نشرة سبتمبر 2016
لم تحرز جهود الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن أي تقدم فعلي في شهر سبتمبر، في حين من المرجح أن التطورات السياسية على حد سواء في الأمم المتحدة وعلى أرض الواقع في اليمن ستعقد جهود السلام التابعة للأمم المتحدة في المستقبل.
رفض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة توصية المفوض السامي لحقوق الإنسان بإنشاء لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت من قبل جميع أطراف النزاع اليمني، واعتمد بدلا من ذلك على قرار رفع درجة الدعم للجنة الوطنية اليمنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات لحقوق الإنسان و جرائم الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يفاقم قرار الحكومة -المعترف بها دوليا- في منتصف سبتمبر بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة إلى مدينة عدن الجنوبية الكارثة الإنسانية في البلاد، والتي هي بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
جهود السلام الدولية
لم تكن هناك اجتماعات حول اليمن في مجلس الأمن الدولي سبتمبر الماضي. ومنذ انهيار محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة في الكويت في 6 أغسطس 2016 ، لم تحدث أي مفاوضات رسمية بين المتحاربين الرئيسيين . يتمثل الطرفين الرئيسيين من كل من (القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا) وتعمل أساسا من المنفى في الرياض، المملكة العربية السعودية، وإلى حد أقل في عدن جنوب اليمن بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي, بدعم من قوات التحالف التي تقودها السعودية ، و الطرف الثاني (حركة الحوثيين المتمردة و المتحالفة مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام) الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، وجزء كبير من شمال اليمن.
أتى الجهد الأبرز لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات في الآونة الأخيرة من مجموعة متعددة الأطراف خارج إطار عمل الأمم المتحدة، ويطلق عليها اسم “الرباعية”،وهي مكونة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
شمل اجتماع الرباعية في 21 سبتمبر والذي استضافته البعثة البريطانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك ، إحاطة من المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الخاص لليمن، والذي علق على التحديات التي تواجه تحقيق السلام. وبعد انتهاء الاجتماع أصدر مكتب خارجية المملكة المتحدة بيانا يؤكد مجددا التزام الرباعية بإيجاد حل سلمي للنزاع و”دعمها الكامل للمبعوث الخاص وخارطة الطريق التي اقترحها للتوصل إلى اتفاق شامل.”
العديد من جوانب خطة السلام التي طرحتها الرباعية في نهاية أغسطس, مماثلة لتلك التي حاول المبعوث الخاص للمضي بها في محادثات الكويت الفاشلة، لكن العامل المميز والمختلف الرئيسي هذه المرة هو أن تسلسل الخطوات التنفيذية قد تغير, ففي حين خطة ولد الشيخ أحمد تطلب من الحوثيين وقوات صالح الانسحاب من الأراضي التي تقع تحت سيطرتهم وتسليم الأسلحة قبل بدء المفاوضات التي ستقرر مكانهم في تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، فإن خطة الرباعية تقترح بأن هذه المبادرات تنفذ في وقت واحد بالتزامن. وأشار البيان الصادر من المملكة المتحدة أيضا عن قلق الرباعية من عواقب الاقتصاد المتهاوي في اليمن، والتطورات الأخيرة على وجه التحديد فيما يتعلق بالبنك المركزي اليمني (الذي نناقشه في الجزء التالي من هذه النشرة). ودعت بعد ذلك لوقف آخر للأعمال العدائية، بدءا بهدنة -من خلال وقف فوري لإطلاق النار لمدة 72 ساعة- ما من شأنه أن يمنح المبعوث الخاص للأمم المتحدة فرصة للتشاور مع الأطراف المتحاربة واستئناف المفاوضات.
وبالنظر إلى أن خطة السلام الرباعية اقترحت التنفيذ المتوازي بين الترتيبات السياسية والأمنية، بدلا من فرض تخلي الحوثيين وقوات صالح عن النفوذ الاستراتيجي والعسكري أولا، فقد تقدم ما فيه الكفاية لإغرائهم بالعودة الى مشاورات السلام. ولكن حتى مع ذلك، فإن عددا من التطورات السياسية خلال فصل الصيف ُتعقد مبادرات السلام الأممية المستقبلية (في الأشهر الأخيرة مختلف الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بدأت بالسر، وأحيانا علنا، التعبير عن قلقها بشأن قدرة المبعوث الخاص للتوصل إلى اتفاق سلام) وبناء على ذلك بدأت تتساءل عن حجم الدعم الذي ستحصل عليه جهوده المستقبلية في أعلى منبر في الأمم المتحدة. تصرفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حيال ذلك بتشكيل الرباعية وهو ما يدل أيضا عن إدراك هذه الدول هشاشة قدرة الوساطة المستقلة برعاية الأمم المتحدة لتحقيق النتائج التي تفضلها تلك الدول.
