إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

خبراء الأمم المتحدة يفصلون الانتهاكات في اليمن ومجلس الأمن يتجاهلها

Read this in English

سارع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إدانة جماعة الحوثيين المسلحة منذ بداية النزاع في اليمن عام 2015. وبدا هذا منطقياً في البداية على الأقل، فالحوثيون هم جماعة غير دولتية استولت على السلطة عبر إنقلاب مسلح بينما الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي عضو في الأمم المتحدة – “دولة عضو” بالمعنى البيروقراطي. وبالتالي عندما يتعلق الأمر بمجلس الأمن، إدانة الجهات الفاعلة غير الحكومية أسهل من إدانة الدول الأعضاء. يدعو قرار مجلس الأمن رقم 2216 حول اليمن بشكل أساسي الحوثيين إلى الاستسلام ويطلب منهم، من بين أمور أخرى، وقف أعمال العنف والانسحاب من العاصمة صنعاء وتسليم جميع الأسلحة التي استولوا عليها من الجيش اليمني و”التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن”.[1] طبعاً لم ينصاع الحوثيون لطلب مجلس الأمن بالاستسلام بكل بساطة، كما لم تنجح العقوبات في ردعهم. ففي أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015، فرض مجلس الأمن عقوبات على ثلاثة مسؤولين حوثيين، من بينهم زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، وكذلك على الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله الأكبر أحمد وكلاهما كانا متحالفان مع الحوثيين في ذلك الوقت.

ميزة هذا النهج الأحادي هو أنه يضع ثقل المجتمع الدولي ومجلس الأمن على طرف واحد على أمل أن يغير الأخير سلوكه أو يعدله. ولكن لهذا النوع من الاستراتيجيات عيوبها أيضًا، أهمها أنه إذا لم تنجح فور تبنيها، فهي على الأرجح لن تنجح مطلقاً. ويعتبر هذا الوصف الأمثل للوضع الذي يجد مجلس الأمن نفسه فيه الآن، إذ لم تضعف الحرب التي تدخل عامها السادس الحوثيين بل جعلتهم أقوى، فهم اليوم أقل تأثراً بالتهديدات الدبلوماسية والعقوبات من ذي قبل. لم ينجح التحالف بقيادة السعودية من اقتلاع الحوثيين من صنعاء على الرغم من الحملة العسكرية والغارات الجوية المستمرة منذ عام 2015. أما قرارات وعقوبات مجلس الأمن غير المتوازنة لم تنجح سوى في جعل الحوثيين أقل رغبة في التفاوض بحسن نية، فمن وجهة نظرهم هم المسيطرون على الأرض وهم غير مستعدين للتخلي عما ربحوه في ساحة المعركة على طاولة المفاوضات.

على الرغم من كل هذا، يشبه النهج الذي يتبناه مجلس الأمن عام 2020 النهج الذي تبناه عام 2015 إلى حد كبير، فالشيء الوحيد الذي تغير هو رقم القرار الذي يوافق عليه مجلس الأمن كل عام. الوضع ليس على ما هو عليه لأن مجلس الأمن ليس على دراية بما يحدث إذ أن فريق الخبراء المعني باليمن يقدم مرتين كل عام وفي تقرير سري وعلني معلومات مفصلة عن النزاع في اليمن وتطبيق العقوبات وحظر الأسلحة. (يتوجب على الإفصاح للكاتب هنا أني عملت لمدة عامين في هذه اللجنة من أبريل/نيسان 2016 إلى مارس/آذار 2018. اثنان من زملائي السابقين لا يزالان ضمن الفريق، كما عرفت عضوًا ثالثًا في لجنة هذا العام).

