إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

الأمم المتحدة واليمن: الحاجة إلى دبلوماسية موجهة بدقة

Read this in English

د. غريغوري جونسون

مقدمة

دخل النزاع في اليمن الآن عامه الخامس ولا نهاية تلوح في الأفق، ومثل معظم النزاعات التي تبدو غير قابلة للحل في العالم، انتهى المطاف باليمن إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والملاذ الأخير للمجتمع الدولي.

لقد استجابت الأمم المتحدة، التي تملك أدوات محدودة تحت تصرفها، لليمن بنفس الطريقة التي تستجيب بها للحروب الأكثر تعقيداً في العالم: مبعوث خاص وعقوبات. هذا هو نهج العصا والجزرة لحل النزاع، حيث يتنقل المبعوث الخاص ذهاباً وإياباً بين الأطراف المختلفة، ليعمل على إقناع كل طرف بالجلوس على طاولة المفاوضات، مع إبقاء الجانب الآخر من المعادلة حاضراً، أي التهديد بفرض عقوبات محددة الهدف، وهو ما فرضته الأمم المتحدة على خمسة أفراد في اليمن قبل سنوات.

المشكلة الوحيدة في مقاربة الأمم المتحدة هي أنها لا تجدي نفعاً، فاليمن يشهد حالياً عهد مبعوثه الخاص الثالث خلال الخمس سنوات الاخيرة، ولا يبدو أن مارتن غريفيث سيحقق أكثر من أي من سلفيه. أدى انقسام مجلس الأمن – غالباً بين الولايات المتحدة وروسيا، وأحياناً يحرّض حلفاء تقليديون ضد بعضهم البعض مثل الولايات المتحدة وبريطانيا – إلى عدم فرض أي عقوبات جديدة منذ عام 2015، أما العقوبات التي تم فرضها فقد أطلقت سلسلة من التبعات غير المقصودة صعّبت إمكانية إنهاء الحرب.

اليمن كارثة إنسانية وفوضى سياسية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال إعادة توحيد البلاد تقل فرصه رغم جهود الأمم المتحدة، لذا، يجب أن يكون مجلس الأمن صادقاً بشأن ما يمكن وما لا يمكن تحقيقه في اليمن، وذلك لا يتطلب النظر إلى أخطاء السنوات الخمس الماضية فقط، بل أيضاً البحث في الخيارات المتبقية لإحداث تقدم في اليمن. هذه الورقة تناقش كلا الأمرين.

المبعوث الخاص: حظوظ سيئة وخيارات رديئة

في 16 فبراير/ شباط 2018، قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بتعيين مارتن غريفيث، وهو دبلوماسي بريطاني، مبعوثاً خاصاً له إلى اليمن. في البداية، كان المراقبون متفائلين بأن أي تغيير في المبعوثين قد يساعد على إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، بعد أن أنهى سلف غريفيث المباشر، الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فترة ولايته كمفاوض لا يرغب أحد في مقابلته. في مايو/ أيار 2017، تعرض موكب أحمد لإطلاق نار أثناء زيارة إلى صنعاء، ومنعه الحوثيون في وقت لاحق من العودة إلى العاصمة بسبب زعمهم تحيزه وقد تم التلميح حينها في نيويورك إلى حقيقة أن غريفيث مواطن بريطاني، وأن بريطانيا هي أيضاً حامل قلم القرارات الخاصة بالملف اليمني في الأمم المتحدة، ما قد يساهم في تسريع سير العملية، لكن هذا لم يحدث.

فشلت المحاولة الأولى لغريفيث للجمع بين الأطراف المتحاربة، في سبتمبر/ أيلول 2018، عندما رفض الحوثيون مغادرة صنعاء، وكما هو متوقع، حمّل كل طرف الطرف الآخر اللوم على البداية الفاشلة، لكن المسؤولية النهائية تقع على عاتق غريفيث الذي فشل تقريباً في توقع مثل هذا السيناريو.

