إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

الفيدرالية في اليمن: محفّز للحرب، واقع الحاضر، والمستقبل الحتمي

Read this in English

ملخص تنفيذي

كان مقترح تقسيم اليمن ضمن نظام فيدرالي عام 2014 أحد الأسباب الرئيسية للنزاع الحالي، حيث كان من المفترض أن تضع الخطة التي اقترحها الرئيس عبد ربه منصور هادي البلاد على الطريق نحو مستقبل أكثر سلاماً من خلال معالجة مظالم محلية قديمة تجاه الحكومة المركزية. نبع هذا الاستياء إلى حد كبير من شعور بالظلم فيما يتعلق بالتنمية غير العادلة في البلاد، واحتكار السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية في العاصمة صنعاء. رغم ذلك، فإن مقترح الفيدرالية لم ينجح في منع اندلاع الحرب ولم يقلل من مشاعر الغضب والاستياء للمناطق اليمنية المختلفة بل فاقمها وتصاعدت مطالبها نحو الحكم الذاتي.

كان الإخفاق الرئيسي في مقترح الرئيس هادي لليمن الفيدرالي افتقاره إلى آلية يتم من خلالها توزيع عائدات البلد من الموارد الطبيعية على مختلف الأقاليم. ومن خلال هذا الإغفال، كان من شأن المقترح أن يؤدي لنشوء أقاليم ذات كثافة سكانية منخفضة تتمتع بتحكم ذاتي بمواردها الطبيعية، مع ترك الأقاليم ذات الكثافة السكانية العالية بدون موارد – لا سيما العاصمة والمناطق الشمالية الأخرى – والتي كانت تعتمد في السابق على هذه الموارد. كما أن مقترح هادي حرم أيضاً جماعة الحوثيين المسلحة من أي منفذ بحري، وهو ما عارضته قيادة الجماعة بشدة.

ومنذ بداية الصراع القائم، واصل الرئيس هادي الترويج للخريطة الفيدرالية لعام 2014 كوسيلة لتحسين احتمالات الاستقرار على المدى الطويل في سيناريو ما بعد النزاع. وبالنظر إلى المعارضة الشديدة التي واجهتها الخطة لدى كشف النقاب عنها، وتحولها إلى عامل رئيسي لتحفيز التوسع العسكري والسياسي لقوات الحوثيين، فإن الدعم الشعبي بعد انتهاء الصراع لنسخة الرئيس هادي من الفيدرالية يبقى أمراً مستبعداً للغاية.

لقد تغيرت الحقائق على أرض الواقع بشكل ملحوظ نتيجة للعنف والركود السياسي والعسكري الذي طال أمده، مما أدى إلى حالة أصبحت فيها الفيدرالية في اليمن بإحد أشكالها أمراً لا مفر منه. الواقع أن اليمن غير المركزي (الفيدرالي) قد أصبح أحد النتائج الفعلية للحرب حتى الآن، فقد تزايدت دعوات القوى السياسية في جنوب اليمن التي انضمت إلى حكومة هادي ضد تحالف الحوثي – صالح، إلى الحكم الذاتي وحتى إلى الانفصال، ويملك المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مجموعة انفصالية تدعمها الإمارات، سلطة سياسية أكثر مما يمتلكه هادي في عدن – العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية –. وفي الوقت نفسه حققت المحافظات الغنية بالنفط والغاز مثل مأرب وحضرموت درجة كبيرة من الاستقلالية السياسية والسيطرة على مواردها الطبيعية خلال الصراع. نتيجة لذلك، فإن السكان داخل هذه المناطق يعارضون بشكل عام العودة إلى موقعهم السياسي والاقتصادي الخاضع في السابق.

من المرجح لدى الغالبية أن احتمال تحقيق نصر عسكري لأي طرف في الصراع الدائر ضئيل للغاية. فبعد أي نهاية تفاوضية محتملة للنزاع الدائر وأي عملية مصالحة لاحقة، من الضروري إجراء نقاش واسع النطاق حول موضوع الفيدرالية – وبدائل أخرى ممكنة – لتجنب تكرار أخطاء العملية السياسية المعيبة التي أدت إلى الحرب الحالية. وبدلاً من تأجيل هذه النقاشات إلى ما بعد انتهاء النزاع، ينبغي إجراء مباحثات تمهيدية مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة لفهم مطالبهم ورؤاهم الرئيسية للحكم في اليمن في مرحلة ما بعد النزاع، ويجب أن تتم هذه المساعي الدبلوماسية بالتوازي مع محادثات السلام الحالية التي تدعمها الأمم المتحدة لإنهاء النزاع.

أصول الهيمنة الشمالية في شمال اليمن

تنقسم اليمن تاريخياً ليمن أعلى تقع مناطقه في الشمال من جبال سماره الواقعة في وسط محافظة إب أي منطقة شمال صنعاء، وتسمى منطقة قبائل همدان المقصود فيها قبيلتي حاشد وبكيل ويغلب على سكانها المذهب الزيدي (شيعي)، بينما اليمن الأسفل يقع جنوب جبل سماره وغالبيتهم من قبائل مذحج ومعظم سكانها ينتمون للمذهب الشافعي (سني)، اضافة للمناطق الشرقية والغربية التي يغلب عليها المذهب الشافعي.

يهيمن الشماليون الزيود في اليمن تاريخياً على النخبة السياسية والقبلية والعسكرية شمال البلاد.[1] الزيدية هي مدرسة إسلامية غير موجودة خارج اليمن، وعلى الرغم من أنها فرع من الإسلام الشيعي، إلا أنها تعتبر أقرب من الناحية العقائدية إلى الإسلام السني. وقد حكمت الأوتوقراطية الدينية الزيدية، المعروفة باسم “الإمامة”، اليمن الشمالي لعدة قرون، ونجحت خلال مراحل مختلفة من التاريخ في توسيع مساحتها ووصولها إلى أجزاء من المناطق الجنوبية لليمن. كما أورث حكم الإمامة الطويل اعتقاداً لدى بعض أركان التراتبية الزيدية (أهل البيت) حول حقهم الإلهي في حكم اليمن، يمكن أن يعزى هذا الاعتقاد أساساً إلى حقيقة أن الانتساب لبني هاشم (احفاد علي بن أبي طالب وابنة الرسول فاطمة) كان شرطاً اساسياً للوصول للحكم حسب نظرية الإمامة الزيدية.

لم يكن للثورة الجمهورية عام 1962، والتي أدت إلى الإطاحة بالإمامة وتشكيل الجمهورية العربية اليمنية تأثيراً كبيراً في فكفكة سيطرة اليمن الأعلى على المشهد السياسي والعسكري في شمال البلاد. خلال الحرب الأهلية 1962 – 1970 اللاحقة، نجح الجمهوريون بدعم من مصر في مقاومة المحاولات الملكية المدعومة من السعودية لاستعادة الإمامة.[2] خلال عام 1968، وبينما كانت الحرب الأهلية في اليمن الشمالي تتراجع، أخذت التوترات الكامنة وتصفية الحسابات على الجانب الجمهوري تنمو بشكل أكثر وضوحاً بين ابناء المناطق الشمالية (الزيود) وابناء المناطق الوسطى (تحديداً تعز) الشوافع، وكانت النتيجة النهائية إقصاء الفصائل العسكرية ذات الأغلبية الشافعية.

