قدم فريق الخبراء المعني باليمن في 22 يناير/كانون الثاني 2021، تقريره السنوي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يلخص تقرير هذا العام وجهات نظر فريق الخبراء حول عملية السلام، والأمن، والاستقرار، والوضع الاقتصادي في البلاد خلال عام 2020.
وجه التقرير اتهامات بالفساد وغسيل الأموال وهيمنة النخبة لكل من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، والبنك المركزي اليمني في عدن، ومستوردي الغذاء اليمنيين، وذلك فيما يتعلق بوديعة قيمتها ملياري دولار أمريكي قدمتها السعودية عام 2018 للمساعدة في تمويل استيراد السلع واستقرار الريال اليمني.
على الرغم من أن تفويض فريق الخبراء يتمثل في الإبلاغ عن الأعمال التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، إلا أن القسم الخاص باستخدام الوديعة السعودية تضمن عددًا من أخطاء كبيرة في الحقائق والمنهجية، ويمكن أن يكون لتلك الأخطاء -إن تُركت دون معالجة- عواقب وخيمة على الأزمة الإنسانية في اليمن.
سيقتصر هذا المقال على تفحص الجزء باء من القسم التاسع من التقرير، “السياق الاقتصادي ولمحة عامة عن الوضع المالي”، والمرفق 28 المرتبط بهذا القسم والمعنوّن “دراسة حالة عن الوديعة السعودية: اختلاس 423 مليون دولار أمريكي”. لا تنطبق الأفكار المقدمة هنا على الأقسام الأخرى في التقرير بأي شكل من الأشكال.
يقدم تقرير فريق الخبراء ثلاث ادعاءات رئيسية فيما يتعلق باستخدام الوديعة السعودية. الأول أن البنك المركزي في عدن والحكومة قد انتهكا ولاية البنك المركزي اليمني والقوانين اليمنية؛ عبر بيع العملات الأجنبية لمستوردي المواد الغذائية بسعر أقل من سعر السوق. والثاني أن هذه الأسعار التفضيلية لم تنعكس في أسعار المواد الغذائية وأسعار الصرف في السوق، وبالتالي يستنتج التقرير أن هذه المعاملات تشكل فسادًا وغسيلًا للأموال. أما الثالث فهو أن جميع الشركات المستوردة للأغذية في اليمن (وعددها الإجمالي 91 شركة) -خصوصًا أكبر مستورد للمواد الغذائية في اليمن مجموعة هائل سعيد أنعم- تُعد طرفًا في عملية غسيل وتحويل الأموال، ما يمثل شكلًا من أشكال هيمنة النخبة.
سأسلط الضوء في الأقسام التالية على الأخطاء في الوقائع والمنهجية التي وردت في التقرير، وكذلك انعكاساتها المحتملة على الأمن الغذائي والوضع الإنساني في اليمن.
عدم قانونية سعر الصرف التفضيلي
يدّعي تقرير فريق الخبراء أن السياسة التي تطبقها الحكومة لمنح مستوردي المواد الغذائية سعر صرف تفضيلي غير قانونية، وذلك كونها تنتهك “عددًا من مواد قانون البنك المركزي رقم 14 لعام 2000 وأحكام القانون رقم 21 لعام 1991 بشأن البنك المركزي اليمني”. كما يحتج التقرير بأن “البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم هي -من الناحية النظرية- مؤسسات ربحية لحكوماتها. ولكن من الواضح أن البنك المركزي اليمني في عدن لا يعمل من أجل تحقيق مصلحة (الحكومة) في هذه الحالة”.
إنها حقيقة معروفة -بل ومعلنة- أن البنك المركزي اليمني قدم لمستوردي الأغذية أسعار صرف تفضيلية للواردات المدعومة بالوديعة السعودية كجزء من سياسته النقدية المعلنة لإدارة سعر الصرف.
ليس من الواضح سبب إشارة فريق الخبراء إلى كل من القانون 21 (1991) والقانون 14 (2000)، نظرًا لأن الأخير حل محل الأول. وربما لم يتمكن فريق الخبراء من الحصول على مادة ذي صلة بادعاءاته سوى مادة بعيدة الصلة بها موجودة في قانون عام 1991 الذي عفا عليه الزمن ولم يعد ساريًّا.
وتنص هذه المادة على أن البنك المركزي اليمني يجب أن يهدف إلى تأمين “أكبر عائد ممكن من التعامل مع البنوك ذات التصنيف العالي من أجل الحصول على أعلى عائد ممكن مع مراعاة عامل الأمان، ومن التعامل مع بنك التسويات الدولية، وصندوق النقد العربي، والبنك الدولي لإدارة جزء من هذه الاحتياطيات”. ولكن هذه المادة ليست ذات صلة بادعاءات فريق الخبراء كونها تتعلق بالودائع التي يقدمها البنك المركزي اليمني دوليًّا، وليس بالمسألة التي يحللها فريق الخبراء، وهي إدارة السياسة النقدية للعملات الأجنبية في البلد.