سُلم التقرير النهائي لفريق الخبراء لهذا العام إلى مجلس الأمن في يناير/كانون الثاني ونُشر في شهر فبراير/شباط.[2] وينقسم التقرير إلى ثلاثة أجزاء. أولاً هناك الموجز التنفيذي الذي يتكون من صفحة ونصف الصفحة، وهو الجزء الوحيد من التقرير الذي يتوقع الفريق أن يقرأه الدبلوماسيون المشغولون عادة؛ وبالتالي يجب أن يتطرق لجميع النقاط المهمة. يلي الموجز التنفيذي الجزء الرئيسي من التقرير حيث يتقيد الفريق عند كتابته بعدد محدد من الكلمات إذ أنه يُترجم إلى جميع لغات الأمم المتحدة الرسمية الست، لذا لا يمكن للفريق الكتابة إلا بقدر ما يسمح به المترجمون. تكون هذا الجزء في السنوات السابقة من حوالي 58 صفحة أو حوالي 25,000 كلمة، أما هذا العام فلقد انخفض عدد الصفحات إلى 47، ويعود هذا على الأرجح إلى أسباب تتعلق بالميزانية. أما الجزء الأخير فهو المرفقات، وهو الجزء الذي يظهر فيه الفريق عمله. ويتوقع الفريق أن تُلقى نظرة فاحصة على هذا القسم وإعادة فحصه من قبل خبراء حكوميين من موسكو وبكين إلى لندن وواشنطن. هذه المرفقات لا تترجم، وبالتالي لا يتقيد الفريق بعدد محدود من الكلمات. هذا العام الحق الفريق بتقريره 35 ملحقاً بلغ مجموع صفحاتها 157 صفحة.

العقوبات والأفراد المذكورون

هناك فن لصياغة هذه التقارير، أفضلها هو تلك التي تنساب كأن لها صوت واحد يروي تطورات سنة معينة، وبالمثل هناك فن لقراءتها. وبشكل عام يلقي الفريق في تقريره الضوء على القضايا الهامة والأفراد ذوي الصلة. وبما أن الفريق مسؤول أيضاً عن مراقبة تنفيذ العقوبات في اليمن، فيمكنه أيضاً أن يسلط الضوء على الأفراد الممكن إدراجهم حسب المعايير المعتمدة – عدد هؤلاء الأفراد كبير للغاية في اليمن. أي شخص متورط في أو يدعم الأعمال التي “تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن” قد يُدرج على لائحة العقوبات.[3] وبالطبع فإن انطباق المعايير المعتمدة لتحديد الجهات الخاضعة للجزاءات وفرض العقوبات على هذه الجهات شيئان مختلفان.

لم يعاقب مجلس الأمن سوى خمسة أشخاص مرتبطين بالحرب في اليمن، وهم ثلاثة من جماعة الحوثيين والرئيس الراحل علي عبدالله صالح ونجله الأكبر أحمد – ولم يفرض على أي شخص آخر أي عقوبات منذ أوائل عام 2015. كما أنه لم يعاقب أي شخص مرتبط بحكومة اليمن المعترف بها دولياً أو التحالف بقيادة السعودية على الرغم من الانتهاكات الواضحة المرتكبة من قبل العديد من الأفراد في تلك الجهة أيضاً. وفي نهاية المطاف بالطبع يعود الأمر لمجلس الأمن وليس لفريق الخبراء لتحديد من يخضع للعقوبات. باستطاعة الفريق أن يقدم أدلة وتفصيل بيانات القضية ولكن مجلس الأمن هو من يبت بها ويصوت عليها.

