إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

اليمن بعد هادي

Read this in English

عادة ما يكون التنبؤ بعدد الأيام أو السنوات المتبقية لزعيمٍ عربي في السلطة – حتى الذي أصبح في الثمانينيَّات أو التسعينيَّات من العمر – مراهنة خاسرة. ومع ذلك، فإن المسؤولين وأصحاب القرار والفاعلين في الملف اليمني، محليًا وإقليميًا ودوليًا، يسألون بشكل متزايد بهمسات قلقة: “ماذا لو مات الرئيس هادي؟”، صحة الرئيس عبدربه منصور هادي البالغ من العمر 74 عامًا سيئة بالفعل: فلقد سافر إلى كليفلاند كلينك، أحد أفضل المستشفيات في العالم والمتخصص بأمراض القلب والأوعية الدموية في الولايات المتحدة، على متن طائرة خاصة سعودية خمس مرات خلال السنوات الخمس الماضية – وزار اليمن ست مرات فقط خلال هذه الفترة. ومن المعروف أن هادي يكره ممارسة أي نشاط بدني، ولم يقلِع عن عادة مضغ القات إلا مؤخراً بعد أن فرضت السعودية حظرًا للتجول بسبب جائحة فيروس كورونا، ما عرقل حركة مهربي القات.

وصول فيروس كورونا إلى الرياض – فضلاً عن تسببه بنقص القات في المدينة – يمثل تهديدًا جديدًا للرئيس، فعمره وحالته الصحية الكامنة تعني أنه من بين الأشخاص المعرضين لخطر العدوى الشديدة بكوفيد-19. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الوباء تفشى في الدوائر الداخلية للعائلة المالكة في السعودية.

سيشكل رحيل هادي عن الرئاسة نقطة تحوّل رئيسية أخرى في حرب اليمن، إلا أنه من الصعب التكهن بتداعيات ذلك بشكل مؤكد. لاستكشاف السيناريوهات المحتملة وإلقاء نظرة أعمق على ما قد يبدو عليه اليمن والصراع المستمر ما بعد هادي، توجه مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية إلى خمسة خبراء للإضاءة بآرائهم عن التداعيات المحتملة.


الرئيس الزينة الذي أصبح الحامي الأخير للشرعية

غريغوري جونسن

لم يُعرَف عنه سوى أنه أتى ليملأ مكانه مؤقتاً، إنه ذلك النوع من السياسيين الذي تريد منه أن يقوم بدوره حتى يأتي ما هو أفضل. فهو رتيب ويفتقر للكاريزما، وهو قصير وأصلع وبدين. هيئته توحي بأنه موظف من موظفي المناصب الوسطى وليس رئيساً. لقد عُرف بمُسمّى “المركوز” منذ سنوات. إنه قطعة زينة نص عليها الدستور لا يذكره المرء إلا بتواجده في المراسم وبعض الأمور البسيطة الأخرى. لا تراه يتحدث في الاجتماعات، ويُندر أن تراه يعطي رأيه خارج الاجتماعات. لقد صعد هادي إلى رأس الهرم الرئاسي في اليمن بإقناعه اللاعبين الآخرين أنه لا يشكل خطراً.

في عام 1994، حاول الجنوب الانفصال عن الدولة اليمنية ولكن محاولته باءت بالفشل، ومن ثم عيّن علي عبدالله صالح، الرئيس في ذلك الوقت، هادي نائباً له لسبب واحد فقط، كان ما مثّله هادي: شخصية جنوبية ناصرت الشمال خلال الحرب الأهلية. وبعد ما يقارب العقدين، في عام 2012، تنحى صالح عن منصب الرئاسة تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية وحصوله على ضمانات بالحصانة، وبقي هادي في منصب نائب الرئيس الذي لا يملك قاعدة انتخابية. وقع اختيار المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، والأمم المتحدة والسعودية، على هادي ليكون رئيساً لسبب واحد فقط وهو ما يمثّله: الاستمرارية الدستورية. فكان من المفترض أن يكون هادي مجرد رئيس مؤقت، رئيس انتقالي يشغل مقعد الرئاسة خلال العامين المقبلين لا أكثر. بل إن ورقة الاستفتاء الشعبي كانت تحوي فقط اسمه دون وجود خيارٍ للتصويت بـ”لا”. تم تمديد رئاسة هادي في فبراير/ شباط 2014 لعامٍ ثالث دون تصويت هذه المرة، ولكن الحوثيين تمكنوا من السيطرة على صنعاء قبل نهاية العام، وفرضوا على هادي الإقامة الجبرية.

