرموت حول مدينة سيئون، ولذلك كان علينا عبور المنطقة بسرعة. ليس بوسعنا إنزال النوافذ المضادة للرصاص، وبكل الأحوال، لم يكن هناك الكثير لرؤيته في عتمة الليل باستثناء نقاط التفتيش البسيطة.
مضغ العديد من مجموعتنا القات لتمضية الوقت، وعلمني عمار، وهو أحد المنظمين للرحلة، ينحدر من عائلة شبوانية بارزة، أفضل طريقة لتقليم ورقة القات قبل إدخالها وتركها في فمي ليتشكل خدي على شكل كرة. كان القات -وهو نبتة مخدرة على نحو خفيف- مُرًا في البداية، ولكنني سرعان ما اعتدت على طعمه بل وبدأت في الاستمتاع به. حتى أن سيارتنا كان بها عدة أصناف وكان القات الأكثر جودة من محافظة صعدة، شمالي اليمن، موطن جماعة الحوثيين.
أدركت أننا وصلنا شبوة بتغيّر الطريق، ففي حضرموت كانت مليئة بالشقوق والحفر، ما أدى إلى تطاير الأتربة والرمال في بعض الأحيان، أما في شبوة فكان الطريق معبّدًا بالإسفلت. بدأنا بالارتفاع قليلًا مع اقترابنا من عتق. لا أستطيع أن أشعر بهذا ولكن تغير الضغط في أذني أشعرني أننا نصعد نحو المدينة على ارتفاع يزيد عن 1,100 متر فوق مستوى سطح البحر.
أخيرًا، بدت لنا أضواء الشارع الرئيسي في عتق من بعيد. أول الأشياء التي تلاحظها في اليمن هو قلة الإنارة، فقد أمضينا ساعات في السيارة وكانت هذه تقريبًا أول أضواء نراها.
تصطف على جانبي الطريق إلى البلدة صور الرئيس عبدربه منصور هادي والمحافظ محمد صالح بن عديو، تبدو جديدة وعُلّقت كي نراها. هذه هي عتق، منزلنا لأسبوع قادم.
اليوم الثاني – المحافظ
استيقظنا مبكرًا -في فندق الفخامة حيث مكثنا- لنرتص في السيارات ونعبر الزحام المروري الصباحي في المدينة ونصل إلى مقر إقامة المحافظ المحاط بحراسة شديدة. حين دخلنا المجمع، رأيت عددًا من الغزلان الصغيرة التي تشبه الألعاب ترعى على العشب، علمت لاحقًا أنها هدية إلى المحافظ من إحدى قبائل شبوة.
استقبلنا المحافظ نفسه مع عدد من الوجهاء المحليين. يتحدث بن عديو ببطء متعمد، مما يحتم على الجمهور الاستماع بعناية إلى كلماته. وأكد -مثل أي سياسي جيد- على إنجازات السلطة المحلية وتركيزها على التنمية، لا سيما فيما يتعلق بالطرق والكهرباء والرعاية الصحية. يفتخر المحافظ -وله الحق في ذلك- بما أنجزه فريقه في خِضم الحرب، وذكر أن المستشفى الجديد في المدينة شُيد باستخدام المال الذي حصلت عليه المحافظة من عائدات النفط والغاز المخصصة لشبوة -البالغة 20%- التي تفاوضت عليها السلطة المحلية مع الحكومة المركزية. ولأن المستشفى الذي سيجري افتتاحه قريبًا بُني بأموال محلية فإنه سيخضع للسلطة المحلية وليس لإشراف وزارة الصحة. لكن معظم هذا الازدهار في البناء قد رُتب من مستويات أعلى، إذ مُنحت عقود البناء ورصف الطرق دون إجراء عمليات مناقصات تنافسية.
حان وقت الغداء. وكان بانتظارنا وليمة أخرى في غرفة كبيرة في الطابق الأرضي من منزل المحافظ. لحم ضأن وأرز وفواكه طازجة وخضروات وطبق محلي، سمك القرش الصغير.
بعد تناول الطعام، حان وقت مضغ القات (التخزين) في ديوان المحافظ (مجلس تقليدي يمني). جلسنا على أرائك طويلة تحيط بثلاثة جوانب من الغرفة، في حين تناوب المحافظ وفريقه على شرح الصراع المستمر بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات. في أغسطس/آب الماضي، اشتبكت الحكومة مع المجلس الانتقالي وسيطر الأخير على عدن واتجه شرقًا. ولكن أُحبط هجوم المجلس في عتق حيث تضافرت القبائل المحلية والقوات الحكومية لهزيمة قوات النخبة الشبوانية المدعومة من الإمارات، وإنهاء محاولة الانفصاليين لبسط سيطرتهم عبر جنوب اليمن.
