إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

السرية والشفافية الأمريكية بشأن استخدام القوة الفتاكة

Read this in English

بقلم ألكس مورهيد و وليد الحريري

هيمنت على أخبار الأشهر القليلة الأولى من إدارة ترامب فضيحة روسيا، جيمس كومي، وحساب الرئيس على تويتر. إلا أن ما لا تغطيه معظم الصحف والقنوات الإخبارية، رغم ما يثيره من قلق متزايد، هو موقف إدارة ترامب ونهجها في استخدام القوة في الخارج. خلال وقت قصير في السلطة، أظهرت الإدارة الجديدة نفسها استعداداً عدوانياً يفوق سلفها البعيد والخجول من الحروب الأمريكية. ازدادت الغارات الأمريكية في اليمن بشكل كبير، حيث قارب متوسط ​​عدد العمليات الفتاكة شهرياً في باكستان والصومال واليمن أربعة أضعاف ما كان عليه في عهد أوباما. إن القيود التي فرضها أوباما على استخدام القوة الفتاكة في أماكن بعيدة عن ساحات القتال التقليدية قد تتعرض للتقويض الآن رغم محدوديتها، في ظل إدارة سبق لها أن تسببت بتراخي هذه القواعد في أجزاء من الصومال واليمن. يبقى السؤال المطروح هو ما مدى استعداد البيت الأبيض في عهد ترامب للشفافية والمحاسبة، وما الذي يمكن عمله لمراقبة هذه الإدارة؟!.

كما جاء في تقرير جديد نشرته اليوم عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا ومركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن تزايد احتمالات الإساءة للمدنيين وإلحاق الضرر بهم في ظل الإدارة الجديدة تجعل الشفافية مسألة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

يمثل هذا التقرير أول استعراض شامل لمدى شفافية الولايات المتحدة حيال الطائرات بدون طيار والعمليات الفتاكة، وهو يغطي فترة 15 عاماً (2002-2017)، مع التركيز على باكستان والصومال واليمن، حيث يتم شن عمليات “قتل مستهدف” وغارات طائرات بدون طيار بسرية كبيرة بعيداً عن ساحات القتال التقليدية منذ عدة سنوات. ويصنف التقرير شفافية الحكومة الأمريكية وفقاً لمقياس من خمس درجات يتراوح بين “لا شفافية/ شفافية شبه معدومة” حتى “شفافية كاملة”.

سنقوم هنا بتقييم شفافية حكومة الولايات المتحدة، مقدمين إطاراً جديداً للشفافية وتقييماً للممارسات الأمريكية بين 2002 و2017، كما نستعرض الأسباب المختلفة التي تعطي الشفافية أهمية قصوى اليوم، قبل أن نختم بالتطلع قدماً إلى توفير بيانات رئيسية من شأنها أن تساعد في تقييم نهج إدارة ترامب في هذا السياق. نعتقد أن يإمكان نموذجنا أن يطبق على بلدان أخرى أيضاً، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء.

ما مدى شفافية الحكومة الأمريكية؟

عموماً، وجدنا أنه على الرغم من بعض الخطوات الهامة، وإن كانت متأخرة، نحو مزيد من الشفافية بين 2010 و 2016، فما زالت الحكومة الأمريكية متكتمة للغاية. في حين تميز عهد بوش والجزء المبكر من رئاسة أوباما بسرية شبه كاملة في هذا المجال، إلا أن الحكومة في الفترة الأخيرة من ولاية أوباما أفصحت عن مسائل هامة، حيث أفرجت عن معلومات متعلقة بالقيود القانونية والسياسية المفروضة على استخدام القوة الفتاكة في الخارج، فضلاً عن بيانات إحصائية أساسية حول الإصابات في صفوف المدنيين. من الجدير بالذكر أن الحكومة الأمريكية بدأت أيضاً بتقديم إقرارات رسمية، وأفرجت عن معلومات أساسية حول غارات محددة في الصومال جرت منذ العام 2014، وفي اليمن منذ عام 2016. تأتي أهمية هذه الإصلاحات والإفصاحات على الأقل من إظهارها إمكانية التحلي بشفافية أكبر حتى في ظل تحفظات داخل الحكومة. سيكون من المهم معرفة ما إذا كان سيتم الحفاظ على هذا الإصلاحات أو التأسيس عليها، أم التخلص منها من قبل إدارة ترامب.