في عامي 2014 و2015 عندما بدأت الحرب في اليمن، كان وضع مجلس الأمن مختلفاً كثيرًا عما هو عليه اليوم. ففي ذلك الوقت كان دور روسيا، التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن والتي تعترض تقليدياً على فرض عقوبات، في حالة تراجع في منطقة الشرق الأوسط، ولم تكن موسكو قد تدخلت بعد في سوريا لتغير مجرى الحرب الأهلية وتنقذ نظام بشار الأسد من هزيمة شبه مؤكدة. كما وافقت الصين، التي أيضاً غالباً ما تعترض على تبني العقوبات، على العقوبات المقترحة بخصوص اليمن عامي 2014 و2015. ولكن كلاهما لم يبديا هذا القدر من التوافق منذ ذلك الحين إذ تزعم روسيا – التي استخدمت نجاحاتها العسكرية في سوريا كمدخل لتعود إلى المنطقة – إن برنامج العقوبات المفروض على اليمن لم ينجح. وفي الواقع، موسكو محقة ولكن ليس لأن نظام العقوبات ليس ناجعاً بل لأن في حالة اليمن تحديداً، استهدف برنامج العقوبات اللاعبين الأساسيين، عبدالملك الحوثي وعلي عبدالله صالح، في بداية النزاع. لم تؤخذ الاجراءت بشكل تدريجي وتصاعدي بطريقة تضيق الخناق على صناع القرار، مثل عبد الملك الحوثي وصالح، لحثهم على تعديل ممارساتهم تحت الضغط. بل حدث العكس تماماً وفرضت العقوبات بشكل فوري تقريبًا. وبمجرد أن اتخذ مجلس الأمن تلك الخطوة، لم يعد لديه أي أوراق ليلعبها في اليمن. أما فرض عقوبات على أتباع عبدالملك الحوثي أو صالح فهو لم يكن ليحقق الكثير على مستوى تغيير حسابات الأخيرين. وعلى أي حال لم يفرض مجلس الأمن أي عقوبات جديدة على الأفراد المرتبطين بالنزاع في اليمن منذ أبريل/نيسان 2015.

من المفترض ألا يؤثر أي من هذا على عمل الفريق فالأخير مكلف بتقديم تقرير عن العقوبات وتحديد الأفراد الذين ينطبق عليهم معايير الخضوع لهذه الجزاءات. وهذا العام استخدم الفريق مساحة ثمينة في الملخص التنفيذي – ما يشير لأهميته الكبيرة – لذكر ثلاثة شخصيات تنطبق عليهم هذه المعايير، أحدها من المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات واثنين من جماعة الحوثيين. فلقد اتهم الفريق في الفقرة الثانية من الملخص التنفيذي هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بأنه “بدأ نزاعاً عندما استخدم القوة لإزالة ما لحكومة اليمن من سلطة ضئيلة في عدن”.[4] كما أشارت اللجنة إلى أنها كشفت “شبكة حوثية تشارك في قمع النساء…بطرق منها إستخدام العنف الجنسي” ويرأس هذه الشبكة سلطان زابن، مسؤول قسم التحقيق الجنائي في صنعاء.[5] الشخص الثاني المذكور من جماعة الحوثيين في الملخص التنفيذي هو اللواء صالح مسفر الشاعر الذي تصرف نيابة عن “عبدالملك الحوثي” في تحويل الأموال التي صودرت من معارضين للحوثيين.[6] هذه الممارسات تجعل الشاعر معرضاً للعقوبات.

وفي الجزء الثاني من التقرير، ذكر الفريق شخص ثالث تنطبق عليه معايير تحديد الجهات الخاضعة للجزاءات، وهو مطلق عامر المراني، المعروف باسم أبو عماد، الذي يعد موضع إهتمام الفريق لمشاركته في “عمليات عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية”.[7] ليس من المستغرب أن الفريق أكثر قوة وحسماً عندما لا يذكر أسماء. فمثلاً وجه تحذيرًا عامًا للحوثيين في تقريره حين ذكر أن “القمع الوحشي للمعارضة القبلية والمعارضة السياسية… قد تنطبق عليهم معايير تحديد الجهات الخاضعة للجزاءات”.[8]

