و ادم بارون
ملخص تنفيذي
بدأ الصراع المسلح في اليمن حالياً إثر صراعات داخلية على السلطة بين أطراف سياسية وقبلية بشكل أساسي، وهذه الحقيقة تتعارض مع ما تقدمه وسائل الإعلام الأجنبية عن كون اليمن ساحة أخرى لصراع الحرب الطائفية بالوكالة بين قوتي السنة والشيعة في الشرق الأوسط والمتمثلة في المملكة العربية السعودية وإيران.
وفي المقابل، ومع تصاعد وتيرة العنف في اليمن وخاصة منذ بدء التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في مارس 2015، تبنت أطراف الصراع بشكل متزايد خطاباً طائفياً حاداً، وأصبحت تلك سمة أساسية في الخطابات الجمعية في البلد، حتى أن اللغة الطائفية والتي كانت حكراً على الجماعات المتطرفة أصبحت معممة، كما تم التعبير والتضامن علنا بلغة طائفية من قِبل أصوات وطنية بارزة.
نتج عن ذلك ظهور تشققات عميقة وجديدة في أوساط المجتمع الذي كان يعُرف بتسامحه الديني العميق. وبينما تطورت هذه الانقسامات بشكل كبير كنتيجة للصراع القائم ، فمن المرجح أنها ستظل إحدى موروثاته المدمرة وستمثل تحدياً مباشراً لتحقيق سلام دائم عقب الصراع.
ستبحث هذه الورقة في:
- صعود حركة الحوثيين في شمال اليمن، وكيف أنها بالرغم من جذورها الزيدية صاغت صراعها كحركة اجتماعية ضد الظلم. واستطاعت من خلال ذلك كسب قاعدة شعبية من المؤيدين خارج جذورها الزيدية، وكيف أنه مع تفاقم الصراع بالمقابل اتخذت أفعالها منحى طائفياً حاداً، حتى وإن حاولت الجماعة تجنب ذلك في خطاباتها بشكل عام.
- ورداً على تقدم الحوثي العسكري، قامت جماعات نظيرة- منها الجماعات العلمانية التقليدية- بتوظيف الخطابات المثقلة بالطائفية ضد الحوثيين، حتى و إن كانت أهدافها ورغباتها الجوهرية فقط في إطار التوسع العسكري والسياسي أو الحفاظ عليهما. ومع أنه من الواضح أن العامل المركزي والمحفز لهذا التغيير في اللهجة واللغة هو برجماتي بهدف حشد المقاتلين والدعم، إلا أن قليلا من التفكير بالأمر سيدرك العواقب الكارثية التي من الممكن أن يخلفها هذا الشحن الطائفي في أوساط المجتمع اليمني.
- خطوات قد تساعد على تخفيف الصراع الطائفي في اليمن بما في ذلك امتناع الفاعلين المحليين والدوليين عن الخطابات الطائفية المشعِلة، وتمكين الأصوات المعتدلة، وتعطيل الأصوات المتطرفة على المستوى العام، وكذلك العدول عن التعيينات الولائية في كل من الحكومة والجيش بناء على انتماءات طائفية.
الجدير بالذكر أن حق الشعب في الخروج على الحاكم الظالم هو جزء أصيل من الموروث الديني الزيدي، وهو أمر قد تجلى وعبر عن نفسه مرارا عبر العديد من التمردات ضد أئمة اليمن على مر التاريخ
مقدمة: صعود الحوثيين
تعود جذور الحوثيين إلى “تنظيم الشباب المؤمن”، ويقع قلب هذه الجماعة الزيدية المتفرعة من الشيعة في شمال اليمن وتشكلت حركة الشباب المؤمن هناك والتي هي جماعة زيدية تجديدية-تأسست عقب توحد شمال وجنوب البلاد في 1990 [1]، بقيادة نخب وشخصيات دينية زيدية. هدفت حركة الشباب المؤمن إلى نشر المعتقد الزيدي وتشكيل هياكل سلطة تقليدية بدا أنها تواجه خطر القيادات القبلية المعارضة لها في شمال اليمن والحكومة المركزية في صنعاء، وخطر التأثير الواسع لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وكذلك الأفكار الوهابية القادمة من المملكة العربية السعودية.