بيد أن الحكومة الأمريكية ما زالت متكتمة على عدد من المجالات الهامة. ما تزال جميع الغارات الماضية والإصابات بين المدنيين غير مبررة، وما تزال العمليات والغارات العسكرية في باكستان تجري في ظروف سرية للغاية. تبين أبحاثنا أن الحكومة أقرت رسمياً بحوالي 20 في المائة من أكثر من 700 غارة جرت في باكستان والصومال واليمن منذ العام 2002. ثمة ندرة في المعلومات حول المحاسبة حيال الأخطاء والأساس القانوني لغارات محددة، كما أن الحكومة الأمريكية لم تقم بشرح القواعد القانونية والسياسية الرئيسية، والشروط المحددة المتعلقة بهذا التقييم، وكيفية تطبيقها.

استنتاجاتنا الرئيسية بهذا الشأن تمثلت في ارتفاع مستوى شفافية الولايات المتحدة بشأن القواعد القانونية والسياساتية المطبقة فيما يتعلق باستخدام القوة الفتاكة في الخارج، إلا أن القواعد ما تزال غامضة وغير موضحة بالشكل الكافي. وما تزال غارات الطائرات بدون طيار ومجمل استخدامات القوة الفتاكة تجري في ظل تكتم شديد، وقلما تم تقديم معلومات لأسر الضحايا أو للجمھور العام حول غارات محددة، كما أن بیانات الإصابات في صفوف المدنيين تفتقر إلى التفاصیل الكافیة. وبهذا الصدد قدمت الحكومة الأمريكية بعض المعلومات حول عمليات صنع القرار، وخاصة داخل الجيش، إلا أن عمليات صنع القرار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية ما زالت طي الكتمان. وقد كشفت الحكومة الأمريكية عن إجراءات التحقيق العسكري في مرحلة ما بعد شن الغارة، بالإضافة لبعض جوانب الرقابة في الكونغرس، إلا أن الشفافية ما تزال ضئيلة أو معدومة فيما يتعلق بالمتابعة أو الإجراءات المتخذة لضمان المحاسبة في الحالات الفردية.

وضعنا في التقرير جدول أعمال محدد للإصلاح، وعدد من التوصيات المحددة للحكومة الأمريكية والحكومات الأخرى، حيث دعونا الحكومة الأمريكية إلى تسجيل جميع حالات الوفاة في صفوف المدنيين، والإقرار بها، وشرحها للعائلات وللجمهور العام، وإتاحة أسماء من تم قتلهم, وتقديم تفسيرات مفصلة عن جميع الحالات الماضية والمستقبلية التي توجد فيها ادعاءات موثوقة عن عمليات قتل غير قانونية أو إلحاق أذى بالمدنيين، وينبغي على نحو خاص تقديم ردود عاجلة على عشر قضايا خطيرة أثارتها منظمات المجتمع المدني في وجه الحكومة الأمريكية. إضافة إلى الإفراج الفوري عن نتائج جميع التحقيقات الحكومية في غارات محددة، والتي لا يجب أن تخضع للحجب إلا في حال طلبت ذلك عائلات القتلى أو الجرحى لضمان خصوصيتهم أو سلامتهم البدنية، أو فقط حسب الضرورة القصوى لأسباب مشروعة تتعلق بالأمن القومي, مع ضرورة الكشف عن الأسس القانونية لعمليات الاغتيال، بما في ذلك الإفراج عن جميع المذكرات القانونية من قبل مكتب المستشار القانوني والوكالات الأخرى التي تحدد أسباب استخدام القوة ضد جميع الأشخاص المستهدفين، سواء كانوا مواطنين أمريكيين أو غيرهم.

