ملخص تنفيذي
يواجه القطاع المصرفي في اليمن سلسلة من التحديات الناجمة عن الانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد، وتنافس طرفي الصراع على السيطرة المالية. يمثل انقسام البنك المركزي بين صنعاء وعدن والتنافس الشرس بينهما لإدارة وتنظيم عمل البنوك اليمنية التجارية والإسلامية أبرز هذه التحديات. في فبراير/ شباط، قامت سلطات الحوثيين باعتقال مسؤولين كبار من عدة بنوك في العاصمة بسبب امتثالهم للسياسات التي وضعها البنك المركزي في عدن واللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة اليمنية.
وتتمثل التحديات الأخرى التي تواجه القطاع المصرفي أزمة سيولة التي تعاني منها منذ فترة طويلة، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، وفقدان الإيرادات نتيجة عن تجميد الأصول، وتوقف خدمة الدين العام، والعقبات التي تحول دون حرية نقل الأموال النقدية السائلة داخل اليمن وخارجه، والتدهور العام في ثقة القطاع الخاص بالقطاع المصرفي الذي حفّز على خروج الدورة المالية من الاقتصاد الرسمي إلى أسواق وشبكات الأموال غير الرسمية.
هذا وكان لضعف البنوك التجارية والإسلامية في اليمن عواقب وخيمة. فمن الآثار المترتبة على ذلك تنامي نشاط السوق السوداء بشكل كبير، وزعزعة استقرار سعر الصرف، وتزايد صعوبة تمويل الواردات من قبل التجار. وكل ذلك قوض بدوره أي محاولات رامية إلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وفاقم الأزمة الإنسانية وأطال بالمجمل من أمد النزاع.
منذ منتصف 2018، عقد مركز صنعاء سلسلة لقاءات مع رؤساء القطاع المصرفي اليمني ومسؤولي البنك المركزي الحاليين والسابقين في طرفي الصراع، بالإضافة للسلطات المالية في جميع أنحاء البلاد، واقتصاديين ورجال أعمال ومصرفيين بارزين من اليمن والمنطقة المجاورة.[1] يمثل موجز السياسة التالي خلاصة المناقشات التي جرت مع هؤلاء الخبراء، حيث قامت هذه الورقة بدمج نتائج هذه النقاشات لتقديم توصيات بحثية لإعادة تفعيل القطاع المصرفي اليمني وكذلك خلفية عن التحديات التي يواجهها هذا القطاع.
تتلخص هذه التوصيات بالتالي:
- إعادة توحيد إدارة البنك المركزي اليمني. يجب أن يكون توحيد البنك المركزي اليمني أولوية قصوى لجميع اللاعبين المحليين والاقليميين، وعلى المجتمع الدولي الضغط على جميع أطراف النزاع لتحقيق ذلك.
- إعادة تفعيل آليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في اليمن.
- الإفراج عن أرصدة البنوك اليمنية المجمدة في حسابات البنك المركزي عبر إعادة تفعيل وظائف غرفة المقاصة الخاصة بالبنك المركزي.
- تسهيل النقل الآمن للحيازات النقدية من العملات الأجنبية والمحلية داخل اليمن ودوليًا.
- تسهيل شروط تمويل الواردات بشكل يسمح للبنوك من استخدام أرصدتها غير النقدية المجمدة لضمان تغطية خطابات الاعتماد اللازمة لاستيراد السلع الأساسية.
- إنشاء نظام مقاصة نقدية لمبادلة المدفوعات النقدية بين البنوك وشبكات تبادل الأموال والشركات.
- استبدال الأوراق النقدية التالفة المخزنة حاليًا داخل القطاع المصرفي.
- الاستئناف الجزئي لدفع أعباء الدين المتمثلة بالفوائد المستحقة المتراكمة على أدوات الدين العام المحلية.
خلفية: التحديات التي تواجه البنوك اليمنية
أزمة السيولة المطولة تحفز فقدان ثقة عامة
يواجه القطاع المصرفي اليمني أزمة سيولة منذ عام 2016. ففي أعقاب تصاعد النزاع في مطلع عام 2015، دخلت البلاد في انحدار حاد في النشاط الاقتصادي، وكان مصدر القلق الرئيسي بالنسبة للإنفاق الحكومي هو توقف صادرات النفط، التي كانت حتى عام 2015 تمثل المصدر الأكبر بالنسبة للإيرادات الحكومية وأهم مصدر للعملة الأجنبية في البلاد. ونتيجة لذلك، اضطر البنك المركزي لمباشرة سحب احتياطياته من العملة المحلية لتمويل احتياجات الإنفاق العام واستخدام احتياطياته من العملة الأجنبية لتمويل الواردات.
على مدار عام 2015، اتخذ البنك المركزي إجراءات لدعم إمدادات العملة الأجنبية في البلاد من خلال الحد من الوصول إلى الأسواق المحلية، في حين بدأت البنوك التجارية في الحد من عمليات السحب من قبل العملاء.[2] هذه الإجراءات، إلى جانب الحصار المالي للبلاد الذي حد بشدة من قدرة البنوك التجارية لتنفيذ المعاملات المالية الدولية، قادت التجار والأثرياء إلى التردد في ترك البنوك تحتفظ بأموالهم. وبذلك ازدادت طلبات السحب النقدية من القطاع المصرفي؛ ففي الأشهر الستة الأولى من عام 2016 فقط سحب العملاء من حساباتهم نحو 300 مليار ريال يمني، الأمر الذي مثل خروجًا جماعيًا للتدفقات المالية من الاقتصاد الرسمي نحو الاقتصاد غير الرسمي.
