إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

الحكومة الانتقالية عقب الصراع في اليمن

Read this in English

ملخص تنفيذي

يقدم موجز السياسات هذا توصيات لزيادة فاعلية الحكومة في اليمن عقب الصراع، ويستعرض الموجز ثلاث نماذج للحكومات الانتقالية التي سبق تطبيقها في اليمن وتونس ولبنان بعد فترات من عدم الاستقرار، لاستخلاص الدروس المستفادة والتحديات والمخاطر والفرص في تشكيل حكومات انتقالية في سياق ما بعد الصراع.

الخياران الأكثر وضوحاً لتشكيل حكومة مباشرة عقب الصراع بهدف قيادة مرحلة انتقالية في اليمن هما حكومة توافقية مع توزيع المقاعد الوزارية بين المكونات السياسية الرئيسية، أو حكومة تكنوقراط لتصريف أعمال وتُعين من قبل رئيس وزراء مُجمع عليه، وتشير دراسات الحالة في اليمن ولبنان إلى أنه يمكن لاتفاقيات تقاسم السلطة أن تؤدي إلى سلام واستقرار نسبيين على المدى القصير، إلا أنه إذا لم يتم تصميمها بشكل صحيح ومتابعتها من خلال إصلاحات إضافية، فقد تؤدي إلى فشل العملية الانتقالية (كما في اليمن بعد عام 2011)، أو قد تؤدي إلى نشوء شبكات محسوبيات راسخة، وجمود سياسي على المدى الطويل (كحال لبنان)، وتوضح دراسة الحالة التونسية قدرة حكومة التكنوقراط المؤقتة على الحكم بكفاءة نسبية مع إتاحة المجال للمفاوضات السياسية.

ويوصي كتاب هذه الورقة بأهمية التوافق حول مهام الحكومة الانتقالية قبل تشكيلها، وتمكين القطاع الخاص من دعم التنمية وإعادة الإعمار، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي عقب الصراع في اليمن؛ وتمكين السلطات المحلية من خلال نقل سلطات أوسع إليها.

مقدمة

تقتصر عملية السلام الحالية التي ترعاها الأمم المتحدة على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثيين المسلحة، ولديها أجندة ضيقة لإنهاء النزاع الحالي، وفي الفترة الانتقالية التي من المتوقع أن تعقب اتفاق السلام، يتوجب إجراء حوار سياسي أشمل بين اليمنيين بأجندة أوسع. وتركز هذه الورقة على الحكومة الانتقالية في اليمن فور التوصل إلى اتفاق سلام، حيث وسيكون لهذه الحكومة الانتقالية دوراً هاماً في استقرار اليمن وتحقيق مكتسبات السلام لليمنيين.

وللمساهمة في تقديم مقترحات حول كيفية تشكيل هذه الحكومة، يقدم موجز السياسة هذا ثلاثة أنماط مختلفة للحكم الانتقالي تم تطبيقها مسبقاً في اليمن وتونس ولبنان بعد فترات من عدم الاستقرار، لاستخلاص الدروس المستفادة والتحديات والمخاطر والفرص في تشكيل حكومات انتقالية في سياق ما بعد الصراع في اليمن.

لبنان

يوزع نموذج الحكم في لبنان المناصب التنفيذية، والمقاعد الوزارية في الحكومة، ومقاعد البرلمان بين الطوائف الدينية الثمانية عشر المعترف بها رسمياً في البلاد، وكان الميثاق الوطني لعام 1943 عبارة عن اتفاق غير مكتوب قام بوضع الأسس لنظام المحاصصة الطائفية، و قد تم الاتفاق على أن يكون الرئيس مسيحياً مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً باعتماد نسبة تمثيل المسيحيين إلى المسلمين بما يعادل 6 إلى 5، وعلى أساس تعداد سكان البلاد عام 1932، وتم تكريسها في جميع جوانب السلطة، بما في ذلك في البرلمان ومجلس الوزراء، وقد ساعد هذا الترتيب في تقاسم السلطة على زرع بذور عدم الرضى عقب تطبيقه.[1]

وفي الفترة السابقة للحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، بدأت تزداد التحديات للدور المهيمن الممنوح للمجتمع المسيحي الماروني في البلاد، وساهمت العديد من العوامل المحلية والخارجية في اندلاع العنف الطائفي عام 1975، بما في ذلك المظالم الاقتصادية، ومسالة سيادة الدولة في أعقاب وصول مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، والخلاف على هوية لبنان، والتوترات الإقليمية، غير أن الحرب الأهلية في لبنان على العموم كانت على الأقل محاولة من جانب الجماعات اليسارية والإسلامية في البلاد لمراجعة ترتيب المحاصصة داخل النظام الطائفي.

