آدم بارون، وليد الحريري، أنثوني بيسويل
ملخص تنفيذي:
لم تغير مشاركة مختلف الجھات الأجنبیة الفاعلة في كافة جبهات حرب الیمن من حقيقة ارتباط الصراع بالدینامیكيات المحلیة. ينطبق ذلك بشكل خاص على الحوثيين، الجماعة المسلحة التي تسيطر حالياً على جزء كبير من شمال اليمن، والتي تواجه القوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
تقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقف عداء صريح لإيران – جنباً إلى جنب مع حلفائها العرب الخليجيين والحكومة اليمنية – وقد روجت لنظرة أن الحوثيين عناصر إيرانية وأن ضربهم هو “ضرب لإيران في اليمن”. كما عزز صقور الحزب الجمهوري الأمريكي ومؤيدوه هذا الفهم الأحادي البعد للحوثيين كبيادق إيرانية، قاصرين النظرة إليهم على الجانب الطائفي الإقليمي.
إلا أن ذلك يحجب الواقع المعقد، فالحوثيون جماعة يمنية محلية تحظى بدعم شعبي، ولها شبكات اجتماعية ومالية مستدامة ذاتياً، بالإضافة لقيادة مستقلة لها اعتبارات تحركها ديناميات السلطة المحلية أساساً، حيث يستند التقارب مع إيران على أسس سياسية أكثر بكثير من الأسس الدينية. في الوقت نفسه، بالنسبة لطهران، وفر كل من الصراع الجاري والحوثيين أداة مريحة ومنخفضة التكلفة لمضايقة خصم إيران الرئيسي في الخليج، وهو المملكة العربية السعودية.
وسواء كانت الإدارة الأمريكية تعتزم مواصلة الحرب أو السعي نحو السلام، فإن سوء فهم دوافع وأعمال وطبيعة الحوثيين هو أساس الخلل في قرارات السياسة الخارجية الأمريكية، وهو مكمن صعوبة ممارسة ضغوط سياسية أو دبلوماسية أو حتى عسكرية على الجماعة.
في الواقع، من المرجح أن تؤدي السياسة التي تعزل الحوثيين أكثر على الصعيد الدولي إلى دفعهم أكثر فأكثر نحو دائرة تأثير طهران. وأيضاً، إذا رأت الحكومة الأمريكية في الحوثيين استهدافاً بالوكالة لإيران، سيجد المخططون العسكريون الإيرانيون حوافزا قوية لتسخير المزيد من الدعم للحوثيين، نظراً لأنه ليس لدى الإيرانيين أنفسهم الكثير ليخسروه في اليمن، في حين يتعرض خصومهم – الولايات المتحدة والسعودية – لمخاطر كبيرة. إن من شأن زيادة الدعم الإيراني للحوثيين أن يرفع بدوره المخاطر الأمنية التي تواجهها المملكة السعودية.
كذلك فإن تأطير ترامب المستمر للصراع اليمني على أنه من منتجات سوء السلوك الإيراني، سيقلل من قدرة واشنطن على حشد المجتمع الدولي في جبهة موحدة للعمل على حل النزاع، أو الضغط على الأطراف المتحاربة الرئيسية لجلبهم إلى طاولة المفاوضات.
بدلاً من المزيد من عزل الحوثيين، من شأن تدخل دبلوماسي أمريكي أن يكون واعداً، فقد استجاب الحوثيون بشكل إيجابي للمحادثات المباشرة التي دخلوها سابقاً مع كل من السعودية والمسؤولين الأمريكيين.
مقدمة: اليمن “هامشي” في السياسة الأمريكية الخارجية الحالية
يعتبر رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب من معارضي سياسة الإدارة السابقة فيما يتعلق بإيران، ومن المعادين لطهران عموماً منذ بدء حملته الانتخابية. وقد تجلى ذلك بطرق مختلفة منها: انتقاد ترامب لخطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يسمى بـ”الاتفاق النووي الإيراني” الذي أطلقه الرئيس السابق باراك أوباما؛ فضلاً عن تهديداته لطهران بسبب دعمها عدة ميليشيات في الشرق الأوسط، وسخطه المعلن تجاه الخطابات الإيرانية الموجهة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة[1].
وعلى الرغم من أن سياسة إدارة ترامب الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط قد بدت فاقدة للتماسك حتى الآن، إلا أن البيت الأبيض لم يحد تقريباً عن إدانته للتدخل الإيراني الملحوظ في المنطقة. في هذا الصدد، كانت حركة الحوثيين في اليمن، والدعم الإيراني لها، أحد أبرز حساسيات إدارة ترامب. وظهر هذا يوم 14 ديسمبر / كانون الأول 2017، عندما نظمت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة (نيكي هالي) لقاء إعلاميا في قاعدة عسكرية في واشنطن العاصمة، حيث كشفت النقاب عن مجموعة من الأسلحة التي زعمت أنها صنعت في إيران وقبض عليها من قبل حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين، شملت هذه الأسلحة (الصواريخ، وطائرات بدون طيار، وأسلحة مضادة للدبابات) وغير ذلك، ما يؤكد -حسب تعبير هالي- بأن إيران “تصب النار على الزيت” في نزاعات الشرق الأوسط[2]. كانت المحتويات الرئيسية لمعرض نيكي هالي، عبارة عن قطعتين من الصواريخ أطلق عليها الحوثيون باتجاه السعودية – أوشك أحدهما أن يتعرض لمطار الملك خالد الدولي في الرياض في 4 نوفمبر / تشرين الثاني 2017؛ إلا أن السلطات السعودية زعمت أن أنظمة الدفاع الجوي في المملكة تمكنت من إسقاطه-.
قالت هالي أن تلك الأسلحة عليها ملصقات “صنع في إيران”، مؤكدة أن طهران تنتهك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى اليمن. وقد ذكر فريق خبراء أممي أصدر تقريراً حول شظايا الصواريخ نفسها في 24 تشرين الثاني / نوفمبر أنه على الرغم من أنها (الشظايا) كانت تشبه صاروخ قيام-1 الإيراني الصنع إلا أنه “لا دليل على هوية الوسيط او المورد”[3]. كما أن الصواريخ تضمنت أيضاً مكوناً أمريكي الصنع.