ومنذ هزيمة المجلس الانتقالي الجنوبي العام الماضي، ظلت شبوة تحت سيطرة الحكومة بشكل شبه كامل، باستثناء قاعدتين ما زالتا تأويان القوات الإماراتية وهما معسكر العلم شمال عتق، ومنشأة بلحاف للغاز الطبيعي المسال، أكبر مشروع استثماري في تاريخ اليمن. تأوي الإمارات في محطة بلحاف ألف جندي، منهم قرابة مائتين جندي إماراتي وثمانمائة جندي من قوات النخبة الشبوانية. بدا نفور بن عديو تجاه الإماراتيين واضحًا.
اليوم الثالث – جائحة كورونا
حاولنا هذا اليوم التطرق لأحد أكثر الأسئلة إلحاحًا في رحلتنا: ما الذي حدث بالضبط لجائحة كورونا في اليمن؟ هل تخطى البلد الجائحة، هل انحسر مؤقتاً أم سيواجه موجة أخرى مجددًا؟
كانت زيارتنا الأولى إلى مستشفى عتق العام حيث تحدث الأطباء وموظفو المستشفى عن التحديات التي تواجه القطاع الصحي: نقص حاد في الموظفين والإمدادات والمعدات في الوقت الذي يسعى فيه المستشفى ويعمل جاهدًا لعلاج العدد المتزايد من حالات سوء التغذية الحاد للأطفال والكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك.
بالنظر إلى كل هذه الأمراض، لا يتربع فيروس كورونا على قائمة مخاوف الطاقم الطبي. أشار الأطباء الذين تحدثنا إليهم إلى ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في وقت سابق من هذا العام، وقالوا إن الفيروس يبدو قد انحسر واختفى تقريبًا خلال الأشهر الأخيرة.
بعد زيارتنا للمستشفى، زرنا المركز الجديد للحجر الصحي والفحوصات الخاصة بكورونا حيث قيل لنا إن المنشأة هي واحدة من أفضل المنشآت تجهيزًا في البلاد، ولم تسجل أي إصابة مؤكدة بكورونا منذ شهر أغسطس/آب. كيف يُعقل ذلك، خاصة في ظل قلة الاكتراث بالاحتياطات مثل الالتزام بارتداء الكمامات وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي في شبوة؟
هناك الكثير من النظريات، ولكن لا توجد إجابات حاسمة. فالبعض يتكهن أن فيروس كورونا لا يمكنه العيش في مناخ دافئ، في حين يفترض البعض أن معدل أعمار السكان الصغير ساعد اليمن على تفادي الأسوأ. في حين يقول البعض إن اليمنيين يتمتعون بمناعة قوية أو إن معنوياتهم مرتفعة. ولكن تفسيري المفضل عن سبب عدم غزو الفيروس للبلد الذي مزقته الحرب هو ما قاله المحافظ بن عديو: “لا يجمع الله مصيبتين في آن واحد”.
اختتمنا يومنا بمشاهدة غروب الشمس من هضبة خارج عتق. مشهد خلاب تصطف فيه الهضاب في الصحراء من شبوة إلى حضرموت. كانت الرحلة المتعرجة إلى القمة على الطريق الضيق الأحادي المسار مجزية بالفعل حيث منحنا غروب الشمس الأحمر الرائع لحظة مناسبة للتأمل الهادئ.
(ملاحظة المحرر: في السادس من ديسمبر/كانون الأول، سجلت شبوة أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا منذ أشهر).
اليوم الرابع – الساحل
اليوم هو الجمعة، بداية عطلة نهاية الأسبوع في اليمن. اتجهنا جنوبًا إلى الساحل. وجهتنا هي محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال المتوقفة عن العمل منذ بداية الصراع. تمثّل المحطة مصدرًا رئيسيًّا للتوتر بين بن عديو والإمارات. فالمحافظ الذي يقول: “لم تعطنا الإمارات رصاصة واحدة لمحاربة الحوثيين”، يريد خروج القوات الإماراتية وعودة شركات النفط الأجنبية واستئناف عمليات تصدير النفط والغاز. لكن لا يبدو أن الإماراتيين سيذهبون إلى أي مكان قريبًا.
