إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

الحوثيون على أبواب مأرب – تقرير اليمن – يناير/فبراير 2021

Read this in English

المحتويات

اليمن في لمحة
على الساحة السياسية

اليمن في لمحة

تطورات الحرب

أبو بكر الشماحي

معركة السيطرة على مأرب

اقتربت قوات الحوثيين من مدينة مأرب في فبراير/شباط، ودأبت على إطلاق الصواريخ على المدينة، مركز المحافظة، بعد تجديد هجومها العسكري للاستيلاء على آخر مدينة رئيسية تقع بالكامل تحت سيطرة الحكومة في شمال البلاد.

سيكون تأثير سقوط المدينة كارثيًّا على الحكومة، وسيجبر الآلاف من المدنيين – بمن فيهم النازحون الذين فروا من ديارهم في وقت سابق من الحرب واستقروا في مأرب – على مغادرة المدينة إلى مناطق أخرى. وغادر بعض النازحين المخيمات القريبة من سد مأرب، على الحدود بين مديرية صرواح ومدينة مأرب.

شن الحوثيون هجومهم العسكري باتجاه مدينة مأرب في الأسبوع الأول من فبراير/شباط، بعد إرسال تعزيزات عسكرية إلى الجبهات في مديريتي صرواح ومدغل. ركّز الحوثيون في النصف الثاني من عام 2020 على التقدم نحو مدينة مأرب من جنوب المحافظة، لكن خطوط دفاع القوات الحكومية في مديريّتي جبل مراد والعبدية صمدت بشكل جيد إلى حد ما، ورفضت القبائل في تلك المناطق طلب الحوثيين بالانضمام إليهم أو منحهم مرورًا آمنًا عبر الأراضي القبلية. المحور الأساسي لهجوم الحوثيين كان من جهة مديرية صرواح، حيث حاول الحوثيون التحرك شرقًا نحو المدينة.



اندلعت المعارك بين الحوثيين والقوات الحكومة المسنودة بالقبائل في منطقة المخدرة جنوب صرواح، ومنطقة البهشاء جنوب شرق صرواح، وهيلان وأطياف والمشجح شرق صرواح. وأسفرت المعارك عن عدد كبير من القتلى والجرحى من الجانبين، وأحرز الحوثيون مكاسب محدودة على الأرض في تقدمهم باتجاه مدينة مأرب.

يُعد النجاح الأبرز الذي حققه الحوثيون في هجومهم الحالي هو سيطرتهم على معسكر كوفل في 10 فبراير/شباط، وهو مقر اللواء 312 مدرّع التابع للقوات الحكومية، بعد قتال دام لأيام في المناطق المحيطة به. يقع معسكر كوفل على بعد نحو 25 كيلومترًا غرب مدينة مأرب. ما تزال قوات الحوثيين في المعسكر ولكنها غير آمنة فيه، إذ أرسلت القوات الحكومية تعزيزات إلى المنطقة، من محافظة شبوة والمناطق الأخرى في محاولة لاستعادة السيطرة على المعسكر، ونجحت في استعادة السيطرة على بعض الأراضي المحيطة به، بدعم من الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية.

منذ استيلاء قوات الحوثيين على معسكر كوفل، امتدّ القتال بين الحوثيين والقوات الحكومية إلى المناطق التي تقع فيها مخيمات النازحين غرب سد مأرب، على بعد نحو 15 كيلومترًا خارج المدينة، ومنها مخيمات الصوابين والزور وذنة، التي تأوي نحو 30 ألف نازح. لم تسلم هذه المخيمات من المعارك؛ إذ أفادت الأمم المتحدة أن 8 آلاف نسمة نزحوا منها ومن القرى المجاورة نتيجة القتال.

بحلول نهاية شهر فبراير/شباط، بدا أن هجوم الحوثيين فقد زخمه، في الوقت الحالي على الأقل.

تتعامل القوات الحكومية مع معركة مأرب كأنها تهديد وجودي وبالتالي أنشأت خطوط دفاع قوية بين المدينة ومعسكر كوفل، ما صعّب محاولة الحوثيين على التقدم مسافة أكبر.

ليس من الواضح بعد إذا ما كان الحوثيون سيحاولون تأمين معسكر كوفل واستغلاله كنقطة انطلاق لشنّ هجمات جديدة مع الاستمرار في إطلاق الصواريخ على مدينة مأرب. أصبحت المدينة عرضة للهجوم أكثر مع اقتراب الحوثيين، لا سيما وأنها تفتقر إلى القدرات الدفاعية التي وفرتها بطاريات صواريخ باتريوت الإماراتية التي أُزيلت في يونيو/ حزيران 2019. (للمزيد عن معركة مأرب، انظر: ‘مأرب وجرس الإغلاق لحرب اليمن‘ و’حرب اليمن: افتقار واشنطن للخيارات في مأرب‘).

جبهات أخرى

استحوذت معركة مأرب على الاهتمام في فبراير/شباط، وأعاد الحوثيون والحكومة اليمنية نشر قواتهم في المحافظة من مناطق أخرى في البلاد، ما أدى إلى تخفيف حدة المعارك في جبهات أخرى، مثل الحديدة وتعز.

في مدينة الحديدة، أسفر الهجوم على قاعة أعراس في اليوم الأول من السنة الجارية عن مقتل ثلاثة مدنيين، بحسب الأمم المتحدة، وبعض الضحايا كانوا من الأطفال.

تبادل كلٌ من الحوثيين والقوات المشتركة المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، الاتهامات بالوقوف خلف الهجوم، ولكن السكان المحليين أخبروا مركز صنعاء أن القذيفة أُطلقت من ناحية الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

أسفرت المعارك العنيفة التي اندلعت طوال شهر يناير/كانون الثاني في مدينة الحديدة، وكذلك في مديريات الدريهمي وحيس والتحيتا، عن مقتل عشرات المقاتلين من الجانبين، دون إحراز أي تقدم كبير. وبحلول فبراير/شباط، سحب الحوثيون بعض قواتهم من المحافظة، ليعيدوا نشرها على الأرجح في جبهات مأرب. وركّزت عمليات الحوثيين في الحديدة لاحقًا على نصب حواجز وإطلاق طائرات استطلاع مسيّرة ونقل الأسلحة الثقيلة إلى مواقع جديدة استعدادًا لجولات القتال لاحقًا.

في محافظة تعز شمال شرقي البلاد، اندلعت معارك بين الحوثيين والسكان المحليين في منطقة الحيمة التي يسيطر عليها الحوثيون، جراء محاولة الحوثيين احتجاز عبدالله الرضي، أحد سكان قرية السايلة بعد اتهامه بالتعاون مع الحكومة اليمنية. لم يقف الرضي مكتوف الأيدي وقاومهم، فدعمه السكان المحليون، ما أدى إلى اندلاع معركة استمرت لأسبوع، أسفرت عن ضحايا من الجانبين. ولكن سرعان ما أنهى الحوثيون هذه الانتفاضة، وبنهاية فبراير/شباط، بقي نحو 300 من السكان المحليين محتجزون في سجن بالحوبان، على أطراف مدينة تعز، بحسب أحد أعضاء لجنة الوساطة المحلية.

الهجمات خارج حدود البلاد

شن الحوثيون عددًا من الهجمات الجوية على الأراضي السعودية في أول شهرين من العام الجاري. وفي حين تم اعتراض غالبية الصواريخ الحوثية، إلا أن بعضها ضرب أهدافها. وكان أبرزها الهجوم الذي استهدف مطار أبها جنوب السعودية في 10 فبراير/شباط وأضرم النار في طائرة مدنية. وفي 17 يناير/كانون الثاني، أصاب صاروخ أطلقه الحوثيون ثلاثة مدنيين سعوديين في قرية حدودية بمحافظة جازان.

واصل الحوثيون قصفهم على الأراضي السعودية في الأيام الأخيرة من شهر فبراير/شباط. ففي 27 فبراير/شباط، أعلن التحالف بقيادة السعودية اعتراض صاروخ فوق مدينة الرياض، فضلًا عن ست طائرات مسيّرة استهدفت مدنًا جنوبية مثل مدينتي خميس مشيط وجازان. وقالت جماعة الحوثيين المسلحة إنها استهدفت السعودية بصاروخ باليستي و15 طائرة مسيّرة.

أبين

ظلت جبهة شقرة المحتدمة سابقًا بين قوات الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في أبين هادئة في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، بعد سحب كلا الجانبين قواتهما في ديسمبر/كانون الأول. تقوم ألوية العمالقة، وهي قوة مدعومة من الإمارات والتحالف بقيادة السعودية، بدوريات في شقرة باعتبارها قوة محايدة. في هذه الأثناء، استمرت الحكومة بمطالبة المجلس الانتقالي بإعادة نشر قواته المتواجدة في أماكن أخرى من المحافظة، كما يطالب المجلس الحكومة بالأمر نفسه. ومن الجدير بالذكر، أن عمليات إعادة الانتشار هذه نُص عليها في اتفاق الرياض إلا أنها لم تنفذ بعد.


على الساحة السياسية

كيسي كومبز

التطورات في مناطق سيطرة الحكومة

تعيين مدير أمن جديد في عدن

في 3 يناير/كانون الثاني سلّم شلال علي شايع، الذي شغل منصب مدير أمن محافظة عدن على مدى خمس سنوات ماضية، إدارة الأمن إلى اللواء مطهر الشعيبي في إطار اتفاق الرياض. كان الرئيس عبدربه منصور هادي قد عيّن أحمد الحميدي في هذا المنصب أواخر يوليو/تموز، ولكن الأخير لم يكن على استعداد للسفر من الرياض إلى عدن لتسلم المنصب، وهو الأمر الذي أصر شايع عليه.

كانت هناك تساؤلات أيضًا حول ما إذا كان الحميدي قادرًا على أن يكسب ولاء قوات الأمن بشكل فعّال.

ينتمي الشعيبي -المعروف بانتمائه إلى حزب المؤتمر الشعبي العام- إلى نفس المنطقة التي ينتمي إليها شايع في محافظة الضالع، وهي معقل انفصالي ينحدر منه العديد من كبار قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، من بينهم رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي. عُرض على شايع منصب الملحق العسكري في سفارة اليمن بالإمارات، لكنه رفض التكليف وموجود حاليًّا في جنوب اليمن.

مجلس التعاون الخليجي الموحد من جديد يدعم حكومة اليمن المعترف بها دوليًّا

اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست في الرياض لحضور القمة السنوية للمجلس للمرة الأولى منذ أن قطعت السعودية والبحرين والإمارات -وكذلك مصر وهي دولة ليست عضو في المجلس- العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وفرضت حصارًا اقتصاديًّا عليها في منتصف عام 2017.

اتهمت دول الحصار في ذلك الوقت الدوحة بدعم الحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن، وتلى ذلك انسحاب قطر من التحالف العسكري بقيادة السعودية، وإيقاف مساعداتها المالية لحكومة هادي.

لم تظهر آثار المصالحة الخليجية على اليمن بعد، في حين عبّر كل من حكومة هادي والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي عن دعمهم للمصالحة السعودية القطرية في تغريدات على تويتر.

مبعوث الأمم المتحدة يصل إلى عدن

في 7 يناير/كانون الثاني، سافر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث إلى عدن لعقد اجتماعات مع الحكومة المشكلة حديثًا، والتي تعرضت للاستهداف بهجوم صاروخي في 30 ديسمبر/كانون الأول في مطار عدن.

استطلع غريفيث الأضرار الناجمة عن الهجمات الصاروخية التي أسفرت عن مقتل 28 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 110 آخرين، كما التقى برئيس الحكومة معين عبدالملك الذي قال إن الهجمات سعت إلى “القضاء” على الحكومة.

أشار غريفيث في تصريحات لمجلس الأمن الدولي في 14 يناير/كانون الثاني إلى أن الحكومة انتهت من التحقيق في الحادثة وخلصت إلى أن جماعة الحوثيين المسلحة كانت وراء تلك الهجمات.

قائد المجلس الانتقالي الجنوبي يعاود التأكيد على هدف الانفصال

قال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في مقابلة مع شبكة سكاي نيوز عربية ومقرها الإمارات التي يقيم فيها الزُبيدي أيضًا، إن الجماعة الانفصالية ما تزال تخطط لتشكيل دولة مستقلة في جنوب اليمن.

جاءت هذه التصريحات بعد نحو أسبوع من وصول حكومة تقاسم السلطة إلى عدن وفقًا لبنود اتفاق الرياض الذي وافق فيه المجلس الانتقالي على الاندماج سياسيًّا وعسكريًّا في المؤسسات الحكومية.

قال الزُبيدي إن السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن هو إنشاء دولة مستقلة في جنوب اليمن كما كانت عليه قبل عام 1990.

ظهور تصدعات في حكومة تقاسم السلطة في عدن

أصدر الرئيس هادي في منتصف يناير/كانون الثاني قرارات جمهوريّة بتعيين رئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر رئيسًا لمجلس الشورى وأحمد الموساوي نائبًا عامًا؛ ورفض المجلس الانتقالي التعيينات “من جانب واحد”، واتهم هادي بمحاولة حرف اتفاق الرياض عن مساره.

كما أدان كل من الحزب الاشتراكي والناصري في عدن هذه القرارات.

قال منتقدو التعيينات إنها تتعارض مع روح تقاسم السلطة المنصوص عليها في اتفاق الرياض. يعارض المجلس الانتقالي بشكل خاص تعيين بن دغر الذي اصطدم معه مرارًا خلال فترة توليه رئاسة الوزراء، وهدد باتخاذ “الخطوات المناسبة” إذا لم يتم التراجع هادي عن تلك التعيينات، بما في ذلك عودة الإدارة الذاتية في جنوب اليمن التي أعلنتها الجماعة الانفصالية في أبريل/نيسان 2020 وتخلت عنها في يوليو/تموز.

المجلس الانتقالي الجنوبي يلتقي بوزارة الخارجية الروسية

عقد الزُبيدي ووفد رفيع المستوى من مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي، بمن فيهم محافظ عدن أحمد لملس، اجتماعات مع مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية في موسكو على مدى عدة أيام أوائل فبراير/شباط.

جاءت الزيارة بعد نحو شهر من تشكيل حكومة تقاسم السلطة الهشة في عدن بين المجلس والحكومة المعترف بها دوليًّا كجزء من اتفاق الرياض الذي تم بوساطة سعودية.

صرح الزُبيدي في مقابلة مع روسيا اليوم إن اتفاق الرياض كان مرحلة انتقالية قبل تشكيل دولة جنوبية مستقلة على غرار جنوب اليمن السابق، والتي كانت تربطها علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي حتى انهياره عام 1989.

كانت هذه ثاني زيارة رسمية للمجلس إلى موسكو منذ مارس/آذار 2019.

أجرت حكومة هادي أيضًا اتصالات مع الكرملين في ديسمبر/كانون الأول 2020، وزار أحمد العيسى -المقرّب من الرئيس هادي وتاجر النفط القوي في الجنوب- موسكو كرئيس للائتلاف الوطني الجنوبي الذي تشكل في مايو/أيار 2018 لمنافسة المجلس الانتقالي الجنوبي. في مقابلة مع سبوتنيك، أصر العيسى على أن روسيا تدعم اليمن الموحد (انظر مقابلة العيسى مع مركز صنعاء هنا).

حلف قبائل حضرموت يحث هادي على إعلان إقليم حضرموت

في 3 فبراير/شباط، دعا حلف قبائل حضرموت الرئيس هادي إلى إعلان حضرموت إقليم منفصل، بما يتماشى مع هيكل الدولة الفيدرالية المتصور في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي اختُتم عام 2014.

سيشمل إقليم حضرموت محافظات شبوة والمهرة وأرخبيل سقطرى. هذه المحافظات الأربع كانت جزءًا من جنوب اليمن السابق الذي يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي، ومقره عدن، إلى إحيائه كدولة مستقلة في وقت ما في المستقبل. يرفض الكيان السياسي الانفصالي فكرة هيكل الدولة الفيدرالية الموحدة بشكل خاص ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني بشكل عام. تمثل هذه القضايا بعض النقاط العالقة بين الحكومة والمجلس.

اتفاقية ستوكهولم

محادثات تبادل الأسرى تنتهي دون اتفاق

أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في 21 فبراير/شباط انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الحكومة والحوثيين لإطلاق سراح آلاف اليمنيين المسجونين خلال الحرب دون التوصل لاتفاق.

يعد تبادل الأسرى أحد الملفات الرئيسية لاتفاقية ستوكهولم التي وُقعت عام 2018 وأوقفت بموجبها هجومًا عسكريًّا مدعومًا من الإمارات بهدف السيطرة على مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر الخاضعة لسيطرة الحوثيين. شهد اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2020 أكبر صفقة لتبادل السجناء خلال الحرب بناء على هذه الاتفاقية المبرمة في السويد إذ تم تبادل ما يقرب من 1,100 سجين.

مع ذلك، انحرفت تلك الصفقة بشكل كبير لصالح الحوثيين؛ فالغالبية من إجمالي الأربعمائة فرد الذين أفرج عنهم الحوثيون كانوا مدنيين منهم خمسة صحفيين، وذلك مقابل 681 مقاتلًا حوثيًّا أُبلغ عن وجود بعضهم في الجبهات بعد وقت قصير من عودتهم إلى اليمن.

تنامي الدعوات المطالبة بانسحاب الحكومة من اتفاقية ستوكهولم

في 10 فبراير/شباط، دعا طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقائد قوات المقاومة الوطنية المناهضة للحوثيين التي شاركت في الحملة العسكرية للسيطرة على ميناء الحديدة، حكومة هادي إلى الانسحاب من اتفاقية ستوكهولم الذي تمت بوساطة الأمم المتحدة. حث طارق صالح، المقرب من الإمارات، في تغريدة على تويتر القوات المناهضة للحوثيين للقتال في الحديدة ومأرب، حيث جددت قوات الحوثيين محاولتها للسيطرة على المحافظة الشمالية.

وفي 13 فبراير/شباط، حثت مجموعة من نواب البرلمان الحكومة على الانسحاب من اتفاقية ستوكهولم. وفي رسالة وجهها النواب إلى الرئيس هادي ونائب الرئيس علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة معين عبدالملك، قالوا إن الحوثيين لم يخرقوا الاتفاق فقط بل استغلوه كفرصة لفتح جبهات قتال جديدة تحديدًا في الجوف ومأرب التي دخلت المعارك المتقطعة فيها شهرها الثالث عشر على التوالي.

التطورات في مناطق سيطرة الحوثيين

الحوثيون يصدرون تعميمًا يحظر الفعاليات والأنشطة عبر الإنترنت

أمر المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للحوثيين المنظمات غير الحكومية المحلية العاملة في مناطق سيطرتهم بالحصول على إذن قبل إجراء أنشطة عبر الإنترنت أو المشاركة فيها، مثل مكالمات Zoom عبر الإنترنت.

