لا بد لفهم اليمن من إدراك العلاقة المعقدة بين الحوثيين كجماعة سياسية، والقبيلة التي هي مكون أساسي في البنية الاجتماعية للبلاد.
هذه محاولة لقراءة التعقيدات التي تحكم علاقة الحوثيين بالقبيلة من جهة، وما تتميز به من جهة ثانية كجماعة دينية ذات توجه شيعي قديم/جديد.
الحوثيون جماعة دينية تشبه سواها من الجماعات الدينية المسلحة، كالقاعدة وداعش، إلا أنها تتميز عنهما بكونها تمتلك هوية ذات طابع اجتماعي محلي راسخ، يجعل منها عنصراً وجزءاً من المكان والزمان المخصوصين. وهي استطاعت في رحلة صعودها أن تدمج فيها المكون القبلي، وأن تصبح بنحو ما هي نفسها قبيلة. وهذا مرتكز يكتسب أهمية بالغة في بنية الجماعة ومنظومتها الخاصة، وسلوكياتها، واستراتيجيتها العامة في إخضاع القبائل لها، والاستفادة منها في تعزيز وجودها، ورفد جبهاتها بالمقاتلين.
تنظيم داعش مثلاً عابر للجنسيات، بينما المنتمون لجماعة الحوثيين ومناصريها هم من أبناء المجتمع اليمني، وغالبيتهم العظمى من أبناء قبائل شمال الشمال تحديداً، وهو المركز التاريخي الاجتماعي للقبيلة في اليمن، والمخزن البشري للمقاتلين بالنسبة للجماعة، وقبلها للأئمة الزيديين حتى حروب تثبيت ثورة 1962. غير أن الجماعة عبارة عن تكتل من فئة الهاشميين، التي ينتمي إليها عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة الحالي وشقيق مؤسسها، وكذلك غالبية المنتمين إليها الذين يشكلون بنيتها الأساسية ورأس هرمها القيادي وكتلتها.
القبيلة في اليمن
القبيلة في اليمن كانت دوماً البديل الأول للدولة، ودائماً ما كان لها دورها المؤثر في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث تمثل نظاماً موازياً للدولة ومؤسساتها. تتموضع القبيلة “بوصفها وحدة اجتماعية تكتسب شرعيتها من مجموعة من القواعد التقليدية التي تشكل عقداً اجتماعياً بين أفرادها، وكذلك بينها وبين مشايخها وسائر القبائل. وينظم هذا العقد الاجتماعي، أو العرف القبلي الشؤون العامة، ويحمي المصالح المشتركة، ويقدم الحماية والدعم الاقتصادي لأفراد القبيلة”[1]. وتتمتع الخارطة القبلية في اليمن بالمرونة إلى حد ما، إذ تتغير التحالفات فيما بينها، “فالبنية القبلية لم تتحدد فقط على أساس القرابة، بل أيضاً على أسس سياسية واقتصادية. والقبيلة اليمنية في ظل غياب الدولة، كانت تضطلع بجميع الوظائف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يمكن للدولة أن تقوم بها، لذلك كانت القبيلة اليمنية تنظيماً حربياً، يضمن أمن أفرادها وحماية ممتلكاتهم الفردية والجماعية. وكانت أيضاً تنظيماً ينظم استخدامهم للموارد الطبيعية، إذ تقوم بتسوية الخلافات، وتنظم العلاقات فيما بينهم”[2]. وعلى هذه الأسس فقد “نظمت العلاقات الاجتماعية في المجتمع القبلي وفقاً لعدد من قواعد الدمج والاستبعاد، فقد كانت المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشؤون العامة للقبيلة مقصورة على رجال القبيلة، ولا يشارك فيها أبناء الخمس، ولا السادة”[3]، باعتبارهم ليسوا من رجال القبيلة بل قوة محايدة سلالية لا تحمل السلاح.
وعلى الرغم من اعتبار القبيلة خزان الأئمة، يغرفون منه المقاتلين تاريخياً، إلا أن القبائل مرنة ومواقفها متحركة، وهي مثلاً تخلت في وقت ما عن الإمام، ولعبت دوراً محورياً في ثورة 1962 وفي الانتصار للنظام الجمهوري.
كما لعبت القبلية دوراً هاماً في الحروب الشطرية بين الشمال والجنوب، وحروب المناطق الوسطى/الجبهة قبل الوحدة، وصولاً إلى حرب 1994 بعد توحيد الشطرين، وكذلك لعبت دوراً مهماً في الانتخابات النيابية والرئاسية التي اتكأ فيها نظام صالح على القوى القبلية واستعان بها في تقوية نفوذه. كما تتوزع القبائل على القوى السياسية والتحالفات المختلفة. فهناك قبائل كانت موالية لصالح وأخرى موالية لحزب الإصلاح.. أو موالية للحوثيين، وهي في ذلك تتأثر بالعوامل السياسية والاقتصادية، كما تتأثر بتوجهات قادتها أو مشايخها ومراكز القوى فيها. وكمثال، انحازت “بكيل” للحوثيين لخصومتها التاريخية مع “حاشد” ( قبيلة الشيخ الأحمر وصالح). وفي مأرب حيث المحافظ محسوب على الإخوان المسلمين فإن أقوى وأكبر قبائلها، “عبيدة”، تناصر “حزب الإصلاح” (أي الإخوان).
