قد يؤخذ المرء بشخصية الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، حتى يلتقيه شخصيًا ليكتشف أنه شخص “عادي” جدًا، ولا تحمل كلماته أي حكمة جديدة أو تثير تساؤلات عميقة لدى مستمعه. كان هذا هو انطباعي وأنا أغادر منزله بصنعاء في يناير/ كانون الثاني 2014.
في عمر الـ 23 عامًا، جُلّ ما جنيته من لقائي بهادي هو الجرأة على التدخين أمام والدي بعد ظهيرة ذلك اليوم؛ إذ شاهدني في نشرة الأخبار جالسًا مع رئيس البلاد. لم يتغير انطباعي عن هادي بأي من خطاباته أو تصريحاته العلنية في السنوات التي تلت ذلك اللقاء، وأدركت لاحقًا أنه كان انطباعًا سائدًا بين العديد ممن التقوا به.
والآن وبعد رحيل هادي، واستبداله بمجلس رئاسي، حان الوقت للتأمل في إرثه. ويا لها من تركة خاوية لا إرث فيها. فالرجل الذي قاد بلادًا وشعبًا لعقد من الزمن لم يحقق سوى القليل من الانجازات القيّمة التي قد يشار إليها بالبنان. لم يكن هادي يشبه أيًا من قادة العالم بقدر ما يشبه الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة -الرئيس المريض والغائب عن المشهد في كثير من الأحيان، والذي أقالته حكومته في نهاية المطاف -وكذلك الرئيس الصوري الأفغاني الفاسد أشرف غني، الذي فر تاركًا بلاده.
على غرار هادي، حظي جيلنا بشكل من أشكال القرار بسبب الثورة اليمنية عام 2011. فبعد أكثر من 33 عامًا من حُكم علي عبدالله صالح، كان هادي يجسد قدرتنا المكتسبة حديثًا على تخيل أكثر من رئيس واحد في حياتنا. تأثرنا بإمكانية حدوث التغيير لدرجة أن 6.6 مليون يمني -65٪ من الناخبين المؤهلين -خرجوا للتصويت لصالح هادي في انتخابات كان هو المرشح الوحيد فيها عام 2012. سخر بعض أصدقائي في وجهي حينها لمشاركتي في مثل هذه «الانتخابات الزائفة». إلا أننا كنا نبحث بشدة عن طريق للمُضي قُدمًا، وإلى قائد يحقق ما كنا نتطلع لتحقيقه في بلادنا ويقود البلاد خلال ما كان من المقرر أن تكون مرحلة انتقالية قصيرة يُجنب فيها اليمن المسار الدموي الذي انزلقت فيه سوريا بشكل يومي. لم نكن نعلم، أو حتى نستطيع أن نتخيل، أن هادي سيقودنا إلى مزيج من المسارات الكارثية التي حلّت بسوريا وليبيا والصومال والعراق.
لهذا يشعر العديد من اليمنيين أن هادي طعنهم في الظهر مرتين، مرة من خلال عدم كفاءته وتساهله مع الفساد، ثم أخرى حين سمح للبلاد بالانجرار إلى حروب أهلية وحروب بالوكالة. فقد أمضى سبع سنوات من أصل 10 كرئيس “انتقالي” لليمن يعيش خارج البلاد، ويسيء استخدام صلاحياته إثر تساهله مع أقاربه وحلفائه الفاسدين، ومنح أبناءه سلطة غير دستورية لإدارة -والتدخل في شؤون -الدولة، غير آبهٍ بمناشدات اليمنيين للتخفيف من معاناتهم. طوال هذه السنوات، شجّع هادي، ومن خارج اليمن، اليمنيين على القتال والموت للحفاظ على مكانته كرئيس “شرعي” لليمن.
لم تتردد دائرة مستشاريه في التمسك بهذا الادعاء المشكوك فيه بالشرعية بل وترديده، ظلوا يرددونه لسنوات تتجاوز فترة ولايته، إلى أن أتت اللحظة التي أُجبر فيها هادي أخيرًا على ترك منصبه في 7 أبريل/ نيسان. عندئذٍ سارع هؤلاء المستشارون أنفسهم إلى تأمين مصالحهم الخاصة.