انتهت الحرب الأهلية لكن لم تستقر الأوضاع في شمال اليمن، فقد جرت سلسلة من الانقلابات والاغتيالات أطاحت بثلاثة رؤساء على التوالي: عبد الرحمن الإرياني، إبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي.[3] افترض كثيرون أن علي عبد الله صالح، وهو من أصول قبلية شمالية، تولى السلطة عام 1978، سيعاني بسرعة من مصير مماثل لمصير أسلافه، إلا أنه نجح في بناء شبكة محسوبيات خاصة به كمحاولة لتوطيد السلطة، أتى معظمها من خلال حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه وبقي يقوده حتى وفاته. وقد تمثلت شبكة صالح، والعمود الفقري لحكمه الذي استمر 33 عاماً، بشكل كبير في: (1) الجهاز العسكري والأمني العائلي والقبلي الذي كان عدد كبير من رجال القبائل المنحدرين من سنحان (قبيلة صغيرى من حاشد تقع جنوب صنعاء يشكلون القيادات العسكرية والأمنية (2) توزيع ريع النفط لشراء الولاء بعد اكتشاف النفط في منتصف الثمانينات.[4]

صالح، الوحدة، الحرب الأهلية، التهميش المتزايد

كان شمال اليمن وجنوب اليمن كيانين سياسيين منفصلين، ففي القرن العشرين كان الشمال محكوماً من قبل نظام حكم الإمامة الزيدية انتهى بإعلان النظام الجمهوري عام 1962 وبعد حرب أهلية سبع سنوات. أما في الجنوب، كانت بريطانيا تحتل عدن منذ عام 1839 وحتى 1967كما ارتبطت باتفاقات حماية ببقية مشايخ الجنوب وسلاطينه. في عام 1969، بعد عامين من انسحاب البريطانيين من الجنوب، أصبحت البلاد لاحقاً دولة حزب واحد تدور في فلك الاتحاد السوفياتي – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني.[5]

شهدت جمهورية اليمن في الجنوب اقتتالاً متكرراً بين قادة الحزب الاشتراكي اليمني الذين اختلفوا حول اتجاهات الحزب. في عام 1986، وقعت حرب أهلية قصيرة ولكن دموية بعدما قام الحرس الشخصي للرئيس السابق علي ناصر محمد باغتيال نائب الرئيس ووزير الدفاع ومسؤولين آخرين خلال اجتماع المكتب السياسي، وقد لقي أكثر من 10 آلاف شخص مصرعهم لاحقاً خلال النزاع الذي دام أسبوعين. فتحت الحرب الاهلية الجنوبية عام 1986 خط تماس اجتماعي وسياسي وجغرافي قوي، بعد أن دعمت وحدات عسكرية من محافظات الضالع ولحج بعضها البعض، برزت بصفتها المنتصرة في حرب أهلية ضد الوحدات القادمة من محافظات أبين وشبوة، والتي كانت على الجهة الخاسرة في النزاع. وقد فر علي ناصر محمد وأنصاره – ومنهم الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي – إلى شمال اليمن بعد هزيمتهم.

نجا عضو المكتب السياسي علي سالم البيض من المجزرة وأصبح زعيم جنوب اليمن بعد الحرب. بعد ذلك بوقت قريب أخذ البيض يضغط من أجل تحقيق الوحدة مع الشمال بعد تراجع المساعدات السوفيتية المقدمة إلى الجنوب في الفترة التي سبقت انهيار الاتحاد الشيوعي. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر البيض الوحدة مع اليمن الشمالي وسيلة لتجنب المخاطر التي كان يواجها، أولاً من داخل الحزب الاشتراكي اليمني المنقسم داخلياً، وثانياً التهديد التي كان يتبدى له من جانب الضباط الجنوبيين المنحدرين من الضالع ولحج، والذين أصبحوا أكثر قوة في أعقاب الحرب الأهلية في الجنوب.

بالنسبة إلى صالح، كانت الوحدة فرصة للسيطرة على كل من شمال اليمن وجنوبه. في عام 1990 تم تشكيل الجمهورية اليمنية. غير أن الشطرين في الواقع لم يصبحا بلداً واحداً سوى بالاسم. فقد كان الاندماج نتاج عملية مستعجلة وغير مدروسة قادها كل من صالح والبيض، حيث أصبح الأخير نائباً لصالح بعد الوحدة، حيث كان اتفاق الاندماج نفسه أقصر من صفحتين مكتوبتين. وبعد فترة وجيزة من تأسيس الجمهورية اليمنية الموحدة، سعى صالح لتهميش قيادات الجنوب، ولا سيما البيض نفسه.[6] وكان من اللافت عدم اندماج القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) بقيادة صالح مع قوات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن).

لذا كان من المنطقي أن تتوتر العلاقات بين طرفي الوحدة وتنفجر الأزمة السياسية في أبريل عام 1994 في حرب أهلية بين الشمال والجنوب.

انتهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب بعد توغل قوات صالح في عدن ونهبها ووضعها نهاية للطموحات الانفصالية الجنوبية مؤقتاً. مع هزيمة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب، تم تسريح معظم ضباط جيش جنوب اليمن تحت بند التقاعد المبكر، وفقط الوحدات الجنوبية التي ساعدت صالح في الانتصار بالحرب جرى ضمها إلى الجيش اليمني، وعين الرئيس السابق صالح عبدربه منصور هادي نائباً جديداً لرئيس الجمهورية.

تزايد السخط تجاه تمركز السلطة في صنعاء

احتفظت الذاكرة الجنوبية بمرارة عملية الوحدة السريعة، وتمركز السلطة في صنعاء، والحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994، حتى تعززت نظرة الجنوبيين للشمال كقوة احتلال وقمع بسبب ممارسات بعض النخبة الشمالية الذين أخذوا يستولون على أراضي الجنوب ويبيعونها – وهي ممارسة بدأت مع الحرب الأهلية عام 1994 واستمرت بعدها. إضافة إلى ذلك، شعر الجنوبيون بالضيم لأنهم، كالغالبية العظمى من اليمنيين، لم يصلهم إلا أقل القليل من الاستحقاقات المالية الناجمة عن الموارد الطبيعية المحدودة في اليمن. بالإضافة إلى حقول النفط والغاز الواقعة في مأرب والجوف في شمال اليمن، تم اكتشاف نسبة كبيرة من موارد النفط في اليمن في محافظات حضرموت وشبوة الشرقيتين، واللتين كانتا سابقاً جزءاً من جمهورية الجنوب.

عوضاً عن توزيع موارد ثروات اليمن الطبيعية بشكل عادل في جميع أنحاء البلاد، قام صالح بتحويل الإيرادات لتمويل شبكة المحسوبيات المركزية الخاصة به. وكما أشير سابقاً، كان آل صالح ورجال القبائل الشمالية – ولا سيما المناطق التي تشكل الحزام القبلي المحيط بصنعاء – هم المستفيدين الرئيسيين من موارد البلد الاقتصادية ،ايضاً تمتع هؤلاء بمعاملة تفضيلية فيما يتعلق بالإنفاق والتوظيف الحكومي وغير ذلك، ولا سيما في الأجهزة العسكرية والأمنية.

من الأسباب التي ضاعفت الشعور بالظلم والاستياء الكامن في المناطق الجنوبية لليمن هو قمع قوات الأمن للضباط الجنوبيين المتقاعدين قسراً في عام 2007 عندما بدأوا يطالبون بمعاشات تقاعدية أو بالعودة إلى العمل، مما أدى إلى تشكل الحراك الجنوبي – والذي يشار إليه عادة باسم “الحراك”. ومنذ تشكل الحراك ارتفعت الأصوات المطالبة باستقلال الجنوب بشكل مطرد.

انتشرت المعارضة المتنامية لحكم صالح باتجاه مناطق أخرى من البلاد بسبب تردي وتفشي الفساد المؤسسي ورأسمالية المحسوبية[7]، وقد وصل الإحباط من مستويات الفساد والتفاوت التي وسمت حكم صالح أوجه أوائل عام 2011 خلال ما سمي “الربيع العربي”، حيث احتل الشباب والناشطون في مدن تعز وصنعاء وعدن الساحات العامة، بوحي من الأحداث التي جرت في مصر وتونس، وأخذوا يطالبون صالح بالتنحي.

بالتوازي مع الاحتجاجات السلمية التي قادها الشباب والناشطون واستمرت حتى شباط/فبراير 2012م بعد توقيع صالح على المبادرة الخليجية التي توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي لتكون بمثابة خارطة طريق للتحول السياسي السلمي في البلاد. وتبعاً لشروط المبادرة، استقال صالح وسلم الرئاسة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، مقابل الحصول على حصانة له وشركائه في السلطة من الملاحقة القضائية على استخدام القوة ضد الاحتجاجات، أو على أية جرائم ارتُكبت خلال 33 سنوات له في السلطة.

كانت جماعة الحوثيين المسلحة – وهي جماعة زيدية احيائية تشكلت في محافظة صعدة – قد دعمت في البداية الاحتجاجات ضد صالح، وأعلنت قيادة الجماعة استعدادها للمشاركة في الانتقال السياسي ضمن إطار المبادرة الخليجية، رغم رفضها التوقيع على المبادرة وادانتها لها رسمياً.

