“المدعومة من إيران” تعبير درَج استخدامه عند الإشارة إلى جماعة “أنصار الله” في اليمن، المعروفة أكثر باسم جماعة الحوثيين. سيطرت هذه الجماعة الإحيائية والقمعية على أجزاء كبيرة من اليمن، وشرعت في إعادة تشكيل المجتمع اليمني على صورتها الخاصة: الموت أقدس من الحياة.
من الضروري التشكيك في مدى دعم طهران للجماعة، وطالما جادلت بأن المناوئين للحوثيين قد بالغوا في تقدير حجم هذا الدعم، وبغض النظر عن حجم المساعدة التي تقدمها إيران للجماعة، إلا أنها ليست العامل الرئيسي وراء النجاح الذي حققه الحوثيون على مدى خمس سنوات من الصراع، ولا يمكن أن يكون لإيران هذا المستوى من التأثير في انتصارات الحوثيين من دون تواجد جنودها على الأرض في اليمن.
في الواقع، يجب أن تُعزى نجاحات الحوثيين في المقام الأول إلى فشل وفساد ودناءة أعدائهم اليمنيين، ورياء وتآمر حلفائهم الإقليميين، ولامبالاة المجتمع الدولي ممثلًا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
أشاح الرئيس عبدربه منصور هادي نظره -لسبب -عندما سيطر الحوثيون على محافظة صعدة وتقدموا نحو العاصمة صنعاء عامي 2012 و2013، ثم أعرب صراحة عن دعمه هذا التقدم؛ حين استولى الحوثيون على محافظة عمران وهزموا اللواء 310، القوة العسكرية الرئيسية الموالية للواء علي محسن الأحمر.
عند وصولهم إلى مداخل صنعاء، كان الحوثيون بحاجة إلى سبب يشرعن دخولهم إلى العاصمة.
هب هادي لمساعدتهم مجددًا عبر رفع أسعار الوقود بشكل عشوائي، متجاهلًا بذلك سنوات من المفاوضات مع المانحين الدوليين، والتخطيط الحكومي الدقيق الهادف لإيجاد سبل للتخفيف من وطأة خفض دعم الوقود على الفقراء. وبذلك، منح هادي الحوثيين سببًا لإطلاق صرخة الحشد التي يحتاجونها، وعندما هاجم الحوثيون مقر الفرقة الأولى مدرع الموالية لعلي محسن، أطلقت ألوية الحماية الرئاسية صواريخ نحو مقر الفرقة دعمًا لقوات الحوثيين المتقدمة.
لم تتوقف خدمات هادي المجانية للحوثيين عند هذا الحد، فبعد استيلائهم على صنعاء، وافق هادي وبشكل مُذل، على الاستمرار بمنحهم الغطاء القانوني أثناء خضوعه للإقامة الجبرية. استغرق الأمر شهورًا قبل أن يستقيل ويزيل هذا الغطاء.
بعد فراره إلى عدن، ثم إلى الرياض، استمر هادي بتقديم خدماته للحوثيين، فغيابه الطويل عن البلاد، وفشله في بناء جيش وطني، وسوء إدارته للاقتصاد الوطني، وحكمه الذي اتصف بالفساد والمحسوبية، ليست سوى جزءًا من الممارسات التي خدمت الحوثيين وأضفت شرعية على سيطرتهم.
وهناك قراران كارثيان لا بد من الإشارة إليهما بشكل خاص. أولهما على مستوى إدارة المؤسسات، إذ كان قرار هادي القاضي بنقل مقر البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر 2016، الحدث الأهم الذي حفز الحوثيين للاستيلاء على مؤسسات الدولة في صنعاء. فحتى ذلك الحين، ساد اتفاق ضمني بين الأطراف المتحاربة للحفاظ على مؤسسات الدولة، ولم يعيّن الحوثيون وقتها وزراء أو مدراء في مؤسسات الدولة أو الشركات المملوكة للدولة، بل اكتفوا بتعيين وزراء ومدراء بالوكالة. وكان البنك المركزي في صنعاء مستمرًا حينها في دفع رواتب جميع موظفي الدولة، بما في ذلك جنود الجيش الوطني الذين كانوا يقاتلون بشراسة على جانبي الخطوط الأمامية. ولكن، تغيّر كل هذا عندما نُقل مقر البنك المركزي إلى عدن، حيث سارع الحوثيون حينها إلى فرض سيطرتهم على آليات الدولة في الشمال.
على المستويين العسكري والسياسي، أصر الرئيس على استخدام منصبه، بل والحكومة اليمنية بأسرها، لتصفية حسابات قديمة مع معارضيه الجنوبيين، ما شرذم أي رد عسكري محتمل ومتماسك لمواجهة توسع الحوثيين. وبالتالي يكون الوصف الأكثر ملاءمة للحوثيين هو “الميليشيا المدعومة من هادي”.
كما ساهمت أطراف يمنية أخرى بدعم الحوثيين بفضل ممارساتها وأفعالها. فعلى سبيل المثال، تعامل علي محسن الأحمر، الذي يشغل منصب نائب الرئيس، وكبار القادة العسكريين مع الميزانية العسكرية والمعارك بشكل مريب.
غطرسة حزب الإصلاح وطمعه عند تعامله مع خصومه، لا سيما في محافظتي مأرب وتعز، والتطهير العرقي الذي مارسه المجلس الانتقالي الجنوبي ضد الشماليين في عدن وأجزاء أخرى من الجنوب، ورفض طارق صالح لشرعية الحكومة المعترف بها دوليًا، كانت كلها بمثابة هدايا مجانية أدت إلى تصدع المعسكر المناهض للحوثيين وتمكين الأخيرين في ترسيخ سيطرتهم على الدولة اليمنية.