من الملاحظ في تصريحات إدارة ترامب التصعيدية ضد إيران وتورطها في اليمن، أن المناقشات المتعلقة باليمن نفسه كانت غائبة تماماً تقريباً. على حد تعبير عدد من المسؤولين الدبلوماسيين الأمريكيين الذين تحدثوا تحديداً عن هذه المسألة، يبدو أن اليمن “هامشي” في عمليات صنع السياسة الأمريكية الحالية. وبينما يمثل اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، تبدو واشنطن غارقة لأذنيها في الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد من خلال الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي للتحالف السعودي المتدخل في الصراع، كما أن عمليات مكافحة الإرهاب – التي كانت قد انطلقت في عهد الرئيس جورج دبليو بوش عام 2002 – بلغت حدا غير مسبوق. وبالتالي فإن إجراءات السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة باليمن مستقبلاً ستؤثر تأثيراً عميقاً على البلد ونزاعه المستمر، إلا أن هذه الإجراءات تبدو غائبة تماماً عن اعتبارات البيت الأبيض.
التقاطعات بين الحوثيين وإيران والولايات المتحدة – لمحة موجزة
خرجت جماعة المتمردين الحوثيين مطلع العقد الأول من القرن العشرين من رحم حركة سمت نفسها “الشباب المؤمن”، والتي ركزت على إحياء الفكر/المذهب الزيدي (أحد فروع الإسلام الشيعي الموجود بشكل شبه حصري شمال اليمن). كان الحوثيون مناهضين للولايات المتحدة منذ البداية، وقد كان ذلك بمثابة عقيدة أيديولوجية استعملت كأساس لتعبئة الأتباع. وقد أشارت كتابات أبرز الشخصيات الحوثية إلى النفوذ الأمريكي في المنطقة كنفوذ خبيث وعميق، واعترضت على انتشار الأيديولوجيات الإسلامية السنية المدعومة سعودياً والمتغلغلة في عمق الأراضي الزيدية.
في فترة نشأة الحركة، كانت الانتقادات الصاخبة التي أطلقها مؤسس الجماعة (حسين الحوثي) في وجه الحرب الأمريكية في العراق، وتحالف الرئيس آنذاك (علي عبد الله صالح) مع واشنطن، سبباً لدعم شعبي كبير حظيت به الحركة، بالإضافة إلى سخط الحكومة في صنعاء. وقد أدت عمليات القوات المسلحة اليمنية اللاحقة في شمال اليمن ضد الحوثي وأتباعه إلى مقتله عام 2004، وإلى انطلاق حروب صعدة – وهي سلسلة من ستة نزاعات مسلحة بين القوات المسلحة اليمنية والحوثيين استمرت حتى عام 2010[4].
وبهدف تشجيع صالح على التعاون في مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، لم تفعل الولايات المتحدة الكثير لثني الجيش اليمني عن التصدي للحوثيين. وفي الوقت نفسه، كان الحوثيون مدعاة نفور بالنسبة للأمريكيين، سواء باستعدائهم الولايات المتحدة ومعاداتهم للسامية – كما يوضح شعارهم المعروف بـ”الصرخة ” ومضمونه “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” – أو لما يحكى عن علاقاتهم بإيران.
في حين اتهم صالح وحلفاؤه الجماعة بأنهم وكلاء لإيران، كشفت برقيات السفارة الأمريكية في صنعاء عدم امتلاك المسؤولين الأمريكيين أدلة وافية على الدعم الإيراني المباشر للحوثيين، باستثناء التغطية الإعلامية الشديدة الانحياز للجماعة[5]. الأهم من ذلك أن التقارب الأيديولوجي بين طهران والحوثين كان ذو منشأ سياسي أكثر منه دينياً؛ ففي حين قدم الحوثيون أنفسهم كمحاربين ضد الطغيان، حظيت إيران في عرفهم بمكانة خاصة نتيجة وقوفها ضد ما يرونه مظالم الحكومات السعودية والأمريكية والإسرائيلية[6]. في الوقت نفسه، يمكن وضع المدرسة الزيدية للإسلام على مسافة أيديولوجية وسطية بين السنة والشيعة – وهي تشترك مع الإسلام السني بأشياء عديدة من أكثر من ناحية – بما يميزها بشكل كبير عن التشيع الإثني عشري الأكثر انتشاراً في إيران.
مع استمرار نزاعات صعدة، بدأت الحكومة الإيرانية ترى في الحوثيين فرصة للضغط على السعودية، فأخذت تكثّف الخطاب الإعلامي وتزيد تشبيكها مع الحوثيين. في عام 2011، أدت الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس صالح – التمظهر اليمني لما يسمى “الربيع العربي” – إلى تنحي الأخير وتسليمه الرئاسة لنائبه عبد ربه منصور هادي؛ في أعقاب ذلك، بدأ التفاعل بين إيران والحوثيين يشمل الدعم المالي المحدود والتدريب العسكري[7]. وقد دخلت القوات العسكرية الحوثية صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014 – مدعومة من قوات صالح المتحالفة معها – مما أدى إلى الإطاحة بالحكومة وهروب هادي من العاصمة في فبراير / شباط 2015 . وفي نفس الفترة وقع الحوثيون مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال النقل الجوي مع إيران، ما سمح للبلدين بإجراء أول رحلات مباشرة بين صنعاء وطهران[8].
ورغم تجنب الحوثيين الكبير لأي تواصل مباشر مع الولايات المتحدة، إلا أن إدارة أوباما اعتبرت أنهم جزء من النسيج الاجتماعي في اليمن الذي يجب ضمه إلى أية عملية سياسية، خاصة بعد عام 2011. وبعد استحواذ الحوثيين على صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014، أنشأت الولايات المتحدة نظاماً للتنسيق مع الجماعة، دار بشكل كبير حول مسائل الاستقرار ومكافحة الإرهاب[9]. كما كان المسؤولون الأمريكيون في بعض الأحيان على تواصل مباشر مع بعض قادة الحوثيين، تحديداً فيما يتعلق بمفاوضات السلام الجارية[10]. كذلك قد نجحت واشنطن في عدة مناسبات في التفاوض على إطلاق سراح مواطنين أمريكيين كان يحتجزهم الحوثيون[11].
ومع ذلك، لا يعني أي من هذا وجود مودة بين الطرفين. وبعيداً عن الأيديولوجيا والخطاب والعلاقات الإيرانية، فقد أطاح الحوثيون بحكومة وثيقة الصلة بالولايات المتحدة، وقد كانت تنسق مع الولایات المتحدة حول أبرز المسائل المتعلقة بمكافحة الإرھاب، وبدرجة تفوق تنسيق نظام صالح قبلها[12]. ومن جهة أخرى، حتى مع الاعتراف بالسلطة الأمیركیة وبالحاجة إلی التفاوض مع واشنطن، ما يزال الحوثيون یعتبرون الأخيرة قوة تدمیریة في المنطقة.