ويلاحظ أن دور القبيلة السياسي انخفض مع ثورة 2011، حين تخلى القبليون عن أسلحتهم وتعصبهم القبلي، وانضموا لساحات التغيير كمدنيين. وسوف تفضي التحولات السياسية إلى عقد “مؤتمر الحوار الوطني” الذي همّش دور القبيلة على نحو ما، في حين تقلّص دور القبيلة السياسي بشكل غير مسبوق مع استيلاء الحوثيين على الدولة ومؤسساتها منذ العام 2014، إذ تلقت القبيلة ورموزها السياسية وقواها التقليدية أكبر صفعة في تاريخ اليمن المعاصر، ونعني بذلك الإطاحة بالقوى السياسية القبلية التقليدية على يد الحوثيين.
ومن الواضح أن هذا لا يعني تفكيك المنظومة القبلية العميقة، كما لا يعني القضاء على المفاهيم والسلوكيات ومنظومة الأعراف القبلية. فهذه توفر نظاماً اجتماعياً خارج النظام الرسمي، وتتصرف القبائل بوصفها “ثاني أفضل البدائل عن دولة غائبة وضعيفة. والناس يرضون بالقبيلة لأنها توفر نموذجاً مبسطاً عن حكم القانون، عن طريق تسوية النزاعات وتنظيمها”[4].
جماعة الحوثيين والقبيلة
اتخذت جماعة الحوثيين أو “أنصار الله” كما يصفون أنفسهم، من صعدة شمال اليمن مركزاً رئيسياً لها. وعلى الرغم من عدم وجود تأريخ دقيق لظروف نشأة الجماعة تنظيمياً، فقد مرت بعدة مراحل تمهيدية، إذ تأسست عام 1992، وقامت بتوظيف الشعور بالتهميش والتمييز ضد الزيديين من السلطة اليمنية التي – للمفارقة – كان يرأسها رجل من المذهب الزيدي نفسه الذي ينتمي إليه قادة الجماعة وأعضاؤها. وتستلهم الجماعة وجودها الفكري والديني من تراث هذا المذهب، مثلما تقيم وجودها السياسي على أساس الدعوة إلى إحياء الإمامة/ الولاية في اليمن. والحوثيون يرون جواز أن يكون رئيس/حاكم الدولة بمهامه الدنيوية/السياسية ليس هاشمياً، لكن الإمام يجب أن يكون هاشمياً حسب معتقدهم الديني، وهو من يحق له التوجيه الديني والسياسي للدولة، أي أن سلطاته أعلى من الحاكم السياسي. فجميع أعمالهم مستمدة من تاريخ الأئمة الرسيين[5] الهاشميين الذين حكموا اليمن فترات متقطعة خلال ألف سنة، وانتهت بنهاية حكم أئمة الدولة المتوكلية في اليمن إبان ثورة 1962.
بداية أطلقت الجماعة على نفسها اسم “منتدى الشباب المؤمن” الذي يوحي بتنظيم ثقافي مدني، ثم انتقلت إلى مرحلة أعلى بتغيير “منتدى” إلى “تنظيم” (“تنظيم الشباب المؤمن”)، وهو توصيف أوسع له دلالة حركية وسياسية. وفي مرحلة لاحقة أطلقت الجماعة على نفسها تسمية جديدة لا تعترف بأنها حزب سياسي، ولا تحتكم لقانون تنظيم عمل الأحزاب والتنظيمات السياسية، حيث أصبحت تعرف بــ “أنصار الله”، بعد أن تعاملت بدون مسمى رسمي خلال تمردها على الحكومة اليمنية، وخوضها معها عدداً من الحروب ابتداءً من سنة 2004 حتى 2010، قبل أن تخوض طوراً جديداً من الحروب العسكرية والسياسية. وقد تحولت من جماعة متمردة إلى جماعة شريكة في “مؤتمر الحوار الوطني” في أول اعتراف بها من الدولة والأحزاب اليمنية الأخرى. لكن ذلك سينتهي بمعارك 2014 وتحديداً في 21 أيلول/سبتمبر من العام نفسه، عندما سيطرت الجماعة على العاصمة صنعاء، وعلى مؤسسات الدولة، وأحكمت قبضتها على خارطة واسعة من البلاد قبل أن يتدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، ليقلص نفوذ سيطرة الجماعة ويحصره في مناطق شمال الشمال.
ومنذ بداية الجماعة ككيان ديني/ثقافي في ما عرف بمنتدى “الشباب المؤمن”، ثم تحولها إلى قوة مسلحة في صعدة، لجأت إلى العديد من الأساليب والاستراتيجيات التي قوت شوكتها. كان من بين هذه الأساليب إحياء المذهب الزيدي والدعوات المناطقية، مطعمة ذلك بتقاليد وطقوس شيعية، قوبلت باعتراض حتى من قبل بعض أتباع المذهب الزيدي نفسه باعتبارها دخيلة عليه، ومستخدمة الميليشيات المنظمة في فرض سيطرتها وإخضاع الناس لها. كما اعتمدت الجماعة على الثقافة القبلية والانتماء القبلي سواء في تصرفاتها أو سلوكياتها، أو في دعم جبهاتها بالمقاتلين. وقد استطاعت من خلال ذلك أن تجد لها مكانة في المجتمع الذي جاءت منه، وتستفيد فيه من أعلى طاقات القبيلة، وتتجنب كل القوى المناهضة لها، وتوظفها في صالحها، عاملة على تفكيك القبيلة، والسيطرة عليها .