لكل هذه الأسباب، لم يكن خصوم هادي من الحوثيين في صنعاء هم من احتفلوا برحيله، بل من قاتلوا الحوثيين تحت راية حكومة هادي “الشرعية”. تحسّن المزاج العام بشكل كبير في العديد من التجمعات بمحافظتي مأرب وشبوة، ساحتي المعركة الرئيسيتين هذا العام، حيث ناقش الشيوخ والسكان التغييرات خلال اللقاءات المسائية الرمضانية في دواوين القات. عند الحديث مع السكان في عموم البلاد، نجد أن لديهم شعور سائد بأن الأمور قد تتحرك مرة أخرى على الأقل مع رحيل هادي. فحُكم اليمن يحتاج إلى شخص موجود داخل اليمن بالفعل ومهتم بإدارة شؤون الدولة.
الأهم من ذلك، لا سيما بالنسبة لجيل الربيع العربي في اليمن، سيظل هادي دائمًا ذلك الرجل الذي حوّل الفرص إلى كوارث والأحلام إلى كوابيس، هذا هو إرثه الذي تركه للجيل الذي حرّك ثورة عام 2011. حلمنا بأن يتمكن اليمنيون من ممارسة الديمقراطية والمُضي بالبلاد قُدمًا؛ وندم الكثيرون منا أشد الندم على مطالبتهم بأن تصبح هذه الأحلام حقيقة.
كنا نحلم بحوار وطني حقيقي، لكن هادي ومساعديه تلاعبوا بسير عملية مؤتمر الحوار الوطني 2013-2014 بشكل بشع للغاية -من خلال التلاعب بتمثيل المكونات وبالمخرجات، وانتهاك اللوائح الداخلية للمؤتمر، وشراء الولاءات – الأمر الذي جعل المؤتمر ينتهي بحرب أهلية.
كنا نحلم أن نحظى بدعم السعودية ودول الخليج الأخرى ذات الموارد والنفوذ الكافي لإنجاح الفترة الانتقالية. ومع ذلك، أساء هادي استخدام هذه العلاقات لخدمة مصالحه الشخصية إلى حد أن مضيفيه الكرماء، الذين برروا دورهم المدمر في حرب اليمن بأنه تم بناءً على طلب هادي للتدخل، فقدوا صبرهم في نهاية المطاف وأزاحوه من منصبه وحرصوا على عدم عودته بأن أنشأوا مجلس قيادة رئاسي ليحل محله. كانت نهاية مهينة، لكنها لم تكن مفاجئة مع الأسف. يبدو أن السعوديين أدركوا ما كان يعرفه رجل الأعمال خالد عبدالواحد جيدًا. فحين سألته مؤخرًا في عدن عما يعنيه أن يكون للمرء صديقٌ مدى الحياة كهادي، أجاب: “إنه أمر مؤلم للغاية”.
حتى أولئك الذين لم يستحسنوا الطريقة التي رحل بها هادي، فهموا لماذا وكيف فعل السعوديون ذلك. قال لي عبدالله النعماني، الأمين العام المساعد لحزب التضامن الوطني ورئيس كتلته البرلمانية، بعد أيام قليلة من توقيع وثيقة تنازل هادي: “جاؤوا إلينا -السعوديون -وفي جُعبتهم أمرًا كنا نطالب به لفترة طويلة للغاية. كيف للمرء أن يرفض شيئًا يعلم أنه ما يريده ويحتاجه؟”.
كان الأمر مؤلمًا، لكنه القرار الوحيد الصحيح. لم يترك هادي لأحد أي خيار.
شغل هادي الوظيفة الأكثر مللًا في نظام رئاسي على مدى 18 عامًا: نائب الرئيس. قبِل هذا اللقب من صالح عام 1994، رغم أنه جاء مع القليل من الاحترام أو دون احترام على الإطلاق؛ إذ تمثلت مهامه في رئاسة لجان غير ذات أهمية، وقص شرائط احتفالية، ونقل التحايا إلى الشعب من رئيس بالكاد يلحظ وجوده أصلًا.
وحين أصبح رئيسًا، استمر في لعب هذا الدور: كعنصر تمكين، لأي شخص أو لأي شيء. في الجنوب، كان عنصر تمكين للجيش البريطاني (خدم هو وأسرته كحراس للاستعمار البريطاني أثناء احتلاله اليمن) وبعدها للدولة الماركسية التي رعاها الاتحاد السوفيتي. وحين اتخذ صالح قرار غزو الجنوب عام 1994، كان هادي -المنحدر من الجنوب -هو من قاد قوات صالح ضد الجنوب.