أما بالنسبة لصالح، فقد اتبع بعد إبعاده من المنصب تكتيكات مشابهة لتلك التي اتبعها عام 1994 من حشد مناطقي لمحاربة خصومه السياسيين والانتقام ممن اعتبرهم مسؤولين شخصياً عن الإطاحة به.[8]

مؤتمر الحوار الوطني والخريطة الفيدرالية

كان أحد المكونات الرئيسية لعملية الانتقال السياسي المزمعة لمدة عامين مؤتمر الحوار الوطني، الذي استمر من 18 مارس / شباط 2013 إلى 25 يناير / كانون الثاني 2014. وضم مؤتمر الحوار الوطني 565 مندوباً من مختلف الأحزاب السياسية الرئيسية والمجموعات الاجتماعية المختلفة في اليمن.[9] وقد قدم مؤتمر الحوار الوطني لهؤلاء فرصة للتعبير عن آرائهم في إعادة صياغة النظام الحاكم في البلاد من خلال مشاورات تهدف لمعالجة عدد من القضايا الهامة وغير المحسومة، ومنها دين الدولة؛ والإصلاح السياسي؛ والعدالة الانتقالية؛ والقضايا الاجتماعية مثل زواج الأطفال؛ والأهم ربما من كل ذلك هيكل الدولة وشكل الحكم، مع تحديد الفيدرالية لاحقاً كخيار أساسي في هذا الصدد.

سعى مؤتمر الحوار الوطني أيضاً إلى معالجة حروب صعده والحراك الجنوبي، وقد نوقشت هذه القضايا والمظالم وغيرها في إطار تسع مجموعات عمل منفصلة.[10]

بدت مجموعات العمل الخاصة بالقضايا الجنوبية وبناء الدولة الأكثر تسبباً بالانقسامات خلال مجريات مؤتمر الحوار الوطني، ويرجع هذا إلى اختلاف وجهات النظر حول ما إذا كان يجب أن تبقى اليمن دولة مركزية موحدة، أو أن تنقسم إلى دولتين على النحو الذي طالب به المتشددون الانفصاليون، أو أن يعاد تشكيلها ضمن نموذج فيدرالي جديد لم يتحدد بعد. رفض أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام (وكان صالح لا يزال الزعيم الرسمي للحزب) إلى حد كبير أي شكل من أشكال الفيدرالية. أما حزب الإصلاح الإسلامي المحافظ والحزب الناصري فعارضا بشدة تقسيم اليمن إلى إقليمين فيدراليين. وبالنسبة لفصائل الحراك الجنوبي المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني فقد كان الاتحاد الفيدرالي المكون من إقليمين هو حلها المفضل. أما المندوبون الحوثيون فتذبذبوا بين هذه المواقف، معلنين دعمهم لليمن الموحد في بعض الأحيان مع انفتاحهم على فكرة الاتحاد المتعدد الأقاليم أو من إقليمين. كان دعم ممثلي الحوثيين للنظام الفيدرالي متوقفاً إلى حد كبير على ما إذا كانت جماعتهم ستحظى بمنفذ بحري وميناء (لإقليم آزال) ضمن الاتحاد الفيدرالي الجديد.

من المهم الإشارة إلى أن ممثلي الجنوب الذين شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني من تم اختيارهم من الفصائل بين الأقل نفوذاً ضمن الحراك الجنوبي. وقد تجلى ذلك من خلال تعيين محمد علي أحمد – وهو مسؤول كبير سابقاً في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولكنه من الذين عاشوا في الخارج معظم السنوات التي أعقبت الحرب الأهلية عام 1994 – رئيساً لمجموعة العمل الخاصة بالقضية الجنوبية. وقد رفض القادة الجنوبيون الآخرون الأكثر شعبية وتشدداً المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك البيض ورئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي حسن باعوم. ويعود عدم الاتفاق حول مؤتمر الحوار الوطني بين فصائل الحراك الجنوبي لغياب أي طابع تنظيمي للحراك، وكذلك غياب أية محاولات بناء ثقة من قبل الحكومة لهذه الفصائل.[11]

مع اقتراب انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في 25 يناير / كانون الثاني 2014، لم يكن قد تم التوصل إلى أي إتفاق حول إعادة تشكيل الدولة اليمنية. في الجلسة الختامية، أعلن الرئيس هادي تشكيل لجنة رئاسية مكلفة بصياغة نموذج فيدرالي جديد للبلاد. اثناء إعلان هادي الأحادي عمت الفوضى الجلسة الختامية، حيث قام الحوثيون والحزب الاشتراكي وعدد من الممثلين المستقلين المعترضين بسحب وفودهم من مؤتمر الحوار الوطني قبل توقيع الاتفاق النهائي. حاول الرئيس هادي تفادي انسحاب هذه الأطراف من خلال الحصول على توقيعات أفراد آخرين داخل وفودهم بشكل مباشر، لكن ذلك فشل في نهاية المطاف باستثناء ممثل واحد عن الحزب الاشتراكي.

بإعلانه الأحادي لتشكيل اللجنة وتنفيذ توصياتها، كان هادي يتصرف بسلطة تنفيذية تتجاوز الصلاحيات التي منحته إياها المبادرة الخليجية كرئيس لمرحلة انتقالية. كما جاء قرار الرئيس هادي القاضي بتشكيل لجنة دون توضيح المعايير – السياسية والمهنية – التي سيتم اختيار أعضاء اللجنة على أساسها، وقد شكل هذا انتهاكاً مباشراً لمبادئ الشفافية التي تم تشكيل الحكومة الانتقالية بموجبها. قام هادي نفسه بترؤس اللجنة وكان معظم أعضائها محسوبين عليه شخصياً.

بعد ذلك بدأت اللجنة بمحاولة رسم الخريطة الفيدرالية الجديدة والمصادقة عليها قبل انقضاء الفترة الانتقالية منتصف فبراير / شباط 2014 بحسب المبادرة الخليجية لكي يليها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. في 10 فبراير / شباط 2014، بعد أقل من أسبوعين من تعيين هادي لأعضاء اللجنة، قامت اللجنة بالمصادقة على خريطة فيدرالية مثيرة للجدل قسمت اليمن إلى ستة أقاليم، أربعة منها في الشمال واثنان في الجنوب.

بدأ التقسيم الفيدرالي المعلن للكثيرين قائماً على دوافع وحسابات سياسية قصيرة الأمد وليس على أية اعتبارات جغرافية أو ديموغرافية أو اقتصادية-اجتماعية. رأى الكثير من اليمنيين أن اللجنة الرئاسية هيئة تشكلت خصيصاً لإضفاء شرعية لمقترح تم الإعداد له قبل انتهاء المؤتمر حيث تداولته ونشرته وسائل الأعلام قبل حتى تشكيل اللجنة. وبينما ما تزال عملية وضع المقترح محل خلاف، لم تحظ النتيجة النهائية برضا خصوم هادي السياسيين.[12]

نموذج هادي الفيدرالي المثير للجدل

الفشل في تقدير الحقائق الاقتصادية والديمغرافية

كان منبع الفشل الأساسي في مقترح الرئيس هادي لفدرلة اليمن هو افتقاره إلى آلية واضحة عادلة لتوزيع إيرادات الموارد الطبيعية للبلاد على مختلف الأقاليم، فالخريطة الفيدرالية التي وضعها هادي لم تبد اهتماماً كبيراً في الحاجة إلى الموازنة بين المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة لكن الغنية بالنفط والغاز وبين المناطق التجارية والزراعية ذات الكثافة السكانية الأعلى نسبياً.

إن إقليم أزال، الذي كان من المقرر أن يشمل من ضمن ما يشمل محافظة صنعاء وذمار وعمران وصعدة، خالٍ من أي موارد طبيعية أو حتى منفد بحري (كان من المقرر أن تكون مدينة صنعاء نفسها كياناً مستقلاً ضمن النظام الفيدرالي)، مما كان سيضر بالنخبة الشمالية (بالأخص) التي تستفيد من العائدات المستخرجة من أماكن أخرى في اليمن، أي موارد النفط والغاز في مأرب والجوف وحضرموت وشبوة. لقد فشلت خطة التقسيم الفيدرالية أساساً في فهم واستيعاب التأثير السلبي المحتمل لعزلة إقليم أزال عن الموارد الاقتصادية الرئيسية في منطقة تعتمد على التوظيف والإنفاق الحكومي المركزي.

وفي حين وضعت خطة الفيدرالية أهالي أزال في موقف هش، نظراً لاعتمادهم على عائدات الاستخراج من أماكن أخرى، فقد وضعت الخريطة الفيدرالية التي اقترحها هادي المحافظات الشمالية المجاورة الغنية بالنفط والغاز مثل مأرب والجوف في نفس الإقليم: سبأ.

