فهد عمر
ملاحظة المحرر: الكاتب هو باحث يمني استخدم اسمًا مستعارًا لأسباب أمنية.
كان استبدال الرئيس عبدربه منصور هادي بمجلس رئاسي مكوّن من ثمانية أعضاء خطوة انتظرها اليمنيون طويلًا، سواء داخل البلاد أو في الشتات. جمع مجلس القيادة الرئاسي بين الفصائل الرئيسية داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وسرعان ما حظي بدعم دولي؛ حيث رحبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتشكيله، وحضر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، إلى جانب عدد من السفراء الأوروبيين والعرب، مراسم أداء اليمين الدستورية له بعدن في 19 أبريل/ نيسان.
إلا أنه وفي ظل هذا المشهد السياسي الجديد، لا يمكن الجزم كيف سيكون مسار المجلس لاستعادة السلام والاستقرار في اليمن، خاصة في ظل تصاعد نشاط إرهابي يُشتبه أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يقف وراءه، مما ينذر بمعركة تلوح في الأفق ضد الإرهاب والتطرف في العاصمة المؤقتة عدن. وستكون مواجهة هذا التحدي أحد الاختبارات المفصلية الأولى لمجلس القيادة الرئاسي.
رسالة وحدة
في ظهورهم أمام وسائل الإعلام، شدد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على نقطتين رئيسيتين: الأولى، وجود توافق بين القوى الممثلة في المجلس الرئاسي على العمل من أجل تحقيق رؤية سياسية موحدة لحقبة ما بعد هادي، والثانية، الأولوية القصوى لإيجاد حل للصراع مع جماعة الحوثيين المسلحة، إما من خلال التفاوض أو بقوة السلاح. في خطاب متلفز لليمنيين بمناسبة عيد الفطر، تعهّد رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي بأنه سيعمل من داخل البلاد وسيضع عدن على طريق الاستقرار والتنمية والاستثمار المتجدد. كرر طارق صالح، قائد قوات المقاومة الوطنية وعضو المجلس الرئاسي، رسالة مماثلة في 8 مايو/أيار، مشيرًا إلى أن السلطة التنفيذية تعمل “بانسجام تام” لاستعادة مؤسسات الدولة، بما في ذلك خطة لإعادة بناء البنية التحتية في عدن، وأن العاصمة المؤقتة ستكون بمثابة نموذج للأمن والاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
الذكرى السنوية للوحدة اليمنية في 22 مايو/ أيار كانت اختبارًا مبكرًا لرسالة الوحدة التي طرحها مجلس القيادة الرئاسي، إذ أعلنت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات، برئاسة عبدالناصر الوالي، ذلك اليوم عطلة رسمية. أثار الوالي، وهو عضو في المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، جدلًا عام 2021 عندما وصف الذكرى السنوية للوحدة بأنها تصادف ذكرى احتلال الجنوب. لا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي القوة العسكرية الأكثر هيمنة في عدن، وسبق أن رفضت السلطات المحلية الموالية له القرارات الصادرة عن وزراء آخرين. أصبح رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي. ستعتمد قدرة المجلس الرئاسي على تجنب الخلافات الداخلية والعمل نحو تحقيق هدف موحد على قدرة أعضائه وداعميهم في السعودية والإمارات على المواءمة بين المصالح المتباينة.
تهديد يلوح في الأفق بمدينة عدن
حتى لو ظل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي متحدين ويعملون في وئام، يمثل التصاعد الأخير لأنشطة إرهابية في عدن وجنوب اليمن -يشتبه بوقوف تنظيم القاعدة وراءها -تهديدًا كبيرًا للاستقرار في العاصمة المؤقتة ولقدرة المجلس الرئاسي على الوفاء بوعوده المبكرة بتحقيق الأمن والتنمية. وثّقت تقارير إعلامية محلية زيادة في عمليات تجنيد عناصر من قبل تنظيم القاعدة والتعبئة في محافظة أبين المجاورة. في 6 مايو/ أيار، أسفر قتال بين مسلحي القاعدة وقوات الحزام الأمني في الضالع عن مقتل العديد من كبار ضباط مكافحة الإرهاب. أما في مديرية المعلا بعدن، استهدفت سيارة مفخخة موكب اللواء صالح علي اليافعي في 15 مايو/أيار.