وقد وفر اتفاق الطائف لعام 1989، والذي اتفق عليه النواب والقادة السياسيون والميليشيات المتحاربة، الأساس لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة الحياة السياسية الطبيعية إلى لبنان، ويمكن اعتبار هذا الاتفاق بمثابة تحديث للميثاق الوطني، حيث تم نقل صلاحيات الرئاسة إلى مجلس الوزراء، وتم تعزيز مكتب رئيس الوزراء باعتباره السلطة التنفيذية الرئيسية وصانع القرار، وتم إنشاء نسبة 1: 1 من المسيحيين إلى المسلمين في جميع مؤسسات الحكومة، وبالإضافة إلى ذلك، حدد الاتفاق إلغاء النظام الطائفي كأولوية وطنية، رغم أن هذا لم يتم تطبيقه بالكامل.[2]

في حين نجح اتفاق الطائف بإعادة توزيع السلطة بين الطوائف اللبنانية بشكل أكثر إنصافاً، إلا أنه فشل في معالجة أوجه القصور الأساسية داخل نظام الحكم، حيث لا يزال توزيع المناصب الحكومية مبني على أسس طائفية حتى يومنا هذا، مما أدى إلى تركيز السلطة الحقيقية بين حفنة من زعماء المِلَل أو “الزيم”، وغالباً ما يتم التعامل مع الوزارات الفردية على أنها إقطاعيات يستخدمها الزعماء لتعزيز شبكات المحسوبيات داخل مِلَلِهم، في حين لا يمكن اتخاذ القرارات الحكومية الرئيسية دون رضى جميع زعماء الطوائف الرئيسية في لبنان، مما يعيق فعالية الحكم، وقد عانت لبنان مؤخراً من حالات تأخير طويل في تعيين رئيس جديد والاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، مع تأثير التأخر في سن التشريعات والإجراءات الحكومية الضرورية على الأولويات الوطنية.[3] كما أن استمرار المعادلة الطائفية يساعد في رفع الهوية الدينية فوق كل شيء في السياسة والحياة إجمالاً، والنتيجة بقاء احتمالات العنف والتعبئة الطائفية تلوح في الأفق.[4]

اليمن

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 بعد ثورة الربيع العربي في اليمن، وقّع علي عبد الله صالح الرئيس اليمني الذي حكم اليمن أكثر من 33 عاما مبادرة لنقل السلطة توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي، والتي سعت لاحتواء مستويات العنف التي تركت اليمن على شفير حرب أهلية. وحددت مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية الشروط والأحكام الخاصة بنقل السلطة وخارطة طريق انتقالية مدتها سنتان كانت تهدف إلى الوصول لانتخابات برلمانية ورئاسية في شباط/ فبراير عام 2014.[5]

بعد توقيع المبادرة الخليجية، تم تشكيل حكومة انتقالية شرعت في العمل بشكل مباشر، وتم تقسيم مقاعد الحكومة الانتقالية بالتساوي بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم آنذاك، الذي كان يرأسه صالح، وأحزاب اللقاء المشترك – وهو تحالف قديم يتألف من أحزاب المعارضة الرئيسية في اليمن وقتها، وأكبرها التجمع اليمني للإصلاح، والمعروف شعبياً باسم الإصلاح.[6] كما منحت مبادرة مجلس التعاون الخليجي صالح وعائلته الحصانة من المقاضاة مقابل تسليمه الرئاسة إلى نائبه، عبد ربه منصور هادي في شباط/ فبراير 2012. وشمل مؤتمر الحوار الوطني اللاعبين السياسيين اليمنيين من أجل حل المظالم في البلاد والذي انعقد ابتداءً من 18 آذار/ مارس 2013 حتى 25 كانون الثاني/ يناير 2014.[7]

