ملاحظة المحرر: هذه المقالة هي ترجمة لمقالة نُشرت على موقع المجلس الأطلسي بتاريخ 16 أكتوبر 2025.
تُعد موافقة إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في غزة، خبرًا سارًا للفلسطينيين في القطاع، وتمنح الأمل في أن الحرب، التي واجهت إدانات متزايدة من المجتمع الدولي، قد تقترب من نهايتها، إلا أن هذا الأمر يثير أيضًا تساؤلات هامة حول المسار المستقبلي للصراعات الإقليمية، وتحديدًا فيما يتعلق بالمتمردين الحوثيين في اليمن. السؤال هو: كيف ستستجيب الجماعة المدعومة من إيران لهذه الخطوة نحو السلام؟ وهل سيوقفون، كما زعموا مرارًا، أعمالهم العدائية في البحر الأحمر وقصفهم لإسرائيل؟ الإجابة المختصرة هي نعم، ولكن على الأرجح، في الوقت الراهن فقط.
واصل الحوثيون مهاجمة إسرائيل حتى لحظة الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، ومنذ ذلك الحين أوقفوا هجماتهم. لكن يبدو أن الجماعة المسلحة تصوّر هذا الأمر كانتصار، وتتعهد بمساندة حماس عسكريًا إذا ما جُرّدت الحركة الفلسطينية المسلحة من سلاحها، كما تنص خطة وقف إطلاق النار. يستخدم الحوثيون هذا الالتزام كدليل على تفانيهم في دعم القضية الفلسطينية، وهو أمر راسخ بعمق في أيديولوجيتهم وخطابهم كقوة رائدة فيما يسمى بـ “محور المقاومة” الإيراني. يأتي هذا على الرغم من الاختلال الكبير في التوازن العسكري بين الحوثيين وإسرائيل، وهو اختلال يدفع ثمنه الشعب اليمني وآماله في الاستقرار، جراء الانتقام الإسرائيلي الهائل.
لطالما نظر الحوثيون إلى تورطهم في الصراعات الإقليمية كوسيلة لترسيخ سلطتهم وتوسيع نفوذهم الإقليمي إلى ما هو أبعد من اليمن. هجماتهم على إسرائيل والأعمال العدائية في البحر الأحمر بعد السابع من أكتوبر 2023، سمحت لهم بحشد الدعم في العالمين العربي والإسلامي، وبناء تحالفات مع فاعلين ما دون الدول في القرن الأفريقي، والحصول على الدعم والتأييد من مختلف أنحاء العالم. كما كانت تحركاتهم الإقليمية إحدى استراتيجياتهم للتغطية على عجزهم عن تقديم الخدمات وسلوكهم العنيف ضد اليمنيين.
حتى لو أعلن الحوثيون النصر في الحرب ضد إسرائيل وأوقفوا الأعمال العدائية في الوقت الحالي، فمن المشكوك فيه أنهم سيتخلون عن المكاسب الإقليمية التي حققوها. من المرجح أنهم سيواصلون البحث عن سبل لتأمين موطئ قدم سياسي وعسكري لهم في المنطقة.
قد يكون هذا “التوقف” الحالي مؤقتًا؛ فالحوثيون لا يزالون يميلون إلى استئناف الأعمال العدائية بمجرد عثورهم على ذريعة معقولة، وذلك رهنًا بقدرتهم على إيجاد منفذ بديل للحفاظ على وجودهم ونفوذهم.
استجابات الحوثيين المحتملة لوقف إطلاق النار
هناك عدة مسارات استراتيجية قد ينظر فيها الحوثيون في سعيهم للحفاظ على مكاسبهم الاستراتيجية التي حققوها بعد السابع من أكتوبر. تُعد العودة إلى الحرب الداخلية إحدى خياراتهم، إذ يخدم ذلك مصالحهم في اكتساب المزيد من القوة داخليًا أو الضغط على المملكة العربية السعودية ودول الخليج للعودة إلى عملية السلام التي ترعاها السعودية.
يقوم الحوثيون بتحريك قواتهم على جبهات متعددة في جميع أنحاء اليمن، بعضها في إطار الاستعداد لصد هجمات حكومية محتملة. مع ذلك، فإن العودة إلى الصراع المحلي قد تساعد الحوثيين في صياغة سردية سياسية وإنسانية لمخاطبة غضب الشعب اليمني ومعاناته، خاصة مع نهاية حرب غزة. بيد أن هذه المناورة تنطوي على مخاطر كبيرة، فتداعيات الضربات الإسرائيلية، إلى جانب تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، قد استنزفت تمويلهم ومواردهم، ودفعت الشركات ومنظمات الإغاثة إلى مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين نتيجة مضايقتهم المستمرة لها. نتيجة لذلك، يمكن لهذه الاستراتيجية أن تبدد مكاسبهم الإقليمية وتزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي الهش أصلاً.
تعرضت موارد الحوثيين لضغط شديد، وهم يبحثون عن سبل لسد هذه الثغرات، وتُعد منطقة الخليج خيارهم الأبرز. قبل هجمات حماس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، التي أشعلت حرب غزة، كان هناك اتفاق لوقف إطلاق النار شبه مُنجز بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والحوثيين برعاية سعودية. كان المحور الرئيسي في ذلك الاتفاق على شكل حزمة اقتصادية، حيث وعدت السعودية بتمويل رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لمدة عام، ضمن مساهمات أخرى. كان من شأن ذلك أن يضخ سيولة نقدية هم في أمس الحاجة إليها في مناطق سيطرتهم، ويساعد في تخفيف الضائقة الاقتصادية المتزايدة التي لا يزالون يواجهونها.