في بادئ الأمر تسامحت حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح مع تنظيم الشباب المؤمن والتي جذبت مع مرور السنين عشرات الآلاف من اليمنيين إلى لقاءاتها الإجتماعية والمخيمات الصيفية من محافظة صعدة والمناطق المجاورة، وحتى أن شخصيات رئيسية في الجماعة كقائدها حسين الحوثي وأخوه يحي الحوثي تم ترشيحهم كأعضاء في مجلس النواب وأُعطوا مساحة في المسار السياسي الرئيسي. ومع مرور السنين، وحينما زادت شعبية وسلطة حسين الحوثي خارج نطاق الشباب المؤمن، أصبح ناقداً دائماً لفساد الرئيس صالح وعلاقته الحميمة مع الولايات المتحدة الأمريكية. انتهى المطاف بالرئيس اليمني آنذاك منتقماً حيث أرسل قوات الأمن لتعتقل حسين الحوثي، والذي قتل في سبتمبر 2004. استمرت المؤسسة التي بناها حسين الحوثي في إطار تنظيم الشباب المؤمن بعد أن أخذت اسم (جماعة الحوثيين) وهكذا كانت ولادة هذه الجماعة بشكل رسمي، يقودها الأخ الأصغر لحسين، عبدالملك الحوثي.
في السنوات التي تلت، خاض الجيش اليمني والحوثيون ستة حروب وحشية في محافظة صعدة. ومع بدء ثورة الربيع العربي عام 2011 في اليمن، استطاع الحوثيون السيطرة على معظم محافظة صعدة، والتحقوا بالمظاهرات والحراك الشعبي ضد صالح، والذي انتهى به الحال أن سلم السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي كجزء من اتفاقية دولية لإنتقال السلطة. إستمر الحوثيون في تمددهم العسكري في شمال اليمن على حساب زعماء القبائل المنافسة والحكومة المركزية.
وفي صيف العام 2014، تدنى الدعم الشعبي لرئاسة هادي نتيجة للإتهامات ضده بالفساد وسوء إدارة حكومية هائلة. إستغل الحوثيين هذه الفرصة لتأكيد الرفض الشعبي لهادي ليستمروا في توسعهم العسكري الذي كان حينها قد أصبح مسنودا من قبل قوات موالية للرئيس السابق صالح وسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر من نفس العام. كما تمكن الحوثيون وصالح من إحكام قبضة سلطتهم خلال الأشهر التالية، وأزاحوا هادي من منصبه، واستمروا في توسعهم العسكري باتجاه الجنوب. وفي مارس 2015 دشنت قوات التحالف التي تقوده المملكة العربية السعودية تدخلها العسكري في اليمن عبر حملة قصف جوي مكثفة، وحصار بري وبحري وجوي، وكذلك دعم القوات المقاومة للحوثيين على الأرض بهدف ردع الحوثيين واستعادة رئاسة هادي.
وخلال 14 شهرا منذ بدء التدخل العسكري، سقط الآلاف من الضحايا المدنيين، وعشرات الآلاف من الجرحى، وملايين من النازحين، واقترب أكثر من 15 مليون يمني من خط المجاعة، كما دُمرت مليارات الدولارات من الممتلكات والبنية التحتية، وأصبح الاستقطاب الطائفي أكثر حدة في اليمن. وبالرغم من فقدان الحوثي وصالح تدريجياً السيطرة على بعض المناطق لصالح التقدم التي تحرزه القوات الموالية لهادي من الجنوب، لكن ما زالا يسيطران على العاصمة صنعاء حتى مايو 2016، ولا يبدوا أن الإنتصار بالحسم العسكري ممكن لأي من الطرفين على المدى القريب.