أثبتت الحكومة الائتلافية الجديدة التي تولت السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2011 أنها غير فعالة بالكامل وغير قادرة على دفع اليمن إلى الأمام، وكان بطء وتيرة صنع القرار والتنفيذ عاملاً محورياً ساهم في عرقلة عملية الانتقال المقررة، وفي تموز/ يوليو 2012، أعلنت الحكومة أخيراً عن برنامجها الانتقالي لتحقيق الاستقرار والتنمية، لكن إنشاء الجهاز التنفيذي – والذي كان يهدف إلى دعم إصلاحات السياسات وتسريع استيعاب المساعدات المتعلقة بالبرنامج الانتقالي – استغرق حتى نهاية عام 2013.[8] ما أن بدأ الجهاز التنفيذي في العمل حتى دخلت قوات الحوثيين – بمساعدة وحدات الجيش اليمني الموالية لصالح – صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014 إثر موجة من الغضب الشعبي على رفع الدعم عن مادة الوقود وتدهور الخدمات الأساسية واستمرار الفساد.[9] وساعد غياب الحكم الرشيد والمخرجات الملموسة على مضي عملية الانتقال نحو الفشل، ومن غير المرجح أن يتسامح اليمنيون مع مثل هذه التأخيرات في أي عملية انتقالية قادمة.

وقد تم شل الحكومة الانتقالية بالمشاحنات الداخلية، وركز أعضاء مجلس الوزراء على استرضاء مؤيديهم وإلقاء اللوم لفشلهم الجماعي على شركائهم في الائتلاف.[10] كما قامت الأحزاب السياسية بتوزيع وظائف القطاع العام على مؤيديها لتعزيز مراكزهم في الحكومة.[11] وتم توظيف ما يقرب من 60,000 موظف حكومي مع نمو متسارع لشبكات المحسوبية، مما أدى إلى استنزاف الإيرادات الحكومية.[12] وقد تم تعزيز ذلك بانعدام الشفافية والمساءلة.

خلال فترة الانتقال السياسي، كان تركيز المجتمع الدولي إلى حد كبير على المسار السياسي، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني، بدلاً من الضغط على الحكومة لإحراز تحسن ملموس في حياة الناس اليومية، وأدى افتقار كل من الحكومة والمجتمع الدولي إلى الاهتمام بتوفير الخدمات العامة الأساسية إلى موجة كبيرة من الاستياء.

تونس

كانت تونس أول بلد شهد موجة الثورات العربية عام 2011 وأول من حاول الانتقال من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطي.[13] حيث أجرت تونس أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام، حيث تم ترشيح أعضاء في الجمعية التأسيسية المكلفة بإعادة كتابة دستور البلاد، وفاز حزب النهضة الإسلامي الذي تم تشريعه حديثاً.[14] ومع ذلك، بدأت التوترات تتصاعد بين الإسلاميين الحاكمين والمعارضة اليسارية العلمانية، وخاصة بعد اغتيال اثنين من الشخصيات السياسية العلمانية البارزة في عام 2013.[15]

مع ازدياد العنف واحتجاجات المعارضة والجمعية التأسيسية المتعطلة في تونس، تدخّل المجتمع المدني لتهدئة التوترات المتصاعدة، وتم تشكيل اللجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي في صيف عام 2013 بهدف تسهيل المفاوضات بين الحزب الحاكم والمعارضة.[16]

وكشرط مسبق للمفاوضات، قدمت اللجنة الرباعية خارطة طريق يتوجب على جميع الأطراف الموافقة عليها قبل بدء الحوار الوطني، حيث اشترطت خارطة الطريق استقالة الحكومة القائمة واستبدالها بحكومة تكنوقراط مستقلة، وتحديد مواعيد نهائية محددة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وشروط التفاوض والموافقة على دستور جديد.[17]

في ديسمبر/ كانون الأول، قبلت الأحزاب الحاكمة والمعارضة تعيين المهندس مهدي جمعة وزير الطاقة لقيادة حكومة التكنوقراط،[18] والتي ستستمر بعد تشكيلها في كانون الثاني/ يناير 2014 بالإشراف على أول انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية في البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر 2014.[19] وترأس مهدي جمعة مجلس الوزراء الذي يتألف من 21 وزيراً وسبعة وزراء معتمدون. وكان أعضاء مجلس الوزراء، بمن فيهم أولئك الذين تولوا مناصب وزارية حساسة (مثل وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والعدل)، جميعهم من المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، ثم تم حل حكومة التكنوقراط في شباط/ فبراير 2015 بعد إجراء الانتخابات وموافقة البرلمان التونسي على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.