مع تجميد الحوثيين لذلك الاتفاق نتيجة ممارساتهم خلال حرب غزة، بات بإمكانهم الآن محاولة استعادة تلك الميزة الاقتصادية المفقودة عن طريق الإكراه. من خلال تهديد أمن البنية التحتية الاقتصادية لجيرانهم، يمكن للجماعة ابتزاز دول الخليج لإعادة فتح المحادثات، وقد أثبتت سابقًا قدرتها على ذلك — وتحديدًا عبر استهداف المنشآت النفطية والمطارات — وهي إجراءات نجحت في إجبار السعودية على الدخول في مفاوضات معهم. مع ذلك، فإن التصنيف الأمريكي الأخير للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية يجعل إحياء مثل هذا الاتفاق أقل احتمالًا.
لكل من الخيارين فائدة استراتيجية محدودة بالنسبة لداعمي الجماعة الأساسيين في إيران، إذ تكمن فائدة الحوثيين في كونهم ورقة ضغط إقليمية، وليس بالضرورة كقوة سياسية محلية. هذا من شأنه أيضًا أن يوتر علاقات إيران الإقليمية الحساسة، مما يجعله مسار عمل أقل جاذبية لطهران في الوقت الراهن.
الخيار الثالث هو إعادة التصعيد إقليميًا. لطالما نظر الحوثيون إلى التوترات الإقليمية كفرصة لتوسيع نفوذهم. مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر الفائت، والضربات المؤثرة التي تعرض لها حزب الله في لبنان، أصبح الحوثيون العضو الأقوى في محور المقاومة وحليف إيران الرئيسي. لسنوات، استخدمت طهران أساليب غير مباشرة لمواجهة أعدائها، متسببة في خلق الفوضى دون اللجوء العلني إلى حرب مباشرة، ومع تزايد الضغوط، من المرجح أن تواصل إيران القيام بذلك، مستخدمة الحوثيين كأداة استفزاز لتخفيف الضغط عنها، والدفع لتحقيق أهدافها الخاصة في المنطقة. إن تورط الحوثيين في تصعيد إقليمي يدعم مصالح إيران الإقليمية الأوسع، التي تستغل عدم الاستقرار كأداة استراتيجية للضغط الجيوسياسي، ولكن يبقى من غير المؤكد كيف سيتطور هذا المسار.
يصبح السؤال المطروح إذن: كيف ولماذا سيعاود الحوثيون الانخراط في تصعيد إقليمي؟ هناك مداخل واضحة أمام الحوثيين لاستئناف الأعمال العدائية في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل. يمكنهم بسهولة إيجاد ذريعة – أو انتظار مبرر وجيه – من أجل التصعيد. قد تؤدي نهاية حرب غزة إلى إعادة تركيز اهتمام إسرائيل والولايات المتحدة على طهران، بالتزامن مع العقوبات الأمريكية والبريطانية والأوروبية، وهو ما قد يدفع إيران إلى مواجهة هذا الضغط عبر دفع الحوثيين لاستئناف قتال أعدائهم.
بالنسبة لإسرائيل، يُعد التهديد الحوثي منفصلاً عن الحرب في غزة، حيث ترى أن على الحوثيين دفع ثمن ما فعلوه خلال العامين الماضيين. علاوة على ذلك، وبوصفهم أداة لإيران، سيستمرون في تشكيل تهديد مشابه لتهديد حزب الله، ويبدو أن إسرائيل لن تسمح باستمرار هذا التهديد. قد يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو — الذي طالما استخدم الحرب لتحقيق مصالح سياسية — في الحوثيين هدفًا مناسبًا لعمل عسكري إضافي. في هذا الصدد، يتشارك كل من الحوثيين ونتنياهو في استراتيجية واحدة: استخدام الحرب لتبرير إحكام قبضتهم على السلطة والتوسع الجغرافي. لذلك، يبدو استئناف صراع إقليمي أوسع نطاقًا، في الوقت الراهن، هو الاحتمال الأرجح.
يمكن للحوثيين وإيران أن يصوروا أي تصعيد على أنه “رد على العدوان” أو “محاولة لرفع الحصار”، دون التورط في مواجهة شاملة. سيكون البحر الأحمر على الأرجح هو النقطة المحورية لمثل هذا التصعيد المحدود والمحتوى، نظرًا لسهولة وصول الحوثيين إليه، وللمكاسب التي أثبتوا تحقيقها هناك بعد السابع من أكتوبر. بالنسبة لإيران، فإن دفع الحوثيين لاستئناف هجماتهم في البحر الأحمر من شأنه أن يخفف الضغوط الخارجية عليها، خاصة مع اشتداد العقوبات الدولية وتزايد احتمالية وقوع هجمات إسرائيلية. إن رفع وتيرة المواجهة عبر الحوثيين سيسمح لإيران بمواصلة استراتيجية حربها غير المباشرة ضد خصومها.
ختامًا، لا يعني وقف إطلاق النار في غزة بالضرورة خفضًا كاملاً للتصعيد في المنطقة؛ بل قد يكون مرحلة انتقالية يعيد فيها مختلف الفاعلين ترتيب أوضاعهم. بالنسبة للحوثيين، فإن التوقف الحالي عن شن هجمات ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر هو أمر مؤقت. إن تراجعهم هذا ليس تنازلاً، بل هو واقع غير مرغوب فيه فُرض عليهم. من المرجح أنهم ينتظرون نتائج الضغوط المتراكمة على إيران، وتحركات إسرائيل، قبل أن يقرروا خطوتهم التالية.
رغم أن المسار الدقيق غير واضح، تشير القراءات الحالية إلى أن البحر الأحمر سيظل نقطة خلاف، حيث يسعى الحوثيون وإيران لمواجهة الضغوط من إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، مع إبقاء التوترات الإقليمية دون مستوى الصراع المفتوح.
 
            