الهاشميون
يشكل الهاشميون، ويطلق عليهم “السادة” أيضاً، الأغلبية الساحقة في المستويات القيادية لجماعة الحوثيين، بل أنهم ينفردون بالقرار على مستوى الجماعة، مع هامش غير مرئي لشركائهم في السلطة من خارج هيكل الجماعة التنظيمي. والهاشميون (السادة) طبقة خاصة من طبقات المجتمع اليمني الذي ينقسم إلى كل من “السادة، القضاة، القبائل، أبناء الخمس”، وهم ينتمون إلى السلالات الهاشمية التي قدمت إلى اليمن، وقد ظلت طبقة خاصة مميزة داخل المجتمع القبلي اليمني. فعلى الرغم من أنهم، ضمنياً، جزءٌ من القبيلة، إلا أنهم لم يكونوا من بنيتها الجوهرية المدْمجة بشكل عام. فقد اعتبروا أنفسهم الطبقة الأعلى في السلم الاجتماعي. ولهذا، وبسبب احتفاظهم بما يعتبرونه ميزة في النسب/السلالة، وحرصهم على عدم التزاوج مع أبناء القبائل، لم يندمجوا تماماً في البنية القبلية، وظلوا يحتفظون بمكانة خاصة لهم في القبيلة. ساعدهم على ذلك تعامل اليمنيين معهم بعاطفة دينية، حيث تحول بعضهم خلال فترة قصيرة إلى حكام ورموز إكراماً من اليمنيين لنسبهم المتصل بالنبي محمد، فأصبحوا بذلك يتمتعون بميزة الحاكم بما توفره من امتيازات دنيوية ودينية، وتحولوا إلى أئمة، أي حكام يجمعون في أيديهم السلطة الدينية والسياسية. ولأن كل قبيلة كانت تمنح من عاش منهم على أراضيها امتيازاً خاصاً للاعتبارات السابقة، فقد أدت هذه المسألة إلى تفرقهم في الكثير من مناطق القبائل، دون أن يكونوا جزءاً عضوياً منها.
هذا ما يتضح من خلال قانون الهجر[6] مثلاً. فالهاشميون، مثلهم مثل أبناء الخمس، فئة مهجّرة، فهم وفقاً للعرف القبلي الذي يحدد أدوار أفراد القبيلة، بما فيها القتالية ليسوا جزءاً من القبيلة التي تحافظ على بنيتها قدر الإمكان، كما هم لا ينصرفون ليكونوا خارجها. فالهاشميون مهجرون لدى القبائل، أي من ضمن الفئات التي لا تمتلك الحل والعقد على المستوى الاجتماعي، وفي الوقت نفسه هي محمية بقوانين القبيلة (الهجرة). وقد ساعد ذلك، إلى جانب العديد من العوامل، على بقاء هذه الطبقة مميزة أو خارج الإطار القبلي المدْمج. ولهذا فإن صعود الحوثيين كجماعة عزز من إعلاء الهاشميين وسيطرتهم على القبيلة، لكنه لم ينسف البنية القبلية نسفاً نهائياً. ونحن نرى من خلال ذلك أن الحوثيين (كهاشميين) ما زالوا خارج منظومة القبيلة، فهم لم يَحلّوا مشايخ بدلاً عن المشايخ مثلاً، إلا فيما ندر[7]، لكنهم عملياً عُيّنوا مشرفين من الجماعة، سلطتهم تتجاوز سلطة هؤلاء المشايخ، فجمعوا بين الحفاظ على مشاعر القبيلة وشيخها ظاهرياً، وسلبهم القرار في الواقع.
الحوثيون كقبيلة
ومع ذلك، فقد ظل الهاشميون جماعة مختلفة عن المجتمع اليمني. فعلى الرغم من أنهم يتوزعون على هيئة مجموعات متفرقة في مختلف المناطق القبلية، وحتى المدن الرئيسية، إلا أنهم ظلوا يتساندون معنوياً فيما بينهم. لكن هذا التكاتف والالتحام لم يكن ليظهر في أقوى تجلياته إلا مع صعود جماعة الحوثيين في صعدة، حيث جمعت حولها الهاشميين الذين صاروا يشكلون بنية الجماعة وزعماءها وقادتها المهمين، ويستندون في كثير من أدبيات الجماعة ومعتقداتها الدينية على الحق الإلهي الذي تراه، وتعتقد أنه يجعل الحكم حقاً حصرياً لـ “آل البيت” وتطمح لاستعادته. ويرتكز هذا المعتقد على طابع العصبية بمفهومها الخلدوني، إنما مدعوماً بفكرة القداسة الإلهية العرقية التي سادت في المجتمعات الوثنية قديماً، وبقيت ترسباتها في الإسلام في ظاهرة الهاشمية.