ومع تراجع أرصدة السيولة النقدية المتوفرة لدى البنوك لم تتمكن البنوك التجارية من الإيداع لدى البنك المركزي. وفي الوقت نفسه، منعت الحكومة اليمنية البنك المركزي، ومركزه مدينة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، من الوصول إلى شركات طباعة النقود في الخارج لطباعة أوراق نقدية جديدة، وبالتالي بدأ الاحتياطي النقدي للريال اليمني في البنك المركزي اليمني بالانخفاض. وفي محاولة للتصدي لهذا، شرعت قيادة البنك المركزي بإعادة إصدار الأوراق النقدية التالفة التي تم سحبها من التداول. إلا أن العديد من الشركات صارت ترفض قبولها، مما ترك لدى العديد من البنوك التجارية مخزونات هائلة من الأوراق النقدية غير القابلة للاستخدام تحملت تكاليف تخزينها منذ ذلك الحين.
وبحلول أيلول/ سبتمبر 2016، اضطر البنك المركزي إلى وقف دفع مرتبات معظم اليمنيين البالغ عددهم 1.2 مليون شخص، وذلك بسبب افتقاره إلى السيولة اللازمة من العملة المحلية للقيام بمواجهة ذلك. وفي الوقت نفسه، تم استنفاد الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي بالكامل تقريبًا.
انقسام البنك المركزي
في سبتمبر/ أيلول 2016، أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارًا بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. وقد تسبب هذا الأمر بتحديات ومخاطر جديدة ومتداخلة للمصارف التجارية.
وكان هادي قد أعلن عن هذه الخطوة دون تأمين الخبرة المؤسسية والموظفين، ولا أرشيف المعلومات أو الاحتياطيات المالية اللازمة لتمكين البنك المركزي من استئناف مهامه في مقره الجديد. وفي حين عمل البنك المركزي في عدن على تطوير قدراته تدريجيًا، مع امتلاكه الامتيازات المرتبطة بكونه معترفًا به دوليًا، إلا أنه لا يزال يفتقر إلى القدرة المؤسسية والتقنية للإشراف على العمليات المصرفية المحلية أو تقييم احتياجات السيولة لدى البنوك، إلى جانب أوجه قصور أخرى. وفي غضون ذلك، حافظ البنك المركزي في صنعاء على معظم موظفيه وأرشيف معلوماته، بالإضافة لنفوذه الواسع لدى كبرى المؤسسات المالية في البلاد، والتي تقع مقراتها في العاصمة صنعاء غالبًا. ومع ذلك، لا يملك هذا البنك سوى الحد الأدنى من الاحتياطيات كما أنه غير قادر على إجراء معاملات دولية.
وهكذا، منذ أيلول/ سبتمبر 2016، أصبح هناك بنكان مركزيان في اليمن -في صنعاء وعدن -كلاهما يدعي امتلاك صلاحيات وطنية مع عجزه عن أداء دور بنك مركزي بالكامل. فمع بنكين مركزيين يعملان بشكل مستقل عن بعضهما، وكثيرا ما يكونا في مواجهة بعضهما البعض، فقد خلق هذا الأمر تضارب في السياسات المالية والنقدية بالبلاد. كما أعاقت الخلافات بين فرعي البنك المركزي المتنافسين الجهود المبذولة لتنفيذ آليات تخفف من أزمة السيولة، بينما وجد القطاع المصرفي اليمني نفسه عالقًا في الوسط (انظر أدناه “عدن وصنعاء يتصارعان على الرقابة المالية والنقدية”).
ضائقة الأصول والدخل ضمن القطاع المصرفي
الأصول المجمدة
منذ سبتمبر/ أيلول 2016 أصبحت الودائع المصرفية الموجودة في البنك المركزي والمملوكة للبنوك اليمنية مقسمة بين صنعاء وعدن. بشكل عام، سمحت السلطات القائمة في صنعاء للبنوك التجارية بتحويل الأرصدة الموجودة لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء إلى البنك المركزي في عدن، لكن ليس على شكل نقد. ومنذ تقسيم البنك المركزي، قام الفرعان في كلا من صنعاء وعدن بتطبيق آليات مماثلة للتعامل مع أرصدة البنوك التجارية ضمن نظمها المحاسبية وتقييد عمليات السحب النقدي. فعلى سبيل المثال، يسمح البنك المركزي في عدن بالسحب النقدي فقط على الرصيد الصافي للودائع النقدية المودعة منذ سبتمبر/ أيلول 2016. بالنسبة للودائع التي تم إيداعها قبل سبتمبر/ أيلول 2016 والتي تم نقلها من صنعاء إلى عدن فلا يمكن استخدامها إلا لتسوية المدفوعات المرتبطة بحسابات ممسوكة في البنك المركزي والنظام المصرفي، لكن ليس لأي غرض آخر (مثل مواجهة المسحوبات النقدية للعملاء).[3]
كذلك قام البنك المركزي في صنعاء باتباع آلية مماثلة منذ أوائل عام 2017؛ فهو لا يسمح للبنوك التجارية باستخدام الأرصدة النقدية المتراكمة قبل عام 2017، والتي تمثل الجزء الأكبر من معظم الأصول المالية للبنوك. وفي الوقت نفسه، أدى فصل المعاملات النقدية عن المعاملات غير النقدية إلى تقويض استخدام أدوات الدفع غير النقدية، مثل الشيكات، وقد ثبط ذلك عموم السكان من إجراء المعاملات المالية ضمن القطاع المصرفي.
