اجتمعت أربعون دولة وعدة منظمات دولية في مؤتمر تعهدات المانحين لخطة الاستجابة الانسانية رفيع المستوى الذي انعقد في جنيف يوم السادس والعشرين من شهر فبراير 2019.
وضمت حلقة النقاش المعنونة بـ “تحديات الأمن الغذائي و دور الإقتصاد” تحدثت الإقتصادية بمركز صنعاء أمل ناصر عن الوضع الإقتصادي في اليمن.
كما ضمت الحلقة النقاشية المتحدثين التاليين: ليز غراندى: المنسق الإنساني للأمم المتحدة في اليمن، ڤاليري غوارنيري: مساعد المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، محمد آل جابر، المشرف على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والسفير السعودي إلى اليمن، و ويني بيانياما: المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام.
فيما يلي نص مداخلة ناصر:
أولويات لليمن
مساء الخير أيها السيدات والسادة،
أشكركم على عقد هذه الفعالية اليوم وعلى دعوتكم لي للتحدث.
إنه لشيئ عظيم أن نجتمع مع أناس من بلدان كثيرة يحاولون معالجة الأزمة الإنسانية في اليمن.
لكن كخبيرة اقتصادية، أشعر أن التركيز الزائد على الوضع الإنساني يصرفنا إلى حد ما عن نقطة أساسية – وهي إن الأزمة الإنسانية في الواقع أزمة اقتصادية، وإن هذه الأزمة الاقتصادية هي نتيجة نزاع ذو طابع سياسي بالأساس.
وهذا يعني أن الحل الحقيقي الوحيد للأزمة الإنسانية هو إنهاء الحرب.
وإلى حين انتهاء الحرب، علينا أن ندرك أن أيّة نجاحات نحرزها بصدد مواجهة الأزمة الانسانية ستكون مؤقتة وهشة.
ومع ذلك، ثمة طرق يمكن من خلالها تحسين الوضع الحالي، وأود أن أتحدث عنها اليوم.
ولكن أود في البداية توضيح بعض النقاط الأساسية:
معظم العاملين في القطاع العام اليمني، والبالغ عددهم مليون ومئتي ألف شخص، لا يحصلون على رواتب منتظمة منذ أغسطس/ آب 2016.
وبينما بُذلت بعض الجهود مؤخراً لإعادة تشغيل صندوق الرعاية الاجتماعية في اليمن، فقد نفدت الأموال اللازمة لصرف المساعدات النقدية من الصندوق في ديسمبر / كانون الأول 2014.
وهذا يعني بقاء ملايين اليمنيين بلا أي دعم حكومي منذ أكثر من أربع سنوات.
هذان الأمران معاً زادا من معاناة اليمنيين أكثر من الحرب نفسها.
وبالنتيجة بلغت حالات العنف الجندري، وزواج وتجنيد الأطفال مستويات قياسية غير مسبوقة في اليمن.
إن كل هذا يجعل من التهدئة الإقتصادية أمراً بالغ الأهمية. يجب السماح لمؤسسات الدولة المالية الأساسية بالعمل وتلبية الاحتياجات الأساسية لليمنيين.
يجب التنويه أن عدم وجود آلية تهدئة اقتصادية هو من العوامل الرئيسية التي تعيق تنفيذ اتفاقية ستوكهولم – وبالتحديد الاتفاق المتعلق بالحديدة.
وكما نعلم جميعاً، الحديدة هي أحد أكثر موانئ اليمن ازدحاماً، وهي شريان حياة أساسي بالنسبة لملايين اليمنيين الذين هم على حافة المجاعة.
إن السبب الرئيسي الذي أبقى على المدينة والميناء مقسّمين بين الأطراف المتحاربة هو عدم وجود اتفاق حول ما يجب فعله بإيرادات الموانئ.
ثمة عوامل أخرى تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية في اليمن:
من بين أهداف الرؤية الاقتصادية السعودية لعام 2030 كانت الزيادة الكبيرة لنسبة المواطنين السعوديين العاملين في القطاع الخاص في المملكة.
ومن الأساليب التي تتبعها السلطات لتحقيق ذلك ترحيل العمال الأجانب من البلاد.
يقدر وجود أكثر من مليون يمني يعمل في المملكة العربية السعودية.
