بعد أربع سنوات من بدء الانتقال السياسي في اليمن بقيادة الأمم المتحدة، وبعد ما يقارب العام من التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية، 26 مارس 2015، فقدت الأمم المتحدة دورها المركزي كميسر رئيسي في قضايا اليمن وملفها الدولي، لتلعب السعودية حاليا الدور الأساسي في تحديد مسار الملف اليمني دوليا وتتصدر الملف اليمني مباشرة أو عبر حلفائها في مجلس الأمن الدولي. في الأساس، القوة التي يمكن أن يحظى بها المبعوث الأممي لليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، هي ما تمنحه له دول مجلس الأمن ودول الإقليم المرتبطة مباشرة بالملف اليمني في المجلس، وهي حاليا قليلة. فبينما تمتع المبعوث السابق جمال بنعمر بسلطة قوية وتفويض شبه مطلق على الصعيد الدولي، فإن المبعوث الحالي يمتلك سلطة محدودة وطاقما مصغرا أغلبه حديث الخبرة بالقضايا اليمنية، كما أنه لا يتمتع بقدر القوة والدعم التي يتمتع بهما المبعوث الأممي إلى سوريا مثلا.
وكمثال على الهامشية اليمنية دوليا، فقد عقد مجلس الأمن الدولي خلال الشهر المنصرم ثلاث جلسات استماع حول الأوضاع الإنسانية في سوريا، لكنه لم يعقد أية جلسة مشابهة بخصوص الأوضاع في اليمن. في الواقع ومنذ اندلاع دورة العنف الأخيرة في اليمن، 25 مارس 2015، لم ينعقد المجلس بخصوص اليمن في جلسة علنية إلا مرتين، إحداهما كانت حين استصدر القرار (2216)، وهو أمر لا يكاد يذكر إذا ما قورن مع اجتماعات المجلس بشأن أزمات أخرى أقل اشتعالا وربما أقل أهمية من حيث النتائج في دائرة تأثيرها المحلية من تأثيرات الحرب في اليمن. في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، لا تزال قضية الحرب في اليمن هامشية وشبه منسية لأسباب وعوامل مختلفة. وباستثناء لقاء معلن يتيم منذ إصدار القرار (2216)، فإن كل نقاشات مجلس الأمن – النادرة أصلا – بخصوص اليمن قد تمت خلف أبواب مغلقة، ولم يصدر عنها أي قرار جديد أو حتى بيان رئاسي حتى اليوم.
بالإضافة إلى ذلك، لاتزال اليمن في موقع هامشي في الإعلام العالمي، إذ لم تتعرض السعودية والتحالف العربي لأي نقد مباشر حول التدخل العسكري في اليمن من قبل مجلس الأمن الدولي والمجتمع الغربي بشكل عام إلا بشكل محدود. وإلى أن قُصفت صنعاء القديمة (موضوعة على قائمة التراث العالمي لليونسكو) في يونيو العام الماضي، يمكن القول أن السعودية قد واجهت أسئلة دولية عن محاكمة الناشط رائف بدوي أكثر مما واجهت من أسئلة بخصوص الحرب في اليمن. أحد أسباب تجنب مساءلة السعودية حول ضرباتها في اليمن هو هجمات الحوثيين على الحدود السعودية – وبغض النظر عن فعاليتها العسكرية – الأمر الذي يوفر لحلفاء السعودية الغربيين مبررا ومساحة تحرك واسعة وآمنة تحت مسمى الدفاع عن حدود وأراضي صديق مهم مهما كانت درجة التباينات معه.
تناغم المصالح الدولية والإقليمية بعيداً عن اليمن
بشكل عام، فإن مجلس الأمن، الدول الخمس الدائمة تحديدا، متناغمة فيما يخص الموقف العام من اليمن، بما في ذلك روسيا التي وافقت بأقل جهد ممكن على عدم استخدام الفيتو ضد القرار (2216)، وهو القرار الأهم لمجلس الأمن بشأن اليمن حتى الآن. كما لم تتخذ موسكو أي موقف مناوئ في الواقع للرياض واكتفت بعلاقة اقتصادية وسياسية متينة معها من وراء الجدار.
