في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، أي منذ أكثر من 15 عاماً، تصدت الولايات المتحدة الأميركية والحكومة اليمنية تحت حكم الرئيس علي عبد الله صالح، لأول ظهور قوي للقاعدة في اليمن وهزمتها. لكن ذلك النصر لم يدم طويلاً، إذ بعد أقل من سنتين ونصف، وتحديداً في فبراير/شباط 2006، تمكن 23 مشتبهاً بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة من الفرار من سجن جهاز الأمن السياسي في صنعاء، عبر حفر نفق تحت الأرض من غرفة السجن إلى مسجد قريب.
كان من بين الفارين ناصر الوحيشي وقاسم الريمي، اللذان أمضيا وقتا سويا في أفغانستان قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. عمل الوحيشي كسكرتير شخصي لأسامة بن لادن، بينما عمل الريمي كمدرب في إحدى معسكرات القاعدة. وبحسب أحد المصادر، فقد تزوج الريمي لاحقاً من إحدى بنات الوحيشي.[1]
بعد هروبهما من السجن في صنعاء، بدأ الوحيشي والريمي بالعمل بصبر لإعادة بناء البنية التحتية للقاعدة بهدف إعادة إحيائها بعد الهزيمة التي منيت بها. تحت قيادة الرجلين، تحولت القاعدة في اليمن من مجموعة صغيرة قادرة على شن هجمات لمرة واحدة، إلى منظمة مبتكرة قادرة على تهديد الولايات المتحدة. في يناير/كانون الثاني 2009، وكجزء من عملية إعادة بناء التنظيم، قام الوحيشي والريمي بالانضمام إلى سعيد الشهري ومحمد العوفي، السعوديان العائدان من المعتقل الأمريكي في خليج غوانتانامو، لتشكيل القاعدة في جزيرة العرب، بتوحيد فرعي التنظيم في البلدين.
بعدها ببضعة أشهر، نفذ التنظيم هجوما في السعودية وأصيب نائب وزير الداخلية آنذاك، محمد بن نايف بجروح عقب استهدافه في محاولة اغتيال فاشلة. كما تمكن التنظيم من تهريب قنبلة على متن طائرة متجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد عام 2009. بروز أنور العولقي كمسؤول عن التجنيد وكخطيب مفوه بالإضافة إلى مهارات صنع القنابل التي تميز بها إبراهيم العسيري، دفع وكالات الاستخبارات الأمريكية والمحللين الأمريكيين خلال سنوات رئاسة أوباما لوصف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مرارًا وتكرارًا “كأخطر فروع التنظيم“.[2] استمر الوضع على ما هو عليه حتى بعد مقتل العولقي في 2011، والشهري في 2013، والوحيشي في 2015، والعسيري في 2017. في الواقع، عانى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من الضمور في السنوات الأخيرة، ولم يعد يمثل نفس الخطر الإرهابي الذي مثله سابقاً. نعم هو موجود، ولكن فقط كظل لما كان عليه سابقاً. وفي الواقع أيضا، قد يكون عام 2020 هو العام الذي هزمت فيه الولايات المتحدة القاعدة في جزيرة العرب إلى الأبد، وأزالت خطر التنظيم كتهديد إرهابي دولي، ولكن من المرجح أن تستمر القاعدة في جزيرة العرب بتمثيل تهديد محلي داخل اليمن نفسها لفترة من الزمن.
شنت الولايات المتحدة ثلاث هجمات بطائرات مسيرة في اليمن، أواخر يناير/كانون الثاني 2020، أودت بحياة الريمي، زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.[3] حيث شنت أول هجمتين في 25 يناير/كانون الثاني و27 يناير/كانون الثاني في مأرب. وبحسب وسائل إعلام يمنية، قُتل الريمي وعضو التنظيم أبو البراء الإبي في الغارة الثالثة التي استهدفت سيارتهما في 29 يناير/كانون الثاني بمحافظة البيضاء.[4]
استهدف الريمي عدة مرات في الماضي، وحتى الولايات المتحدة نفسها اعتقدت أنها تخلصت منه، ليتبين لاحقاً أنه لا يزال على قيد الحياة. في يناير/كانون الثاني 2017، استهدف الريمي في هجوم شنه فريق من القوات الخاصة الأميركية في اليمن. أسفر الهجوم عن مقتل مدنيين يمنيين بينهم ست نساء وعشرة أطفال، جميعهم تحت سن 13 عاما، إضافة لمقتل جندي أمريكي.[5] ولكن هذه المرة كانت شكوك الولايات المتحدة في مكانها إذ أكد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مقتل الريمي في 23 فبراير/شباط.
بعد مقتل الريمي، أعلن التنظيم تعيين خالد عمر باطرفي، وهو سعودي الجنسية ولكن من أصل يمني، خلفا للريمي كزعيم للتنظيم. وبحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة مؤخراً، فإن باطرفي تولى مسؤولية العمليات الخارجية للتنظيم منذ عام 2017.[6] يرتبط باطرفي بتنظيم القاعدة منذ ما قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، إذ كان مدرباً في معسكر الفاروق بأفغانستان عام 1999، وكان لا يزال في أفغانستان حين نُفذت هجمات سبتمبر. قضى باطرفي عقوبتين في السجون اليمنية، من 2002 إلى 2004 حتى أطلق سراحه من قبل حكومة الرئيس علي عبد الله صالح آنذاك، ومن 2011 حتى أبريل/نيسان 2015، عندما سيطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، إذ قام التنظيم حينها بإطلاق سراحه. كما أطلق التنظيم سراح أكثر من 200 سجين آخر من سجن المكلا المركزي.
