إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

التحوط الاستراتيجي: زيارة الأمير السعودي خالد بن سلمان إلى طهران

Read this in English

توجهت الأنظار إلى العاصمة الإيرانية طهران، مع وصول وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، إليها في 17 أبريل، وتعد هذه الزيارة التي رافق الوزير فيها عدد من كبار المسؤولين السعوديين منهم محمد الجابر، السفير السعودي في اليمن، أهم تطور في العلاقات السعودية الإيرانية منذ التقارب بين البلدين بوساطة صينية عام 2023، وتشير زيارة الأمير خالد إلى تحول نوعي في نهج المملكة العربية السعودية تجاه علاقاتها الإقليمية، خصوصاً مع خصمها اللدود: إيران.

لا يمكن إغفال الدلالة الرمزية التاريخية لهذه الزيارة، فمنذ الثورة الإيرانية عام 1979، لم يزر إيران سوى وزير دفاع سعودي واحد هو الأمير سلطان بن عبد العزيز، عام 1999، وأسفرت تلك الزيارة عن نتيجتين رئيسيتين: زيارة غير مسبوقة للرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى المملكة العربية السعودية؛ وتوقيع اتفاقية أمنية ظلت معلقة حتى تم تفعيلها عام 2023، عقب اتفاق بكين.

تأتي زيارة الأمير خالد في لحظة سياسية معقدة، مليئة بالفرص لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وتعكس صعود شقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كلاعب رئيسي في السياسة الخارجية السعودية، فمنذ توليه منصب وزير الدفاع، أشرف على بعض الملفات الأكثر تعقيدًا وحساسية: العلاقات مع الولايات المتحدة؛ والملف اليمني؛ والوضع في سوريا ولبنان؛ والآن العلاقات مع إيران. يشير نقل ملف إيران من مستشار الأمن القومي مسعد العيبان، إلى الأمير خالد، إلى أن طهران لن تعامل بعد الآن كحالة هامشية، بل كعنصر أساسي في الحسابات الاستراتيجية السعودية. تأتي هذه الزيارة عقب إشارات إيجابية في العلاقات بين البلدين، ففي نوفمبر 2024، زار رئيس أركان القوات المسلحة السعودية فياض الرويلي، طهران، والتقى بنظيره الإيراني، في إشارة واضحة إلى الرغبة في فتح قنوات للحوار حول القضايا العسكرية، أو على الأقل بناء جسور التفاهم.

في الوقت نفسه، تتقدم المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، حيث عقدت الجولة الأولى في مسقط، ومن المقرر عقد محادثات أخرى في روما نهاية الأسبوع، وسط ما يوصف بأنها أجواء “إيجابية”. يبدو أن مبادرة الرياض تهدف إلى ضمان عدم استبعادها من أية مكاسب قد تنشأ عن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران.

من هذا المنظور، يمكن النظر إلى الزيارة على أنها جزء من استراتيجية سعودية أوسع، تهدف إلى إعداد المملكة لمجموعة من السيناريوهات المحتملة من اتفاق نووي جديد إلى تصعيد عسكري. تسعى الرياض إلى وضع نفسها في مركز ديناميات القوة الإقليمية من خلال تنويع خياراتها واستعادة علاقاتها مع خصومها السابقين، وهو النهج الذي يعكس إدراكاً متزايداً بأن الاعتماد الحصري على واشنطن لم يعد كافياً. تدرك الرياض جيداً أنها استبعدت من المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي عام 2015، مما أدى إلى خلق وضع إقليمي غير متوازن يهدد مصالحها الوطنية، وقد ساهم هذا الشعور بعدم الأمان في نهاية الأمر، وقرارها بالتدخل عسكرياً في اليمن ضد الحوثيين. عندما انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق خلال ولايته الأولى، وجدت السعودية نفسها تدفع الثمن مرة أخرى، حيث استُهدفت بنيتها التحتية للطاقة وتعرّض أمنها الداخلي للتهديد، وبالتالي لن تتسامح المملكة مع تكرار هذا النمط.

في هذا السياق، يمكن تفسير رفض السعودية العلني للتدخل في عملية عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، قبل يوم واحد فقط من زيارة الأمير خالد، على أنه خطوة استراتيجية، ويأتي ذلك على الرغم من التقارير الإعلامية السابقة التي نشرتها وسائل الإعلام السعودية عن “معركة وشيكة”، كما نفت الإمارات العربية المتحدة الاستعداد لشن عملية عسكرية، مما يسلط الضوء على اختلاف المقاربات بين دول الخليج وواشنطن. يبدو أن الرياض تحاول النأي بنفسها عن التصعيد مع فتح باب التفاهم مع طهران، وقد يسهل ذلك التوصل إلى تسوية جديدة تمنح الرياض نفوذاً غير مباشر على الحوثيين، الذين لا يزالون حلفاء لإيران.

ترتبط هذه الديناميكية ارتباطاً وثيقاً بطموح السعودية للعب دور في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. أعرب الأمير خالد أثناء زيارة له إلى واشنطن، عن استعداد الرياض للعب دور الوسيط. من المرجح أن تتم في طهران مناقشة اقتراح لاتفاق “مجموعة 5+2” تشارك فيه السعودية، إلى جانب إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. في مثل هذا السيناريو، من المرجح أن تستضيف الرياض حفل التوقيع، الذي سيُنظر إليه على أنه انتصار رمزي وسياسي يعزز طموحات المملكة في أن تصبح قوة دبلوماسية ذات نفوذ دولي.

إن رغبة السعودية في لعب دور مباشر في المحادثات ليست جديدة، ففي أواخر التسعينيات، عندما التقطت المملكة إشارات انفتاح بين إدارة كلينتون وطهران، أرسلت الأمير سلطان إلى إيران، وهو إجراء مهد الطريق لاحقاً لزيارة الرئيس خاتمي إلى المملكة، وعام 2023، سارعت السعودية إلى إعادة تفعيل اتفاق أمني قديم، وتوقيع اتفاق مصالحة مع إيران برعاية صينية، بالتوازي مع استئناف إدارة بايدن للمفاوضات مع طهران. في كل حالة من تلك الحالات، كان هدف السعودية هو نفسه: تجنب التطورات المفاجئة أو فرضها دون مشاركتها.

سيُقاس نجاح هذه الزيارة على المدى القصير بعدد من المؤشرات، وقد تشمل هذه المؤشرات زيارة رسمية للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الرياض، ومناقشات حول اتفاقية دفاع مشترك، وتراجع التحريض السياسي والإعلامي حول عملية برية وشيكة في اليمن، وتنازلات من الحوثيين بما يتماشى مع التفضيلات السعودية الأمريكية، وإحراز تقدم في الحوار اللبناني المقترح بهدف وضع أسلحة حزب الله تحت سيطرة الدولة.

مشاركة