وكان المجلس قد فرض عددًا من القيود على المنظمات الإنسانية منذ تشكيله في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

محكمة للحوثيين تستأنف محاكمة الأقلية البهائية

في 9 يناير/كانون الثاني، استأنفت المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للحوثيين في صنعاء الإجراءات القضائية ضد 24 من أفراد الأقلية الدينية البهائية، على الرغم من قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط بإسقاط التهم عنهم أواخر مارس/آذار 2020.

أواخر يوليو/تموز 2020، أُطلق سراح ستة بهائيين (خمسة من 24 شخصًا حُوكموا) من السجن، ونُفوا إلى لوكسمبورغ، في حين اختبأ البهائيون الـ19 الذين يخضعون للمحاكمة، والذين بقوا في اليمن خوفًا من سجنهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

في 13 فبراير/شباط، عقدت المحكمة الجزائية المتخصصة آخر جلسة استماع للقضية الجارية ضد البهائيين الـ19. تجاهلت المحكمة خلال الجلسة القرار الذي اتُخذ في مارس/آذار 2020، وأعادت القضية إلى النيابة لمواصلة متابعة التهم الجنائية.

فسرت الطائفة البهائية هذه التطورات على أنها محاولة من قِبل سلطات الحوثيين لمصادرة الأصول المتبقية للمتهمين الـ24، حيث جمد الحوثيون حساباتهم المصرفية وصادروا بعض عقاراتهم وأصولهم، وهي إجراءات ما تزال سارية المفعول على الرغم من قرار المشاط قبل نحو عام.

سلطات الحوثيين في صنعاء تراقب أدوار النوع الاجتماعي وحقوق المرأة

في 20 يناير/كانون الثاني، اقتحم مسؤولون حوثيون متاجر الملابس النسائية في العاصمة صنعاء، وكسروا المانيكانات (دمى عرض الملابس)؛ زاعمين أنها تنتهك السلوك الإسلامي وتفسد المجتمع وتنشر الرذيلة والعري، وفرضوا غرامات على التجار.

كما قامت سلطاتهم ممثلة بمكتب أمين العاصمة بإغلاق مطعم “رينبو” في حي حدة؛ زاعمة أنه يروّج للمثلية الجنسية. في وقت لاحق من نفس الشهر، حظرت وزارة الصحة والسكان التي يديرها الحوثيون استخدام وسائل منع الحمل، بينما قال رجال الدين الحوثيين خلال خطب الجمعة في عدة مساجد بمناطق سيطرة الحوثيين، إن النساء يُسمح لهن العمل فقط في مدارس الفتيات ومستشفيات النساء.

الحوثيون يؤجلون فحص الناقلة صافر

أعلن مسؤولو الأمم المتحدة في 2 فبراير/شباط تأجيل مهمة التفتيش والإصلاح المقررة لناقلة النفط صافر الراسية قبالة مدينة الحديدة. وقالت الأمم المتحدة إنه في ظل عدم وجود ضمانات أمنية مكتوبة من الحوثيين، فقد اضطرت لإلغاء المهمة التي وافق عليه الحوثيون في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والتي كان من المفترض إجراؤها في الأسبوع الأول من فبراير/شباط.

منع الحوثيون الفرق الفنية مرارًا وتكرارًا من اتخاذ خطوات لتفريغ 1.1 مليون برميل من النفط بأمان من على متن السفينة البالغة من العمر 45 عامًا وسط مخاوف من احتمال حدوث كارثة بيئية غير مسبوقة في البحر الأحمر. نصح المسؤولون الحوثيون الأمم المتحدة أوائل فبراير/شباط بوقف بعض الاستعدادات لبعثة التفتيش لأنهم يراجعون الموافقة الرسمية التي منحوها سابقًا.

في 24 فبراير/شباط، أعلن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن الحوثيين قدموا طلبات إضافية تركز على “الترتيبات اللوجستية والأمنية”، مضيفًا أنه “من الصعب الآن تحديد موعد إرسال البعثة بالضبط”.

التطورات الدولية

وزارة الخارجية الأمريكية تصنف الحوثيين جماعة إرهابية لفترة قصيرة

صنفت الولايات المتحدة جماعة الحوثيين المسلحة، على أنها منظمة إرهابية أجنبية لمدة لم تتجاوز الشهر، وهو أحد آخر القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب، وواحد من أول القرارات الكبيرة في السياسة الخارجية التي غيرتها إدارة بايدن.

في 19 يناير/كانون الثاني، صنّف وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته مايك بومبيو جماعة الحوثيين المسلحة على أنها منظمة إرهابية أجنبية وكيان إرهابي عالمي مُصنف بشكل خاص. كما تم تصنيف ثلاثة من كبار المسؤولين الحوثيين ضمن الإرهابيين العالميين المُصنفين بشكل خاص وهم: قائد الحوثيين عبدالملك الحوثي، وعبدالخالق الحوثي الشقيق الأصغر لعبدالملك والقائد العسكري للجماعة الذي يقود أيضًا نخبة الحرس الجمهوري ووحدات القوات الخاصة بالجماعة، وعبدالله يحيى الحاكم -الملقب بـ”أبو علي”- وهو قائد عسكري رئيسي يشرف على جهاز استخبارات الحوثيين.

أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية كل من عبدالخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحاكم على لوائح العقوبات من قبل عام 2014، بينما أُدرج عبدالملك الحوثي على لائحة العقوبات من قِبل الأمم المتحدة عام 2015.

ألغت إدارة بايدن التصنيف الإرهابي للجماعة بشكل كلي في 5 فبراير/شباط، عقب مخاوف من الأمم المتحدة والدول الغربية المانحة ووكالات المعونة الدولية والمحللين من أن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية قد يتسبب في مخاطر حدوث مجاعة واسعة النطاق من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية والواردات التجارية.

إدارة بايدن تعطي الأولوية للدبلوماسية في اليمن

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في 4 فبراير/شباط وقف الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية السعودية الهجومية في اليمن، وعيّن الدبلوماسي المخضرم تيم ليندركينغ مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى اليمن. مثلت تلك الإعلانات تحولًا كبيرًا في سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن مع التركيز على الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ ست سنوات والتي أججتها القوى الإقليمية بما في ذلك السعودية والإمارات وإيران.

لم يرد الحوثيون بالمثل على بادرة خفض التصعيد، وقاموا بدلًا من ذلك بتجديد هجومهم على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز. (راجع “تطورات الحرب” لمعرفة المزيد عن معركة مأرب).

في 26 فبراير/شباط، أفادت تقارير أن ليندركينغ التقى كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبدالسلام وأجرى معه محادثات مباشرة في العاصمة العمانية مسقط.

وقال مصدران مطلعان على الأمر لرويترز إن المبعوث الأمريكي ضغط على الحوثيين خلال الاجتماع لوقف هجومهم على مأرب وإجراء محادثات افتراضية (على الإنترنت) مع السعودية بشأن وقف إطلاق النار.

وقال أحد المصادر إن الاجتماع كان جزءًا من نهج “العصا والجزرة” الجديد والمتبنى من قِبل إدارة بايدن، حيث يستند إلى التواصل الدبلوماسي من ناحية والعقوبات المحددة من ناحية أخرى. وقال عبدالسلام لوكالة سبوتنيك الروسية إن وفد الحوثيين لم يلتق مباشرة بمسؤولين أمريكيين في مسقط، بل تواصل مع الأمريكيين عبر مسؤولين عمانيين.

مسؤول إيراني يعلن اليمن امتدادًا للثورة الإسلامية

في 9 فبراير/شباط، أي خلال الأيام الأولى للهجوم العسكري المتجدد للحوثيين على مأرب، قال السفير الإيراني لدى الحوثيين في صنعاء حسن إيرلو في تغريدة على تويتر إن حرب اليمن كانت امتدادًا للثورة الإسلامية الإيرانية. على الرغم من أن الحوثيين لطالما نفوا مثل هذه المزاعم، لم يعارض كبار قيادات الحوثيين ما قاله السفير عبر حساباتهم على تويتر.

إضافة المزيد من الشخصيات الحوثية إلى قوائم عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة

في 25 فبراير/شباط، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على المسؤول الحوثي سلطان زابن وذلك بسبب مشاركته في “أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، منها انتهاكات القانون الإنساني الدولي الساري وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن”.

أشرف زابن، بصفته مدير إدارة البحث الجنائي في صنعاء، على إنشاء شبكة من مراكز الاحتجاز التي تعرضت فيها النساء اللاتي يعارضن حكم الحوثيين، “بما في ذلك امرأة قاصر على الأقل، للاختفاء القسري والاستجواب المتكرر والاغتصاب والتعذيب والحرمان من العلاج الطبي في الوقت المناسب والإجبار على العمل”.

عذّب زابن شخصيًّا بعض الضحايا، بحسب قرار العقوبات. كانت آخر مرة عاقب فيها مجلس الأمن أشخاصًا يمنيين في عام 2015.

في 2 مارس/آذار، أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية قادة عسكريين حوثيين وهم منصور السعدي وأحمد علي أحسن الحمزي إلى قائمة العقوبات.

السعدي، الذي يشغل منصب رئيس أركان القوات البحرية الحوثية، “دبر هجمات قاتلة ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر” بحسب إعلان العقوبات الذي أشار إلى أن هذه القوات قامت مرارًا بزرع ألغام بحرية أصابت سفن مدنية وعسكرية. أما اللواء الحمزي فيقود قوات الحوثيين الجوية والدفاع الجوي وكذلك برنامج الطائرات المسيّرة. تلقى كل من السعدي والحمزي تدريبات في إيران ونقلوا أسلحة من إيران إلى اليمن وفقًا لوزارة الخزانة.


التطورات الاقتصادية

في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية

تقرير للأمم المتحدة يتهم البنك المركزي اليمني في عدن باختلاس 423 مليون دولار أمريكي

قدم فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن تقريره السنوي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 25 يناير/كانون الثاني، واستعرض التقرير بالتفصيل -من بين مجموعة واسعة من القضايا الأخرى- نتائج الفريق ذات الصلة بالتطورات الاقتصادية في اليمن خلال عام 2020. وخلصت اللجنة إلى أن كلا الجانبين، الحكومة اليمنية المعترف بها وسلطات الأمر الواقع الحوثية، قاما بتحويل الموارد الاقتصادية والمالية للبلاد بشكل غير قانوني لخدمة أهدافهما الخاصة، ما أدى إلى تعميق محنة ملايين اليمنيين الذين يواجهون بالفعل واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.

تتعلق أكثر نتيجة مثيرة للجدل في التقرير باتهامات الفريق للبنك المركزي اليمني التابع للحكومة في عدن باختلاس 423 مليون دولار أمريكي من وديعة بقيمة ملياري دولار قدمتها السعودية إليه أوائل عام 2018 لتمويل واردات السلع الأساسية ودعم استقرار سعر صرف الريال اليمني. أكد تقرير فريق الخبراء أن البنك المركزي اليمني في عدن سهّل سحب الأموال من الوديعة السعودية من خلال آلية توفر للمستوردين التجاريين سعر صرف تفضيلي لخطابات الاعتماد. وبحسب فريق الخبراء كان من بين هؤلاء التجار مجموعة هائل سعيد أنعم، أكبر مجموعة تجارية في اليمن والتي تملك نفوذًا كبيرًا لدى الحكومة. وقال التقرير إن المجموعة استفادت من مبلغ قدره 194.2 مليون دولار أمريكي، أو ما يقرب من نصف الأموال التي تقول اللجنة إنها اختُلست، “وهذا المبلغ لا يشمل الأرباح التي حصلت عليها المجموعة من استيراد وبيع السلع”. وقد نفت كل من الحكومة اليمنية ومجموعة هائل سعيد أنعم هذه الاتهامات بشدة.

وبحسب تحليل معمّق لهذا الجزء من التقرير، هناك عيوب كبيرة في أدلة وحجج فريق الخبراء (لمزيد من التفاصيل، انظر: “فريق الخبراء يخطئ بشأن اليمن“).

الحكومة تعيّن شركة إرنست أند يونغ لعملية المراجعة والتدقيق الخارجي

في 7 فبراير/شباط، أعلن رئيس الوزراء معين عبدالملك أن شركة إرنست ويونغ ستجري تدقيقًا خارجيًّا في البيانات المالية للبنك المركزي اليمني في عدن. جاء هذا القرار في أعقاب مزاعم من فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن البنك المركزي. قدمت شركة إرنست أند يونج مقترحًا للتدقيق الخارجي إلى الحكومة في مارس/آذار 2019، ويبقى أن نرى ما إذا كان تقرير فريق الخبراء سيحث الحكومة على اتخاذ مزيد من الإجراءات، مثل تغيير مجلس إدارة البنك، وهو التغيير الذي كان من المفترض أن يحدث في سبتمبر/أيلول 2020 وفقًا لتشريعات البنك المركزي اليمني.

انخفاض قيمة الريال اليمني في المناطق الحكومية بعد تحسنها مؤقتًا

خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، انخفضت قيمة الريال اليمني في المناطق الخاضعة اسميًّا لسيطرة الحكومة انخفاضًا مطردًا من 691 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي في 2 يناير/كانون الثاني إلى 870 ريالًا في 28 فبراير/شباط. كان هذا الانخفاض متوقعًا في السوق بشكل كبير كرد فعل أولي لتشكيل حكومة جديدة في ديسمبر/كانون الأول، ولكنه كان مرجحًا له بأنه سيكون قصير الأجل.

ففي أعقاب إعلان الرئيس هادي عن حكومة تقاسم السلطة في 18 ديسمبر/كانون الأول، ارتفع سعر الريال اليمني إلى 643 ريالًا لكل دولار أمريكي في 27 ديسمبر/كانون الأول، وهو تحسّن ملحوظ عن المستوى القياسي المنخفض البالغ 917.5 ريالًا في 9 ديسمبر/كانون الأول. وفي حالة عدم وجود زيادة في الإيرادات أو غياب الدعم المالي الخارجي أو ضعف الوصول إلى كمية النقد الأجنبي المتداول في الاقتصاد، ستستمر قيمة الريال اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في الانخفاض. ونتيجة لذلك، فإن الاختلاف بين سعري الصرف المتفاوتين (والعملتين المتفاوتين أيضًا في القيمة بشكل كبير) في اليمن سيتسع -مع بقاء قيمة الريال اليمني في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مستقرة نسبيًّا عند حوالي 600 ريال يمني لكل دولار أمريكي.

وصول أول شحنة وقود إلى قنا بشبوة

في 16 يناير/كانون الثاني، وصلت الشحنة الأولى من الوقود إلى قنا، وهي منطقة ساحلية في مديرية رضوم على بعد 20 كيلومترًا شرق محطة تصدير الغاز الطبيعي المسال ببلحاف في محافظة شبوة. كانت الشحنة الافتتاحية عبارة عن سفينة تحمل ما يقدر بـ 17,000 طن متري من الديزل نُقلت من السفينة عبر خط أنابيب إلى شاحنات الوقود المنتظرة على الشاطئ.

وفقًا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، استورد رجل الأعمال البارز أحمد العيسي الشحنة الافتتاحية تحت اسم شركة كيو زي واي تريدنج (QZY Trading LLC) ومقرها الإمارات. وبحسب تقارير في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ربما يكون العيسي قد شارك أيضًا في تطوير موقع التفريغ على الشاطئ. كان العيسي، المقرب من الرئيس هادي حيث يعمل كنائب لمدير مكتب الرئاسة للشؤون الاقتصادية، يحتكر واردات الوقود عبر عدن احتكارًا شبه كامل من يوليو/تموز 2015 حتى يونيو/حزيران 2020. وكانت الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2018 حتى مارس/ آذار 2019 الاستثناء الملحوظ، وهي الفترة التي استوردت السعودية الوقود كجزء من منحة بقيمة 180 مليون دولار أمريكي للكهرباء قدمتها للحكومة (انظر مقابلة مركز صنعاء مع العيسي).

التطورات في مناطق سيطرة الحوثيين

استمرار معركة استيراد الوقود عبر الحديدة

استمرت معركة استيراد الوقود عبر محافظة الحديدة في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط وحتى تأريخ كتابة هذا التقرير، إذ توقفت الحكومة عن إصدار تصاريح للسفن المحملة بالوقود التي ترغب في الانتقال من مناطق سيطرة التحالف على المياه الدولية في البحر الأحمر إلى ميناء الحديدة، باستثناء شحنة غاز بترول مسال واحدة رست في الميناء في يناير/كانون الثاني. في غضون ذلك، عاد الحوثيون إلى تقنين إمدادات الوقود المتاحة. كما حُددت كمية الوقود التي يمكن للمستهلكين شراؤها من محطات الوقود التي تديرها شركة النفط اليمنية بـ30 لترًا كل ستة أيام لكل مستهلك.

كما كان هناك ارتفاع ملحوظ في أسعار الوقود خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، ففي حين ظل “السعر الرسمي” 5,900 ريال يمني لكل 20 لترًا، فقد ارتفع السعر في السوق الموازي أو غير الرسمي إذ تراوح ما بين 12,000 و15,000 ريال يمني لكل 20 لترًا في يناير/كانون الثاني ووصل إلى ما بين 17,000 و20,000 ريال في منتصف شهر فبراير/شباط. انخفضت أسعار الوقود بشكل طفيف مع نهاية شهر فبراير/شباط إلى حوالي 14,000 ريال يمني لكل 20 لترًا.


مقابلة

‘السياسة ليست محرمة على رجال الأعمال’ – سؤال وجواب مع أحمد العيسي

كما هو معروف، فإن أحمد العيسي هو رجل أعمال ينخرط في الشأن السياسي بين الفينة والأخرى؛ إذ يرأس مجموعة العيسي التجارية ويشغل منصب نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية. أما ما لا يُعرف عنه، فإن العيسي قد يكون أقوى يمني على قيد الحياة، ومما لا شك فيه، فهو واحد من الأكثر ثراءً بينهم.

قدم العيسي حبل النجاة للرئيس عبدربه منصور هادي مرتين، عام 2015 و2016. المرة الأولى حين فر هادي من صنعاء إلى عدن، والثانية عندما أقال هادي رئيس الوزراء خالد بحاح؛ ما أغضب السعوديين الذين اوقفوا دعمهم المالي لهادي. العيسي وهادي مقربين منذ سنوات، وتعود العلاقة بينهما إلى أوائل التسعينيات عندما كان هادي وزيرًا للدفاع.

استغل العيسي علاقته المقربة من هادي وأبنائه لتوسيع إمبراطوريته التجارية محتكرًا واردات الوقود إلى عدن. ومثل جيف بيزوس وأمازون، بوسع العيسي تقريبًا تأمين ونقل أي شيء للجميع. باع الطعام والوقود للقوات السعودية والإماراتية في اليمن، وساعد على إبقاء الجيش والحكومة على قدميهما، والكثير يدينون له بالخدمات.