تقييم الشفافية والسرية الحكومية بشأن استخدام القوة الفتّاكة

قمنا بتحليل الممارسات الأمريكية في أربعة مجالات رئيسية (الشفافية حيال القوانين والسياسات المطبقة؛ الشفافية حيال الممارسات الفعلية في الغارات؛ الشفافية حيال عمليات صنع القرار داخل الحكومة؛ الشفافية حيال عمليات المحاسبة). وركزنا بشكل أساسي على الممارسات الأمريكية في باكستان والصومال واليمن، حيث تنفذ منذ سنوات عديدة غارات عسكرية بعيدة عن ساحات المعركة التقليدية ومحاطة بسرية كبيرة. وقد اعتمدنا تصنيفاً لسجل الحكومة الأمريكية حسب مقياس من خمس نقاط مرمزة تتراوح بين “لا شفافية/ شفافية شبه معدومة” إلى “شفافية كاملة”.

في كثير من الأحيان أصبح النقاش حول الشفافية عالقاً في العموميات. نأمل من خلال تفكيك الشفافية إلى مكونات فرعية أن نشجع على إجراء نقاش أكثر تحديداً ودقة بشأن مختلف أنواع المعلومات ومدى الحاجة إلى الشفافية أثناء التعامل معها. ومن بين الأسئلة الرئيسية التي سعينا إلى الإجابة عنها:

ما هي أنواع الشفافية ذات الأهمية، ولماذا؟ , وفي أي المجالات تم اتخاذ خطوات إيجابية نحو مزيد من الشفافية؟ , وما الذي يمكن فهمه بالضبط من المعلومات التي أعلنتها الحكومة عن السياسة الأمريكية وممارساتها بشأن استخدام القوة الفتاكة؟ , وما هو غير الواضح/ غير المؤكد /السري/ وغير المعروف منها؟

يتضمن التقرير إطاراً يمكن من خلاله تقييم الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تستخدم القوة الفتاكة في الخارج, وهو عبارة عن منظومة “معايير لضمان الشفافية حيال استخدام القوة” القائمة على حقوق الإنسان. تم تصميم هذه المعايير من قبل واضعي التقرير، وهي ترتكز بالدرجة الأولى على “مصالح وحقوق الناس المتأثرين بالغارات الأمريكية، وعلى القانون الدولي ومبادئ تعزيز سيادة القانون والمحاسبة الديمقراطية”. يعترف هذا الإطار بضرورة السرية بكل تأكيد في ظروف معينة – لأسباب أمنية مثلاً أو لحماية الأفراد الذين قد تكون حياتهم معرضة للخطر- ويهدف إلى مساعدة واضعي السياسات والصحفيين وغيرهم على تقييم شفافية وسرية الحكومات في مسألة استخدام القوة حاليا ومستقبلا.

من حيث الشفافية القانونية والسياسية، تحصل الحكومة الأمريكية على علامات منخفضة في الغالب. بعد سنوات من السرية شبه الكاملة، وبعد التقاضي والضغط المحلي والدولي المكثف بين 2010-2016، قامت الحكومة الأمريكية بإيضاح ​​عناصر هامة من المنطق القانوني، والأساس القانوني للغارات، ومعايير السياسة الرئيسية. إلا أن عدة تفاصيل هامة بقيت غير واضحة.

وبهذا الخصوص ما تزال الكثير من المذكرات التي تشرح الأساس القانوني للغارات والعمليات المحددة سرية, مثل المصطلحات القانونية والسياسية الرئيسية المتعلقة بفهم من، وكيف، وفي أي ظروف تعتقد الحكومة الأمريكية أن بإمكانها أن تقتل، فهذه النقاط الهامة ليست محددة بوضوح، ما يتيح حرية واسعة للتفسير مع إمكانية تقويض القيود المفروضة على صلاحية الرئيس في القتل، وبدون إفصاحات كافية تشرح كيف تقوم الولايات المتحدة بتبرير وتحديد وتطبيق المصطلحات الرئيسية، ومن الصعب أن نفهم بالضبط وجهات نظر الولايات المتحدة حول الحدود القانونية والسياسية المتعلقة باستخدام القوة الفتاكة، وتقييم ما إذا كانت تفسر التزاماتها الملزمة المتعلقة بالقانون الدولي بدقة كافية, أم لا.