ولكن الفريق أكثر حذراً عندما يتناول في تقريره ممارسات الدول الأعضاء في مجلس الأمن. فعلى سبيل المثال، ذكر التقرير الغارات الجوية التي شنتها الإمارات على القوات الحكومية اليمنية في أواخر أغسطس/آب 2019 مرتين فقط، ولم يلمح أبداً إلى أن مثل هذه الأعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن. وطبعاً تتواجد الإمارات في اليمن فقط بدعوة خطية صريحة من الرئيس هادي الذي قامت الامارات نفسها بقصف قواته في أغسطس/آب لمنعها “من دخول عدن”.[9] كما قال الفريق أن الغارات التي شنتها الإمارات “خلقت ميزة عسكرية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي وقت لاحق استعاد المجلس السيطرة على أبين”.[10] وطبقاً لبرنامج العقوبات المستهدفة لليمن، يمكن معاقبة الأفراد ولا يمكن معاقبة الدول الأعضاء والجماعات، أي أنه يمكن فرض عقوبات على عبدالملك الحوثي ولكن لا يمكن فرض عقوبات على جماعة الحوثيين. ومن غير المرجح أن يتمكن الفريق من الكشف عن اسم الضابط الإماراتي الذي أمر بتنفيذ الضربة الجوية التي استهدفت القوات الحكومية اليمنية. وفي الحقيقة يذكر الفريق في حواشي التقرير أنه لم يتلقى أي رد من الحكومة اليمنية والإمارات على رسائله التي طلب فيها معلومات إضافية.

كما لم يذكر فريق الخبراء عادل عبده فارع عثمان الذبحاني، والمكنى بأبو العباس، زعيم جماعة أبي العباس الذي تفرض عليه الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات عقوبات.[11] إلا أن الفريق ذكر الجماعة وقال إنها مستمرة في تلقي “الدعم من الإمارات” على الرغم من أن زعيمها يخضع لعقوبات أمريكية وإماراتية.[12]

حقائق مزعجة

لعل النتيجة الرئيسية المستخلصة من التقرير والمؤشر الأكثر مدعاة للقلق بشأن مستقبل الصراع، هو تقييم الفريق لأداء هادي “ومستوى سيطرته الضعيف أصلاً” الذي تقلص بشدة عام 2019 بسبب النزاعات المتداخلة في البلاد.[13]

يقول الفريق في تقريره: “وعلى النقيض…واصل الحوثيون توطيد سيطرتهم والحفاظ على اقتصادهم وإظهار قوة عسكرية موحدة”.[14] بالتالي فإن أي محادثات سلام تعقد في المستقبل ستكون بين رئيس ضعيف ومحاصر يقاتل من أجل بقائه سياسياً وجماعة متمردة تسيطر على عاصمة البلاد ويبدو أنها تزداد قوة على الرغم من الصراع العسكري المستمر. وعلى غرار السنوات السابقة، لم يُسمح لفريق الخبراء بالدخول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.[15] (غالبا ما تشير وسائل الإعلام التابعة للحوثيين إلى فريق الخبراء “كلجنة العقوبات” في إشارة إلى العقوبات المفروضة على أفراد من جماعة الحوثيين). وذكر الفريق أيضًا أن دائرة الأمم المتحدة لخدمات النقل الجوي للمساعدة الإنسانية لم تسمح للفريق بإستخدام طائراتها منذ حزيران/يونيو 2019.[16]

ولكن الفريق شكك في مزاعم الحوثيين بالوقوف وراء هجومين. وقال في التقرير:”حقق الفريق في الهجوم البارز الذي شن في 14 سبتمبر/أيلول 2019 على منشأتين تابعتين لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص”، واستنتج الفريق أنه “من غير المحتمل أن تكون قوات الحوثيين مسؤولة عن الهجوم إذ أن المدى المقدر لمنظومات الأسلحة المستخدمة لا يسمح بعملية إطلاق من أراضي خاضعة لسيطرة الحوثيين”،[17] ويطابق هذا الاستنتاج ما قالته الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً عن أن الهجوم على بقيق مصدره إيران وليس اليمن.[18] كما شكك الفريق في ادعاء الحوثيين أنهم كانوا وراء الهجوم الذي شُن في 1 أغسطس/آب على قاعدة عسكرية في عدن وأسفر عن مقتل منير المشالي، المعروف بأبو اليمامة. هذا الهجوم هو ما أشعل شرارة الاشتباكات في عدن في وقت لاحق من ذلك الشهر بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية لهادي وذكر الفريق أنه لم يتمكن من العثور على مؤشرات لأي من الأسلحة التي ادعى الحوثيون استخدامها في الهجوم.[19] كل هذا يجعلنا نطرح سؤالًا بسيطًا ولكن أساسي: لماذا كذب الحوثيون بشأن أمر يمكن دحضه بسهولة؟