منزله -وهو عبارة عن شقة في القاهرة- هو المركز الثابت للعالم اليمني، ينتظره بصبر رؤساء وزراء سابقون، ووزراء، وزعماء قبليون، ورجال أعمال، وأعضاء في البرلمان، وقادة عسكريون.

في يناير/كانون الثاني، دعا العيسي مركز صنعاء إلى منزله لإجراء حوار صريح ومعمّق تحدث خلاله عن عدة مواضيع منها: زيارته الأخيرة لموسكو، ومشروعه “الوحدوي” الجنوبي، وكيف أثرت سيطرة الحوثيين على إمبراطوريته التجارية، وكيف “ساندت” هذه الإمبراطورية الحكومة اليمنية لتحميها من السقوط، وخلافه مع رئيس الوزراء معين عبدالملك، وكيف تتعامل معه أبو ظبي تجاريًّا وفي نفس الوقت تسعى إلى تصفيته، ولماذا يجب أن يكون هو رئيس اليمن المقبل.

*ملاحظة: حُررت وكُثفت هذه المقابلة مراعاة للوضوح.


محادثات عن السياسة والنفط في موسكو

مركز صنعاء: بداية أود أن أشكرك؛ شيخ أحمد العيسي، اعتقد أنها أول مرة تتحدث فيها للإعلام منذ فترة. دعني أبدأ من زيارتك الأخيرة إلى موسكو، ما الذي كنت تفعله هناك؟

العيسي: هذه الزيارة كانت لفتح علاقات وآفاق جديدة للائتلاف الوطني الجنوبي. (الائتلاف الوطني الجنوبي هو تنظيم سياسي مركزه الجنوب تأسس في مايو/أيار 2018).

وفي الوقت نفسه ردًا على زيارة الآخرين (المجلس الانتقالي الجنوبي) حين ذهبوا إلى موسكو. رأينا الحكومة الشرعية مقيّدة في مكانها، فأردنا أن نفتح علاقات للائتلاف الجنوبي على الأقل.

التقينا في السابق مع مسؤولين في السفارة الأمريكية والبريطانية وأوضحنا لهم موقف الائتلاف، ونفضّل أن يكون لدينا تواجد في روسيا أيضًا. الحمدلله كانت الزيارة إيجابية، والتقينا مع القيادات الروسية.

مركز صنعاء: ما رأيك بالموقف الروسي تجاه اليمن؟ هل هو مختلف عن الموقفين الأمريكي والبريطاني؟

العيسي: مختلف، وهذا ما لاحظته في اجتماعي مع نائب وزير الخارجية والمستشار الخاص بالرئيس بوتين، ميخائيل بوغدانوف.

مركز صنعاء: المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا؟

العيسي: نعم، تحدثنا معه حول الوضع في اليمن، ورأينا من ملاحظاته أن موسكو بدأت تبدي اهتمامًا بالوضع في اليمن. ونال حديثه إعجابي صراحة. قال إن روسيا لا تقف مع جماعة الحوثيين المسلحة في السيطرة على اليمن، وخاصة تمددها نحو الجنوب -لذا [يبدو] أنهم يركزون على جنوب البلاد- وفي نفس الوقت، لا تقف روسيا مع عاصفة الحزم أو التحالف العربي الذي تقوده السعودية. قال بوغدانوف [أن روسيا] مع (حوار) اليمنيين للتوصل إلى تفاهم.

مركز صنعاء: هل كان لديك أي علاقات تجارية مع روسيا في السابق، أو هل لديك الآن؟

العيسي: ركزنا في هذه الزيارة على ملف الائتلاف الوطني، وعلى عملنا التجاري المتعلق باستيراد المشتقات النفطية.

ما رأيك بالإدارة الأميركية الجديدة؟

“الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون أفضل لنا كيمنيين… الإدارة السابقة سلّمت ملف اليمن للتحالف بالكامل”.

مركز صنعاء: إذاً، لم يكن هناك استيراد للمشتقات النفطية من روسيا في السابق؟

العيسي: لا، أبدًا، وحتى الآن لا يوجد.

مركز صنعاء: ولكن هذا ممكن (يومًا ما)؟

العيسي: ممكن بالطبع لأن أسعار الروس جيدة مقارنة بالأسعار الأخرى. ولكن استيراد الوقود الروسي أمر صعب. الحديث عن سوق حر وأسعار تنافسية وشركات ووسطاء ماليين (بروكرات) نسمعه منذ سنين، لكن حتى آخر خطوة (نحو هذا الهدف) لم تُثمر شيئًا. عندما ذهبنا إلى بابهم الرئيسي، وهو شركة النفط الوطنية، وتحدثنا معهم في اجتماع بسيط. (بعد مغادرتنا) أعطونا وعودًا، وهذه إشارة إلى أنهم مهتمون بالأمر. ولنا زيارة ثانية إلى هناك.

الائتلاف الوطني الجنوبي مقابل المجلس الانتقالي الجنوبي: صراع العيسي “الوحدوي” في الجنوب

مركز صنعاء: أود التحدث عن الائتلاف الوطني. ما رأيك بالفكرة القائلة إن الائتلاف أُنشئ فقط ضد الانتقالي، والأهم من هذا كله أن الائتلاف لم ينجح حتى الآن في اختراق -على سبيل المثال- محافظة الضالع، إذ أن فعالياته هناك قليلة وحضوره شبه مختفِ، يقال إن ذلك دليل على أن الائتلاف موجه أولًا ضد جغرافية معيّنة، وثانيًّا غير قادر على [شمل] تمثيل سياسي أكبر، أو حتى تمثيل جنوبي أكبر. ما رأيك؟

العيسي: تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي هو من الأسباب الرئيسية لإعلان الائتلاف الوطني الجنوبي، لكن ليس كما ذكرت؛ لسنا ضد الانتقالي. نحن لاحظنا بعد تحرير المحافظات الجنوبية [من قوات الحوثيين منتصف 2015] أننا عدنا للنمط الشمولي الذي (تبنّاه) الحزب الاشتراكي لحكم جنوب اليمن، والذي كرّس جزء منه الرئيس السابق علي عبدالله صالح تحت مبرر السيطرة والحفاظ على الوحدة. المجلس الانتقالي لا يعمل إلا مع حزب واحد أو قوة واحدة والبقية لا رأي لها. كما أن حضور الأحزاب السياسية، المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والناصري وكل الأحزاب الأخرى في المحافظات الجنوبية كان خجولًا وخفيًّا حيث لا يستطيعون تنظيم أي نشاط أو فعالية، كنوعٍ من الاستسلام للانتقالي.

نحن من ضمن الجنوبيين الذين نسمّي أنفسنا وحدويون؛ نقف مع اليمن الكبير. لذا بادرنا عبر تأثيرنا ووجودنا في الساحة الجنوبية -رغم أنهم في البداية كانوا يقولون إني لست جنوبيًّا- للاتفاق مع 13 حزبًا سياسيًّا من بينهم أحزاب المؤتمر والإصلاح والبعث والناصري -التنظيم الناصري انسحب في الأخير- وحزب النهضة ومكونات في الحراك الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع، وهؤلاء هم أغلب المكونات الجنوبية، لنشكّل كتلة قوية تواجه المجلس الانتقالي الجنوبي أو الساعين لانفصال جنوب اليمن بشكل عام. شُكّل الائتلاف، وكنّا سننظم حفل إشهار تأسيسه في العاصمة المصرية القاهرة.

مركز صنعاء: لماذا لم يُنظّم في القاهرة؟ هل تعتقد أن السلطات المصرية رفضت بإيعاز من الإمارات؟

العيسي: السلطات المصرية أعطتنا كل التصاريح والموافقات، لكن أحباءنا (يقولها ساخرًا)، الإماراتيين، تدخَّلوا في الأخير، وأفشلوا الحفل. لغى المصريون التصاريح متذرعين بوزارة الخارجية المصرية، رغم أنهم أعطونا موافقة سابقة.

بالتالي، أشهرنا الائتلاف الوطني الجنوبي من عدن، وكان أول فعالية سياسية لم تكن تابعة للمجلس الانتقالي تُنظم بشكل رسمي في المدينة. وحضر حفل الإشهار حشد كبير. وكان إعلان الائتلاف من عدن وليس من أي مكان آخر دليلًا على قوتنا، رغم أن بعض حلفائنا القريبين منّا وقفوا ضدنا.

كنّا بصدد إقامة مهرجانات وفعاليات في محافظات أخرى، إذ لدى الائتلاف فرع في محافظة الضالع، وثلاثة من أعضاء المجلس الأعلى للائتلاف ينتمون للمحافظة. الائتلاف ليس مناطقيًّا بل مع الوحدة اليمنية فما بالك بالوحدة بين المحافظات الجنوبية. ولكن المعارك التي اندلعت منتصف أغسطس/آب 2019 (بين القوات الموالية للحكومة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وانتهت بسيطرة الأخيرة على مدينة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية) أسفرت عن مصاعب كثيرة أعاقت نشاطنا في عدن. في محافظة لحج، كنّا جاهزين غير أننا نُصحنا من “اللي على بالك” (يقصد السعوديين) بأن نتوقف. الرسالة الخاصة بمحافظات شبوة وأبين وحضرموت وصلت (يقصد أن الائتلاف نظّم فعاليات جماهيرية في المحافظات الثلاث). في محافظة المهرة، كان هناك تصاعد للعنف الثوري ضد المملكة، قالت لنا قيادة الائتلاف هناك إن أي فعالية نرغب بتنظيمها مسموح بها، ولكن سينظر إليها على أنها ضد التحالف وضد السعودية بشكل خاص، وبالتالي، نصحتنا ألا نثير عداوة السعوديين، لذا أوقفنا تنظيم أي فعالية.

اتفاق الرياض غير عملي

مركز صنعاء: ما رأيك باتفاق الرياض؟

العيسي: اتفاق جيد وممتاز، ولكن نصوصه وطريقة التعامل معه كما تعلم…

مركز صنعاء: كيف؟

العيسي: غير عملي، عبارة عن مراضاة.

مركز صنعاء: والحكومة الجديدة المشكّلة بناء عليه، ما رأيك بها؟

العيسي: تشكّلت الحكومة لكن اتفاق الرياض لا يلبّي الطموح بشكل عام، ولم يُنفذ. نُفذ ما كان في صالح المجلس الانتقالي فقط، أما بالنسبة للصالح الوطني أو الحكومة الشرعية لم يُنفذ سوى القليل منه.

ما رأيك بمحافظ عدن أحمد لملس؟

“أحمد لملس معروف بارتباطه بالانتقالي. أتابع الخطوات التي يقوم بها، والتغييرات في المديريات. وهو يقوم بكل هذا في ظل صعوبات. إن شاء الله، ربنا يوفقه”.

مركز صنعاء: لنفترض الآن (حسبما ينص الاتفاق) حدث تغيير محافظين محافظات شبوة وحضرموت وباقي محافظات الجنوب؟

العيسي: لم يُنفذ أساس الاتفاق. أول نقطة فيه هي عودة ألوية الحماية الرئاسية إلى مواقعها السابقة في مدينة عدن وتنفيذ الشقين الأمني والعسكري. وحتى اليوم لم يُنفذ سوى تشكيل الحكومة فقط أما بقية البنود لم تُنفذ. كما أن اتفاق الرياض قوّض الشرعية.

تعليق الأعمال التجارية في الشمال

مركز صنعاء: دعني ابتعد قليلًا عن اتفاق الرياض. لنفترض أننا استيقظنا غدًا لنشهد اليمن ينقسم ليمنين، ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لتجارتك؟

العيسي: تجارتي؟ إذا فكرت بتجارتي، سأعمل مع جماعة الحوثيين ومع المجلس الانتقالي ومع الحكومة الشرعية. الصورة واضحة. التجار جميعًا يعملون في المناطق الثلاث، تجار الشمال والجنوب يعملون في جميع المناطق، أنا الوحيد الذي حددت موقفي من الحوثيين، وكل رؤوس أموالي وإمكانياتي الاقتصادية في مدينة الحديدة والعاصمة صنعاء (خاضعتان لسيطرة الحوثيين). التجارة مهمّة، لكن الوضع الذي وصلنا إليه مع الحوثيين كان مستحيلًا.

مركز صنعاء: لكن على حد معلوماتي إن تجارتك قائمة، وحتى النفط الذي يموّل الحوثيين يمر عبرك؟

العيسي: لا يا حبيبي، أتحدى أي شخص يثبت ذلك. منذ أول يوم من عملية عاصفة الحزم [في مارس/آذار 2015] ليس لدي أي نشاط تجاري في المحافظات الخاضعة للحوثيين أبدًا. تجارتي متوقفة إذ استولى الحوثيون على بعض الممتلكات مثل منازل وأراضي في صنعاء ومستشفى، كما أغلقوا مقر شركاتي ومصانعي وكليّة الشفاء الطبية في مدينة الحديدة.

مركز صنعاء: يعني ذلك أنه لا يوجد لديك أي استثمارات حالية في أماكن سيطرة الحوثيين؟

العيسي: ما يوجد لدي الآن هو عملي الخيري، ودفع رواتب الموظفين الباقين في منازلهم منذ 2015 حتى اليوم.

مركز صنعاء: كيف يتزوّد الحوثيون بالنفط إذًا؟

العيسي: عبر ميناء مدينة الحديدة، عبر التجار الذين صنعوهم. كان يساعدهم في البداية نجل توفيق عبدالرحيم لكنهم سجنوه لاعتقادهم بأنه معارض، وحاليًّا يتزودون بالوقود عبر تجارهم.

قبل اندلاع الحرب، لم يكن أحد يعمل في قطاع النفط سواي وتوفيق عبدالرحيم. حاليًّا دخل الجميع للتجارة في قطاعات غير اختصاصهم، مثل [أحمد] المقبلي (أكبر مستورد وقود في الحديدة)، الذي كان يعمل في تجارة قطع غيار السيارات لكنه اتجه لتجارة النفط.

مركز صنعاء: وهذه كلها تمر أمام أعين الحكومة والتحالف وإجراءات منح التراخيص؟

العيسي: نعم، مخالفة للإجراءات التي فرضوها.

مركز صنعاء: من الذي فرضها؟

العيسي: التحالف والأمم المتحدة. في البداية كانوا يمنعون دخول النفط إلى الحوثيين إلا عبر المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة مثل عدن، ولكنهم لم يستطيعوا السيطرة على هذا في النهاية؛ لأن رئيس الحكومة كان يرفع لهم كل عام توجيهات استثنائية يُدخِل بها عددًا من سفن النفط.

ثم توصّلوا إلى اتفاق تطبيق نظام اللجنة الاقتصادية القاضي بدفع الضرائب والجمارك إلى البنك المركزي في عدن، لكنهم اتفقوا مرة أخرى على دفعها في البنك المركزي بالحديدة. أيضًا البضائع التي تدخل عبر آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش بشرط ألا تأتي من إيران، تُباع للحوثيين كما تُباع في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة، شريطة دفع الضرائب والجمارك لحساب في البنك المركزي بالحديدة. وهذا الحساب يغطي رواتب بعض موظفي الدولة، وبقية الرواتب تدفعها الحكومة اليمنية. وفعلًا كانت الحكومة تدفع الرواتب لموظفي وزارات التربية والتعليم، الصحة إلخ. وصل المبلغ في حساب البنك المركزي [بالحديدة] تقريبًا إلى 38 مليار ريال يمني، لكن الحوثيين خالفوا الإجراءات التي سمحت لهم بإدخال الوقود، وبالتالي منع التحالف دخول أي باخرة محملة بالنفط إلى ميناء الحديدة (ما أدى إلى أزمة الوقود في يونيو/حزيران 2019).

رئيس الحكومة مسؤول عن الفساد

مركز صنعاء: يقول رئيس الحكومة معين عبدالملك إن معركته معك هي معركة ضد الفساد؟

العيسي: عليه إثبات ما يقول. هو رئيس الحكومة، يقول إنني فاسد وكل شيء في يدي، النفط في يدي. عليه أن يثبت ذلك. نحن خلافنا مع معين ليس لأنه رئيس حكومة أو لأنه مقصِّر، ولكن كونه تاجر؛ لذا نحمّله مسؤولية جزء من الفساد.

مركز صنعاء: كيف؟

العيسي: هو مرتبط مع مجموعات تجارية وسبق و… (في الواقع) سأحتفظ بهذه المعلومة الآن.

مركز صنعاء: لا، لا تستطيع أن تعطيني نصف معلومة وتتوقع أن آخذ هذا بجدية. هل بوسعك مشاركة المزيد؟

العيسي: هو مرتبط رسميًّا مع أولاد الصغير (شركة مقاولات عمل معها معين في السابق) ومجموعة هائل (مجموعة شركات هائل سعيد أنعم) ومع شهاب (شركة شهاب للاستيراد)، ودخل معهم شريكًا في مشروع استثماري بإثيوبيا، وأعمال ومقاولات أخرى. كما أنه مرتبط بمجموعات تجارية أخرى كبيرة؛ يسهِّل عملهم ويسخِّر كل دعم الدولة لهم. وكل هذه المجموعات التجارية تدفع ضرائبها لجماعة الحوثيين، بينما لها الأولوية في الاستفادة من إمكانيات الحكومة الشرعية والتحالف.

أنت تعمل مع الحوثيين وأنا أعمل مع الشرعية. ولاؤك وإيراداتك للحوثيين وولائي وإيراداتي للحكومة الشرعية. مع معين، تُسهّل لك الأمور أكثر وتُعطى لك صلاحيات أكبر.

مركز صنعاء: تقصد مجموعة هائل سعيد؟

العيسي: أنا لا أتحدث عن مجموعة معينة، بل عن معين عبدالملك وسياساته. استفادت منها مجموعة هائل سعيد، وفاهم (حيدر فاهم، أكبر مستورد للقمح) وثابت (مجموعة إخوان ثابت الاقتصادية) وكذلك تجار آخرين. العيب ليس في التاجر، بل في المسؤول الذي هو تاجر في نفس الوقت.

إبقاء العمل في الاقتصاد

مركز صنعاء: تتحدث عن معين وكأنه شخص متلبس، ولكن ألا ترى أنه توجد على الأقل لديك أدنى درجة من تضارب المصالح؟ ما أقصده هنا، أحمد العيسي، هل هو شيخ، أو تاجر نفط، أو نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية، أو رياضي (يشغل العيسي منصب رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم)، أو زعيم حزب سياسي؟

العيسي: لدينا هذا في نظامنا، السياسة ليست محرمة على رجال الأعمال. نحن فُرضت علينا السياسة، ولم نتحول من سياسيين إلى رجال أعمال، بل العكس. والسبب يعود للظروف الاستثنائية. السياسيون الذين اعتمدنا عليهم كانوا فاشلين. بعد أن غادرنا الحديدة على وقع المعارك [عام 2015] ووصلنا إلى عدن، لم نجد أحدًا من السياسيين والمسؤولين هناك. هل هم عملاء؟ هل هم ضعفاء؟ هل هربوا؟ حينها لم أكن أعلم.