بينما يتجنب الحوثيون بشكل علني استخدام لغة طائفية في رسائلهم مع الجمهور العام، فإن عملياتهم العسكرية في الواقع استهدفت بشكل منظم منازل ومدارس ومساجد خصومهم الدينيين
تطييف الصراع السياسي
تعتبر الأيديولوجية الحوثية الزيدية عاملاً رئيسياً يحفز تحركات الجماعة ويصنع لها سياقاً تاريخياً ومعاصراً يصوغ الحوثيون من خلاله منهجهم و روايتهم التاريخية. وعادة يُنظر إلى المدرسة الإسلامية الزيدية كأيديولوجية تقع في مكان ما بين السنة والشيعة، ومن نواح كثيرة تحمل قواسماً مشتركة أكثر مع الإسلام السني بغض النظر عن جذورها الشيعية و إيمانها بالإمام الحاضر[2].
الجدير بالذكر أن حق الشعب في الخروج على الحاكم الظالم هو جزء أصيل من الموروث الديني الزيدي، وهو أمر قد تجلى وعبر عن نفسه مرارا عبر العديد من التمردات ضد أئمة اليمن على مر التاريخ[3]. في العقود الثلاثة الأخيرة، عندما بدأ اليمن الانفتاح على العالم الخارجي، بدأت الأيديولوجيات الدخيلة التأثير على الزيدية اليمنية، وأبرزها الفرع الشيعي الإيراني الإثنى عشري. فعلى سبيل المثال، عاش بدر الدين الحوثي في إيران- رجل الدين الأبرز في صعدة ووالد حسين وعبدالملك الحوثي- بينما درس العديد من القيادات الزيدية من الجيل الحديث في مدينة قم[4]. ومع ذلك فإن هذا التأثير الخارجي هو بطبيعته سياسي أكثر منه ديني كون إيران التي تترأس “محور المقاومة[5]”، أصبحت مثلا رئيسياً للحوثيين كونها بلداً وقفت ضد ما تراه الظلم الملموس لحكومات السعودية و أمريكا و إسرائيل.
وعلى حد تعبير نجل أحد العائلات الزيدية البارزة، فـ “أن تكون زيدياً ، يعني أن تكون مقاوماً للظلم”[6]. وقد قادت هذه العقلية العديد من الزيديين اليمنين إلى دعم نطاق واسع من الحركات المتمردة على المستويين المحلي والدولي، وساعدت الحوثيين في تشكيل أجندتهم المحلية كجماعة ذات حضور واسع يتعدى معتنقي المذهب الزيدي. وبتقديم أنفسهم كمعارضة للمعادلة السياسية التقليدية في اليمن– وهو أمر يحظى بشعبية كثيرة في اليمن بسهولة – بدلاً من تمثيل مصالح ثابتة لطائفة واحدة، قدم الحوثيون حركتهم كجماعة عابرة للأهداف المحلية.
وفي الواقع، لطالما عرفت جماعة الحوثيين نفسها كجماعة معارضة لعدو ما. يتضح هذا بشكل صريح في شعارهم المتمثل في: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. وتؤكد الأيديولوجية الحوثية أن تعريف الجماعة يكمن في وقوفها بجانب الخير ضد قوى الشر وأن الحوثيين هم المدافعون عن الإسلام من “الشر الصهيوني الأمريكي”. وتنعكس هذه الثنائية المانوية على ممارسات وخطابات الحوثيين، والتي تنظر الى المسائل الكبيرة والصغيرة بشكل مستمر على أنها “نحن”- أي الحوثيين- الحاملون للهوية اليمنية الإسلامية الأصلية والنقية في مواجهة “هم”- أي كل القوى التي تصطف وراء بعض لتدنس هذه الهوية.
في الآونة الأخيرة توسع تعريف الحوثيين ل “هم“ ليعنى به تقريباً كل من يختلف معهم[7]، وكان ذلك واضحا حينما دشن الحوثيون حملة إعتقالات وقمع واسعة لمعارضيهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحتى الناشطات النسويات العلمانيات واتهامهن بأنهن من “مؤيدي تنظيم القاعدة المدعوم من قِبل الأمريكيين، ويعملون لصالح المعتدين السعوديين[8].” وبينما يتجنب الحوثيون بشكل علني استخدام لغة طائفية في رسائلهم مع الجمهور العام، فإن عملياتهم العسكرية في الواقع استهدفت بشكل منظم منازل ومدارس ومساجد خصومهم الدينيين.