استقال هادي في النهاية، وهرب إلى عدن، ومن ثم تراجع عن استقالته، قبل أن يسافر إلى السعودية، وطلب من الدول المجاورة، في مارس/ آذار 2015، أن تتدخل عسكرياً وتعيده إلى مقعد السلطة. وتبقى مسألة امتلاك هادي للشرعية اللازمة لدعوة قوات أجنبية إلى اليمن من عدمها مسألة جدلية. فقد استقال بالفعل من قبل (بالرغم أن ذلك كان تحت القوة)، كما جاءت هذه الدعوة منه بعد نهاية فترته الرئاسية التي تم تمديدها أصلاً. ولكن المجتمع الدولي وافق على اتخاذ إجراءات، وكأن هادي يمتلك السلطة اللازمة. وهكذا بدأ التحالف الذي تقوده السعودية بشن الغارات في اليمن، وتحولت حكومة هادي من “الحكومة اليمنية الشرعية” إلى “الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً”.

السؤال المطروح الآن هو: ما الذي سيحدث إذا ما استيقظ اليمن ذات يوم على مفاجأة خبر موت هادي، الرجل الذي يبلغ من العمر 74 عاماً، والذي يعاني من أمراض قلبية موثقة؟ نائب هادي، علي محسن الأحمر، هو خيار غير وارد بالمرة. فهو ضابط عسكري سابق في نظام صالح وعلاقاته الكثيرة مع أشخاص مثيرين للجدل لا يمكن التغافل عنها، كما أن غالبية الشعب اليمني يبغضون الأحمر. والحقيقة هي أن هادي قد عيّنه نائباً للرئيس عام 2016 لكي يقوّض محادثات السلام في الكويت.

وفي نفس الوقت، فإن اليمن يعاني اليوم حالة من الانقسام العميق تجعل احتمالية عقد انتخابات حرة ونزيهة ذو معنى، أقرب إلى المستحيل. وبدون هادي، فإن الشرعية الزهيدة التي تحوزها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً سوف تتبدد، وتحديداً بين اليمنيين. ولا يملك اليمن اليوم أي شخصية يمكن القول بأنها في موقع مناسب لتوحيد ولو حتى غالبية فصائل المشهد اليمني المنقسم. وقرارات هادي أصلاً، التي يصدرها بالمجمل من منفاه في السعودية، لا تملك سوى تأثير بسيط على ما يحدث على الأرض في اليمن. فيتم استبدال مسؤولين بآخرين جدد، ولكن لا شيء يتغير على أرض الواقع. أجزاء كبيرة من الجيش اليمني مخلصة له شكلياً بينما تعمل القوات اليمنية الأخرى، التي دربتها وموّلتها الإمارات العربية المتحدة خارج سيطرته، وغالباً ما تشتبك مع القوات الموالية له.

لقد انقسم اليمن فعلياً إلى دويلات صغيرة لا تملك سوى ارتباط بسيط بما يُطلق عليه مجازاً حكومة مركزية. ولن يكون لوفاة هادي سوى أن تسرّع من دوران عجلة انقسام الدولة اليمنية. فبعد هادي، سيأتي الانهيار.

د. غريغوري جونسن هو زميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. قبل إنضمامه إلى مركز صنعاء، عمل د. جونسن عضواَ في فريق خبراء لجنة العقوبات المتعلقة باليمن في مجلس الأمن الدولي خلال الفترة 2016 و2018، وهو مؤلف كتاب “الملاذ الأخير: اليمن والقاعدة والولايات المتحدة”. يغرّد على GregoryDJohnsen@.


هادي رئيس فاشل، ومع عدم وجود بديل، المشكلة تزداد سوءا

ماجد المذحجي

يثير دوماً الوضع الصحي للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أسئلة عن الوضع السياسي اليمني الذي سينجم عن احتمال وفاته. التبعات المختلفة لذلك تتعدى الأبعاد القانونية لوفاة الرئيس، مع العلم أن هناك آلية دستورية ناظمة لهذا الوضع يتولى بموجبها نائب الرئيس علي محسن الأحمر الموقع الأول في البلد مؤقتاً. ولكن هناك -أيضاً- حالة حرب معقدة للغاية ومتداخلة محلياً وإقليمياً ودولياً، وبالتالي لا يمكن الاطمئنان والاعتقاد أن كل شيء سيكون على ما يرام فقط؛ لأن هناك آلية تأخذ مسارها القانوني.

