إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

إلى أين تتجه السعودية في اليمن؟

Read this in English

قادت السعودية تدخلها العسكري في اليمن أواخر مارس/آذار 2015، على رأس تحالف من عشر دول. كان الهدف الرسمي المعلن من التدخل هو إعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون في سبتمبر/أيلول 2014، وفر منها هادي في فبراير 2015 بعد وضعهم له رهن الإقامة الجبرية.

بعد مرور خمسة أعوام على هذا التدخل، يبدو أن السعودية عالقة في مستنقع اليمن، بينما لم يتغير الوضع على جبهات القتال كثيراً منذ قيام التحالف وشركائه المحليين بدحر الحوثيين من عدن في الشهور الأولى من انطلاق التدخل العسكري. كانت كلفة الحرب مرتفعة للغاية بالنسبة للسعودية، ليس على الصعيد العسكري والمالي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الدبلوماسي، فماذا يحمل العام 2020 لدور السعودية في اليمن؟

يجب النظر إلى نطاق وحجم التدخل السعودي العسكري في اليمن ضمن السياق الأوسع الذي ساد في أعقاب صعود محمد بن سلمان، أوائل العام 2015، إلى السلطة، والذي أحدث ثورة في سياسة المملكة الخارجية.[1] وخلال الفترة القصيرة ما بين 2015 و2018، شنت السعودية، التي لطالما كانت حذرة في السابق، حرباً وحشية في اليمن وقادت حصاراً على جارتها قطر،[2] وأثارت خلافاً دبلوماسياً مع كندا،[3] واختطفت رئيس الوزراء اللبناني وأجبرته على الاستقالة في خطاب متلفز، واغتالت الناقد البارز جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

من المثير للانتباه أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لم يخض مغامرات متهورة نسبيًا على صعيد السياسة الخارجية منذ أواخر عام 2018، وأنه خفف حدة خطابه العدواني والذي عكس طموحاً كبيراً، فكيف يمكن فهم ذلك؟

قد يعود ذلك إلى الإدراك المتزايد بأن سياسة البلاد الخارجية كلفت أثماناً باهظة منذ عام 2015، وأن هذا النهج ليس مستدامًا على المدى الطويل. ولكن ليس واضحاً كيف توصلت المملكة إلى هذا الاستنتاج. من الممكن أن ولي العهد قد أدرك فعلاً ثمن أفعاله، واستنتج أنه يجب أن يقلل من طموحاته، أو أن الملك سلمان وكبار المستشارين لعبوا دوراً بارزاً في تقييد طموحات ولي العهد المتهورة. ويبقى هذان الاحتمالان موضوعا للنقاش.

تغير هذا التحول المفاجئ في السياسة الخارجية السعودية بشكل جزئي، منذ اغتيال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ولكن هذا لا يعني عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2015. وفي الواقع لا تزال المساعي الإقليمية المغامرة مستمرة، بالرغم من عدم شن أي حروب جديدة؛ الحصار الدبلوماسي والاقتصادي المفروض على قطر والحرب في اليمن، تحديدا، لا يشيران إلى أي علامات توحي بالتراجع

إذن، ماذا تعني إعادة التقييم الجزئية هذه على مستوى التدخل السعودي في اليمن؟

تريد الرياض أن تظل منخرطة في اليمن، ولكنها في الوقت نفسه تريد خفض تكاليف هذا التدخل. طبعاً القول دائما أسهل من الفعل، خاصةً أن السعودية لم تقم حتى الآن بإعداد وتنفيذ استراتيجية تسمح لها بتحقيق هذا الأمر.

لا تستطيع الرياض تحمل كلفة الانسحاب التام من اليمن بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية التي تمثلها الأخيرة بالنسبة للمملكة، وبالنسبة للحدود المشتركة بينهما والتي يبلغ طولها 1480 كيلومتر؛ وبالتالي فهي في الواقع تتطلع إلى إعادة ضبط تدخلها عوضاً عن الانسحاب التام. لا تزال الرياض تعتقد أن دعمها ضروري ومهم للغاية لضمان بقاء التحالف الفضفاض وغير التقليدي الذي يدعم الرئيس هادي، والذي يشمل حزب الإصلاح، وبعض بقايا المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح) ومجموعة متنوعة من الميليشيات القبلية ومن الأشخاص الذين تربطهم بالتحالف مصالح تجارية، ووحدات موالية في القوات العسكرية والأمنية. تعتقد الرياض – وهي محقة في ذلك – أن انسحابها المفاجئ سيضعف التحالف أو يؤدي إلى تفككه، ما يخدم الحوثيين وداعمهم الخارجي، إيران.