القضية الوطنية فرضت علينا دخول المجال السياسي. ونحن في المكتب الرئاسي ليس لنا أي عمل رسمي ولا نضع توصيات ولا نصدر توجيهات.

مركز صنعاء: لكن لديك منصب رسمي؟

العيسي: منصب رسمي فخري، لا أصدر عبره توجيهات أو قرارات. ساعدنا الدولة في بدايتها حين وصلت إلى عدن. تعاونّا معها، وجهزنا كل شيء، وحتى اليوم ما تزال تدين لنا بالمال.

مركز صنعاء: تقصد المليار [ريال يمني] الذي أنقذت به الرئيس عند وصوله إلى عدن؟

العيسي: لا تخشَ على المسؤولين فأوضاعهم مرتبة. نحن أعدنا تجهيز مؤسسات الدولة، وإصلاح ما خربته الحرب، والمساعدة في إمداد الجيش بالتغذية والخدمات اللوجستية الأخرى. ولم تدفع الحكومة مستحقاتي حتى اليوم، لذا آخر مرة عملنا معها كان في نهاية 2016.

لم استفد من الحكومة، ولم استغل موقعي ولا مهاراتي، وحتى اللحظة هم مديونون لي.

مركز صنعاء: كم تبلغ ديون الحكومة اليمنية لك؟

العيسي: تكلفة الغذاء وما إلى ذلك بلغت نحو 500 مليون ريال سعودي (حوالي 133.3 مليون دولار).

مركز صنعاء: هذه رواتب أم تكلفة غذاء؟ ما هي بالضبط؟

العيسي: تجهيزات للجيش والحكومة، مركبات وإصلاحات ومخيمات ومعدات وغذاء. أنا قمت بدور المؤسسة الاقتصادية اليمنية.

مركز صنعاء: إذًا، أنت عمليًّا قمت بدور مؤسسة حكومية؟

العيسي: في بداية الحرب، قبل أن تعيّن الحكومة مديرًا للمؤسسة الاقتصادية ليتولى هذه الأعمال. ومنذ بداية 2017 لم يدفعوا لي شيئًا.

بالنسبة للكهرباء، طبعًا كما تعلم، كنت أنقل النفط والوقود بين المحافظات اليمنية لأكثر من 25 عامًا. كنت أنقل نفط خام صافر من رأس عيسى إلى مصافي عدن، وأنقل مشتقاته من مصافي عدن إلى الحديدة والمخا والمكلا وسقطرى.

وفي بداية التسعينيات، ذهبت الشركات الأجنبية وأخذت مكانها. عقب استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء وانطلاق عملية عاصفة الحزم أوقفت هذه العمليات -أو حتى قبل ذلك أعتقد.

المصافي أوقفت ضخ المشتقات النفطية للمحافظات الشمالية، والحوثيون أوقفوا ضخ النفط الخام إلى مصافي عدن لأن الأنبوب الذي يغذّي المصافي في رأس عيسى بالحديدة يقع تحت سيطرتهم. 600 ألف برميل نفط احتفظت بها حتى تحررت عدن، لكن كانت خسائري من بقاء النفط في سفينة صافر برأس عيسى مليون دولار.

كانت لي مستحقات عندهم (الحكومة) إبان الحرب في عدن بقيمة أكثر من 40 مليون دولار، ولم تُسدد.

ما رأيك بشركة واي؟

“هي شركة موجودة قبل أن أبدأ تجارتي. وقبل اندلاع الحرب، كنت أحاول شراء أسهم منها، وحتى الآن لم أستطع”.

مركز صنعاء: لم تجد طريقة لشراء أسهم حتى الآن؟

“لا. وهي شركة غير تابعة للحكومة، هي قطاع خاص لسعوديين وإماراتيين”.

مركز صنعاء: الحكومة لا تملك شيء منها؟

“لا، أبدًا”.

مركز صنعاء: لماذا؟

العيسي: لأنهم كانوا يعملون على إصلاح الطرق بما يسمح لميناء عدن باستئناف العمل وتوفير احتياجات المحافظات الشمالية من الوقود بعد إغلاق التحالف العربي بقيادة السعودية الاستيراد عبر ميناء الحديدة، وبما يمنع خلق مشاكل كنقص الغذاء أو المشتقات النفطية في الشمال. مُنحت تسهيلات استيراد الوقود إلى المحافظات الشمالية دون جمارك وضرائب، وتسهيلات من الأجهزة الأمنية بأن تبقى الطرق البرية سالكة نحو المحافظات الشمالية. ولكنهم اختلفوا مع الإماراتيين ولم يتم شيء من ذلك. ما تم هو تحرير المشتقات النفطية.

عملُنا ظل مستمر طبعًا في استيراد الوقود، ثم أعلنوا مناقصات لتوريد الوقود لمحطات الكهرباء. اشتركت في البداية عدة شركات لتوريد الوقود، لكن لم تدفع لها الحكومة أموالًا، بل لم تقدم لها التزامات بالدفع. يعني كانت الشركات تشتري الوقود ويردون عليها: نتحاسب لاحقًا. لم تتعامل معهم الشركات الخارجية لأن البلد في حالة حرب، وأنا كنت متواجد هناك فبدأت استورد الوقود.

شركة النفط كانت تقوم بالعمل مع المصافي في استيراد الوقود، وإفلاسها جاء نتيجة عدم دفع مستحقات الوقود لتوليد الكهرباء.

مركز صنعاء: لكنك تشترك في صياغة المناقصات التي تقدم عليها؟

العيسي: هناك سبع جهات تصيغ المناقصات، شركة النفط ومصافي عدن ووزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبة ووزارة الكهرباء. سبع جهات تفعل ذلك، ولكن أنا، لا.

مركز صنعاء: يتردد كثيرًا أن لا أحد يستطيع دخول مناقصة أو منافسة متساوية بينما مصافي عدن دائمًا محمّلة بمخزونات العيسي، حتى المصافي نفسها لا تستطيع ذلك. وبالتالي، حتى عندما تبدو الأوراق والوثائق قانونية، الممارسات تختلف؟

العيسي: لا توجد هناك أي علاقة بين ما قلته. مثلًا، إذا هناك مناقصة لشراء 40 ألف طن ديزل أو شراء 50 ألف طن مازوت، تصل الباخرة وتفرّغ الوقود في الخزانات بعدن دون أي عائق، ثم تضخها مصافي عدن عبر شركة النفط.

أما بالنسبة للكهرباء، فلا أحد يستطيع أن ينافس في هذا القطاع إذ أن شركة الكهرباء لا تدفع المال وليس لديها أموال. الشركة لا تمتلك أي مقومات تحفزك للعمل معها. أمر متعب فعلًا. ولكن لضرورة عدم انقطاع الكهرباء، تعلن الحكومة عن مناقصات حتى لو لم تدفع.

رئيس الحكومة معين عبدالملك يخدع الناس. أصدقاء معين من أتى بهم هم تجار الحوثيين، [زيد] الشرفي و[مجموعة] السنيدار والمقبلي، الذين كانوا يعملون في الحديدة.

لا يريد أحد في عدن إحضار الديزل. لماذا؟ لأنه في حال اشترى كمية بهدف جني بعض الربح سيذهب نصفها أو ربعها أو 20٪ منها لتوليد الكهرباء.

مركز صنعاء: ما رأيك في السفير السعودي محمد آل جابر ودوره؟

العيسي: محمد آل جابر يعمل لمصلحة بلده، ووجد موظفين يمنيين مطيعين. ويعد نفسه بأنه حقق نجاحًا. العيب ليس فيه بل هو فينا كيمنيين. المسؤولون اليمنيون لا يعبّرون عن رغباتنا ولا يعكسون قضايانا. المسؤول اليمني يبحث عن مصلحته، يريد العيش وضمان راتب والحفاظ على منصبه وتعزيز علاقاته مع السعوديين والإماراتيين وحتى مع الصينيين. لا يريد مشاكل مع أحد، ويريد فقط أن يرضي الجميع.

مركز صنعاء: دعنا ننتقل إلى سؤال آخر. اليوم نحن ندخل السنة التاسعة من رئاسة عبدربه منصور هادي، وكان من المفترض استمرارها لسنتين فقط. ألا تنطبق عليه المعادلة نفسها التي وصفت بها السياسيين اليمنيين؟ أي أنه يحمي دائرته أو كرسيه فقط حتى لو في خارج البلاد؟

العيسي: وما الذي يمكنه فعله؟ لا يمتلك دعم أحزاب ولا جيش يحميه ولا قوة اقتصادية. وضعه صعب ولا شك أن هناك تقصير منه. المسؤولية في الأخير تعود إليه، ولكن له ظروفه.

عداء وظيفي مع الإمارات

مركز صنعاء: دعنا ننتقل إلى أبوظبي إذًا. أنت في مواجهة مع الإمارات، أو على الأقل مع حلفائها في اليمن وفي عدن تحديدًا، المجلس الانتقالي وقوات كثيرة هنا وهناك، ولكن أموالك أغلبها في الإمارات. كيف استطعت أن تمزج بين كل هذا؟

العيسي: هل تلمح أني أعمل مع الإمارات؟

مركز صنعاء: لا، أنا فقط أسألك، كيف لم تؤذَ أموالك هناك إذا أنت تقول إنكم أعداء؟

العيسي: الإمارات آذتني، وكانت ترغب بتصفيتي.

مركز صنعاء: ولكن أموالك في دبي، هذا المهم.

العيسي: لا أموال لديًّ في دبي. أنا أشتري من دبي فقط، وباسم شركتي وليس باسمي. أنا لا أدخل الإمارات، وإذا دخلتها، لن تجدني بعدها. حربي مع الإمارات ومع المجلس الانتقالي ومع الحوثيين ليست خافية. لماذا تشكك بهذا الموضوع؟

مركز صنعاء: أنا لا أشكك في شيء، أنا فقط أسأل كباحث.

العيسي: دعني أسألك أنت كيف ترى ذلك؟

مركز صنعاء: لا، أنا من يطرح الأسئلة هنا المفترض.

العيسي: سأفسّر لك. عليًّ شراء النفط من الإمارات لأنها السوق الأفضل والأقرب وكل شيء متوفر هناك. ومكتبي موجود فيها قبل اندلاع الحرب، وقبل دخول الإمارات إلى اليمن. الإماراتيون ضايقوا مكتبنا واستدعوا الموظفين عدة مرات، ولكن مكتبنا لا علاقة له بالسياسة، والموظفون ليسوا منّا (يمنيين) أصلًا. حاول الإماراتيون كل ما يستطيعون، ولكنّنا واضحون وشفافون، ثم بدأوا يقولون إنني استورد النفط من إيران.

مركز صنعاء: لكن هذا يتردد بشكل كبير، أن نفطك أغلب مصادره إيران.

العيسي: دعهم يثبتوا هذا.

مركز صنعاء: ما هي مصادر نفطك إذًا؟

العيسي: نفطي كله من الإمارات، وهذا سبب بقاء مكتبي هناك.

مركز صنعاء: ومصدره الأساسي الإمارات؟

العيسي: أنا أشتري من الإمارات، لا أسألهم من أين أحضروه. والإمارات كفيلة بالتحقيق إذا ما وجدت شيئًا يدعو للشك في تعاملي مع إيران، رغم أنها أقرب إلى إيران والحوثيين منّا. لكن إذا أُتيحت لها فرصة لإدانتي بالتعامل مع إيران أو الحوثيين لن تتردد، كما فعلت بعشرات التجار اليمنيين، من ضمنهم المقبلي. داهمهم الإماراتيون آخر الليل في منازلهم، ويحتجزونهم منذ أكثر من عام ونصف.

مركز صنعاء: كانوا تجار نفط متهمون بالعمل مع الحوثيين؟

العيسي: لا، مع إيران، التعامل مع الحوثيين ليس ممنوعًا.

مركز صنعاء: كيف؟

العيسي: الحوثيون كانوا يؤمّنون وقودهم من الإمارات عبر التجار البحرينيين والعراقيين والإيرانيين واليمنيين. ما يزال عشرة تجار مسجونين في الإمارات بتهمة التجارة مع إيران بينهم يمنيان هما [شريف أحمد] باعلوي والمقبلي والبقية عراقيون وبحرينيون.

كان جيشهم (الإماراتيون) الموجود في عدن والمخا وحضرموت وسقطرى يتزوّد بالوقود عبري أنا، كانوا يشترون مني وقود الديزل.

مركز صنعاء: إلى الآن؟

العيسي: لا، لم يعودوا ليشتروا مني الآن.

ما رأيك بمعركة مأرب الحالية؟

“مأرب، إن شاء الله، لن تسقط (في يد الحوثيين). أؤمن بأهلها. وإذا سقطت، ستكون كارثة لليمن، شماله وجنوبه… مأرب هي التي تحافظ على وحدة اليمن. إذا سقطت عدن سيستعيدها الناس، ولكن إذا سقطت مأرب سيتمسك الحوثيون بالمحافظات الشمالية، و”الحبايب” (المجلس الانتقالي الجنوبي) سيأخذون المحافظات الجنوبية، ونحن سنُشرد من دولة إلى أخرى”.

مركز صنعاء: سمعت أنه بعد سيطرة المجلس الانتقالي على مدينة عدن، لم يكن لدى الإماراتيين طريقة للوصول إلى المشتقات إلا عبرك.

العيسي: نعم، قلت لك يريدون قتلي ومع ذلك يشترون مني الوقود. قل لي إن المجلس الانتقالي مُسيطر، ولكن لا علاقة للانتقالي بهذا. لم يجدوا أحدًا سواي لتأمين احتياجاتهم. وفي نفس الوقت، من مصلحتي فتح مكتب في دبي.، لا يوجد أي إشكالية في هذا.

في نفس الوقت أنا أرغب أن يروني أدلة. كل هذه الاتهامات التي توجهوها ضدي، حسنًا، مكتبي عندكم، لم لا تتخذوا إجراءاتكم؟ لماذا تتعاملون معي في عدن؟ نحن واضحون.

أنا أوجه تهمًا بالفساد لأي أحد دون لف أو دوران. أنا واضح مثل الشمس، وأواجههم في كل المحافل والميادين. هل أنا أقوى منهم كلهم؟ أسرق وأسلب وأواجه الجميع؟ ما رأيك؟ زيّنها بعقلك. معين (رئيس الحكومة) انضم لهم. هل يعني أنني أقوى من كل هذه القوى؟ ولم يستطيعوا أن يثبتوا عليَّ غلطة؟ أنا “آكل الأرض والسماء” كما تقولون عني في مركز صنعاء؟ أم أني مدعوم خارجيًّا؟

مركز صنعاء: أنا أسألك.

العيسي: السؤال هذا موجه لك.

مركز صنعاء: لا، أنا أتيت لطرح أسئلة عليك، ليس لدي أجوبة.

العيسي: يقولون إني فاسد ووو… لنفترض هذا صحيح. عدن تحت حكم المجلس الانتقالي منذ سنتين، وأنا أعمل هناك، لماذا لم يقبضوا عليّ ويحاكموني في المحكمة، أو حتى في محكمة مليشيا؟

أقول الشيء نفسه، عن الإمارات نفس الكلام. مكتبي لديكم في الإمارات، وأنتم كان لديكم سلطة في اليمن وأنا كنت موجودًا في عدن، وأرادوا اغتيالي مرتين. أرسلوا مسلحين لاغتيالي.

لماذا لم يقبضوا عليّ؟ لماذا لم يفعلوا شيئًا؟ الحاصل أن الناس كلهم (في عدن) يرونهم كذابين، ضعفاء. لو أفكّر في مصلحتي التجارية، الحوثيون سيؤدون لي التحية، وسيتعاملون معي رغم أنهم أعداؤنا. هم يتعاملون كالرجال، أفضل من الشرعية والتحالف. هل تعلم أن الحوثيين حين يعمل معهم أحد، يفون بكلمتهم ويدفعون؟ إذا لا تعارض الحوثيين بالسياسة، تعيش أميرًا.

الإمارات أو الحوثيون أو معين.. من العدو؟

مركز صنعاء: لدي سؤال. لو طلبت منك أن ترتبهم، من هم أعداؤك؟ الإمارات أم جماعة الحوثيين أم معين أم الانتقالي؟

العيسي: والله لا أرى أن معين يستحق وصف عدو لكن…

مركز صنعاء: البقيّة؟

العيسي: الإماراتيون مصرون على قتلي.

مركز صنعاء: أخطر من الحوثيين؟

العيسي: لا، الحوثيون أخطر طبعًا، لكن ليس لديهم قضية شخصية معي. مشكلة الحوثيين مع الوطن كله وأنا جزء من المكوّن الوطني، ولكن الإمارات تستهدفني شخصيًّا بينما الحوثيون يدافعون عن موقع محدد. نحن جميعًا معترفون أنه عدو سرق ممتلكاتنا ومنعنا من دخول بلادنا، لا حاجة للحديث بهذا الشأن.

حول علاقتي مع الإمارات ومع الحوثيين ومعين عبدالملك. عند الحديث عن الحوثيين، ذكرت أنهم يعملون لأهداف خاصة وتجارية. أما بالنسبة لمعين، فهو يمثل الحكومة وليس من المفترض أن يتعامل مع الأمور عبر توجيه الاتهامات من خلال الإعلام.

معين عزل الميسري (وزير الداخلية السابق أحمد الميسري) والجبواني (وزير النقل السابق صالح الجبواني)، معين مرر القرارات التي يريد، فهل يصعب عليه إثبات فساد أحمد العيسي؟ لِم لا يثبت ذلك؟ أنا خلافي معه تجاري، أعده منافسًا تجاريًّا.

هو يدعم مصالح تجارية له علاقة بها ويتجاهل المصلحة العامة، ويركّز على مواضيع غير مهمة. من المخوّل بمناقشة تنفيذ اتفاق الرياض؟ أليس هو؟ هل تحدث حول الشقين الأمني والعسكري من اتفاق الرياض؟ هل حاول حل المشاكل التي تواجه ميناء عدن ومطارها؟ الناس والتجار يعانون الأمرّين في ميناء عدن، هل حقق الأمن؟ يتفضل. ما كان موقفه من قضية البنك المركزي؟ هو منع وصول القضية إلى القضاء. الجهاز المركزي كشف المخالفات في بنك التضامن التابع لمجموعة هائل سعيد أنعم، وبنك الكريمي، لِم لَم تُبحث هذه القضايا؟ كشفها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ورفع قضية للقضاء، لكن معين أوقفها. كما أنه هناك فساد يُمارس عند التعامل مع الوديعة السعودية، وممارسات فساد أخرى، مثل نهب أراضي الناس.