ويشترط البنك المركزي في عدن على البنوك الراغبة بإجراء عمليات سحب نقدية جزئية على الودائع التي أصبحت غير قابلة للسحب أن تحول هذه الأصول – بما في ذلك أذون الخزانة – من البنك المركزي في صنعاء إلى عدن، وهو أمر لا يسمح به البنك المركزي في صنعاء.
تجميد مدفوعات الدين العام
تعرضت البنوك التجارية لمزيد من الضغوط بسبب تعليق البنك المركزي للمدفوعات على الدين المحلي. قبل اندلاع النزاع، كانت البنوك التجارية والإسلامية من كبار المستثمرين في صكوك الدين المحلي الصادرة عن البنك المركزي اليمني بالنيابة عن وزارة المالية. تمتلك البنوك التجارية 72% من جميع أذون الخزانة. وفي الوقت نفسه، تستثمر البنوك الإسلامية بكثافة في سندات “الصكوك” الإسلامية.[4]
وقد واصلت إدارة الدين العام، التابعة للبنك المركزي في صنعاء، إعادة إصدار أذون الخزانة عند الاستحقاق، وحولت الفوائد المتولّدة منها إلى حسابات لا يمكن السحب منها نقدا. وفيما يتعلق بسندات الصكوك، قامت إدارة الدين العام عند الاستحقاق بتحويل المبالغ الأصلية المستثمرة في الصكوك وعوائدها المحققة إلى حسابات لا يمكن أيضا السحب منها نقدا، مع عدم السماح بإعادة الإصدار لهذه الصكوك. وبالتالي لم يعد لدى البنوك الإسلامية أية قنوات بديلة لتوظيف استثماراتها المجمدة.
في سبتمبر/ أيلول 2018، قام البنك المركزي في عدن برفع أسعار الفائدة على أدوات الدين المحلي وقدم أدوات دين محلي جديدة، في محاولة لجذب أصول البنوك التجارية والإسلامية. اعتبارًا من نوفمبر/ تشرين الأول، باع البنك المركزي في عدن أدوات دين محلي بقيمة 100 مليار ريال لمجموعة من البنوك التجارية والإسلامية. ومع ذلك، طالب البنك المركزي في عدن بسداد صكوك الدين هذه نقدًا، ومنع البنوك اليمنية من تحويل استثمارات الدين العام القائمة إلى للاستثمار في أدوات الدين العام الجديدة التي قام بإصدارها مؤخرا بهدف الاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة عليها.
تدهور الريال اليمني
أدى عدم استقرار الريال اليمني إلى تفاقم حدة أزمة السيولة في القطاع المصرفي. حتى كتابة هذه السطور، خسر الريال اليمني، مقارنةً بالدولار، ما يقرب من ثلثي قوته الشرائية منذ مارس/ آذار 2015، حيث كان يتم تداوله عند 215 ريال مقابل الدولار، وواصل الريال اليمني تدهوره متراجعا إلى مستوى قياسي يزيد عن 800 ريال مقابل الدولار في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قبل أن يرتفع ويصبح سعره 525 ريال مقابل الدولار الواحد مع نهاية العام. أدى الانخفاض والتقلبات السريعة في قيمة العملة المحلية إلى سحب اليمنيين لمدخراتهم من البنوك وتحويلها عبر الأسواق غير الرسمية إلى عملات أجنبية، ولا سيما الدولار الأمريكي والريال السعودي، للحفاظ على قيمتها والاستفادة من تنامي القوة الشرائية للعملات الأجنبية.
وقد تسبب انخفاض قيمة الريال في خسارة بعض البنوك التجارية لأصولها من العملات، وخاصة البنوك التي كانت التزاماتها بالعملات الأجنبية تفوق أصولها. وفي غضون ذلك، قامت البنوك التي تتمتع بسيولة نقدية جيدة أو تتوافر لديها أموال نقدية بالمضاربة على أسعار الصرف.
بنكي عدن وصنعاء يتصارعان على السيطرة المالية والنقدية
عززت قيادة البنك المركزي اليمني في عدن واللجنة الاقتصادية التي عينتها الحكومة اليمنية مؤخرًا الجهود الرامية إلى استئناف نظام استيراد فعال واستعادة الثقة في القطاع المصرفي وإعادة التدفقات المالية نحو الاقتصاد الرسمي. ومع ذلك، فأن هذه الجهود أصبح من الصعب تنفيذها في ظل غياب وحدة البنك المركزي وتصاعد النزاعات بين فرعيهما في صنعاء وعدن، للسيطرة على الأنظمة المصرفية بما فيها وضع الضوابط والشروط التي تنظم عملية الاستيراد من الخارج.
في يونيو/ حزيران 2018، قام البنك المركزي اليمني في عدن بصياغة دليل الإجراءات المرتبط بدعم استيراد خمس سلع أساسية -الأرز والقمح والحليب والسكر وزيت الطعام -سحبا من الوديعة السعودية البالغ قيمتها ملياري دولار التي قدمتها الرياض في الربع الأول من العام 2018. وفي سبتمبر/ أيلول، أصدرت الحكومة اليمنية المرسوم 75 لتنظيم عملية استيراد الوقود والسلع الأساسية، على الرغم من أنه تم تعليق تنفيذ آلية تنظيم الواردات الغذائية بعد شهر إلى أجل غير مسمى بحجة أن تشديد الرقابة على واردات السلع الغذائية قد يقلل من حجم تدفقها ويفاقم من أزمة الأمن الغذائي المتفاقمة أصلًا في اليمن. وبسبب الانقسام والتنافس بين فرعي البنك المركزي في صنعاء وعدن، لم تتمكن البنوك اليمنية من الاستفادة بشكل كامل من آلية الاستيراد قيد التطبيق.