إن التحويلات المالية التي يرسلها هؤلاء إلى بلادهم في اليمن تبلغ مليارات الدولارات سنوياً، وهي تدعم ملايين من أهاليهم في اليمن.
كما أن هذه التحويلات هي أكبر مصدر للعملة الأجنبية لليمن منذ توقف التصدير الواسع النطاق للنفط عام 2015.
وهذا يعني أن التحويلات المالية هي أهم عامل يحول دون المزيد من خسارة الريال اليمني لقيمته، علماً أن انخفاض قيمة الريال هو بدوره السبب الرئيسي وراء عدم قدرة الكثير من اليمنيين على تحمل تكاليف الغذاء.
لقد تم إجبار عشرات آلاف العمال اليمنيين على مغادرة السعودية.
ووفقاً لأبحاث مركز صنعاء، فإن حوالي 70% من اليمنيين العاملين في المملكة سيفقدون وظائفهم بحلول عام 2020 في حال جرى تنفيذ سياسات السعودة الحالية المعلنة في الرياض بشكل كامل.
لكن الوضع المأساوي في اليمن الآن سيكون أسوأ بكثير في حال أُجبر هؤلاء العمال على العودة إلى ديارهم.
ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها للمساعدة في تخفيف الأزمات الاقتصادية والإنسانية في اليمن إذاً؟
أولاً، يجب أن يكون هناك ضغط دبلوماسي متعدد الجهات على جميع الأطراف المتحاربة من أجل خفض التصعيد الاقتصادي.
يجب أن يكون البند الأول على جدول الأعمال هذا هو إعادة توحيد البنك المركزي.
إن عواقب انقسام هذه المؤسسة الحكومية هائلة:
- عدم استقرار سعر العملة؛
- تحديات للمستوردين الذين يحاولون استيراد سلع أساسية؛
- عجز الدولة عن تحصيل الإيرادات ودفع الرواتب؛
- تفشي غسيل الأموال والتهريب.
والكثير غير ذلك.
إن كل هذه العواقب تقوّض الجهود الإنسانية، وبالتالي فإن من الضروري إعادة توحيد البنك المركزي اليمني والسماح له بالتصرف بشكل مستقل عن أي من الأطراف المتحاربة.
ثانياً، يجب على السعودية أن تمنح العمال اليمنيين إعفاءً من سياسات السعودة التي تتبعها ومن رسوم المرافقين المفرطة التي تفرضها على العمالة الوافدة.
وفي الوقت نفسه فإن عواقب خسارة اليمنيين العاملين في السعودية لوظائفهم، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي قد تتسبب به عودتهم على الحدود الجنوبية للمملكة، قد يدوم لعقود.
ثالثاً، يجب ممارسة ضغط دبلوماسي على سلطات الحوثيين في صنعاء لحل “الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية” المعروفة باسم NAMCHA.
فهذه الهيئة المنشأة مؤخراً استنساخاً لمؤسسة أخرى، وأهم من ذلك أنها لا تقوم بشيء يذكر سوى تسهيل الفساد والسرقة المؤسسية وإعادة توجيه المساعدات الإنسانية.
رابعاً، على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن تدرس وتدمج توصيات رواد التنمية في اليمن ضمن سياساتها، ورواد التنمية هم مجموعة من أكثر من عشرين شخصاً من أهم الخبراء الاجتماعيين الاقتصاديين في اليمن، وقد أصدروا مجموعة واسعة من التوصيات العملية التي تتعلق بكيفية استعادة البنك المركزي، وكيفية دعم الاستجابة الإنسانية، والتخطيط لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع، والعديد من القضايا الأخرى.
خامساً، في حين أن من الجميل جمع الأموال للجهد الإنساني، فإن ما يهم حقاً هو كيفية إنفاق هذه الأموال. لضمان المساءلة، يجب أن يكون هناك رصد أكبر لأنشطة المنظمات غير الحكومية الدولية في اليمن.
إن التقارير الإعلامية الأخيرة التي تتحدث عن سرقة مواد وتحويل مسارها تؤكد على ضرورة فرض المزيد من الرصد والشفافية على المنظمات غير الحكومية الدولية.
شكراً لكم.