نظم مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ندوة افتراضية ناقشت تأثير الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والقصف الذي تبنته جماعة الحوثيين نحو إسرائيل، على الأزمة اليمنية وجهود عملية السلام.
وأطلقت الجماعة التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من محافظات شمال وغرب اليمن منذ نهاية ٢٠١٤، عددا من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، في تحرك قد يلقي بظلاله على اليمن الذي يعيش حربا أهلية مستمرة، وتسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم وفق تقارير الأمم المتحدة.
وبحثت الندوة التداعيات المباشرة والمستقبلية للهجمات على مسار المحادثات السعودية الحوثية، وإمكانيات انخراط الحوثيين في الصراع، ومدى الالتزام الدولي بحل الأزمة اليمنية في حال تفاقم الصراع في غزة.
وتحدث في الجلسة يزيد صايغ، باحث رئيسي في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، وتوماس جونو، زميل غير مقيم في مركز صنعاء وأستاذ مشارك بجامعة أتاوا، وعبدالله باعبود، باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، وماجد المذحجي رئيس مركز صنعاء والشريك المؤسس، إضافة إلى ميساء شجاع الدين، باحثة أولى في مركز صنعاء.
رسالة سياسية
وقال ماجد المذحجي رئيس مركز صنعاء إن الهجوم يقدم رسائل سياسية حول مدى انخراط والتزام أطراف المحور الإيراني في المشاركة بالتصعيد حال الاحتياج لهم وتحديدا من اليمن، إذ “يكشف عن كونه خطرًا أكثر منه تهديدًا استراتيجيًا يلحق الضرر بالبنية الأمنية”.
وأشار إلى أن ذلك يعد أول انخراط للحوثيين في التزامهم تجاه ذلك المحور، مما سيغير صيغة حضور الجماعة في التفاعلات الإقليمية ودورها المستقبلي ضمن المحور الإيراني، فتهديدها لأبرز حلفاء العالم الغربي في المنطقة، مغامرة.
وقال إن إيران نجحت، من خلال هذا التصعيد، في إيصال رسالة واضحة للخليجيين بمحدودية الضمانات الأمريكية وعدم قدرتها على الردع، رغم أن الضربات التي استهدفت أرامكو سابقًا كانت إشعارا واضحا بأنه لا ضمانة يمكن تقديمها أمنيًا خارج التفاهمات الإقليمية مع طهران، لتستجيب السعودية بمسار النقاشات الذي فُتح عبر بكين.
ولفت إلى أن ضربات الحوثيين قد تكون أكثر فعالية وتؤخذ في الاعتبار من قِبل الخليجيين والمجتمع الدولي، إذا استهدفت الجماعة الأصول الأمريكية أو النفطية في المنطقة أو هددت حركة الملاحة البحرية الدولية في باب المندب.
وحول تأثير ضربات الحوثيين على الحرب الحالية في غزة، قال المذحجي إن الحوثيين سيغيرون المعادلة في المنطقة، فانخراطهم في الحرب يعني توسيع الصراع ليمتد خارج إطار الحدود اللصيقة لجغرافيته.
وأضاف أن الحوثيين يهددون الآن مجموعة المصالح الدولية التي شكل دعمها لإسرائيل مثار غضب محور المقاومة، مما قد يعيد تفاعل المجتمع الدولي مع قدرتهم على التهديد وطبيعة دورهم والمخاطر المتصلة بهم، والضمانات التي تحول دون انخراطهم في صراع جديد، كما سيخلق تداعيات في الاستجابة الدولية باليمن، وخصوصا من واشنطن، حول موقع الحوثيين في المعادلة.
الرد الإسرائيلي
دخول الحوثيين في دائرة الحرب المستمرة في غزة أثار مخاوف اليمنيين الذين يعيشون هدنة غير معلنة بين أطراف النزاع منذ عام ونصف، لكن المذحجي يرى أن رد الفعل الإسرائيلي سيكون وفق حجم التهديد.