وفي يونيو/ حزيران 2018 أمر البنك المركزي في عدن التجار بضرورة فتح خطابات الاعتماد مع البنوك التجارية العاملة في عدن لضمان الاستيراد، مشيرًا إلى أنه يجب إيداع الأموال المكافئة لقيمة خطابات الاعتماد بالريال اليمني في الحسابات التي يحتفظ بها البنك المركزي اليمني في عدن، بالإضافة لعدة شروط أخرى. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أصدرت سلطات الحوثيين أوامر للبنوك التجارية باستخدام الشيكات لتغطية خطابات الاعتماد، في خطوة تسعى لمنع نقل العملات الورقية خارج المناطق التي تسيطر عليها. كما توعّدت البنوك -بما في ذلك سجن كبار موظفيها -في حال امتثلت للتوجيهات الصادرة من عدن[5]، في المقابل هدد البنك المركزي في عدن البنوك التجارية بغرامات في حال عدم توفيرها النقد اللازم لتغطية قيمة الواردات من السلع المفتوحة ضمن خطابات الاعتماد البنكية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بعثت جمعية البنوك اليمنية رسالة إلى محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، محمد زمام، أوضحت فيها الصعوبات التي تواجهها البنوك التجارية في أثناء تقديم خطابات الاعتماد لمستوردي الأغذية والوقود الذين يستخدمون النقد. فبسبب أزمة السيولة، لم يكن لدى البنوك ما يكفي من النقد لضمان سداد قيمة خطابات الاعتماد للمستوردين. وفي الرسالة، قالت الجمعية إنه من أجل تلبية طلبات البنك المركزي اليمني واللجنة الاقتصادية في عدن، على البنوك التجارية استخدام الشيكات لشراء الأوراق النقدية اليمنية من المؤسسات الاقتصادية غير الرسمية -مثل شركات الصرافة. ونظرًا لأزمة السيولة، تضطر البنوك التجارية للتعامل مع الشبكات غير رسمية لتحويل الأصول المجمدة في حسابات غير نقدية إلى سيولة نقدية. وفي ظل هذا السيناريو، يكون سعر الأوراق النقدية بالريال أعلى بكثير بالمقارنة مع الشيكات، مما يؤدي إلى قيام البنوك التجارية بدفع أعباء مالية في سبيل مبادلة الشيكات بالنقد.
وقد أثيرت مخاوف أن من شأن استيعاب هذه الأعباء المالية أن يقلل من تأثير سعر الصرف المدعوم الذي يقدمه البنك المركزي اليمني في عدن لتمويل واردات المواد الغذائية الأساسية. كما لن يكون أمام البنوك التجارية من خيار سوى التعامل مع نفس الشبكات غير الرسمية التي يسعى البنك المركزي في عدن واللجنة الاقتصادية إلى الحد منها.
سلطات الحوثيين تمنع تداول الطبعات الجديدة
رداً على آلية تمويل الواردات التي أطلقتها عدن، والتي تتطلب من المستوردين إيداع نقد لدى البنك المركزي في عدن من أجل ضمان فتح خطابات الاعتماد، فرضت سلطات الحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول 2018 قيوداً جديدة لمنع تحويل الأموال خارج أراضيها. فقد منعت سلطات الحوثيين البنوك من تحويل المبالغ التي تزيد عن 450,000 ريال يمني (حوالي 900 دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2018) من صنعاء إلى عدن دون موافقة مسبقة من البنك المركزي في صنعاء. وقد أشارت مصادر في القطاع المصرفي إلى أنه يجري تحويل أوراق نقدية عبر شبكات غير رسمية، إلا أن هذه العملية قد يترتب عنها تحمل تكاليف ومخاطر مرتفعة بسبب عدم الاستقرار الناتج عن النزاع في اليمن. وقد اشتكى مصرفيون من تعرض الأوراق النقدية المنقولة بالشاحنات للمصادرة والسطو على شبكات الطرق، وأن تكلفة نقل الأوراق النقدية إلى عدن أصبحت لا تطاق.
كما حاولت سلطات الحوثيين منع تداول الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة في عدن في مناطق سيطرتها وبالتالي حد هذا الأمر من إمكانية معالجة مشكلة نقص السيولة التي تواجهها البنوك التجارية. كانت سلطات الحوثيين تعتقد إن من شأن الأوراق النقدية الجديدة أن يؤدي إلى زيادة المعروض من العملة المحلية، وبالتالي خلق تضخم. كما أنها تسعى لمنع استخدام هذه الأوراق النقدية لشراء العملات الأجنبية وإخراجها من المناطق التي تسيطر عليها. في حين خفت هذه القيود إلى حد ما، ويجري بالفعل استخدام العملة الجديدة المطبوعة في عدن في المطاعم والمحلات التجارية في صنعاء، ما تزال سلطات الحوثيين تركز على منع البنوك التجارية من تداول هذه الأوراق أو استخدامها.
بعد نقل البنك المركزي إلى عدن في عام 2016، تم تقدير مبلغ السيولة الفعلية المتداولة بمبلغ 1.3 تريليون ريال. ومن هذه الأوراق النقدية، التي لا تزال قيد التداول إلى حد كبير، تشكل العملة التالفة منها 90% على الأقل حالياً، وفقاً لمصادر في القطاع المصرفي تحدثت مع مركز صنعاء. ومنذ ذلك الحين، طبع البنك المركزي الذي يتخذ من عدن مقراً له أكثر من 1 تريليون ريال يمني لاستبدال الأوراق النقدية التالفة التي يتم تداولها، لكن قيوداً جديدة ضد استخدام هذه العملة الجديدة حدت من تأثيرها على أزمة السيولة التي تواجهها البنوك التجارية.