صناعة سردية إيران-الحوثي في الولايات المتحدة
على الرغم من أن الولايات المتحدة متورطة بعمق في الصراع اليمني، إلا أن اليمن بالكاد ذكرت خلال حملة الرئاسة الأمريكية لعام 2016. وفي المرات التي ذكر فيها ترامب اليمن، انطوت تصريحاته على عقدتين خص بهما البلد: أولها فشل إدارة أوباما في الاستجابة الصحيحة لـ”الربيع العربي” وارتداداته؛ والثانية انتشار النفوذ الإيراني المشين في الشرق الأوسط في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني. وفي الحالتين، بدت هذه المواقف منتمية لجملة المشاعر السائدة في أوساط الحزب الجمهوري فيما يخص السياسة الخارجية، بغض النظر عن موقع ترامب “الخارجي” وازدرائه العام المتكرر لـ”المؤسسة”.
وفي حين لم تخضع سياسة أوباما تجاه اليمن لأي تدقيق مستمر أو كبير خلال معظم عهده – باستثناء عدد صغير من الديمقراطيين التقدميين والحركة التحررية في الحزب الجمهوري – إلا أنها صعدت فجأة إلى الصدارة عام 2014 نتيجة حدثين متتاليين. الأول كان إعلان أوباما أن استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية في اليمن كانت بمثابة نموذج للقتال الأوسع ضد الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)؛ وقد قال أوباما ومسؤولون في إدارته أن مكافحة الإرهاب والتعاون بين الولايات المتحدة واليمن قدمت نموذجاً لعملية عسكرية خفيفة الوطء في المنطقة، حيث اقترنت فيها الجهود الجوية بالقدرات الاستخباراتية للقوات البرية المحلية[13]. أما الحدث الثاني فقد كان الإطاحة بحكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً – والمدعومة أمريكياً – والتي كانت نقطة تحول محرجة لأوباما الذي سبق أن اعتبر التحول السياسي في اليمن بعد عام 2011 نجاحاً كبيراً ونموذجاً يحتذى به في أماكن أخرى[14].
فشل التحول السياسي والإطاحة بحكومة صنعاء المعترف بها دولياً منح الجمهوريين ومؤيديهم فرصة ذهبية لنقد أوباما. فقد أطاح متمردون مناهضون للولايات المتحدة بحليف رئيسي، ما قدم عينة ممتازة بالنسبة للبعض على سوء تصرف إدارة أوباما في أعقاب الربيع العربي. في أحد التعليقات الدالّة من مؤسسة هيريتيج في آذار / مارس 2015 تم إضافة اليمن بشكل صريح على القائمة الأوبامية الخاصة بـ”كوارث الشرق الأوسط”، والتي تسخر من دعاوى “قصة نجاح” الرئيس الأميركي السابق. في حين قام تعليق لاذع آخر من “ناشونال ريفيو” باعتبار فوضى اليمن إحدى نتائج تعاطف أوباما المزعوم مع الجهاديين[15].
ولم تقتصر الانتقادات على وسائل الإعلام المحافظة على الإطلاق: ففي أعقاب انهيار حكومة هادي، قام العديد من المعلقين من مختلف المشارب الحزبية بالاستخفاف بما سمي “النموذج اليمني”[16]، والذي تفاقم فشله بعد الطريقة المذلة التي جرى فيها إجلاء القوات الأمريكية وعاملي السفارة من العاصمة، حيث اضطر كثيرون لترك المعدات التي استولى عليها الحوثيون في نهاية المطاف.
على مدى عامي 2014 و2015، بدأت سردية فشل نموذج أوباما في اليمن بالتشابك مع سياسة الإدارة تجاه إيران، ولا سيما المحاججة بأن “ضعف” الرئيس أوباما تجاه إيران هو ما مهد الطريق لأحداث اليمن. وقد أثار هذا التلقيح المتقاطع للروايات الذعر داخل الجناح اليميني، وحتى لدى بعض المعتدلين في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، فيما يتعلق بالمحادثات المفضية إلى خطة العمل الشاملة. الأهم من ذلك أن هذه النظرة العالمية تجعل من الحوثيين رهائن بيد طهران وامتداداً للقوة الإيرانية، وليس حركة يمنية محلية تعمل بشكل مستقل على أساس مصالحها الخاصة.
يتضح تأطير اليمن من خلال عدسة إيرانية في العديد من المقالات التي تناولت التقدم العسكري للحوثيين. ففي معظم الحالات، انصب التركيز على السياسة الإقليمية، في حين عوملت الأحداث الفعلية في اليمن على أنها تقريباً هوامش على متن الأحداث الأهم. ففي مقال دالّ بصورة خاصة نشرته صحيفة واشنطن تايمز في 23 يناير / كانون الثاني 2015 جاء ما يلي:
“يمثل الصعود الذي شهده اليمن هذا الأسبوع على يد مسلحين شيعة ما يطلق عليه بعض المطلعين في الأمن القومي “انتصاراً كبيراً” لإيران، وهو ما يعني انتقادات تطال إدارة أوباما بسبب تساهلها الشديد في المحادثات النووية مع الجمهورية الإسلامية، ما يبدو – على الأقل ضمنياً – تنسيقاً مع طهران ضد الإرهابيين السنة في العراق”[17].
يؤدي هذا التفكير إلى إغفال جزء كبير من الفوارق الدقيقة في النزاع اليمني، بينما يجري طمس الاختلافات كالحسابات السياسية والدوافع الأيديولوجية والآثار الاستراتيجية لثلاثة أحداث شديدة التباين – التقدم العسكري الحوثي، مفاوضات “إيران ديل”، وعمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في العراق. لعل المفارقة أن ما يغذي التصوير الكاريكاتوري لإيران كسبب جميع أمراض الشرق الأوسط هو المتشددون الإيرانيون أنفسهم. فقد ذكر عضو البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، على سبيل المثال، أن الاستيلاء الحوثي على صنعاء يعني أن الإيرانيين يسيطرون على أربع عواصم إقليمية – هي صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد – وأن السعودية تحت تهديد وشيك[18].
تم تلقف تصريحات زاكاني على نطاق واسع في كل من وسائل الإعلام الخليجية والأمريكية المحافظة، وقد نجحت هذه التصريحات، مع المزاعم الدرامية الأخرى للتوسع الإيراني، في تعزيز الروايات الداخلية لمتشددي القيادة الإيرانية وصقور حكام الخليج والجمهوريين المناهضين لأوباما، كل بحسب رغباته الخاصة. ويبدو أن نقاد اليمين الأمريكي والعديد من المعلقين الخليجيين يعكسون تصريحات بعضهم البعض، فكلاهما يتحدث عن ضرورة وقف مد الحوثيين كأحد سبل المواجهة مع إيران[19]. وكلاهما يصف جماعة الحوثيين بأنها “جماعة شيعية مدعومة من إيران”، مما يقوض فعلياً أي تحليل أوسع لإطاحة الجماعة المتمردة بحكومة قائمة كان كثيرون في البلاد يعتبرونها فاقدة للشرعية[20]. هذا وقد ذهب بعض المعلقين الأمريكيين أبعد من ذلك، معتبرين النزاع اليمني مثالاً جديداً على الشرور المتأصلة في الإسلام، ومؤكدين على العلاقة بين الفشل الحكومي والانهيار العام في اليمن وعجز إدارة أوباما عن فهم “خطر الإسلام المتطرف”.