بالنسبة لهجوم بقيق، الجواب – إن كان استنتاج فريق الخبراء صحيحاً – واضحاً: لمساعدة إيران. أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم وأعطوا طهران المساحة لإنكار مسؤوليتها. ورقة توت كهذه أحياناً كافية في الشؤون الدولية حتى لو كانت ورقة شفافة. أما بالنسبة للهجوم الذي شُن في الأول من أغسطس/آب، فالأمر أكثر تعقيداً. وإذا كان استنتاج فريق الخبراء صحيحاً بأن الحوثيين ليسوا من شن الضربة التي قتلت أبو اليمامة فالسؤال الواضح هو: من قام بذلك؟ جميع الأجوبة المحتملة مقلقة.

كما يوضح الفريق بشكل مقنع بأن إيران ما زالت مستمرة بتزويد الحوثيين بالأسلحة، ما يشكل انتهاكاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وبحسب التقرير، فحص الفريق أسلحة ضبطت في اليمن بينها قاذفات قنابل صاروخية (آر بي جي-7) ونظارات تسديد مرتبطة بها، تقول إيران إنها وُزعت على الوحدات العسكرية الإيرانية.[20] كما كشف الفريق “خط دعم مالي محتمل للحوثيين من جمهورية إيران الاسلامية”.[21] إقترب الفريق في جميع أجزاء التقرير، بما فيها الملخص التنفيذي، من القول بطريقة لا لبس فيها إن إيران تمد الحوثيين بالأسلحة. ولكن تبنى الفريق نهجاً أكثر أمانا على المستوى الدبلوماسي وأشاروا في التقرير إلى أن الحوثيين يتلقون الأسلحة التالية من خارج البلاد؛ “بنادق هجومية وقاذفات قنابل صاروخية (آر بي جي) وقذائف موجهة مضادة للدبابات ومنظومات قذائف انسيابية أكثر تطوراً”.[22] وتابع الفريق بدون أي تردد. وأضاف “وبعض تلك الأسلحة لها خواص تقنية مماثلة لأسلحة مصنوعة من إيران”.[23] وكانت استنتاجات الفريق مشابهة، ولكن أقل حدة، لاستنتاجات الولايات المتحدة الأمريكية التي زعمت بشكل متكرر أن إيران تهرب أسلحة إلى الحوثيين.[24]

بالإضافة إلى الأسلحة الإيرانية، يذكر الفريق أن الحوثيين يصنعون أيضاً بعض الطائرات بدون طيار قصيرة المدى وأسلحة بدائية ويستخدمون الأجزاء المتاحة تجاريًا لإدماجها في الطائرات المسيرة وغيرها من منظومات السلاح.[25] ووفقاً للفريق “تقوم جهات تصنيع تجارية في البلدان الصناعية بتصدير المكونات المدنية عن طريق شبكة من الوسطاء إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين”.[26] وأضاف التقرير “وبالنظر إلى أن المكونات في حد ذاتها لا تصنف ضمن الأسلحة أو المواد ذات الاستخدام المزدوج، عادة ما لا تعلم جهات التصنيع ولا سلطات الجمارك أنها تستخدم في منظومات أسلحة الحوثيين”.[27]