بالإضافة إلى ذلك، ما تزال هناك تساؤلات حول رغبة شركات النفط العالمية للعودة إلى اليمن في الوقت الحالي، حتى مع وجود أمن نسبي في شبوة. كانت شركة أو إم في (OMV) النمساوية، التي تشغّل حقلًا نفطيًّا في مديرية حبان بشبوة، هي أول شركة نفط دولية تستأنف عملياتها في البلاد عام 2018، ولكن حتى الآن لم يُشر أي من الشركاء في مشروع بلحاف وأبرزهم شركة توتال الفرنسية إلى أنهم جاهزون لذلك.
اتجهنا جنوبًا نحو بحر العرب، حيث مررنا قرب تقاطع يتفرع غربًا باتجاه عدن وشرقًا باتجاه المكلا، كانت هذه هي أبعد نقطة وصلت إليها قوات جماعة الحوثيين المسلحة في شبوة عام 2015، قبل أن يجبرها التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات على التراجع ويطردها من المحافظة عام 2018. ومن ثم توجهنا شرقًا عبر عزان التي سيطر عليها مسلحو القاعدة عامي 2011 و2012 ومرة أخرى لفترة وجيزة عام 2016.
بدأنا نرى مساحات خضراء مع اقترابنا من الساحل، وأنهارًا صغيرة تروّي الحياة النباتية الخصبة. مرّت قافلتنا بعدة مجموعات من المهاجرين الأفارقة الذين يدفعون للمهربين لإحضارهم إلى الساحل اليمني على أمل عبور البلاد والوصول إلى السعودية. يبدو كل شيء في الساحل واضح المعالم بشكل مذهل. فعلى اليسار توجد كثبان رملية، حيث ترى الجِمال بين الفينة والأخرى، وإلى اليمين بحر العرب. أما باتجاه بلحاف، تبرز الصخور البركانية السوداء لتضيف المزيد من الجمال إلى هذا المنظر الخلاب.
كانت خطتنا هي زيارة منشأة بلحاف ولكن لم يتحقق هذا. وفي وقت لاحق، تبادل كل من الإمارات ومكتب المحافظ اللوم على عدم التنسيق فيما يتعلق بزيارتنا.
وبالتالي، توجهنا إلى خط طويل من الشواطئ في بير علي، وهو ميناء بحري قديم يحلم السكان المحليون الطموحون بتحويله إلى منتجع يومًا ما. سمعنا هناك عن خطط لتطوير الساحل، حيث يأمل مدير المشروع أن تستقبل تلك السواحل كلًا من السياح اليمنيين والزوار الأجانب. هي سواحل جميلة بحق، فما كان من البعض منا إلا أن يقفز لسباحة سريعة في المياه الزرقاء الزمردية.
اليوم الخامس – الصحراء
غادرنا عتق قبل غروب الشمس بقليل متوجهين إلى الصحراء للقاء زعماء القبائل. ارتشفنا أكوابًا من الشاي الحلو، واستمعنا إليهم وهم يشرحون تاريخ قبائل شبوة وعاداتها، والدور الأساسي الذي تلعبه في مجتمع تُعد فيه الدولة المركزية ضعيفة. هذا ليس مجرد تاريخ فقط، فالقبائل هي من قلبت الطاولة على المجلس الانتقالي الجنوبي حيد تقدم في أغسطس/آب 2019 نحو شبوة؛ برفضها القتال فيما بينها، وبالتالي إجبار قواته على التراجع نحو عدن.
حان وقت العشاء. المزيد من لحم الضأن الشهي! وخلال تناولنا الطعام، شرحوا لنا أنه وفقًا لعادات بعض القبائل، يُعطى الضيف جزءًا معينًا من اللحم إلى المضيف الذي يأخذها بدوره إلى الشخص الذي طبخ الوجبة. وتسمى هذه العادة بالصائبة. يكمن التحدي هنا في معرفة الضيف أي جزء من اللحم يجب أن يقدمه إلى المضيف، إذ تختلف القطعة التي يتم تقديمها من قبيلة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى. من الأفضل للضيف أن يعرف أي قطعة يقدم، إذ عدم احترام هذه التقاليد يُعد خطأً جسيمًا في المجتمع القبلي. قد يغفرون للأجانب هفوتهم هنا إلا أن اليمني لن يُعفى أبدًا من واجب فهم واحترام هذه القواعد غير المحكية والمتناقضة أحيانًا. من ثم أحضروا لنا المعصوبة، نوع من أنواع الحلوى المكوّن من خبز طري اسفنجي مغطى بالعسل ومقدّم في وعاء صغير. غسلنا أيدينا على الطريقة القبلية، عبر فركها في الرمل وثم غسلها بالمياه المتدفقة من صنبور في مغسلة بالخلف.
