إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

مخاوف حزب الإصلاح من اتفاق هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي

Read this in English

فهد عمرو

في 11 كانون الأول/ديسمبر، بدأت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات بسحب قواتهما من خطوط التماس في محافظة أبين، ومن المقرر أن يعقب عمليات إعادة الانتشار – المنصوص عليها في اتفاق الرياض الذي ترعاه السعودية والموقّع في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 والمتأخر تنفيذها من الموعد المقرر لأكثر من عام – التشكيل الوشيك لحكومة يمنية جديدة تضم شخصيات من المجلس الانتقالي الجنوبي.

وتأتي الحركة الرامية إلى تنفيذ الاتفاق بعد شهور من الجمود في وقت تراجع نفوذ الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. فمع اشتباك القوات الحكومية في حرب على جبهتين، ضد جماعة الحوثيين المسلحة في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب معظم أيام السنة الماضية، بدا الرئيس في العموم عاجزًا عن مواجهة هذه التحديات لسلطته. ومن ناحية أخرى، سعت هذه الجماعات المتنافسة إلى اعتبار هادي زعيمًا ضعيفًا وغير مؤثر، ما قوّض من مكانة الحكومة التي يرأسها والمعترف بها دوليًّا.

كما يبدو أن الثقة الممنوحة لهادي من جانب حلفائه قد بدأت بالتزعزع. ويتجلى ذلك خاصة في استقلال حزب الإصلاح في عمله خلال الأشهر القليلة الماضية للدفاع عن مصالحه ومكاسبه في المناطق التي يسيطر عليها. وقد يرى حزب الإصلاح الاتفاقية الوشيكة لتقاسم السلطة مع المجلس الانتقالي الجنوبي على أنها تنازل آخر من هادي لمنافسيه، ما يجعل الحزب أكثر ضعفًا، وقد يؤدي إلى ابتعاده في نهاية المطاف عن الحكومة.

النضال من أجل الجنوب

منذ تشكيله في أيار/مايو 2017 بدعم كامل من الإمارات، سعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تأسيس قوة اجتماعية سياسية عسكرية موحدة بهدف استعادة استقلال اليمن الجنوبي، كما تحرّك لفرض سيطرته على عدن عبر محاولة تشكيل هيئة تشريع بديلة (الجمعية الوطنية الجنوبية)، وإنشاء معسكرات، والاستيلاء على مرافئ عدن الاستراتيجية.

انتهت جولتان من المعارك التي اندلعت بين قوات المجلس والقوات الحكومية في عدن، أواخر كانون الثاني/يناير 2018 ثم منتصف آب/أغسطس 2019، بتعزيز سيطرة الأول على عدن وطرد الحكومة من عاصمتها المؤقتة.

أثار سقوط عدن وتمدد القتال إلى المحافظات الجنوبية الأخرى شبح حرب أهلية جديدة طويلة في الصراع اليمني الأوسع، وأعاد النظر في شرعية هادي، وهذا التصوّر الجديد للشرعية في غاية الأهمية؛ لأن هادي بصفته رئيس الدولة، هو من طلب المساعدة الدولية لصد جماعة الحوثيين المسلحة عام 2015، واستجابة لذلك، انتقلت الرياض -التي كانت قلقة إزاء المساومة على الغطاء القانوني للتدخل العسكري السعودي الإماراتي في اليمن- إلى رعاية المحادثات والتوسط في اتفاق سلام بين الحكومة والمجلس الانتقالي.

وافق هادي على تقاسم السلطة وصنع القرار مع المجلس، وهو ما عُرف باتفاق الرياض، مقابل عودة حكومته إلى عدن ودمج القوات العسكرية وقوات الأمن التابعة للمجلس في وزارتي الدفاع والداخلية للحكومة.

ولكن حين يتعلق الأمر بتنفيذ الاتفاق على أرض الواقع، فقد ثبت أن إحراز تقدم واضح أمر بعيد المنال. إذ سادت حالة من غياب الثقة بين الطرفين، مع اتهامات متبادلة شديدة اللهجة بين المجلس وحزب الإصلاح.