من يكون رئيس اليمن القادم؟

مركز صنعاء: سؤال أخير، لنفترض جاءت عملية انتقالية بعد سنة أو حصل شيء لهادي، لا سمح الله، من هو مرشحك لرئاسة اليمن؟ ولا تقل لي أن “الأسماء ليست مهمة”. أريد اسمًا، من هو مرشح أحمد العيسي للرئاسة؟

العيسي: في هذه الحالة، ولو حدث شيء لهادي، فأنا أرى نفسي أفضل من كل الذي في الساحة. بصراحة، الاسم الذي اقترحه هو أحمد العيسي. أنا أرى أني مزيج من سلطة عبدالله بن حسين الأحمر وشاهر عبد الحق وعلي عبدالله صالح.


مقالات

فريق الخبراء يخطئ بشأن اليمن

رأفت الأكحلي

قدم فريق الخبراء المعني باليمن في 22 يناير/كانون الثاني 2021، تقريره السنوي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يلخص تقرير هذا العام وجهات نظر فريق الخبراء حول عملية السلام، والأمن، والاستقرار، والوضع الاقتصادي في البلاد خلال عام 2020.

وجه التقرير اتهامات بالفساد وغسيل الأموال وهيمنة النخبة لكل من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، والبنك المركزي اليمني في عدن، ومستوردي الغذاء اليمنيين، وذلك فيما يتعلق بوديعة قيمتها ملياري دولار أمريكي قدمتها السعودية عام 2018 للمساعدة في تمويل استيراد السلع واستقرار الريال اليمني.

على الرغم من أن تفويض فريق الخبراء يتمثل في الإبلاغ عن الأعمال التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، إلا أن القسم الخاص باستخدام الوديعة السعودية تضمن عددًا من أخطاء كبيرة في الحقائق والمنهجية، ويمكن أن يكون لتلك الأخطاء -إن تُركت دون معالجة- عواقب وخيمة على الأزمة الإنسانية في اليمن.

سيقتصر هذا المقال على تفحص الجزء باء من القسم التاسع من التقرير، “السياق الاقتصادي ولمحة عامة عن الوضع المالي”، والمرفق 28 المرتبط بهذا القسم والمعنوّن “دراسة حالة عن الوديعة السعودية: اختلاس 423 مليون دولار أمريكي”. لا تنطبق الأفكار المقدمة هنا على الأقسام الأخرى في التقرير بأي شكل من الأشكال.

يقدم تقرير فريق الخبراء ثلاث ادعاءات رئيسية فيما يتعلق باستخدام الوديعة السعودية. الأول أن البنك المركزي في عدن والحكومة قد انتهكا ولاية البنك المركزي اليمني والقوانين اليمنية؛ عبر بيع العملات الأجنبية لمستوردي المواد الغذائية بسعر أقل من سعر السوق. والثاني أن هذه الأسعار التفضيلية لم تنعكس في أسعار المواد الغذائية وأسعار الصرف في السوق، وبالتالي يستنتج التقرير أن هذه المعاملات تشكل فسادًا وغسيلًا للأموال. أما الثالث فهو أن جميع الشركات المستوردة للأغذية في اليمن (وعددها الإجمالي 91 شركة) -خصوصًا أكبر مستورد للمواد الغذائية في اليمن مجموعة هائل سعيد أنعم- تُعد طرفًا في عملية غسيل وتحويل الأموال، ما يمثل شكلًا من أشكال هيمنة النخبة.

سأسلط الضوء في الأقسام التالية على الأخطاء في الوقائع والمنهجية التي وردت في التقرير، وكذلك انعكاساتها المحتملة على الأمن الغذائي والوضع الإنساني في اليمن.

عدم قانونية سعر الصرف التفضيلي

يدّعي تقرير فريق الخبراء أن السياسة التي تطبقها الحكومة لمنح مستوردي المواد الغذائية سعر صرف تفضيلي غير قانونية، وذلك كونها تنتهك “عددًا من مواد قانون البنك المركزي رقم 14 لعام 2000 وأحكام القانون رقم 21 لعام 1991 بشأن البنك المركزي اليمني”. كما يحتج التقرير بأن “البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم هي -من الناحية النظرية- مؤسسات ربحية لحكوماتها. ولكن من الواضح أن البنك المركزي اليمني في عدن لا يعمل من أجل تحقيق مصلحة (الحكومة) في هذه الحالة”.

إنها حقيقة معروفة -بل ومعلنة- أن البنك المركزي اليمني قدم لمستوردي الأغذية أسعار صرف تفضيلية للواردات المدعومة بالوديعة السعودية كجزء من سياسته النقدية المعلنة لإدارة سعر الصرف.

ليس من الواضح سبب إشارة فريق الخبراء إلى كل من القانون 21 (1991) والقانون 14 (2000)، نظرًا لأن الأخير حل محل الأول. وربما لم يتمكن فريق الخبراء من الحصول على مادة ذي صلة بادعاءاته سوى مادة بعيدة الصلة بها موجودة في قانون عام 1991 الذي عفا عليه الزمن ولم يعد ساريًّا.

وتنص هذه المادة على أن البنك المركزي اليمني يجب أن يهدف إلى تأمين “أكبر عائد ممكن من التعامل مع البنوك ذات التصنيف العالي من أجل الحصول على أعلى عائد ممكن مع مراعاة عامل الأمان، ومن التعامل مع بنك التسويات الدولية، وصندوق النقد العربي، والبنك الدولي لإدارة جزء من هذه الاحتياطيات”. ولكن هذه المادة ليست ذات صلة بادعاءات فريق الخبراء كونها تتعلق بالودائع التي يقدمها البنك المركزي اليمني دوليًّا، وليس بالمسألة التي يحللها فريق الخبراء، وهي إدارة السياسة النقدية للعملات الأجنبية في البلد.

في القانون المعمول به حاليًّا -وهو قانون واضح بشكل لا لبس فيه من حيث تحديد ولاية البنك المركزي اليمني- لا توجد مثل هذه المادة. ينص القانون 14 (2000) على أن “الهدف الرئيسي للبنك هو تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار، وتوفير السيولة المناسبة والملائمة على نحو سليم لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق”. تتطلب المواد 2 و23 و47 من القانون بوضوح أن يقوم البنك المركزي اليمني بتصميم نظام صرف العملات الأجنبية بالتشاور مع الحكومة من أجل تحقيق استقرار الأسعار.

إن ادعاء فريق الخبراء بأن تفويض أو مهمة البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم هو تحقيق الربح لحكوماتهم أمر قابل للنقاش، لكن الادعاء بأن ذلك يجب أن يكون مهمة بنك مركزي في بلد متأثر بالصراع مثل اليمن يثير أسئلة جدية حول الخبرة الفنية التي يمتلكها الفريق الفني ومعرفته للموضوع قيد النقاش.

الأمر المؤكد هو أن البنك المركزي والحكومة لم يخالفا أي تفويض أو قوانين بتبنيهما سياسة أسعار الصرف التفضيلية. أما ما إذا كان هذا هو أفضل نهج على مستوى السياسة المالية لتحقيق استقرار الأسعار ومعالجة انعدام الأمن الغذائي في السياق اليمني أم لا، فهو أمر قابل للنقاش، لكن تقرير فريق الخبراء ليس المكان المناسب لنقاش كهذا.

الفساد وغسيل الأموال

يدّعي فريق الخبراء أن أسعار الصرف التفضيلية المقدمة لمستوردي الغذاء من خلال الوديعة السعودية لم تنعكس على سعر صرف الريال اليمني أو أسعار المواد الغذائية، ونتيجة لذلك، خلص إلى أن الوديعة السعودية أُديرت بشكل فاسد وبلغ حد غسيل الأموال. هذا الاتهام ليس موجه فقط للبنك المركزي اليمني والحكومة، بل موجة أيضًا إلى مستوردي الأغذية في اليمن، الذين استفاد جميعهم تقريبًا من الوديعة السعودية.

ومن أجل تعزيز ادعاءاته، ذكر فريق الخبراء: “على سبيل المثال، في عام 2019، انخفضت قيمة الريال اليمني بنسبة 23% مقابل الدولار، ونتيجة لذلك، ارتفع سعر الحد الأدنى لسلة الحصة التموينية بنسبة 21%”. ويستشهد الفريق بتقرير برنامج الغذاء العالمي في أغسطس/آب 2020 كدليل. ولكن تقرير برنامج الغذاء العالمي يشير إلى التغيير السنوي في الأسعار خلال الفترة من أغسطس/آب 2019 إلى أغسطس/آب 2020، وليس لعام 2019 كما يدعي فريق الخبراء. أشار فريق الخبراء أيضًا إلى التقييم الذي أجراه برنامج الغذاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي أفاد بأن “تكلفة الحد الأدنى لسلة الحصة التموينية قد زادت بشكل ملحوظ خلال النصف الأول من عام 2020”.

هذه التواريخ حاسمة وهامة كون الوديعة السعودية كانت تستخدم بشكل أساسي خلال الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2020، كما هو موثّق في تقرير فريق الخبراء نفسه. وبالتالي فإن أي تقييم لتأثير الوديعة يجب أن يركز على هذه الفترة وليس على فترة لاحقة كتلك التي ركز عليها فريق الخبراء.

وبالفعل بعد إلقاء نظرة فاحصة على تقارير برنامج الغذاء العالمي والبنك الدولي، التي تركز على أسعار الصرف وأسعار المواد الغذائية خلال هذه الفترة السابقة، يصل المرء إلى استنتاج يتعارض مع الاستنتاج الذي توصل إليه فريق الخبراء. ففي ديسمبر/كانون الأول 2018، أفاد برنامج الغذاء العالمي أن الريال اليمني بدأ في استعادة قيمته ببطء منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. وقد أدى التعافي المطرد للريال اليمني والزيادة المستمرة في قيمته مقابل العملات الأجنبية ومنها الدولار الأمريكي إلى انخفاض كبير في أسعار الغذاء والوقود”. أشار التقرير أيضًا إلى أنه “خلال شهر إعداد التقرير، بلغ متوسط ​​سعر الصرف 517 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وذلك بنسبة زيادة 15% في قيمة الريال اليمني عن الشهر السابق”. بدأ سعر الصرف في الارتفاع مرة أخرى في نهاية عام 2019، تحديدًا عندما تباطأ استخدام الوديعة وتوقف في النهاية، مما يدل على أن استخدام الوديعة السعودية كان له تأثير إيجابي واضح على سعر الصرف.

وبحسب تقرير للبنك الدولي صادر في ديسمبر/كانون الأول 2019 فإن “المساندة المستمرة لتمويل الواردات من قبل البنك المركزي اليمني (في عدن) لعبت دورًا حيويًّا في تثبيت أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال 2019”. يشير هذا التقرير إشارة صحيحة إلى أن “هناك طائفة مجموعة من العوامل الأخرى التي تؤثر أيضًا على أسعار المواد الغذائية، وهي سعر الصرف في السوق الموازية، وعدم الاستقرار السياسي والأمني​​، وعدم اليقين في ترتيبات التجارة والاستيراد، والازدواج الضريبي، وتوفر الوقود”. وهذه النقطة هي نقطة حاسمة يتجاهلها فريق الخبراء تمامًا.

سيطرة النخبة

يذكر تقرير فريق الخبراء أن 91 شركة مستوردة للأغذية في اليمن “تلقت 423 مليون دولار أمريكي عن طريق التقديم ببساطة للحصول على آلية خطاب الاعتماد، ما يمثل (فرصة) لزيادة ثروة أعمالهم وثرواتهم الشخصية. ومن وجهة نظر اللجنة، يمثل هذا حالة واضحة لغسيل وتحويل الأموال ارتكبتها مؤسسة حكومية -البنك المركزي اليمني في هذه الحالة- لصالح مجموعة مختارة من التجار ورجال الأعمال الذين يتمعتون بامتيازات”.

قال فريق الخبراء أن مجموعة هائل سعيد أنعم تحديدًا تلقت 48% من الوديعة، واصفة هذه الحصة بأنها شكل من أشكال “سيطرة النخبة”. لكن التقرير لم يذكر أن مجموعة هائل سعيد أنعم، وهي المجموعة التجارية والصناعية الرائدة في اليمن منذ الستينيات، هي مستورد الأغذية الأكبر في اليمن منذ سنوات.

أشار تقرير للبنك الدولي عام 2018 إلى أن مجموعة هائل سعيد أنعم استوردت ما نسبته 50% من واردات القمح إلى اليمن خلال الفترة بين 2014 و2016. بالتالي يُعد تبني فريق الخبراء إحصائية واحدة (وهي نسبة ما خصص لمجموعة هائل سعيد أنعم من الوديعة السعودية) دون توضيح الأمر في سياقة الصحيح ممارسة بحثية مشكوك فيها.

يؤكد فريق الخبراء أن “مجموعة هائل سعيد أنعم حققت في الفترة ما بين منتصف عام 2018 وأغسطس/آب 2020 أرباحًا بلغت حوالي 194.2 مليون دولار من آلية خطابات الاعتماد وحدها، دون احتساب الأرباح المحققة من استيراد وبيع السلع الأساسية”. يبدو أن فريق الخبراء توصل إلى هذا الاستنتاج عن طريق إجراء حساب تقديري استنادًا إلى الفارق بين سعر الصرف في السوق المذكور في تقرير فريق الخبراء -وهو سعر لا يوجد مصدر دقيق له- وسعر صرف البنك المركزي اليمني المقدم من خلال الوديعة السعودية.

وفقًا للمرفق الثالث من تقرير فريق الخبراء، والذي يتضمن ملخصًا لمراسلات فريق الخبراء، فإن الفريق لم يكلف نفسه عناء الاتصال بمجموعة هائل سعيد أنعم من أجل طلب تفاصيل حول أسعارها أو لمنحها الفرصة للرد قبل نشر التقرير.

أعتقد أن تقرير فريق الخبراء هذا يمثل انتهاكًا خطيرًا لمبدأ “عدم إلحاق الضرر”. يوجه التقرير اتهامات خطيرة لا أساس لها ضد جميع مستوردي الغذاء في اليمن، بناءً على منطق خاطئ وممارسات سيئة، كما أن استنتاجات الفريق تمثل تجاوزًاً كبيرًا لحدود ولايته.

مستوردو الغذاء في اليمن هم شريان الحياة في البلاد، ويمثل تجاوز الفريق تهديدًا للأمن الغذائي في بلد تصفه الأمم المتحدة نفسها بأنه يشهد “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”. كما أن مستوردي المواد الغذائية في البلاد يبلغون عن مواجهتهم صعوبات إضافية مع موردي المواد الغذائية والمعاملات المصرفية الدولية بسبب تقرير فريق الخبراء. شُكل فريق الخبراء للإبلاغ عن حالة الحرب ومراقبة نظام العقوبات، ولكنه هذا العام ساهم سلبًا في تأثير الحرب على المواطنين اليمنيين.

رأفت الأكحلي، هو زميل في الممارسة في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد. شغل الأكحلي منصب وزير الشباب والرياضة اليمني خلال الفترة من 2014 إلى 2015.


مأرب وجرس الإغلاق لحرب اليمن

عبد الغني الإرياني

في حين اشتدت المعارك في مأرب خلال شهر فبراير/شباط مع ظهور بوادر تصعيد بجبهات أخرى في أنحاء البلاد، بدأت أشعر بالتفاؤل؛ فالتهديد الذي يمثله انتصار جماعة الحوثيين المسلحة على جميع الأطراف الأخرى بشكل حاسم، وبالتالي التهديد على فرصة تحقيق سلام بين الفرقاء لإبقاء اليمن موحدًا، أسفر عن سلسلة من الأحداث التي يمكن أن تجعل السلام ممكنًا. اسمحوا لي أن أشرح هذه الفكرة المخالفة للتوقعات البديهية.

لطالما تحدثت لسنوات عن خمس عقبات تواجه تحقيق السلام في اليمن.

تتمثل العقبة الأولى في اقتصاد الحرب، فانهيار الدولة اليمنية والظروف غير الاعتيادية للحرب أتاح لأشخاص في أماكن معينة أن يكسبوا أرباحًا مادية بطرق لم تكن ممكنة في وقت السلم.

من جانب الحوثيين، استُخدمت ضرورة “الدفاع عن اليمن ضد العدوان الدولي” حجة لإسكات أصوات الاحتجاج على النهب الفاضح الذي حوّل أعضاء الجماعة شبه الأميين -المعروفين باسم المشرفين- إلى مليارديرات بين عشية وضحاها. وبما أن الرواتب لا تُدفع والخدمات لا تُقدم، فإن مئات المليارات من الريالات اليمنية أصبحت متاحة للفساد. كما نهب الحوثيون وصادروا ممتلكات اليمنيين المعارضين لهم. أدى تحصيل الضرائب المرتفعة والتعسفية في كثير من الأحيان إلى زيادة الإيرادات بنسبة 500%، وفقًا لمصدر موثوق في صنعاء. كما وصل تحصيل الرسوم غير القانونية -من الشركات وملاك العقارات والمزارعين وحتى أطفال المدارس- إلى مستويات خيالية. حتى أن الرسوم الإضافية المفروضة على منتجات المشتقات النفطية التي تستوردها في الغالب شركات مملوكة لأعضاء جماعة الحوثيين كانت في سنوات سابقة تساوي إجمالي الإيرادات الضريبية التي جمعتها سلطات الحوثيين، وفقًا للمصدر نفسه. أما المساعدات الإنسانية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي فحُولت عن وجهتها بشكل روتيني وعلى نطاق واسع. شهدت العقارات في صنعاء -في خضم الحرب والأزمة الاقتصادية الساحقة التي تركت العديد يتأرجحون على شفا الوقوع في المجاعة- طفرة لم نشهدها منذ فترة طويلة.

يتفشى الفساد واستغلال الحرب بنفس القدر في جانب الحكومة المعترف بها دوليًّا. المصدر الرئيسي لأموال الحكومة هو السعودية. ووفقًا لمسؤول حكومي يمني تحدث إلى مركز صنعاء، كان من المفترض أن تحوِّل الحكومة السعودية مبلغ 40 مليار ريال سعودي (10.66 مليار دولار أمريكي) إلى الحكومة اليمنية في 2015-2016، لكنها لم تتلق سوى 25 مليار ريال سعودي (6.66 مليار دولار). وقال المسؤول إن ممثلي الحكومة اليمنية الذين يتلقون المدفوعات كان عليهم منح المسؤولين السعوديين الذين يسلمونهم الأموال مبلغ 10 مليارات ريال سعودي، وهذه ممارسة شائعة في المملكة، في حين ذهب ثلثا المبلغ المتبقي، البالغ 15 مليار ريال سعودي، مباشرة إلى جيوب القيادات اليمنية العليا، واستخدمت الـ5 مليارات ريال سعودي المتبقية -أي ثُمن المبلغ الأساسي- لتغطية النفقات التشغيلية الحكومية ودفع الرواتب. وبما أن هذا المبلغ الهائل لم يذهب سوى إلى جيوب أفراد دائرة صغيرة في المستوى الأعلى من القيادة، أُجبر المسؤولون الآخرون في المستويات الأدنى على ملء جيوبهم بأموال من مصادر أخرى. غالبًا لا تودع عائدات مبيعات النفط الخام وغاز الطبخ في البنك المركزي اليمني. كما تتعرض المساعدات الإنسانية التي يقدمها مركز الملك سلمان السعودي لتحويلات كبيرة عن مساراتها، فعلى سبيل المثال، أخبرني قادة أحزاب سياسية في تعز أن المركز يخصص آلاف السلال الغذائية شهريًّا لتوزيعها على الموالين كما يرونه مناسبًا، وأن الكثير من هذه المعونات تباع لاحقًا للتجار. وغالبًا ما تستخدم هذه الأرباح غير المشروعة من الصراع لشراء عقارات في القاهرة واسطنبول وغيرها.