أما بالنسبة إلى الحكومة اليمنية، ذكر الفريق ببساطة ما يعتبر سراً علنياً منذ فترة طويلة؛ الجماعات المسلحة مثل قوات الحزام الأمني ​​وقوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة الشبوانية والقوات المشتركة للساحل الغربي لا تعمل تحت سيطرة الحكومة اليمنية. وأشار الفريق إلى أن هذه الأطراف “كجماعات مسلحة غير تابعة للدولة”.[28] وبمعنى أدق، العديد من هذه المجموعات هي قوات إماراتية بالوكالة تسمح للإمارات بالحفاظ على درجة كبيرة من النفوذ في اليمن حتى عندما تنسحب قواتها من القتال.[29] كما يخلق هذا الأمر بيئة عمليات فوضوية تؤدي في كثير من الأحيان إلى انتشار الجماعات المسلحة القادرة على فرض شكلها الخاص من الحكم في غياب دولة فاعلة.[30] ولا يعتبر أي من هذا علامة جيدة لمستقبل مسالم ليمن موحد.

خصص القسم الأخير من تقرير الفريق لمسألة المساعدات الإنسانية، ولا سيما عرقلة وصول المساعدات والتلاعب بها، والتي كانت أساس “لعبة الدفع نحو الهاوية” بين الولايات المتحدة الأمريكية والحوثيين في الأشهر الأخيرة. الوضع ببساطة كالتالي؛ تريد الولايات المتحدة إيصال المساعدات التي يعد اليمنيون بحاجة ماسة إليها لتقليل وتخفيف ما تصفه الأمم المتحدة غالباً “بأسوأ أزمة إنسانية في العالم”، ولكن الحوثيين أصبحوا قادرين بشكل متزايد على التلاعب بهذه المعونات وإعادة توجيه جهود الإغاثة لتعزيز قبضتهم على السلطة في المرتفعات الشمالية اليمنية. أما المدنيون الذين يعتمدون على المساعدات ويعيشون تحت سيطرة الحوثيين، وجدوا أنفسهم وسط هذا الصراع على المعونات. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلن الحوثيون إنشاء هيئة جديدة للإشراف على إدارة وتوزيع المساعدات الإنسانية وهي المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي.[31] كما أعلن الحوثيون أن الهيئة الجديدة سيتم تمويلها بخصم 2% من ميزانية كل منظمة إنسانية.[32] ردت الولايات المتحدة بالتهديد بقطع المساعدات – خطوة يتردد المانحون الآخرون في أخذها خشية أن تكلف أرواح المدنيين وتزيد من تفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلاً.[33]

قرار أممي آخر وعام آخر من الحرب

بعد فترة قصيرة من تقديم الفريق لتقريره، عقد مجلس الأمن اجتماعاً لاتخاذ قرار جديد بشأن اليمن (يجب تجديد برنامج العقوبات في شهر فبراير/شباط من كل عام). وغالباً ما حاولت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خلال السنوات الأخيرة حث المجلس على تبني لهجة تدين نقل إيران للأسلحة إلى الحوثيين ولكن قوبلت هذه المحاولات بمعارضة روسيا والصين. وبالتالي التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو) حقق مراده ولم يتضمن القرار النهائي للمجلس رقم 2511 أي إشارة إلى الروابط بين الحوثيين وإيران.[34] كما لم يتضمن القرار أي عقوبات جديدة، حيث رفضت كل من روسيا والصين دعمها. وبالتالي، كان القرار إلى حد كبير وثيقة تم التوصل إليها عبر تسوية وتضمنت بعض اللمسات الجديدة ولكن بدون أي تغييرات أساسية. لم يكن القرار رقم 2511 سوى تمديد فني – أي فقط تغيير التواريخ والحفاظ على نفس اللهجة – كما تفضل روسيا والصين، اللتان امتنعتا عن التصويت، ولكنه لم يحتوي أيضاً على اللهجة التي تفضلها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.[35] بدلاً من ذلك، حدد القرار إمكانية الإعفاء من العقوبات “كل حالة على حدة” وطلب من الفريق تقديم معلومات عن المكونات المتاحة تجارياً والتي يتم استخدامها في منظومات السلاح.