إن إقليم سبأ، الغني بالموارد بحسب المعايير اليمنية، لم يكن ليزيد عدد سكانه عند إنشائه عن 1.5 مليون شخص. علاوة على ذلك، قام هادي أيضاً بجمع المحافظتين الجنوبيتين الغنيتين بالنفط حضرموت وشبوة معاً في إقليم حضرموت، والذي لا يضم ​​أكثر من مليوني شخص. ونتيجة لذلك فإن معظم موارد النفط والغاز المعروفة في البلاد ستتركز في إقليمين لا يمثلان سوى 13% من السكان.[13]

وبموجب الخريطة الفيدرالية المزمعة، كانت محافظتا إب وتعز ستكونان أصغر الأقاليم وأكثرها اكتظاظاً بالسكان: إقليم الجند. تعد إب موطناً لأراضي اليمن الصالحة للزراعة، بينما تعد تعز من المراكز الصناعية والتجارية الرئيسية في البلاد. تمثل كلا المحافظتين كتلة حرجة تتميز بمستويات عالية من الإنتاجية الزراعية والتجارية مقارنة ببقية البلاد. كما تمتلك إب وتعز بعض أعلى مستويات التعليم والوعي الاجتماعي في البلاد. ومع ذلك، فإن أبناء تعز – وبنسبة أقل إب – محرومون تقليدياً من الوصول إلى مواقع السلطة ومن أي عملية صنع قرار حقيقة، نظراً لأن المناصب العسكرية والأمنية تذهب عادة لنخبة القبائل في الشمال. وبالنسبة للتعزيين كان عدم التوازن الظاهر بين مساهماتهم الضريبية العالية وانخفاض مستوى تمثيلهم في مناصب السلطة مصدراً كبيراً من مصادر شعورهم بالظلم.

تعتبر الموانئ المنتشرة على طول الساحل اليمني مصدراً رئيسياً آخر من مصادر الدخل في البلاد.، فوفقاً للخريطة الفيدرالية المقترحة في فبراير / شباط 2014، كانت الموانئ الثلاث التي يمكن القول أنها تتمتع بمعظم إمكانات النمو الاقتصادي – الحديدة، وعدن، والمكلا – ستنتشر، على التوالي، في إقليم تهامة غربي البلاد، وإقليم عدن في الجنوب، وإقليم حضرموت في الشرق. وسيكون كل من إقليمي عدن وتهامة معتمدين إلى حد كبير على الإيرادات القادمة من الموانئ. في الوقت نفسه، غالبية واردات البلاد كانت تصل عبر ميناء الحديدة، ويستورد اليمن نحو 90% من احتياجاته الغذائية. لكن على الرغم من إمكاناتها الاقتصادية كانت موانئ عدن والحديدة تعاني من الكثير من المشاكل التشغيلية والاستثمارية.

رد فعل الحراك الجنوبي على خطة هادي الفيدرالية

رفضت فصائل الحراك الجنوبي بشكل صريح الخريطة الفيدرالية المقترحة لحظة كشف الستار عنها، فقد بدا تقسيم اللجنة الرئاسية للجنوب إلى إقليمين وكأن هدفه وضع أقاليم الجنوب ضد بعضها البعض وخلق انقسام داخل الحراك الجنوبي ودعواته للاستقلال. ثانياً، وبينما يمتلك أبناء محافظات عدن وحضرموت تطلعات قوية نحو استقلال الجنوب، إلا أن ثمة توتراً يدور حول اختلاف تصوراتهم تجاه شكل انفصال الجنوب، ثمة شعور قوي بوجود هوية مستقلة في محافظة حضرموت، مما يغذي رغبة لدى بعض الحضارم في تشكيل إقليم مستقل خاص بهم يكون مستقلاً عن المراكز الجنوبية الأخرى.

تجاهلت الخريطة الفيدرالية المثيرة للجدل التوترات والنزاعات داخل الجنوب، على سبيل المثال، لدى أبناء محافظتي المهرة وسقطرى عموماً شعور واضح بهوية مختلفة، وقد عارضوا المقترح الذي يقضي بإدراج مناطقهم ضمن إقليم حضرموت الكبرى. لم يكن ذلك مفاجئاً، بالنظر إلى النداءات المسبقة التي خرجت من كلا المحافظتين والمطالبة بالاعتراف بالمزيد من الحكم الذاتي المحلي لكل منهما.

يعزز هذه المشاعر بالهوية المستقلة الاحتجاجات المحلية الموجهة ضد الجهود السعودية والإماراتية لزيادة نفوذ البلدين في تلك المحافظات، مما يذكي مطالب أبناء المهرة وسقطرى بأقاليم مستقلة لهم ضمن أي نظام فيدرالي. ففي محافظة سقطرى، أجبرت التظاهرات الشعبية والاعتراضات الحكومية ضد الوجود العسكري الإماراتي في الجزيرة القوات الإماراتية على الانسحاب في مايو / أيار 2018. وفي العام نفسه قام القادة المحليون في المهرة، والتي تقع على حدود سلطنة عمان وتشترك معها بروابط تاريخية وثقافية واقتصادية، بتنظيم احتجاجات ضد الانتشار العسكري السعودي في المحافظة وضد الخطط التي أشيعت حول خط الأنابيب الذي تنوي السعودية انشاءه في المنطقة. إن معارضة الخريطة الفيدرالية المعلنة عام 2014 تنبع هنا بشكل كبير من رغبة السكان المحليين في الحفاظ على هوياتهم الثقافية الخاصة؛ ففي هذه المحافظات يتكلم الكثير من السكان لهجاتهم المحلية غير العربية أساساً.[14] على سبيل المثال، يتكلم أهالي المهرة اللغة المهرية، التي لعبت دوراً رئيسياً في الحفاظ على التماسك الاجتماعي والثقافة الفريدة من نوعها للمنطقة.

رد فعل جماعة الحوثيين على خطة هادي الفيدرالية

بالنسبة للحوثيين فإن الخريطة الفيدرالية لعام 2014 تتركهم معزولين في إقليم أزال دون نفاذ إلى البحر، وهو المطلب الذي رفعوه خلال مؤتمر الحوار الوطني، وقد قوت الخريطة بالتالي من عزمهم على فرض أنفسهم سياسياً وعسكرياً.

لم تتوقف حملة الحوثيين العسكرية رغم مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية المناهضة لصالح عام 2011 ومؤتمر الحوار الوطني لاحقاً. ففي البداية، حاربت قوات الحوثيين ضد السلفيين في بلدة دماج الصغيرة في معقل جماعة الحوثيين بمحافظة صعدة. بعد ذلك واجهت الجيش اليمني مع عناصر من حزب الإصلاح والقوات القبلية التابعة لآل الأحمر – وهو التطور الذي أثار اهتمام الرئيس السابق علي عبد الله صالح[15]، الذي وجد فيها فرصة للانتقام من خصومه، ومع دعم صالح، استمر التوسع العسكري لقوات الحوثيين في ​​شمال اليمن، وانتهى بسيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014.

وبالنظر إلى الأحداث في الفترة التي سبقت وصول قوات الحوثيين إلى العاصمة، برزت نقطتا اشتعال رئيسيتان. الأولى كانت الخريطة الفيدرالية المقترحة، والتي عارضها الحوثيون بشدة لأنها ستعزلهم بلا بحر أو أية موارد الطبيعية، فقد أفادت تقارير أن الحوثي أرسل رسالة إلى هادي واللجنة الرئاسية تطالب بمنفذ بحري قبل كشف النقاب عن الخريطة.[16] ولقي هذا الطلب في نهاية المطاف آذاناً صماء، وهكذا بدأت جماعة الحوثيين تسعى لمنع حكومة هادي من تنفيذ الخريطة الفيدرالية المقترحة بناء على الحقائق الجديدة والمتطورة على الأرض.