بنفس المستوى تجاهلت باقي الدول الغربية الأزمة المتفاقمة في اليمن، على الرغم من أن هذه الدول نفسها تخوض حاليا مع روسيا صراعا شرسا بخصوص الصراع في سوريا. ببساطة، فإن ملف اليمن موضوع في درج النسيان خاصة بعد تعثر جولة المفاوضات اليمنية الثانية في سويسرا. وفي الوقت الحالي، فإن الجهود الدولية المبذولة للتعامل مع الملف اليمني ليست منسية فحسب، بل مبعثرة أيضا. فبالنسبة لجميع الأطراف تقريبا تمثل اليمن منطقة منخفضة الثمن للمقايضة والمجاملات من منظور المصالح الدولية، خاصة مع تناقص المصالح الدولية المتنامي في المنطقة بشكل عام واليمن من ضمنها، بل أن اليمن أقل حظا في حسابات المصالح المباشرة الباحثة عن مصادر النفط.
وبالرغم من التناغم العمومي ، إلا أن اختلافات في الأجندات السياسية بخصوص اليمن ليس على المستوى الدولي بين الفاعلين فقط، بل على المستوى الداخلي لبعض الدول أحيانا. فمثلا، في الولايات المتحدة الأمريكية، تختلف أجندة البنتاجون حول اليمن عن أجندة الخارجية الأمريكية، وهناك تنافس بين الخارجية والبيت الأبيض أيضا. يبدو أن الخارجية مصابة، كغيرها من دوائر صنع القرار الغربي، مصابة بالتوهان تجاه اليمن، فالبيت الأبيض لا يريد إغضاب الملك سلمان أكثر حفاظا على الإنجاز الأهم للرئيس أوباما في السياسة الخارجية وهو إبرام الصفقة النووية مع إيران.
أكثر من ذلك، تمثل الحرب الدائرة في اليمن – والحروب في المنطقة عامةً – فرصة مالية ضخمة لشركات الأسلحة الأمريكية، على الرغم من أن الدوائر الأمنية في الواقع تريد انتهاء الحرب كي يتسنى لها تسخير الجهود والموارد للتركيز بشكل أكثر على محاربة القاعدة وداعش. لكن الهدف الأمني هذا لم يغير في مسار الحرب شيئا حتى الآن، والدليل على استمرار الأجندة الأمنية الأمريكية ببرنامج القتل المستهدف بالطائرات من دون طيار التابع لوزارة الدفاع الامريكية ووكالة الاستخبارات المركزية بوتيرة ثابتة ودائمة.
وبالرغم من الدور العسكري (الاستخباراتي واللوجستي والتسليحي) المهم الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذه الحرب، فهي في الواقع لم تًبلغ بموعد أول ضربة جوية على صنعاء إلا قبل 4 ساعات من انطلاقتها. وحتى الشركات الأمنية الخاصة التي كانت تعمل في المملكة بعقود خاصة وجدت نفسها في صباح ال26 من مارس مضطرة لمغادرة البلاد لعدم تأكدها من قانونية ما تقوم به ولعدم تمتعها بنفس الغطاء الذي تتمتع به الجهات الأمنية الرسمية، لذا غادر أفراد الشركات الخاصة المملكة بمجرد بدء العمليات العسكرية.
على أية حال، الولايات المتحدة الأمريكية مقدمة على معركة انتخابية شرسة يحاول فيها الجمهوريون استعادة البيت الأبيض بعد ثمانية أعوام من فقدانه. وفي فترات الانتخابات الأمريكية تحديدا، تطغى السياسات المحلية والاقتصادية على أجندة وأولويات المرشحين والسياسيين والإعلاميين وتصبح القضايا الخارجية – باستثناء إسرائيل – شديدة الهامشية بالمقارنة معها. في الوقت نفسه، تنعكس داعش وملف اللاجئين في خطابات المرشحين، لكنه وإلى الآن لم يتحدث أي مسؤول أو مرشح أمريكي رفيع المستوى بأي شكل جدي عن اليمن. وفي مجلس الشيوخ الأمريكي، ظلت دعوة سيناتور كيناتيكي الديمقراطي “كريس ميرفي” لتقييم العلاقة الأمريكية-السعودية وصفقات الأسلحة دعوة وحيدة ولم تتلق أي دعم معلن يذكر من نواب اخرين بعد، ذلك أيضا أن الجمهوريين – حلفاء السعودية العتيدين، هم من يسيطر على الاغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين حالياً.