هذا العمل كالمعتاد بالنسبة لمجلس الأمن، تجديد القرار دون أي أمل حقيقي في التغيير. وبعد خمس سنوات من صدور القرار رقم 2216، يعتبر نهج الأمم المتحدة تجاه اليمن غير فعال أكثر من أي وقت مضى مع تزايد الانقسام داخل المجلس وافتقاره إلى نقاط قوة تساعده على إحداث التأثير المطلوب. برنامج العقوبات ليس فعالاً والحظر المفروض على الأسلحة قد اُنتهك والمبعوث الخاص للأمم المتحدة غير قادر على تحقيق السلام الذي لا يريده المنخرطون في الحرب أنفسهم بالأساس.

يكشف تقرير فريق الخبراء كم أصبح اليمن بلدا مكسر يوجد فيه الكثير من الجماعات المسلحة التي لا تخضع للمساءلة ويعاني من تأثيرات خارجية كبيرة. كما حدد التقرير التحديات التي تواجه اليمن والمجتمع الدولي بشكل جيد. لكن مجلس الأمن لم يتمكن من صياغة رد مناسب. الأمر محبط، بالرغم من أنه مفهوم. لا أحد يريد التعامل مع اليمن، لا الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت لسنوات طرفًا أساسيًا في النزاع ولا تزال تبيع الأسلحة إلى السعودية، ولا روسيا التي تبدو مهتمة بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من اهتمامها بحل النزاع، ولا الصين التي لم تقحم نفسها في هذه القضية منذ بدء القتال. لا توجد دولة ذات نفوذ تريد أن تفعل شيئاً بينما تفتقر الدول التي ترغب في أن تفعل شيئا للنفوذ اللازم دبلوماسياً.

لا تزال الحرب في اليمن مشكلة مجلس الأمن غير القادر على نهج جديد للاتفاق، وبالتالي يستمر بتجديد النهج القديم كل عام على أمل يائس أن ينجح. ومن المرجح أنه في مثل هذا الوقت من العام المقبل، ستضع الأمم المتحدة رقمًا جديدًا على قرار آخر بينما تستعر الحرب في اليمن.


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هو مركز أبحاث مستقل، يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.


المراجع:

[1] قرار مجلس الأمن رقم 2216، الصادر في 14 أبريل/نيسان 2015، https://www.undocs.org/S/RES/2216%20(2015)

[2] داكشيني روانتيكا غوناراتني وأحمد حميش وهنري تومسون وماري-لويز توغاس ووولف-كريستيان بايس، “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن”، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نيويورك، 27 يناير/كانون الثاني 2020، https://undocs.org/s/2020/70

[3] قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140، الصادر في 26 فبراير/شباط 2014، https://undocs.org/en/S/RES/2140(2014)

[4] غوناراتني وآخرون، “فريق الخبراء”، ص. 2.

[5] المرجع نفسه، ص. 2.

[6] المرجع نفسه، ص. 3.

[7] المرجع نفسه، ص. 9.

[8] المرجع نفسه، ص. 12.

[9] المرجع نفسه، ص. 15.

[10] المرجع نفسه، ص. 15.

[11] تسميات مكافحة الإرهاب، وزارة الخزانة الأمريكية، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، https://www.treasury.gov/resource-center/sanctions/OFAC-Enforcement/Pages/20171025.aspx

[12] غوناراتني وآخرون، “فريق الخبراء”، ص. 7؛ وسودارسان راغافان، “الولايات المتحدة تضع أمير حرب يمني على قائمة الإرهاب في حين لا يزال أحد أقرب حلفائها يدعمه”؛ واشنطن بوست، 29 ديسمبر/كانون الأول 2018، https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-us-put-a-yemeni-warlord-on-a-terrorist-list-one-of-its-close-allies-is-still-arming-him/2018/12/28/f3c4fb5b-f366-4570-b27b-75a3ed0f0f52_story.html

[13] غوناراتني وآخرون، “فريق الخبراء”، ص. 6.