بعد بضعة أشهر، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، نجح غريفيث في نقل الحوثيين على متن طائرة متجهة إلى السويد حيث التقوا بممثلي الحكومة اليمنية لإجراء محادثات. ووسط شعوره باليأس من إحراز أي تقدم وكنوع من الصفقة، أبرم غريفيث سلسلة من الاتفاقات الغامضة التي تضر أكثر مما تنفع. على وجه الخصوص، كان اتفاق الحديدة غامضاً لدرجة أن كلا الطرفين كان قادراً على تأويل النص حسبما أراد. وليس غريباً، بعد أكثر من خمسة أشهر من التوقيع، أن الاتفاقيات لم تنفذ بعد، إذ يبدو أن انسحاب الحوثيين الأحادي الجانب في مايو/ أيار 2019 أكثر من مجرد تكتيك للتأخير، فقد قام بعض الحوثيين بتسليم الميناء إلى حوثيين آخرين بزي مختلف.

جزء من مشكلة غريفيث وسلَفَيه أنهم كانوا يعملون إلى حد كبير انطلاقاً من نفس الإطار التفاوضي المَعيب: أي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. تم الاتفاق أساساً على القرار في أبريل/ نيسان 2015، بالكاد بعد ثلاثة أسابيع من دخول التحالف العسكري الذي تقوده السعودية الحرب، حيث رفع القرار صافرة إنذار إزاء “تقدم الحوثيين نحو عدن” ودعاهم للانسحاب من صنعاء والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها.

في السنوات الأربع التي انقضت منذ القرار 2216، تغير الوضع على الأرض بشكل كبير. على الرغم من تحذير الأمم المتحدة، زحف الحوثيون إلى عدن، وتم طردهم بعد ذلك بأشهر، كما أن محادثات السلام بالكويت بدأت وانتهت دون تحقيق تقدم. أما الحوثيون فقد حولوا أنفسهم بحكم الواقع من ميليشيا قبلية إلى سلطة في شمال اليمن، ورغم كل هذه التغيرات، ظل القرار 2216 كما هو بالضبط.

من المهم إدراك ذلك لأن القرار 2216، الذي يطلب تنازلات من جانب واحد هو الحوثيون، بحيث يشعر التحالف العسكري الذي تقوده السعودية بأن له اليد العليا في النزاع عندما يتعلق الأمر بالأمم المتحدة والقانون الدولي، رغم أخطاء التحالف والهجمات الخاطئة. في الواقع، استولى الحوثيون على السلطة من خلال انقلاب ويعتبر القرار 2216 خارطة طريق لاستسلامهم.

بطبيعة الحال، يرى الحوثيون الأمور بشكل مختلف، فحسب وجهة نظرهم لديهم اليد العليا في هذه الحرب، حيث أنهم يسيطرون على الأرض، ولم يتمكن السعوديون والإماراتيون من اقتلاعهم، على الرغم من الغارات الجوية لسنوات، وكما قال وزير خارجية الحوثيين في ​​أواخر عام 2018: “نتوقع أن تكون هذه الحرب طويلة جداً. إنها حرب كسر عظام، إما أن يكسرونا أو نكسرهم“.

في الواقع، التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ليس أقرب إلى النصر العسكري الآن مما كان عليه عندما أطلق عملية عاصفة الحزم في مارس/ آذار 2015، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الشريكان الرئيسيان في التحالف، تواجهان الخيارات العسكرية ذاتها التي قامتا بها من أول وهلة. يمكن أن ينسحبوا بالكامل، وبالتالي يمثل ذلك إهداء النصر للحوثيين، أو بإمكانهم مضاعفة الجرعة وإطلاق هجوم بري يهدف إلى إخضاع الحوثيين، لكن ذلك سيكون دموياً للغاية ومن غير المرجح أن ينجح، أو يمكنهم ببساطة الاستمرار في شن الغارات الجوية والأمل في الحصول على نتيجة مختلف، وعلى الرغم أن الخيار الأخير غير مبهج ومن غير المرجح أن يؤدي إلى النجاح، إلا أنه يبقى أكثر جاذبية من الخيارين الآخرين للتحالف العسكري بقيادة السعودية.