ويمكننا القول إجمالاً، ومن خلال ممارسات جماعة الحوثيين وطبيعة صراعاتها وطابعها العام واستراتيجياتها الخاصة وتكوينها، إن هذه الجماعة، ومن ضمن ما تعنيه في بنيتها المركبة والمعقدة، تمثل قبيلة على نحو ما. أي أنها إلى جانب كونها جماعة وطائفة وميليشيا مسلحة، فهي قبيلة بكل ما تعنيه القبيلة من الناحية السلالية والعصبوية، على الرغم من عدم تمتعها بمجال جغرافي محدد كحال القبائل. إن واحدة من أهم الاستراتيجيات التي قامت عليها جماعة الحوثي،هي الاستناد إلى المرتكز الهاشمي، ثم عملت على توحيد المنتمين إلى هذا النسب، والموزعين على مناطق متفرقة من اليمن، وجمعهم في إطار تنظيمي واحد ومتماسك إلى أقصى الحدود.
من المعروف أن القبائل اليمنية زراعية، وهذا منذ آلاف السنين وبحكم الاقتصاد المجتمعي السائد في اليمن، أي الزراعة. وهي ترتكز في جوهرها على التحالفات الاجتماعية والروابط الاقتصادية الجغرافية. بينما، بالمقابل، تمثل جماعة الحوثي قبيلة عرْقية ترتكز على النزعة السلالية، والأيديولوجيا العقائدية. وقد شكل هذا عاملاً حاسماً في بنيتها الأساسية، وهو ما جعلها – وقد أصبحت مسلحة، ولديها خبرة ستة حروب خاضتها ضد الدولة في صعدة – تتموضع في موقع أقوى القبائل اليمنية لتواصل حربها المستمرة اليوم بمعطيات مختلفة كحصاد لثمار الحروب الستة السابقة، بما وفرته المتغيرات التي تشهدها البلاد من دوافع وفرص إضافية.
وساعد في تقوية شوكة الجماعة، تفكير دنيوي خبير بطبيعة المجتمع القبلي في اليمن. فاستطاعت أن تتحاشى مواجهة هذه القبائل أو بعضها، أو حتى إحداها. فقد حرصت الجماعة، في صراعها مع القبائل وبالقبائل، على خطاب ذرائعي، تفكيكي – إن صح التعبير- مستفيدةً من النزاعات البينية، لتستفرد بكل قبيلة أو قوة قبلية أو أجنحة قبلية[8]، كل على حدة، عاملة بكل ما لديها على تحاشي توحد خصومها ضدها. ومنذ بداياتها الأولى عملت الجماعة على إخضاع قبائل صعدة، معقلها الرئيسي، لهيمنتها، لتمضي قدماً في ذلك عاملةً على إخضاع بقية القبائل لها في طريقها إلى صنعاء.
كانت المواجهة الأكثر حسماً في هذا الجانب هي معركتها ضد عائلة الأحمر، المشايخ التقليدين لقبيلة حاشد، والذين كانوا يمثلون، مثلما تمثل قبيلة حاشد التي ينتمون إليها ويتزعمونها، قمة هرم القبائل اليمنية نفوذاً وقوة. وقد انتهت المواجهات بينهم وبين الحوثيين إلى سيطرة الأخيرين على قبيلة حاشد، ومن ثم محافظة عمران، وصولاً إلى منازل آل الأحمر في صنعاء ومصالحهم التجارية، وهو الأمر الذي جعل من جماعة الحوثي تتموضع، داخل الخارطة القبلية كأكبر قبيلة يمنية، وأقواها وأكثرها نفوذاً وقوة. وقد تعزز ذلك لكون مشايخ آل الأحمر كانوا يمثلون – إلى جانب كونهم القوة القبلية الأقوى في اليمن – الواجهة القبلية لنظام حكم صالح. ومنذ ذلك الحين والجماعة تتصرف وفقاً لمكانتها الجديدة، كالقبيلة الأقوى، إلى جانب تعاملها من خلال مؤسسات الدولة التي سيطرت عليها.
منذ ما قبل سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء في 2014، وحتى ما بعد ذلك، خاضت العديد من المعارك مع قبائل وقوى قبلية موالية لأحزاب سياسية مثل “التجمع اليمني للإصلاح” أو قوى قبلية مستقلة في كل من الجوف والرضمة بإب، وآنس، وعتمة بذمار، ومؤخراً قبيلة حجور بحجة.
ومن الملاحظ أن معظم هذه الصدامات والصراعات انتهت بعقد اتفاقيات سلام، أو بانتصار الحوثيين وتشريد أو قتل معارضيهم وتفجير منازلهم. وهي نتيجة طبيعية من الناحية الاستراتيجية. فعلى الرغم من أن القبائل اليمنية قبائل مقاتلة بالفطرة وينتشر السلاح بين أفرادها، إلا أنها انكسرت أمام جماعة الحوثي لأسباب كثيرة من بينها التنظيم والاحترافية والهوية الحربية لدى الجماعة، بينما وبالمقابل تميل القبيلة اليمنية إلى السلام. فالمنظومة القبلية في اليمن نظام اجتماعي يسعى في جوهره للاستقرار والحفاظ على تماسك الجماعة. ولهذا فإن العنف لدى القبيلة مقنن أو مشروط.