إن الاختلاف في الخطابات المستخدمة من الحوثيين ومعارضيهم في الصراع الحالي هو أن الحوثيين بشكل عام يستخدمون في بياناتهم العلنية لغة عامة لها عواقب طائفية، بينما يوظف معارضوهم لغة طائفية لا دينية مثقلة كلغة الطعن ضد الشيعة التي لم تكن موجودة في اليمن للتعبير عن معارضتهم للحوثيين، بالرغم من أن هذه المعارضة للحوثيين في العادة لا علاقة لها بالدين.
بالطبع هناك جماعات معارضة للحوثيين في اليمن لمجرد أسباب أيديولوجية، فقد إحتوت خطب الفصائل السلفية المتشددة صراحة على أن لدى الزيديين بشكل عام والحوثيين بشكل خاص ممارسات منحرفة، حتى وصل العديد منهم إلى القول أن الحوثيين ليسوا مسلمين. ولكن الجزء الأهم في ذلك هو وبالرغم من أن الخطابات ضد الحوثيين تكتسب صبغة طائفية، الا أنها متجذرة في مظالم أخرى يعود تاريخها إلى الإطاحة بالحكم الملكي الزيدي في عام 1962 وميلاد الجمهورية اليمنية الحديثة. لقد مزجت العديد من القوى والشخصيات السياسية اليمنية بشكل ما بين جمهورية اليمن والطائفية ضد الزيدية. هذا النوع من التفكير يرى أن المشاركة السياسية للزيدية وعلى وجه الخصوص أولئك الذين أتوا من الأسر الهاشمية الذين كانوا يشكلون طبقة الحكم في اليمن قبل العام 1962 يتعارض مع أسس الجمهورية اليمنية[9].
الواقع ليس ثمة طريقة للتحالف للتأكيد على أن دوره في اليمن هو استعادة الأمن والحكم الشرعي أفضل من إعلانه عدم تسامحه تجاه كل الخطابات واللغة الطائفية.
المظاهر المتصاعدة للطائفية في اليمن
إنه لمن سوء الحظ أن تدخل الصور النمطية، التي عفا عليها الزمن والمستندة إلى اللقب أو الأصل، إلى الفضاء العام للمجتمع اليمني. حتى أن الرئيس هادي نفسه واجه إنتقادات عندما كان في منصبه من قِبل أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح- الجناح اليمني للإخوان المسلمين- بسبب تعيينه ما رأوه “كثير جداً” من الزيديين ذوي الأصول الهاشمية في لجنة صياغة الدستور المشؤومة.
حينما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وقاموا بإزاحة هادي من الحكم، بدؤوا سريعاً بإستبدال القيادات العليا في الجيش والأجهزة الحكومية بكادر زيدي، وكذلك شخصيات هاشمية لم تمتلك أي كفاءة لمناصبها باستثناء لقبها الهاشمي. يمكن تفسير ذلك أنه تنفيذ لما يسمى بـ “الوثيقة الفكرية للزيدية” والتي رعاها عبدالملك الحوثي في العام 2012، و تنص على أن السلطة والحكم هما في الأساس حصراً على أحفاد النبي محمد ويعني بذلك شخصه هو نفسه ونخبة أخرى من الحوثيين. كما أن الأماكن العامة والشوارع الرئيسية في صنعاء التي هي تحت سيطرة الحوثيين قد أصبحت مزينة بلوحات إعلانية كبيرة تحمل صور شخصيات دينية مثيرة للإنقسام والجدل كالأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، والقائد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران آية الله الخميني.
