العديد من التحديات التي تواجه العمليات الإنسانية في مناطق النزاع يومنا هذا معروفة جيدًا، إذ يجب على أي حزمة مساعدات أن تجتاز السياسات الفردية للدول المانحة قبل أن تبدأ رحلتها في مسارات الأمم المتحدة ووكالات المعونات الأخرى. من هناك، تبحر في متاهة من البيروقراطية بين المقر الرئيسي للوكالات والبلدان التي تقصدها، وغالبًا ما تواجه تحديات جديدة بدءًا من الأطراف المتحاربة وانتهاءً بالواقع المحلي قبل أن تشق طريقها قُدمًا على أمل أن تصل للمحتاجين. والأمر شبه المؤكد دومًا هو أن العمليات الإنسانية تشوبها عيوب أينما كانت في أرجاء العالم.
الهياكل المسيسة والمقيدة ماليًّا والتي يجب أن تجتازها المعونات الدولية تعني عدم وجود وكالة محددة واحدة تتحمل المسؤولية عنها. في حين أن العديد من الأفراد العاملين في المجتمع الإنساني بكل تأكيد يبذلون قصارى جهدهم لجعل النظام يعمل بشكل أفضل حيثما أمكنهم ذلك، يظل من المعقول توقع أن تكون فائدة المساعدات الإنسانية أكثر من ضررها. يجب كحد أدنى أن تقلل المساعدات الإنسانية معاناة الفئات الأكثر ضعفًا. ولكن، من غير الواضح إذا كان الحال كذلك في اليمن.
نشر مركز صنعاء مؤخرًا سلسلة تقارير من ستة أجزاء تتناول العمليات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن منذ عام 2015، حين تصاعدت الحرب وبدأت الاستجابة الإنسانية للطوارئ. وفي حين تدّعي الأمم المتحدة بانتظام أن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فإن نتائج البحث تشير إلى أن اليمن عوضًا عن ذلك يعاني أحد أسوأ الاستجابات الإنسانية في العالم. يكمن الخلل أولًا في نظام المساعدات وقيادته، داخل اليمن وخارجها. وهذا يتعارض بشكل صارخ مع ميل مسؤولي المنظمات الإنسانية لإلقاء اللوم بشكل حصري على الأطراف المتحاربة في فشل الاستجابة.
في اليمن، تكمن جذور التحديات الأساسية في قضايا التنمية طويلة الأمد التي تفاقمت بسبب الصراع الحالي، فبعد اندلاع الحرب، توقفت مشاريع التنمية الدولية طويلة المدى وبدأت العمليات الإنسانية، لكن الهدف من الأخيرة هو أن تكون استجابات قصيرة الأجل لكارثة مفاجئة وواسعة النطاق، وإلى حد ما تستمر الحاجة إلى هذه المساعدات حتى يتحقق السلام. لا تحل المساعدات الإنسانية المشاكل المنتظمة ولا ينبغي توقع تحقيقها لهذا الهدف.
اتسمت الاستجابة الإنسانية للحرب بالسوء عندما بدأت عام 2015 إذ أنها دعمت المؤسسات التي تديرها الأطراف المتحاربة، وركزت جميع عملياتها تقريبًا في صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين المسلحة، وفشلت في التوسع بشكل جوهري خارج العاصمة، وأعطت الأولوية للأمن على حساب إيصال المساعدات، كما أغفلت المبادئ الأساسية للاستقلال والحياد. لم يكن هناك تصحيح للمسار، بل على العكس، ترسخت هذه الأخطاء وتنامى الاستثمار المؤسسي لها، وما دعم ترسخها هو النجاح الاستثنائي لجهود الأمم المتحدة في جمع التبرعات، وهو الأمر الذي تحقق من خلال ادعائها أن اليمن على شفا المجاعة. تلقت العمليات الإنسانية في اليمن أكثر من 17 مليار دولار أمريكي حتى الآن، ما يجعل اليمن أكثر جهود الإغاثة الدولية تكلفة خلال العقد الماضي بعد سوريا.
ومع ذلك، فإن رواية الأمم المتحدة الثابتة بأن المجاعة وشيكة لا تعكس الوضع كما هو عليه. المجاعة ليست المشكلة الرئيسية التي تواجه اليمن، فالقضايا الرئيسية هي الأمن الغذائي، وسوء التغذية، والحصول على المياه، والمشاكل المتعلقة بالقوة الشرائية، فالطعام متوفر، لكن الناس يعانون من أجل شرائه. أما تقديم سلال الغذاء إلى ما لا نهاية لا يساعد الناس على تطوير الوسائل (أو المال) لإطعام أنفسهم. في الحقيقة، يساعد هذا الشكل من الاستجابة السريعة على إعادة إنتاج أنواع انعدام الأمن الغذائي التي يعاني منها اليمنيون كونه يصرف الانتباه عن القضايا الهيكلية الأعمق الموجودة، كما يتم تحويل الإمدادات الغذائية الطارئة بسهولة لتمويل الحرب.
