إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

الولايات المتحدة تترك اليمن في حال أسوأ مما كانت عليه

Read this in English

في مؤتمر صحفي عُقد في 6 مايو بحضور رئيس الوزراء الكندي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن وقف إطلاق النار مع الحوثيين (أنصار الله). قال ترامب إن الجماعة وافقت على وقف الهجمات على البحرية الأمريكية وسفن الشحن البحري التي تعبر البحر الأحمر مقابل الوقف الفوري للغارات الجوية الأمريكية في اليمن. ادعى كل جانب أن الآخر قد تراجع. سرعان ما احتفظ الحوثيون بالحق في مواصلة الهجمات على إسرائيل، التي كان تدميرها المستمر لغزة هو الدافع المزعوم لهجماتهم في البحر الأحمر.

كان شهر أبريل هو الأكثر دموية للغارات الجوية في اليمن منذ العام 2017 – نفذت الولايات المتحدة أكثر من ألف غارة منذ منتصف مارس – لكن قوة الحوثيين لا تزال راسخة، وإن تم إضعاف قدراتها المتعلقة بالطائرات المسيرة وقدراتها الصاروخية، لكنها تظل قائمة. وقف العملية الأمريكية التي تواجه صعوبات يُضعف التوقعات بشن هجوم بري من قبل القوات المناهضة للحوثيين، ويبشر باستئناف الخطة السعودية لإنهاء الحرب في البلاد – أو حتى الجهود المتجددة من جانب الحوثيين للاستيلاء على حقول النفط المربحة في مأرب وشبوة.

كان توقيت إعلان وقف إطلاق النار مفاجئاً بشكل خاص في ضوء تصاعد العنف في الأسابيع الأخيرة. في 4 مايو، أفلت صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون من الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وسقط في موقف سيارات بالقرب من مطار بن غوريون. تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية الانتقامية في 5 و 6 مايو، بإلحاق أضرار جسيمة بميناء الحديدة ومطار صنعاء الواقعين تحت سيطرة الحوثيين، مما أدى إلى خروجهما عن الخدمة. كانت الولايات المتحدة قد قصفت اليمن بشكل متواصل تقريباً، حيث نفذت أكثر من ثلاثين غارة في الأسبوع الذي سبق الإعلان.

يأتي التوقف المفاجئ وسط موجة من النشاط الدبلوماسي المكثف، بما في ذلك المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وقبل أسبوع واحد فقط من زيارة ترامب المقررة للرياض. تم تيسير الاتفاق من قبل وسطاء عُمانيين، مع ضغوط كبيرة من المملكة العربية السعودية لإبرام صفقة قبل زيارة ترامب. وفقاً لما ذكرته التقارير، حذر المسؤولون السعوديون الإدارة من أن زيارة الرياض أثناء قصف الحوثيين هي “لعب بالنار”، فيما يبدو اعترافاً مذهلاً باستمرار ضعف المملكة أمام هجمات الحوثيين.

قال الحوثيون في وقت لاحق إنهم وجهوا تهديدات بشأن زيارة ترامب. يحمل هذا التهديد بعض الثقل في ضوء نزعة الجماعة نحو العنف السياسي وتاريخها في مهاجمة المطارات، وأشهر هذه الهجمات، هجوم شنته الجماعة على مطار عدن في عام 2020، والذي تزامن مع وصول وزراء من الحكومة اليمنية المشكّلة حديثاً، وأسفر عن مقتل 28 شخصاً. تم استهداف مطار بن غوريون عدة مرات العام الماضي، وخلال العام 2022، استهدف الحوثيون مطارات في أبو ظبي ودبي بالإمارات العربية المتحدة. للجماعة أيضاً تاريخ في ابتزاز الرياض، مستغلة رغبة المملكة في تخليص نفسها من الصراع في اليمن والتركيز على التنمية الاقتصادية. إذا كان هذا هو ما حدث في هذه الحالة، فإن القوة القسرية الواضحة للجماعة لا تبشر بالتوصل إلى تسوية تفاوضية متوازنة.

يتمتع الرئيس ترامب وعائلته بعلاقة طويلة الأمد ومربحة للغاية مع المملكة العربية السعودية، والتي أثمرت عن مكاسب شخصية وعقود مربحة لشركات الصناعات الدفاعية بملايين الدولارات. أشار ترامب إلى أنه يمكنه تأمين ما يصل إلى تريليون دولار أمريكي للشركات الأمريكية خلال زيارته المقبلة للمملكة. من جانبها، تسعى الرياض منذ فترة طويلة إلى التزام دفاعي أكثر رسمية، وتعاون أكبر في القضايا النووية مع الولايات المتحدة، وهو احتمال ربطته واشنطن في السابق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ربما لم يعد هذا هو الحال. وفقاً لما ذكرته التقارير، تلقت الرياض تأكيدات بأن التطبيع مع إسرائيل لن يكون على جدول أعمال الاجتماعات.

