خلال السنوات السبع الماضية من الحرب، أصبح اليمنيون متعايشين تمامًا مع الموت وأوجه الظلم المتعددة، غير أن الإعدامات العلنية التي نفذتها جماعة الحوثيين المسلحة بحق ثمانية رجال ومراهق في 18 سبتمبر/أيلول أنذرت بمستوى جديد من الرعب. بعث الحوثيون عبر هذه الإعدامات رسالة واضحة لليمنيين لا لبس فيها، مفادها عزمهم على ترسيخ حكمهم وإخضاع المجتمع عبر الترهيب.
الضحايا التسعة، وجميعهم من منطقة تهامة الغربية، لم يكونوا سياسيين ولا ناشطين أو صحفيين، بل أشخاصًا عاديين سُلبت حياتهم بهدف إيصال رسالة لجميع اليمنيين. أُدين الضحايا في “محاكمة” سرية صورية بتهمة تسريب إحداثيات للطيران الإماراتي الذي شن غارة بطائرة مسيَّرة أسفرت عن مقتل صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين آنذاك، في الحديدة في أبريل/نيسان 2018. وبعد ثلاث سنوات من اعتقالهم، واستنادًا فقط إلى اعترافات حُصل عليها من خلال التعذيب ووجود بعض الضحايا في تجمع حضره الصماد، أُعدم التسعة في “ميدان التحرير” أحد أشهر الساحات العامة في اليمن.
هيأ الحوثيون أجواء احتفالية لمشهد القتل، بحضور الأطفال وأصوات الموسيقى الصاخبة بين الحشود والكاميرات التي التقطت صور إطلاق الجلادين الرصاص على أجساد الضحايا. اعتُقل المراهق الذي كان من بين التسعة المدانين، عبدالعزيز علي الأسود، وهو في الثالثة عشر من عمره فقط، وتعرّض للتعذيب خلال السنوات الثلاث التي قضاها في معتقل الحوثيين لدرجة إصابته بشلل جزئي ليضطر قاتلوه إلى حمله ليلقى مصيره المرعب. كان الحوثيون يعتزمون إعدام رجل عاشر أيضًا، وهو علي عبده كزابة، ولكنه لم يبقَ على قيد الحياة ليلقى هذا المصير؛ إذ وافته المنية على أيدي مستجوبيه، كما قيل.
أعاد حكم الحوثيين البلاد عقودًا إلى الوراء، حيث سحقت الجماعة وسائل الإعلام اليمنية النشطة، وضيّقت الخناق على المجتمع المدني، وأسكتت الأصوات والأحزاب العديدة التي جعلت المشهد السياسي في العاصمة نشطًا وحرًا بشكل نسبي. ولكن حتى بعد سبع سنوات من هذا، فإن المشهد المروَّع الذي احتفل به الحوثيون بفخر لم يكن ممكنًا تصوره. كان اليمنيون مصعوقين.
ونادرًا ما كان القضاء اليمني عادلًا. فالمحاكم الجنائية معروفة منذ أمد بعيد بانتهاكات قانونية وإنفاذ الأحكام بصورة انتقائية، لكن الحوثيين منذ استيلائهم على صنعاء عام 2014 أبدوا حماسًا متزايدًا لعقوبة الإعدام. بيد أن الوحشية التي تمت الموافقة عليها رسميًّا ونُفذت الإعدامات بموجبها شكلت سابقة جديدة، حيث وظف الحوثيون ببراعة المحاكم كسلاح لإرهاب اليمنيين. لهذه الإعدامات دلالات سياسية ودبلوماسية مثيرة للقلق، فمن الواضح أن الحوثيين أصبحوا واثقين بلا خجل في ممارسة السلطة على طريقتهم التي تتعارض بشكل مباشر مع مفاهيم الشراكة الاجتماعية والسياسية التي كثيرًا ما تحدثوا عنها والتي تُعد أساسية لأي تسوية سياسية محتملة للحرب.
وكانت ردود فعل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجهات الدولية الفاعلة الأخرى في الصراع الجاري مُعيبة ولا تتناسب مع فظاعة ما ارتُكب؛ إذ أصدروا بيانات تضمنت كلمات جوفاء سهلة النسيان دون اتخاذ إجراءات لدعمها، وهذا لن يؤدي إلا إلى تمادي الحوثيين. يواجه العشرات من اليمنيين الآخرين المعتقلين حاليًّا لدى الحوثيين أحكامًا بالإعدام، بينما يسود القلق بين أولئك الذين قد يكونون الهدف التالي لـ”عدالة” الحوثيين.
إلى جانب الأسود، أعدم الحوثيون في 18 سبتمبر/أيلول ظلمًا معاذ عبدالرحمن عبدالله عباس، وإبراهيم محمد عبدالله عاقل، وعبدالملك أحمد حميد، ومحمد خالد هيج، ومحمد محمد علي المشخري، ومحمد يحيى محمد نوح، وعلي علي إبراهيم القوزي، ومحمد ابراهيم القوزي. ينبغي تعميم وتذكّر أسماء هؤلاء الأشخاص العاديين، إلى جانب كزابة، الذين أُغفلوا إلى حد كبير أثناء فترة اعتقالهم لدى الحوثيين؛ فظروف مقتلهم أوضحت بلا شك أي نوع من المجتمع يتصوره الحوثيون بعد الصراع إذا ما قبِل العالم بهم واعترف “بحكمهم”.