لقد أعطت تسمية حكومة تكنوقراط مستقلة مدتها سنة واحدة أصحاب المصالح المختلفين مساحة لمواصلة مفاوضاتهم السياسية والوصول إلى نقطة إجماع للمضي قدماً.[20] وقامت حكومة جمعة غير المسيسة لتصريف الأعمال بإدارة تونس بأسلوب كفء ومتماسك لم يمكّن البلد من العمل وتوفير البيئة اللازمة لانتقال آمن ومخطط فحسب، بل تمثل اللجنة الرباعية ومساهمة حكومة التكنوقراط في مسيرة تونس نحو الحكم الديمقراطي نموذجاً لكيفية دمج منظمات المجتمع المدني والتكنوقراط كحَكَمين محايدين لسد الفجوة بين القوى السياسية المتصادمة في أوقات الاضطرابات السياسية.[21]

تحديات تشكيل الحكومة عقب الصراع

كما توضح دراسات الحالة الواردة أعلاه، هناك عدد من التحديات التي قد تواجه تشكيل الحكومات الانتقالية عقب الصراع أو مرحلة عدم الاستقرار، وأحد هذه التحديات الرئيسية يتمثل في إبقاء الجهات الفاعلة السياسية والعسكرية منخرطة في عملية بناء السلام، لضمان عدم عرقلتهم لهذه العملية. ومن الممكن تحقيق هذه المشاركة من خلال منح اللاعبين السياسيين والعسكريين الحقيقيين إمكانية تحديد من يُعين في الحكومة الانتقالية الجديدة، أو عن طريق تكليفهم باختيار مرشح توافقي لتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة مع تواصل المفاوضات السياسية.

التحدي الآخر هو الوصول إلى إجماع حول مهام الحكومة الانتقالية وتحديد الإطار الزمني لها وإجراءات نقل السلطة إلى الحكومة المقبلة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

كما يجب التطرق إلى دور الحكومة الانتقالية عقب الصراع في العملية السياسية والمصالحة الوطنية، حيث يتوجب التوافق على ما إذا كان هناك أي دور سياسي للحكومة الانتقالية، أو أن ينحصر دورها على تسيير الأعمال وتقديم الخدمات العامة للمواطنين، بدون ان يكون لديها أي دور سياسي في تحديد مستقبل اليمن، فيما تنحصر السلطة السياسية في هيكل سياسي آخر كالهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار، أو مجلس رئاسي جديد، أو مزيج من مجلس الشورى والبرلمان بعد التوافق على إصلاحهما.

خيارات الحكم عقب الصراع في اليمن

هناك خيارات عديدة لحكم اليمن بمجرد التوصل إلى تسوية سياسية، ففي نهاية المطاف، سيكون تشكيل الحكومة الانتقالية معتمِداً جزئياً على عملية السلام التي ستنهي الحرب ونتائج التسوية السياسية. وبالنظر إلى الديناميكيات الحالية للنزاع، فإن الخيارين الأكثر وضوحاً هما تقسيم الحقائب الوزارية بين المكونات السياسية الرئيسية، أو حكومة تكنوقراط يعينها رئيس وزراء توافقي.

إن تقسيم مقاعد مجلس الوزراء بين الأطراف الرئيسية للنزاع قد يقلل من خطر إفساد أحدها لعملية السلام، إلا أن هذا النموذج يمكنه أيضاً منح أعضاء مجلس الوزراء سلطة مفرطة على مؤسسات الدولة ومواردها، مما من شأنه أن يخلق سياقاً مشابهاً للسياق الذي تولت فيه الحكومة الانتقالية السابقة مهامها، والذي أدى إلى تنافس داخل الوزارات على السلطة وقيام الأحزاب بإساءة استخدام المؤسسات الخاضعة لسيطرتها لتعزيز شبكات المحسوبيات لديها.

وتشير دراسات الحالة المقدمة أعلاه إلى أن اتفاقات تقاسم السلطة بين القوى السياسية المتنافسة أدت إلى فشل الانتقال السياسي في اليمن بعد عام 2011، وإلى جمود سياسي وتوطيد لشبكات المحسوبية في لبنان، وفي الوقت نفسه بمثال تونس، يمكن لحكومة التكنوقراط أن تعمل بكفاءة أكبر مع توفير مساحة لحل المنافسة السياسية، كما أن من شأن الوزارات العاملة والخدمات العامة أن تساعد في تأمين رضى الجماهير بالعملية الانتقالية.