جرت عدة دعوات صريحة إلى المزيد من الشفافية حيال غارات محددة ومجمل الممارسات الأمريكية عموماً، حيث كانت تجري لسنوات عديدة بشكل سري تماماً تقريباً. لكن بدأت تطرأ بعض التغييرات بعد العام 2014 في الصومال، والعام 2016 في اليمن، حيث بدأ الجيش الأمريكي بشكل رسمي وبانتظام يقرّ بغاراته. لكن بالنسبة للغارات السابقة، وكل الغارات تقريباً في باكستان، ما من إقرار رسمي على الإطلاق تقريباً.

ولم تكشف الولايات المتحدة أبداً عن أسماء المدنيين الذين قتلوا. بل اكتفت بالإفراج عن تفاصيل التحقيقات والتقييمات المتعلقة ببضعة مئات من الغارات في باكستان والصومال واليمن، فيما لم تقدم رداً كافيا للمنظمات غير الحكومية التي طالبت منذ سنوات بتوضيحات بشأن غارات محددة هناك أدلة موثوقة على إيقاعها إصابات في صفوف المدنيين وعمليات قتل غير قانونية. ولم يعلن رسمياً سوى عن اسم مدني أمريكي واحد وآخر إيطالي قضيا بغارة جوية في باكستان، فضلاً عن مواطنين أمريكيين آخرين قالت الحكومة أنهم “لم يكونوا مستهدفين على وجه التحديد”. كذلك تم إيراد معلومات موسعة عن الغارة التي أدت إلى مقتل كل من وينشتاين ولو بورتو، ما يثبت أن الحكومة تستطيع، بل ينبغي عليها، أن تكشف عن هذه المعلومات في سياق جميع الغارات المشابهة. فما هي الرسالة التي يرسلها ازدواج المعايير هذا إلى الغالبية العظمى من قتلى وجرحى الغارات الأمريكية من مواطني باكستان واليمن والصومال؟

من المهم أن الحكومة الأمريكية بدأت أيضاً بالإفراج عن بيانات الضحايا المدنيين في عام 2016، ومرة ​​أخرى في عام 2017. ومع ذلك، كانت أرقام الحكومة الأمريكية موضع الكثير من النقاش، وجرى انتقادها من قبل عدد من المعلقين. وبما أن الحكومة لم تقدم سوى إحصاءات أولية جداً، فمن الصعب الدخول في مراجعة أو تحليل جدي للأرقام التي تم تقديمها. فليس هناك شروح أكثر تفصيلاً، بما في ذلك على الأقل حسب البلد والموقع، وكذلك حسب السن والجنس.

قدمت الحكومة الأمريكية أيضا المزيد من المعلومات حول كيفية اتخاذ القرارات، خاصة في السنوات الأخيرة (خلال العام 2016) وبموجب القضية التي رفعها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أصدرت الحكومة الأمريكية توجيهات رئاسية بشأن سياسات الأطراف والعمليات المؤسسية الفاعلة في قرارات شن غارات في مناطق “خارج الأعمال العدائية الفعلية”، رغم الإجراءات الاستثنائية التي ما تزال غير مبررة. لا تغطي هذه السياسة جميع عمليات اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستهدافات. بالنسبة للحالات التي لا تشملها هذه السياسة، ثمة فرق صارخ بين شفافية المؤسسات العسكرية مقارنة مع وكالة المخابرات المركزية. فقد كشف الجيش الأمريكي عن سلسلة وثائق تحدد عملية صنع قرار الاستهداف بشكل عام. ومع ذلك، من الصعب جداً العثور على معلومات متاحة للجمهور حول عمليات صنع القرار والاستهداف داخل وكالة المخابرات المركزية.