ينتمي حزب الإصلاح إلى الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، بينما تسعى الإمارات، الداعم الأساسي للمجلس، إلى تحجيم نفوذ الحركة الإسلامية في جميع أرجاء الشرق الأوسط؛ وبالتالي، فإن ترجمة الاتفاق إلى عمل يتطلب جهدًا ومرونة وقوة دبلوماسية من جانب الحكومة لضمان دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، بدعم من الحلفاء الإقليميين والمجتمع الدولي.

لكن الرئيس هادي يفتقر إلى مثل هذه الخصال القيادية، إذ عجز عن حشد حرسه الرئاسي بعد زحف المقاتلين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014. وفي أعقاب هذه الحادثة المذلّة، ضغط الحوثيون على هادي لتوقيع اتفاق السلم والشراكة، الذي وفّر الغطاء اللازم لانقلابهم المسلّح. وبعد سنوات، وعقب سقوط عاصمته الثانية، عدن، أُجبِر على توقيع اتفاق آخر مع منافسيه لزمن طويل في الجنوب

ومع بقاء اتفاق الرياض دون تنفيذ طيلة عام 2020، ينتهز المجلس أي فرصة لاستغلال ضعف هادي؛ ونتيجة لذلك، وجدت الحكومة اليمنية نفسها مهزومة في بعض المناطق ومهددة في أخرى. في نيسان/أبريل، أعلن المجلس عزمه على إرساء حكم ذاتي في مناطق دولة اليمن الجنوبي السابقة، وفي حزيران/يونيو، استولت قواته على محافظة سقطرى، ما أدى إلى مقاومة محدودة من حكومة هادي، وفي تموز/يوليو، نظم المجلس مظاهرة كبيرة مناهضة لهادي في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، وفي عدة مناسبات، علّق المجلس بصورة مؤقته مشاركته في محادثات تهدف لتنفيذ اتفاق الرياض.

وفرت مكاسب المجلس هذه قوة إضافية له في مفاوضاته مع الحكومة، ولم يصدر قراره في تموز/يوليو بالتخلّي علنًا عن إقرار الحكم الذاتي السابق إلا بعد أن اضطُرت حكومة هادي إلى التوقيع على تعديلات طالب بها المجلس عن النسخة الأولى من اتفاق الرياض، وفي الشهر نفسه، عيّن هادي الأمين العام للمجلس الانتقالي أحمد حامد لملس محافظًا جديدًا لعدن، بالإضافة إلى مدير جديد لأمنها، وبدا ذلك تنازلًا أمام مطالبة المجلس بتنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض قبل الشق العسكري، في حين أكدت حكومة هادي ضرورة التنفيذ المتزامن للشقين السياسي والعسكري من اتفاق الرياض.

خلال الفترة الأكثر حرجًا في ظل ولايته الرئاسية الممدّدة، تنازل هادي في أكثر من مرة عن سلطته ونفوذه لمنافسيه ومعارضيه في حكومته، ويبدو أن المجلس الانتقالي راهن على استمرارية هذا التوجّه.

الحلفاء القلقون يتحركون لحماية مصالحهم

يبدو أن هذه التحديات المستمرة التي يواجهها هادي والحكومة اليمنية جعلت الأحزاب الأخرى داخل الحكومة في حالة من القلق المتزايد، ووصف أحمد بن دغر، نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام والمستشار الرئاسي، مشاركة حزبه في محادثات تشكيل الحكومة الواردة في اتفاق الرياض، رغم تحفظاته، بمحاولة لإنقاذ “الشرعية”، كما انتقد تدخل الجهات الأجنبية في المحادثات، ما يوضح مخاوفه ومخاوف حزبه من تراجع مكانة حكومة هادي على المستوى الدولي.

يُعد حزب الإصلاح إلى جانب حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ترأسه صالح، أحد الفاعلين السياسيين الرئيسيين اللذين شكّلا المشهد الاجتماعي الاقتصادي في اليمن لأكثر من عقدين من الزمن، كما يعده الكثيرون خلال المرحلة الحليف الرئيسي لهادي، لكن من المرجّح أن يواجه قدرًا أكبر من المخاطر والتحديات في المستقبل مقارنة بأي من حلفائه القلائل الآخرين.