وفي حالة اليمن عقب الصراع، يمكن لحكومة التكنوقراط التي يشكلها رئيس وزراء توافقي أن تتجنب الصراع الوزاري المناطقي المشحون سياسياً، حيث يسعى فيه وزراء الأحزاب المعارضة إلى التقدم السياسي على منافسيهم، كما أنه سيقلل من استخدام الوزراء لمراكزهم لدفع شبكات المحسوبية للأحزاب، وبدلاً من ذلك، يمكن أن تركز حكومة التكنوقراط على الحكم وتقديم الخدمات الأساسية بدلاً من التنازع السياسي، وسيساعد هذا الخيار في حماية موارد الدولة من سطوة الجماعات السياسية، إضافة إلى أنه سيكون لديها فرصة أكبر لتأمين رضى الجنوب، الأمر الذي سيكون تحدياً للحكومة التوافقية، وفي حين أنه سيكون لحكومة التكنوقراط الفرصة الأمثل للعمل دون هيمنة سياسية مفرطة، إلا أنها ستعتمد على دعم متواصل عابر للأحزاب والذي ربما لا تحصل عليه، لذلك سيكون استمرار الاهتمام الدولي والضغط على جميع الأطراف خلال العملية الانتقالية أمراً بالغ الأهمية.

توصيات

فيما يبدو أن حكومة التكنوقراط توفر أكبر فرصة للاستقرار والكفاءة في اليمن عقب الصراع، تقدم التوصيات التالية بهدف زيادة فعالية الحكومة إلى الحد الأقصى بغض النظر عن النموذج المُختار، حيث تركز هذه التوصيات على: سلطة الحكومة الانتقالية عقب الصراع؛ تطوير القطاع الخاص؛ وتمكين الحكم المحلي.

1) بناء إجماع حول مستوى واضح لحجم تفويض الهيكل السياسي الحاكم عقب الصراع

يجب الاتفاق على تفويض واضح للحكومة الانتقالية خلال فترة المفاوضات، وقبل تشكيل الحكومة، ويجب على جميع الأطراف الالتزام بعدم التدخل في عمل الهيكل السياسي الحاكم.

  • يجب أن تعمل الحكومة الانتقالية بالتوازي مع استمرار المفاوضات السياسية الأوسع نطاقاً والشاملة للأطراف المحلية الفاعلة الأخرى، بما في ذلك الفصائل الجنوبية، والمؤتمر الشعبي العام، والقيادات الناشئة على مستوى المحافظات، وجهات أخرى، ويجب أن تتضمن المفاوضات السياسية أجندة عمل أوسع لمستقبل اليمن.
  • يجب الاتفاق على فترة محددة لولاية الحكومة الانتقالية، مع أطر زمنية واضحة لنقل السلطة.
  • بغض النظر عن النموذج الذي يتم اختياره، يجب معالجة القضايا العسكرية والأمنية من قبل لجنة أمنية عسكرية مشتركة، حيث تمت مناقشة ذلك سابقاً في محادثات السلام الأممية في الكويت، ويسمح ذلك للحكومة الانتقالية بالتركيز على القضايا الأقل حساسية وعلى إدارة الشؤون اليومية للبلاد.
  • يجب على الحكومة إعطاء الأولوية لتقديم الخدمات الأساسية، وميزانية جديدة، وخلق فرص العمل، والعمل على استعادة البنك المركزي اليمني ككيان موحد له القدرة على تأمين استقرار العملة الوطنية وتنظيم القطاع المالي في البلاد.
  • يجب أن يكون رئيس الوزراء المختار لقيادة الحكومة الانتقالية قادراً على بناء توافق في القرارات الحكومية بما فيها تعيينات الحكومة، وله علاقات قوية وإيجابية مع جميع أصحاب المصلحة.
  • يجب تشكيل كيان مستقل لمراقبة وتقييم أداء الحكومة الانتقالية بانتظام، كما يجب أن يراقب هذا الكيان مؤشرات الأداء للحكومة وللوزراء بشكل فردي، ويجب نشر نتائج هذه التقييمات على الملاً من أجل ضمان الشفافية والمساءلة.

2) تمكين القطاع الخاص لدعم التنمية وإعادة الإعمار والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي عقب الصراع

يجب أن تركز الحكومة الانتقالية على تطوير القطاع الخاص بهدف خلق فرص العمل، وإعادة بناء البنية التحتية، واستعادة التدفقات المالية إلى الاقتصاد الرسمي وتعزيز الاستقرار بهدف تحسين فرص السلام المستدام.