بعد الحرب، قَبِل هادي أن يكون أرفع مسؤول جنوبي في نظام صالح؛ مما ساعد الأخير على تنفيذ معادلته السياسية الفظيعة التي مكنته من إحكام قبضته على البلاد، مدعيًا في نفس الوقت أنه يتصرف باسم جميع اليمنيين. تواطأ هادي لاحقًا مع كل من سيطر على شؤون اليمن، سواءً كان من حزب الإصلاح المصنف كفرع محلي لجماعة الإخوان المسلمين، أو الحوثيين، أو مؤخرًا السعودية خلال حربها في اليمن لثمان سنوات عجاف.
في أيامه الأولى كرئيس، استغرق الأمر بعض الوقت ليستوعب الشعب حقيقة أنه كان رئيسًا بالفعل. فهادي لم يكن يحب الاختلاط بالناس كثيرًا أو الحضور أمام كاميرات التلفزيون. لعدة أشهر، استمر الناس في الإشارة إلى منزله في صنعاء باسم “منزل نائب الرئيس”. كانت إحدى الطُرف المتداولة في صنعاء ذلك الوقت، أنه في ليلة تنصيبه رئيسًا، قال هادي لزوجته “مبروك. غدًا، ستكونين السيدة الأولى”، وفي اليوم التالي، حزمت زوجته أمتعتها وانتقلت إلى منزل صالح، فحتى زوجة هادي نفسها لم تستطع أن تتخيله رئيسًا.
كان هادي “رئيس الصدفة”. فقد هزت انتفاضة الربيع العربي القوية للتو عرش صالح الجمهوري، وكانت انتفاضة قوية لدرجة أن صالح نفسه، أحد أكثر السياسيين مراوغة، لم يستطع الصمود تجاهها، إلا أنه كان يأمل في تنصيب “مُمكِن” على هذا العرش، حتى يتمكن من الحفاظ على سلطته. جرى تداول اسمين ذلك الوقت. الأول، رئيس وزراء صالح -آنذاك -علي مجور الذي اعتذر عن الأمر بأدب جمّ، وكان الاسم الآخر رشاد العليمي، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، لكن الأخير لم يكن محبوبًا لدى الدوائر الموالية لصالح؛ بالتالي كان الاختيار الأكثر أمانًا هو هادي. كما أن الأميركيين لطالما حبذوا فكرة تولي نائب الرئيس خلفًا لرئيس في الرمق الأخير من السلطة (وهي فكرة دعموها أيضًا في سوريا والعراق قبل عام 2003 وأماكن أخرى). وهكذا، اجتمعت كل نجوم السياسة باليمن في كوكب هادي ليتولى الرئاسة.
خلال تلك الفترة، وفي السنوات الأولى من رئاسته، لم يتمكن حتى مستشاري هادي من مقابلته، وقيل إنه كان مهووسًا بالدعم الأجنبي وأكثر استعدادًا للقاء كبار الشخصيات الأجنبية. عند لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان يتحدث باللغة الروسية التي تعلمها خلال فترة دراسته في روسيا. كان هادي يجتمع مع دبلوماسيين غربيين بشكل شبه يومي خلال عامه الأول كرئيس، وذكر العديد من مساعديه أنه كان يعتقد اعتقادًا راسخًا بأن الولايات المتحدة وحدها هي التي تهمّ. في الفترة التي كان ما يزال فيها هادي بصنعاء أوائل فترة رئاسته، أخبرني مسؤولون يمنيون كبار، بمن فيهم بعض الوزراء، أنه للحصول على اجتماع مع هادي كان عليهم -أحيانًا -طلب ذلك عبر السفير البريطاني أو الأمريكي. التقى هادي مع قيادات حزبه ما يزيد قليلًا عن بضع مرات خلال السنوات الثلاث التي عمل فيها من داخل اليمن.
خلال السنوات التي قضاها كنائب لصالح وكرئيس للبلاد، اكتسب هادي سمعة بأنه على استعداد لفعل أو قبول أي شيء من شأنه أن يضمن الحفاظ على منصبه. بين عامي 2012 و2014، خضع بشكل أساسي لحزب الإصلاح الإسلامي، وعيّن أعضاء من الحزب دون أي ضوابط لإدارة مؤسسات الدولة مقابل حماية مقعده في السلطة. وحين حانت اللحظة، سلّم هادي صنعاء للحوثيين في إطار اتفاق السلم والشراكة في سبتمبر/ أيلول 2014، معتقدًا أنه حتى لو سيطرت الميليشيات على العاصمة، سيظل بإمكانه التفاوض لنفسه على مكان.