أما نقطة الاشتعال الكبيرة الثانية فتمثلت في قرار هادي خفض دعم الوقود بنسبة 90% في أغسطس / آب 2014. كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد نصحا الحكومة بالحد من الدعم ولو تدريجياً، غير أن هادي قرر التخفيض كاملاً بين ليلة وضحاها.[17] اتخذ الحوثيون هذه القرارات حجة للانقلاب على العملية السياسية لأنهم كانوا يخشون خوض انتخابات لن تعطيهم مكاسب سياسية تناسب حجمهم العسكري، حيث يمثل الحوثيين كتلة سياسية واجتماعية بسيطة لكنهم قوة عسكرية ضخمة، لذا اغتنمت جماعة الحوثيين المسلحة الاستياء الشعبي الذي أثاره هذا القرار وقدمت نفسها بوصفها نصيرة للمساواة الاقتصادية. وقد رأى جزء من سكان صنعاء في ذلك الوقت أن الحوثيين بديلاً معقولاً بالمقارنة مع حكومة هادي، والتي رأى فيها الكثير من اليمنيين حكومة فاشلة وفاسدة تماماً.

الفشل السياسي واللوجستي

كانت الأخطاء القاتلة التي ارتكبها هادي عام 2014 بخصوص الخريطة الفيدرالية نتائج طبيعية للاستعجال، والذي تفاقمت عواقبه أكثر نتيجة غموض البنود التي تضمنها الاتفاق النهائي. كما ذكر سابقاً، كان هادي يتصرف أيضاً خارج صلاحياته الدستورية لدى إعلانه عن الخطة الفيدرالية، ففي إطار المبادرة الخليجية، كان هادي ومجلس وزرائه مجرد سلطة انتقالية هدفها توجيه عملية نقل السلطة إلى حكومة منتخبة ديمقراطياً عبر انتخابات تجري عام 2014. كانت إعادة الهيكلة الجذرية للدولة اليمنية خارج نطاق العملية الانتقالية، وكانت تتطلب استفتاءاً وطنياً لتحظى بالشرعية بحسب المبادرة الخليجية نفسها.

حتى لو كانت هناك صلاحيات وسلطة قانونية، فإن جهاز الدولة التابع لهادي لم يكن قادراً على نقل اليمن بنجاح من نموذج دولة مركزية إلى اتحاد فيدرالي، ففي الواقع يحتمل أن تستغرق مثل هذه الخطوة – في أفضل الظروف – عقوداً من الزمن، وقد تسبب اختلالاً هائلاً في أداء الدولة. أبعد من ذلك، ثمة واقع آخر على الأرض كان يقف على الضد من خطوة الفدرلة. ففي عام 2014، اتسم العمل الحكومي بالصراع البيني بين الوزارات، حيث كانت الأحزاب السياسية تتنافس فيما بينها من أجل السيطرة. في الوقت نفسه، كانت الكيانات ذات المصالح السياسية والمالية الراسخة والمرتبطة بالحكومة المركزية تعتبر أي تخفيض في صلاحيات الحكومة المركزية بمثابة تهديد مباشر لوجودها، كذلك كان الدعم الشعبي للخطة ضئيلاً للغاية بسبب تدهور معيشة السكان في اليمن.

كما كانت السلطة الانتقالية محدودة بسبب عدم قدرتها على التحكم بالأجهزة الأمنية في البلاد لفرض إرادتها. وكما أشير سابقاً، قضى صالح سنوات من حكمه وهو يملأ المناصب العسكرية بالموالين له، كما أدت محاولات هادي لتثبيت سلطته لغضب في اوساط الجيش وقياداته لأنه استبدل العديد من كبار الضباط وخفض الاعتمادات المالية، بما في ذلك تلك المتعلقة بوحدة النخبة الحرس الجمهوري.

وإذا كان لمشروع الحكومة الفيدرالية في اليمن من فرصة نجاح فقد كان يتوجب عليها تناول الصلاحيات الكامنة التي يتمتع بها أصحاب السلطة والأحزاب السياسية وزعماء القبائل، مع حشد دعم سكان البلاد في الوقت نفسه. إلا أن لجنة هادي حاولت إضعاف كل من الحكومة المركزية والفاعلين المحليين الأقوياء – ولا سيما جماعة الحوثيين المسلحة والحراك الجنوبي. وقد أجبر ذلك عدداً من هؤلاء الفاعلين على اتخاذ مواقف تقويضية للحكومة اليمنية، مما جعل النزاع مسألة شبه حتمية.

ازدياد تشظي اليمن

عندما وضعت جماعة الحوثيين موطئ قدم لها في صنعاء، استمرت في توسعها نحو بقية البلاد بدعم شبكة ولاءات صالح، مما جعل حكومة هادي رهينة لديها عملياً[18]، ثم تصاعد النزاع بشكل أكبر في مارس / آذار 2015 مع تدخل التحالف عسكري بقيادة السعودية لدعم هادي تحت مبرر اعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

بعد تدخل التحالف السعودي نجحت القوات المناهضة للحوثيين وصالح في استعادة السيطرة على عدن ومناطق أخرى من الجنوب في صيف عام 2015، ومع بعض الاستثناءات ظلت الخطوط الأمامية ثابتة إلى حد كبير منذ ذلك الحين. ثم دخلت الحرب مرحلة جديدة في ديسمبر / كانون الأول 2017 بعدما تأججت التوترات بين جماعة الحوثيين وقوات صالح، مما دفع المقاتلين الحوثيين لقتل صالح وتفكك التحالف المناطقي- الشمالي الذي كان معقوداً معه. بعد مقتل صالح، انشق العديد من الموالين له باتجاه التحالف المناهض للحوثيين، كما صارت جماعة الحوثيين نفسها محرومة من الحلفاء الداخليين، مع تلقيها لعدة هجمات على مختلف الخطوط الأمامية عام 2018، ومع ذلك حافظت قوات الحوثيين على سيطرتها على الكثير من المناطق الرئيسية، بما في ذلك العاصمة صنعاء وميناء الحديدة، على الرغم من بدء الهجوم المناهض للحوثيين على المدينة الساحلية في منتصف عام 2018. إزاء هذا العنف المطول، دخل اليمن دوامة من التشظي المستمر.

المجلس الانتقالي الجنوبي وحضرموت والمهرة جنوب اليمن

غذى الدمار الذي خلفته قوات الحوثي في عدن وفي مختلف أنحاء جنوب اليمن على نطاق أوسع، طموحات استقلال الجنوب، فالدعم والحماية التي وفرهما التحالف بقيادة السعودية، ودولة الإمارات على وجه الخصوص، شجع الانفصاليين الجنوبيين في مختلف أنحاء الجنوب، ولا سيما في محافظات عدن وشبوة وحضرموت. كذلك تعززت السلطة المحلية للزعماء الانفصاليين في الجنوب نتيجة لتواجد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في المنفى بالعاصمة السعودية الرياض، وذلك منذ فرارها من عدن في مارس / آذار 2015. وعلى الرغم من عودة بعض أعضاء حكومة هادي إلى عدن عام 2016، إلا أن سلطة الحكومة المحدودة بالفعل لم تكف عن التدهور، كما تشهد الاشتباكات التي جرت في عدن أوائل عام 2018 بين القوات الجنوبية المدعومة إماراتياً والقوات الموالية لهادي.

أﻣﺎ في ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺣﻀﺮﻣﻮت، ﻓﻘﺪ أدت اﻟﻄﻤﻮﺣﺎت اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ إﻟﻰ المزيد من اﻟﺤﻜﻢ الذاتي اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ والسيطرة على الموارد اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ المحلية إﻟﻰ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺆﺗﻤﺮ حضرموت الجامع ﻓﻲ ﺷﻬﺮ أﺑﺮﻳﻞ / ﻧﻴﺴﺎن 2017، واجتمع في هذا المؤتمر الالاف من المشاركين الذين اﺗﻔﻘﻮا ﺑﺼﻮرة ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻴﺎر 52 عضواً للهيئة العليا المخولة باتخاذ القرارات، وقد ضمت الهيئة الاستشارية العديد من كبار القادة الجنوبيين مثل البيض وباعوم. كما اتفق المشاركون على سلسلة من النتائج التي تعطي الأولوية لحاجة ترسيخ سلطة اتخاذ القرار على المستوى المحلي، والسيطرة على عمليات إدارة الموارد النفطية ضمن المحافظة وإدارة معبر الوديعة على الحدود اليمنية السعودية. في أكتوبر / تشرين الأول 2018، صرح محافظ البنك المركزي في عدن بأنه تم إبرام صفقة تفيد بوضع مبلغ 20 مليون دولار من أصل إيرادات الصادرات النفطية في المحافظة والبالغة 150 مليون دولار كل شهرين تحت تصرف السلطات المحلية في حضرموت.