لقد كان الجيش الأمريكي، وما يزال، يتحلى بشفافية نسبية فيما يتعلق بعمليات المحاسبة والبروتوكولات. ومع ذلك، مرة أخرى، ما من معلومات كافية على الإطلاق حول وكالة المخابرات المركزية. أما فيما يتعلق بآليات الرقابة في الكونغرس، فقد شهدت منذ العام 2012 ارتفاعاً في مستوى الشفافية، إلا أن غياب المعلومات المفصلة حول التوصيات والإجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية فيما يتعلق باستخدام القوة يعيق إجراء تقييم كامل لرقابة الكونغرس. وهذا يجعل من الصعوبة بمكان تقييم مدى أهمية هذه الرقابة.

الأهم من ذلك هو غياب أية آلية واضحة وسهلة الوصول بالنسبة للجرحى وأسر القتلى الذين سقطوا في الغارات في باكستان والصومال واليمن، حيث لا يمكنهم تقديم ادعاءات أو المطالبة بتعويضات أو حتى الحصول على تعزية، كما لا توجد الكثير من المعلومات المتاحة للجمهور بشأن التعويضات أو مدفوعات التعزية التي يتم تقديمها. كذلك سعت الحكومة في المحاكم الأمريكية إلى منع التدقيق في غاراتها في الخارج عبر المطالبة بتطبيق مبدأ أسرار الدولة الفضفاض.

أين تكمن أهمية الشفافية؟

رغم أن تحسن مستوى الشفافية ليس إجابة كاملة على العديد من المخاوف المتعلقة باستخدام الولايات المتحدة للقوة في الخارج، إلا أنه ما يزال أمراً بالغ الأهمية. الشفافية تهم أسر القتلى والجرحى، وهي إحدى أساسيات الامتثال للقانون الدولي، وحماية سيادة القانون، والمحاسبة الديمقراطية، وردع المخالفات –وهو أمر ذو أهمية خاصة حين يتزايد خطر الإساءة– بالإضافة لعلاقته بقيادية ومصداقية الولايات المتحدة-. يوضح التقرير أيضاً كيفية اختلاف أنواع الشفافية وأسبابه.

الشفافية حيال الحقائق –من قتل وماذا حدث وأين، في كل الغارات الفردية والإحصاءات العامة– مسألة مهمة لأسر ضحايا الغارات، حيث ما تزال معاناتهم غير معترف بها بل غير معروفة. وهي مسألة مهمة أيضاً للجمهور الذي يحتاج لهذه المعلومات للدخول في نقاش مستنير حول أعمال حكومته، ولمحاسبة ممثليه المنتخبين.

الشفافية في القوانين والسياسات المطبقة على الغارات، وحقائق الغارات، وعمليات صنع القرار والمحاسبة الحكومية، أمور ضرورية لسيادة القانون، وردع الإساءات، وتمكين الرقابة، وإرساء مبدأ المحاسبة على الإساءات. وأحد الشروط الأساسية للمحاسبة، كما أن الشفافية ضرورية لضمان التزام الحكومة بالحدود القانونية المحلية والدولية. فالقوانين السرية تقوض سيادة القانون من أساسها، والقواعد التي تفتقر إلى الوضوح قد تؤدي إلى سوء الاستخدام وإضعاف قدرة الجهات الفاعلة خارج الدولة على تقييم ما إذا كانت هناك مراعاة للقوانين عملياً أم لا. وكما أشار مسؤولون حكوميون أمريكيون سابقون، تعزز الشفافية مصداقية الحكومة الأمريكية وتبني الثقة مع الشركاء الرئيسيين.

الشفافية مطلوبة أيضاً بموجب قوانين دولية ملزمة. يتطلب القانون الدولي أن تكون الحكومات شفافة حيال سلوك الدولة التي تمثلها، وألا تسمح بالتكتم إلا باستثناءات محدودة وضمن ظروف محددة. كما أن للضحايا حق واضح في الانتصاف، وهو يشمل حقهم في كشف الحقيقة.