أما في الجانب السعودي، قال سفير أوروبي في اليمن إن حكومته قدّرت تكلفة العمليات السعودية في اليمن بما يتراوح بين 5 و6 مليارات دولار سنويًّا، في حين قال مصدر دبلوماسي مختلف لديه وصول إلى الديوان الملكي السعودي، إن تكلفة عمليات الرياض في اليمن تصل إلى 200 مليون ريال سعودي في اليوم (ما يقرب من 20 مليار دولار أمريكي سنويًّا). يمكن القول بكل بساطة أن هامش الفساد كبير بشكل مذهل.

في أعقاب محادثات السلام الفاشلة في الكويت عام 2016، ظهرت أدلة كثيرة أن اقتصاد الحرب كان العامل البارز في إدارة الحرب، إذ تقلصت مستويات العنف إلى مستوى يمكن تحمله، وظلت الجبهات جامدة، وجرى التوصل إلى ترتيبات تجارية للسماح للاقتصاد بالاستمرار وللأطراف المتحاربة بتقاسم الأرباح. من الواضح أن هدف القيادة السعودية كان الإبقاء على الوضع الراهن كما هو عليه عندما منعت القوات الحكومية من التقدم نحو صنعاء طوال الفترة من 2016 إلى 2018، حسبما أفاد العشرات من كبار الجنرالات اليمنيين والقادة السياسيين سرًا وعلانية، مثل المستشار الرئاسي عبد العزيز جباري. أما القادة الذين تجرأوا على التقدم بعكس رغبات السعودية، فقد أوقفتهم قنابل سلاح الجو الملكي السعودي، كما أخبرني كبار القادة بشكل خاص، وأُعفي بعضهم من واجبهم. على سبيل المثال، عام 2017، قاد اللواء محمد عبدالله العذري وحدة وصلت إلى مفرق نهم-أرحب. وبعد أن قصفت قوات التحالف وحدته العسكرية، استُدعي هو ومساعديه إلى مأرب حيث أُعفوا من مناصبهم وكُلفوا بتأدية وظائف مكتبية.

كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة متواطئتين في تلك المهزلة، فكلاهما استمر في دعم السعودية على الرغم من معرفتهما بوضعها الذي يتعذر الدفاع عنه. لم يكن أحد على استعداد لإخبار الإمبراطور بأنه عار. وفي الواقع، كانتا تبيعان للسعودية الحبل الذي ستشنق نفسها به. في البيت الأبيض، أُديرت العلاقات مع الرياض بشكل مباشر من قبل صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر، مما قلل من فعالية الآليات التصحيحية المؤسسية وسمح بتفوق المصالح قصيرة الأجل، وربما الشخصية، على المصالح الاستراتيجية الأمريكية. أما بالنسبة للمملكة المتحدة، فإن النفوذ المحدود الذي تتمتع به على السعودية وصفقة اليمامة للأسلحة -وهي أكبر اتفاقية تصدير في التاريخ البريطاني- أبقيا داوننغ ستريت صامتة.

كانت بعثة الأمم المتحدة إلى اليمن، وعلى الأخص مكتب المبعوث الخاص، مذنبة بنفس القدر في عدم الاعتراف بمركزية اقتصاد الحرب في الصراع اليمني، فقد استمرت بدلًا من ذلك في مطاردة سراب السلام الذي سيتجسد بطريقة ما من فراغ.

إصرار السعودية على الحفاظ على الوضع الراهن دفعني، من بين آخرين، إلى التكهن بأن السعوديين كانوا يطيلون الحرب لتحقيق أجندة خفية. أما فرضيتي، فهي أن الرياض تسعى إلى وضع يدها على أراضي في شرق اليمن تتيح لها الوصول إلى المحيط الهندي، وهذه هي العقبة الثانية أمام السلام. بحلول عام 2018، كانت القوات السعودية قد انتشرت في جميع أنحاء محافظة المهرة، وإلى حد ما في حضرموت. مع ذلك، استمر اقتصاد الحرب في التحكم بسلوكيات المعسكر المناهض للحوثيين، بما في ذلك العديد من المسؤولين السعوديين. بالنظر إلى المركزية الشديدة للسلطة في النظام السعودي، يبدو أن هذا الأمر قد استمر دون أن يلاحظه أحد، أو تم تجاهله، حتى سبتمبر/أيلول من العام الماضي، عندما أُقيل قائد القوات المشتركة للتحالف بقيادة السعودية في اليمن اللواء فهد بن تركي آل سعود بتهمة الفساد. هذه الخطوة لم تكن غير كافية فقط بل أيضًا متأخرة جدًا لوقف الحوثيين، الذين مُنحوا فترة سماح مدتها أربع سنوات لبناء قدراتهم العسكرية وتفعيل الموارد الكبيرة للجيش اليمني الذي كان تحت قيادة حليفهم السابق والراحل، الرئيس علي عبدالله صالح، والتي أصبحت تحت سيطرتهم (الحوثيون) بالكامل منذ أوائل عام 2018.

وفي حين يقترب الحوثيون الآن من مأرب، إلا أنه لن يكون من السهل عليهم السيطرة على المدينة، فعشرات الآلاف من الرجال في سن التجنيد الذين فروا من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مستعدون للقتال حتى النهاية لمنع حدوث ذلك. وبالتالي، هناك احتمال أن تتجنب قوات الحوثيين معركة كبيرة وتلتف حول المدينة وتتقدم شرقًا لمضايقة السعوديين في حضرموت والمهرة. مثل هذا السيناريو قد يجبر الرياض على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشروط الحوثيين ويجبرها على التخلي عن الحلم القديم المتمثل في الوصول إلى المحيط الهندي. وهي العقبة الثانية التي قد تكون آخذة في التلاشي.

العقبة الثالثة أمام السلام هي الإطار القانوني لعملية السلام والذي عفا عليه الزمن إذ ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (2015) على تسليم الحوثيين أسلحتهم والانسحاب من صنعاء -شروط الاستسلام التام هذه لم تترك للحوثيين أي خيار سوى مواصلة القتال. قال العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين لمركز صنعاء إن المجتمع الدولي مستعد الآن لتعديل القرار 2216 بآخر أكثر ملاءمة للسلام، وذلك إذا أظهر الحوثيون حسن النية.

إطار دولي آخر ذو إشكالات فما يتعلق باليمن هو المبادرة الخليجية، التي أدت إلى تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح في أعقاب انتفاضة اليمن عام 2011 والتي كانت تهدف إلى أن تكون بمثابة خارطة طريق لعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد. وبما أن نصوص هذه المبادرة لا تعكس التحديات الحالية أو الأطراف الفاعلة في الصراع، يبدو أن الوقت قد حان لتعديلها أيضًا.

العقبة الرابعة أمام السلام هي الافتقار إلى التمثيل المناسب للأطراف اليمنية في عملية السلام، ويقع جزء كبير من اللوم في ذلك على الرئيس عبدربه منصور هادي. بذل هادي قصارى جهده لاحتكار التمثيل الجنوبي في عملية السلام من خلال استخدام مفهوم “الوحدة” كسلاح ضد خصومه الجنوبيين، وقد ترك هذا غالبية الفصائل الجنوبية -ولا سيما تلك المؤيدة للانفصال- في العراء. ثم قاتلت هذه الأطراف، وتحديدًا المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم من الإمارات، لضمها إلى الحكومة وهو ما تحقق في نهاية المطاف في اتفاق الرياض. من المرجح أن يؤدي الموقف الشجاع من قِبل قبائل مأرب خلال الأشهر القليلة الماضية إلى فرض إشراكهم أيضًا، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب أمام عملية سلام شاملة. دعوت لسنوات إلى أسلوب الخيمة الكبيرة لتشمل جميع أصحاب المصلحة اليمنيين في هذه العملية، والآن نرى هذه الخيمة تتشكل بالتدريج.

العقبة الأخيرة أمام السلام هي الانقسام داخل المعسكر المناهض للحوثيين والافتقار العام للقيادة. هناك نافذة صغيرة جدًا أمام هذا المعسكر لاستجماع قواه والعمل بفاعلية، وإلا فسيفوّت الفرصة حيث يبدو من المرجح بشكل متزايد أن تبدأ المفاوضات المباشرة بين الحوثيين والسعودية. وفي كلتا الحالتين، جعلت النجاحات العسكرية للحوثيين هذه العقبة بالذات دون أهمية.

مع تقلّص أو اختفاء العقبات الخمس، أصبح اليمنيون على الأغلب في طريقهم نحو سلام غير سهل، تهيمن عليه الميليشيات المتصارعة، وفي بداية مسيرة طويلة نحو استعادة دولتهم.

عبد الغني الإرياني هو باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حيث تتركز أبحاثه على عملية السلام وتحليل النزاع وتحولات الدولة اليمنية. يمتلك الإرياني خبرة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود كمستشار سياسي وتنموي.


رجال القبائل وقوات الجيش اليمني يتمركزون على الخطوط الأمامية قرب قرية الجدافر بمأرب على طول حدود المحافظة مع الجوف، 6 سبتمبر/أيلول 2020، الصورة لمركز صنعاء التقطها علي عويضة

حرب اليمن: افتقار واشنطن للخيارات في مأرب

شارلوت كامين

شنت جماعة الحوثيين المسلحة حملة عسكرية للسيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجية بعد أيام قليلة فقط من تراجع إدارة بايدن عن تصنيف ترامب للجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية. يدافع الجيش الوطني مسنودًا بمقاتلي المقاومة والقبائل المحلية لصد الهجوم فيما تشن السعودية غارات جوية لدعمهم، وتعيد نشر الآليات والمعدات العسكرية. أدان الرئيس بايدن ومبعوثه الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ هجوم الحوثيين على مأرب، كما أكد على ضرورة إيجاد حلول دبلوماسية لإنهاء الصراع اليمني الذي طال أمده.

ولكن من غير المرجح أن تغير التصريحات والبيانات شديدة اللهجة الواقع على الأرض، فلا يمكن للولايات المتحدة ولا المجتمع الدولي السعي نحو تحقيق تسوية سياسية بينما يهدد هجوم الحوثيين المستمر على مأرب بإحداث تغيير جذري في ميزان قوى هذه الحرب. قد تمثل سيطرة الحوثيين على مأرب التحول الأكثر مفصلية في الحرب حتى الآن، وسيتعين التعامل مع هذا التحول قبل الدفع نحو إجراء محادثات السلام.

أصبحت مدينة مأرب -التي تستضيف أكثر من مليوني مدني معظمهم من النازحين- ملاذًا آمنًا، ورمزيًّا هي آخر معقل عسكري للحكومة المعترف بها دوليًّا شمالي اليمن. يهدد تقدم الحوثيين نحوها بتشريد مئات الآلاف من الأشخاص وتعريض اليمن لخطر “أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود” وفقًا لمسؤولي الأمم المتحدة. كما أن اقتلاع الحكومة وحزب الإصلاح من مأرب من شأنه أن يمنح الحوثيين السيطرة على موارد النفط والغاز الاستراتيجية للمحافظة، ويضعهم في موقع يمكنهم من التوجه جنوبًا نحو شبوة وشرقًا نحو حضرموت، أي باتجاه حقول النفط والغاز اليمنية الأخرى.

يُعد وقف الهجوم على مأرب مقدمة أساسية للمفاوضات في اليمن. وبالرغم من أنه بوسع الولايات المتحدة الضغط على التحالف العسكري بقيادة السعودية، إلا أن إدارة بايدن تفتقر للنفوذ أو القدرة في التأثير على الحوثيين. وهي نفس المعضلة التي يواجهها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث الذي لم يتمكن من إقناع الجماعة بإجراء محادثات سلام جادة أو تقديم تنازلات ذات مغزى.

لدى الولايات المتحدة ثلاثة خيارات أساسية. الأول -الأكثر ترجيحًا للأسف- هو استمرار نهجها الدبلوماسي لوقف الهجوم على مأرب، وهو أمر لن ينجح؛ إذ جربته الأمم المتحدة عدة مرات. التصريحات والبيانات الدبلوماسية والدعوات للتراجع لم تنجح في السابق أيضًا، ومن غير المرجح أن تنجح هذه المرة.

قد يتمكن التحالف الذي تقوده السعودية من قتال الحوثيين حتى الوصول إلى طريق مسدود، ولكن هذا الحال سيكون مؤقتًا؛ فالحوثيون ينظرون إلى مأرب على أنها مسألة مصيرية، متبنين شعارات دينية لتبرير هجومهم، كما يسعون للسيطرة على الموارد الطبيعية الموجودة في المحافظة والتي هم في أمس الحاجة لها. وعلى عكس الوضع عام 2015، عندما دافعت السعودية والإمارات ورجال القبائل المحلية عن مأرب وأجبروا الحوثيين على التراجع إلى نهم في محافظة صنعاء، فإن التحالف المناهض للحوثيين اليوم أكثر انقسامًا وإرهاقًا، خاصة منذ انسحاب الإمارات من مأرب في يونيو/حزيران 2019.

في نهاية الأمر، سواء في هذه الجولة من المعارك أو التي تليها، من المرجح أن يؤدي هجوم الحوثيين دون رادع إلى سقوط مأرب، وهذا بدوره يستلزم قبول بايدن الضمني بتفوق الحوثيين السياسي والعسكري في شمالي اليمن، الأمر الذي سيغير أي مفاوضات مستقبلية.

الخيار الثاني، هو أن تدرك الولايات المتحدة أن سقوط مأرب سيكون كارثيًّا للغاية من منظور عسكري وسياسي وإنساني، وأن تقوم بكل ما في وسعها لمنع سيطرة الحوثيين عليها؛ ومن أجل القيام بذلك، سيتعين عليها اللجوء إلى الجانب الوحيد الذي تستطيع التأثير من خلاله على الحوثيين وهو دعم التدخل العسكري لصد الهجوم. لكن، من غير المرجح أن يكون هذا أول خيار تلجأ إليه واشنطن وذلك لأسباب عدة أهمها عدم رغبة إدارة بايدن أو الكونجرس بالقيام بعمل عسكري مباشر في اليمن، ناهيك عن حقيقة أن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.

أما الخيار الثالث أمامها -بعد إدراكها أن التصريحات لن توقف الحوثيين، وأنها لا تنوي الانخراط في القتال مباشرة- هو تشجيع السعودية والإمارات على مضاعفة جهودهما عبر العمليات العسكرية في مأرب، لكن هذا سيتطلب من بايدن التراجع عن خطابه -على الأقل بشكل ضمني- وعكس توجهات الإدارة بشأن السعودية. بدلًا من الضغط على السعودية للحد من حربها في اليمن، سيحتاج بايدن إلى تشجيع ردعها العسكري ضد الحوثيين. على الرغم من تقليص دورها، يمكن للولايات المتحدة أن تطلب من الإمارات تقديم الدعم العسكري لمساعدة السعودية في صد هجوم الحوثيين بشكل حاسم.

لا تمتلك الولايات المتحدة خيارات جيدة في اليمن، بل خيارات سيئة وأخرى أسوأ. تشجيع التحالف بقيادة السعودية على صد الحوثيين عسكريًّا سيكون أمرًا محرجًا للسياسة الأمريكية بعد وقت قصير من إعلان إدارتها أنها ستوقف دعمها لعمليات التحالف العسكري في اليمن، ولكن السماح للحوثيين بالسيطرة على مأرب سيكون أسوأ. بالتالي، فإن إجبار الحوثيين على التراجع بشكل كبير هو أفضل رادع لأي هجمات مستقبلية على المدينة، كما أن منع الحوثيين من التوسع أكثر من شأنه أن يوجه ضربة لتطلعات الجماعة، ما سيتبين لاحقًا أنه خطوة ضرورية لدفعهم إلى القبول بالانخراط في مفاوضات غير مشروطة.

من المرجح أن يؤدي انتصار الحوثيين في مأرب إلى تعزيز سيطرة الجماعة على معظم شمالي اليمن، والحوثيون يُعدون أنفسهم أصلًا المستفيدين الأساسيين من ست سنوات من الحرب. لم تنجح الضربات الجوية في طردهم من صنعاء، وفي حين أنهم بدأوا الحرب مع حليفهم السابق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلا أنهم يحكمون اليوم دون معارضة وكدولة قومية بشكل متزايد، كما أن أعداءهم منقسمون ولديهم أجندات متنافسة، أما السعودية فلا تحظى بشعبية كبيرة في واشنطن.

ليس لدى الحوثيين مصلحة في الدخول في اتفاق لتقاسم السلطة، وفي حال انتصارهم في مأرب، سيكون لديهم دوافع أقل للدخول في مفاوضات. الولايات المتحدة عالقة، فهي لا تريد أن تشهد التقسيم الفعلي لليمن ولا أن تشجع السعودية على مضاعفة جهودها في مأرب في الوقت الذي تحاول إخراج المملكة من اليمن. إلى جانب ذلك، لم تعد الحرب في اليمن مجرد حرب بين طرفين، بل أصبحت الآن صراع متعدد الأوجه، وبالتالي يجب أن تشمل أي تسوية سلمية مستقبلية مجموعات مثل المجلس الانتقالي الجنوبي ومقاتلي طارق صالح على ساحل البحر الأحمر.

يجب على إدارة بايدن قبول حقيقة أن بلاده لا تستطيع إنهاء هذه الحرب بمفردها، ولكن إذا كانت تريد أن تضع اليمن على طريق السلام وتضمن بقاءه دولة موحدة، فمن الضروري أن تفعل كل ما في وسعها لمنع وقوع مأرب في أيدي الحوثيين.

شارلوت كامين هي محللة شؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة نافانتي للأبحاث التي يقع مقرها في فرجينيا.


تشابه أسماء : قصة اعتقال باطرفي

حسام ردمان

ليس سوى مشهد محرج آخر رأيناه مرارًا وتكرارًا على مدى العشرين عامًا الماضية؛ الإعلان عن مقتل أو اعتقال زعيم إرهابي، ليظهر بعد أيام أو أسابيع حيًّا وطليقًا. هذه المرة كان فريق مراقبة القاعدة التابع للأمم المتحدة هو من ارتكب الخطأ.