إلا أن الحوثيين لم يكن لديهم أدنى رغبة في تقاسم صنعاء، أو السلطة بشكل عام، ما اضطر هادي إلى الفرار من العاصمة أوائل عام 2015، أولًا إلى عدن ثم عبر عُمان إلى الرياض. سرعان ما تكيّف مع أسلوب حياته الجديد في ملاذه الآمن بالرياض، حيث وصفه مساعدوه وأصدقاؤه المقربون خلال تلك السنوات بأنه لا يقوم بشيء سوى النوم والاستمتاع بالغداء ومضغ القات شبه الطازج، إضافة إلى أغاني محمد مرشد ناجي وفيصل علوي، اثنين من مطربيه المفضلين.
أظهر هادي نفس السمات أثناء وجوده في المنفى كتلك التي أظهرها بصنعاء. في الفترة الأولى من وجوده في الرياض، أقال المستشارين والوزراء الذين اختلفوا معه، أو في أحسن الأحوال همشهم، وترك عملية صنع القرار اليومية لدائرة مقربة من حاشيته تضم أبناءه. في فبراير/ شباط 2022، أخبرني مستشار هادي، عبد العزيز المفلحي، بأن آخر لقاء جمعه شخصيًا بالرئيس هادي كان قبل أربع سنوات، عند أدائه اليمين الدستورية كمستشار للرئيس. كما جعل هادي مصفاة بلحاف في محافظة شبوة تحت تصرف الإمارات عام 2015، حين كان على علاقة جيدة مع الإماراتيين، لاستخدامها كقاعدة عسكرية. وقَبِلَ، بل وشجع في بعض الأحيان، تجاهل السعودية للبروتوكولات طالما سُمح له بالبقاء في منصبه بشكل مريح.
وقّع هادي على العديد من الوثائق والمراسيم التي تنتهك سيادة اليمن، مثل التنازل عن السيطرة على المجال الجوي اليمني للسعودية. قال لي العديد من القادة العسكريين إنهم تلقوا وثيقة مكتوبة تأمرهم بتلقي الأوامر مباشرة من فهد بن تركي، قائد قوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن حتى عام 2020، كما لو كانت صادرة عن هادي نفسه. وكما قال لي محافظ حضرموت السابق، أحمد بن بريك، ذات مرة: ” كُل ما يريده هادي هو الجلوس على هذا الكرسي. إذا استطعت بطريقة ما أن تمنحه ذلك، ولو فقط ليوم إضافي آخر، فسوف يفعل لك ما تريد”.
لأسابيع وشهور وسنوات، انتظر السعوديون من “ضيفهم” المغادرة. وفقًا لما ذكره أكثر من مصدر يمني وسعودي، عرض السعوديون بلباقة أكثر من مرة بين عامي 2018 و2022 بناء قصر له في أي مكان باليمن، بما في ذلك بالقرب من الحدود أو حتى على الجانب السعودي منها، لكن الرجل كان أكثر سعادةً في الرياض، بعيدًا عن اليمن واليمنيين.
لم يبذل هادي أبدًا أدنى جهد حتى بشأن القضايا التي يمكن القول إنه كان بإمكانه التعامل معها بسهولة من الرياض، مثل وقف طرد العمالة اليمنية من السعودية، الذين تشكل تحويلاتهم المالية شريان حياة للعديد من الأسر والمجتمعات اليمنية. فقد عشرات الآلاف من العمال اليمنيون -بعضهم يعملون في محلات تقع على بُعد دقائق فقط من قصر هادي في الرياض -وظائفهم أو أُجبروا على مغادرة البلاد بسبب نظام السعوَدة، وهي سياسة استبدال العمال الأجانب بمواطنين سعوديين. كانت تحويلاتهم المالية آخر مصدر أساسي للعملة الصعبة في اليمن، ويمكن المجادلة إن الطرد الجماعي للعديد من العمال ألحق ضررًا بالبلاد أكثر من الحرب نفسها.
بدلًا من ذلك، تضمنت محادثات هادي النادرة مع مضيفه الملك سلمان مناشدات ذات مصلحة شخصية مستفيدًا من التزام مضيفه بتقاليد الضيافة العربية. خلال اجتماع عام 2017 في مكة المكرمة، طلب هادي السماح للقات بدخول قصره يوميًا، وفي مكالمة هاتفية بعد ذلك ببضع سنوات، طلب من الملك سلمان السماح له بقضاء مزيد من الوقت في مقرات إقامته الفاخرة بالرياض، وفقًا لأكثر من مصدر مطّلع على مضمون المكالمة.