ونحن نرى أنه، وعلى الرغم من حالات التمرد والمواجهة التي خاضتها القبائل ضد جماعة الحوثيين، فقد أذعن الكثير منها، وحرص على السلام معها، محافظة على الحد الأدنى من مصالحها. إن أهم ما يمكن ملاحظته هو أن القبيلة اليمنية التي ظلت لأزمنة قوة لا يستهان به، لم يحدث لها انكسار مثلما حدث لها أمام جماعة الحوثيين، وإن لم يقضِ ذلك على القبلية كثقافة بطبيعة الحال، بل كرّسها.
جماعة الحوثي تختلف إذاً عن القبيلة اليمنية من حيث أنها ذات سمة سلالية. فإذا كانت القبيلة اليمنية في جوهرها قبيلة تحالفات، أي تربط بين أفرادها روابط جغرافية واقتصادية، باعتبار القبائل اليمنية زراعية بدرجة أساسية، فإن ما يميز جماعة الحوثيين هو كون “الهاشمية” هي العمود الفقري لها، وتمثل الوشيجة الأقوى في هوية الجماعة، أضف إلى ذلك البناء الهرمي المتماسك الذي تتميز به.
ومع ذلك فإن جماعة الحوثيين، وبحكم السياق والتراكم، تنتمي ثقافياً، بالمفهوم الأنثربولوجي الاجتماعي للثقافة، إلى القبيلة اليمنية في شمال الشمال، سواءً من حيث التكوين أو العرف أو الطابع الثقافي بشكل عام. يتضح هذا من خلال سلوكيات الجماعة التي حرصت على التمسك بها، بل وإبرازها وتوظيفها بدقة. فهي في الكثير من مواقفها مع القبائل تستخدم منظومة العرف القبلي وأحكامه وسلوكياته مثل الهجر والتحكيم والنكف.. إلخ، بل يتجاوز ذلك إلى استخدام فنون القبيلة وأدبياتها مثل “البرع” (رقصة الحرب) و”الزامل” (فن شعري شعبي ينشد جماعياً) والزي الشعبي القبلي، وغيرها من الفنون التي جعلت منها الجماعة جزءاً من هويتها.
ويعتمد الحوثيون في كثير من حل القضايا القبلية على العرف القبلي، مثل قضايا التحكيم[9]، إذ يلجأون إلى القوانين العرفية في التعامل مع القبائل. وهو سلوك كان نظام صالح يتبعه على نحو ما، وإن بشكل غير رسمي، بينما يتمثل لدى جماعة الحوثيين بشكل جلي وواضح، بل إنه يعد أحد عناصر أو تجليات نسفها للمؤسسة الرسمية. ومن خصائص هذا السلوك أنه يمنح الجماعة ميزة إرضاء القبيلة دون تحميل الجماعة مسؤولية الخطأ المراد تصحيحه، بل تحميله لأفرادٍ منها تقاوم باسمهم أو نيابة عنهم بمعالجة الخطأ دون تحمل مسؤوليته رسمياً. وهكذا فحين اعتدى بعض قادة الحوثيين أو حلفائهم على شيخ ما أو على أحد من قبيلة ما أو قتلوه، يلجأون في حل القضية إلى التحكيم القبلي، ويحمِّلون الجرم / الخطأ الذي ارتكبه مثلاً قائدهم أو حليفهم لأفراد و”كخطأ فردي”.
ويُلاحظ أن الجماعة، وضمن استراتيجية فرض نفسها ووجودها، وأيضاً سيطرتها على القبائل، قد استخدمت بعض الآليات القبلية، في عقد الاتفاقيات بينها وبين خصومها. أضف إلى ذلك أن عدداً من وسائل السيطرة على القبائل تتسم بالطابع القبلي، أو بفهم الجماعة للنزاعات القبلية. فقبل سيطرة الجماعة بقوة السلاح على الدولة، وإخضاعها للقبائل، بدأت بإرسال الوسطاء من المنتمين إليها للعمل على حل خلافات القبائل التي كانت قائمة منذ زمن طويل وعجز النظام القضائي عن حلها، كما حدث في آنس وحاشد، حين قام مندوبون من الجماعة، في 2014 وما قبلها، بحل قضايا ثأر عالقة ومعمرة لسنوات، وهي طريقة اتبعها الحوثيون لتحسين صورتهم لدى أبناء القبائل، وخلق قبول مجتمعي بهم. وتلك الطريقة نفسها استخدمتها القاعدة في أبين وشبوة وحضرموت، حيث أنها من حيث الدلالة ترمز إلى القدرة على تحقيق ما فشلت الدولة في تحقيقه، وبالتالي إمكانية القيام بدورها بشكل أفضل، وفي الوقت نفسه فهي تربط دور الصراعات القبلية بالحشد للجماعة دون تعارضات تفرضها الخصومة. وهذا الأمر يتم بشكل مدروس، فلو وجدت خصومات وثارات قبلية يمكن توظيفها فإنه يتم تعزيزها وليس حلها، كما حدث مع قبائل حجور.