قال تقرير لفريق الأمم المتحدة في 3 فبراير/شباط 2021، إن زعيم القاعدة في جزيرة العرب خالد باطرفي “أُلقي القبض عليه خلال عملية في مدينة الغيضة في محافظة المهرة في أكتوبر/تشرين الأول (2020)”. بعدها بأيام، نشر التنظيم تسجيلًا مرئيًّا ظهر فيه باطرفي حرًا، وبهدف عدم حصول أي لغط حول تأريخ الفيديو، تطرق باطرفي إلى اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

ما الذي حدث؟ كيف أخطأت الأمم المتحدة بهذا الشكل؟ وما الذي يحدث مع القاعدة في جزيرة العرب في اليمن؟

لم يخطئ فريق الأمم المتحدة بخصوص حصول مداهمة، ففي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، رصدت القوات الأمنية في محافظة المهرة خلية لتنظيم القاعدة، وعند مداهمتها اندلعت اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل ثلاثة مسلحين وأسر بقية أفراد الخلية.

جاءت هذه المداهمة لتزيد من حالة عدم اليقين والانقسام داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والتي ابتُليت بها الجماعة طوال العام الماضي. ففي يناير/كانون الثاني 2020، قُتل قاسم الريمي، زعيم التنظيم، في غارة أمريكية بطائرة دون طيار. وفي غضون أسابيع، سمى التنظيم باطرفي خلفًا للريمي. ولكن هذا القرار لم يرق لجميع أعضاء التنظيم إذ شهد اضطرابات كبيرة داخل صفوفه السنة الماضية.

وبعد بضعة أسابيع من المداهمة في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الأذرع الإعلامية لتنظيم داعش في اليمن استسلام خالد باطرفي لقوات الحكومة اليمنية التي سلمته بدورها إلى السلطات السعودية. وبعد ذلك، نشر تقرير الأمم المتحدة في فبراير/شباط الذي لم يزعم فقط أنه قد أُلقي القبض على باطرفي، بل وقال أيضًا إن الرجل الثاني في قيادة التنظيم، سعد بن عاطف العولقي، قُتل خلال المداهمة.

ليس واضحًا ما إذا كان العولقي قد قُتل فعلًا أو أن فريق الأمم المتحدة ارتكب خطأً ثانيًّا بالإعلان عن مقتله، في حين أكدت مصادر أمنية لي أنه على الرغم من ادعاءات فريق الأمم المتحدة، لم يُلقَ القبض على باطرفي.

يبدو أن فريق الأمم المتحدة ارتكب هذا الخطأ استنادًا إلى هوية خاطئة. (قد لا يكون هذا خطأ الفريق نفسه إذ أنه لا يملك تفويضًا بالتحقيق ويعتمد على المعلومات التي يحصل عليها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة). وفقًا لمصادر أمنية تحدثت معها، فإن أحد الجهاديين الذين أُلقي القبض عليهم خلال العملية في أكتوبر/تشرين الأول اسمه عارف باطرفي، اسم العائلة كان كافيًّا للفت انتباه الضباط اليمنيين والأمريكيين، وبعد التحقيق تبين أنه مجرد مجنّد ينحدر من محافظة حضرموت، ولا تجمعه أي صلة قرابة مع زعيم التنظيم ذي الجنسية السعودية.

ليست هذه المرة الأولى التي تشير فيها التقارير بالخطأ إلى اعتقال زعيم جماعة متطرفة في المهرة، ففي عام 2019، أعلن التحالف بقيادة السعودية إلقاء القبض على زعيم تنظيم داعش في اليمن “أبو أسامة المهاجر” في عملية بمدينة الغيضة. ولكن مصادر أمنية وأخرى محلية أشارت إلى أن زعيم داعش في اليمن، واسمه الحقيقي “خالد المرفدي”، أُلقي القبض عليه خلال عملية استخباراتية في محافظة مأرب عام 2019.

ولكن يبدو أن الاهتمام الجهادي في المهرة قد تنامى. فخلال الفترة الممتدة من أعوام 2011-2017، اعتمد تنظيم القاعدة على تمركزه في حضرموت وشبوة وأبين كي يتحكم بطرق التهريب. وبحسب موظفين أمنيين، فإن تنظيم القاعدة أعاد تنشيط خلاياه في المهرة بعد دحره من هذه المحافظات خلال العامين 2016-2017؛ كون المهرة بوابة التهريب الأساسية شرقي اليمن.، وأفادت مصادر متعددة أن خالد باطرفي سبق وأن زارها في أكثر من مناسبة.

يبدو أن التنظيم يريد تحقيق هدفين في المهرة. أولًا تعزيز مصادر تمويله للمال والسلاح، وثانيًّا تعظيم نفوذه التنظيمي عبر تهريب السلاح على أفرع القاعدة في القرن الأفريقي وتحديدًا حركة الشباب المجاهد. ما يزال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمثابة القائد الرمزي لأجنحة القاعدة في غرب أفريقيا والقرن الأفريقي.

يعود هذا إلى الموقع التاريخي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في العالم الجهادي ولكون باطرفي أحد المرشحين لخلافة أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، في يوم ما. حتى قبل أن يخلف الريمي، تولى باطرفي خلال العامين الماضيين الإشراف على تطهير صفوف التنظيم والتخلص من الجواسيس والمخبرين، ما أدى إلى إعدام العشرات. ولعل هذا الأمر هو ما أدى إلى نشوب الخلافات داخل التنظيم.

يعتقد بعض المحللين أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضعيفًا وعلى وشك أن يُهزم، وتقرير الأمم المتحدة عن اعتقال باطرفي ومقتل العولقي يتناغم بشكل جيد مع هذه السردية. تستند هذه السردية حول تدهور التنظيم إلى عاملين: عدم قدرة التنظيم مؤخرًا على ضرب أهداف خارجية، وشائعات عن وجود نزاعات داخلية. حاول باطرفي تفنيد هذا الأمر في الفيديو إذ أكد أن التنظيم في المقام الأول والأخير في حالة حرب مع الولايات المتحدة.

وكما يوضح ظهور باطرفي، فإن القاعدة في جزيرة العرب بعيدة كل البعد عن كونها كيان مفكك.

حسام ردمان هو زميل باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. تتركز أبحاثه على الحراك الجنوبي والجماعات الإسلامية المسلحة في اليمن، مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والفصائل السلفية المسلحة.


لِمَ لا يصلح النموذج الليبي في اليمن؟

ميساء شجاع الدين

أعلنت الأمم المتحدة أوائل فبراير/شباط، اجتماع 74 من السياسيين ذوي النفوذ وممثلين عن الفصائل والقبائل الليبية في جنيف، ونجاحهم في التوصل إلى تشكيل حكومة وطنية مؤقتة تهدف إلى إجراء انتخابات وطنية في وقت لاحق من هذا العام. وقد يدفع هذا النجاح الوليد بالبعض إلى الاعتقاد أن نهجًا مماثلًا ربما ينجح في اليمن المثخن بالحرب، إذ جدد الحوثيون مؤخرًا هجومهم على مأرب وسط استمرار تدهور الوضع الإنساني في معظم أرجاء البلاد.

ولكن هذا النهج لن ينفع؛ فاليمن لا يشبه ليبيا، وما نجح في بلد ما لن ينجح بالضرورة في بلد آخر.

تباين تاريخ الصراع

يُعد تاريخ ليبيا الحديث مستقرًا نسبيًّا باستثناء حرب عام 2011 التي أطاحت بالدكتاتور الليبي معمّر القذافي والحرب الأهلية التي تلتها، على عكس اليمن الذي شهد صراعات متعاقبة، من حروب أهلية متزامنة في ستينيات القرن الماضي في كل من اليمن الشمالي والجنوبي، واشتباكات حدودية، إلى حرب أهلية أخرى في عدن عام 1986. لم يسلم اليمن من الحروب حتى بعد الوحدة عام 1990، إذ اندلعت حرب أهلية بعد أربع سنوات، ثم بدأت حروب الحوثيين عام 2004.

يعود الصراع الحالي في اليمن إلى عدة عوامل، تشمل الحروب الماضية والصراع الإقليمي والمذهبي، والحكم الفاسد لعلي عبدالله صالح الذي استمر ثلاثة عقود، وفشل العملية الانتقالية بعد عام 2012. فعلى سبيل المثال، أنتجت حروب الحوثيين في صعدة جيلًا جديدًا من المقاتلين الذين يشكّلون الآن قيادة المليشيا الحوثية وجوهرها. لم تتوقف قوات الحوثيين عن القتال طيلة السنوات الـ17 الأخيرة، أولًا ضد صالح، ثم معه، والآن لوحدها. وقد زرعت الحرب الأهلية عام 1994 بذور الحركة الانفصالية الحالية التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي.

بالمقارنة، لا تمتلك ليبيا تاريخًا مماثلًا للصراعات، إذ كانت الدولة تحتكر العنف تحت قيادة القذافي.

غياب الحوافز الاقتصادية لوقف القتال

يبلغ عدد سكان ليبيا أقل من 7 ملايين نسمة، وتنتج نحو 1.2 مليون برميل من النفط يوميًّا، بينما ينتج اليمن الذي يبلغ تعداد سكانه نحو 30 مليون نسمة 55 ألف برميل فقط.

وفي ليبيا، ستستحوذ الأطراف المتحاربة على مصادر الثروات حين تتوقف الحرب. أما في اليمن، فإن اقتصاد الحرب، الذي يموّل جهات فاعلة قوية من جميع أطراف الصراع اليمني، يجعل تحفيز الأطراف المتحاربة لتحقيق السلام أمرًا صعبًا للغاية.

وأشار تقرير فريق الخبراء الدوليين والإقليميين بشأن اليمن إلى عدة أمثلة عن الفساد الحكومي اليمني، وركّز بصورة خاصة على معاملات رجل الأعمال أحمد العيسي المشبوهة في قطاع النفط. والعيسي مقرّب من نجل الرئيس عبدربه منصور هادي، جلال. (لمزيد من المعلومات، انظر مقابلة مركز صنعاء مع العيسي).

في هذه الأثناء، تحصّل سلطات الحوثيين الضرائب بصورة غير قانونية، وجمعت ما يُقدّر بنحو 1.8 مليار دولار عام 2019، ولم تدفع رواتب الموظفين المدنيين بالكامل أو توفر الخدمات الرئيسية للسكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما اعتاد الحوثيون على نهب المعونات الغذائية الإنسانية، ونقلها إلى مؤيديها ومقاتليها أو بيعها لكسب المال.

كما توفر الحرب عذرًا لسلطات الحوثيين وحكومة هادي لتبرير حكمهما الرديء. أما أكثر محافظات اليمن ثراءً، مأرب وشبوة وحضرموت، فهي من أكثر المحافظات استقرارًا، وبالتالي ليس من المستغرب أن هذه المحافظات الثلاث قد نالت درجة كبيرة من الاستقلال السياسي خلال السنوات الست الماضية.

اختلاف طبيعة وتعقّد الانقسامات

في ليبيا، تُعد الانقسامات قبلية وإثنية ومناطقية في المقام الأول، أما في اليمن، فالانقسامات ليست قبلية ومناطقية فحسب إذ هناك أيضًا توترات مذهبية. من الممكن معالجة الانقسامات القبلية والمناطقية عبر ترتيبات لتقاسم السلطة، إلا أن معالجة الانقسامات الطائفية أمر أكثر تعقيدًا.

لا تعترف جماعة الحوثيين الشيعية الزيدية بالدستور الحالي في اليمن، وترفض القيام بأكثر من التشدق بالحديث حول انتخاب حكومة وطنية. يعد الحوثيون السلطة حقًا إلهيًّا مُنح لآل البيت، وليس لأحد سواهم.

وعلى الجانب الآخر من المعادلة اليمنية يتواجد حزب الإصلاح، وهو تجمع سنّي تابع لجماعة الإخوان المسلمين. يعتقد الإصلاح بأن الحل اليمني يكمن في إقامة نظام فدرالي يقسّم البلاد إلى ستة أقاليم، وهي خطة قوبلت برفض قاطع من جماعة الحوثيين والفصائل الجنوبية حين اقتُرحت عام 2014. يرغب حزب الإصلاح في إجراء انتخابات لاعتقاده بإمكانية فوزه في صناديق الاقتراع نظرًا لقدرته على التعبئة الوطنية، إذ كسب أصوات الكثير من الناخبين في السابق.

في الوقت نفسه، يطمح العديد من الجنوبيين، لا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى استقلال اليمن الجنوبي، كما لا ترغب فصائل جنوبية أخرى، مثل المقاتلين السلفيين التابعين لألوية العمالقة، في التنازل أو الانضمام إلى دولة تتمتع فيها جماعة شيعية زيدية، كالحوثيين، بنفوذ كبير.

وبالتالي، كيف يمكن لجميع الأطراف المتحاربة في اليمن أن تجتمع لتشكيل حكومة موحدة تؤدي عملها على أتم وجه في ظل هذه الأجندات المتنافسة والأيديولوجيات المتعارضة؟

المصالح الإقليمية والموقع الجغرافي

تتعدد دوافع القوى الأجنبية التي تدخلت في ليبيا، وتشمل التنافس الاقتصادي والجيوستراتيجي والإقليمي ودعم الوكلاء المفضلين. ولكن في اليمن، تدخلت السعودية لأنها تؤمن أن النفوذ الإيراني في البلاد يشكّل تهديدًا وجوديًّا لها. وبالنسبة لإيران، يُعد دعم جماعة الحوثيين منخفض التكلفة وقليل المخاطر نسبيًّا. ونظرًا لبُعد اليمن جغرافيًّا عن الحدود الإيرانية فإن احتمال انتقال الصراع إلى إيران محدود، وبالتالي فإن طهران ليست تحت ضغوط كبيرة تحملها على التنازل.

أما ليبيا، فهي تحظى بموقع جغرافي يجعلها أكثر حظًا من اليمن؛ فنظرًا إلى أن البحر الأبيض المتوسط يفصلها عن أوروبا، أمسى استقرارها أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي للحد من تدفق اللاجئين، وهو الأمر الذي لا ينطبق على اليمن.

لا يوجد حل سهل أو واضح للحرب في اليمن. في الواقع، قد تحتاج الأمم المتحدة إلى الحد من طموحاتها. التوصل إلى حل سياسي شامل وجامع لن يشكل بالضرورة خطوة أولية لوقف الصراع، بدلًا من ذلك، قد يؤدي إعلان لوقف إطلاق النار على الجبهات الحالية إلى تسريع وقف القتال، مع نشر مراقبين دوليين لمنع الانتهاكات.

ومن الممكن أن تصاحب مبادرات السلام هذه زيادة في الدعم الدولي للحكم المحلي وتضافر الجهود لمعالجة المشاكل الملحة، مثل التهديد المحتمل الذي تشكله ناقلة النفط المهجورة صافر التي ستسفر عن أزمة بيئية وإنسانية على الساحل الغربي لليمن حال انفجارها. كما من المهم أيضًا تخفيف المعاناة الإنسانية في اليمن، بداية عبر السماح بإعادة فتح مطار صنعاء ورفع الحصار الذي يفرضه الحوثيون على مدينة تعز.

إيقاف آلة الحرب لفترة من الزمن هو إذًا الحل الوحيد لإيجاد مساحة لمعالجة القضايا السياسية.

ميساء شجاع الدين هي زميلة غير مقيمة في مركز صنعاء.


تحت المجهر

ملاحظة المحرر: كُتبت هاتان المقالتان كجزء من منتدى سلام اليمن، وهو مبادرة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية تسعى إلى تمكين الجيل القادم من الشباب وناشطي المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.

جسد بلا ساق في وطن بلا رأس

عبد الناصر أحمد عقلان

خمس ساعات. ثلاثمائة دقيقة. ثمانية عشر ألف ثانية. وبغمضة عين، تغيرت حياتي إلى الأبد. قبل أن أدخل إلى غرفة العمليات، كنت أمشي على ساقين، وبعد انتهاء الجراحة أصبحت مبتور الطرف.

أتذكر بدقة كل تفاصيل اللحظات الأخيرة لجسدي السليم. في 3 فبراير/شباط 2010، كنت ممددًا على نقالة المرضى خارج غرفة العمليات حيث سأخضع لعملية بتر ساقي اليمنى. لحظات لن أنساها أبدًا: صوت عجلات النقالة، الأضواء الساطعة في الممر، الأبواب التي تُغلق خلفنا، صدى اسمي الذي يردده الممرضون المرتدون الكمامات. “هنا غرفة العمليات. يرجى عدم الدخول”. هذا آخر ما قرأته كعبدالناصر ذو الجسد الكامل والقوي.

وما إن استيقظت، مددت يدي أتحسس ساقي اليمنى، كان عقلي يخدعني ويوهمني أن ساقي لم تُبتر رغم أنني وقعت بنفسي على الأوراق التي تمنح موافقتي على إجراء عملية البتر، وكنت أدرك جيدًا أن ساقي قد بُترت.

لطالما واجهت المصاعب بجسد قوي وعقل أقوى، ولم يخطر على بالي قط أنني قد أخسر طرفًا من جسدي في يوم من الأيام. قيل لي أن والدي كان سعيدًا للغاية عند مولدي عام 1984، وكأنني طفله الأول كما قال لي أحد أقاربي، رغم أن ترتيبي الثامن بين إخوتي. كان مبتهجًا أنه رُزق بطفل يمتلك ساقين، هل سيعرفني الآن؟

غادرت منزلي في الجبال الوسطى والخصبة في محافظة تعز، وذهبت إلى العاصمة صنعاء لأدرس التجارة والاقتصاد في جامعة المدينة. اجتزت أول عامين بتفوق، وخلال سنتي الثالثة، بدأت أعاني من أعراض مرضية، ففي صباح أحد الأيام عام 2008، أيقظني ألم في ركبتي اليمنى. لم أفكر بالأمر كثيرًا حينها ولكن الألم اشتد لدرجة أني فقدت القدرة على المشي جيدًا. نصحني الأطباء بالذهاب إلى القاهرة، وفعلًا سافرت إلى مصر حيث قرر الأطباء ضرورة إجراء عملية لاستئصال الأجزاء الملتهبة من الأنسجة والالتزام بنظام غذائي معين.

أرعبني الأمر، خضعت لعملية استئصال الالتهاب وعدت إلى اليمن ظنًا مني أن الأمور ستتحسن، ولكن بعد عام، انتابني نفس الألم الشديد في ركبتي اليمنى، فسافرت إلى السعودية لتلقي العلاج، حيث تبين أني مصاب بالسرطان.

لطالما تخيلت السرطان على أنه ورم يشبه خليط ما بين سرطان البحر والعقارب السامة، ولم أصدق أن كائنًا كهذا يعيش داخل جسدي. أعدت الفحوصات مرارًا، ومعها كنت أصلي على أن تكون النتائج الأولى خاطئة أو تعود لمريض آخر اختلط ملفه مع ملفي، ولكن كانت النتائج هي نفسها: مصاب بالسرطان.