وفي الوقت نفسه في عدن، قام هادي بإقالة المحافظ واحد زعماء الحراك عيدروس الزبيدي في أبريل / نيسان 2017، وفي نفس المرسوم الرئاسي، قام هادي أيضاً بإقالة وزيره هاني بن بريك – الزعيم السلفي المؤيد للانفصال والقائد الرمزي لقوات الحزام الأمني ​​المدعومة إماراتياً في عدن. كان قرار هادي بإقالة كل من الزبيدي وبن بريك ناتج عن مخاوفه من العلاقة الوثيقة التي تجمع الطرفين بدولة الإمارات، والتي شعر هادي أنها تساهم بدأب في تشجيع الزبيدي وبن بريك على تقويض سلطته في عدن.

لقد ساهم قرار هادي بعزل الزبيدي وبن بريك باستفزاز الحراك الجنوبي وتراجع شعبية هادي المنخفضة أصلاً، سواء في عدن أو جنوب اليمن بوجه عام، وبعدما نظم الجنوبيون المؤيدون لفك الارتباط مع الشمال مظاهرات ضد هادي استمرت أسبوعاً في أعقاب فصل الزبيدي وبن بريك، أعلن المحافظ السابق لعدن عن تشكيل المجلس الجنوبي الانتقالي في مايو / أيار 2017، الذي ترأسه الزبيدي مع تعيين بن بريك كنائب له، ثم تدهورت الأمور أكثر بينهما بعد قيام هادي بفصل المحافظين لكل من حضرموت وشبوة وجزيرة سقطرى نتيجة تعيينهم كأعضاء في المجلس الجنوبي.

اندلعت التوترات في عدن ضمن التحالف المناهض للحوثيين في يناير / كانون الثاني 2018 بعد اشتباك قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي مع قوات الحماية الرئاسية واقتحامها مبان ومواقع عسكرية كبرى تابعة للحكومة، وفي وقت سابق من الشهر، كان الزبيدي قد اتهم حكومة هادي بالفساد علناً وطالب بإقالة رئيس الوزراء وحكومته، كما كانت الحكومة اليمنية قد منعت مؤيدي المجلس الجنوبي من تنظيم مظاهرات حاشدة في المدينة، وبعد هزيمة القوات الحكومية فعلياً في القتال الذي جرى بعدن، تدخلت السعودية والإمارات لفرض وقف إطلاق نار. بعدها سمح بالقوات الحكومة اليمنية بالعودة إلى مواقعها العسكرية التي خسرتها خلال الاشتباكات، على الرغم من بقاء ميزان القوى داخل المدينة حتى كتابة هذه السطور مائلاً بشكل واضح نحو قوات المجلس الانتقالي والحزام الأمني المدعومة إماراتياً. جدير بالذكر، إن عدن لازالت تعاني من الانفلات الأمني، حيث تجري اغتيالات متواترة منذ عام 2016 تستهدف رجال دين ومسؤولين أمنيين، في حين توصف الحكومة المحلية بأنها “شاهد زور” نتيجة التنافس بين الحكومة والمجلس الجنوبي.[19]

في حين يتصرف الزبيدي والمجلس الجنوبي بسلطة قد تقنع البعض بأنهم الوكلاء الرئيسيون والناطقون الوحيدون باسم مطلب استقلال الجنوب، إلا أن وجود مؤتمر حضرموت الجامع وما يأمل الحضرميون بتحقيقه لأنفسهم ومحافظتهم يوحي بخلاف ذلك. فقد توصل مؤتمر حضرموت الجامع في أبريل / نيسان 2017 إلى ثلاثة أطر محتملة يمكن من خلالها السعي نحو المزيد من الحكم الذاتي الاقليمي: (1) كجزء من نموذج الأقاليم الفيدرالية الستة في مقترح هادي؛ (2) كإقليم فيدرالي مستقل ضمن دولة جنوبية مستقلة؛ أو (3) ككيان مستقل تماماً. وعلى الرغم من إدراك أعضاء المؤتمر بأن الخيار الثالث هو الأقل واقعية، إلا أن إدراجه إلى جانب الخيارين الآخرين مفيداً لتسليط الضوء على استعداد زعماء حضرموت للتكيف مع السياقات المتغيرة سعياً لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل في تعظيم الحكم الذاتي. ليس هناك ما يضمن موافقة مؤتمر حضرموت الجامع على دعم خطط المجلس الانتقالي الجنوبي ما لم يتم احترام الطموحات الحضرمية المحلية. علاوة على ذلك، ثمة معارضة تبديها محافظتا المهرة وسقطرى تجاه الانضمام إلى حضرموت ضمن أي من هذه الصيغ المطروحة.

مأرب وتعز

في العقود الأخيرة، وكما في محافظة حضرموت إلى حد كبير، ثمة شعور عميق بالإحباط نتيجة عدم تخصيص أي أموال حكومية للمنطقة المنتجة للبترول سواء في عهد النظام السابق أو حكومة الرئيس هادي الحالية، ونتيجة لغياب الاستثمار الحكومي، عانت مأرب تاريخياً من ضعف البنية التحتية. مع ذلك شهد النزاع الحالي طفرة اقتصادية في مأرب، فقد قرر فرع البنك المركزي في المدينة التوقف عن تقاسم الإيرادات الناتجة من المحافظة مع بقية البلاد، مما أدى إلى زيادة الموارد المالية محلياً وزيادة عدد سكان المنطقة نتيجة توجه الكثير من السكان من مناطق أخرى نحو المحافظة.

ومما ساعد على هذا النمو أيضاً مستوى الأمن الذي تمتعت به المحافظة بالمقارنة مع المناطق الأخرى في البلاد، فقد حظيت مأرب ببيئة آمنة بسبب تواجد أنظمة دفاع سعودية في المحافظة، مما سمح للحياة الاقتصادية فيها أن تزدهر، مع استثناء مديرية صرواح جنوب مأرب التي ما تزال تشهد معارك برية شرسة. نتيجة لذلك قامت محافظة مأرب، بقيادة سلطة محلية مستقلة، باستخدام الأموال الفائضة لتحسين البنية التحتية المحلية، مثل بناء طرق جديدة وجامعة جديدة، وتحويل المستشفى العسكري القديم إلى مستشفى عام.

وعلى الرغم من أن الخريطة الإشكالية التي اقترحها هادي لقيت معارضة واسعة في مختلف أماكن اليمن، إلا أن هناك تياراً خفياً في كل من محافظتي مأرب والجوف يدعم تنفيذ الخريطة الفيدرالية لعام 2014 بشكلها الحالي. وبالتالي من غير المرجح أن تقبل مأرب أي اتفاق مستقبلي لا يعترف بدعمها السابق للخريطة وبوضعها الاجتماعي-الاقتصادي الجديد.

كما تسبب النزاع في توسيع الفجوة بين محافظة تعز والمحافظات الشمالية والجنوبية. فالظروف الصعبة التي اضطر السكان لتحملها داخل مدينة تعز أثناء النزاع عززت سخطاً متزايداً تجاه القوى السياسية المتنافسة في البلاد، ويمكن تفسير هذه المشاعر بالدعم المحدود الذي قدمته حكومة هادي وقوات التحالف السعودي لأهالي تعز بهدف كسر حصار الحوثيين المفروض منذ عام 2015، نتيجة ذلك تنامت في أوساط التعزيين المطالب بالحكم الإقليمي الذاتي ضمن ترتيبات ما بعد النزاع.

تفكك تحالف الحوثي-صالح

كانت هناك توترات ضمن تحالف الحوثي-صالح طوال فترة النزاع، على الرغم من احتوائها نسبياً نتيجة وجود هدف مشترك بين الطرفين يتعلق بالأعداء المشتركين وحماية السلطة محصورة بأقصى الشمال في اليمن. في عام 2017، بدأت الشقوق تظهر على السطح نتيجة تزايد التنافس الداخلي حول التعيينات والإيرادات الحكومية، بالإضافة الى توجس جماعة الحوثيين من نوايا الرئيس السابق صالح، الذي كان قد أطلق دعوة للحوار مع السعودية بهدف إنهاء النزاع. وصلت هذه الخلافات إلى نقطة الغليان في ديسمبر / كانون الأول 2017، وحدث انشقاق غير قابل للرأب بعد دعوة صالح لليمنيين إلى الانتفاضة ضد جماعة الحوثيين،[20] اندلعت معارك محلية داخل صنعاء بين كلا المجموعتين، وتمكنت قوات الحوثيين من استبقاء اليد العليا وقتل الرئيس السابق.