ولم تلبث جماعة الحوثيين بعد اتساع نفوذها، وانكسار القبائل أمامها أن قامت بتنصيب مراكز قوى خاصة بها، أي عمدت إلى تنصيب مشايخ قبائل موالين لها. وبتعبير آخر حرصت على إعادة هيكلة القبيلة، وإزاحة القوى القبلية القديمة التي كانت موالية لنظام صالح أو مقربةً من حزب التجمع اليمني للإصلاح، لتخلق لنفسها قوى قبلية موازية تحل محل القوى القبلية القديمة. فبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2014، وبعد كسر شوكة آل الأحمر في حاشد الذين كانوا يمثلون المشايخ التقليديين لأقوى القبائل اليمنية تلك. عمل الحوثيون على عقد مؤتمر قبلي كبير من الموالين لهم في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2014، في ما سمي بـ “مؤتمر عقلاء وحكماء اليمن”. وقد ترأسه أحد المشايخ الذين ينتمون إلى منطقة حيدان، معقل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وهو “الشيخ ضيف الله رسام” الذي عُدّ ترأسه للمؤتمر بمثابة تنصيب له كشيخ لمشايخ اليمن، وهو المنصب الذي كان يشغله أو يمثله الشيخ صادق الأحمر ومن قبله لعقود والده عبد الله بن حسين الأحمر، أي مشايخ حاشد من آل الأحمر.
وكانت جماعة الحوثيين قد وقّعت الكثير من الاتفاقيات والوثائق مع القبائل في بدايات صعودها وتحركاتها المسلحة، استفادت منها في تَجنُّبِ أي عنف متوقع من هذه القبائل، والعمل على الاعتراف بها كطرف. كما استفادت منها في تحييد القبائل عن مواجهتها، ما مكّنها من الاستفراد بخصومها من القبيلة نفسها أو من قبائل أخرى حليفة. وشهد العامان 2014 و2015 توقيع العديد من الاتفاقيات بين الحوثيين وعدد من القبائل، مثل قبائل حاشد بعمران وقبيلة عبيدة بمأرب. إلا أن أبرز هذه الاتفاقيات أو الوثائق هو ما سمي بـ “وثيقة الشرف القبلي” التي وقعتها الجماعة مع قبائل طوق صنعاء عند بداية تدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية عسكرياً في اليمن (2015). ومن الملاحظ أنها عادت لإحياء بنود هذه الاتفاقية، في العاشر من آذار/ مارس 2019 بعد معارك حجور، وخوف الجماعة من أي تمرد قبلي آخر. ومثل هذا التوجه يمكن توصيفه بأنه إحياء لقيم أو قوانين عرفية لتسخيرها في صالح الجماعة. فقد ركزت الوثيقة على سلب من يقف ضد الجماعة حقوقه القبلية والاجتماعية، وذلك حتى تبرر أعمالها الانتقامية ضده بمعزل عن قبيلته وما توفره له من حماية كفرد فيها.
استكمال السيطرة على القبيلة
منذ الحروب الأولى لجماعة الحوثيين التي أخضعت فيها قبائل صعدة، وأجبرتها على القتال إلى جانبها أو الحياد وعدم مناهضتها، تُركت القبيلة اليمنية وحيدةً في مواجهة جماعة الحوثي المنظمة والمرتبة والمدربة والاحترافية، ما جعلها – أي القبائل – تلجأ إلى خياراتها الخاصة، أو ردة فعلها الطبيعية في كل مرة تغيب فيها الدولة. إذ تسعى القبيلة – وهذا جزء من فكرها كمنظومة اجتماعية – إلى المحافظة على النظام الاجتماعي وشؤون الحياة ولو في أدنى مستوياتها. وهذا يعني أن القبيلة، وبطبيعتها، تنطلق في معظم تصرفاتها من رغبة وجودية تسعى فيها عادةً إلى حماية نفسها وأفرادها والحفاظ على تماسكها في مواجهة أي مخاطر قد تهدد ذلك. وهي الأرضية التي تؤسس لتعاملها مع كل آخر بما في ذلك الدولة، كما أنها القاعدة التي تحكم سلوك القبيلة تجاه جماعة الحوثي، وتؤطر علاقتهما معاً.
ويستغل الحوثيون هذه النقطة تحديداً. ففي كل معركة دارت بينهم وبين القبائل صاروا ذلك الصوت الذي يتحدث عن الحفاظ على “أمن القبيلة” وتجنيبها الدم والحرب، وهو المنطق الذي يحكم تصرفات العديد من القبائل، كما هو أساس العديد من الاتفاقات الضمنية والمعلنة بين الحوثيين والقبائل. وهو يجعل العديد من أبناء القبائل يقاتلون بعضهم بعضاً، لا في مناطقهم القبلية بل خارجها، مثل تعز ومأرب وغيرها. وعلى سبيل المثال اتفقت قبائل بني قيس، بمديرية الرضمة بمحافظة إب، مع الحوثيين بعد سيطرتهم على المديرية على التعايش بين الطرفين، أي الهاشميين “الحوثيين” من أبناء المنطقة، وبقية أبناء القبائل في إطار المديرية وقراها. وقد نص الاتفاق على أن من أراد أن يحمل السلاح ضد الآخر فليتجه خارج المنطقة، أي إلى جبهات القتال الأخرى. وهو ما حصل فعلاً. ففي جبهات كل من نهم والضالع ومأرب يقاتل أبناء القبائل المناهضين للحوثيين جنباً إلى جنب مع القوات الشرعية، أو هم انضموا إليها، بل ينتمي أبناء القبائل إلى تشكيلات المقاومة في هذه المناطق وغيرها، وهم الذين لم يستطيعوا مواجهة الحوثيين في مناطقهم.
