هبطت طائرة لسلاح الجو السلطاني العُماني في العاصمة صنعاء في 5 يونيو/حزيران. كان على متنها وفد من المكتب السلطاني العُماني وعدد من المسؤولين الحوثيين بينهم رئيس وفد الجماعة المفاوض والناطق باسمها محمد عبدالسلام. التقى العُمانيون خلال تواجدهم بصنعاء قادة حوثيين بارزين بينهم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في إطار الجهود الدبلوماسية الساعية إلى وقف إطلاق النار باليمن.
تُلمح هذه الزيارة إلى الضغط المتزايد على مسقط للعب دور أكبر في الضغط على الحوثيين ليقبلوا بصفقة لإنهاء القتال في البلاد -نهج تجنبه العُمانيون بشكل عام لفترة طويلة. لم تكن الطائرة لتحط في صنعاء دون إذن من السعودية. وقبل يوم من توجه الوفد إلى اليمن، تحدث وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن. يبدو أن الرياض وواشنطن كليهما اتفقتا على أن العُمانيين لديهم القدرة للدفع قدمًا بالمفاوضات المتوقفة حاليًّا.
سلطنة عُمان هي البلد الذي يملك أكبر حصة من النفوذ على الحوثيين بعد إيران. استضافت مسقط المسؤولين الحوثيين منذ عام 2015، وأمنّت للجماعة بيئة مرحبة وآمنة لإدارة مصالحها الدولية والانخراط سياسيًّا مع القوى العالمية والإقليمية. وفي حين أن مسقط ليست بالضبط منصة محايدة، لكنها تؤمّن غطاء كاف للاعبين الدوليين في التعامل مع وفد الحوثيين، وهو أمر لن يكون ممكنًا إذا ما كان مقر هذا الوفد طهران أو بيروت أو دمشق حيث تتمتع إيران وحلفاؤها بقدر كبير من النفوذ. وبالتالي، تمتلك عمان نفوذًا سياسيًّا استثنائيًّا على الحوثيين -نفوذًا يأمل أصحاب المصلحة الآخرون المهتمون بالملف اليمني، والذين يفتقرون حاليًّا إلى وسائل للضغط على الحوثيين، الاستفادة منه.
تعكس زيارة الوفد العُماني إلى صنعاء الجهود المبذولة مؤخرًا بهدف كسر الجمود الدبلوماسي الحالي، وتطرح سؤالًا مهمًّا جديدًا حول دور عُمان في اليمن بعد ست سنوات من الحرب. الكثير من التحليلات حول هذا الأمر تركز على مصالح الأمن القومي لعُمان في المهرة وسط تزايد النفوذ العسكري السعودي في المحافظة اليمنية المحاذية لعمان من الغرب. لكن الأسئلة التي ينبغي طرحها هي: هل تفعل مسقط ما يكفي لخلق فرصة للسلام لجارها المنهك؟ والأهم من ذلك، كيف تُفهم الامتيازات التي تمنحها عُمان للمسؤولين الحوثيين الموجودين في عاصمتها ضمن سياق السياسة الخليجية الداخلية؟
المشهد العام لما تفعله عُمان هي أنها بكل بساطة تلعب دورها التقليدي كوسيط في الخلافات الخليجية، ولكن هذه ليست القصة بأكملها. في الماضي، غالبًا ما كانت عُمان تشترط على ضيوفها عدم الانخراط بالسياسة، وتاريخ السلطنة في التعامل مع المنفيين اليمنيين شاهد على ذلك، على سبيل المثال، طلبت عُمان من نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض، الذي فر إلى مسقط في أعقاب الحرب الأهلية عام 1994، مغادرة أراضيها بعد أن استعاد نشاطه السياسي بعد فترة صمت طويلة. يبدو أن السلطنة قد عدلت هذه القاعدة في السنوات الأخيرة لصالح الحوثيين؛ إذ أن أغلب نشاط الأخيرين في مسقط موجه تجاه نزاعهم مع الحكومة المعترف بها دوليًّا في اليمن ومع السعودية والإمارات العربية المتحدة.
علاقة عُمان مع جيرانها السعوديين والإماراتيين معقدة. وفي حين أن جميع هذه الدول جزء من مجلس التعاون الخليجي، شقت عُمان لنفسها نهجًا مستقلًا عن جيرانها، الأمر الذي أدى في بعض الأحيان إلى فترات من التنافس وتصاعد التوترات. في عام 2011، قالت عُمان إنها كشفت عن خلية تجسس يديرها إماراتيون في البلاد. كما رفضت مسقط أن تحذو حذو السعودية في مواجهة إيران خلال السنوات الأخيرة، ورفضت أيضًا الانضمام إلى التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن أو المشاركة في الحصار السعودي والإماراتي على قطر. وفي خضم الخلافات العالقة بين السعودية والإمارات حول أمور عدة من بينها الحرب في اليمن، وفّر الدعم السياسي وتسهيل التواصل الدبلوماسي للحوثيين فرصة ذهبية لعُمان لإضعاف الرياض وأبوظبي مقابل كلفة صغيرة.