وقال إنه قد نشهد استهدافًا للحوثيين وإمكانياتهم ومخازنهم المسلحة، لكن إذا رفع الحوثيون منسوب التهديد سنشهد مستويين من الاستجابة، مستوى سياسي قد يبدأ في إعادة الحديث عن تصنيفهم في قائمة الإرهاب، وعسكري يتعلق باستهداف بعض قادتهم أو عناصر الحرس الثوري الموجودين في اليمن.
المحادثات السعودية الحوثية
وفيما إذا كان هناك تأثير للتطورات الأخيرة على مسار المحادثات السعودية الحوثية، قالت الباحثة بمركز صنعاء ميساء شجاع الدين إن السعودية قبل هذا التصعيد الأخير في غزة كانت تسعى إلى إغلاق ملف اليمن.
وأوضحت أن الرياض حيدت نفسها إلى حد كبير في محاولة منها لإعادة تقديم نفسها كدولة مستقرة أمنيًا واقتصاديًا في تمهيد لتقديم رؤيتها 2030 والتسويق لنفسها بصورة مغايرة تمامًا عما حدث أثناء حرب اليمن، وتأثر سمعتها الدولية سلبًا.
وأضافت بأن السعودية اتجهت إلى إيران التي تملك تأثيرًا على الحوثيين لوقف الصواريخ الحوثية والطائرات المسيّرة التي تطلقها الجماعة على أراضيها مما كلفها ماديا وسياسيا.
لكن الحرب في غزة أعادت خلط الأوراق، وقد تتأثر السعودية في حال اتسعت رقعة النزاع في الإقليم وقد يعيد تقسيم المنطقة إلى معسكرين إيراني ومعادي لها، ووفق شجاع الدين فإن هذا احتمال مطروح، وبحكم ارتباط السعودية الأمني مع الغرب ستنهار كل محاولات الاتفاق مع إيران أو مع الحوثيين.
وقالت إن الحرب أوقفت حتى اللحظة المحادثات السعودية الحوثية لكن لم تنهيها.
وبشأن وضع الحوثيين عقب الهجمات على إسرائيل، قالت شجاع الدين إن ذلك أعاد شعبية الجماعة في الداخل اليمني بعد أن واجهت تحديات فعلية تجاه الشارع اليمني، تسببت في مظاهرات واحتجاجات ضدها.
إيران وحزب الله لا يريدان مواجهة إسرائيل
في السياق الإقليمي الذي ناقشته الندوة، قال الدكتور يزيد صايغ الباحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط إن إيران وحزب الله لا يريدان الانجرار إلى القتال المباشر مع إسرائيل، إذ استثمرت إيران ببناء قدرات حزب الله العسكرية لردع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
وأوضح أنه من الصعب مخاطرة إيران بهذه الورقة الاستراتيجية التي يمثلها حزب الله حتى من أجل إنقاذ حركة حماس، فالأولوية هي حماية الردع الاستراتيجي الإيراني.
وأشار إلى أن دخول حزب الله في الحرب سيكون بقرار إسرائيلي، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وضع داخلي حرج، إذ يُتهم بالتقصير وهناك مطالب شعبية برحيله، في حين يتمسك هو ببقائه السياسي؛ وفي حال تزايد الضغط عليه قد يلجأ إلى التصعيد مع حزب الله للهروب إلى الأمام.
لكن صايغ يرى أن روسيا ستبدي معارضتها الشديدة لأي توجه عسكري ضد إيران حليفها في أوكرانيا، كما أن الصين ستتحرك وتتخذ لهجة أو نبرة دبلوماسية أشد مما قبل دفاعًا عن إيران، في حال أوشك الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران أو بين القوات الأمريكية وإيران.
وحول إحياء مشروع حل الدولتين، قال صايغ إنه غير ممكن وفق الظروف الحالية لعدة أسباب، من بينها تغير الخطاب الأوروبي مع صعود اليمين، وتراجع القوى أو الحكومات الوسطية، “لكن لا أعتقد أن الظروف والمعطيات متوفرة الآن ولا بعد ستة أشهر ولا في الأفق المنظور للعودة إلى أي مسار سياسي جاد يؤدي إلى دولتين”.