وتحضر هذه السمة لدى بعض الموالين للحوثيين أيضاً، أو للدقة لدى الهاشميين من أبناء القبائل الذين انضموا لجماعة الحوثي. فالكثير من الهاشميين ما زالوا ينطلقون من منطلقات قبلية تجاه أبناء القبائل في مناطقهم، ويتحاشون مواجهتهم أو استفزازهم. على سبيل المثال هناك قرى كاملة من الهاشميين (مثل الوشل وعمد في مديرية عنس بمحافظة ذمار) تتجنب أي مواجهة أو صراع مع القرى والقبائل المجاورة لها، تحسباً لأي تغير في موازين القوى يوماً، ما يجعلها وأبناءها – وهم أقلية بطبيعة الحال – فريسة لانتقام القبائل. وهكذا يتجه هؤلاء للقتال خارج مناطقهم في جبهات مثل تعز ومأرب وغيرها. ولا ينطبق هذا على كافة الهاشميين، فالعديد من المواجهات القبلية التي حدثت بين الحوثيين وقبائل مناهضة لهم كان جذرها يعود إلى خلافات بين هاشميي المنطقة والقبائل المناهضة للحوثيين. وفي الواقع فإن جزءاً من هذا غذته قيادات جماعة الحوثي، لمنح صراعاتها مع القبائل طابعاً محلياً، وتغذية الخلافات بين القبيلة والهاشميين، أو بتعبير آخر وَضْع هاشميي المناطق الأخرى (من خارج صعدة) والذين أبدوا ممانعة أو تحفظاً تجاه جماعة الحوثي، أمام خيار وحيد لا ثالث له، وهو الانضمام إلى الجماعة والقتال تحت لوائها كخيار اضطراري ووجودي، أو الوقوع فريسة (كما يصورون لهم) للانتقام القبلي.
وقد بنت جماعة الحوثيين بشكل واضح وجلي وجودها في المناطق القبلية على أرضية النزاعات والخلافات بين القوى القبلية، عاملة على تفكيكها، وتنصيب أكثر الأطراف ولاءً لها، أي للجماعة. ولهذا استعان بها بعض مشايخ القبائل أو القوى القبلية في توطيد مكانتهم أو استعادتها، مثلما فعل “ماجد الذهب” في رداع، الذي أعاده الحوثيون إلى منطقته بعد أن كان قد طرد منها على يد أعمامه الذين كانوا قد استقوَوا بالقاعدة للتغلب على ابن شقيقهم، في ظل خلافات بينية معروفة داخل أسرة آل الذهب حول الحق في المشيخة والإرث في منطقة قيفة برداع. وفي غير هذه الحالات، فقد عمل الحوثيون على استمالة بعض القبائل الأخرى، من خلال سياسة مشابهة لسياسة نظام صالح، تتمثل في منح المراكز القبلية ومشايخ القبائل الموالين لهم مناصب حكومية رفيعة في مناطقهم أو خارجها. فعيّن الحوثيون الشيخ القبلي محمد حسين المقدشي محافظاً لمحافظة ذمار، كما عينوا الشيخ القبلي عبد الواحد صلاح محافظاً لمحافظة إب، والشيخ القبلي فارس الحباري محافظاً لمحافظة ريمة، بينما عينوا العديد من المشايخ، أو أبنائهم، في مناصب أخرى كوكلاء محافظين ومدراء مكاتب، أو غير ذلك.
وفي كل الأحوال، تبقى هذه المناصب شكلية بشكل عام، ذلك أنه، ومنذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، فهي جعلت من سلطة المشايخ، كما من سلطة المؤسسات، تقبع في أدنى مستوياتها وأضعف حالاتها. فبعد أن استولت الجماعة على الدولة، ظلت تحكم الدولة من خارجها، أي أن الجماعة تحافظ على بنيتها الحركية كجماعة، وليس على بينتها (غير المؤسسية) كسلطة، وتدير الدولة من خلالها. ويتجلى هذا في ما يسمى بمنصب المشرف. فقد عين الحوثيون مشرفين على الوزرات والمناطق والمديريات، في إطار سلسلة هرمية مستمدة من الطابع الحركي للجماعة. ومنصب المشرف مستحدَث من قبل الجماعة، تُعيِّن فيه شخصيات من بين الأكثر ولاءً لها، ويقوم فيه هذا الشخص بالإشراف على مختلف البنى الاجتماعية والمؤسسية والحركية على مستوى المنطقة أو المؤسسة. وشخصية المشرف تمزج بين صلاحيات الشيخ القبلي والمسؤول الحكومي، وتتعداها إلى أبعد من ذلك. فالمشرف هو الرجل الأول في أي مؤسسة أو وزارة أو محافظة، وكذلك الرجل الأول في القبيلة، بحيث صار دور المشايخ القبليين يقتصر على المساهمة في التجييش والتحشيد لصالح الحوثيين وخلق القبول العام بالجماعة.