في الوقت نفسه، تريد الرياض تخفيض تكاليف تدخلها في اليمن، فلقد أدركت أنه ليس بمقدورها تحمل التكاليف المالية والعسكرية على المدى الطويل،[4] وأن الثمن الذي تدفعه على المستوى الدبلوماسي – مثل صورتها في الغرب سواء في وسائل الإعلام أو في الدوائر السياسية – مستمر بالارتفاع. كل هذا يعقد قدرة المملكة على الاستفادة من شراكاتها الوثيقة مع الحكومات الغربية التي تعتبرها ضرورية لأمنها. هذا ينطبق تحديدا على علاقة السعودية مع الولايات المتحدة – وهي الأهم من بين علاقتها – حيث حالة الاستياء من الرياض تزداد تدريجياً، والتطورات داخل الكونغرس خير دليل على هذا، إذ أن معارضة الحرب في اليمن أفسحت مجالًا للتعاون بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، خاصة بعد فوز الحزب الديمقراطي بأغلبية مقاعده عام 2018. وفي حال فاز مرشح ديمقراطي بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قد يسلك مسار العلاقات السعودية-الأمريكية طريقاً وعرة.

إعادة ضبط هذا الدور السعودي في اليمن ليس سهلاً على الإطلاق، إذ لم تتقدم الرياض نحو تحقيقه حتى الآن. ربما يعود ذلك لعدة أسباب:

أولاً، أن إحداث تغيير كهذا في السياسة أمر معقد ويزيد من صعوبته ضعف قدرات المملكة البيروقراطية والمؤسسية؛ ثانياً، لعل التحدي الأكبر أمام الاستراتيجية السعودية في اليمن هو هادي نفسه، فلقد ربطت الرياض مصيرها به كلياً، فهادي يقود التحالف الذي تدعمه السعودية لمواجهة الحوثيين وإيران كرئيس لديه حكومة معترف بها دوليا، والتحالف يستند في تدخله أساسا على طلب من هادي. وبناء عليه، لا غنى للتحالف والرياض عن هادي. ولكن لأن هادي رجل ضعيف وفاسد وغير كفؤ، فهذا يشكل عائقًا كبيرًا أمام قدرة الرياض على تحقيق أهدافها في اليمن.

فضلاً عن هذا، فإن الجبهة المناهضة للحوثيين ضعيفة ومجزأة، وهادي هو زعيم هذه الجبهة شكلياً فقط. من شأن هذا الأمر أن يحد من نفوذها عند إجراء محادثات مع الحوثيين. يفسر هذا جهود المملكة الحثيثة لتعزيز وحدة وقوة القوات الموالية للحكومة، لا سيما عبر اتفاق الرياض الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2019. لكن هذا الاتفاق، الذي يهدف إلى دمج المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي ضمن الهياكل الحكومية المركزية، فشل إلى حد كبير.[5] سوف تستمر الرياض، وربما تكثف جهودها، لتوحيد وتدعيم الجبهة المناهضة للحوثيين، ولكن فرص نجاحها قليلة بالنظر إلى انقسام هذه الجبهة، وعدم توفر بديل عن هادي أمام الرياض. وبالتالي، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا فيما يخص تورط السعودية في اليمن عام 2020 هو استمرار الوضع الراهن.


المراجع:

  1. محمد بن سلمان هو نجل الملك سلمان الذي اعتلى العرش في يناير/كانون الثاني 2015، بعد وفاة أخيه غير الشقيق عبد الله. أصبح محمد بن سلمان وزيرا للدفاع، وتراكمت مسؤولياته بثبات. أصبح ولياً للعهد عام 2017 عندما تم تهميش ابن عمه محمد بن نايف. انظر مضاوي الرشيد، “إرث سلمان: معضلات عصر جديد في المملكة العربية السعودية”، دار نشر جامعة أكسفورد، 2018.
  2. كريستيان كوتس أولريشسن، “قطر وأزمة الخليج: دراسة المرونة”، دار نشر جامعة أكسفورد، 2020.
  3. توماس جونو، “السعودية طردت السفير الكندي في الرياض. إليكم السبب”، واشنطن بوست، 6 أغسطس/آب 2018، https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2018/08/06/saudi-arabia-just-expelled-the-canadian-ambassador-in-riyadh-heres-why/
  4. لم تنشر الرياض أرقامًا رسمية، لكن الحرب عمومًا تقدر تكلفتها بـ2-5 مليار دولار شهريًا. التقييم مبني على مقابلات المؤلف مع دبلوماسيين ومحللين في الرياض وأبوظبي، 19-2018
  5. آن ليندا أميرة أوغسطين، “معوقات أمام تنفيذ اتفاق الرياض ، معهد الشرق الأوسط، 24 فبراير/شباط 2020، https://www.mei.edu/blog/obstacles-implementation-riyadh-agreement
مشاركة