ظهرت أيضاً تحليلات أقل حذلقة وأكثر دقة في وسائل الإعلام المحافظ أيضاً؛ على سبيل المثال، نشر كل من معهد أميركان إنتربرايز وكتاب معهد كاتو مقالات شرحت الأزمة اليمنية بعمق. إلا أنه على وجه العموم، جرى إعادة إنتاج الموضوعين والربط بينهما دوماً كحكمة شائعة: سياسة أوباما الفاشلة قد سلمت اليمن إلى إيران.
في هذا الصدد، كانت تصريحات ترامب خلال الحملة الرئاسية منتمية إلى الخط الجمهوري الرئيسي. ومع أن الملاحظات القليلة التي أدلى بها عن اليمن كانت غامضة – وفي بعض الأحيان محيرة إلى حد ما – إلا أن المواضيع الملمح إليها كانت متماشية مع ما هو متوقع من مرشح أكثر تقليدية. على سبيل المثال، كان هذا هو حال تعليقاته التي أثارت استياء واسعاً خلال أحد خطاباته في يناير / كانون الثاني 2016:
“الآن هم ذاهبون إلى اليمن، وإذا نظرتم إلى اليمن، ألقوا نظرة… إنهم في طريقهم للإمساك بسوريا، إنهم ذاهبون للإمساك باليمن، إلا إذا… ثقوا بي، الكثير من الأشياء الجيدة ستحدث حين أتولى السلطة، لكن دعونا فقط نترك الأمر على ما هو عليه. يمسكون بسوريا، يمسكون باليمن. الآن هم لا يريدون اليمن، لكن هل رأيتم سابقاً الحدود بين اليمن والسعودية؟ إنهم يريدون السعودية. فما الذي سيحصلون عليه؟ سيكون لديهم العراق، سيكون لديهم إيران، سيكون لديهم العراق، سيكون لديهم اليمن، سيكون لديهم سوريا، سيكون لديهم كل شيء”![21]
ركز العديد من المعلقين على اللغة المشوهة – والمصاغة فعلاً بشكل مربك ومكرر بلا داعٍ – إلا أن التصريح يقدم أيضاً نظرة ثاقبة على تأطير ترامب للتطورات في اليمن: باختصار، إيران التوسعية استفادت من الفوضى في البلاد، ووضعت نفسها في وضع يمكنها من تهديد حليف رئيسي للولايات المتحدة، السعودية. قد تكون الصياغة غير أنيقة، لكنها تنضوي في الخط الرئيسي لحزبه؛ بل إنها رددت الوصفات الخطابية والسياساتية للعديد من النخب الجمهورية التي عارضت ترامب.
موقف ترامب المتشدد من إيران والحوثيين
في أيار / مايو 2015، صدر قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني (إينارا) الذي منح الكونجرس الأمريكي درجة من الإشراف على الاتفاق النووي الإيراني[22]. يتطلب قانون إينارا مصادقة الرئيس بشكل علني كل 90 يوماً على امتثال إيران التقني لالتزاماتها بخطة العمل الشاملة. وفي حال لم يمنح الرئيس هذه المصادقة فإن لدى الكونجرس مدة زمنية هي 60 يوماً يستطيع فيها إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران بسرعة، مما يقضي على الاتفاق النووي.
في 13 أكتوبر / تشرين الأول 2017، وبعد تسعة أشهر تقريباً على رئاسته، وعلى خلفية نصيحة العديد من مستشاريه الرئيسيين، أعلن ترامب أنه لن يصادق على “إيران ديل”[23]. وفي خطاب واسع النطاق، وصف ترامب إيران بأنها “دولة إرهابية”، مديناً أنشطتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم الأوسع[24]. وقد أشار ترامب مباشرة إلى اليمن، متهماً الحكومة الإيرانية بـ”تأجيج” الحرب الأهلية الجارية. وقد ردد هذا الموقف في بيان صحفي صدر لمرافقة إعلانه ذاك[25]. في هذا السياق اتهم ترامب الحوثيين بأنهم أدوات بيد قوات الحرس الثوري الإيراني.
ومما جاء في البيان الصحفي أنه “في اليمن، حاول الحرس الثوري الإيراني استخدام الحوثيين كدمى لإخفاء دور إيران في استخدام صواريخ متطورة وقوارب متفجرة لمهاجمة المدنيين الأبرياء في السعودية والإمارات، بالإضافة لتقييد حرية الملاحة في البحر الأحمر”[26].
لا يثير الدهشة أن السعودية، ومعها الإمارات – الشريك الأساسي للسعودية في التحالف العسكري – والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً كانوا ثلاثتهم مسرورين بكلمات ترامب، واعتبروها تحولاً مرحباً به عن سياسات سلفه أوباما. ففي حين قدمت الولايات المتحدة في عهد أوباما دعماً قوياً لعمليات التحالف السعودي ضد الحوثيين – بل وفرت دعماً عسكرياً حاسماً – إلا أن العديد من المسؤولين الخليجيين واليمنيين أعربوا عن استيائهم مما اعتبروه محاولات وزير الخارجية السابق جون كيري دفع الحكومة المعترف بها دولياً للموافقة على شروط السلام. وقد انتقد العديد من المتحدثين باسم الحكومة اليمنية كيري علناً واتهموه بالتحيز. وفي المقابل، وصف مسؤولون يمنيون بيان ترامب في 13 أكتوبر / تشرين الأول بأنه يبعث “إشارات إيجابية”[27].
هذه التصريحات كانت إعادة صارخة لموقف ترامب بشأن اليمن، على الرغم من أنها لم تكن أبداً المرة الأولى التي أدلى فيها الرئيس أو مسؤولون في إدارته ببيانات صدامية مؤشرة على تصعيد محتمل للمشاركة الأميركية في اليمن في وجه إيران.