  • يجب أن تقوم الحكومة ببناء قدرات الأعمال المحلية لخلق فرص العمل وتنفيذ البرامج، وضمان امتلاك الشركات المحلية للأدوات والمهارات اللازمة للاستفادة من التدخل الدولي.
  • يجب على الحكومة ضمان وصول القطاع الخاص إلى التمويل والتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة ورجال الأعمال، ويجب على الحكومة والجهات المانحة الدولية مساعدة الجهات الفاعلة في القطاع الخاص على تطوير آليات مالية مشتركة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والبيئة الحاضنة الأعمال.
  • يجب أن تركز السياسات الحكومية على مؤسسات التمويل الأصغر ذات الخبرة في اليمن لتعزيز شمولية المؤسسات المالية على نطاق أوسع في جميع أنحاء اليمن، كما يجب تمكين بنوك وشركات التمويل الأصغر من أجل تقديم الخدمات المالية للأفراد وخدمات إدارة النقد للشركات الصغيرة، علاوة على ذلك، ينبغي تعزيز التطبيقات المصرفية عبر الهاتف المحمول في اليمن بهدف توسيع نطاق وصول المقترضين من ذوي الدخل المنخفض.
  • يجب على الحكومة إصلاح بيئة الأعمال من خلال:
    • إنشاء نظام ضريبي يشجع نمو المشاريع الصغيرة، ويقدم حوافز ضريبية للمؤسسات المتوسطة والكبيرة المربحة لاستثمار رأس المال، مع زيادة الضرائب على الأرباح المودَعة؛
    • تمكين مؤسسات مكافحة الفساد؛
    • تشجيع الاستثمارات من خلال تخفيف بعض الإجراءات الناظمة التي تقيد الاستثمارات الأجنبية وتثبط نشوء مشاريع جديدة.
  • يجب على الحكومة إعطاء الأولوية لـ “المكاسب السريعة”، كالإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن تحقق نتائج فورية، وقد يشمل ذلك الإصلاحات لبناء قدرة المحاكم التجارية للتعامل مع المنازعات التجارية.

لمزيد من التفاصيل حول كيفية قدرة القطاع الخاص على لعب دور إيجابي في جهود تحقيق الاستقرار على المدى القصير والطويل، انظر الكتاب الأبيض لرواد التنمية: “مشاركة القطاع الخاص في اليمن بعد انتهاء النزاع”.[22]

3) تمكين السلطة المحلية من خلال نقل سلطة أكبر إلى هيئات الحكم المحلي

يجب على الحكومة الانتقالية تسهيل نقل المسؤولية إلى السلطات المحلية، ويجب على الحكومة وضع آليات لتقييم ومساءلة السلطات المحلية عن أدائها وتأمين الخدمات.

  • يجب على الحكومة الانتقالية إجراء تقييم شامل لتحديد المجموعات والأفراد النافذين على مستوى المحافظات والمديريات وتقييم القاعدة الشعبية الداعمة لهم محلياً وقدرتهم على تقديم الخدمات العامة، كما يجب أن يدفع هذا التقييم نحو اللامركزية، وأن تقوم الحكومة أيضاً بالاستفادة من عمق معرفة السلطة المحلية بالسياقات والديناميكيات المحلية في هذه العملية.
  • يجب على حكومة تصريف الأعمال إصدار تعليمات ناظمة مؤقتة لنقل الصلاحيات الرسمية إلى مستوى المحافظات والمديريات، وأن تتضمن هذه التعليمات المؤقتة ما يلي:
    • تخويل المجالس المحلية للوصول إلى الموارد المستدامة وتطويرها على المستوى المحلي وإنفاق الإيرادات منها على احتياجاتهم؛
    • تخصيص حصة من الموارد المركزية لكل محافظة على أساس معايير تمويل شفافة؛
    • ضمان تمتع المجالس المحلية بسلطات إدارية كافية للإشراف على تقديم الخدمات والحكم الفعال وردع شبكات المحسوبية على الصعيد المحلي؛
    • إعطاء الأولوية للرقابة والمساءلة المستقلة.