هذا، في أبسط صوره، هو لغز اليمن: جانبان يرى كلاهما أنه في وضع أقوى. لم يستطع أي من المبعوثِين الخاصين الثلاثة حسم الأمر والتفاوض لإنهاء الحرب، كما أنه من غير المحتمل أن يتمكن أي مبعوث في المستقبل من تحقيق ما لم يفعله الآخرون لسبب بسيط، هو أن كل من التحالف العسكري بقيادة السعودية والحوثيين يرى الحرب في الوقت الحالي أكثر فائدة من السلام.

العقوبات: سيف عريض لا مشرط دقيق

فرضت الأمم المتحدة مجموعتين من العقوبات في اليمن. الأولى جاءت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 والثانية في أبريل/ نيسان 2015، وكل منها يحمل نفس الجزاء: تجميد الأصول وحظر السفر، ولكن بدلاً من حملة ضغط دبلوماسي واقتصادي مدروسة ومحددة بعناية، فقد ذهب مجلس الأمن إلى ضربة قاضية لم تصب هدفها.

تعمل العقوبات بطريقتين، من خلال الضغط الفعلي على شخص والتهديد بالضغط على آخر. في اليمن، بين عامي 2014 و 2015، كان الشخصان اللذان أراد مجلس الأمن تغيير سلوكهما هما الرئيس السابق علي عبد الله صالح وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، لكن معايير إضافة شخص ما إلى قائمة العقوبات كانت مكتوبة بشكل واسع بحيث يمكن معاقبة أي شخص يحتمل أن “يهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن“، وقد أعطى هذا الأمر عدة خيارات لمجلس الأمن.

تبعاً لهذا السيناريو، تُفرض غالباً عقوبات على أشخاص ضمن دائرة صالح أو عبد الملك الحوثي، تنطبق عليهم معايير العقوبات، وهذا من شأنه أن يصب في نتيجتين. أولاً، سيكون بمثابة تحذير، مما يزيد الضغط على صالح وعبد الملك من خلال وضع أحد أتباعهم تحت العقوبات؛ ثانياً، سيمنح صالح وعبد الملك وقتاً لتغيير سلوكهما لتجنب فرض عقوبات عليهما. نظرياً، سوف يزداد الضغط بمرور الوقت، وتباعاً كلما فُرضت عقوبات جديدة على أحد من الأتباع ستقترب أكثر من صالح وعبدالملك الحوثي، لكن الأمم المتحدة لم تفعل أي شيء من هذا القبيل.

بدلاً من ذلك، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، في إطار جولتها الأولى من العقوبات، ذهبت الأمم المتحدة مباشرة إلى رأس الهرم، معاقبة علي عبد الله صالح واثنين من كبار قادة الحوثيين. بعد خمسة أشهر، في أبريل/ نيسان 2015، عاقبت عبد الملك الحوثي وابن صالح الأكبر، أحمد. في غضون بضعة أشهر من بداية الحرب، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على اثنين من صانعي القرار الرئيسيين الذين تحاول تغيير سلوكهم، وبمجرد لعب ورقة العقوبات على صالح وعبد الملك الحوثي، لم يعد بإمكان المجلس لعبها مرة أخرى، فبحلول أبريل/ نيسان 2015، فقدت الأمم المتحدة فعلياً خياراتها من العقوبات، وبدلاً من استخدام العقوبات كنقطة ضغط للتأثير في السلوك المستقبلي، استخدمتها كعقوبة على أفعال الماضي.

ومما زاد الطين بلة، أن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة في عامي 2014 و2015 كان لها عواقب غير مقصودة، غيرت بشكل كبير مسار الحرب. فعلى الرغم من أن تشابه سوية العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على كلا المجموعتين – حظر السفر وتجميد الأصول – لم يكن الحوثيون ودائرة علي عبد الله صالح على ذات السوية.