ومن الأرجح أن يُقابل صعود علي محسن الأحمر للرئاسة برفض محلي ودولي. ومن غير المرجّح أن يكون مقبولاً أمريكياً نظراً للعلاقة المشبوهة للجنرال السابق مع الجماعات الإسلامية والمتطرفة -بما فيها القاعدة- خلال فترة خدمته في الجيش. أما جنوباً، فالمجلس الانتقالي الجنوبي ومختلف التكوينات الجنوبية الأخرى -إذا تجاوزنا الشرط غير المعلن منذ عام 2011 الذي يستوجب أن يكون هناك جنوبي لرئاسة اليمن- تكنّ عداءً عميقاً تجاهه، لدوره القيادي مع القوات الشمالية خلال الحرب الأهلية القصيرة الأمد عام 1994 مع الجنوب، ناهيك عن علاقته مع التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الإسلامي والخصم السياسي الأبرز للانتقالي. بالإضافة إلى أن الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى في اليمن -الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري وحزب المؤتمر- لديها تاريخ معقّد مع الأحمر، وعلى الأرجح سترفض صعوده إلى الرئاسة على الرغم من خلافاتها الحالية.

يثير الرفض المرجّح لنائب الرئيس الحالي أسئلة مقلقة حول ما إذا كانت السعودية والولايات المتحدة وحزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي والأحزاب السياسية الأخرى يمكن أن تتفق جميعها على مرشح بالإجماع. لا يتوقع أن تكون هذه العملية سلسة. من أهم المؤهلات التي يجب على الأطراف مراعاتها، هي كيف سيؤثر المرشح على فرص السلام في الحرب الحالية مع الحوثيين. في السيناريو الأمثل، يمكن لرئيس جديد جذّاب أن ينتهز الفرصة لإعادة الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.

وعلى الرغم من المخاطر المرتبطة بعملية التوافق على شخصية بديلة لهادي في لحظة مفاجئة، فلا يبدو أن هناك أي تجهيزات على هذا الصعيد، باستثناء المحادثات الافتراضية عادة بين الدبلوماسيين الدوليين، التي تستكشف وتخمّن أسماء متعددة كبديل لهادي.

الوضع على ما هو عليه لعدة أسباب، فالمرجّح أن يعتبر هادي – الذي يمتلك القدرة على هدم المعبد على رأس الجميع – أي ترتيبات لمن يخلفه لاحقاً جزء من مؤامرة لإزاحته حالياً. وفي الوقت نفسه، ستشهد أي عملية لاختيار بديل عن هادي سعياً لحزب الإصلاح -أقوى حزب سياسي متحالف مع الحكومة المعترف بها دولياً- لفرض مرشح يضمن مركزه المهيمن في المستقبل، ما يجعل خصوم الإصلاح في التحالف المناهض للحوثيين مترددين بالشروع في هذا المسار لاختيار بديل. أما السعودية، التي تخشى مساراً قد لا تتمكن من السيطرة عليه، فهي تفتقر إلى الجرأة والخيال الإستراتيجي لقيادة مبادرة تخطط لبديل هادي، على الرغم من قدرتها على التأثير على مختلف القوى اليمنية. ومن الأهمية، حفاظ التحالف على موقف موحد -بالرغم من الخلافات الداخلية- ضد الخطر الوجودي الذي يشكله الحوثيون.

وبما أن الرئيس المعترف بحكومته دوليا يؤمّن الغطاء القانوني والسياسي للتحالف الذي تقوده السعودية، فقد يكون لموتِه عواقب مدمرة على جهود الحرب ضد الحوثيين. وباعتباره رمز الشرعية الدستورية، فإن الأطراف المناهضة للحوثيين مجبرة على دعم هادي وفكرة الوحدة اليمنية ولو كلامياً على الأقل. إذاً، هناك الكثير من الخسائر في حال وفاته؛ أولها الاحتمال المُلّح بانفجار التحالف الهش بين قوى متخاصمة، ما يفرقها أكثر بكثير مما يجمعها. وهذا من شأنه أن يزيد تفتت المشهد السياسي اليمني ويعيق الفعالية العسكرية للتحالف. وعدم وجود اتفاق سريع يمنح شرعية لرجل جديد متوافق عليه سيكون بمثابة منح هدية للحوثيين، وعدم تحديد بديل لهادي -حين يزال رئيسًا- يعزز موقف الحوثيين. لأن عدم تسمية بديلاً له، يُعرض التحالف المناهض للحوثيين لمزيد من التفتت.