استغرق الأمر سنوات لكي يدرك السعوديون وجود مشكلة في الهدف المعلن لعمليتهم في اليمن المتمثلة في إعادة حكومة هادي الشرعية إلى العاصمة صنعاء: هادي نفسه لم يكن لديه أي نية للعودة إلى أي مكان في اليمن.
كان هادي، من نواحٍ كثيرة، أسوأ حليف يمكن أن يحظى به المرء، كما أنه كان العدو المثالي. كان يقبل بأي تنازل، وأي خسارة، طالما سُمح له بالبقاء في السلطة. حتى لو كان في المنفى، فإن مقر سلطته كان يقع في قصرٍ ما بالرياض، أبعد ما يكون عن وقائع الحرب في وطنه -الذي يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، دعونا لا ننسى ذلك -وأبعد ما يكون عن حرارة الصحراء الحارقة في الرياض. كان مستعدًا لفعل أي شيء للحفاظ على ذلك.
في 7 أبريل/ نيسان، كان المشهد في الرياض، بالنسبة لهادي ولملايين اليمنيين، مختلفًا تمامًا عن المشهد قبل عقد من الزمن وأكثر صعوبة مما كان عليه آنذاك. لقي مئات الآلاف من اليمنيين حتفهم في هذه الحرب لإعادة الشرعية إلى حكومة يقودها رجل لم يكن مهتمًا بخدمتهم وبتلبية احتياجاتهم. أصبح اليمن يرزح تحت قبضة الميليشيات واقتصادات الحرب، وتحول جيل كامل من الشعور بالفخر إلى الشعور بالذنب، في أفضل الأحوال، بسبب جرأتهم على المطالبة بالديمقراطية والإصلاح الحقيقي.
تحمل اليمن الكثير. وهادي أبعد من أن يتحمل المسؤولية عن ذلك لوحده. ففي حرب طويلة ووحشية مثل حرب اليمن، تتحمل الكثير من الأطراف المسؤولية، بدءًا من النزعة الطائفية المتهورة للحوثيين إلى تدخل دول المنطقة. بالتأكيد، كانت هناك أخطاؤنا، الشباب الذين طالبوا بالتغيير، والتي لعبت دورًا في الإفضاء إلى هذا المصير. إن عدم نضجنا وسذاجتنا السياسية لا يمنحاننا عذرًا. كان يمكن أن يكون أداؤنا أفضل، وكان بمقدرونا أن نتصرف بمسؤولية أكبر، في أمور عديدة. مع ذلك، كان هادي محور كل شيء، في ذروة الآمال، وفي الانحدار إلى هاويات لا قعر لها. كان الجميع على استعداد لتوجيه دفة سفينة البلاد إلى الأمام، باستثناء قبطانها.
انقضت 10 سنوات سريعًا على المشهد من صنعاء الجميلة إلى الرياض، حيث استُدعي هادي ليلة 6 أبريل/ نيسان لمقابلة نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان. بعد ساعات، وفي بيان مقتضب سُجل مسبقًا، تنازل هادي عن السلطة لمجلس رئاسي. استغرق هادي 10 سنوات لتسليم سلطته، وليس عامين كما كان مخططًا له في البداية، كما أنه لم يسلم السلطة إلى رئيس منتخب من قِبل الشعب اليمني كما وعد في فبراير/ شباط 2012. عوضًا عن ذلك، انتقلت السلطة إلى ثمانية رجال مقبولين لدى السعودية والإمارات، من بينهم أعداء سياسيون وقبليون أقالهم هادي من مناصبهم في الماضي، وأعداء حاولوا قتله أكثر من مرة، وحلفاء قدموا له المشورة وتفاوضوا نيابة عنه طوال فترة الحرب. تفاجأ معظم اليمنيين بالأمر، باستثناء القلة القليلة التي شاركت في إعداد النص. لكن بالنسبة للكثيرين، كان هادي قد تخلى عنهم منذ فترة طويلة، ورغم الألم، كان الأصدقاء وكذلك الأعداء مستعدين لإسدال الستار على مرحلة حُكم هادي.
نُشرت هذه المادة للمرة الأولى باللغة الإنجليزية في مجلة نيولاينز بتاريخ ٥ مايو ٢٠٢٢تحت عنوان Yemen’s Great Enabler Departs