أفادت التقارير أن إيران -التي سعت إلى النأي بنفسها عن المغامرات العسكرية للجماعة والتقدم في المحادثات النووية مع الولايات المتحدة والوعود المرتبطة بها بتخفيف العقوبات- دفعت الحوثيين إلى التفاوض، وقد أوضحت الولايات المتحدة في تصريحات علنية أنها رأت يد طهران في هجمات الحوثيين على البحر الأحمر، وربما كانت تسعى للضغط على إيران الضعيفة للدخول في مفاوضات من خلال مهاجمة الحليف الإقليمي الوحيد المتبقي للجماعة. ربما أخطأت الولايات المتحدة في هذا النهج. لقد سعت إيران منذ فترة طويلة إلى تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، ولديها عتبة أقل بكثير للمخاطرة مقارنة بالحوثيين، الذين اكتسبوا المزيد من الجرأة بعد عقد من الصراع العسكري الناجح.

استفادت الجماعة بشكل كبير من الدعم والخبرة العسكرية الإيرانية، إلا أن قيمتها بالنسبة لطهران تمثلت في المقام الأول في كونها شوكة في خاصرة السعودية والإمارات العربية المتحدة. من المؤكد أن إيران لاحظت أنه على مدى الثمانية عشر شهرا الماضية كان “محور المقاومة” التابع لها بمثابة عائق، أكثر من كونه مصدر قوة. علاوة على ذلك، شهدت العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة تحسناً بعد الانفراج الذي حدث في عام 2023. باختصار، قد تكون القيمة الرادعة المترتبة على دعم الحوثيين علناً أقل جاذبية لطهران في الوقت الحالي، بالنظر إلى مخاطر الارتباط والفوائد الاقتصادية المحتملة المترتبة على تخفيف العقوبات والاستثمارات الأجنبية.

كان للولايات المتحدة أسبابها الخاصة لرغبتها في وقف إطلاق النار، فمنذ البداية، كانت عملية الراكب الخشن بمثابة كارثة علاقات عامة. على ما يبدو، عززت مهاجمة الحوثيين الأهداف الإقليمية للولايات المتحدة، بما في ذلك، على وجه الخصوص الدفاع عن إسرائيل والضغط على إيران ومكافحة الإرهاب. وفر بدء الغارات الجوية الأمريكية ضد الجماعة في عهد إدارة بايدن غطاءً سياسياً وفرصة للتنافس على التفوق الحزبي. كانت الغارات الجوية مبررة دولياً أيضاً، نظراً للهجمات على السفن التجارية – قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن الولايات المتحدة “تقدم خدمة للعالم أجمع”، لكن الغارات الأولى رافقها كشف محرج عن خطط عملياتية، مما يشير إلى عدم كفاءة رسمية.

خسرت الولايات المتحدة مؤخرًا طائرتين مقاتلتين من طراز إف/إيه 18، إحداهما في هبوط فاشل على متن حاملة طائرات، والأخرى سقطت في البحر أثناء محاولة السفينة المناورة؛ بينما فُقدت طائرة ثالثة في ديسمبر بنيران صديقة. أسقط الحوثيون منذ مارس سبع طائرات مسيرة أمريكية تُقدر قيمتها بنحو 200 مليون دولار أمريكي، وتجاوزت تكاليف العملية مليار دولار أمريكي. باختصار، أثبتت الحملة العسكرية أنها لم تكن آمنة ولا سهلة كما تصورتها الإدارة، فحتى أعضاء حزب ترامب نفسه بدأوا يشككون في جدوى كل ذلك.

لعل الأهم من ذلك، أن المراقبين المطلعين أشاروا مراراً وتكراراً إلى أنه في غياب الدعم الجوي المستمر وعملية برية منسقة، فإن فرص الغارات الجوية في إزاحة الحوثيين أو الحد من قدرتهم على بسط قوتهم في البحر الأحمر ضئيلة. تحملت الجماعة الغارات الجوية من التحالف الذي تقوده السعودية على مدى ما يقرب من عقد من الزمن، وهي متمركزة في التضاريس الوعرة لشمال اليمن، ولها دوافع عقائدية متطرفة.

كانت هناك الكثير من الآمال والتكهنات بحدوث هجوم ضد الجماعة، بهدف استعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي أو حتى العاصمة صنعاء، وتمهيد الطريق لسلام عن طريق التفاوض وإنهاء قبضة الجماعة الوحشية على البلاد. بحسب ما ورد، شجعت الولايات المتحدة الجماعات المسلحة المحلية على القتال، كما أن الإمارات العربية المتحدة تواصلت مع واشنطن بشأن خطة لشن هجوم منسق، على الرغم من نفي أبوظبي لذلك. أرسلت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الأسلحة، ودفعت تكاليف التعزيزات للقوات التابعة لكل منهما في البلاد، وتنافس القادة المحليون على الدعم وانتظروا الأمر.