النظر قدماً: نقاط لتقييم نهج إدارة ترامب

ما يزال من السابق لأوانه إجراء تقييم كامل لنهج إدارة ترامب إزاء هذه المسائل، وإن كان هناك بالفعل ما يدعو للقلق. على سبيل المثال، أصبح الإقرار بالغارات الأمريكية في اليمن أقل تفصيلاً، حيث أقرّ الجيش الأمريكي في بعض الأحيان بـ80 غارة في تصريح واحد على مدى عدة أشهر، بدلاً من إفراد إقرار خاص بكل غارة كما كان عليه الحال نهاية ولاية أوباما .

هناك عدة نقاط/ بيانات رئيسية يمكن استخدامها لتقييم ما إذا كانت الشفافية ستتحسن في ظل ترامب، أو ستبقى على حالها، و ما إذا كانت هذه الإدارة ستكرر أخطاء أولى سنوات أوباما من حيث التكتم المفرط، وهو النهج الذي أدى لتقويض جهود مكافحة الإرهاب وزيادة معاناة أسر القتلى والجرحى, ومنها:

المعايير القانونية والسياساتية: هل ستصدر إدارة ترامب خلاصة وافية لما تعتبرها قواعدها القانونية والسياسية بشأن استخدام القوة، كما فعلت إدارة أوباما في ديسمبر / كانون الأول 2016؟ كانت مذكرة رئاسیة قد صدرت وقتها وطلبت من مجلس الأمن القومي تنسیق استعراض وتحدیث التقریر بشكل سنوي على أبعد تقدير.

المبررات القانونية: هل ستصدر الحكومة الأمريكية معلومات حول الأسس القانونية لعمليات وغارات محددة، على سبيل المثال، تطبيقاً لقضية الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية بشأن غارة يناير / كانون الثاني الكارثية في اليمن؟ وهل ستكون إدارة ترامب شفافة حيال أي تغييرات في معايير السياسة العامة فيما ينطبق على الغارات، والتي يقال أنها موضع نقاش داخل الإدارة حاليا؟

الإقرار بالغارات: هل ستقرّ وزارة الدفاع والقيادة المركزية الأمريكية والقيادة الأمريكية في إفريقيا بالغارات التي تشنها بشكل منتظم وفردي؟, وهل ستقرّ وكالة المخابرات المركزية على وجه التحديد بالغارات التي تقوم بها؟, وهل سيتم الإقرار بأي غارات تمت في باكستان؟

إلحاق الأذى بالمدنيين: في هذا الإطار هل سيتم الإقرار بالضحايا المدنيين لهذه الغارات في الحالات الفردية, والإفراج عن أسمائهم؟ , وهل ستواصل حكومة الولايات المتحدة الإفراج عن تقريرها السنوي عن الإصابات في صفوف المدنيين –صدر آخرها عن إدارة أوباما في يناير / كانون الثاني 2017– وهل ستقدم التفاصيل الإضافية التي اشتدت الحاجة إليها مؤخراً؟


وليد الحريري مدير مكتب مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة

أليكس مورهيد مدير مشروع مكافحة الإرهاب والنزاع المسلح ومشروع حقوق الإنسان في معهد حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا

عيادة حقوق الإنسان منظمة تعمل على النهوض بحقوق الإنسان عبر إقامة شراكات مع منظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية. وتقوم العيادة بالتحقيق الحقوقي والتحليل القانوني والسياسي والتقاضي وكتابة التقارير والمناصرة الدولية. تجمع العيادة بين التعليم المبتكر، والعمل باتجاه العدالة الاجتماعية، والعمل البحثي الأكاديمي، كما يتم تدريب الطلاب ليكونوا محامين استراتيجيين لحقوق الإنسان. تدير العيادة سارة نوكي، الأستاذة المساعدة في القانون والمديرة المشاركة لمعهد حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا.

لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة:http://web.law.columbia.edu/clinics/human-rights-clinic

عن مركز صنعاء:

مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية. https://sanaacenter.org

نشرت أولا في اللغة الانجليزية فقط على (Just Security).

مشاركة