إن عودة ظهور تنظيم القاعدة مؤخرًا تعيد إلى الاذهان السنوات الأولى التي أعقبت تولي هادي للسلطة. ففي الفترة بين عام 2012 وحتى بداية اندلاع الصراع، هاجمت عناصر التنظيم القوات العسكرية والأمنية في صنعاء والمحافظات الأخرى، واقتحمت وسيطرت على مدن بأكملها، ونفذت عشرات الاغتيالات لضباط عسكريين وأمنيين، وصلت حد استهداف الرئيس هادي نفسه. هذه التحركات المماثلة قد تقوّض قدرة مجلس القيادة الرئاسي على تحقيق الإصلاح الذي تشتد الحاجة إليه. قد تكون أعمال التخريب التي أُبلغ عنها مؤخرًا التي استهدفت البنية التحتية لتوليد الطاقة وتوزيعها في عدن والمدن المجاورة، وخط أنابيب النفط الرئيسي في شبوة، النُذر الأولى بالمعركة التي تنتظر المجلس الرئاسي، حتى قبل أن يتمكن من التحرك لإيجاد حل للصراع مع الحوثيين.
عودة ظهور تنظيم القاعدة
أبرمت حركة الحوثيين المسلحة صفقات مع تنظيم القاعدة في الماضي، حيث أطلقت سراح معظم مقاتليه المحتجزين لديها حين استولت على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. رغم أن التقارير عن مثل هذه الصفقات تبدو مفاجئة نظرًا لتضارب الأيديولوجيات بين الجماعتين، إلا أن علاقة الحوثيين والقبائل الشمالية مع تنظيم القاعدة تضرب بجذورها إلى ما قبل عام 2014 بوقت طويل. يرجح التنامي الملحوظ في نشاط تنظيم القاعدة بعد تولي هادي سدة الرئاسة، وعودة ظهور التنظيم مؤخرًا، بأن يكون الحوثيون، وربما القبائل الزيدية الشمالية، قد قدموا الدعم للتنظيم. الحوثيون والنخب السياسية في القبائل الشمالية لديهم تاريخ طويل من رفض التخلي عن السلطة لسلطات ما يُعرف بـ “اليمن الأسفل”، متعهدين “إما أن نحكم، أو ندمر وحدة هذا البلد“. ويبدو أن تنظيم القاعدة عازم على إعادة إثبات وجوده، كما فعل بين عامي 2012 و2014. وبما أن هذا من شأنه، مرة أخرى، أن يخدم مصالح الحوثيين وحلفائهم، فإنه يشير إلى أن احتمال التعاون بين الطرفين وارد للغاية.
سعت أصوات في الجنوب إلى ربط أنشطة تنظيم القاعدة بنائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح. حتى بعد توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والتي أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي بموجبها شريكًا اسميًا في حكومة هادي، استمر الأخير في إلقاء اللوم عن الهجمات المتطرفة المشتبه بها على خصومه، أي حزب الإصلاح وعلي محسن الأحمر، غير أن هذا الأمر تغير إلى حد ما بعد انضمام المجلس إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد؛ إذ اتهم الزبيدي الحوثيين بدعم الهجمات الأخيرة، لكن قائد قوات مكافحة الإرهاب في عدن التابع لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي عاد ليلقي اللوم على حزب الإصلاح في وقت لاحق. إذا استمر هذا الخطاب المتناقض، فقد يشير إلى أن المحادثات التي قادها مجلس التعاون الخليجي في الرياض والتي أدت إلى تشكيل المجلس الرئاسي أفضت إلى تحالف هش، بل وشكلي، في المعسكر المناهض للحوثيين.