ويستخدم الحوثيون مشايخ القبائل للمساعدة في الزج بأبناء القبائل في جبهات القتال. ويضطر المشايخ إلى إثبات ولائهم للجماعة من خلال إرسال أبنائهم أو أقاربهم للقتال في صفوفها – وهو أمر لا خيار لهم فيه- وقد استخدم الحوثيون كل السبل من أجل إخضاع القبيلة، وتوظيف قوتها البشرية وسلاحها للقتال، بينما ما زالت تستخدم مع القبيلة الأساليب ذاتها التي كانت تستخدمها دولة الأئمة في اليمن، بما في ذلك الرهائن والخطف، ومصادرة الأملاك.
ينشر “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية” هذا النص بالتزامن مع “السفير العربي“.
- الحوكمة القبلية والاستقرار في اليمن، ندوى الدوسري – أوراق كارينغي – مؤسسة كارينغي للسلام الدولي، الشرق الأوسط، نيسان/ أبريل 2012 ص 5
- القصر والديوان، الدور السياسي للقبيلة في اليمن، مجموعة باحثين، إصدار المرصد اليمني لحقوق الإنسان، ومعهد دراسات التنمية الدولية- كندا، أكتوبر 2009، ص 15
- المصدر السابق، ص 22
- السابق، ص 4
- نسبة للإمام الهادي يحيى بن الحسين القاسم الرسي، الذي قدم إلى اليمن في القرن التاسع الميلادي، وأسس أول دولة ذات طابع ديني مذهبي، بعد تحوير في الفكر الزيدي جعل أتباعه يسمون بالزيدية الهادوية، تمييزاً عن الزيدية الأصلية كمذهب ديني.
- ويقصد به: مكان أو شخص أو أشخاص تعترف لهم القبائل بحقوق عدم الاعتداء والتعرض لأي سوء، ويعتبرون في حماية الجميع. والتعرض لهم بمكروه يعرض مرتكبه لأحكام ثقيلة وكبيرة ويعتبر عيباً ممقوتاً عواقبه وخيمة على فاعله. ويشترط على الهجرة ألا يستخدم السلاح أو يحمله وأن يستغني عنه بحماية قبائل المنطقة. والهجرة من الأرض أماكن تحددها القبائل وتعلن عنها وعادةً ما تكون هذه المناطق إما ساحات عامة أو أسواق، أو أماكن مقدسة، أو مدن رمزية (مثل صنعاء)، أو مدن العلم (هجر العلم ومعاقله في اليمن)، وإقرار توصيفها ب”هجرة” في العرف القبلي يعني ألا تُغزى ولا تتعرض لمعرة جيش أو قوم، وألا يسفك فيها دم أخذاً لثأر. وأما الهجرة من الناس، فمثل رجال الدين والفقهاء والسادة ممن لهم صفة دينية، أو صفة قبليّة بحيث يعدون مرجعياتٍ عرفية قبلية، أو غير قادرين على حمل السلاح، ووصفهم بالهجرة يعني ألا يحملوا السلاح، ولا يُحمل السلاح ضدهم، ولا يشتركون في حرب، ولا يتعرضون لاعتداء: أنظر، عبد الناصر المودع، العرف الحربي القبلي، دراسة وصفية/ تحليلية، برنامج دعم الحوار الوطني في اليمن، 2013، ص 30. ندوى الدوسري، الحوكمة القبلية والاستقرار في اليمن، مرجع سابق، ص 8، 9، 11. وكذلك مطهر علي الإرياني، المعجم اليمني، مرجع سابق، ص 934، 935.
- نصب الحوثيون مشايخ هاشميين من قبيلة عنس مثلاً. فالشيخ محمد مطهر الوشلي، وهو نجل أحد قضاة وإقطاعيي منطقة زبيد بعنس ذمار في عهد المملكة المتوكلية، لم يكن له أي حضور قبلي في منطقته حتى علا نجم جماعة الحوثي، فأعادت تنصيبه كشيخ لمشايخ زُبيد عنس. ومع ذلك فإن هذه الألقاب فضفاضة لا تطال البنية القبلية العميقة، ولا يمكنها أن تتعداها إلى العقد القبلي المتفق عليه.. إذ ما زال للمشايخ التقليديين مكانتهم الاعتبارية، وإن كانت قد صارت شكلية في عهد الحوثيين.
- استفادوا من خصوم آل الأحمر، مثل الشيخ الوروري من عذر ويحيى الغولي من الغولة وجميل جميل من ظليمة، والأخير كان بيت الأحمر قد قتلوا أباه وعمه.
- على سبيل المثال، تحكيم أبو علي الحاكم لقبائل عمران في مقتل الشيخ السكني على يد حوثيين، في نيسان/ إبريل 2019، والشيخ مجاهد قشيرة في تموز/يوليو 2019.