لجان فرعية وقرارات فرعية أيضاً
على خلاف التقارير السابقة، قامت لجنة العقوبات الدولية الخاصة باليمن في مجلس الأمن الدولي بحظر نشر التقرير النهائي الذي قدمه فريق الخبراء التابع للجنة في يوم 22 يناير 2016. يحتوي التقرير على تفاصيل جديدة – ولو أنها محدودة – عن تنفيذ عقوبات الحظر المالية والسفر على أفراد معينين وحظر الأسلحة على الحوثيين والقوات التابعة لعلي عبدالله صالح. كما وثق التقرير المزيد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وإعاقة المساعدات الإنسانية. ووفقا للتقرير، فإن جميع أطراف النزاع مسؤولة عن انتهاكات واسعة النطاق وممنهجة للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي، لا سيما المبادئ المتعلقة بالتمييز والتناسب والحذر. وقدم التقرير 15 توصية تشمل مقترحات لتحسين إجراءات تنفيذ الحظر المفروض على الأسلحة، ومعالجة أنماط انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، مثل إنشاء لجنة دولية للتحقيق حول التجاوزات التي ارتكبها أطراف الصراع في اليمن. وقد احتجَت دولا كمصر والولايات المتحدة على مقترح لجنة الخبراء بتشكيل لجنة تحقيق دولية بحجة أن ذلك ليس من صلاحيات لجنة الخبراء.
لا يبدو أن هناك توجه أممي لفرض أي حزمة عقوبات جديدة، خاصة مع التشكيك الغربي المتنامي من فعالية العقوبات السابقة، ومن المتوقع أن يتم الاكتفاء بمحاولة تفعيل العقوبات النافذة. وفي تقرير لجنة الخبراء الأخير لرئيس لجنة العقوبات (تختلف اللجنتان من ناحية أن الأولى فنية بحتة لا تتمتع بالكثير من النفوذ بينما الثانية مشكلة من دبلوماسيين في مجلس الأمن الدولي وهي صاحبة القرار ولجنة الخبراء منبثقة عنها)، دعت لجنة الخبراء رئيس اللجنة إلى مخاطبة ثلاث حكومات من أجل التعاون معها في تجميد أرصدة وتعقب أموال وهي جزر الباهاماس والإمارات العربية المتحدة، والأكثر غرابة من ذلك، كانت الدولة الثالثة هي الحكومة اليمنية.
ملف هامشي لكنه حساس
يرتبط معظم أعضاء المجلس، خاصة الدول الدائمة العضوية بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية مع المملكة العربية السعودية وأعضاء التحالف العربي. وقد عززت السعودية هذه العلاقات بعد التدخل العسكري في اليمن واستثمرتها للضغط غير المباشر على الدول الأعضاء في مجلس الأمن للأمم المتحدة لدعم التدخل العسكري في اليمن.
لقد قامت الرياض باتصالات اقتصادية ودفاعية واسعة مع كثير من البلدان مثل الولايات المتحدة، التي وافقت مؤخرا على بيع أسلحة بقيمة 1.29$ مليار للسعوديين. قبلها سعت السعودية لبناء علاقات أقوى مع فرنسا أسفر عن توقيع عقود ومذكرات نوايا بقيمة 11.4$ مليار في مجالات الفضاء والدفاع، وتشمل شراكات مع الطاقة الفرنسية الكبرى والنقل وشركات المواد الغذائية والصحية.
لم تكن الصين بدورها بعيدة عن الهدف السعودي، فقد زار الرياض مؤخراً، يناير 2016، الرئيس الصيني “شي جين بينغ” آملا في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وخلال زيارة بينغ، وقعت الدولتان 14 مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والبحث والاستثمار والتنمية في مجالات التجارة والتكنولوجيا الملاحة عبر الأقمار الصناعية والطاقة المتجددة والنفط، فيما يمكن اعتباره توجها سعوديا لتعديد وتنويع الأصدقاء والحلفاء في العالم ومجلس الأمن تحديدا. كل ذلك قوى من طبيعة التحالفات والتحركات والصفقات للسعودية مع العالم وانعكس بدوره على الموقف الدولي تجاه اليمن بشكل مباشر.
تصاعد التعقيدات الإقليمية والدولية
تبنى القوى الدولية توجهها السياسي حول الحرب الأهلية في اليمن، التي تشارك فيها قوى إقليمية، بناء على جملة من المعطيات الإقليمية والدولية المهمة، وهي ما تحدد تعاملها مع الملف اليمني بالشكل المباشر وغير المباشر.