اتسمت فترة هادي كرئيس بالأداء الضعيف وسوء الإدارة والفساد. وبالنسبة للحوثيين، يُعد هادي الخصم المثالي – رجل صعد بالصدفة بلا أحلام ولا خيال ولا أجندة، ولا يتحرك حينما يتعلق الأمر بحماية حياة اليمنيين ومصالحهم، ويستنفر فقط بكل ما يستطيع، حين يحتاج لحماية مصالحه وموقعه في المنفى.

بالنسبة للسعوديين، هادي هو ابن العم الفاشل الذي لا يمكن التبرؤ منه لعدة أسباب، أولاً: لعدم المس بسمعة العائلة، وثانياً: وهو الأمر الأكثر تعقيداً؛ لأنه يؤمّن المظلة القانونية التي يوفرها لجميع خصوم الحوثيين لمتابعة الحرب. حياً أم ميتاً، يُعد هادي مشكلة لحلفائه، ومع عدم وجود بديل مناسب، ستزداد هذه المشكلة سوءًا.

ماجد المذحجي هو مؤسس مشارك والمدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ويغرّد على @MAlmadhaji


مع هادي أو بدونه، احتمالات إيجاد رئيس يستطيع أن يحكم البلاد تتضاءل

شيلا كارابيسو

يُقال أن مستشاري الدولة المصرية الحديثة، أشاروا على رؤسائهم بأن يختاروا نواباً يقِلّون عنهم ذكاء وسعة وحيلة. وقد نظر رؤساء الدولة اليمنية الحديثة إلى نوابهم بنفس القدر من الحذر. لم يكن أبداً أن الرئيس عبدربه منصور هادي، وصل إلى منصبه الحالي عن أحقية وجدارة، ولم يكن يوماً الحاكم الحقيقي لشؤون البلاد. فقد اختاره علي عبدالله صالح – الذي نال منه هوس التعلق بكرسي الحكم إلى حد الجنون – خصيصاً ليكون نائباً له؛ وكان ذلك تحديداً لأن هادي افتقر للكاريزما والمهارات القيادية ولم يكن له أيضاً دائرة من الموالين. وربما هناك شيءٌ من الصحة، فخبرته في نضال جنوب اليمن في سبيل الاستقلال، والتدريب العسكري الذي تلقاه في مصر والاتحاد السوفيتي، وانتماءه لفصيل الحزب الاشتراكي الذي فر من عدن إلى صنعاء قد أكسبه شيئاً من المصداقية. فوجد صالح أن هذه المصداقية مفيدة له دون أن تكون خطيرة عليه على الإطلاق.

تقلّد هادي منصب الرئاسة بعدما خسر صالح شعبيته في الشارع اليمني خلال الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وربما الأهم من ذلك نتيجة خسارته لشعبيته لدى ملوك الخليج. فتم “انتخاب” هادي في استفتاء شعبي ضم اسم مرشح واحد، وجرى ذلك على عجالة ليكون رئيس الفترة “المؤقتة” التي مُددت لاحقاً حتى إشعار آخر بشكل متردد وغير مجدٍ. لقد ورث هادي كأساً مسموماً، إذ لم يملك أي فرصة ليكون قائداً ناجحاً، ولم يكن أهلاً لهذه المهمة بالأساس.

فحتى لو افترضنا أن أمور الحكم انتهت إلى زعيم وطني موهوب صادق النوايا، لكان عليه أيضاً مواجهة مهمة المصالحة بين الشقوق الكثيرة والمتعددة في شبه الجزيرة العربية، وخصوصاً الانقسامات التي تشكلت بين دائرة الأغنياء المغلقة التي تملك سلطة الحكم المطلق وبين عامة الشعب اليمني المتشظي والمحروم. وهادي، الذي “يحكم البلاد” من منفاه في الرياض، لم يكن أبداً هذا الزعيم الموهوب.