ودعنا مضيفينا الكرام وصعدنا في السيارات التي سارت فوق الرمال تحت السماء المرصعة بالنجوم لتعود بنا إلى عتق.
اليوم السادس – السوق
بدأ صباح الأحد بزيارة إلى سوق عتق. مررنا في طريقنا إلى هناك عبر بيوت الصفيح حيث يسكن المهمشون، وهي الفئة التي في أسفل الهرم الاجتماعي التقليدي في اليمن. عند الوصول إلى مدينة عتق القديمة، مررنا بالعديد من المباني التي تعود إلى الحقبة الاشتراكية في جنوب اليمن. إذا نظرت عن كثب، تستطيع رؤية مخطط لنجم أحمر على بعض الواجهات.
في السوق، كان العسل هو المنتج الرئيسي المعروض. يُعد العسل المحلي المنتج من النحل الذي يتغذى على رحيق أزهار شجرة السدر، أفضل الأنواع في العالم، والشبوانيون فعلًا محقون بفخرهم به. أخبرنا السكان المحليون أن العسل الشبواني هو الأفضل في اليمن ساخرين من تحديات الآخرين الذين يقولون أن العسل المنتج في مديرية وصاب بمحافظة ذمار (وسط اليمن) أو أي مكان آخر في اليمن، يفوقه جودة.
أوضح البائعون المحليون -بعد اعطائنا بعض العينات للتذوق- أن ما يقرب من نصف عسل شبوة يُصدّر إلى الخارج، ما يساعد المنتجين في الحصول على متوسط يتراوح بين 40 ألف دولار و70 ألف دولار خلال موسم الحصاد الذي يمتد من ثلاثة إلى أربعة أشهر.
اليوم السابع – النحل
في صباح اليوم التالي، انطلقنا لرؤية النحالين وهم يعملون في مناحلهم. كان بعض الرجال يعملون على عدد من الأدراج المليئة بخلايا النحل، وكان يطير النحل حول رؤوسهم وهم يشعلون قطعًا صغيرة من الخيش لينبعث منها الدخان لتهدئة النحل أثناء أخذهم العسل.
قال لنا صاحب المنحل إنه دخل مجال النحل بعد استخدام مدخراته لشراء عدة خلايا نحل قبل بضع سنوات، وشرح لنا كيف يقوم بنقلها وكيف يأخذها إلى حيث تزدهر أفضل أشجار السدر. ينسّق النحالون فيما بينهم عبر الواتساب ويتبادلون النصائح ويقارنون ملاحظاتهم حول التوزيع الجغرافي المناسب للنحل لتحقيق أفضل عائد.
في طريق عودتنا إلى السيارة، أخبرنا سالم، وهو سائقنا والسكرتير الشخصي للمحافظ بن عديو، أن صاحب المنحل اُعتقل منذ فترة “واحتُجز لمدة ستة أشهر باعتباره من المتعاطفين مع القاعدة”. كانت هذه المعلومة الصادمة والمثيرة للسخرية محط تبادل النكات والامتنان على التغيير الذي حدث في حياته المهنية.
اليوم الثامن – الرحلة
تعقدت مغادرتنا اليمن بسبب إلغاء تذاكرنا الأولية قبل أسبوع. وبعد نقاش الأمر، قررنا أن نخرج من اليمن عبر الحدود البرية الشرقية للبلاد مع سلطنة عُمان، التي تبعد مسافة 20 ساعة في السيارة من عتق. قمنا جميعًا بفحوصات بي سي آر لفيروس كورونا -والحمدلله- جاءت جميع النتائج سلبية.
غادرنا عتق بصحبة قافلة من السيارات المدرعة حوالي الساعة 6 صباحًا. مضغت القات طوال الليلة السابقة، فنمت معظم الرحلة واستيقظت عندما بدأنا بالصعود من وادي حضرموت نحو طريق محاط بالوديان. وقبل ساعات من الوصول إلى الحدود بدأت بالنوم من جديد وصور الصحراء لا تفارق ذهني.
ريان بايلي هو محرر وباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.