زاد ذلك من تراجع الثقة العامة في العمليات المصرفية الرسمية ومن انخفاض الودائع النقدية في البنوك التجارية، حيث ظل اليمنيون مترددين في إيداع مدخراتهم في بنوك غير قادرة على قبول الأوراق النقدية الجديدة التي يتم طباعتها في عدن. وتقوم سلطات الحوثيين بشكل منتظم بعمليات تفتيش لخزائن البنوك والصناديق النقدية التابعة لها للتأكد فيما إذا كانت البنوك تتعامل مع العملات الجديدة من الريال التي يتم طباعتها في عدن، وفي بعض الأحيان تتخذ إجراءات لمصادرة الأوراق النقدية الجديدة التي عثرت عليها.
وقد قدر تقرير للبنك الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 أن تداول العملات خارج القطاع المصرفي الرسمي تضاعف بين 2014 و2017، من 810.9 مليار ريال إلى 1.67 تريليون ريال. ومن المحتمل أن يرتفع هذا الرقم منذ صدور التقرير، حيث لم يُسمح لأكثر من 1 تريليون ريال من الأوراق النقدية المطبوعة في عدن بدخول البنوك التجارية العاملة في مناطق الحوثيين، ذات الكثافة السكانية العالية والتي تضم حوالي 70% من السكان، وبالتالي تضم استهلاكاً ونشاطاً اقتصادياً أعلى نسبياً.
أجهزة أمن الحوثيين تعتقل كبار موظفي البنوك
منذ بداية هذا العام، قامت سلطات الحوثيين، من خلال جهاز الأمن القومي التابع لها والبنك المركزي في صنعاء، بتكثيف الإجراءات التي تستهدف معاقبة البنوك التجارية التي تعتزم نقل مقرها إلى عدن، أو تلك التي ضُبطت وهي تجري معاملات مالية لفتح خطابات اعتماد في إطار آلية تمويل الواردات عبر البنك المركزي في عدن. وقد زادت هذه الإجراءات المخاوف والريبة الموجودة في القطاع المصرفي، مما أجبر البنوك وعملائها على البحث عن طرق أكثر أماناً لتحويل الأموال ونقل الاستثمارات.
في الوقت الذي تفتقر فيه سلطات الحوثيين إلى الشرعية المالية الدولية والأدوات النقدية الضرورية للتأثير على أنشطة القطاع المصرفي بشكل مباشر، إلا أنها طبقت تكتيكات قهرية لإجبار القطاع المصرفي على الالتزام بمراسيمها، وفي كثير من الأحيان منع هذا القطاع من اتباع التوجيهات الصادرة من عدن.
في 10 فبراير/ شباط، شن أفراد أمن حوثيين حملة على مقر بنك التضامن الإسلامي الدولي وألقوا القبض على مدير خزانته بالإضافة الى اعتقال اثنين من موظفي البنك. ويعتبر بنك التضامن الإسلامي الدولي أكبر بنك في اليمن من حيث إجمالي الأصول. كذلك اعتقلت أجهزة أمن الحوثيين عدة مسؤولين تنفيذيين من بنك الكريمي للتمويل الأصغر وبنك سبأ الإسلامي.
وقد قالت مصادر مصرفية لمركز صنعاء أن مثل هذه الأعمال جاءت عقاباً على تفاعل إدارة بنك التضامن مع البنك المركزي في عدن -وعلى وجه الخصوص فتح خطابات الاعتماد -ورفض الأول بيع 20 مليون ريال سعودي للبنك المركزي في صنعاء بهدف تمويل الواردات لأحد مستوردي السلع الأساسية الموالي للحوثيين. في 11 فبراير/ شباط، نظمت إدارة البنك وقفة احتجاجية أمام مقر البنك للمطالبة بالإفراج عن موظفيه المحتجزين.
كما علم مركز صنعاء أن هناك نزاعاً بين السلطات في صنعاء وعدن يتعلق ببنك التسليف التعاوني والزراعي (بنك كاك). ففي فبراير/ شباط، نجح مسؤولو البنك المركزي في عدن بتقديم طلب إلى مقر الجمعية العالمية للاتصالات السلكية واللاسلكية بين المصارف (سويفت) في بلجيكا لنقل نقطة سويفت الخاصة بكاك بنك من صنعاء إلى عدن.
القيود المفروضة على العمليات المصرفية العابرة للحدود وتحديات الامتثال
في عام 2018، حاول البنك المركزي في عدن رفع القيود المفروضة من البنوك العالمية على البنوك اليمنية لإجراء المعاملات المالية الدولية. حتى كتابة هذه السطور، لا تزال معظم البنوك الأمريكية والأوروبية ترفض التعامل مع البنوك اليمنية بالرغم من استئناف البنك المركزي في عدن المهام الكاملة لشبكة سويفت.[6]
وكانت شبكة سويفت قد أوقفت في سبتمبر/ أيلول 2016 بعد نقل مقر البنك المركزي إلى عدن. وكان قرار الرئيس هادي بإلغاء صلاحيات الموظفين الذين يتولون دفع الأموال بنظام سويفت في البنك المركزي في صنعاء، قبل اتخاذ الترتيبات اللازمة لنقل الشبكة إلى عدن، قد أدى إلى تجميد أرصدة البنوك التجارية التي يحتفظ بها البنك المركزي في الخارج. وهذا يعني عدم تمكن البنوك اليمنية من فتح اعتمادات لاستيراد الأغذية، مما ساهم في تفاقم الوضع الإنساني في البلاد.
