في ظل الصراع الدائر وتداعياته الكارثية على اليمنيين، برزت العدالة الانتقالية كإحدى أهم السبل نحو إحلال السلام في اليمن. فهي الطريق الوحيد لتحقيق سلام حقيقي وشامل يضع الضحايا في صميم عملية العدالة، من خلال الاعتراف بالانتهاكات التي تعرضوا لها، وتقديم جبر الضرر لهم، والعمل على ضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات.
من وجهة نظرنا نحن الشباب اليمني، الذين عايشنا الصراع منذ بدايته وشهدنا الانتهاكات والضحايا على أيدي مختلف الأطراف، فإن قضية العدالة الانتقالية كانت غائبة إلى حد كبير عن الخطاب العام والسياسات، وحتى عن مشاورات السلام.
إيمانًا منا بمسؤوليتنا كشباب في صياغة مستقبل وطننا، وُلدت فكرة حملة العدالة الانتقالية ضمن منتدى سلام اليمن، وبالشراكة مع مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
من خلال هذه الحملة التي تمتد لأسبوع، نسعى إلى إبراز قضية العدالة الانتقالية على الساحة الوطنية، وتوسيع نطاق النقاش حولها، والدفع باتجاه جعلها أولوية في جميع مسارات السلام.
نحن، كشباب يمني، اخترنا أن نركز على قضية العدالة الانتقالية لعدة أسباب رئيسية:
- أولاً: نمثل إحدى الفئات الأكثر تضررًا من الحرب. وفي الوقت نفسه، نحن الشباب الأكثر قدرة وحماسًا لصياغة مستقبل مختلِف لليمن.
- ثانياً: تتيح لنا العدالة الانتقالية القدرة على تفكيك جذور الصراع وبناء ذاكرة جماعية قائمة على الاعتراف بالآخر، الأمر الذي يعزز فرص المصالحة ويقلّل من حدة الانقسامات التي تهدد أي اتفاق سياسي مستقبلي.
- ثالثاً: لقد أثبتت تجارب الدول الأخرى أن اعتماد آليات العدالة الانتقالية يمثل أفضل بوابة نحو تحقيق مصالحة حقيقية.
وتتضمن حملة العدالة الانتقالية حزمة من الأنشطة التي تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، من بينها:
- تعزيز معارف الشباب بمفاهيم العدالة الانتقالية، وتزويدهم بالمهارات والقدرات اللازمة لمناصرتها، إضافةً إلى بناء شبكة واسعة وقاعدة بيانات للفاعلين في مجال العدالة الانتقالية.
- إنتاج محتوى إعلامي يُبرز أهمية العدالة الانتقالية ويعبر عن مطالب الضحايا.
اليوم، نحن الشباب ومنظمات المجتمع المدني، ندعو إلى إحياء يوم العدالة الانتقالية في اليمن في الأول من سبتمبر من كل عام. ونؤكد أن هذا اليوم يجب أن يكون فرصة سنوية للتعبئة المجتمعية من أجل ترسيخ مصالحة قائمة على العدالة والإنصاف، والبحث عن الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، ولرفع أصوات الضحايا وأسرهم.
تكمن أهمية إقرار هذا اليوم السنوي للتأمل والعمل في ترسيخ الاعتراف بالضحايا وبالانتهاكات التي تعرضوا لها، وإحياء ذكراهم، وتوحيد جهود المجتمع المدني حول قضايا العدالة الانتقالية. كما يوفّر مساحة منتظمة للحوار حول المصالحة وبناء السلام، ويُذكّر الأجيال القادمة بأن العدالة شرط لا غنى عنه لتحقيق السلام المستدام، وأن ذاكرة الضحايا جزء أساسي من هوية اليمن المستقبلية.
لم يكن اختيار هذا التاريخ اعتباطياً، فهو يرتبط بالزخم العالمي في الثلاثين من أغسطس الذي يحيي اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، باعتباره أحد أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
وباسم منتدى سلام اليمن، منظماته وشبابه، ندعو جميع الأطراف المنخرطة في عملية السلام إلى:
- اعتماد يوم العدالة الانتقالية في اليمن ضمن التقويم الرسمي ليكون محطة سنوية للاعتراف بالضحايا وتوحيد الجهود نحو عدالة انتقالية شاملة.
- إدماج العدالة الانتقالية في كل مسار من مسارات التفاوض على السلام وأي اتفاق سياسي مستقبلي، باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق السلام المستدام.
- الاعتراف بالانتهاكات واعتماد آليات واضحة لجبر الضرر وتعويض الضحايا وأسرهم.
- ضمان المشاركة الفاعلة للضحايا في عمليات السلام المستقبلية، وإزالة جميع العوائق أمام مشاركة النساء والشباب والفئات المهمشة.
- تطوير أطر تشريعية ومؤسسية تُمكّن من التطبيق العملي للعدالة الانتقالية.
- تمكين منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية من تعزيز دورها الريادي في مناصرة العدالة الانتقالية والسلام المستدام في اليمن، من خلال التمويل وبناء القدرات.
- وضع مصالح وكرامة الضحايا في صميم جميع الجهود والسياسات المرتبطة بالعدالة الانتقالية.
- دعم إعلام مهني، مسؤول، وحساس للنزاع يساهم في نشر ثقافة العدالة وبناء السلام.
اليوم، ندعو الجميع إلى أن يكونوا شركاء في هذه المطالب، وأن يحمل كلٌّ منّا أصوات الضحايا إلى كل مساحة عامة واجتماعية وسياسية.