وبغض النظر عن الوضع الصحي لهادي أو طول عمره، لا يلوح في الأفق أي بوادر لما قد يعتبر “السيناريو الأفضل”. فصحيح أنه حالياً يشغل منصب الرئاسة، إلا أن الكثيرين يرون أنه مجرد دمية في يد السعوديين وربما غيرهم من العوائل الخليجية المالكة. سيواجه اليمن احتمالاً من بين احتمالين على الأقل حين توافي المنية هادي. قد تندلع حرب عسيرة دموية مفتوحة (وعلى الأرجح ستقفز وسائل الإعلام الغربية إلى وصفها بأنها “قبلية”) بين أطراف متعددة: نائب الرئيس الحالي علي محسن الأحمر، والكتل الجنوبية، وجماعة الحوثيين المسلحة (أنصار الله)، والقاعدة، وأمراء الحرب المحليين والإقليمين في مأرب وتعز وحضرموت وأماكن أخرى، وغير ذلك من الميليشيات. وطبعاً سيحظى الكثير من هؤلاء الأطراف برعاية قوى خارجية، وبالصورة الأكبر من ملوك الخليج. وربما تصّفي الكتل البرلمانية حساباتها أيضاً في هذا النزاع. فسيكون الحال مشابهاً للأزمة الليبية، بحيث لا تستطيع أي سلطة مركزية أن تصرّح بامتلاكها للشرعية سواءً داخلياً أو دولياً. وهذا سيكون وصفة أكيدة للفوضى والاضطراب والعنف.

الاحتمال الآخر هو مصير مشابه للنموذج المصري في ما بعد 2013، بتنصيب رجل قوي أو مجلس رئاسي ليكون “الحكومة المعترف بها دولياً” وربما يكون ذلك مع عقد انتخابات صورية. وفي النسخة اليمنية من هذا السيناريو، قد تتوجه السعودية، مع دعم الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إلى دعم “هادي جديد”، ربما تحت غطاء قرار مجلس أمن جديد. ولكن ما إذا كان هذا الشخص سيحكم أم لا، فهذه مسألة أخرى كلياً.

د. شيلا كارابيسو هي أستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند. وهي مؤلفة كتاب المجتمع المدني في اليمن: اقتصاد النشاط السياسي المجهول في الجزيرة العربية، كما حررت كتاب الجزيرة العربية المجهولة: برقيات من اليمن والخليج. تغرّد على SCarapico@.


“الشرعية” التي يحتمي بها رئيس اليمن، تعقّد عملية استبداله

إلينا ديلوجر

تنفتح أبواب التكهنات الواسعة والحادة على مصراعيها في قضية خلافة الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي مع وجود شكوك كبيرة تحوم حول وضعه الصحي وشعبيته. ويجري طرح العديد من الأسماء التي يمكن لها أن تخلفه في ظل مشهد سياسي متغير، ولكن النقاش الأكثر مصيرية هو العملية القانونية. يوجد سيناريوهان اثنان يجب دراستهما: إذ جرى إقالة رئيس ما بسبب ضعف شعبيته، فما هي الإجراءات في هذه الحالة؟ وإذا خرج رئيس ما من المشهد بصورة مفاجئة، فما هي العملية المتبعة لاختيار خلف له؟

العنصر الحاسم في مسألة البديل عن هادي يكمن في مفهوم الشرعية الذي يعتبر جوهرياً للتحالف كونه علة وجود الحرب. ففي عام 2015، وقت بداية الحرب في اليمن، أصبح هادي سريعاً رمز “الشرعية”، المصطلح الذي استخدم للإشارة إلى الحكومة المعترف بها دولياً في اليمن. يؤكد التحالف بقيادة السعودية باستمرار أن تدخله في اليمن كان بصورة كاملة تحت طلب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. وحجة الشرعية هذه تبقى حجة هامة للغاية للسعوديين الذين يريدون النأي بأنفسهم عن صورة القوى المستعمرة. ولهذا كان لا بد لهم أن يرسخوا هذا التبرير، حتى عندما عصى هادي رغباتهم وانحدرت شعبيته بين اليمنيين وبين شركاء التحالف.