في أبريل/ نيسان 2017، تم إعادة تثبيت نظام سويفت في البنك المركزي في عدن، ولكن لم تجر سوى معاملات محدودة على الشبكة بسبب تراجع موقف احتياطيات البنك المركزي بالعملات الأجنبية واستمرار القيود المفروضة على البنوك اليمنية من قبل النظام المالي الدولي. وقبل استئناف عملياته الكاملة على شبكة سويفت، كان البنك المركزي في عدن قد انفصل لأكثر من عام عن نظام المعاملات العالمي.
وعلاوة على سحب الاعتراف الدولي بوحدة المعلومات المالية التي تتخذ من صنعاء مقرًا لها، توقفت الوكالات الأجنبية من تبادل المعلومات مع اليمن حول عمليات غسل الأموال. ومنذ ذلك الحين، بقيت وحدة المعلومات المالية واللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال في اليمن منفصلة عن الوكالات العالمية لمكافحة غسل الأموال، بما في ذلك مجموعة العمل المالي (فاتف) ومجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المينافاتف). وقد جعل ذلك اليمن عرضة لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أن غياب التماسك حاليًا فيما يتعلق بالتعاريف والقواعد واللوائح المنفذة يجعل من الصعب على البنوك التجارية والإسلامية الالتزام بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ولم يستطيع البنك المركزي في عدن تخفيف القيود المفروضة من قبل الهيئات الإقليمية والدولية على البنوك اليمنية، بسبب عدم التزام اليمن بالمتطلبات والإجراءات الصادرة عن هذه الجهات. كما أن وجود سلطات متعددة يحول دون العمل الفعال لمنع غسل الأموال، كما يجعل البنوك عرضة لقرارات تعسفية تطالها من جانب السلطات القضائية والأمنية والضريبية والزكوية من مختلف أطراف النزاع.
علاوة على ذلك، فرض التحالف العسكري بقيادة السعودية قيودًا تمنع البنوك اليمنية من تحويل الفائض من عملاتها الأجنبية لتغذية أرصدة حساباتها في الخارج. ففي السابق، كانت تقوم البنوك اليمنية بنقل أموالها النقدية بالعملات الأجنبية لتغذية حساباتها المفتوحة لدى البنوك المراسلة في دول أخرى. وبسبب الحصار الذي فرضه التحالف على عمليات النقل، لم تتمكن البنوك اليمنية من استخدام مدخراتها بالعملة الأجنبية لتمويل واردات السلع اللازمة لتلبية احتياجات السكان. في نوفمبر/ تشرين الأول 2018، أبلغ البنك المركزي اليمني في عدن البنوك التجارية أنه توصل إلى اتفاق مع مؤسسة النقد العربي السعودي لتسهيل نقل الأموال النقدية الأجنبية. لكن حتى كتابة هذه السطور، لم يتم تنفيذ ذلك الاتفاق.[7]
الصورة: شارك المدراء التنفيذيون لبنوك اليمن التجارية والإسلامية مع مركز صنعاء ضمن حلقة نقاشية عقدت في جمعية البنوك اليمنية في صنعاء في 28 مايو / أيار 2018. كانت البنوك الممثلة في الاجتماع هي: بنك الأمل للتمويل الأصغر، البنك العربي المحدود، بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)، بنك اليمن الدولي، البنك الإسلامي اليمني للتمويل والاستثمار، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك قطر الوطني، مصرف الرافدين، بنك سبأ الإسلامي، مصرف اليمن البحرين الشامل، بنك التضامن الإسلامي الدولي، البنك اليمني للإنشاء والتعمير، والبنك التجاري اليمني.
توصيات لتفعيل القطاع المصرفي اليمني
- إعادة توحيد البنك المركزي اليمني
إن غياب سلطة موحدة واحدة لتنفيذ سياسة نقدية متماسكة وتنظيم القطاع المالي على المستوى الوطني هو أخطر وأكبر تحدٍ يواجه البنوك التجارية والإسلامية في اليمن.[8] يجب على المجتمع الدولي الضغط على جميع أطراف النزاع لتسهيل إنشاء إدارة موحدة للبنك المركزي اليمني، المنقسم حاليًا بين صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيين، وعدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا. ينبغي أن يكون إعادة توحيد البنك المركزي على رأس جدول أعمال المشاورات التي تقودها الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة خلال الجولة القادمة من المفاوضات. كما يجب أن يتبنى مجلس الأمن الدولي قرارًا يلزم المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن بوضع إعادة توحيد البنك المركزي على قائمة أولوياته، مع التلويح بفرض عقوبات دولية على أي طرف يحاول إعاقة إعادة توحيد البنك المركزي.
وإلى حين تحقيق ذلك، ينبغي القيام بالإجراءات العاجلة التالية:
- إعادة تفعيل آليات مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.
ينبغي إعادة تنشيط وحدة المعلومات المالية التابعة للبنك المركزي، واللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال من أجل استئناف أنشطة مكافحة غسل الأموال، مع ضمان حيادها وتبادلها للمعلومات على الصعيد العالمي بما يتفق مع القانون الدولي والاتفاقات الدولية.
لقد أدى تصنيف اليمن كدولة عالية المخاطر إلى عجز البنوك اليمنية عن إجراء معاملات مالية عادية مع بنوك أجنبية. وقد قلص هذا من قدرتها على تمويل التجارة الدولية، والأهم من ذلك استيراد السلع الأساسية. وهكذا اضطر العملاء الذين يحتاجون إلى خدمات تحويل مالي دولي إلى سحب أموالهم من الاقتصاد الرسمي واستخدام شبكات غير رسمية للقيام بذلك. وقد أدت التدفقات المالية المتزايدة عبر هذه الشبكات غير المنظمة التي لا يمكن مراقبتها من قبل الاجهزة الرسمية إلى تمكين وبشكل كبير الأنشطة المالية الشائنة ذاتها التي هدفت السياسات الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب إلى منع انتشارها.