بعد فترة وجيزة من تولي ترامب منصبه، قال مستشار الأمن القومي المعين حديثاً مايكل فلين (المستقيل منذ ذاك الوقت) أن إيران موضوعة “تحت المراقبة”، واصفاً الحوثيين بصراحة بأنهم “جماعة إرهابية بالوكالة” تابعة لإيران[28]. جاءت هذه التصريحات بالتوازي مع ارتفاع نشاط الولايات المتحدة في عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة في اليمن، والتي أشارت جميعها إلى نهج ترامب المتشدد الجديد[29]. وقد كرر مسؤولون حكوميون أمريكيون في واشنطن العاصمة، في جلسات خاصة هذا التشدد، وأفادوا بأن مسؤولي الإدارة أعلنوا عزمهم على استهداف “أهداف عسكریة” في الیمن بعملیات مماثلة لتلك الجارية ضد داعش في العراق وسوریا[30].
على الرغم من ذلك، واصل النقاد المساندون لترامب موجة الادعاءات بأن اليمن يمثل ساحة لوقف التمدد الإيراني. وقد ذهبت الكثير من هذه الأصوات إلى الدفاع عن تدخل الولايات المتحدة في أية عملية عسكرية محتملة تقودها السعودية ضد ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون. هذا النوع من التفكير لا يقتصر على استبعاد التأثير الإنساني الكارثي المحتمل جراء مثل هذا الهجوم – نظراً لأن الغالبية العظمى من الضروريات الأساسية للبلاد يتم استيرادها عبر ميناء الحديدة – لكنها تبرز الأهمية الإقليمية لهذا الهجوم خارج اليمن، أي في “مواجهة” إيران. في أحد المقالات الدالة في مجلة بريتبارت، والذي نشر في أعقاب زيارة ترامب إلى الرياض في مايو / أيار 2017، يشير الكاتب إلى دعم الولايات المتحدة لهجوم الحديدة باعتباره ضرورة قصوى، لأن تركه في أيدي الحوثيين قد يخاطر بتحقيق “نبوءة نهاية العالم”[31].
لكن فيما وراء الخطابات، ما يزال هناك غياب لأي تحول حاسم في الإجراءات الأمريكية المتعلقة باليمن. فبعد معارك صنعاء بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح في نهاية نوفمبر / تشرين الثاني 2017 ومطلع ديسمبر – انتهت بمقتل صالح في الـ4 من ديسمبر- حققت القوات المدعومة من التحالف مكاسب جديدة على الحوثيين على طول ساحل البحر الأحمر اليمني باتجاه الحديدة. لكن لا يوجد دليل على دعم أمريكي مباشر لهذا الهجوم. وفي الوقت نفسه، واصل مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية، مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، دعمهم لاستئناف محادثات السلام.
الجدير بالذكر أن البيت الابيض أصدر بياناً في 6 كانون الأول / ديسمبر دعا فيه الرياض إلى “السماح التام للوقود والوقود والمياه والأدوية بالوصول إلى اليمنيين الذين هم بحاجة ماسة لها”- في إشارة إلی الحصار السعودي على شمال اليمن والذي يعيق حركة الواردات التجارية والإنسانية ويعرض الملايين لمجاعة محتملة[32]. في حین أن البيان في ظاهره بدا كنداء إنساني، يشك العديد من المراقبين في انطواء هذه الحركة على بوادر تحول في السياسة الأمریكیة، بل يعتبرونه بمثابة انتقام من ترامب ضد الرياض بسبب انتقادها إعلانه نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس قبل أيام.
وعلى الرغم من أن موقف ترامب الصقوري من إيران واليمن ما يزال على المستوى الخطابي، إلا أن بإمكانه أن يكون إشكالياً بكل الأحوال: فمعاملة الحوثيين بطريقة أحادية البعد على أنهم بيادق إيرانية ورفض الواقع الديناميكي يحجبان التحليل الرصين للتطورات على الأرض وفرص نزع فتيل الصراع التي قد تظهر. وفي الوقت نفسه، من شأن العداء المرير الذي يكنه ترامب لإيران أن يقوي الجهات الفاعلة المتشددة في جميع أطراف النزاع ممن لهم مصلحة في استمرار الحرب.
النظر قدماً: الآثار المترتبة على التصوير الخاطئ للحوثيين
بغض النظر عن تورط الجهات الفاعلة الأجنبية في كافة جبهات الحرب، لا يزال النزاع في اليمن مرتبطاً بشكل أساسي بالديناميكيات الداخلية وينطبق هذا بشكل خاص على الحوثيين وعملياتهم؛ فعلى الرغم من الدعم والعلاقات مع إيران، يبقى الاعتبار الأساسي للقادة الحوثيين ديناميكيات السلطة المحلية[33]. إن تصوير الحوثيين كبيادق إيرانية وتأطيرهم بمصطلحات طائفية إقليمية فقط، مع إغفال أي عناصر أخرى في هويتهم، يتجاهل العوامل التي تحرك مؤيدي الحوثيين، ويتغاضى عن الأيديولوجية وعملية صنع القرار.
وسواء كانت الإدارة الأمريكية تعتزم مواصلة الحرب أو السعي نحو السلام، فإن سوء فهم دوافع وأعمال وطبيعة الحوثيين – والاقتصار على معاملتهم كدمى لقوة أجنبية – هو أساس الخلل في اتخاذ القرارات؛ فلا يمكن للمرء أن يتوقع مواجهة فعالة لخصم دون فهم كيفية وسبب نزوعه إلى القتال. وبالتالي فإن تأطير إدارة ترامب الخاطئ للنزاع يمثل خطراً كبيراً، فعلى سبيل المثال من الصعب دون فهم الحوثيين ودوافعهم وكيفية تعزيزهم سلطتهم في شمال اليمن ممارسة ضغط سياسي أو دبلوماسي أو عسكري على الجماعة.
وتتطلب السياسة الخارجية السليمة بشأن الحوثيين فهماً أعمق لكيفية عمل الجماعة. فقد تمكن الحوثيون مثلاً من مواصلة القتال ليس بسبب الدعم الإيراني، بل نتيجة قدرتهم على الاستفادة من الشبكات القبلية الخاضعة لسيطرتهم، ومعرفتهم بالتضاريس، وسيطرتهم على المنشآت العسكرية الرئيسية، وعلى نحو متزايد العائدات التي أتاحها لهم الصراع. في الواقع، وبخلاف ما صرح به دبلوماسيون غربيون كثيرون عندما دخل الحوثيون صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014، فإن الحوثيين دخلوا صنعاء مخالفين نصيحة المسؤولين الإيرانيين، ما ينفي فكرة أنهم رهائن بيد طهران[34]. وفي مارس / آذار 2016، دخل الحوثيون في محادثات مباشرة مع المسؤولين السعوديين نتج عنها وقف إطلاق نار فعلي على طول الحدود السعودية اليمنية. وقد دام وقف إطلاق النار الحدودي إلى حد كبير حتى انهيار محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الكويت في أغسطس / آب 2016. إن الأحداث الأخيرة المحيطة بمقتل صالح تعقد بلا شك جهود السلام – من بين أمور كثيرة أخرى، منها الشك المتبادل بين الحوثيين وأعضاء التحالف السعودي. ومع ذلك، فإن كلا من الحوثيين والسعوديين يدركون بالتأكيد أن أي اتفاق سلام مستدام في نهاية المطاف سيتطلب تقديم كل من الطرفين بعض التنازلات.