بعد مقتل صالح، قام العديد من الموالين له بالانتقال إلى الطرف الآخر في النزاع والانضمام إلى التحالف المناهض للحوثيين، ومن هؤلاء القائد العسكري وشيخ قبيلة الحداء الشمالية البارز فضل القوسي، وكذلك ابن شقيق صالح طارق صالح.[21]

وفي محاولته ارتداء عباءة القيادة بعد وفاة عمه، حشد طارق صالح القوات الموالية له وأعلن تشكيل قوات المقاومة الوطنية في فبراير / شباط 2018 بدعم عسكري ومالي من الإمارات. وعلى الرغم من وجود معارضين لانضمام طارق صالح إلى التحالف المناهض للحوثيين – ولا سيما في تعز، نظراً لدوره في النظام السابق – إلا أن القوات التابعة له انتشرت على طول ساحل البحر الأحمر وقدمت قوات برية هامة للمشاركة في هجوم الحديدة الذي انطلق في يونيو / حزيران 2018. تعد هذه المناطق، ولا سيما الحديدة، من أفقر محافظات البلاد، وقد حافظ الرئيس السابق علي عبد الله صالح على شبكة محسوبية واسعة في هذه الجغرافيا، ومن المحتمل أن يحاول طارق صالح الاستفادة من هذه الشبكات لتأسيس قاعدة سلطة مستقلة خاصة به في المستقبل.

مع خروج صالح من المشهد، تمكنت جماعة الحوثيين من تعزيز قبضتها على شمال اليمن، كما زادت قبضة سيطرتها على مؤسسات الدولة في صنعاء وملأتها بالموالين لها، في حين تصاعد القمع والتحشيد الأيديولوجي في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن يظل التحدي الأكبر لهم هو تراجع الغطاء السياسي السابق الذي كان يوفره صالح في المناطق غير الزيدية، وافتقادهم إلى الدعم العسكري الذي كان يوفره المقاتلون الموالون له من تلك المناطق.

ضمن تحالف الحوثي-صالح السابق، كانت جماعة الحوثيين الطرف الأقل معارضة لمفهوم الفيدرالية بشكل مباشر، حيث ابدت استعدادها سابقا لمناقشة القضية خلال مرحلة مؤتمر الحوار الوطني بعد الثورة. كان يمكن أن تدعم جماعة الحوثيين نظاماً فيدرالياً في اليمن في حال توفرت خطة جديدة تلبي أهدافها الاستراتيجية، وهذا سيتطلب على الأخص مراجعة لخريطة هادي الفيدرالية عام 2014 لمنح جماعة الحوثيين بمنفذ إلى البحر والميناء، على الأرجح عبر محافظة حجة، مع ذلك يبقى أن نرى ما إذا كانت جماعة الحوثيين المسلحة قادرة على إصلاح التصدعات في الجبهة الزيدية الشمالية بعد مقتل صالح.

النظر قدماً

خلال عدد من اللقاءات، واصل الرئيس هادي الترويج للخريطة الفيدرالية لعام 2014 كوسيلة لتحسين احتمالات الاستقرار على المدى الطويل في سيناريو ما بعد النزاع.[22] غير أن الوضع على الأرض في اليمن تغير بشكل كبير نتيجة لطول أمد العنف والركود السياسي والعسكري. وبالنظر إلى المعارضة الشديدة التي واجهتها الخطة لدى كشف النقاب عنها، وتحولها إلى عامل رئيسي للتعبئة والتوسع العسكري والسياسي لقوات الحوثيين خاصة بداية الحرب، فإن الدعم الشعبي بعد انتهاء النزاع لنسخة الرئيس هادي من الفيدرالية يبقى أمراً مستبعداً للغاية.

لقد اجتاح القتال أجزاء كبيرة من البلاد، وتجاوز الحدود الإقليمية التي كانت قائمة في السابق في ظل نظام صالح وتلك التي اقترحها هادي في فبراير / شباط 2014، ومن الناحية العسكرية، انقسمت البلاد نسبياً بين قوات الحوثيين والمجموعات المنضوية تحت التحالف المناهض للحوثيين. رغم ذلك تظل الديناميكيات المحلية المتطورة باستمرار تبقى أكثر تعقيداً بكثير حيث أدى النزاع المستمر إلى تشظي البلاد وتعميق الهويات المناطقية في الأجزاء الشمالية والجنوبية من البلاد.

تحظى فكرة إقامة نظام فيدرالي في اليمن بمؤيدين، على الأقل في مأرب والجوف، وإلى حد أقل حضرموت، لكن لها خصومها أيضاً، ليس أقلهم الجنوبيين المتشددين المناصرين للاستقلال، وأيضاً المركزيين في صفوف الشماليين. الجدير بالذكر أن حزب الإصلاح، الذي عارض في البداية قيام نظام فيدرالي قائم على إقليمين خلال مناقشات مؤتمر الحوار الوطني، يدعم الآن وإلى حد كبير خطة هادي بوصفها أفضل سيناريو للحفاظ على وحدة اليمن.

ومنذ تأسيسه يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الزبيدي اكتساب المزيد من الزخم. وعلى الرغم من الطفرة الكبيرة الداعمة لانفصال الجنوب، إلا أن من غير الواضح ما إذا كانت جهود الزبيدي والمجلس الجنوبي ستؤدي إلى تقسيم اليمن إلى دولتين منفصلتين. فالانقسامات الجنوبية-الجنوبية التي مُني بها الحراك الجنوبي تشكل العقبة الرئيسية الأولى، كما ينبغي التوافق على خطوط التماس التي كانت قائمة إبان الحرب الأهلية عام 1986. اضافة إنه من غير المحتمل أن يقبل سكان حضرموت، ممثلين بمؤتمر حضرموت الجامع، أو مراكز النفوذ الأخرى مثل المهرة وسقطرى، بإملاءات الزبيدي والمجلس الجنوبي.

أما العقبة الثانية الرئيسية فتتمثل بإحجام المجتمع الدولي عن الاعتراف علناً بحق الجنوبيين في تقرير المصير رغم حظوة أعضاء المجلس الجنوبي دولياً ودبلوماسياً.

إن التكوين السياسي والإقليمي لليمن وشكل حكمه في المستقبل ما يزالان غير مقررين حتى الآن، فبعد سنوات من فشل جهود الأمم المتحدة في جلب الأطراف الرئيسية المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، انعقدت جولة مفاوضات في ديسمبر / كانون الأول 2018، لكنها اقتصرت على مناقشة الوضع الاقتصادي الهش في البلاد، وتدابير تخفيف التصعيد على الخطوط الأمامية النشطة في محافظتي الحديدة وتعز.[23] على الرغم من أن مثل هذه المفاوضات المباشرة تمثل تطورات مرحباً بها، إلا أن من الضروري أن تنخرط الجهود الدبلوماسية المتواصلة مع مجموعات متنوعة من أصحاب المصلحة لمواصلة مناقشة نظام الحكم في اليمن بعد النزاع. فإذا كان الهدف تجنب العملية المعيبة التي أطلقها هادي بكشفه النقاب عن الخريطة الفيدرالية المثيرة للجدل، وبالنظر إلى اختلاف الآراء حول مزايا النظام الفيدرالي في اليمن، فإن هناك حاجة ماسة إلى مناقشات واسعة حول موضوع الفيدرالية وغيرها من البدائل الممكنة.

وبدلاً من تأجيل هذه المناقشات إلى ما بعد انتهاء النزاع، ينبغي عقد المناقشات التمهيدية الآن للحصول على فهم أفضل لتصورات مختلف أصحاب المصلحة والمحافظات فيما يتعلق ببناء الدولة في مرحلة ما بعد النزاع، على أمل التوصل إلى شكل من أشكال الإجماع. يجب أن يسعى العمل الدبلوماسي على هذه القضية أيضاً إلى دمج الأدوات اليمنية التقليدية للوساطة والحوار.، مثل عقد المناقشات بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام، وشمول جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة، وعدم الاندفاع بسرعة بسبب جداول زمنية مفروضة من قبل الجهات الخارجية الفاعلة.


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.


ملاحظة الكاتبة: لم يكن يمكن لهذه الورقة أن ترى النور لولا المراجعات والتعديلات والمساهمات القيّمة التي قدمها فارع المسلمي وأنثوني بيسويل وسبنسر أوسبرغ وريان بيلي.