على الضفة الأخرى، قامت قيادات المقاومة الشعبية والشخصيات العسكرية المعارضة للحوثيين بتوظيف الخطاب الطائفي بشكل صارخ وصنفوا هذا الصراع بأنه “جهاد في سبيل الله” من أجل حشد الجنود. على سبيل المثال -وقبل هزيمته-، عرف قيادي قبلي بارز في محافظة عمران نفسه بـ “أسد السنة” في معركته ضد الحوثيين، بالرغم من الجذور الزيدية لهذا القيادي القبلي نفسه. إضافة إلى ذلك فإن العديد من القيادات العلمانية في جنوب اليمن، ونظراً لتركبيتها السنية بأغلبية مطلقة، مع أن لديها تاريخ ضئيل من التوتر الطائفي السني الشيعي، قد بدأت بصبغ معاركها بلغة طائفية لاذعة[10].
كما صعدت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي تتواجد حالياً في العاصمة السعودية الرياض من الحرب الطائفية بشكل علني. في 10 فبراير 2016، وصل الحد بالسفير اليمني في الولايات المتحدة الأمريكية والأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني سابقاً إلى حد وصف الصراع في اليمن كجزء من صراع بين “العرب والفرس”[11]. كما أن البيانات الرسمية القادمة من وزير الاعلام، والصحف التابعة للدولة، والمحطات التلفزيونية والإذاعية قد اتخذت بشكل صريح تحيزاً طائفياً.
واحدة من عواقب كل هذه الاختلالات، هي تطبيع اللغة الطائفية وهجمات الافتراء الشخصية و القدح على نطاق واسع في أوساط المجتمع اليمني. على سبيل المثال، فإن معظم البرامج الحوارية التلفزيونية والإذاعية التي عرفت سابقاً بأنها ذات نهج شامل قد أصبحت طائفية شعواء، وحتى أن صفحات التواصل الإجتماعي والأحاديث العامة في الشوارع اليمنية أصبحت تعج بنفس اللهجة.
بينما يجب الوعي بالصبغة الطائفية المتنامية التي يصبغ فيها الصراع في اليمن، يتوجب على المجتمع الدولي الإدراك بأن جوهر الصراع في اليمن هو قبلي و سياسي، وتجنبه – بناء على ذلك- قولبة الصراع في اليمن بنفس قوالب الصراع الطائفي في أماكن أخرى في المنطقة.
المضي قدما
بينما تصعد التشققات المجتمعية في اليمن أكثر من أي وقت مضى من التاريخ الحديث، ما يزال هناك الكثير مما يمكن عمله من قِبل مختلف القوى اليمنية والفاعلين الدوليين في البلد، والذي من الممكن أن يساعد في كبح الجماح في نهاية المطاف على معالجة هذه الانقسامات. إلى الآن فإن أكثر خطوة فعالة يجب عملها في هذا المسار هي إنهاء الحرب الحالية وتأسيس نظام شامل وتمثيلي إنتقالي يعمل على توفير أدوات المساءلة في الحكم، بتوافق مختلف الاطراف السياسية والجماعات الطائفية والاجتماعية في البلد على المدى القصير. مع ذلك، فإن هناك خطوات هامة مباشرة يمكن اتخاذها:
- يتوجب على كل الأطراف أن تمتنع عن/ وتعلن معارضتها الخطاب الطائفي المشتعل، في كل من إطلالاتها العلنية وعبر وسائل الإعلام. هذا الأمر يتعدى الفصائل اليمنية ويشمل أيضا دول التحالف الذي تقوده السعودية و مؤسساتها الإعلامية. في الواقع ليس ثمة طريقة للتحالف للتأكيد على أن دوره في اليمن هو استعادة الأمن والحكم الشرعي أفضل من إعلانه عدم تسامحه تجاه كل الخطابات واللغة الطائفية.
- من المهم جداً تمكين الأصوات الدينية المعتدلة الذين يمثلون في نهاية المطاف غالبية اليمنيين وتجريد أولئك الذين يتبنون الطائفية والتطرف من سلطاتهم، بعض ما يمكن أن تتضمنه هذه الخطوات: عزل وتقزيم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لكل المسؤولين الذين يوظفون الخطاب الطائفي والتمزيقي، إمتناع اللاعبين الدوليين عن دعم الشخصيات والجماعات المتطرفة بالمال أو السلاح وعدم منحها غطاء سياسي، وفي نفس الوقت يجب دعم وتأييد الشخصيات التي تعمل من أجل رؤية متنوعة و متعددة لمستقبل البلاد.