لمزيد من التفاصيل حول أهمية الحكم المحلي في اليمن في أعقاب تصاعد النزاع في آذار/ مارس 2015 وتراجع الحكومة المركزية، انظر الكتاب الأبيض لرواد التنمية: “الحكم المحلي في اليمن وسط النزاعات وعدم الاستقرار”.[23]


الهوامش

[1] قبل الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، كان الرئيس يحكم بسلطة تنفيذية مطلقة وله وحده سلطة تعيين وإقالة رئيس الوزراء وتشكيل مجلس وزاري دون أي آليات رقابة. بالإضافة إلى تولي المسيحيين المارونيين المناصب العسكرية العليا، وحاكم المصرف المركزي وأعلى مناصب قضائية ورئيس المخابرات. انظر: Hassan Krayem, “The Lebanese Civil War and the Taif Agreement,” American University of Beirut, http://ddc.aub.edu.lb/projects/pspa/conflict-resolution.html. Last access 22 March 2019.

[2] “وثيقة الوفاق الوطني – اتفاقية الطائف”، والموقعة في 22 تشرين/ الأول أكتوبر 1989، مكتب رئاسة الجمهورية اللبنانية، https://www.presidency.gov.lb/Arabic/LebaneseSystem/Documents/TaiifAgreementn.pdf، تم آخر وصول22 مارس / آذار 2019.

[3] “Michel Aoun Elected President of Lebanon,” Al Jazeera, October 31, 2016, https://www.aljazeera.com/news/2016/10/michel-aoun-elected-president-lebanon-161031105331767.html, last access 22 March 2019; Benjamin Redd, “Lebanon Marks 75th Birthday as it Waits for 75th Cabinet,” Daily Star, November 22, 2018, http://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2018/Nov-22/469825-lebanon-marks-75th-birthday-as-it-waits-for-75th-cabinet.ashx, last access 22 March 2019

[4] Krayam, “Civil War.”

[5] المرجع نفسه.

[6] “Policy Brief — Breaking the Cycle of Failed Negotiations in Yemen,” Project on Middle East Democracy (POMED), https://pomed.org/pomed-policy-brief-breaking-the-cycle-of-failed-negotiations-in-yemen/

[7] تشكل مؤتمر الحوار الوطني من 565 مندوباً عن العديد من الأحزاب السياسية الرئيسية في اليمن والمكونات الاجتماعية المتنوعة ومنحهم الفرصة لإبداء رأيهم في إعادة صياغة البلاد من خلال المشاورات التي تهدف إلى معالجة عدد من القضايا الهامة التي لم تحل بعد، بما فيها: قوانين الزواج والهوية الدينية للدولة والإصلاح السياسي؛ بالإضافة إلى العدالة الانتقالية، والأهم من ذلك ربما، هيكلية الدولة وشكل الحكم بالفيدرالية كخيار رائد في هذا الصدد. انظر: “Yemen National Dialogue Conference Participants,” The National, March 18, 2013, https://www.thenational.ae/world/mena/yemen-national-dialogue-conference-participants-1.292425. last access 22 March 2019. كما حاول المؤتمر بشكل خاص معالجة المظالم الهامة لدى الحوثيين – قبل وبعد الحروب الستة التي خاضوها بين عامي 2004 و2010 ضد صالح والقوات الحكومية اليمنية التي كان يسيطر عليها في ذلك الوقت – ومظالم الجنوبيين، والتي تنبع من تجربة وحدةغير مستقرة، ونوقشت هذه القضايا والمظالم، ضمن أمور أخرى، في إطار تسع مجموعات عمل منفصلة، وعلى النحو التالي: القضية الجنوبية؛ قضية صعدة؛ القضايا الوطنية والعدالة الانتقالية؛ بناء الدولة؛ الحكم الرشيد؛ الجيش والأمن؛ استقلالية الهيئات الخاصة، الحقوق والحريات؛ ومجموعة العمل للتنمية.

[8] “Transitional Program for Stabilization and Development (TSPD),” Republic of Yemen Ministry of Planning and International Cooperation, September 2012, http://www.ye.undp.org/content/yemen/en/home/library/democratic_governance/transitional-program-for-stabilization-and-development–tpsd–20.html, last access 22 March 2019.

[9] Mohammad Ghobari, “Houthis tighten grip on Yemen capital after swift capture, power-sharing deal,” Reuters, September 22, 2014, https://www.reuters.com/article/us-yemen-security-idUSKCN0HH2BQ20140922, last access 22 March 2019.

[10] Peter Salisbury, “Corruption in Yemen: Maintaining the Status Quo?” in Rebuilding Yemen: Political, Economic, and Social Challengers, ed. Noel Brehony and Saud al-Sarhan (Berlin: Gerlach Press, 2015), 72-73.

[11] المرجع نفسه.

