يثير تزايد الحزم والإصرار في السياسة الخارجية لدولة الإمارات؛ الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة، إذ وسّعت أبوظبي نفوذها في مناطق مختلفة، خاصة في اليمن وليبيا، متباهية بثقلها الدبلوماسي بشكل واضح عبر دعم عبدالفتاح السيسي في مصر، وقيادة الحصار المفروض على قطر بشكل خاص، وواضعةً نفسها كواحدة من أكثر شركاء الولايات المتحدة الجديرين بالثقة في مكافحة الإرهاب. وقد احتلت في الآونة الأخيرة عناوين الأخبار بصورة واضحة حين أصبحت الدولة العربية الثالثة التي تطبّع العلاقات مع إسرائيل.
تعزو وسائل الإعلام، في معظم الأحيان، السياسة الخارجية التوسعية للإمارات إلى خوفها من إيران. فيما يرتبط تقاربها مع إسرائيل بشكل خاص برغبتها في بناء جبهة إقليمية مشتركة ضد الجمهورية الإسلامية. قد يكون ذلك سديدًا، إذ تقلق الإمارات من طموحات إيران في المنطقة، وتدعم الجهود الأمريكية الكبيرة لاحتواء ودحر نفوذ طهران.
ونظرًا إلى ذلك، من الطبيعي أن تبالغ الإمارات في حجم العامل الإيراني في اليمن. فمن المؤكد أن قلقها من الدعم الإيراني المتزايد للحوثيين كان أحد دوافع سياساتها هناك، إلا أنه واحد من بين أمور أخرى، وهو على الأرجح دافع ثانوي. وكما ذكرت في أحد المقالات مؤخرًا، فإن الأهداف الرئيسية للإمارات في اليمن تتمحور حول إدارة علاقتها مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وهما أهم علاقتين بالنسبة لها، إضافة إلى التصدي لحزب الإصلاح التابع للإخوان المسلمين، ومكافحة الإرهاب -أي إضعاف الإمارات للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وترسيخ مكانتها شريكًا إقليميًا أساسيًا للولايات المتحدة في هذه المسألة -فضلًا عن عرقلة قيام ثورات ديمقراطية في المنطقة. وتشرح هذه المقالة القصيرة كيف يتوافق العامل الإيراني، متجاوزًا تلك الأهداف، مع حسابات دولة الإمارات في اليمن.
تعتبر الإماراتُ إيرانَ قوة إقليمية توسعية يؤثّر نفوذها في المنطقة على مصالحها ومصالح شركائها. وهناك تنافس مديد بين البلدين يغذيه في المقام الأول الاحتلال الإيراني لثلاث جزر في الخليج؛ تطالب بها الإمارات منذ عام 1971. تتشارك الإمارات والسعودية رؤيتيهما لهذا التهديد الكبير، لكن الإمارات تميل إلى كونها أكثر واقعية، فلا تضخّم من شأن هذا التهديد كما تفعل الرياض. كما تتباين الآراء داخل الإمارات في هذه المسألة، ويختلف موقف دبي والإمارات الصغيرة الأخرى عن موقف أبو ظبي الأكثر تشددًا، وتفضّل هذه الإمارات نهجًا أكثر براغماتية يوفّر مساحة للتجارة مع إيران.
لهذا تشكل مواجهة النفوذ الإيراني جزءًا من الحسابات الإماراتية في اليمن، إلا أن ذلك ليس هدفها الأساسي. وقد ازداد قلق الإمارات والسعودية في 2014-2015 مع توسع الحوثيين باتجاه الجنوب والشرق خارج مناطق نفوذهم في الشمال الغربي. وتعتبر الإمارات الحوثيين حلفاء لإيران تمامًا كما تفعل السعودية، لكنها أكثر واقعية في تقييمها لحجم وطبيعة الدور الإيراني. ففي حين يتعاظم قلق السعودية من النفوذ الإيراني على الحوثيين، تمتلك الإمارات وجهة نظر أكثر براغماتية تجاه الحوثيين ولا ترى أنهم بيادق في يد إيران، وتعتقد أن إيران لم تستثمر سوى موارد متواضعة في البلاد، كما تُدرك أن اليمن لا يمثل أولوية كبرى في السياسة الخارجية لطهران.
وعلى الرغم من أن الإمارات تريد بتدخّلها القول لإيران إنها تعارض نفوذها وتدخلها في الشؤون العربية، إلا أنها لم تتدخل في اليمن بشكل أساسي لمواجهتها. وقال مصدر مقرّب من الحكومة الإماراتية قابلته أثناء رحلتي إلى الإمارات قبل تفشي وباء كورونا إن “الإمارات موجودة في اليمن بسبب السعودية وليس بسبب إيران”. كما تهدف الإمارات إلى توسيع نفوذها جنوبي البلاد حيث لا وجود للحوثيين، أو حيث يُعد وجودهم ضعيفًا. وتهدف الشراكات الإماراتية -مع مجموعة من الجهات اليمنية الفاعلة، كالميليشيات والسياسيين الجنوبيين على وجه الخصوص، فضلًا عن أفراد من عائلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح -إلى مواجهة حزب الإصلاح أكثر من مواجهة الحوثيين.
ومع ذلك، أصبح تدخل الإمارات في اليمن متشابكًا مع سياستها تجاه إيران، إذ تعارض الإمارات الجمهورية الإسلامية، وترغب في إبقائها معزولة وضعيفة، لكنها لا تريد تصعيد التوتر إلى مواجهة عسكرية مباشرة. وهي ترى، وهذا صحيح، أنه نظرًا لوقوعها على خط المواجهة واعتماد اقتصادها على التجارة البحرية، ستكون أي حرب مع إيران مدمرة للغاية، ولهذا ازداد قلقها عام 2018 وفي النصف الأول من عام 2019 مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. وشعرت بقلق متزايد من احتمال استهداف الحوثيين -الذين شنوا هجمات متكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد السعودية -لها أيضًا في نهاية المطاف، وهو ما يمكن للحوثيين فعله الآن إلى حد كبير؛ بفضل الدعم الإيراني. وقد ساهم تضاؤل ثقة الإمارات في مصداقية الولايات المتحدة كضامن خارجي إقليمي لأمنها في زيادة مخاوفها، ولعبت هذه العوامل دورًا رئيسيًا في قرار الإمارات بـالانسحاب الجزئي من اليمن عام 2019.
وهكذا أصبح موقف الإمارات تصالحيًا أكثر تجاه إيران منذ عام 2019. ولم توجه أبو ظبي الاتهام لإيران تحديدًا بالمسؤولية عن الهجوم الذي استهدف أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها في أيار/مايو، كما فعلت السعودية والولايات المتحدة. وقد أجرى مسؤولون إماراتيون وإيرانيون محادثات استثنائية رفيعة المستوى حول الأمن البحري، وهي إشارة أخرى من أبو ظبي بأنها تسعى إلى تجنب المواجهة العسكرية وتخفيف التوتر عبر الأساليب الدبلوماسية. ولا تشير ردود الفعل والمبادرات هذه إلى تحوّل كبير من جانب الإمارات أو تقاربها مع إيران، فهي تحاول تجنَّب التصعيد لحماية صورتها كوجهة آمنة ومستقرة للاستثمار.
توماس جونو هو أستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية في جامعة أوتاوا، وزميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. تويتر @thomasjuneau
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات الدبلوماسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.