- بينما يجب الوعي بالصبغة الطائفية المتنامية التي يصبغ فيها الصراع في اليمن، يتوجب على المجتمع الدولي الإدراك بأن جوهر الصراع في اليمن هو قبلي و سياسي، وتجنبه – بناء على ذلك- قولبة الصراع في اليمن بنفس قوالب الصراع الطائفي في أماكن أخرى في المنطقة.
- يجب تنفيذ وتفعيل القوانين والإجراءات التي تم التوافق عليها في مؤتمر الحوار الوطني في العام 2013 المتعلقة بمنع تشكيل أحزاب سياسية بناء على هويات طائفية في مرحلة ما بعد الصراع.
- يجب على قيادة الحركة الحوثية إلغاء جميع التعيينات الولائية التي قامت بها داخل بيروقراطية الحكومة والجيش عقب سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء، وإعادة المسؤولين السابقين لمناصبهم وترك مؤسسات الدولة تنفيذ عملية تعييناتها بناء على معايير الشفافية و الكفاءة لإختيار المسؤولين الأكثر كفاءة.
عن مركز صنعاء:
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
هوامش
- عٌرف شمال اليمن سابقاً بالجمهورية العربية اليمنية ، وجنوب اليمن بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
- Ibid, 66.
- مهدي خلاجي، “زيدية اليمن”: نافذة للتأتثير الايراني، “مراقبة السياسات” 2364, http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/yemens-zaidis-a-window-for-iranian-influence.
- Ibid. بلغ الأمر ببعض الشخصيات في الحركة الحوثية حد اعتناق المذهب الاثني عشري ، بالرغم من أن المعلومات القليلة المتوفرة عن الأمر تقترح أنهم لا يزالون عددا ضئيلا.
- أنظر اصدار الكس نوتسن, “Iran and al-Houthi proxies threaten counter-terrorism policy in Yemen,” AEIdeas, December 19th, 2014. http://www.aei.org/publication/iran-al-houthi-proxies-threaten-us-counter-terrorism-policy-yemen/print/ شمل محور المقاومة في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ، إلى حد ما ، إيران و كوريا الشمالية و العراق. و أًصبح يحمل معنى غير رسمي وهو التحالف بقيادة إيران بينها وبين حزب الله في لبنان و نظام الأسد في سوريا ، وحركة حماس لحين تفكك علاقتها مع الاسد. و يستخدم مصطلح “محور المقاومة” من قبل الإيرانيين و خصومهم بهدف الإشارة إلى طموح الحكومة الايرانية نحو نفوذ اقليمي أكبر.
- مقابلة شخصية في نوفبمر 2013.
- لوكس وينتر, ” الحركة الحوثية اليمنية والربيع العربي,” سي تي سي سنتنيل, مجلد 5, أصدار9, 17, (اغسطس 2012).
- علقت طالبة وناشطة نسوية احتجزت كرهينة من قِبل الحوثيين قي سبتمبر 2014 علنا على تناقض التحقيق معها مشيرة إلى أنه تم إتهامها مرارا و تكرارا بأنها عميلة للمخابرات الامريكية و تنظيم الدولة الاسلامية في نفس الوقت.
- وكما هو حال كل التحيزات، فإن هذه النظرة تحمل جانبا مشوها و أحاديا من التاريخ اليمني. لقد لعبت الطائفة الزيدية في اليمن بما في ذلك شخصيات بارزة فيها كعبدالوهاب جحاف ويحي المتوكل وعائلة الفسيل وآخرون- دوراً هاماً في الإطاحة بالحكم الملكي عام 1962، وفي تلك الفترة تولى الزيديون مناصب رئيسية في الحكومة وبأدنى مستوى من الجدل.
- مقابلة شخصية في فبراير 2016
- المقابلة كاملة: https://www.youtube.com/watch?v=wjxxqBCZEG8