إن من شأن إعادة تنشيط وحدة المعلومات المالية واللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال أن يدشن عملية تخفيض مؤشر تصنيف المخاطر المتعلق باليمن، الأمر الذي سيسمح للبنوك باستئناف تواصلها مع النظام المالي العالمي وإعادة الدورة النقدية إلى الاقتصاد الرسمي. وهو أمر مهم أيضاً للجهود اليمنية والدولية الرامية إلى الحد من غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
- الإفراج عن أرصدة البنوك المجمدة
ينبغي بذل جهود لإعادة تفعيل وظائف غرفة المقاصة الخاصة بالبنك المركزي، والتي سيُسمح من خلالها للبنوك اليمنية باستخدام أرصدتها المجمدة حالياً لتلبية الطلبات العاجلة للعملاء ودفع المستحقات الحكومية. تستلزم استعادة وظائف غرفة المقاصة أن يستأنف البنك المركزي العمل بالنظام السابق الذي تستطيع البنوك من خلاله مبادلة المدفوعات على النظام المصرفي باستخدام أرصدتها المتراكمة لدى البنك المركزي. وهو ما سيسمح للبنوك بتجنب نظام المدفوعات النقدية أو الاضطرار إلى نقل السيولة النقدية بالريال اليمني بين المدن اليمنية لتسوية التزاماتها من هذه المدفوعات.
وفي ضوء حاجة القطاع المصرفي للعملات الأجنبية، ينبغي أن يعمل البنك المركزي في عدن أيضاً على تحرير أرصدة البنوك من العملات الأجنبية وتسهيل طلبات البنوك لنقل هذه الأرصدة إلى الخارج لتتمكن البنوك من تنفيذ المعاملات المالية والتجارة الدولية.
- تسهيل النقل الآمن للحيازات النقدية
ينبغي على البنك المركزي في عدن إنشاء وسائل آمنة للمصارف التجارية لنقل حيازاتها من العملات الأجنبية والوطنية داخل البلاد ودولياً.
فيما يتعلق بالمخزونات بالعملة المحلية: على البنك المركزي في عدن أن يوفر وسائل للمصارف التجارية لنقل الأوراق النقدية بالريال من عدن إلى صنعاء بهدف المساعدة في تخفيف أزمة السيولة التي تواجهها البنوك في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين. من الخيارات التي على البنك المركزي النظر فيها، على الأقل في البداية، هو ترتيب عمليات نقل السيولة النقدية باستخدام طائرات الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بالموجودات بالعملة الأجنبية: يجب في أقرب وقت ممكن تنفيذ الاتفاقية المعلن عنها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 مع مؤسسة النقد العربي السعودي لتسهيل نقل الأموال من العملات الاجنبية التابعة للبنوك اليمنية عبر السعودية. وهو ما من شأنه تمكين البنوك من زيادة أرصدتها في البنوك المراسلة وتعزيز قدرتها على تمويل الواردات من السلع الأساسية والأدوية.
- تسهيل شروط تمويل الواردات، وإنشاء نظام للمقاصة النقدية
على البنك المركزي في عدن واللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة اليمنية تعديل لوائح تمويل الواردات على الفور بشكل يسمح للمصارف باستخدام نسبة مئوية محددة من أرصدتها المجمدة، وكذلك أرصدتها النقدية، لضمان تغطية خطابات الاعتماد اللازمة لاستيراد السلع الأساسية.
كذلك ينبغي على البنك المركزي في عدن إنشاء نظام مقاصة نقدية لمبادلة المدفوعات النقدية بين البنوك ومحلات الصرافة والشركات التجارية.[9] ينبغي أيضًا إنشاء هذا النظام للتعامل مع التحويلات المالية وتمويل المساعدات الدولية، ولتسهيل تسليم مدفوعات المرتبات التي على الحكومة اليمنية تقديمها إلى الموظفين الحكوميين العاملين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
سيؤدي الإجراءان المشار إليهما أعلاه إلى تسريع كامل لعملية الاستيراد، والحد من المخاطر المرتبطة بنقل الأوراق النقدية الفعلية بين مناطق سيطرة الحوثيين وعدن، وكذلك مساعدة القطاع المصرفي في التخفيف من أزمة السيولة التي يعاني منها.
- استبدال الأوراق النقدية التالفة
على البنك المركزي في عدن إعطاء الأولوية لاستبدال الأوراق النقدية التالفة التي يقوم القطاع المصرفي بتخزينها حالياً. ويجب تطوير آلية للتوسط بين فرعي البنك المركزي في عدن وصنعاء لتسهيل تسليم الأوراق النقدية البديلة إلى جميع محافظات اليمن. يمكن إدراج ذلك ضمن تدابير مبعوث الأمم المتحدة الخاص من أجل تفعيل التهدئة الاقتصادية في اليمن. يجب أيضاً بذل كل الجهود للضغط على سلطات الحوثيين لكي تغير سياستها الحالية المتمثلة في رفض الاعتراف رسمياً بالعملة الرسمية المطبوعة حديثاً من عدن.