هذا الدعم غير المتواني للحكومة المعترف بها قد يشكل غطاء لدور التحالف في سياق القانون الدولي، ولكنه قيّد عمل المفاوضين؛ إذ إنهم مضطرون لحماية مفهوم الشرعية المتجسد في هادي. لطالما سعى المفاوضون، حتى قبل إندلاع الحرب، إلى تشكيل مجلس رئاسي انتقالي. في عام 2016، عندما بدت المحادثات بين الأطراف المتحاربة واعدة، أصر الحوثيون على ضرورة رحيل هادي لأنه أصبح رمزاً للحرب. ووافق عدد كبير من الأطراف المشاركة في المفاوضات على ذلك. ووقتها قيلت الكثير من الشائعات، وإنه بهدف استبدال هادي وصون مفهوم الشرعية في آن معاً، قد يتم تسمية خالد بحاح، نائب الرئيس آنذاك، كحل وسط ليكون إما رئيساً انتقالياً أو عضواً في مجلس رئاسي. هادي، الذي ربما عرف ما سيأتي، أقال بحاح بشكل مفاجئ قبل فترة وجيزة من عقد المحادثات في الكويت، وعيّن علي محسن الأحمر – الذي يبغضه الكثيرون في اليمن والتحالف أيضاً – نائباً له. وعلى أرض الواقع نجح هادي في تأمين منصب الرئاسة باستبدال نائب يملك شعبية أكبر منه بنائب آخر ذو شعبية أقل منه. وفي النهاية فشلت محادثات 2016.

يعتقد البعض بأن التحالف سيكون بمقدوره في مرحلة ما، إقناع الرئيس باستبدال نائبه أو تعيين نائب رئيس ثاني، وهو ما يفتح الباب من جديد لفرصة إنشاء مجلس رئاسي وتجنب سيناريو استحواذ علي محسن على كرسي الرئاسة ولو حتى بصورة مؤقتة. فوفقاً للدستور، في حال موت الرئيس، يتولى نائبه مسؤولية الرئاسة لمدة 60 يوماً يتم خلالها عقد انتخابات. علي محسن هو خيار غير مقبول على المدى الطويل بالنسبة للكثير من الأطراف المعنية، بما في ذلك الإمارات والولايات المتحدة والجنوبيين والحوثيين. وهذا السيناريو سيترك التحالف في مأزق حرج، وهو ما قد يفسر الإشاعات التي تبرز من وقت لآخر حول تعيين نائبين آخرين.

ثمة سيناريو آخر يجري تداوله، وهو محاولة الأطراف المعنية بالشأن اليمني صياغة مراكز سلطة يمنية “شرعية” بديلة. فاجتماع البرلمان العام الماضي، الذي اُنتخب أعضاؤه عام 2003، أي قبل وقت طويل – مما يجعل شرعيته هو أصلاً موضع سؤال – طُرح كواحد من الأمثلة. وتفيد بعض المصادر الموثوقة أن السعودية دفعت باتجاه هذا الاجتماع. ولكن إن كانت هذه وسيلة لتشكيل “شرعية” بديلة في اليمن، فمن غير الواضح كيف ستسير الأمور من منظور قانوني. وفقاً للدستور اليمني، يتولّى رئيس البرلمان مسؤولية الحكم في حال غادر الرئيس ونائبه المشهد في نفس الوقت.

السيناريو المثالي هو أن يتمتع الزعيم اليمني الجديد بالشرعية والشعبية بين الشعب اليمني وبين مختلف مكونات الطيف السياسي اليمني، وأن يكون ملتزماً بتحقيق السلام ومتفهماً لمطالب الجنوب ومظالم الشمال. من الصعب صياغة عملية لتنصيب رئيس شرعي جديد، ولكن ما قد يكون أصعب بالفعل، هو إيجاد شخص تنطبق عليه المواصفات المطلوبة.

إلينا ديلوجر هي زميلة أبحاث في “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حيث تتخصص في السياسة الخليجية، لا سيما في اليمن والسعودية. وهي مؤلفة “رئيسٌ انتقالي يتمسّك بالشرعية في اليمن”. تغرّد على ElanaGulf@.