وبالتالي، فإن الإفراط في التشديد على العلاقات الخارجية للحوثيين مع تجاهل العوامل المحلية ووسائل إضعاف الحوثيين أو الضغط عليهم، من المرجح أن يولد في نهاية المطاف سياسات غير فعالة في أحسن الأحوال، ونتائج عكسية في أسوأ الأحوال. ينطبق هذا بشكل خاص على خطر أن يصبح تأطير “بيادق إيران” نبوءة ذاتية التحقق – أي خلق الظروف التي تدفع أو حتى تلزم الحوثيين بمواصلة تعزيز العلاقات مع إيران، أو إيران مع الحوثيين. في بعض النواحي، شوهد ذلك بالفعل مع بدء التحالف السعودي تدخله العسكري في اليمن في آذار / مارس 2015 تحت اسم “عاصفة الحزم”. وفقاً لعدد كبيري من المسؤولين الغربيين واليمنيين، توسع الدعم الإيراني والتنسيق مع الحوثيين بعد تدخل التحالف. وفعلاً ازداد اعتماد الحوثي على هذا الدعم، حيث تركت لهم العزلة الدولية عدداً قليلاً من الشركاء المحتملين الآخرين.
من المرجح أن تعطي السياسة الأمريكية التي ترى في الحوثيين امتداداً للمصالح الإيرانية زخماً لهذا الانجراف الحوثي نحو مجال النفوذ الإيراني. سيرفع ذلك أولا من مستوى عزل الحوثيين على الصعيد الدولي ويواصل إضعاف الحوافز التي تبعدهم عن اللجوء إلى إيران. ثانياً – ولعله الأهم – سيزيد من حوافز طهران لتوسيع أنشطتها في اليمن.
في الوقت الراهن، لا تزال مشاركة إيران منخفضة التكلفة إلى حد كبير، فاليمن ليس أولوية بالنسبة لإيران، كما أن الحوثيين لا يزالون يتمتعون بالاستقلال والاكتفاء الذاتي. وفي حين يبدو أن الدعم الإيراني للحوثيين ساعد الجماعة، ولا سيما قدرة القذائف الصاروخية على ما يبدو، إلا أن هذه المساعدات لم تغير ميزان القوى في النزاع، فالخطوط الأمامية في اليمن ظلت إلى حد كبير عبارة عن جمود عسكري شامل منذ عام 2015.
ومع ذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة التي تهدف إلى “ضرب إيران في اليمن” قد تغير في النهاية حساب الحكومة الإيرانية فيما يتعلق بأهمية اليمن. باختصار، إذا رأت الحكومة الأمريكية أن الحوثيين هدف إيراني بالوكالة، فقد يشكل ذلك حافزاً قوياً للمخططين العسكريين الإيرانيين لدعم الحوثيين بشكل أكبر بكثير، بما أن الإيرانيين أنفسهم ليس لديهم الكثير ليخسروه، بينما خصومهم – الولايات المتحدة والسعودية – معرضون لخطر كبير. كثيراً ما تسلط وسائل الإعلام والبيانات الحكومية الإيرانية الضوء على الدور الأمريكي في تسهيل أعمال التحالف السعودي؛ وبالتالي فإن زيادة مشاركة الولايات المتحدة لن تكون فقط انقلاباً دعائياً، بل ستقوي داخل النظام الإيراني مؤيدي تكثيف دعم للحوثيين.
موقف ترامب ضد الحوثيين يهدد أيضا بدفن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة بالفعل. وفي الوقت الذي اتخذت فيه حكومة الولايات المتحدة موقفا حازما لصالح التحالف الذي تقوده السعودية واستعادة الحكومة المعترف بها دوليا، فإن واشنطن كانت مع ذلك مؤيدا رئيسيا لعملية السلام؛ خصوصا في ظل إدارة أوباما، حيث مارس كبار المسؤولين الأمريكيين ضغوطا كبيرة على السعوديين والإماراتيين لدفع الرئيس هادي وحلفائه إلى الموافقة على تسوية سلمية.
منذ تولي ترامب منصبه، توقف مسار السلام الذي طرحه جون كيري عملياً، حيث سعى الأعضاء الرئيسيون في التحالف السعودي للاستثمار في الميول المواتية لهم التي عبرت عنها الإدارة الجديدة. إن تأطير ترامب الثابت للصراع في اليمن كأحد منتجات سوء السلوك الإيراني يقلل من قدرة واشنطن على الضغط على الحلفاء لجلبهم إلى طاولة المفاوضات. وهو بالإضافة إلى ذلك يقلل من قدرة الولايات المتحدة على التنسيق مع حلفاء آخرين. أوروبا، وحتى المملكة المتحدة، لديها نظرة للنزاع اليمني مخالفة تماماً لنظرة إدارة ترامب، وهو ما سيعيق جهود المجتمع الدولي الرامية إلى الحفاظ على أي شيء يشبه جبهة موحدة، ما يضعف نفوذه على مختلف الفصائل المتحاربة في اليمن.
على الصعيد المحلي داخل الولايات المتحدة، أصبح انتقاد سياسات إدارة ترامب بشأن اليمن – بما في ذلك العديد من السياسات التي تتطابق تقريباً مع أوباما – سائداً بشكل متزايد في العديد من الدوائر الحزبية الديمقراطية؛ فعلى سبيل المثال، قامت منظمة Moveon.org لتأييد العديد من الالتماسات التي تنتقد الدعم الأمريكي لعمليات التحالف العسكري السعودي في اليمن[35]. كما واجه تورط الولايات المتحدة في النزاع اليمني انتقادات متزايدة من قبل الجمهوريين. يأتي ذلك على وجه الخصوص من الجناح الليبرتاري المناهض للتدخل (في الحزب الجمهوري)، ومن شخصيات مثل النائب الجمهوري والتر جونز (كارولينا الشمالية) والسيناتور راند بول (كنتاكي) اللذان عارضا التدخل الأمريكي في نزاعات إقليمية أخرى. وقد نجحت هذه الشخصيات في توليد زخم عابر للحزبين ضمن سلسلة من المحاولات الحزبية لاسترعاء الانتباه إلى الحرب والحد من مشاركة الولايات المتحدة. وبفعل ذلك، أدلى سياسيون جمهوريون مثل راند بول ببيانات علنية تتفق مع تصريحات الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي.