[12] المرجع نفسه.

[13] أدى قيام محمد البوعزيزي بحرق نفسه احتجاجاً على الظروف الاقتصادية القاسية للبلاد، والمظاهرات الشعبية اللاحقة إلى سقوط نظام زين العابدين بن علي في يناير/ كانون الثاني 2011.

[14] “Ennahda wins Tunisia’s election,” Al Jazeera, October 28, 2011, https://www.aljazeera.com/news/africa/2011/10/2011102721287933474.html

[15] Carlotta Gall, “Second Opposition Leader Assassinated in Tunisia,” New York Times, July 26, 2013, https://www.nytimes.com/2013/07/26/world/middleeast/second-opposition-leader-killed-in-tunisia.html. Last access 22 March 2019.

[16] كانت اللجنة الرباعية مؤلفة من أربع منظمات من المجتمع المدني التونسي: الاتحاد العمالي التونسي ذي النفوذ التاريخي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والحرف اليدوية؛ نقابة المحامين التونسية؛ والرابطة التونسية لحقوق الإنسان. انظر: Issandr El Amrani, “Tunisia’s National Dialogue Quartet Set a Powerful Example,” International Crisis Group, October 10, 2015, https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/north-africa/tunisia/tunisia-s-national-dialogue-quartet-set-powerful-example. Accessed March 22, 2019.

[17] Sarah Chayes, “How a Leftist Labor Union Helped Force Tunisia’s Political Settlement,” Carnegie Endowment for International Peace, March 27, 2014, http://carnegieendowment.org/2014/03/27/how-leftist-labor-union-helped-force-tunisia-s-political-settlement. Accessed March 22, 2019.

[18] “Tunisia Industry Minister Mehdi Jomaa to be new PM,” BBC News, December 14, 2013, https://www.bbc.com/news/world-africa-25385984. Accessed March 22, 2019.

[19] Tarek Amara, “Tunisia’s Islamist Cede Power to Caretaker Government,” Reuters, January 29, 2014, https://www.reuters.com/article/us-tunisia-government/tunisias-islamists-cede-power-to-caretaker-government-idUSBREA0S1KI20140129. Accessed March 22, 2019. كما ساعد الحوار الوطني الذي بدأته الرباعية في تسهيل الاتفاق على دستور تونسي جديد، والذي تم إقراره في الجمعية التأسيسية في يناير/ كانون الثاني 2014. ونظراً لجهودها في إنشاء “عملية سياسية سلمية بديلة في وقت كانت فيه البلاد على شفا الحرب الأهلية “ولبناء الديمقراطية التعددية في تونس، حصلت اللجنة الرباعية على جائزة نوبل للسلام في عام 2015؛ انظر: “The Nobel Peace Prize for 2015,” Noble Prize, October 10, 2015 https://www.nobelprize.org/prizes/peace/2015/press-release/. last access 22 March 2019.

[20] وافقت القوى الحاكمة والمعارضة باستثناء حزب واحد على خارطة الطريق وبدء حوار وطني في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. حيث لعبت اللجنة الرباعية دوراً نشطاً للغاية كوسيط وراعٍ للمحادثات ونجحت في إعطاء المساحة اللازمة لتتمكن المفاوضات من نزع فتيل التوترات السياسية في البلاد.

[21] يعزى نجاح اللجنة الرباعية إلى حد كبير إلى المصداقية التي تتمتع بها في نظر معظم التونسيين. حيث كانت المنظمات، ولا سيما النقابات العمالية كالاتحاد العمالي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، مؤثرة حتى في ظل الحكم الاستبدادي في تونس، ولعبت مشاركتها في ثورة 2011 دوراً حاسماً في سقوط حكومة بن علي.

[22] أمل ناصر، “مشاركة القطاع الخاص في اليمن بعد انتهاء النزاع”، إعادة التفكير في الاقتصاد اليمني، أغسطس/ آب 2018، https://devchampions.org/uploads/publications/files/Rethinking_Yemens_Economy_No3_Ar.pdf، تم آخر وصول 22 مارس / آذار 2019.

[23] ماجد المذحجي “الحكم المحلي في اليمن في ظل النزاع والاضطراب”، إعادة التفكير في الاقتصاد اليمني، يوليو/ تموز 2018، https://devchampions.org/uploads/publications/files/Rethinking_Yemens_Economy_No2_Ar.pdf، تم آخر وصول في 25 مارس / آذار 2019.

مشاركة