محاولات نزع الشرعية
هناك محاولات أخرى لتقويض المجلس الجديد أيضًا. يحتاج مجلس القيادة الرئاسي إلى مراقبة الحملات التي لا أساس لها من الصحة والتي تتهم المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية باستغلال النساء والفتيات اليمنيات والرد عليها. فحملات التضليل هذه تُعد تكتيكًا شائعًا للجماعات المتمردة، كونها تخدم أغراضًا متعددة سعيًا لتقويض سلطة الدولة. فهي أولًا، توفر ذريعة لنشاط انتقامي متطرف في عدن وضواحيها. وثانيًا، من شأن النجاح في استهداف المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني أن يعكس صورة ضعيفة للمجلس الرئاسي باعتباره كيان غير فعال، وغير قادر على حماية قاعدته الشعبية. وثالثًا، إذا كان مجلس القيادة الرئاسي غير قادر على توفير الحماية الكافية، فسيُتيح إلقاء اللوم عليه في هذا الفشل، ويمكن أن يلتمس مؤيدوه الحماية من أطراف أخرى. وأخيرًا، يمكن لاستهداف المنظمات غير الحكومية أن يحد من قدرتها على العمل بفعالية أو حتى يدفعها لمغادرة المنطقة. ونظرًا للتأثير الهائل للمساعدات الإنسانية على الاقتصاد اليمني في زمن الحرب، سيترتب على مثل هذا التراجع ضرر خاص. بالتالي، قد يُلقى باللوم على مجلس القيادة الرئاسي في مفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد. شددت المنظمات غير الحكومية بالفعل إجراءاتها الأمنية وأبلغت موظفيها بالبقاء متيقظين، إلا أنه ينبغي على المجلس الرئاسي ألا يستهين بعواقب التقاعس عن اتخاذ إجراءات؛ فالتداعيات التي يمكن أن تترتب على عدم الاستجابة بشكل كافٍ قد تكون خطيرة للغاية.
واقع مرير وخيارات محدودة
من الصعب تصور الخيارات التي يتعيّن على مجلس القيادة الرئاسي التعامل معها في مثل هذا المأزق. فبدلًا من انتظار تنفيذ تنظيم القاعدة لعمليات في عدن، ينبغي على المجلس إظهار قدرته على التصدي بحزم لمثل هذه التهديدات، إلا أن القول أسهل من الفعل. في أبين، قد تؤدي الانقسامات العميقة بين قوات المجلس الانتقالي المتمركزة في الشيخ سالم والحرس الرئاسي الموالي للرئيس السابق هادي المتمركزة في شقرة إلى تقويض الجهود ضد تنظيم القاعدة. قد يتعذر حتى تحفيز الحرس الرئاسي على الالتزام بأوامر مجلس القيادة الرئاسي أو وزارة الدفاع دون دعم هادي. يبقى لدى المجلس الرئاسي خيار آخر يتمثل في الاعتماد على ألوية العمالقة، التي نجحت في طرد قوات الحوثيين من شبوة أوائل يناير/ كانون الثاني، لكن نشر هذه القوات في جبهات متعددة يهدد بإنهاكها وتعريضها لخسائر فادحة. من الأجدى الحفاظ على ألوية العمالقة للتصدي للحوثيين عند انتهاء الهدنة الحالية، في حال فشلت الجهود المبذولة لإنهاء الصراع من خلال المفاوضات.
إن الحاجة الملحة لإعادة هيكلة وتوحيد مختلف القوات العسكرية والأمنية تضع مجلس القيادة الرئاسي في موقف صعب. أشار رئيس المجلس رشاد العليمي إلى أن توحيد هذه القوى هو الركيزة التي ستمكن الحكومة من تجاوز التحديات، والتهديدات الراهنة واستعادة الدولة ومؤسساتها. لتحقيق ذلك، سيحتاج العليمي إلى الدعم الكامل من السعودية والإمارات. بخلاف ذلك، يمكن أن تتحول جهود إعادة التنظيم إلى تبادل الاتهامات والانشقاقات، كما حدث بعد توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. إذا لم يستشعر مجلس القيادة الرئاسي الخطر المحدق القادم من تنظيم القاعدة وتحركاته النشطة وشرع بالتصدي لها بشكل استباقي، فإن العواقب على القيادة الجديدة ستكون وخيمة.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
منتدى سلام اليمن هو منبر مسار ثان للمجتمع المدني والشباب، ييسره مركز صنعاء بتمويل من وزارة الخارجية الهولندية. يسعى المنتدى إلى الاستثمار في بناء وتمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة. بناءً على الهدف الأساسي لمركز صنعاء المتمثل في إنتاج المعرفة بالأصوات المحلية، يسعى المنتدى إلى التطوير والاستثمار في محللي السياسات الشباب والكتاب من جميع أنحاء اليمن.