كما أن عدم وجود تسوية سياسية بين جميع الأطراف المتنازعة عن طريق التفاوض من أجل تحديد معالم مستقبل الدولة, يعد من المضاعفات السياسية الأخرى التي تواجه المساعي والجهود المستقبلية للأمم المتحدة. من جهة أخرى قام الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح بخلق واقع جديد على الأرض وتعدوا بشكل واضح على قرارات مجلس الأمن بتصرفهم بشكل أحادي، عبر تحركات هامة منها إعادة عقد البرلمان في وقت سابق من هذا الصيف للتصديق على تشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في اليمن .وقاموا في بداية أكتوبر بتعيين رئيس وزراء جديد لقيادة “حكومة إنقاذ” والتي تستثني أعضاء حكومة هادي المعترف بها دوليا.
لا تحقيق دولي في جرائم الحرب
في الثاني والعشرين من أيلول سبتمبر الفائت، أصدر ائتلاف مكون من جماعات حقوقية في مجال حقوق الإنسان رسالة مشتركة الى الدول الـ47 الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تحث فيها المجلس على إجراء تحقيق دولي مستقل في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها جميع الأطراف في الصراع اليمني، على النحو الذي أوصى به المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين في تقريره الذي صدر في شهر أغسطس.
وقد دعا الحسين في وقت سابق لإجراء تحقيق دولي فيما يخص جرائم الحرب في تقرير صدر العام الماضي – وبعد ذلك قدمت هولندا مشروع قرار إلى مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2015 لترسيخ هذه الدعوات للوصول الى تحقيق دولي في كل جرائم الحرب التي تحصل باليمن. ومع ذلك، و تحت الضغط القوي الذي قامت به المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء في التحالف وضعف الدعم الحاسم من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا -قامت أمستردام بسحب المقترح.
ومنذ ذلك الحين من العام الماضي، تعرضت اللجنة الوطنية إلى موجة انتقادات واسعة من جهة جماعات حقوقية تعنى بقضايا حقوق الإنسان ومسؤولين في الأمم المتحدة وذلك بالقول بأنها لجنة غير عملية و منحازة لطرف. في حين أن جرائم الحرب والانتهاكات من جميع الأطراف كلها موثقة من جماعات حقوق الإنسان، ولكن نتائج ومخرجات اللجنة الوطنية ركزت وبشكل حصري على انتهاكات طرف واحد وهي قوات الحوثيين وصالح وتجاهلت انتهاكات حلفاء هادي. وعلى وجه الخصوص الضربات الجوية التي قامت بها قوات التحالف بقيادة السعودية على المستشفيات والمدارس والأسواق والمصانع والأحياء السكنية المكتظة بالسكان والبنى التحتية المدنية الأخرى، فضلا عن استخدام القنابل العنقودية على المناطق المدنية، على سبيل المثال ما حدث في الثامن من أكتوبر 2016 حيث قامت السعودية بأكثر الضربات الجوية فتكا حتى الآن باستهدافها مجلس عزاء في العاصمة صنعاء أسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصا وجرح المئات.
وبعد الرسالة التي قدمتها مجموعات حقوق الإنسان الى مجلس الأمن الشهر الماضي , اعتمد المجلس قرارا في السابع والعشرين من سبتمبر يطالب فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإضافة خبراء دوليين في حقوق الإنسان للعمل جنبا الى جنب مع اللجنة الوطنية (لتمكينها من إثبات الحقائق والظروف لأي انتهاكات أو أي تجاوزات من أي طرف) والجدير بالذكر أنه لم تكن هناك أي إشارة بشكل رسمي إلى وجود تحقيق دولي مستقل.
نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني
في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر الفائت، قام عبدربه منصور هادي بإصدار قرار من مقر إقامته بالرياض، قضى بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي اليمني بدلا عن محمد عوض بن همام, ونقل البنك من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن الجنوبية التي سبق وأعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد مطلع العام الماضي.
وفي خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي قال هادي: “إن قرار نقل البنك المركزي سوف يقوم بتصعيد الضغط على جماعة الحوثي الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء, مع العلم بأن هذا القرار سوف يزيد الوضع سوءا على الملايين من الشعب اليمني” وأضاف بأن الحكومة قد تفشل في دفع الرواتب للمواطنين العاملين في القطاع الحكومي.(مع العلم بأن اليمن لديه 1.2مليون موظف حكومي يستلمون مرتباتهم من البنك المركزي اليمني.)