بدأنا على الفور بالعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي على أمل أن يُعالج الورم، وبعد ثلاث جلسات، تبيّن أني لم استجب للعلاج ولا مفر من بتر ساقي.

منحني الأطباء عشرة أيام للتفكير وأخذ القرار. كانت تلك أسوأ أيام حياتي، قبعت في غرفتي كمن ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، وانهالت أفظع الكوابيس التي أنهكت جسدي الذي بدأ يضعف يومًا تلو الآخر بعد أن نخر السرطان عظامي. كان عليًّ أن اتخذ قرارًا بأسرع وقت، وغرقت بالتفكير في الأمر لدرجة أني لم أعد أعي ماذا يدور حولي، وكأنني تحت تأثير المخدر. كان قرارًا صعبًا للغاية، ولكن لا مفر من هذا المصير.

أول شخص فكرت به بعد أن أخذت قراري كان زوجتي في اليمن، هاتفتها لأخبرها أنني لن ألومها إذا أرادت تركي. لم تتركني، وحبها كان سندي لأقاوم الألم.

عدت إلى صنعاء بعد أن دفنت طرفي المبتور في بلد آخر. شعرت وكأنني غريب عن نفسي، رجل يُدفن جسده مجزأً، وبدل اشتياق الآخرين له، وجدت نفسي اشتاق إلى جزء مني، وكأنني أصبحت شخصين منفصلين.

عندما وصلت إلى مطار صنعاء، كنت بحاجة إلى مساعدة لأنزل من على سلم الطائرة، وأدركت حينها ماذا يعني فعلًا أن تخسر أحد أطراف جسدك. لم يفارقني هذا القلق، فحين جاءت لي الممرضة بمولودي الأول لكي أراه عام 2013، كان أول ما فعلته -قبل حتى أن أتمعن في وجهه- هو التأكد من امتلاكه ساقين.

بعد إجراء عملية البتر بفترة وجيزة، زرت مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي بالعاصمة صنعاء، حيث بوسع المرضى الحصول على أطراف صناعية وخدمات إعادة التأهيل، كنت آمل بأن أحسّن قدرتي في المشي. وأنا هناك، شعرت بأنه لا بد من الغوص في المأساة لننساها.

رأيت مئات المرضى، من بينهم أطفال، فقدوا أطرافهم بسبب الحرب والحوادث. تقلّصت مأساتي أمام مأساة الطفل عبدالرحمن ذي الثمانية أعوام الذي فقد ساقيه إثر سقوطه في منحدر بينما كان يرعى أغنامه. أحضره والده إلى المركز في صنعاء من محافظة حجة، أحد أكثر مناطق اليمن فقرًا، في أقصى شمال غربي البلاد. سأل عبدالرحمن والده إن كان بإمكانه العودة إلى المدرسة واللعب مع أصدقائه مجددًا، ساد الصمت في صالة الانتظار، وانهمرت دموعنا جميعًا.

حينها، كان تعداد سكان اليمن يبلغ 30 مليون نسمة، ولكن لا يوجد فيه سوى مركز واحد للأطراف الاصطناعية. عام 2017 وحده، زار المركز ما بين 200 و500 مريض يوميًّا. (فُتح مركزان آخران منذ ذلك الحين).

سُنت عدة قوانين بهدف تسهيل حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، أهمها قانون رقم (61) لسنة 1999، وأُنشئ صندوق رسمي من المفترض أن يلبي احتياجات هؤلاء الأشخاص، مثل الكراسي المتحركة الكهربائية والأطراف الصناعية، كما من المفترض أن يعمل الصندوق على تأمين المنح الدراسية، ولكن، كغيره من القوانين، ظل هذا التشريع حبرًا على ورق إذ لم يطبق بشكل كامل، وجاءت الحرب لتزيد الطين بلة، فالدولة عاجزة عن تأمين المتطلبات الأساسية، ناهيك عن تقديم الخدمات لذوي الإعاقة.

تنامت أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب الحرب. أسفر القصف الجوي للتحالف بقيادة السعودية عام 2015 على جبل عطان وعام 2016 على الصالة الكبرى عن إصابة حوالي ألف شخص، بعضهم بُترت أطرافهم. شهد اليمن آلاف الهجمات الجوية خلال السنوات الماضية. لا نهاية تلوح في الأفق، وكلما مر يوم جديد من الحرب، تزداد أعداد مبتوري الأطراف.

أنشأت منظمتي – منظمة هوب لذوي الأطراف المبتورة – كجهد صغير لتأمين الأطراف الاصطناعية والعلاج الفيزيائي لمبتوري الأطراف. كنت محظوظًا كوني تمكنت من تلقي العلاج الأولي خارج اليمن، والحصول على طرف صناعي يساعدني على المشي ولو لأمتار معدودة. الآن معظم عمل المنظمة توقف نتيجة الصعوبات بسبب الحرب وقلة فرص التمويل.

لم يسلم النظام الصحي في البلاد من الحرب إذ تدهور بشدة، فيما انخفضت قيمة العملة المحلية وانقطعت الرواتب. لا يستطيع الأشخاص المبتور أطرافهم تحمل تكاليف الأطراف الاصطناعية، وفي بعض الأحيان لا تتوفر حتى لمن يستطيع تحمل كلفتها، أما من يحظى بطرف اصطناعي أو كرسي متحرك، فإن حياته مليئة بالتحديات إذ لا يوجد مصاعد في معظم المباني، ولا ممرات آمنة أو منحدرات للكراسي المتحركة في الشوارع. الكثير من اليمنيين، من بينهم أنا، كانوا يتنقلون بسهولة في السيارات ولكن حتى هذا أصبح صعبًا نتيجة نقص الوقود، وفي بلد تمزقه الحرب، تتفاقم معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة.

ليس بوسع أحد كسب لقمة عيشه. ارتفع عدد مبتوري الأطراف الذين يتسولون في الشوارع للحصول على الطعام، أنواع مختلفة من الناس في الواقع تتسول بحثًا عن الطعام أو المال أو المساعدة. هذا حالنا في اليمن، مبتورو الأطراف في وطن تنهشه الأطراف المتصارعة. وطن البتر فيه سيد الموقف، ولكن من دون مخدر، فضلًا عن أننا لم نوافق على هذا البتر مسبقًا، ولكننا ما نزال على قيد الحياة. أنا ما زلت على قيد الحياة. لقد خسرت ساقي، ولكنني أصارع الفقدان بالأمل.

عبد الناصر عقلان هو مؤسس منظمة هوب لذوي الأطراف المبتورة. تخصص في المحاسبة في جامعة صنعاء، كما أكمل عدة دورات في التنمية البشرية والمناصرة. هو أيضًا أحد المشاركين في منتدى سلام اليمن، مبادرة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية تسعى إلى تمكين الجيل القادم من الشباب وناشطي المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.


Fuel shortages in Sanaa
طوابير في محطات الوقود بصنعاء تمتد لمسافة كيلومترات نتيجة نقص الوقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. 17 يونيو/حزيران 2020. الصورة لمركز صنعاء. التقطها عاصم البوسي.

يوم في الطابور

فرح الوزير

كانت السادسة صباحًا من يوم الاثنين في شهر يونيو/حزيران 2020. رن جرس المنبه، كان عليَّ الاستعداد للذهاب إلى العمل كالعادة، ولكني قررت الذهاب إلى محطة الوقود لملء خزان سيارتي.

رأيت طوابير طويلة من السيارات تنتظر خارج المحطة، وبالتالي كنت أعلم أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت، ولذا أخبرت زملائي في العمل أنني سأتأخر ساعتين.

كانت أزمة المشتقات النفطية في صنعاء قد بدأت ذلك الشهر، وهي الأزمة التي تُعد أحد الآثار الجانبية للحرب التي نعيشها على مدى السنوات الخمس الماضية، أزمة جعلت الطوابير الطويلة في محطات الوقود سمة من سمات شوارع ومناظر المدينة. تفاقمت أزمة الوقود؛ إذ كلما قدت سيارتي في طريقي للعمل رأيت الطوابير الطويلة من السيارات المصطفة في انتظار الحصول على الوقود وأتساءل متى سيأتي دوري. جاء ذلك اليوم؛ ورأيت الضوء الأصفر الذي ينذر بقرب نفاذ الوقود في سيارتي، وجاء دوري لأقف في تلك الطوابير.

تحدثت مساء الأحد مع صديقتين لي -شيماء وصفاء- ووافقتا على الذهاب معي. كان لدينا خياران: الوقوف في الطابور والانتظار لشراء الوقود بالسعر الرسمي، أي حوالي 10 دولارات لكل 20 لتر، أو الثاني وهو الشراء من السوق السوداء ودفع ضعف هذا السعر. عادةً ما يتم غش الوقود المُباع في السوق السوداء بمكونات أخرى يمكن أن تلحق أضرارًا بالغة بالسيارة، وبالتالي قررنا الانتظار في الطابور. في صنعاء، هذا يعني أنه علينا الذهاب إلى محطة الوقود الخاصة بالنساء والتي تقع في شارع فج عطان.

التقيت أنا وشيماء وصفاء في كافيتريا لتناول الإفطار صباح الاثنين، نفس المكان الذي كنا نأكل فيه عندما كنا طالبات في الجامعة، لذلك بدأنا يومها بتذكر الأيام الأفضل التي عشناها قبل الحرب. كانت الساعة قد بلغت السابعة وخمسة وأربعين دقيقة صباحًا عند وصولنا إلى محطة الوقود، ووجدنا أمامنا طابورًا طويلًا من السيارات المنتظرة تحت شمس الصيف. توجب علينا أخذ انعطافة طويلة للوصول إلى نهاية الطابور الذي كان طويلًا لدرجة أننا لم نكن حتى نستطيع رؤية محطة الوقود.

كانت السيارات تتحرك ببطء وبشكل غير منتظم، وكلما توقف الخط انضمت إليَّ صديقاتي في سيارتي لنتبادل أطراف الحديث وتمضية الوقت إذ لم نر بعضنا منذ بدء الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا. وعندما كانت السيارات تتحرك أمامنا، كانت شيماء تقفز من سيارتي وتركض نحو سيارتها. كان الوقت مبكرًا، وكنا لا زلنا مستمتعين بوقتنا.

كان الأطفال والرجال يسيرون بين طابور السيارات، ويبيعون الماء البارد، والعلكة، والمكسرات، والتوابل، والبيض المسلوق، وكذلك أكواب الشاي العدني. اكتشفت لاحقًا أن بعض المطاعم تقدم خدمة توصيل مجانية للسائقين المنتظرين خارج محطات الوقود في صنعاء.

في صباح ذلك الاثنين، وزع شاب كوبونات تخفيضات لغسيل السيارات في شركة كار كير، وهي شركة تديرها امرأة. بحلول الساعة الحادية عشرة صباحًا، لم نكن قد وصلنا إلى المحطة، بل والأسوأ من ذلك أننا لم نتمكن بعد من رؤيتها. كنت أشعر بالإحباط وضايقتني حرارة الصيف. استسلمت صفاء وغادرت كي تذهب إلى عملها. كان مكيف سيارتي معطلًا. حتى لو لم يكن معطلًا لما تمكنت من استخدامه لأنه قد يستنفد الوقود المتبقي في السيارة.

بعد الساعة الحادية عشرة صباحًا بقليل، كنت قد وصلت تقريبًا إلى المنعطف الذي يمكنني منه رؤية محطة الوقود من بعيد. كانت تلك اللحظة التي بدأ فيها عمال المحطة في الشارع بإبلاغ النساء في الطابور بأن المحطة قد أغلقت وستفتح أبوابها عند الثالثة. قفزت من سيارتي، وانضممت إلى نساء أخريات خرجن من سياراتهن لنعرب عن غضبنا من هذا الخبر، وطالبنا ببقاء المحطة مفتوحة. لماذا تغلقون المحطة الآن ونحن ننتظر لساعات منذ الصباح؟ قال لنا حراس المحطة إن السلطات أمرت بالعمل ساعات محدودة فقط من أجل توفير الوقود. محطة بنزين توفر الوقود؟ يا له من أمر غريب!

لم يتحرك أحد من مكانه، وقررنا ترك سياراتنا في الطابور حتى إعادة فتح المحطة. قررت أنا وشيماء العودة إلى المنزل في هذه الأثناء، وحاولنا العثور على سيارة أجرة لإيصالنا، وهو ما سيكلفنا ضعف السعر المعتاد، لكننا لم نتمكن من العثور على سيارة أجرة. من حسن حظنا أن أختي كانت في الجوار وقامت بإيصالنا. في الساعة الثانية وخمسة وأربعين دقيقة ظهرًا عدت أنا وشيماء لسياراتنا في الطابور على أمل الانتهاء من هذا اليوم الطويل.

بحلول الساعة الثالثة عصرًا، وعندما كنت أوشك أخيرًا على الوصول إلى المحطة، رأيت عدة محاولات لقطع الطابور، فقد كانت هناك امرأتان تحاولان الدخول بسياراتهما إلى المحطة. عرضت نساء أخريات على حراس المركز رشاوى صغيرة للسماح لهن بالمرور. ورأيت أن جميع النساء اللواتي كن ينتظرن في الطابور كن لا يسمحن لأي من اللواتي وصلن للتو بالمرور. قمت بهز رأسي نحو النساء اللواتي حاولن دفع الرشاوى، وأخذت أفكر “هذه عينة من الأنانيين التي تدمر بلادنا”.

بعد عشر دقائق، كنت عند بوابة محطة الوقود، وكان عليَّ الانتظار لخمس دقائق أخرى حتى تنتهي السيارات التي أمامي. لم يكن مسموحًا سوى بتعبئة 40 لترًا فقط من الوقود بسبب نقص الكميات. بعد ذلك، فتح لي أحد حراس المركز بوابة الدخول وتوجهت عبرها إلى مضخات الوقود الأربع الموجودة في المحطة شاعرة بإنجاز عظيم.

اقتربت امرأتان من سيارتي، إحداهن تلتقط صورًا للجزء الأمامي والخلفي من سيارتي، في حين سلمتني الأخرى قطعة صغيرة من الورق، تنص هذه الورقة على أنه لا يمكنني العودة إلى محطة الوقود هذه لمدة أربعة أيام، وذلك لكون بعض الناس يقومون بشفط الوقود من سياراتهم بعد تعبئتها وبيعه في السوق السوداء مقابل ضعف السعر. ضحكت وأخبرت المرأة أنه ليس لديها ما يدعو للقلق، فمن المستحيل أن أعود للوقوف في هذا الطابور في أي وقت قريب!

وصلت أخيرًا إلى مضخة الوقود وأوقفت سيارتي، وكان الرجل على وشك البدء في ضخ الوقود إلى خزان سيارتي، عندما اقترب منه طفل صغير يحمل زجاجة مياه بلاستيكية فارغة. كان الطفل يحاول إقناع الرجل بملء القنينة التي يحملها لأن منزل عائلته بلا كهرباء منذ عدة أيام بسبب نفاد الوقود من المولد. أخبر الصبي الرجل أن أخاه الأصغر يخاف من الظلام.

سأله إذا كان سيأخذ الوقود ليبيعه، وأقسم الولد الصغير أنه لن يفعل هذا.

ملأ الرجل قنينة الصبي بسرعة، ثم أعطاني الولد الزجاجة وسألني إن كان بإمكاني تهريبها خارج المحطة. كانت المنطقة مليئة بالحراس، وسيقع في مشكلة إن قُبض عليه وهي بحوزته. اعتذرت للفتى وقلت له أني لا أستطيع مساعدته.

أخبر الرجل الواقف عند المضخة الصبي بأن يخفي القنينة تحت قميصه ويخرج من المحطة بأسرع ما يمكن. تلفت الصبي يمينًا ويسارًا، وركض مثل الريح. شعرت بالارتياح عندما رأيته يهرب من المحطة دون أن يمسك أحد به. كانت رغبة الرجل الواقف عند المضخة في المخاطرة لمساعدة الصبي لحظة ثمينة تعبر عن الرحمة والتضامن في مدينتنا المحاصرة.

بدأ الرجل بملء خزان الوقود في سيارتي، وبغضون لحظات، شاهدت الإشارة الصفراء تختفي ومقياس الوقود عند أعلى مستوياته. اتصلت بزوجي لإبلاغه بإنجاز المهمة. وشعر بارتياح: يمكن أن يستغرق الانتظار في طوابير محطات الرجال ما يصل إلى يومين ويكون فيها عادة خمسة طوابير من السيارات، وتشهد فترات الانتظار بعض المشاكل وإطلاق نار إذ ليس من الغريب أن تحدث شجارات في الطوابير.

مر عام تقريبًا، وما زالت شوارع صنعاء تشهد هذه الطوابير، وما زالت المدينة تعاني من نقص الوقود ووجود السوق السوداء، بل وأصبحت طوابير الانتظار أطول والمعاناة أكبر. كل يوم أقود سيارتي للعمل في شوارع صنعاء، وأشعر بالأسف لكل سيارة تقف في طوابير محطات الوقود، وأخشى الأيام عندما يأتي دوري للوقوف مثلهم. يبدو الأمر كقتال من أجل الحصول على الضروريات الأساسية هنا. يا له من عبء.

فرح الوزير حاصلة على شهادة في إدارة الأعمال الدولية، وتعمل في مجال التواصل والمناصرة. تركز فرح حاليًّا على قضايا المجتمع والشباب والمرأة بالإضافة إلى مشاريع التنمية المستدامة. هي مشاركة في منتدى سلام اليمن، وهو مبادرة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية تسعى إلى الاستثمار في بناء وتمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.


أعد هذا التقرير (حسب الترتيب الأبجدي): أبو بكر الشماحي، أماني حمد، حسام ردمان، حمزة الحمادي، ريان بيلي، زياد الإرياني، سبنسر أوسبرغ، سوزان سيفريد، عبدالغني الإرياني، علي الديلمي، غريغوري جونسن، غيداء الرشيدي، فارع المسلمي، كيسي كومبز، ماغنوس فيتز، ميساء شجاع الدين، نزيهة بعاصيري، وليد الحريري وياسمين الإرياني.


تقرير اليمن، هو تقرير شهري يصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية منذ يونيو/حزيران 2016، وصدر كنشرة شهرية باسم “اليمن في الأمم المتحدة” في أعوامه الأولى. يهدف التقرير إلى رصد وتقييم التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية بشأن اليمن، وتزويد القراء برؤية سياقية شاملة حول أهم القضايا الجارية في البلاد، والتطورات التي يمكن أن تؤثر في مسارها حول العالم.

لإعداد “تقرير اليمن”، يقوم فريق مركز صنعاء في مختلف أنحاء اليمن والعالم، بجمع المعلومات والأبحاث، وعقد اجتماعات خاصة مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية، لتحليل التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة باليمن.


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.

البرنامج / المشروع: تقرير اليمن
مشاركة