وقال “لا أرى من يضع في الميزان الثقل الكافي لإزاحة الموقف الإسرائيلي، إلا إذا صار هناك اختلاف تدريجي من قلب المجتمع الإسرائيلي كما من المجتمع الفلسطيني. وما عدا ذلك أرى أن كل المعطيات إسرائيليًا، وفلسطينيًا، وغربيًا، ودوليًا، لا تشير إلى موضوع فلسطين والدولة الفلسطينية، وأظن هذا الأمر مهدور إلى عشرين أو ثلاثين أو خمسين عامًا”.
من جانب آخر، حمّل صايغ قيادة حماس العسكرية والسياسية حصتها من المسؤولية عن مجريات الأحداث، فما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ساهم في تسهيل عملية الاصطفاف الغربي مع إسرائيل وإباحة قتل المدنيين الفلسطينيين بهذا الشكل المطلق.
صفعة كبيرة على وجه السعودية
ويرى الدكتور توماس جونو، زميل غير مقيم في مركز صنعاء وأستاذ مشارك بجامعة أتاوا، أن السعودية خسرت الحرب في اليمن، وهي تحاول التفاوض على انسحابها بطريقة تقلل من خسائرها، لكن المفاوضات صعبة.
وأضاف أن الحوثيين، بعد أن رأوا أنهم انتصروا في الحرب سياسيًا وعسكريًا، يحاولون الحصول على أقصى قدر من التنازلات من السعودية، وهذا الموقف لن يتغيّر نتيجة لما يحدث في غزة.
وأوضح أن “إطلاق ضربات صاروخية وطائرات دون طيار على إسرائيل يمثل صفعة كبيرة ورمزية وسياسية على وجه السعودية”، رغم أنه لا يشكل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل من منظور عسكري، لكن رسالته الأوسع ستكون مهمة.
وعبر الحوثيين وحزب الله ستواصل إيران التصعيد للضغط على إسرائيل وإبعادها عن شركائها الإقليمين الذين يجدون أنفسهم في وضع حرج مثل الإمارات والبحرين.
لكن جونو يعتقد أن مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل سيناريو محتمل بعد انتهاء الحرب في غزة، خصوصًا مع دخول الحوثيين فذلك يحفز السعودية على التطبيع بشكل أسرع، حسب قوله.
ارتباك في دول الخليج
من جهته، قال الدكتور عبدالله باعبود، باحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، إن أي تطورات في حرب إسرائيل على غزة ستؤثر على دول الخليج التي تحاول المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة والتركيز على التنمية الاقتصادية واقتصاد ما بعد النفط.
وأشار إلى التعاطف الشعبي الكبير مع غزة، ورغم أن دول الخليج ليست دول ديمقراطية، “لكن لا ننسى أيضًا أن الحكومات في المنطقة تأخذ بعين الاعتبار رأي الشعب إلى حد كبير، فهذا أيضًا ممكن أن يؤثر على أمن المنطقة”.
وقال باعبود إن قلة اهتمام أوروبا والولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط جعل دول المنطقة تتجه شرقًا، في الوقت الذي تدور خلافات بين بعض حكومات الخليج والإدارة الأمريكية، مما يجعل دول الخليج مرتبكة وبالأخص الدول التي وقعت اتفاقيات أبراهام.
وأضاف “هذه الدول محرجة أمام جمهورها وشعوبها والدول في المنطقة، فالاتفاقيات مع إسرائيل لم تحقق حل الدولتين والحل السلمي للقضية الفلسطينية”.
وأوضح أن قطر قد تكون جزءًا من الحل؛ كونها تحتضن قيادات حماس، رغم أن ذلك عرضها لضغط شديد من قِبل بعض الدول، ولكن هذا الضغط تغير حين بدت هذه الدول تستفيد من وضع قطر كما استفادت الولايات المتحدة في مفاوضتها مع حركة طالبان.
ووفق باعبود فإن هناك حوار دائر ما بين بعض الدول المنطقة والصين لإيجاد حل للحرب المستمرة على غزة.