[14] المرجع نفسه، ص. 6.

[15] المرجع نفسه، ص. 5.

[16] المرجع نفسه، ص. 5.

[17] المرجع نفسه، ص. 2.

[18] إريك شميت وفرناز فاسيحي وديفيد د. كيركباتريك، “الولايات المتحدة:صور الهجوم على منشأت نفط سعودية تورط إيران؛ وترامب يلمح بالرد العسكري”، نيويورك تايمز، 15 سبتمبر/أيلول 2019، https://www.nytimes.com/2019/09/15/world/middleeast/iran-us-saudi-arabia-attack.html

[19] غوناراتني وآخرون، “فريق الخبراء”، ص. 14.

[20] المرجع نفسه، ص. 25.

[21] المرجع نفسه، ص. 8.

[22] المرجع نفسه، ص. 2.

[23] المرجع نفسه، ص. 2.

[24] جون إسماي وتوماس جيبونز-نيف، “الصواريخ الإيرانية الجديدة تشكل تهديدًا للطائرات الأمريكية في اليمن: البنتاغون” نيويورك تايمز، 19 فبراير/شباط 2020، https://www.nytimes.com/2020/02/19/us/iran-missiles-yemen.html

[25] غوناراتني وآخرون، “فريق الخبراء”، ص. 19، 26-25.

[26] المرجع نفسه، ص. 26.

[27] المرجع نفسه، ص. 26.

[28] المرجع نفسه، ص. 12.

[29] إبراهيم جلال، “ربما انسحبت الإمارات من اليمن لكن نفوذها فيها لا يزال قوياً”، معهد الشرق الأوسط، 25 فبراير/شباط 2020، https://www.mei.edu/publications/uae-may-have-withdrawn-yemen-its-influence-remains-strong

[30] إلينا ديلوجر،”فريق خبراء الأمم المتحدة يسلّط الضوء على قضايا القيادة والسيطرة في اليمن”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بوليسي ووتش 3258، 7 فبراير/شباط 2020، https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/un-panel-highlights-command-and-control-issues-in-yemen

[31] ماجي ميشيل، “المتمردون الحوثيون في اليمن يعرقلون مساعدات الأمم المتحدة، يطالبون بنصيب منها”، وكالة أسوشيتد برس، 19 فبراير/شباط 2020، https://apnews.com/edb2cad767ccbf898c220e54c199b6d9 ، ملاحظة، النسخة الانكليزية من هذه الورقة استخدمت تسمية المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي كما ورد في لجنة الأمم المتحدة.

[32] غوناراتني وآخرون، “فريق الخبراء”، ص. 46.

[33] كولوم لينش وروبي جريمر، “بومبيو سيضغط على الامم المتحدة بشأن المساعدات إلى اليمن”، فورين بوليسي، 2 مارس/آذار 2020، https://foreignpolicy.com/2020/03/02/pompeo-pressure-united-nations-over-aid-yemen-humanitarian-crisis-middle-east-houthi-rebels-conflict/

[34] قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2511 (2020)؛ وإديث ليدرير، “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوافق على قرار بشأن عقوبات اليمن”، وكالة أسوشيتد برس، 25 فبراير/شباط 2020، https://apnews.com/a7bd1fc6e2ec32872628397ccf0e4699

[35] “اليمن: تصويت مجلس الأمن على برنامج العقوبات” What’s In Blue، فبراير/شباط 2020، https://www.whatsinblue.org/2020/02/yemen-council-resolution-to-renew-yemen-sanctions-regime.php

مشاركة