قرار هادي بنقل البنك المركزي اليمني جاء بعد طلب حكومته في شهر أغسطس من هيئة مالية دولية بمنع البنك المركزي من الوصول إلى احتياطي العملات الأجنبية. وبالنظر إلى أن البنك المركزي كان آنذاك قد أنفق الكثير من احتياطي العملة الأجنبية، ومن شأن هذا القرار أن يقوم بتعطيل البنك المركزي اليمني من القيام بتنفيذ العديد من المهام الاساسية.
برر هادي وحلفاؤه التحركات ضد البنك المركزي اليمني وموظفيه على رأسهم بن همام في صنعاء، بالزعم بأن البنك المركزي اليمني قد ساعد الحوثيين والقوات الموالية لهم، بنهب الحوثيين لما يقارب أربعة مليارات دولار من احتياطي البنك المركزي اليمني وذلك لتمويل المجهود الحربي منذ عام 2014″. وقد رد بن همام على هذه الادعاءات ووصفها بأنها “لا أساس لها من الصحة”.
يرى الكثير من الدبلوماسيين الدوليين والشخصيات السياسية على ضفتي الصراع وبشكل عام بأن البنك المركزي اليمني هو آخر حصون الدولة اليمنية وبشكل حاسم. وقد أدار بن همام البنك المركزي اليمني وتعامل مع الأسواق التجارية و الهيئات المالية بكل ما استطاع من مجهود للحفاظ على الاقتصاد والعملة في ظل الحرب وفي ظل أسوأ الأزمات الإنسانية (في اليمن) التي يشهدها العالم.
وفي تعليق لشبكة رويترز الإخبارية، قال دبلوماسي غربي: “القلق هو أن الحكومة اليمنية و من خلفها قوات التحالف التي تقودها السعودية بشكل ضمني، يحاولون استخدام الاقتصاد اليمني كسلاح”.
والأهم من ذلك، في حين كان هادي وحلفاؤه في الخارج قد قاموا بنزع صلاحيات بن همام والبنك المركزي اليمني في صنعاء نهاية سبتمبر الماضي. قام البنك المركزي اليمني الجديد في عدن بقيادة وزير المالية لحكومة هادي بمحاولة تأمين الموارد البشرية والاحتياطات المالية الضرورية للتشغيل، لكن تلك المحاولات لم تكن فعالة. كانت النتائج أنه وحتى اللحظة لا توجد سلطة في البلاد لديها القدرة على تنفيذ الوظائف الأساسية للبنك المركزي، مثل دفع مرتبات موظفي القطاع العام وتسهيل الواردات وتحقيق الاستقرار في قيمة الريال اليمني – وهذه هي المهام الأساسية الرئيسية للبنك المركزي في بلد يستورد 90 بالمئة من الاحتياجات الغذائية.
وذكرت تقارير مختلفة لمسؤولين في الأمم المتحدة إن أكثر من 12 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات المنقذة للحياة في سبتمبر المنصرم، حيث أن الخدمات الأساسية في انهيار شبه كامل. ومن جهة أخرى عجل الانهيار السريع للبنك المركزي اليمني من تفاقم هذه الكارثة الإنسانية.
نبذة مختصرة:
- كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) واعتبارا من 10 أكتوبر 2016 قد تلقى 47% فقط من اصل 1.63 بليون دولار يحتاجها اليمن من أجل خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2016.
- قامت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش المخصصة لليمن – UN Verification and Inspection Mechanism for Yemen – التي أنشأت في شهر مايو 2016 من أجل الإسراع من تدفق السلع الغذائية إلى اليمن في ظل حصار التحالف الذي تقوده السعودية، بمنح تصاريح دخول ل 27 من أصل 40 سفينة لتفريغ البضائع في اليمن خلال شهر سبتمبر. في إشارة إلى بذل مزيد من الجهود لتقديم المساعدات الإغاثية إلى اليمن. ومع ذلك قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ستيفن اوبراين: “إن المشكلة الحقيقية هي عدم القدرة على تفريغ البضائع في الميناء وذلك لتحطم الرافعات”.
اليمن في الأمم المتحدة: هي نشرة شهرية يصدرها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية لتحديد وتقييم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لحل الأزمة في اليمن. تهدف “اليمن في الأمم المتحدة” إلى تزويد القارئ بفهم للسياق السياسي الدولي الذي يرافق التطورات على أرض الواقع في اليمن.