في القانون المعمول به حاليًّا -وهو قانون واضح بشكل لا لبس فيه من حيث تحديد ولاية البنك المركزي اليمني- لا توجد مثل هذه المادة. ينص القانون 14 (2000) على أن “الهدف الرئيسي للبنك هو تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار، وتوفير السيولة المناسبة والملائمة على نحو سليم لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق”. تتطلب المواد 2 و23 و47 من القانون بوضوح أن يقوم البنك المركزي اليمني بتصميم نظام صرف العملات الأجنبية بالتشاور مع الحكومة من أجل تحقيق استقرار الأسعار.
إن ادعاء فريق الخبراء بأن تفويض أو مهمة البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم هو تحقيق الربح لحكوماتهم أمر قابل للنقاش، لكن الادعاء بأن ذلك يجب أن يكون مهمة بنك مركزي في بلد متأثر بالصراع مثل اليمن يثير أسئلة جدية حول الخبرة الفنية التي يمتلكها الفريق الفني ومعرفته للموضوع قيد النقاش.
الأمر المؤكد هو أن البنك المركزي والحكومة لم يخالفا أي تفويض أو قوانين بتبنيهما سياسة أسعار الصرف التفضيلية. أما ما إذا كان هذا هو أفضل نهج على مستوى السياسة المالية لتحقيق استقرار الأسعار ومعالجة انعدام الأمن الغذائي في السياق اليمني أم لا، فهو أمر قابل للنقاش، لكن تقرير فريق الخبراء ليس المكان المناسب لنقاش كهذا.
الفساد وغسيل الأموال
يدّعي فريق الخبراء أن أسعار الصرف التفضيلية المقدمة لمستوردي الغذاء من خلال الوديعة السعودية لم تنعكس على سعر صرف الريال اليمني أو أسعار المواد الغذائية، ونتيجة لذلك، خلص إلى أن الوديعة السعودية أُديرت بشكل فاسد وبلغ حد غسيل الأموال. هذا الاتهام ليس موجه فقط للبنك المركزي اليمني والحكومة، بل موجة أيضًا إلى مستوردي الأغذية في اليمن، الذين استفاد جميعهم تقريبًا من الوديعة السعودية.
ومن أجل تعزيز ادعاءاته، ذكر فريق الخبراء: “على سبيل المثال، في عام 2019، انخفضت قيمة الريال اليمني بنسبة 23% مقابل الدولار، ونتيجة لذلك، ارتفع سعر الحد الأدنى لسلة الحصة التموينية بنسبة 21%”. ويستشهد الفريق بتقرير برنامج الغذاء العالمي في أغسطس/آب 2020 كدليل. ولكن تقرير برنامج الغذاء العالمي يشير إلى التغيير السنوي في الأسعار خلال الفترة من أغسطس/آب 2019 إلى أغسطس/آب 2020، وليس لعام 2019 كما يدعي فريق الخبراء. أشار فريق الخبراء أيضًا إلى التقييم الذي أجراه برنامج الغذاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي أفاد بأن “تكلفة الحد الأدنى لسلة الحصة التموينية قد زادت بشكل ملحوظ خلال النصف الأول من عام 2020”.
هذه التواريخ حاسمة وهامة كون الوديعة السعودية كانت تستخدم بشكل أساسي خلال الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2020، كما هو موثّق في تقرير فريق الخبراء نفسه. وبالتالي فإن أي تقييم لتأثير الوديعة يجب أن يركز على هذه الفترة وليس على فترة لاحقة كتلك التي ركز عليها فريق الخبراء.
وبالفعل بعد إلقاء نظرة فاحصة على تقارير برنامج الغذاء العالمي والبنك الدولي، التي تركز على أسعار الصرف وأسعار المواد الغذائية خلال هذه الفترة السابقة، يصل المرء إلى استنتاج يتعارض مع الاستنتاج الذي توصل إليه فريق الخبراء. ففي ديسمبر/كانون الأول 2018، أفاد برنامج الغذاء العالمي أن الريال اليمني بدأ في استعادة قيمته ببطء منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. وقد أدى التعافي المطرد للريال اليمني والزيادة المستمرة في قيمته مقابل العملات الأجنبية ومنها الدولار الأمريكي إلى انخفاض كبير في أسعار الغذاء والوقود”. أشار التقرير أيضًا إلى أنه “خلال شهر إعداد التقرير، بلغ متوسط سعر الصرف 517 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وذلك بنسبة زيادة 15% في قيمة الريال اليمني عن الشهر السابق”. بدأ سعر الصرف في الارتفاع مرة أخرى في نهاية عام 2019، تحديدًا عندما تباطأ استخدام الوديعة وتوقف في النهاية، مما يدل على أن استخدام الوديعة السعودية كان له تأثير إيجابي واضح على سعر الصرف.
