إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

رفع الحصار عن اليمن ضرورة لكن ضمن حزمة أوسع من الإجراءات

Read this in English

تجاوز التدخل السعودي في اليمن عامه السابع مؤخرًا في الوقت الذي تحولت الحرب إلى مستنقع لا يمكن الخروج منه. تكافح الرياض لإيجاد استراتيجية خروج قابلة للتطبيق من هذه الحرب التي ترتب عنها عواقب إنسانية مدمرة على اليمن. أدى هذا إلى تزايد الدعوات للولايات المتحدة لإيقاف الدعم المقدم للتدخل السعودي والضغط على الرياض لرفع الحصار البحري والجوي الذي فرضته هي وشركاؤها في التحالف على اليمن. لا يمنع الحصار دخول جميع البضائع إلى اليمن، بل يسمح بدخول بضائع محددة، خصوصًا النفط والمواد الغذائية المستوردة عبر ميناء الحديدة على الساحل الغربي، لكن هناك قائمة طويلة من المنتجات المحظور دخولها. تعيق عملية التفتيش المطوّلة والاعتباطية في كثير من الأحيان وصول البضائع الضرورية، ما يتسبب في ارتفاع الأسعار وتفاقم الأزمة الإنسانية الحادة أساسًا في اليمن. وبالتالي، تنامت الدعوات لرفع الحصار من أوروبا والفصائل التقدمية داخل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة التي تعبّر مؤخرًا بشكل متزايد عن نفاد صبرها مما تعده حذرًا مفرطًا للرئيس بايدن في تعامله مع السعودية.

أسباب هذه الدعوات واضحة؛ الحصار أحد جوانب الحرب الواضحة والبغيضة أخلاقيًّا بشكل لا لبس فيه. ووفقًا للنقاد، من السهل على الولايات المتحدة، إذا ما استجمعت شجاعتها، إقناع السعودية برفع الحصار أو إجبارها على ذلك إذا لزم الأمر. عادة ما يكون دافع مناصري هذه المطالب هدفًا نبيلًا يتمثل في التخفيف من معاناة الشعب اليمني الذي يعيش تحت وطأة أسوأ كارثة إنسانية في العالم. ولكن إذا كان التاريخ قد علمنا شيئًا فهو أن السياسات المبنيّة على نوايا حسنة قد تأتي بنتائج عكسية.

رفع الحصار ليس الدواء الشافي الذي يدعيه مناصروه، فالفكرة القائلة بأن بادرة حسن النية هذه من جانب واحد قد تدفع الحوثيين إلى تقديم تنازلات والمشاركة بشكل بناء -ولو قليلًا- في عملية السلام، لا تتوافق مع سلوك الحوثيين خلال السنوات الأخيرة، بل على العكس إذ كلما نمت قوتهم، زادت طموحاتهم التي سعوا إلى تحقيقها بالقوة. وبالتالي، إذا رفعت السعودية الحصار جزئيًّا أو كليًّا فمن غير المرجح أن يرد الحوثيون الإحسان بالإحسان، وقد يستغلون فرصة كهذه لمواجهة معارضيهم بعنف. على سبيل المثال، سيُستخدم النفط الذي يُسمح بإدخاله عبر ميناء الحديدة كوقود لتمويل آلة الحرب الحوثية. كما سيوظف الحوثيون المساعدات الإنسانية كسلاح حرب عبر تحويلها إلى مقاتليهم ومناصريهم كما فعلوا مرارًا وتكرارًا.

يبني الحوثيون في شمال وغرب اليمن نظامًا سياسيًّا يتصف بالوحشية والقمع والظلامية. لن يؤدي رفع الحصار من جانب واحد سوى إلى منحهم المزيد من الموارد لمواصلة العمل في هذا الاتجاه، كما لن يسفر عن تحسن الوضع الإنساني في المناطق التي يسيطرون عليها على المدى الطويل، بل سيضر بآفاق التوصل إلى حل سياسي عملي في المستقبل.

ما يمكن أن يوفر فهمًا جيدًا في هذا الصدد، هو كيفية استجابة الحوثيين لاتفاق ستوكهولم؛ كان الهدف من الاتفاق -الذي تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة أواخر عام 2018- بناء الثقة بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دوليًّا والحوثيين، وتقليل التوترات في الحديدة وما حولها. صحيح أن حدة المعارك حول المدينة الساحلية الغربية قد خفت، إلا أن الاتفاق لم يؤدِ إلى التقدم السياسي أو الإنساني الموعود، بدلًا من ذلك انتهز الحوثيون الفرصة لإعادة نشر قواتهم في جبهات أخرى.

أفضل طريق نحو الأمام هو الدعوة إلى عملية سلام أكثر شمولًا تشمل رفع الحصار؛ إذ لا يمكن إحراز أي تقدم اجتماعي واقتصادي وسياسي في اليمن دون هذه الخطوة الرئيسية، ولكن يجب أن تتضمن هذه العملية في الوقت نفسه -وليس لاحقًا أي في مستقبل غير محدد- حلًا أوسع للتشظي والانقسام السياسي الحاصل في البلاد. بعبارة أخرى، يجب ممارسة الضغط على كلٍ من السعودية والحوثيين؛ الضغط على جانب واحد سيقود الطرف الآخر حتمًا إلى الاستفادة من الضعف النسبي لخصمه.

يستند الاقتراح الذي يدعو إلى دفع الرياض لرفع الحصار إلى الإعتقاد بأن هذا النهج سيمثل خطوة أساسية أولى نحو تحسين الوضع الإنساني، وخلق مساحة أكبر نحو تحقيق تقدم في عملية السلام بالنهاية. يُعد هذا المقترح جذابًا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فمن غير المرجح أن ينجح في وقف تدهور الكارثة الإنسانية في اليمن وتحسين الوضع الإنساني. بل من المرجح أيضًا أن يعزز ذلك حكم الحوثيين الوحشي ويجعل مساعي التقدم نحو السلام أكثر صعوبة. بالتالي، يجب على أصدقاء اليمن في المجتمع المدني وفي العواصم الإقليمية والغربية تركيز جهودهم على تحديد الحلول والسعي لتطبيقها بهدف تحقيق عملية سلام شاملة، لا تتمثل فقط في رفع الحصار، بل برفعه ضمن حزمة أوسع من الإجراءات.


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هو مركز أبحاث مستقل، يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.

هذا المقال جزء من سلسلة إصدارات لمركز صنعاء تفحص أدوار الجهات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية الفاعلة في اليمن.

مشاركة