أحد أهم هذه المعطيات تتمثل في الصفقة النووية الإيرانية أواخر العام الماضي، والتصعيد الإيراني السعودي الأخير. إن جزءا من الدعم الغربي اللا مشروط للسعودية وحلفائها في الحرب اليمنية ناتج عن محاولة الدول الغربية، الولايات المتحدة تحديداَ، ترضية السعودية الساخطة من الاتفاق النووي الإيراني-الأمريكي. وكانت اليمن هي المساحة التي يستطيع الغرب فيها مراضاة السعودية بأقل التكاليف الممكنة. وبهذا الخصوص، علق دبلوماسي غربي رفيع المستوى على انعكاسات الصفقة النووية الإيرانية على اليمن بالقول: “اليمن كانت المهر الذي قدم ثمنا للاتفاقية”.
بالتأكيد، انعكس التصعيد الأخير بين طهران والسعودية، وإغلاق الرياض لسفارتها في طهران بعد مهاجمتها من قبل متظاهرين إيرانيين على الملف اليمني، وبشكل مباشر، أدى ذلك إلى إلغاء جولة المفاوضات الثالثة التي كانت وشيكة الانعقاد حينها، أواسط يناير الماضي. بالنسبة للإيرانيين تحديدا، لم يقدموا الكثير لحلفائهم الحوثيين في سياستهم وجهودهم الخارجية. في الواقع، فقد استنفر الجهاز الدبلوماسي والإعلامي الإيراني، ونشط غربيا حينما أعدم “نمر النمر” في السعودية أكثر مما فعله منذ دخول السعودية الحرب في اليمن.
كما أدت التوترات الناتجة عن مهاجمة البعثة السعودية إلى إلغاء، أو تأجيل أحيانا، خطوط وتواصلات دبلوماسية مختلفة، تراجع فيها الحوثيون عن إجراءات بناء ثقة غير معلنة ومهمة ذات طابع أمني-عسكري تجاه السعودية.
لم يقدم الروس بدورهم في الواقع أية حماية دولية تذكر للحوثيين، بل اكتفوا بالإيعاز لهم بعدم تشكيل حكومة محذرين من أنهم لن يستطيعوا انتزاع أي اعتراف دولي بها. وببساطة استغل الروس موافقتهم على التدخل العسكري السعودي في اليمن لدعم موقفهم من التدخل في سوريا لاحقا. وبينما تنخرط دول كالولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب في اليمن، إلا أنها لم تعدم وسيلة للتواصل أو التفاوض مع الحوثيين طوال الفترة الماضية وخلال فترات متقطعة. ويحاول الروس الاستفادة من عدم تورطهم المباشر في الصراع في اليمن للعب دور قادم أكثر أهمية.
بالمجمل، تتزامن الحرب في اليمن مع أحداث إقليمية مضطربة وحروب إقليمية أخرى مشتعلة تحتل سوريا واللاجئين وداعش صدارتها، تحتل حتى قضايا كالاحتباس الحراري الانتباه قبل اليمن في الإعلام الدولي. وينعكس ذلك على الاهتمام الدولي وأموال الإغاثة الدولية لليمن. على سبيل المثال وبالرغم من مرور ما يقارب عشرة أشهر على دعوة الأمم المتحدة لتمويل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UN Verification and Inspection Mechanism) للشحنات والسفن لتسهيل وصول شحن البضائع والوقود إلى اليمن، لم تحصل الأمم المتحدة على التمويل اللازم لتشغيل وتفعيل الآلية إلا قبل أسابيع قليلة، ولم تطبق عمليا حتى الآن. وطيلة العشرة الأشهر الماضية، لم تحصل الأمم المتحدة إلا على تقريرين عن مراقبة السفن والشحن ما يمثل من إخلال بالقرارات الدولية ذات الصلة.
وأخيرا، يمر الوعي الغربي الرسمي وغير الرسمي بمرحلة تحولية تطغى فيها المقاربة الطائفية للصراعات في منطقة الشرق الأوسط على أي مقاربة أخرى، ولا تنعكس هذه المقاربة – بما تحمله من قصور وتسطيح – على صناع القرار الرسميين فحسب، بل تمتد لتصل إلى الباحثين والمختصين والكتاب وبالتأكيد اليمين السياسي الغربي أيضا. وبالتوازي مع ازدهار هذه المقاربة، تتعزز مقاربة إعادة تشكيل وجه المنطقة وتحالفاتها على أسس طائفية هذه المرة، كحل لقضايا المنطقة خاصة مع ازدهار الميليشيات الطائفية كمبرر ميداني واقع.