كان صالح رئيس اليمن، الذي بنى شبكة واسعة من الحلفاء ولديه أموال في حسابات مصرفية أجنبية. بالمقابل كان الحوثيون ميليشيا قبلية، وقادتهم إلى حد كبير لم يسافروا إلى الخارج، وكان لديهم القليل من الأصول الدولية التي يمكن وضع اليد عليها. بمعنى آخر، لن يكون لعقوبات الأمم المتحدة تأثير كبير على الحوثيين الثلاثة المدرجين في قائمة مجلس الأمن، لكن الأمر كان مختلفاً مع صالح، حيث كان حظر السفر مزعجاً، في حين أن تجميد الأصول غير ميزان القوى في اليمن.

لم يمتلك صالح أبداً 32 – 60 مليار دولار من الأصول التي قدرها فريق الخبراء المعني باليمن لعامي 2014 – 2015، لكنه كان لديه الملايين في العقارات الأجنبية وفي العديد من الشركات التي كان يسيطر عليها، غالباً من خلال أقارب موثوق بهم. لقد استخدم صالح هذه الأصول والمال للحفاظ على شبكته من المؤيدين حتى بعد استقالته من الرئاسة، وقبل فترة وجيزة من دخول العقوبات حيز التنفيذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، كان صالح قادراً على تحويل بعض الأصول والأموال إلى أحد أبنائه، خالد، ولكن تم تجميد أجزاء كبيرة من موارده المالية وكان من الصعب الوصول إلى البقية.

في البداية لم يؤثر ذلك عليه، حيث كان لا يزال يملك أموال متداولة في صنعاء وبين عدد من أتباعه المخلصين. لكن مع مرور الوقت، بدأ تجميد الأصول يؤثر سلباً، فقد بُنيت شبكة صالح على نظام المكافآت، الذي كان من المستحيل الحفاظ عليه دون المال. وبحلول يوليو/ حزيران 2016، حتى أثناء توقيع صالح اتفاقاً مع الحوثيين لتشكيل المجلس السياسي الأعلى، استمرت شبكته في التقلص، وبعد أكثر من عام، في ديسمبر/ كانون الأول 2017 عندما انفصل صالح عن الحوثيين، اختفى كل شيء، فاستنجد صالح بالحلفاء القدامى والأصدقاء البعيدين للمساعدة في حرب الشوارع الدامية في صنعاء، لكن القليل منهم استجاب، وفي النهاية، تمت إحاطة صالح بقوات تفوقه عدداً، وقبض عليه وأعدم من قبل الحوثيين.

بطبيعة الحال، لم تكن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة هي السبب الوحيد لخسارة صالح معركته مع الحوثيين. فبعد أكثر من ثلاثة عقود في السلطة، ونحو ست سنوات خارجها، اغتر صالح بمكتسباته وبدا غير مدرك لبعض المخاطر التي كان يأخذها في كل مرة يتحدث فيها على هاتف محمول غير آمن. لقد فشل أيضاً في التخطيط بشكل مناسب لانتفاضة ضد الحوثيين، وكان من الممكن تجنب هذه الأخطاء بالمال، لكن بدونه لم يكن لدى صالح أي فرصة، فقد كان لعقوبات الأمم المتحدة تأثير غير متكافئ في اليمن: ما نجح بالكاد في إبطاء الحوثيين شل صالح، وفي ظل غياب صالح، لا يوجد الآن ثقل يواجه الحوثيين في صنعاء.

طريق للمضي قدماً

إذن، إذا كان المبعوث الخاص الجديد وفرض المزيد من العقوبات على الحوثيين لم يحدث فرقاً في اليمن، فما الذي قد يحدث فارقا؟

أولاً، يحتاج مجلس الأمن – المنقسم علي حاله – إلى تحديد أهدافه في اليمن. رغم غياب إمكانية اتفاق أعضاء المجلس الخمسة عشر على خريطة طريق لمستقبل اليمن بعد الحرب، بالإمكان أن يتفقوا على ضرورة توقف الحرب؛ ثانياً، يجب على مجلس الأمن أن يحدد آلية لتحقيق هدف إنهاء الحرب، فالقرارات الأممية شديدة اللهجة التي تعبر عن القلق، وتدعو إلى وقف إطلاق النار، وتتحسر على أعداد الضحايا المدنيين، تقع على آذان صماء على مدى السنوات الخمس الماضية، وسوف تستمر في ذلك على مدى السنوات الخمس المقبلة ما لم يتغير شيء في نهج مجلس الأمن تجاه اليمن.