على سبيل المثال، في حديثه حول الصراع اليمني، أشار السيناتور بول في مقابلة مع بريتبارت إلى أن:
“هذه حرب منفصلة جديدة كاملة، وهي ليست مرتبطة بأي من الحروب الأخرى. أعتقد أن من المقنع تماماً القول أننا حين نزيد من الفوضى في اليمن ونختار جانباً دون آخر، فنحن ندفع بالأمور إلى إنشاء فراغ يتنامى ويتنامى حتى يملأه تنظيم القاعدة. أعتقد أن هناك فرصة. هذه ليست حربنا. وعلينا أن نصوت على ذلك، ليس لدينا مصلحة حيوية هناك”[36].
ومن المرجح أن يتعمق هذا الموقف المشترك بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في حال زاد ترامب من التورط الأميركي في اليمن. في الواقع، وصلت المعارضة الجمهورية إلى شخصيات لا يتوقع منها ذلك، مثل السناتور تود يونغ (عن إنديانا)، وهو تيار جمهوري آخر قاد انتقاد الكونجرس للتحالف السعودي لأسباب إنسانية[37]. ومع ذلك من غير المرجح أن تحدث ثورة جمهورية عامة ضد ترامب في حال تصعيد الحرب، نظراً لأن القاعدة الشعبية في الحزب تبدو غير مبالية إلى حد كبير بما يحدث في اليمن[38].
آدم بارون مدير البحوث والتحليل في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وهو أيضاً زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وليد الحريري مدير مكتب الولايات المتحدة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
أنتوني بيسويل مساعد محرر وباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
عن مركز صنعاء:
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
الهوامش
[1] خطة العمل الشاملة المشتركة هي اتفاق تم التوصل إليه بين مجموعة الخمسة زائد واحد (الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) والاتحاد الأوروبي وإيران في 14 يوليو / تموز. ومع أن الاتفاق معقد وتقني، وافقت إيران أساساً على فرض قيود صارمة على برنامجها النووي الذي يحول دون حصولها على أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وخلال زيارته للسعودية يوم 20 أيار / مايو، أدان دونالد ترامب دور إيران قائلاً: “من لبنان إلى العراق إلى اليمن، تمول إيران الأسلحة وتدير الإرهابيين والميليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى التي تنتشر الدمار والفوضى في المنطقة”.
[2] Jim Garamone, “Haley says Iran must stop destabilizing behavior,” DoD News, December 14, 2017, https://www.defense.gov/News/Article/Article/1397091/haley-says-iran-must-stop-destabilizing-behavior/source/GovDelivery/
[3] Colum Lynch and Robbie Gramer, “Haley’s ‘Smoking Gun’ on Iran Met With Skepticism at U.N., Foreign Policy, December 14, 2017, http://foreignpolicy.com/2017/12/14/nikki-haley-yemen-houthi-rebels-iran-missiles-press-conference-pentagon-skepticism-united-nations-trump-nuclear-deal-diplomacy/
[4] عندما قتلت قوات الحوثي صالح في أوائل كانون الأول / ديسمبر 2017، جرى اعتبار هذا الحدث انتقاماً لمقتل حسين الحوثيين وحرب صعدة.
[5] “Iran in Yemen: Tehran’s Shadow looms large but footprint is small,” Wikileaks cable 09SANAA1662_a, dated September 19th 2009, https://wikileaks.org/plusd/cables/09SANAA1662_a.html
[6] Adam Baron Farea Al-Muslimi, ‘The politics driving Yemen’s rising sectarianism’, SCSS, May 30, 2016. Accessed December 17, 2017; available at https://sanaacenter.org/publications/main-publications/40#5
[7] مقابلة مع مسؤول في الأمم المتحدة، أغسطس / آب 2013.
[8] بحسب ما جاء في التقرير النهائي لفريق الخبراء التابع لمجلس الأمن والأمم المتحدة حول اليمن، فإن الصفقة سمحت لشركتين يمنيتين وإيرانيتين، (طيران اليمنية، وماهان للطيران)، على التوالي، بتشغيل 14 رحلة أسبوعيا لكل بلد. هبطت أول رحلة إيرانية في صنعاء في 1 آذار / مارس، والثانية في 6 آذار / مارس، وبدأت سلسلة من الرحلات الجوية استمرت حتى 26 آذار / مارس عندما فرض التحالف حصاراً جوياً. انظر
“Final report of the Panel of Experts in accordance with paragraph 5 of resolution 2204 (2015),” United Nations: Security Council, January 22, 2016, available at https://www.un.org/sc/suborg/en/sanctions/2140/panel-of-experts/reports
[9] Jay Solomon, Dion Nissenbaum and Asa Fitch, “In Strategic Shift, US draws closer to Yemen Rebels,” The Wall Street Journal, January 29, 2015 https://www.wsj.com/articles/in-strategic-shift-u-s-draws-closer-to-yemeni-rebels-1422576308
[10] مقابلة مع مسؤول أمريكي، تموز / يوليو 2017.
[11] Associated Press, ‘Yemen’s Houthi rebels have released 2 Americans, John Kerry says’, October 15, 2016. Accessed December 17, 2017; available at http://www.latimes.com/world/la-fg-yemen-houthi-releases-two-americans-20161015-snap-story.html; Matthew Rosenberg and Kareem Fahim, ‘2 Americans Among 6 Hostages Freed in Yemen After Months of Captivity’, New York Times, September 20, 2015. Accessed December 17, 2017, available at https://www.nytimes.com/2015/09/21/international-home/2-american-hostages-freed-in-yemen-after-months-of-captivity.html
[12] مقابلة مع مسؤول أمريكي، فبراير / شباط 2012.
[13] Kathleen Hennessey, “In deivising a plan for Iraq, the US looks to its Yemen model,” The Los Angeles Times, June 22, 2014, http://www.latimes.com/world/middleeast/la-fg-obama-iraq-yemen-20140622-story.html
[14] Jeff Mason, “US tells G8 Syria’s Assad must go, cites Yemen as model,” Reuters, May 19th, 2012, https://www.reuters.com/article/us-syria-usa-whitehouse/u-s-tells-g8-syrias-assad-must-go-cites-yemen-as-model-idUSBRE84I0BC20120519
[15] Peter Brookes, “Obama’s ‘sucess’ in Yemen joins list of oversees disasters,” The Heritage Foundation, March 25, 2015, http://www.heritage.org/middle-east/commentary/obamas-success-yemen-joins-list-overseas-disasters; Michelle Malkin, “Obama’s bloody Yemen disaster,” The National Review, January 23, 2015, http://www.nationalreview.com/article/397021/obamas-bloody-yemen-disaster-michelle-malkin.