أما التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات، فقد تحلى بالمقدار نفسه من الكرم تجاه جماعة الحوثيين، بداية بارتكابه مجازر تستهدف مدنيين في صنعاء -على سبيل المثال الانفجار الضخم في فج عطان، أبريل/نيسان 2015، وكنت شاهدًا عليه حين دمر حيًا بأكمله وأسفر عن مئات الضحايا بين قتيل وجريح.
في بعض الأحيان، كان المخبرون اليمنيون يعطون السعوديين الذين يسهل خداعهم إحداثيات لأهداف مدنية غالبًا؛ بهدف تصفية حسابات محلية. عاقبت هذه الأعمال العسكرية التي نفذها التحالف المدنيين بشكل عام، كما منحت الجاذبية الشعبية لجهود التجنيد التي يبذلها الحوثيون.
مساهمة الإمارات في نجاح الحوثيين كانت كبيرة، فتشكيلها لعدد من المليشيات المختلفة في تعز، وعلى طول الساحل الغربي، وفي الجنوب، أدى إلى تصدع وإضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين. كما كان احتكار هادي للتمثيل الجنوبي على المستوى الوطني واستخدامه لمفهوم الوحدة اليمنية سلاحًا ضد خصومه في الجنوب؛ ليُمكّن حملة الإمارات المدمرة هناك.
جاء تطبيع الإمارات المسرحي للعلاقات مع إسرائيل مؤخرًا بمثابة تتويج لعملية تقديم الهدايا إلى الحوثيين، وتعزز لمعظم اليمنيين صحة مزاعم الجماعة بأن مسلحيها يقاتلون إسرائيل. وبالتالي، قدمت الإمارات إلى حلفائها في اليمن وجميع القوات المناهضة للحوثيين كأسًا مسمومًا عبر هذا الاستعراض المبالغ فيه، الذي واكب تطبيع العلاقات.
ولكن السعوديين هم من أعطى الحوثيين أعظم وأهم هدية، ففي الفترة الممتدة ما بين عامي 2016 و2018، وعندما كان الجمود سيد الموقف على خطوط المواجهة، أتاح التحالف للحوثيين الفرصة لاستكمال سيطرتهم العسكرية على شمال اليمن، والتخلص من شريكهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
حافظت الكثير من وحدات الجيش اليمني على ولائها لصالح، وفي عدة مناسبات، كان السعوديون يشنون غارات جوية على قواعدها ولا يستهدفون مليشيا الحوثي المجاورة لها، ما سمح للحوثيين بالتقدم وفرض السيطرة عليها.
وبالتالي، فإن الرياض، التي كانت، لما يقرب من نصف قرن من الزمن، تسعى لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل بتقويض التهديد العسكري اليمني، سهلت للحوثيين فرض هيمنتهم العسكرية على شمال اليمن، التي اكتملت بحلول 2017، قبل فترة قصيرة من قتلهم لصالح.
بعد كل هذا، لا يتوقف السعوديون عن العطاء، فمخططاتهم غير المعلنة على الأراضي اليمنية -كما تتجلى في انتشارهم العسكري ونشاطهم في المهرة -توفر للحوثيين سببًا لحشد الوطنيين اليمنيين للدفاع عن “سلامة” أراضي وطنهم.
كما ساعد المجتمع الدولي الحوثيين، ولا سيما من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي كان قراره رقم 2216 هو أعظم هدية يقدمها لهم.
كان القرار يهدف لمنع الحوثيين وصالح من الاستيلاء على الدولة والجيش. وفعليًا، استخدم التحالف هذا القرار لإضفاء الشرعية على هجومه العسكري الضخم، وفرض الحصار على شمال اليمن، ما خلق أزمة إنسانية واقتصادية حادة وأضعف السكان المحليين في مواجهة الحوثيين، ما أدى بدوره إلى جعل الناس أكثر إذعانًا لجماعة الحوثيين، وسهّل جهود الأخيرة لتجنيدهم.
بالتالي، اُضطرت الأمم المتحدة لإرسال جيش من عمال الإغاثة ومئات الملايين من الدولارات إلى اليمن؛ لمعالجة الأزمة الإنسانية التي ساعدت في خلقها، فيما برع الحوثيون -وبشكل متزايد -في استغلال المعونات لخدمة مصالحهم. وبما أن نقاط ضعف الحوثيين خارج حدود اليمن قليلة للغاية، فإن العقوبات الدولية التي صاحبت القرار 2216، بالكاد ألحقت بهم الأذى، بل جعلتهم أكثر اعتمادًا على أنفسهم.
على أولئك الذين يربكهم النجاح السريع الذي حققه الحوثيون الكف عن اعتبار الجماعة بيدق إيراني أو نبتة شيطانية، إذ أنها ليست أياً من هذا، بل هي جماعة أيديولوجية يمنية شابة، تستغل نقاط ضعف وتناقضات نظام سياسي هرم ومشلول نتيجة عقود من السلطوية الكليبتوقراطية، وحلفائه الإقليميين المتآمرين والمختلفين مع بعضهم البعض. وبالتالي، بوجود أعداء مثل هؤلاء، فإن الحوثيين بالكاد يحتاجون إلى أصدقاء.
عبد الغني الإرياني، باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تتركز أبحاثه على عملية السلام وتحليل النزاع وتحولات الدولة اليمنية. يغرد على abdulGhani1959@
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هو مركز أبحاث مستقل، يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.