إن خطر ذلك وانعكاساته لا يمس اليمن وحدها، ولكنه يمتد ليمس قضايا إقليمية أكثر تعقيدا وقدما كالقضية الفلسطينية و”يهودية” إسرائيل، التي لم تعد القوة الوحيدة في المنطقة الرافضة للقرارات الدولية، بل لديها قرائن تمتد على امتداد الإقليم حتى اليمن.
الحاجة إلى تنسيق الجهود
بالرغم من تعثر مسار المفاوضات الرسمي بقيادة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لأسباب عدة، فإنه مسار ولد الشيخ أحمد ليس مسار التفاوض الوحيد. وهناك شك من أن نجاح مسار التفاوض بقيادة ولد الشيخ احمد في حال غياب مسارات أخرى قائمة للمفاوضات بقيادة أكثر قوة من الأمم المتحدة.
مع استمرار بعض الجهود الدافعة نحو إنهاء الاقتتال في اليمن هنا وهناك، إلا أنها بالمجمل لا تزال مشتتة ومتنافسة في بعض الأحيان. فبينما امتلكت دول الخليج ترف الراعي الرسمي لصفقة المبادرة الخليجية (نوفمبر 2011)، إلا أنها اليوم – باستثناء عُمان – قد فقدت هذا الدور الراعي منذ بدء عملية عاصفة الحزم (مارس 2015).
لكي تنجح أية جهود دولية أو إقليمية، سيكون من الضروري عليها التنسيق أكثر مما هو حاصل حاليا، وكذا التكامل أكثر من التنافس، وهذا سيتطلب من الدبلوماسية الدولية إعادة النظر كليا في أدوات تدخلها الحالية وأشكالها ومدى فاعليتها في اليمن من أجل إحداث تغيير ملموس في أبواب ومحتويات وثمن هذا التدخل.
محليا، وخلال جولة المفاوضات الأخيرة في ديسمبر 2015 الماضي، أطلقت وساطة قبلية محلية المئات من الأسرى بين الحوثيين والمقاومة الجنوبية، والواقع هو أن وساطة قبلية استطاعت بناء إجراءات ثقة وإطلاق رهائن أكثر مما تفعله الأمم المتحدة بمواردها وبدعمها المتمثل بالمجتمع الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة. إن هذه المفارقة هي دليل مهم على نجاعة وأهمية الجهود المحلية فيما بين اليمنيين والمنطلقة من جهود ومعطيات وحسابات محلية يمنية متخففة من الحسابات الخارجية للأطراف الإقليمية في الصراع.
لذا، بغض النظر عن نجاح المساعي الدولية من فشلها، فإن أعمدة السلام وفرصه الحقيقية تكمن لدى الأطراف المحلية اليمنية وفي نواحي عدة. فمن المرجح أن أي اتفاق أو اختلاف أي من الأطراف الدولية بخصوص اليمن لن ينعكس بالضرورة على حلفائهم في اليمن بنفس الاتساق والربح والخسارة، وهو أمر يوفر الفرصة للأطراف اليمنية للعمل على مسارات خاصة مختلفة حتى عن حلفائها الإقليميين.
كتب الباحثان هذا التحليل بناءا على لقاءات مختلفة عقدها الباحثين مع دبلوماسيين ومسؤولين مختلفين في عواصم غربية وعربية وفي مجلس الأمن الدولي. وقد عقدت جميع الاجتماعات تحت قاعدة “تشاتوم هاوس: وهي “حينما يعقد اجتماع أو جزء منه في إطار قاعدة تشاتام هاوس، فإن المشاركين يكونون أحراراً في استخدام المعلومات التي يحصلون عليها، لكن لا يجب كشف هوية أو انتماء المتحدثين أو أي شخص آخر من المشاركين.”
فارع المسلمي هو رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية وباحث زائر في مركز كارنيغي الشرق الأوسط.
وليد الحريري هو باحث غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية. عمل خلال السنوات الماضية في المعهد الدولي للسلام في نيويورك ومنظمات دولية أخرى على قضايا متعلقة بالانتقال السياسي في الشرق الأوسط.