[16] انظر مثلاً
Zach Beauchamp, “These Obama administration quotes on Yemen are almost too cringeworthy to read,” Vox, March 27, 2015, https://www.vox.com/2015/3/27/8299721/obama-yemen-quotes.
[17] Guy Taylor, “Yemen’s Shi’ite Rebels growing in Power,” The Washington Times, January 23, 2015, http://www.washingtontimes.com/news/2015/jan/23/yemens-shiite-rebels-growing-power/
[18] للاطلاع على تصريحات زاكاني انظر
“Sanaa is the fourth Arab Capital to join the Iranian Revolution, The Middle East Monitor, September 27th, 2014, https://www.middleeastmonitor.com/20140927-sanaa-is-the-fourth-arab-capital-to-join-the-iranian-revolution/.
[19] انظر الهامش 6.
Amal Mudallali, “The Iranian Sphere of Influence expands into Yemen,” Foreign Policy, October 8, 2014, http://foreignpolicy.com/2014/10/08/the-iranian-sphere-of-influence-expands-into-yemen/
[20] John Xenakis, “Shi’a al-Houthis threaten new Sunni Provinces in Yemen,” Breitbart, January 5, 2015, http://www.breitbart.com/national-security/2015/01/05/world-view-shia-al-houthis-threaten-new-sunni-provinces-in-yemen/
[21] “Campaign Rally with Donald Trump and Sarah Palin”, C-SPAN, January 19, 2016.
[22] Text of the “Iran Nuclear Agreement Review Act of 2015” is available at https://www.congress.gov/bill/114th-congress/house-bill/1191/text
[23] منح الكونجرس موعداً نهائياً لإعادة فرض العقوبات المفروضة على ايران في 13 كانون الأول / ديسمبر 2017 دون اتخاذ أي إجراء. لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، يرجى الاطلاع على Patricia Zengerle, ‘U.S. Congress to let Iran deadline pass, leave decision to Trump’, Reuters, December 12, 2017, available at https://www.reuters.com/article/us-iran-nuclear-congress/u-s-congress-to-let-iran-deadline-pass-leave-decision-to-trump-idUSKBN1E62HP?il=0
[24] “Trump’s remarks on the Iran deal,” NPR, October 13, 2017, http://www.npr.org/2017/10/13/557622096/transcript-trump-s-remarks-on-iran-nuclear-deal
[25] The White House, ‘President Donald J. Trump’s New Strategy on Iran’, October 13, 2017. Accessed December 17, 2017; available at https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/president-donald-j-trumps-new-strategy-iran/
[26] المرجع السابق.
[27] Holly McKaw, “America’s role in Yemen war must end, US lawmakers demand,” Fox News, October 24, 2017, http://www.foxnews.com/world/2017/10/24/americas-role-in-yemen-war-must-end-us-lawmakers-demand.html; also see http://sabanew.net/viewstory.php?id=23691
[28] Julien Borger, David Smith, Spencer Ackerman and Saeed Kamali Dehghan, “Trump administration ‘officially putting Iran on notice,” The Guardian, February 1, 2017, https://www.theguardian.com/world/2017/feb/01/iran-trump-michael-flynn-on-notice
[29] Noah Browning, “Trump risks deeper entanglement in Yemen’s murky war,” Reuters, February 7, 2017, http://www.reuters.com/article/us-yemen-security-trump/trump-risks-deeper-entanglement-in-yemens-murky-war-idUSKBN15M1HP
[30] مقابلات أجريت في واشنطن العاصمة، يوليو / تموز 2017. قدرت مصادر حكومية أمريكية عدد “المستشارين” الإيرانيين الموجودين في اليمن بالعشرات.
[31] James Zumwalt, “Zumwalt: As Trump visits the Saudis, Yemen comes into focus to check Iran,” Breitbart, May 17, 2017 http://www.breitbart.com/national-security/2017/05/17/zumwalt-trump-yemen/
[32] The White House, ‘Statement by President Donald J. Trump on Yemen’, December 6, 2017; accessed December 19, available at https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/statement-president-donald-j-trump-yemen/
[33] سعت قيادة الحوثيين طوال تحالفها مع الراحل علي عبد الله صالح إلى حماية الجماعة ومستقبلها السياسي، مع العلم أنه كان من المرجح أن يتخلى صالح عن التحالف في حال كان من مصلحته ومصلحة عائلته القيام بذلك. وعلى الرغم من تشكيل مؤسسات الحكم المشتركة، رفض الحوثيون حل اللجنة الثورية العليا برئاسة محمد الحوثي. وقد اتبعت هذه اللجنة سياسة تأمين فعالة ضد صالح. وقد ثبتت شكوك الحوثيين عندما أعلن صالح استعداده لفتح “صفحة جديدة” مع التحالف السعودي ومواجهة الحوثيين.
[34] Ali Watkins, Ryan Grim, and Akbar Shahid Ahmed, ‘Iran Warned Houthis Against Yemen Takeover’, HuffPost, April 20, 2015. Accessed December 17, 2017; available at https://www.huffingtonpost.com/2015/04/20/iran-houthis-yemen_n_7101456.html
[35] Robert Naiman, “Force House vote on Saudi war in Yemen to stop cholera and famine,” Moveon.org, https://petitions.moveon.org/sign/house-back-un-call-for
[36] Matthew Boyle, “Exclusive: Rand Paul on Afghanistan and Yemen: Trump should trust his instincts and stop listening to generals who talk in his ear,” Breitbart, September 15th, 2017, http://www.breitbart.com/big-government/2017/09/15/exclusive-rand-paul-on-afghanistan-yemen-trump-should-trust-instincts-stop-listening-to-generals-who-talk-in-his-ear/
[37] Emma Kinery, “Indiana Senator pushes US to pressure Saudis on Yemen aid,” USA Today, July 18, 2017, https://www.usatoday.com/story/news/2017/07/18/indiana-senator-pushes-u-s-pressure-saudis-yemen-aid/490244001/
[38] انظر مثلاً
Daniel Waiters, “Kootenai County rejects Yemen resolution but Labraor joins Yemen war skeptics,” The Inlander, October 25, 2017, https://www.inlander.com/Bloglander/archives/2017/10/25/kootenai-county-gop-rejects-yemen-resolution-but-labrador-joins-yemen-war-skeptics