وبحسب تقرير للبنك الدولي صادر في ديسمبر/كانون الأول 2019 فإن “المساندة المستمرة لتمويل الواردات من قبل البنك المركزي اليمني (في عدن) لعبت دورًا حيويًّا في تثبيت أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال 2019”. يشير هذا التقرير إشارة صحيحة إلى أن “هناك طائفة مجموعة من العوامل الأخرى التي تؤثر أيضًا على أسعار المواد الغذائية، وهي سعر الصرف في السوق الموازية، وعدم الاستقرار السياسي والأمني، وعدم اليقين في ترتيبات التجارة والاستيراد، والازدواج الضريبي، وتوفر الوقود”. وهذه النقطة هي نقطة حاسمة يتجاهلها فريق الخبراء تمامًا.
سيطرة النخبة
يذكر تقرير فريق الخبراء أن 91 شركة مستوردة للأغذية في اليمن “تلقت 423 مليون دولار أمريكي عن طريق التقديم ببساطة للحصول على آلية خطاب الاعتماد، ما يمثل (فرصة) لزيادة ثروة أعمالهم وثرواتهم الشخصية. ومن وجهة نظر اللجنة، يمثل هذا حالة واضحة لغسيل وتحويل الأموال ارتكبتها مؤسسة حكومية -البنك المركزي اليمني في هذه الحالة- لصالح مجموعة مختارة من التجار ورجال الأعمال الذين يتمعتون بامتيازات”.
قال فريق الخبراء أن مجموعة هائل سعيد أنعم تحديدًا تلقت 48% من الوديعة، واصفة هذه الحصة بأنها شكل من أشكال “سيطرة النخبة”. لكن التقرير لم يذكر أن مجموعة هائل سعيد أنعم، وهي المجموعة التجارية والصناعية الرائدة في اليمن منذ الستينيات، هي مستورد الأغذية الأكبر في اليمن منذ سنوات.
أشار تقرير للبنك الدولي عام 2018 إلى أن مجموعة هائل سعيد أنعم استوردت ما نسبته 50% من واردات القمح إلى اليمن خلال الفترة بين 2014 و2016. بالتالي يُعد تبني فريق الخبراء إحصائية واحدة (وهي نسبة ما خصص لمجموعة هائل سعيد أنعم من الوديعة السعودية) دون توضيح الأمر في سياقة الصحيح ممارسة بحثية مشكوك فيها.
يؤكد فريق الخبراء أن “مجموعة هائل سعيد أنعم حققت في الفترة ما بين منتصف عام 2018 وأغسطس/آب 2020 أرباحًا بلغت حوالي 194.2 مليون دولار من آلية خطابات الاعتماد وحدها، دون احتساب الأرباح المحققة من استيراد وبيع السلع الأساسية”. يبدو أن فريق الخبراء توصل إلى هذا الاستنتاج عن طريق إجراء حساب تقديري استنادًا إلى الفارق بين سعر الصرف في السوق المذكور في تقرير فريق الخبراء -وهو سعر لا يوجد مصدر دقيق له- وسعر صرف البنك المركزي اليمني المقدم من خلال الوديعة السعودية.
وفقًا للمرفق الثالث من تقرير فريق الخبراء، والذي يتضمن ملخصًا لمراسلات فريق الخبراء، فإن الفريق لم يكلف نفسه عناء الاتصال بمجموعة هائل سعيد أنعم من أجل طلب تفاصيل حول أسعارها أو لمنحها الفرصة للرد قبل نشر التقرير.
أعتقد أن تقرير فريق الخبراء هذا يمثل انتهاكًا خطيرًا لمبدأ “عدم إلحاق الضرر”. يوجه التقرير اتهامات خطيرة لا أساس لها ضد جميع مستوردي الغذاء في اليمن، بناءً على منطق خاطئ وممارسات سيئة، كما أن استنتاجات الفريق تمثل تجاوزًاً كبيرًا لحدود ولايته.
مستوردو الغذاء في اليمن هم شريان الحياة في البلاد، ويمثل تجاوز الفريق تهديدًا للأمن الغذائي في بلد تصفه الأمم المتحدة نفسها بأنه يشهد “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”. كما أن مستوردي المواد الغذائية في البلاد يبلغون عن مواجهتهم صعوبات إضافية مع موردي المواد الغذائية والمعاملات المصرفية الدولية بسبب تقرير فريق الخبراء. شُكل فريق الخبراء للإبلاغ عن حالة الحرب ومراقبة نظام العقوبات، ولكنه هذا العام ساهم سلبًا في تأثير الحرب على المواطنين اليمنيين.
ظهرت هذه المقالة في “الحوثيون على أبواب مأرب – تقرير اليمن – يناير/فبراير 2021“
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.