كعادة ما يحدث في اليمن، ربما تضاءلت فرصة شن هجوم منسق بسبب التنافس والخلاف بين داعميها الخليجيين، حيث أفادت التقارير عن وجود خلاف بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حول مسار العمل وأدوار القوات المختلفة. لا يمكن المبالغة في مدى هذا الانقسام – فهو مسؤول بشكل مباشر عن انقسام الحكومة اليمنية وعجزها، ويتسبب في نشوء ديناميكيات مماثلة في السودان. ربما أدركت الولايات المتحدة أنه لا يوجد شريك مناسب لعملية أوسع نطاقاً ضد الحوثيين؛ بل ربما كانت تشعر بالقلق إزاء الدور البارز للمقاتلين السلفيين في أي هجوم مقترح. مع تضاؤل الأمل في تحقيق نجاح أوسع نطاقاً، وفي ظل المفاوضات الجارية مع إيران، أتاح وقف إطلاق النار فرصة لفك الارتباط وإعلان النصر. لا شك أن ولع ترامب بالعلاقات القائمة على الصفقات، وفرصة تأمين الحصول على تنازل استعصى على سلفه، قد جعل الاتفاق أكثر جاذبية.

ربما تكون الولايات المتحدة قد حصلت على وعد بإنهاء الهجمات في البحر الأحمر، لكن هذه الهجمات لم تكن ناجحة قط كحصار للموانئ الإسرائيلية، ولم تكن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل بشكل خاص فعالة على الإطلاق. لم يغير أي منهما المسار المدمر الذي تتبعه إسرائيل في غزة، إن كان هذا هو المقصود أصلاً، لكن المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة كانت بمثابة نقلة نوعية في مكانة الجماعة الإقليمية وشرعيتها المحلية، إذ ملأت صمت العواصم الغربية بحملة تضامن علنية واسعة النطاق مع الفلسطينيين، وكانت هناك آثار حقيقية، لكنها كانت في الغالب محلية، حيث استغل الحوثيون شهرتهم الواسعة التي اكتسبوها لقمع المعارضة المحلية، وتعزيز التجنيد، وتكريس حكمهم الاستبدادي.

لا يترك وقف إطلاق النار الوضع العسكري في اليمن مختلفاً كثيراً عما كان عليه عندما استأنفت الولايات المتحدة القصف في منتصف مارس. في حين أن الحوثيين قد تضرروا بالتأكيد من الغارات الجوية الأمريكية، إلا أن الضرر لم يكن كافياً لوقف نشاطهم في البحر الأحمر، ولم يتنازلوا إلا عن القليل في الاتفاق. الموافقة على وقف الهجمات على السفن لا تفعل شيئاً للحد من سلطتهم في اليمن، أو ضغطهم على المملكة العربية السعودية، أو قدرتهم على ضرب إسرائيل. أعلنت الجماعة وقف هجماتها في 16 يناير رداً على وقف إطلاق النار في غزة، ولم تستهدف أية سفينة تجارية منذ نوفمبر الماضي. أثبتت الجماعة الآن قدرتها على ضرب إسرائيل بشكل مباشر، وهو ما يكفي لدعايتها، وبوسعها الآن أن تتباهى بأنها تحدت القوة العسكرية الأميركية، ويبدو أنها استبقت تنسيق هجوم مشترك أوسع نطاقاً في اليمن.

المستقبل غير واضح. إن وقف إطلاق النار ليس سوى تقارب مؤقت للمصالح في تعليق العمليات العسكرية النشطة. في 9 مايو، أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً آخر باتجاه مطار بن غوريون، عقب أنباء عن هجوم جديد على غزة. إذا استمر الحوثيون في ضرب إسرائيل، فإنه من الممكن أن تنضم الولايات المتحدة مرة أخرى إلى المعركة بكل سهولة، ولكن في الوقت الحالي، فإن عتبة العودة إلى الاشتباك هي استهداف المواطنين الأمريكيين.

كانت الأهداف المعلنة للتدخل الأمريكي في اليمن بسيطة: استعادة حرية الملاحة؛ والردع الأمريكي، وكان إنجاز الهدف الأول كافياً على الأرجح لإثبات الهدف الثاني. مع وعد قدمه الحوثيون لوقف إطلاق النار، ودخول المحادثات مع إيران جولة رابعة في مسقط، يستطيع ترامب أن يدعي أنه نجح، لكن احتمال حدوث المزيد من المواجهة بين إسرائيل والحوثيين يقوض الاتفاق، وأي تقييم لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران يبدو مستحيلاً إلى أن يتم إعلان بنوده ومقارنتها بالاتفاق الذي انسحب منه ترامب عام 2018، مع ذلك، فإن بعض الأمور باتت واضحة بالفعل. إن تدمير مرافق الموانئ والبنية التحتية اليمنية، والأثر الضار للعقوبات، والخفض المتزامن للمساعدات، كلها عوامل تهدد تقديم الإغاثة الإنسانية، وتنذر بتفاقم معاناة الشعب اليمني الذي أنهكته الحرب.

مشاركة