شهد اليمن تحولات متعددة في السياسة والتحالفات خلال سنوات الحرب ولكن كان هناك ثابت واحد: الدعم العُماني لجماعة الحوثيين خلف الكواليس. فتحت عُمان الأبواب الدولية أمام الحوثيين وسهلت سفر مسؤولي الجماعة، وعملت أحيانًا على تحييد خصوم الحوثيين. على سبيل المثال، بعد أن انفك تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح مع الحوثيين ومقتل الأول على يد الجماعة في ديسمبر/كانون الأول 2017، تواصل العُمانيون مع كتلة كبيرة من حلفاء صالح، وتحديدًا زعماء القبائل في شمال اليمن وقيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام، ونجحت عُمان في تحييدهم وضمان عدم انضمامهم إلى معسكر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا والتحالف بقيادة السعودية، مقابل الإقامة في السلطنة، بينما تولّت قطر أمر المدفوعات.
ما لا شك فيه، إضافة إلى إيران، كانت عُمان أكثر دولة احتضنت خصوم التحالف الذي تقوده السعودية وخصوم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا. استضافت عُمان منذ عام 2017 فصيل الحراك الجنوبي بقيادة حسن باعوم وشخصيات من المهرة يعارضون تواجد التحالف في المحافظة التي تقع أقصى شرق اليمن وقيادات في حزب الإصلاح من الخط المقرّب من الدوحة، ووفرت لهم منصة للتعبير عن آرائهم وتوسيع نفوذهم واستثماراتهم.
أتى هذا التغير الملحوظ في السياسة العُمانية باتجاه يميل للعدائية في الوقت الذي أصبحت فيه عُمان وقطر أقرب من بعضهما البعض أثناء تصدع العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة من جهة وتحالف من الدول بقيادة السعودية والإمارات من جهة أخرى. لم تؤمّن قطر المال وحسب لشخصيات يمنية مقرها مسقط ولكنها قدمت الدعم المالي للدولة العُمانية أيضًا عام 2020 عندما كانت تواجه التداعيات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا. كما روجت قناة الجزيرة القطرية بشكل منتظم لآراء اليمنيين المتحالفين مع مسقط ومن بينهم حلفائها المحليين في المهرة. وسمحت عُمان لشخصيات معارضة للتحالف بإجراء مقابلات عامة من مسقط، الأمر الذي يعكس أيضًا خروجها عن قاعدتها المعتادة.
وفي الوقت الذي أثبتت عُمان أنها أكثر استعدادًا لإضعاف السعودية والإمارات، فإنها حتى الآن تبدو غير راغبة في ممارسة أي ضغط حقيقي على الحوثيين، ويبدو أن الضغط الذي تمارسه حاليًّا يقتصر على محاولة إقناع الحوثيين باستقبال المبعوث الأممي الخاص والدبلوماسيين من الدول المنخرطة أو المهتمة بالحرب في اليمن.
ووفقًا لمصادر سياسية وأمنية وقبلية، اتسمت حدود عُمان مع اليمن بمرونة كبيرة لحركة قيادات الحوثيين وحلفائهم. وحسبما ورد في التقارير الإخبارية، وصل السفير الإيراني حسن إيرلو إلى صنعاء عبر عُمان في أكتوبر/تشرين الأول 2020. وبحسب فريق الأمم المتحدة للخبراء المعني باليمن، فإن أحد الطرق الأساسية المستخدمة لتهريب السلاح لجماعة الحوثيين تمر عبر مياه عُمان الإقليمية وحدودها البرية مع اليمن. وما لا ريب فيه هو أن مسقط كانت مقرًا لنمو الجماعة السياسي. ونظرًا للخدمات الحيوية التي تقدمها للحوثيين، لدى عُمان قدرة في ممارسة المزيد من الضغط على الجماعة، وبالتالي استخدام نفوذها لحث الحوثيين على تقديم تنازلات، فالحوثيون لديهم الكثير ليخسروه في حال غضب العُمانيون منهم.
لطالما نُظر إلى مسقط كوسيط محترم وغير متحيز في الأوضاع الصعبة. في الواقع، تستحق عُمان سمعتها كطرف مهذب ومحنك في تفاعلاته الدبلوماسية وقادر على الحفاظ على علاقات ودية مع الجميع. ولكن فيما يخص اليمن، فإن مسقط رسمت مسارًا مختلفًا يتسم بالتحيز.
تفحُّص الدور العُماني بهذا الشكل لا يهدف إلى إدانة مسقط، بل لتفسير سياساتها. فهم مصالح عُمان بشكل أفضل في اليمن سيساعد الأطراف الفاعلة الدولية على تحسين عملها مع مسقط لمعالجة مخاوف الأخيرة المتعلقة باليمن وتشكيل جبهة موّحدة أكثر للجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب اليمنية. تُعد علاقات السلطان هيثم بن طارق مع جيرانه أفضل من سلفه، السلطان الراحل قابوس، ولكن ليس واضحًا كم غير هذا الأمر من نهج عُمان إقليميًّا. كما يشير تعيين بدر بن حمد البوسعيدي في أغسطس/آب 2020 وزير للخارجية خلفًا ليوسف بن علوي، الذي تولّى هذا المنصب لفترة طويلة وخلقت وجهات نظره في بعض الأحيان نوعًا من التنافر مع دول الخليج الأخرى وتحديدًا السعودية، إلى احتمال توجه عُمان نحو تبني دبلوماسية أكثر تعاونًا مع جيرانها. علنًا، ليس هناك أي تغيير مرئي في سياسة عُمان باليمن، إذا ما تزال مسقط نافذة الحوثيين على العالم وحليفًا صامتًا وفعّالًا ضد خصوم الجماعة في اليمن.
هذا التقرير جزء من سلسلة إصدارات لمركز صنعاء تسلط الضوء على أدوار الجهات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية الفاعلة في اليمن.