بشكل عام لم يتم تحدي رواية الأمم المتحدة التي تشوبها اختلالات فيما يتعلق باليمن لأن الاستجابة الإنسانية أدت إلى تطبيع استخدام البيانات غير المكتملة والمشوهة وغير السياقية لتوجيه عملياتها، وهي معلومات أُعيد صياغتها أو استبعادها بسهولة وفقًا لصلاحيات القيادة العليا. أضف إلى ذلك أن الأولويات الأمنية، وليس الأولويات الإنسانية، هي من سيطرت على أنشطة الاستجابة، مما سمح للأولويات الأمنية بتقويض الأولويات الإنسانية بدلًا من تمكينها. منع هذا جرأة موظفي الإغاثة في النزول إلى الميدان لجمع البيانات اللازمة والحصول على تقييم دقيق لاحتياجات السكان والعمل بشكل مباشر أكثر مع المجتمعات المحلية، وتحسين القبول والسلامة والاستجابة المناسبة. استعانت الاستجابة الإنسانية أيضًا بالأطراف المتحاربة نفسها للقيام بالعديد من الوظائف الأساسية لجمع البيانات وإيصال المساعدات -وهي أطراف تمتلك مصالح فيما تظهره البيانات وفي وجهة المساعدات. بذلك، أصبحت الاستجابة في كثير من جوانبها نظامًا لدعم الأطراف المتحاربة، لا سيما جماعة الحوثيين المسلحة.
في الفترة التي سبقت نشر سلسلة التقارير هذه، واجهنا في مركز صنعاء مسألة ما إذا كان المُضي قدمًا في النشر قد يضر اليمنيين الضعفاء أكثر مما ينفعهم في نهاية المطاف. احتياجات البلد حقيقية وهائلة، والاستجابة الإنسانية المعطلة والموجهة بشكل خاطئ لا تعالجها معالجة فعالة. ناقشنا ما إذا كان النشر سيمنح الدول المانحة ذريعة لرفع أيديها والتخلي عن اليمن. مثل هذا التنازل الأخلاقي من جانب المجتمع الدولي، الذي سيترك فوضى ساعد في إحداثها دون حل، لن يؤدي سوى إلى مفاقمة مأساة اليمن الحالية لسنوات قادمة. نأمل ألا يحدث ذلك. عوضًا عن ذلك، نأمل أن تحث سلسلة تقاريرنا الأمم المتحدة والجهات المانحة الأخرى على الإدراك بأن الطريقة الحالية التي يطبقون بها الاستجابة الإنسانية في اليمن تفشل في تلبية المعايير الأساسية، وأن تبدأ المساعي الصعبة المتمثلة في إصلاح عملياتهم، وهي المساعي التي نقدم من أجلها العديد من التوصيات الرئيسية.
علاوة على ذلك، لا يجب علينا نحن كمركز أبحاث يمني -تتمثل مهمته الأساسية في إنتاج المعرفة- أن نُوضع في هذا الموقف الصعب. يجب أن يكون لدى الأمم المتحدة آليات وأطر عمل للمساءلة لمنع مثل هذه الأوضاع. وكما يجب على الدول المانحة التأكد من أن الأموال التي تقدمها تلبي احتياجات المستفيدين المقصودين وأنها حقًا تصل إليهم. من الصعب عدم ملاحظة مفارقة كون منظمة يمنية تعاني مع التداعيات الأخلاقية لمحاسبة الجهود الإنسانية الدولية والمانحين وراءها، في الوقت الذي ترفض تلك الوكالات والأطر نفسها وبانتظام دعم المنظمات اليمنية المحلية تحت مزاعم تعرضها لمخاطر أكبر من حيث الفساد أو إساءة استخدام الأموال.
في نهاية الأمر، عندما يكون هناك خلل كبير، لا بد من إصلاحه. ومن هم في أمس الحاجة يستحقون دعم المجتمع الدولي. يستحق اليمنيون نظام مساعدة لا يؤدي إلى إطالة أمد الحرب ولا ينشغل بالحفاظ على هياكله وعملياته البيروقراطية.