لاهاي، هولندا – انطلقت، اليوم الاثنين، في لاهاي فعاليات منتدى اليمن الدولي بنسخته الثانية، الذي ينظمه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حيث دعا المتحدثون في الجلسة الافتتاحية المشاركين لاستغلال هذا المحفل النادر من نوعه من أجل وضع خطوات عملية تفضي إلى إرساء سلام مستدام في البلاد بعد ثمان سنوات من الحرب.
وفي كلمته الترحيبية، تحدث رئيس مركز صنعاء ماجد المذحجي من قصر السلام الذي أُنشئ عام 1913 لعقد المحاكم الدولية المعنية بالتحكيم والعدالة، قائلا “إذًا ماذا نريد هنا؟ ما نريده هو أن نفكر بشكل جماعي لاستخلاص المسار الممكن لسلام شامل ودائم وغير قابل للتقويض، وأن يكون السلام لأول مرة في تاريخ اليمن مرتكزًا على العدالة ورفع المظالم عن ضحايا هذا الصراع والصراعات السابقة”.
وشهدت الجلسة الافتتاحية حضور أكثر من 250 مشاركًا من داخل اليمن وخارجه، بمن فيهم ممثلون عن الحكومة اليمنية وعن مختلف الأطراف السياسية الفاعلة ونشطاء وممثلون عن المجتمع المدني وأكاديميون ودبلوماسيون ووسطاء دوليون، لمناقشة مجريات الصراع، بعد عام من تهدئة أحيت الآمال بإرساء السلام.
وقال الأمين العام لوزارة الخارجية الهولندية بول هويجتس إنه “بعد سنوات عديدة من الصراع، قد يصبح من الصعب تحوّل التركيز والبدء في تصوّر مجتمع سلمي. لكن هذا بالضبط ما هو المطلوب. من المهم أن تنبثق هذه الرؤية من قلب اليمن، وليس من مكان آخر”.
من جانبه، قال المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن، ديفيد غريسلي، إن اليمن اقترب إلى حد كبير من تحقيق السلام منذ انعقاد النسخة الأولى من منتدى اليمن الدولي في ستوكهولم العام الماضي، مضيفًا “باتت بارقة الأمل أقوى اليوم، رغم عدم وجود ضمانات”.
ورغم انتهاء الهدنة الرسمية التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، إلا أنها ظلت صامدة ولو بصورة غير رسمية منذ ذلك الحين، مع بدء محادثات أيضًا لإبرام صفقة سلام رسمية.
وفي هذا السياق، قال غريسلي “مرت بلدان كثيرة بمراحل انتقالية مماثلة من الصراع إلى السلام. بعضها ينجح، والبعض الآخر لا. ناضل الكثيرون. وأنا آمل وأؤمن أن اليمن سينجح. وجّهت فريقنا القُطري في اليمن بالاستعداد للسلام”.
وستشهد فعاليات المنتدى حضور سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم من أعضاء المجتمع الدولي ممن سينضمون إلى المناقشات مع الجهات الفاعلة السياسية والمدنية اليمنية.
وسيَتضمن برنامج العمل على مدار الأيام الأربعة (من 12 إلى 15 يونيو/حزيران) عدة جلسات عامة وجلسات ستُعقد بالتوازي إلى جانب ورش عمل، لتشجيع المشاركين على الانخراط في حوار بنّاء، وتبادل الأفكار، وتصور السيناريوهات المستقبلية للبلاد، ووضع مسارات عملية تفضي إلى إرساء السلام في اليمن.
وفي الجلسة العامة الأولى، شدد المتحدثون على ضرورة إنصاف ضحايا الحرب كأساس لبناء سلام مستدام يكسر حلقة الصراع المتكرر.
واستمع الحضور إلى كلمة رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج، التي تحدثت بنبرة عاطفية عن المعاناة التي عاشها حوالي 12 ألف شخص اختُطفوا من قِبل الأطراف المتحاربة خلال فترة الحرب، وأُطلق سراح 8 آلاف منهم بعد إلحاق الأذى الجسدي والنفسي الحاد بهم.
وقالت “نحن كأمهات سنواصل الدعوة إلى العدالة والمطالبة بها. يجب أن تكون هناك عدالة، ولن نبقى صامتين. توفيت العديد من الأمهات قبل إطلاق سراح أبنائهن، وهذه هي الكارثة التي نواجهها”، مما أثار موجة من التصفيق من الحضور.
وأضافت: “أود أن أحذر المجتمع المحلي والإقليمي والدولي. إذا أُريدَ للسلام أن يكون حقيقيا وشاملا ويوفر الأمن والاستقرار، يجب أن تكون هناك عدالة وإنصاف. خلاف ذلك، فإن هؤلاء الضحايا هم بمثابة قنبلة موقوتة، حيث ستَستمر دورة العنف والانتقام”.
من جانبه، أعرب سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن غابرييل مونويرا فينيالس خلال الجلسة العامة الثانية لهذا اليوم عن إيمانه بأن الملف اليمني سيظل أولوية في أجندة المجتمع الدولي، قائلا “بالنسبة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، لا تزال قضية اليمن على رأس جدول الأعمال وهناك استعداد لمواصلة الدعم والقيام بما في وسعنا في هذا الصدد”.
تجدر الإشارة إلى أن منتدى اليمن الدولي يُعقد بتنظيم من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (مركز أبحاث مستقل مع تركيز خاص على اليمن) وبدعم من مملكة هولندا والاتحاد الأوروبي ومملكة النرويج ومؤسسة المجتمع المنفتح وأكاديمية فولك برنادوت. في العام الماضي، استضافت ستوكهولم النسخة الأولى من المنتدى في يونيو/حزيران 2022، حيث حضر 200 شخص يمثلون مختلف الجهات الفاعلة اليمنية والدولية بغية النهوض بحوار السلام في اليمن.