- الاستئناف الجزئي لدفع أعباء الدين العام المحلية
نظراً لأن البنوك التجارية والإسلامية هي من كبار المستثمرين في صكوك الدين المحلي، على البنك المركزي في عدن اتخاذ خطوات لسداد هذه الاستثمارات. يجب أن يتضمن ذلك في البداية دفعات نقدية على الفوائد المتراكمة، في حين يتوجب على البنك المركزي أن يسعى إلى دفع جزء من الدين المستحق بمجرد تحسن عجز الموازنة العامة للدولة. الأهم من ذلك أن يقوم البنك المركزي بسداد هذه الفوائد نقدًا وليس باستخدام الشيكات، من أجل زيادة السيولة في القطاع المصرفي. وهو ما من شأنه أن يسمح للبنوك بالوفاء باحتياجات العملاء النقدية وإعادة التدفقات المالية إلى الاقتصاد الرسمي.
ملاحظة المؤلف: لم تكن هذه الورقة لترى النور لولا الملاحظات والتعليقات والمراجعات التي لا تقدر بثمن لكل من: أنثوني بيزويل ، سبنسر أوسبرغ، هانا باتشت ، ماري كريستين هينايز ، و رأفت الأكحلي.
هوامش
[1] أجرى المؤلف أثناء البحث لهذه الورقة حلقة نقاشية مع المدراء التنفيذيين لبنوك اليمن التجارية والإسلامية في جمعية البنوك اليمنية في صنعاء منتصف عام 2018. كانت البنوك الممثلة في الاجتماع هي: بنك الأمل للتمويل الأصغر، البنك العربي المحدود، بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك)، بنك اليمن الدولي، البنك الإسلامي اليمني للتمويل والاستثمار، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك قطر الوطني، مصرف الرافدين، بنك سبأ الإسلامي، مصرف اليمن البحرين الشامل، بنك التضامن الإسلامي الدولي، البنك اليمني للإنشاء والتعمير، والبنك التجاري اليمني.
[2] في عام 2015، اتخذ البنك المركزي إجراءات للحد من المعاملات بالعملة الأجنبية. على سبيل المثال، صار يطلب من البنوك التجارية تخصيص جزء من حوالاتهم المالية الواردة من المغتربين اليمنيين العاملين في الخارج لتغطية الواردات وتسهيل الاحتياجات الخارجية للبلد من المدفوعات بالعملة الأجنبية. أيضاً، في يوليو / تموز 2015، حد البنك المركزي اليمني من خطوط ائتمانه لدعم واردات الوقود لتجنب استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية.
[3] فتح البنك المركزي في عدن حسابين لكل بنك تجاري: يحتوي الحساب الأول على الودائع النقدية وغير النقدية المودعة منذ انقسام البنك المركزي إلى فرعين في سبتمبر / أيلول 2016؛ حيث تقتصر السحوبات النقدية من هذا الحساب على الرصيد الصافي للودائع النقدية. ويحتوي الحساب الثاني على الإيداعات التي تمت قبل سبتمبر / أيلول 2016 والمنقولة من صنعاء إلى عدن. يمكن للبنوك التجارية فقط نقل أو تعبئة الأرصدة من هذا الحساب لمبادلة المدفوعات عبر حساباتها في البنك المركزي. ولا يمكن استخدام أرصدة هذا الحساب خارج هذا النطاق، مثلاً لإجراء معاملات نقدية بما في ذلك السحوبات النقدية للعملاء.
[4] الصكوك هي شكل من أشكال صكوك الدين الإسلامي التي أصدرها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية لجذب استثمارات البنوك الإسلامية. يتم استخدام أصول الدين العام هذه لتمويل المشاريع الحكومية بموجب نماذج شرعية متفق عليها.
[5] احتجز جهاز الأمن القومي الذي يديره الحوثيون نائب مدير بنك اليمن والبحرين الشامل عباس ناصر في يناير / كانون الثاني 2019 لعدة أيام رداً على تعاملات البنك مع البنك المركزي في عدن.
[6] تمثل شبكة سويفت محور التمويل الدولي، وتستخدم لنقل المدفوعات وخطابات الاعتماد؛ وبدون وجود اتصال فعال بنظام سويفت لا يمكن لأي أموال أن تدخل أو تغادر اليمن من خلال قنوات رسمية، مما يعيق التجارة الخارجية والوصول إلى صناديق الدعم الدولية، ويزيد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في اليمن.
[7] تم تخفيف تأثير القيود المفروضة على تحويل العملات الأجنبية باستخدام مهربين لنقل الأموال عبر الحدود، على الرغم من انطواء هذا الحل على مخاطر وتكاليف عالية.
[8] في كل مقابلة أو لقاء عقده المؤلف تقريباً لغايات هذا البحث، برزت مسألة إعادة توحيد البنك المركزي كأهم القضايا الاقتصادية التي تواجه البلاد. وكما قال المدير التنفيذي لأحد أهم البنوك الخاصة في صنعاء خلال مقابلة مع المؤلف في مايو / أيار 2018: “إذا كان لدينا بنك مركزي موحد، فإن 80% من مشاكلنا ستنحل. حتى عندما كانت الحرب مستمرة خلال أول سنة، كنا ما نزال قادرين على العمل لأنه كان لدينا بنك مركزي واحد فقط”.
[9] نظام المقاصة النقدية هو آلية للحد من الأعباء والمخاطر المالية التي تتكبدها البنوك التجارية أثناء نقل السيولة النقدية بالعملة المحلية من مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدن لفتح خطابات اعتماد. تمت إتاحة خطابات الاعتماد هذه بموجب آلية تمويل الاستيراد التي أنشأها البنك المركزي في عدن واللجنة الاقتصادية المرتبطة به في يونيو / حزيران 2018 لتنظيم استيراد السلع الغذائية الأساسية الخمس.