الاعتماد الجزئي لحزب الإصلاح على السعودية واعتماد هادي المطلق عليها؛ نجح في صياغة ائتلاف بين الطرفين، لا سيما بعد آذار/مارس 2015. كان هادي بحاجة إلى شعبية حزب الإصلاح ونفوذه الاجتماعي والسياسي (خصوصًا في الأجزاء الوسطى والشمالية من البلاد)، وخبرته في المشاركة بحكم اليمن في ولاية صالح، لمساعدته في الحفاظ على صورته أمام المجتمع الدولي على أنه الرئيس الشرعي الوحيد المعترف به ليمن ديمقراطي.

على نحو مماثل، كان حزب الإصلاح في حاجة إلى راية هادي لاستعادة قوته من أجل صد الهجوم العسكري لقوات الحوثي وصالح على معاقله في تعز ومأرب، والحفاظ على مصالحه الاقتصادية والتجارية وحمايتها.

ورغم المشاكل بين هادي وحزب الإصلاح لكن علاقتهما لم تنقطع، وكان كل طرف يعتبر الآخر بأنه أهون الشرّين. وقد أضرّ الرئيس بحزب الإصلاح وأضعفه إلى حد كبير حين تجاهل -عمدًا وبدافع من بعض القوى الإقليمية- هجوم الحوثيين واستيلائهم على معسكرات ومعاقل حزب الإصلاح في محافظة عمران عام 2014. كما استُخدم وجود الحزب كذريعة، من الإمارات وجهات فاعلة غير حكومية كالمجلس الانتقالي الجنوبي، لتقويض مصداقية حكومة هادي. وفي العام 2018، حين استنكر رئيس الوزراء اليمني حينها، بن دغر، محاولة إماراتية لتوسيع نفوذها في سقطرى، اتهمت أبوظبي وحلفاؤها المحليون جماعة الإخوان المسلمين، وكان قصدها حزب الإصلاح، بالتحكم بأعمال رئيس الوزراء. كما وجّهت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي اتهامات مماثلة تتعلق بنفوذ جماعة الإخوان المسلمين قبل عامين من استيلائها على الجزيرة.

تحاول القوات المدعومة من الإمارات في اليمن تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على حساب حزب الإصلاح. فعلى الصعيد السياسي، يسعى المجلس -بالاعتماد على اتفاق الرياض- إلى الحد من نفوذ حزب الإصلاح ووجوده في حكومة مستقبلية.

على الصعيد العسكري، ترزح معاقل حزب الإصلاح في مدينة تعز وفي المحافظة عمومًا تحت ضغط؛ ما دفع ذلك قادة الحزب في تموز/يوليو إلى إرسال حملة عسكرية من قوات محور تعز العسكري، وهو التجمع العسكري الأكبر في المحافظة، والذي يضم غالبية جماعات المقاومة الشعبية الفرعية في تعز، لمواجهة اللواء 35 مدرع المدعوم من الإمارات في المناطق الواقعة جنوب مدينة تعز.

في الوقت نفسه، يُعد وجود القوات المشتركة بقيادة طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق صالح المدعوم من التحالف، والذي رفض الاعتراف بشرعية حكومة هادي على مدينة المخا الاستراتيجية على طول ساحل البحر الأحمر في تعز، تهديدًا محتملًا في المستقبل لحزب الإصلاح في المحافظة.

وبالنظر إلى تضاؤل شرعية ونفوذ هادي، يبدو حزب الإصلاح مستعدًا لجولة جديدة من المواجهات المحتملة. فقد جنّد مئات المقاتلين الجدد وأنشأ عدة مخيمات عسكرية جديدة في تعز عام 2020 خارج نطاق إشراف الحكومة اليمنية، حتى في الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي الجنوبي وتتحرك نحو تنفيذ اتفاق الرياض، كما أن الامتيازات المحسوسة المقدّمة لمنافسي حزب الإصلاح قد تدفعه للعمل شيئًا فشيئًا كجهة فاعلة مستقلة غير حكومية، الأمر الذي يهدد بزيادة تقسيم الدولة اليمنية الممزقة أصلًا.


** فهد عمرو: باحث يمني، يكتب باسم مستعار لأسباب أمنية.

تعبّر الآراء الواردة في هذا المقال عن كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.

مشاركة