سيواجه باطرفي مهمة شاقة في محاولة إحياء التنظيم الذي يذوي، ويمر في أضعف حالاته وأكثرها اضطرابا منذ تأسيسه. كان الريمي قائد عمليات ناجح ولكنه عانى من قدراته الضعيفة كزعيم بشكل عام. وعلى سبيل المثال، ألقى محاضرة مملة للغاية مؤلفة من 40 جزءًا، حول أطروحة عن حرب القرون الوسطى. تآكلت قوة القاعدة في جزيرة العرب خلال السنوات الأخيرة لعدة أسباب، مثل مهارات الريمي القيادية الضعيفة وتزايد الهجمات الأمريكية بالطائرات المسيرة عام 2017، والعمليات الميدانية التي نفذتها القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في اليمن، وظهور الدولة الإسلامية كخصم جهادي منافس.
وفي الواقع – وحتى فبراير/شباط 2020 – فإن آخر هجوم تبناه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في الخارج (أو تبنى جزءًا منه على الأقل) كان الهجوم الذي استهدف مجلة “شارلي إبدو” الفرنسية الساخرة في باريس في يناير/كانون الثاني 2015. في 2 فبراير/شباط 2020، نشر التنظيم رسالة صوتية بصوت الريمي مدتها 18 دقيقة (من المحتمل أن الرسالة سجلت في وقت ما، بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول 2019)، تبنى فيها التنظيم عملية إطلاق النار على قاعدة بينساكولا الجوية في فلوريدا، والتي نفذها محمد الشمراني في 6 ديسمبر/كانون الأول 2019.[7] أسفرت العملية عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين. وكشف التنظيم في الفيديو عن وصية الشمراني لعائلته والمؤلفة من صفحتين، ولكنه لم يقدم أي دليل يؤكد فكرة أن الشمراني تصرف بناءً على أوامر منه. على العكس تماماً، إذ بدا أن هدف الريمي من الفيديو والتسجيل الصوتي هو الادعاء أن الهجوم المستوحى من التنظيم نُفذ تحت توجيهه، وهذا النوع من الرسائل الذي يحاول التنظيم الضعيف تعميمها، يهدف لإظهاره كذي صلة بالحادث، بعد سنوات من غياب نشاطه على المستوى الدولي.
إن وضع تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب اليوم، شبيه بوضعه عام 2003 إلى حد كبير، فهو يعاني ويترنح بشدة، إذ ليس لديه سوى بضعة قادة مؤهلين. كما فقد التنظيم قدرته على جذب الكثير من المقاتلين الأجانب. تشكل وفاة الريمي ضربة للتنظيم؛ وأية خسارات أخرى مماثلة ستعني أنه من غير المرجح تعافي التنظيم، بل قد تعني زوال الجناح الدولي للتنظيم الإرهابي.
- مصدر يمني، مراسلات شخصية، 3 فبراير/شباط 2020.
- براين بينيت، “المخابرات الأمريكية تؤكد مقتل الرجل الثاني في القاعدة”، لوس أنجلوس تايمز، 15 يونيو/حزيران 2015، https://www.latimes.com/world/middleeast/la-fg-yemen-al-qaeda-20150615-story.html
- روكميني كاليمشي وإيريك شميت وجوليان بارنس، “الولايات المتحدة توجه ضربة ضد زعيم تنظيم القاعدة في اليمن”، نيويورك تايمز، 31 يناير/كانون الثاني 2020، https://www.nytimes.com/2020/01/31/world/middleeast/qaeda-yemen-alrimi.html#click=https://t.co/UAWpnsstpE
- ”مصادر محلية تؤكد مقتل قاسم الريمي في ضربة امريكية في البيضاء”، المصدر أون لاين، 2 فبراير/شباط 2020، https://al-masdaronline.net/national/301
- إيريك شميت وديفيد سانجر، “غارة في اليمن: خطر من البداية ومكلف في النهاية”، نيويورك تايمز، 1 فبراير/شباط 2017، https://www.nytimes.com/2017/02/01/world/middleeast/donald-trump-yemen-commando-raid-questions.html، ايونا كرايج، “موت في الغايل”، موقع انترسبت، 9 مارس/آذار 2017، https://theintercept.com/2017/03/09/women-and-children-in-yemeni-village-recall-horror-of-trumps-highly-successful-seal-raid/
- لجنة الأمم المتحدة، التقرير الخامس والعشرون، يناير/كانون الثاني 2020،https://undocs.org/S/2020/53
- رسالة صوت/ فيديو، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، متاحة على موقع Jihadology.net، https://jihadology.net/2020/02/02/new-video-message-from-al-qaidah-in-the-arabian-peninsulas-shaykh-qasim-al-raymi-and-satisfy-the-breasts-of-a-believing-people-blessing-and-adoption-of-the-attack-on-the-american/