الهوامش

[1] آدم بارون وفارع المسلمي، “السياسة تصعد الطائفية في اليمن”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 30 مايو / أيار 2016. آخر وصول 28 سبتمبر / أيلول 2017؛ متاح على https://sanaacenter.org/ar/yemen-in-crisis-ar/42.

[2] بقي الحضور لأقصى الشمال قوياً على المستوى القيادي في الجيش وقوات الأمن – خاصة أعضاء الاتحادات القبلية مثل حاشد وبكيل. كان تكوين الجيش اليمني في وقت الثورة الجمهورية محصوراً بهم تقريباً. ففي الجانب الجمهوري قاد الثورة ضباط من كل من اتحادي حاشد وبكيل، بدعم من مصر ورئيسها آنذاك جمال عبد الناصر. انظر: Maysaa Shuja Al Deen, “The Endless Battle in Taiz,” Atlantic Council, April 26, 2017. Accessed September 28, 2017; available at http://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/the-endless-battle-in-taiz.

[3] ساهمت الإطاحة بكل رئيس في ترسيخ هيمنة الشمالي القبلي ممثلاً بحاشد وبكيل على الجهاز العسكري والأمني ​​في اليمن الشمالي، حيث تلازمت غالباً مع دمج المزيد من الضباط من المناطق القبلية النائية.عل

[4] مكنت ريوع النفط صالح من دفع تكاليف إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمنية لشمال اليمن. كما قام صالح بتوجيه ريوع النفط من خلال حزبه السياسي المؤتمر الشعبي العام الذي شكله عام 1982.

[5] أصبح اليمن الجنوبي دولة تدور في فلك الاتحاد السوفييتي بعد صعود الجبهة القومية للتحرير الماركسية في جنوب اليمن على حساب مجموعات قومية أخرى، مثل جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل التي لعبت دوراً رئيسياً في فرض الانسحاب البريطاني.

[6] كان الرئيس صالح وعلي سالم البيض قد احتكرا لأنفسهما إلى حد كبير المفاوضات حول الوحدة ولم يقوموا إلا بالقليل من المشاورات الخارجية. ومع أن قرارهما حظي بدعم شعبي في كل من شمال اليمن وجنوبه، إلا أن صياغة الاتفاق الذي وقعاه تمت على عجل.

[7] كان صالح قادراً على استخدام نظام المحسوبيات الذي شيده كوسيلة للحفاظ على السيطرة، وصولاً إلى بدء إنتاج النفط في الانخفاض في عام 2001. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية في اليمن خلال العقد الأول من القرن الحالي، بل وبدأ يتعافى في الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية وقبل انتفاضة 2011. ساعد على هذا الانتعاش واقع استئناف نشاط الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، مما ساعد على تعويض انخفاض إنتاج النفط. ومع ذلك، وبالنظر إلى التضاؤل التدريجي لإمدادات النفط في اليمن، فقد كانت عائدات النفط الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط العالمية تعبيراً مصطنعاً عن أزمة اليمن الاقتصادية المتفاقمة.

[8] بالنظر إلى نفوذه الكبير ضمن القوات المسلحة اليمنية وتأثيره على مسؤولي الأمن ورجال القبائل الذين استفادوا من علاقتهم مع صالح، كان الرئيس السابق في وضع جيد للرد بعدما تنحى على مضض.

[9] “Yemen National Dialogue Conference Participants,” The National, March 18, 2013, https://www.thenational.ae/world/mena/yemen-national-dialogue-conference-participants-1.292425. Accessed February 28, 2019.

[10] كانت مجموعات العمل التسعة المنفصلة هي: المسألة الجنوبية؛ مسألة صعدة؛ القضايا الوطنية والعدالة الانتقالية؛ بناء الدولة؛ الحكم الرشيد؛ الجيش والأمن؛ استقلال الكيانات الخاصة؛ الحقوق والحريات؛ التنمية.

[11] الحراك الجنوبي هو حراك شعبي واسع يضم عدداً من الفصائل المتنافسة التي يُعرف قادة كل منها بتفضيل نماذج انفصالية مختلفة. في الماضي، تم طرح ثلاثة نماذج انفصال رئيسية. الأول هو الانفصال الكامل والفوري؛ والثاني المزيد من الحكم الذاتي الإقليمي للمناطق الجنوبية في إطار النموذج الفيدرالي؛ والثالث مرحلة انتقالية متدرجة يتم فيها إجراء استفتاء حول استقلال الجنوب خلال فترة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات.

[12] كانت الشكوك قد نشأت في وقت سابق بعد تسريب مكالمة هاتفية نشرها الحوثيون ويفترض أنها جرت بين هادي ورئيس الأركان الأسبق والأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد بن مبارك. وأثناء المكالمة المزعوم، أبلغ بن مبارك هادي “نحن بحاجة لأسبوع لكي تبدو اللجنة وكأنها ناقشت وفكرت في هذا التقسيم”.

[13] The World Bank. Yemen, Rep, World Development Indicators, https://data.worldbank.org/country/yemen-rep. Accessed February 28, 2019.

[14] “Yemen’s Southern Question: Avoiding a Breakdown,” International Crisis Group, September 25, 2013, https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/yemen-s-southern-question-avoiding-a-breakdown.pdf. Accessed February 28, 2019.

[15] وفي هذه المرحلة، قرر صالح تشكيل تحالف مع الحوثيين، حيث عرضوا عليه فرصة للانتقام من الإصلاح وآل الأحمر، الفاعلين الرئيسيين اللذين حملها صالح شخصياً مسؤولية الاطاحة به.

[16] “الحوثيون يرفضون صيغة الأقاليم الستة لأنها تقسم اليمن ’إلى أغنياء وفقراء‘”، فرانس 24 عربي، 11 فبراير / شباط 2014، https://www.france24.com/ar/20140211-اليمنحوثيونتقسيمرفضأقاليم، آخر وصول 28 فبراير / شباط 2019.

[17] Peter Salisbury, “Bickering While Yemen Burns: Poverty, War, and Political Indifference,” The Arab Gulf States Institute in Washington,” June 22, 2017, http://www.agsiw.org/wp-content/uploads/2017/06/Salisbury_Yemen_ONLINE.pdf. Accessed February 28, 2019.

[18] “Houthi rebels take over Yemen’s Hodeidah port: residents,” Reuters, October 15, 2014. Accessed September 28, 2017; available at http://www.reuters.com/article/us-yemen-insurgency/houthi-rebels-take-over-yemens-hodeidah-port-residents-idUSKCN0I40HB20141015; وضع الحوثيون الرئيس هادي وأعضاء آخرين من حكومته قيد الإقامة الجبرية، وقد استجاب هادي بالاستقالة مؤقتاً في يناير / كانون الثاني 2015 قبل أن يلوذ بالفرار إلى عدن بعد شهر ويسحب استقالته. ثم حاصرت قوات الحوثي-صالح كلا من تعز وعدن ونشرت سلاح الجو اليمني في محاولة فاشلة لاغتياله.

[19] April Longley Alley, “Eight Days in Aden – A Forgotten City in Yemen’s Forgotten War,” International Crisis Group, May 23, 2018, https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/yemen/eight-days-aden-forgotten-city-yemens-forgotten-war. Accessed February 28, 2019.

[20] “اليمن في الأمم المتحدة: نشرة نوفمبر / تشرين الثاني 2017″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 7 ديسمبر / كانون الأول 2017، https://sanaacenter.org/ar/publications/yemen-at-the-un/5163، آخر وصول 28 فبراير / شباط 2019.

[21] Mashari Althaydi, “Will Saleh loyalists have a role during Yemen’s next phase?” Al Arabiya, December 25, 2017, https://english.alarabiya.net/en/views/news/middle-east/2017/12/25/Will-Saleh-s-loyalists-have-a-role-during-the-next-phase-.html. Accessed February 28, 2019.

[22] “الرئيس اليمني في حوار مع ’القدس العربي‘: لن نقبل بخارطة الطريق مهما كانت الضغوط و’الرمح الذهبي‘ سيصل الحديدة”، القدس العربي، 2 فبراير / شباط 2017، http://www.alquds.co.uk/?p=669157، آخر وصول 28 فبراير / شباط 2019.

[23] Martin Griffiths, “Statement of the Special Envoy for Yemen to the Press on Consultations in Geneva,” Office of the Special Envoy of the Secretary-General for Yemen, September 5, 2018, https://osesgy.unmissions.org/statement-special-envoy-yemen-press-consultations-geneva. Accessed February 28, 2019.

مشاركة