يحتاج مجلس الأمن إلى إدراك الواقع على الأرض، ذلك أن الحوثيين، شئنا أم أبينا، هم جزء من اليمن ولا يمكن ببساطة محوهم من الوجود. في الوقت نفسه، وصل الحوثيون إلى السلطة من خلال انقلاب ولا يمكن الاعتراف بهم وسط غياب انتخابات حرة ونزيهة حقاً. بمعنى آخر، سيتعين على كل من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والحوثيين تقديم تنازلات، وهو ما لم يكن أي من الطرفين على استعداد للقيام به خلال هذه الحرب.

هذا هو الموقع الذي يتمركز فيه مجلس الأمن لإحداث تغيير وسط غياب القيادة الدولية بشأن اليمن، وبدلاً من القرارات أحادية الجانب مثل القرار 2216 أو آخرها القرار 2451، الذي حاول توثيق المكاسب شبه الوهمية في اتفاق استكهولم، ينبغي على مجلس الأمن صياغة مشروع قرار جديد يقنن ثلاثة أشياء: ضبط مرحلي للأسلحة؛ ورفع العقوبات مع إبقائها على الطاولة ككرت؛ ومقايضة ميناء الحديدة بمطار صنعاء.

ضبط مرحلي للأسلحة

في حرب مثل الحرب في اليمن التي لا يثق فيها أي طرف بالآخر، فإن نزع السلاح أحادي الجانب ليس بداية نحو الحل. لن يلقي الحوثيون صواريخهم وأسلحتهم الثقيلة خشية ألا يتمكنوا من الوصول إليها مرة أخرى، ولكن ما يمكن أن ينجح هو فترة مرحلية من السيطرة على الأسلحة. وبموجب هذا الإطار، سيضمن المبعوث الخاص تعهداً من كل جانب، بحيث يوافق التحالف العسكري بقيادة السعودية على وقف جميع الضربات الجوية لمدة شهر واحد، ويوافق الحوثيون على وقف جميع الضربات الصاروخية عبر الحدود والحصار على تعز في ذات الفترة، ومن ضمن هذا الاتفاق، سيكون على الحوثيين أيضاً وضع صواريخهم وأسلحتهم الثقيلة تحت القفل والمفتاح، ويمكن أن يتمركز مراقبو الأمم المتحدة، الذين كانوا في الأصل جزءاً من بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة، بالقرب من مستودعات الأسلحة هذه لضمان عدم وجود غارات جوية للتحالف بقيادة السعودية، وبذات الوقت، يحتفظ الحوثيون بمفتاح الوصول إلى مستودع الأسلحة، ما يطمئنهم أنهم في حال شعروا مجدداً بتهديد الضربات الجوية من التحالف، بإمكانهم استرجاع أسلحتهم بسهولة.

الفكرة هي أن كل جانب لا يتخلى عن شيء فحسب، بل يحصل أيضاً على شيء في المقابل. يتخلى السعوديون عن غاراتهم الجوية، التي لها فائدة محدودة بعد أربع سنوات، ويكسبون أمن حدودهم من الصواريخ الباليستية، ويتخلى الحوثيون عن قدرتهم على ضرب السعودية، والتي نادراً ما تؤدي إلى وقوع خسائر، ويكسبون في المقابل توقف الغارات الجوية السعودية.

رفع العقوبات

بمجرد أن يبدأ الحوثيون بوضع صواريخهم الباليستية وأسلحتهم الثقيلة تحت القفل والمفتاح، ينبغي على لجنة العقوبات التابعة للقرار 2140 التحرك لإزالة جميع العقوبات عن اليمنيين الخمسة المدرجين حالياً. بادئ ذي بدء، علي عبد الله صالح مات ولا حاجة إلى أن يكون على القائمة، وابنه أحمد، رهن الإقامة الجبرية في الإمارات العربية المتحدة ولم يعد يشكل تهديداً على السلام والأمن والاستقرار في اليمن.