اليمن بحاجة إلى مجلس رئاسي

عبد الغني الإرياني

تبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2216 عام 2015، ما سمح له بأخذ إجراءات الإنفاذ في اليمن، ومنذ ذلك الحين كان للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الكلمة الفصل فيما يخص مصير البلاد. فمن يضفي الشرعية على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي هو مجلس الأمن والفاعلين من الدول وليس عموم اليمنيين. فالمنطق الذي يعملون وفقاً له، والذي جرد اليمنيين مما يعتبر حقاً لهم ومن شأنهم وحدهم، هو أن “الشرعية” عامل جوهري لمنع انهيار الدولة اليمنية بالكامل ولحماية وحدة البلاد. وتضفي شرعية هادي شرعية على التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية والذي – بسبب الانقسامات بين أعضاءه وخطط المملكة في الأراضي اليمنية وعجزه المطلق – فشل فشلاً ذريعاً.

وعند التداول في أسماء بديلة عن هادي، كان الفاعلون في السابق يأخذون بعين الإعتبار مصلحة السعودية في الاستمرار بتدخلها العسكري في اليمن. تضمنت هذه الجهود بشكل أساسي عرض اقتراحات تشمل شخص واحد – إما نائب الرئيس الحالي أو رئيس جديد – ليحل محل هادي. ولكن هناك خيار آخر عملي أكثر في السياق الحالي لليمن، حيث ازداد الصراع السياسي سوءا، وتحول إلى صراع بين الهويات، وليس بوسع رئيس واحد تلبية الحاجة الماسة لتمثيلها جميعاً.

الخيار الأكثر قابلية للتطبيق، هو مجلس رئاسي يؤمّن منصة للفاعلين المتعددين في اليمن. ويجب أن يشمل أعضاءه ممثلين عن المحافظات الرئيسية والتنظيمات السياسية الكبرى والتشكيلات العسكرية. ينسى منتقدي هذه الفكرة، الذين يقولون أن هذه العضوية الواسعة ستثير الجدل، أن الدستور اليمني الأصلي منح معظم السلطة التنفيذية للحكومة. من شأن المجلس الرئاسي، حتى ولو كان أقل فعالية، أن يحسّن الحكم الحالي، إذ ستكون السلطة التنفيذية بيد حكومة تخضع لمساءلة المجلس الرئاسي والبرلمان. كما يقول البعض رداً على الاقتراح بانشاء مجلس رئاسي أن الأخير يجب أن يُشكل بعد التوصل إلى اتفاق سلام، مغفلين النقطة المهمة أن مسألة الرئاسة كانت ولا تزال عقبة رئيسية أمام هذا الأمر، وأن الرئيس هادي يزيد من تعقيد جهود السلام.

وفي حين بدأت السعودية تندم على تدخلها وتركز بشكل متزايد على إخراج نفسها من النزاع في اليمن، فلقد حان الوقت لإعادة النظر في فكرة مجلس رئاسي تمثيلي. يتطلب هذا الأمر أخذ نقطتين رئيسيتين بخصوص نظام الحكم الحالي بعين الاعتبار: 1- استحوذت الحكومات المحلية على معظم اختصاصات الحكومة المركزية، ما يجعل دور الأخيرة في المستقبل محصوراً بالتنظيم والتنسيق والرقابة؛ 2- لا تزال مؤسسات الدولة المركزية تحت سيطرة الحوثيين المباشرة، وبالتالي أي اتفاق يشمل تمركز السلطة في إدارة واحدة ضمن مؤسسات الدولة القائمة سيُرفض من قبل الأطراف الأخرى لأنه سيُعد بمثابة استسلام كامل للحوثيين.

لا يجب الانتظار حتى التوصل إلى إتفاق سلام لإنشاء مجلس رئاسي إذ أن إنشاءه سيعزز فرص السلام. وبما أن هادي يتمتع بالشرعية، الممنوحة إليه من قبل مجلس الأمن، فإذاً هو من يجب أن يبدأ عملية إنشاء هذه الهيئة عبر تعيين مجلس مستشارين. وبالإضافة إلى ممثلين عن المحافظات الرئيسية والأحزاب السياسية والتشكيلات العسكرية، يجب أن يُخصص عدداً كافياً من المقاعد لجماعة الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي (والمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم). وبعد تشكيل المجلس الرئاسي والإعلان عن نظامه الداخلي، على هادي تفويض سلطته إلى الهيئة الجديدة ومغادرة المشهد بهدوء.

عبد الغني الإرياني هو باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حيث تتركز أبحاثه على عملية السلام وتحليل النزاع وتحولات الدولة اليمنية. عمل الإرياني مع الأمم المتحدة في مكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن. يغرّد على AbdulGhani1959@.


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.

مشاركة