بالنسبة للحوثيين، كما ذكرنا أعلاه، فإن العقوبات بصيغتها الحالية لا تؤثر على عبدالملك الحوثي أو نوابه الرئيسيين، وينبغي إزالتها كمكافأة للمشاركة في عملية ضبط الأسلحة المرحلي.

إذا توقف الحوثيون عن الامتثال، فسيكون مجلس الأمن في وضع يسمح له بإعادة فرض العقوبات. لكن هذه المرة، ينبغي لمجلس الأمن أن يتخذ مقاربة مدروسة بشكل أكبر، ابتداء من تركيز العقوبات على شخصيات الحوثيين الذين يسافرون بشكل متكرر إلى أماكن مثل لبنان وعُمان وإيران والاتحاد الأوروبي كوسيلة للضغط على الجماعة. سيحتاج مجلس الأمن إلى ممارسة بعض الصبر الاستراتيجي، فبعد سنوات من الأثر المحدود، سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يدرك عبد الملك الحوثي أن عقوبات الأمم المتحدة يمكن استخدامها ضده بفعالية.

مقايضة ميناء بميناء

أخيراً، بالتزامن مع الفترة الانتقالية للسيطرة على الأسلحة، يجب على المبعوث الخاص التفاوض على مقايضة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، بحيث يوافق الحوثيون على الانسحاب الكامل من الحديدة وفي المقابل يوافق التحالف على إعادة فتح مطار صنعاء الدولي. كما هو الحال في عملية ضبط الأسلحة المرحلي، فإن كل جانب سوف يتخلى عن شيء ما ولكنه سيحصل أيضاً على شيء آخر في المقابل.

سيضطر الحوثيون أخيراً إلى الانسحاب الكامل من الحديدة، وهو الأمر الذي كانوا يترددون في القيام به، حتى في أعقاب اتفاق ستوكهولم، الذي طلب بشكل أساسي من الحوثيين الانسحاب من أجل تجنب الضربات. من شأن عملية المقايضة بين الميناء والمطار أن تغير بنية المكاسب، ما يوفر للحوثيين انتصاراً محلياً، فمن شأن إعادة فتح مطار صنعاء أن يخطو خطوة واسعة نحو تخفيف الأزمة الإنسانية الكارثية في اليمن حيث يمكن أن يتم استقبال المساعدات مباشرة، بالإضافة إلى نقل المرضى الذين لا يستطيعون الوصول الى مطارات في عدن أو حضرموت للعلاج الطبي.

يمكن أن يقتنع التحالف العسكري الذي تقوده السعودية بالسماح بإعادة فتح مطار صنعاء الدولي كوسيلة لاستعادة سمعة التحالف الدولية في أعقاب العديد من الهجمات الفاشلة، ومقتل جمال خاشقجي الذي أشعل فتيل إطلاق قرار الكونجرس ضد مشاركة القوات الأمريكية في حرب اليمن، ومن شأن انسحاب الحوثيين من الحديدة أن يخفف من المخاوف الأمنية السعودية بشأن تهريب الصواريخ الباليستية الحوثية إلى اليمن عبر ذلك الميناء.

بالطبع، لا تكفي أي من هذه الخطوات الثلاث لإعادة السلام إلى اليمن مرة أخرى، لكن إذا تم اتخاذها سوية، سيُقطع شوط طويل نحو إنهاء الحرب. إنها خطوات صغيرة ولكنها قابلة للتنفيذ. وفي نهاية المطاف، وكما يقال، الدبلوماسية هي فن جعل الممكن حقيقة.


د. غريغوري جونسون هو زميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. قبل انضمامه إلى مركز صنعاء، عمل الدكتور جونسون في فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن في الأمم المتحدة في اليمن من 2016 إلى 2018.


تعبر الآراء الواردة في هذه الورقة عن وجهة نظر المؤلف فقط، ولا تعبر، بأي شكل من الأشكال، عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.

مشاركة