إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

خمس سنوات من الفشل: الأداء المؤسف لحكومة هادي

Read this in English

أسهل طريقة لتدوين أداء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ اندلاع الحرب في البلاد هي عبر سرد إخفاقاتها. شهدت السنوات الخمس التي انقضت منذ تدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن، نيابة عن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، إخفاقاً تلو الآخرعلى مختلف الأصعدة: عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. ونتيجة لتلك الإخفاقات، لا تزال الحكومة – التي تعمل إلى حد كبير من المنفى في السعودية – بعيدة عن تحقيق هدفها المتمثل بالعودة إلى السلطة في صنعاء، كحالها عام 2015. كما بات ادعائها بامتلاك الشرعية المحلية هشاً أكثر من أي وقت مضى، مع ترسيخ جماعة الحوثيين حكمها في الشمال وتحدّي حلفاء الحكومة النظريين سلطة الأخيرة في المناطق التي تسيطر عليها بالاسم.

وكمتعمق في السياسة اليمنية لا يفاجئني الأمر في الواقع؛ كان الفشل سمة ثابتة لأداء الحكومة على مدى العقود الأربعة الماضية. ففي حين يمكن أن يُعزى ذلك جزئياً إلى الضعف المؤسسي، إلّا أن السبب الرئيسي هو طبيعة النظام إبّان عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. غالباً ما تصرفت النخب الحاكمة – المكونة من دائرة صالح الداخلية وعائلته عبر التحالف مع زعماء القبائل وقادة عسكريين ورجال أعمال بارزين – خارج القانون وتجاوزت المؤسسات الحكومية دون عقاب. سطت شبكات المحسوبية غير الرسمية لنظام صالح على سلطة المؤسسات الحكومية، وحولت الرقابة المؤسسية إلى أداة سياسية تستخدمها النخب الحاكمة لتعزيز نفوذها وتعظيم أرباحها. شل انعدام المساءلة المؤسسات وغرس ثقافة اللامبالاة وبات من الصعب إنجاز الأمور الهامة من دون تدخل الرئيس المباشر، ما حول الحكم في اليمن إلى حكم فردي. صقل صالح مهاراته في تلك البيئة وأتقن التحكم بشؤون الدولة الصغيرة وتأليب نخبة ضد أخرى ما مكنه من السيطرة بشكل كامل.

عندما تولى الرئيس عبدربه منصور هادي الرئاسة عام 2012، كان إطاره المرجعي الوحيد في الحكم هو صالح، إلا أنه افتقر للصلابة والمهارة في المناورة السياسية والتي اتسم بها سلفه. حاول هادي اتباع نموذج الحكم الفردي، ما فاقم انعدام المساءلة، التي تعتبر نقطة ضعف الحكومة الرئيسية. وازداد هذا الوضع سوءاً أثناء الفترة الانتقالية (2012-2014) على يد النخب المنتسبة لحزب الإصلاح – أبرز افرادها الشيخ ورجل الأعمال حميد الأحمر – التي استخدمت الحكومة كأداة لتعزيز مصالحها التجارية والسياسية.

في الفترة التي سبقت استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014، أُصيبت الحكومة اليمنية بالشلل، وفشلت في وضع استراتيجية للتعامل مع الحوثيين بتكلفة مقبولة. وبعد خوضها سلسلة من الحروب في صعدة ضد الحكومة المركزية في مطلع الألفية بدأت الجماعة المتمردة بالتوسع في المحافظات الأخرى أثناء الفترة الانتقالية. وفي الوقت نفسه، شارك الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني للبلاد قبل الانسحاب رفضاً للتقسيم الفيدرالي الذي اقترحه هادي والذي ترك إقليم آزال (الذي شمل محافظة صعدة) محروماً من الموارد الطبيعية ومن الوصول إلى الموانئ. ترك استيلاء الحوثيين على محافظة عمران في يوليو/تموز 2014 الطريق إلى العاصمة صنعاء دون حماية، وبعد وصولهم إليها في سبتمبر/أيلول، لم تتمكن الحكومة من التفاوض للوصول إلى اتفاق سياسي دائم معهم – إتفاق كان سيتطلب على الأقل تعديل مخطط التقسيم الفيدرالي عبر توسيع منطقة آزال لتشمل حجة وربما أجزاء من مأرب والجوف. نتيجة لذلك، استمرت العلاقات العدائية، وتطورت في نهاية المطاف إلى صراع اجتاح البلاد. دفع الفشل في التوصل إلى تسوية بالحكومة إلى شن حرباً كانت عاجزة عن إدراتها، وتجلى ذلك تحديداً حين فوضت قوات التحالف بقيادة السعودية عام 2015 بشن حملة عسكرية مدمّرة ضد الحوثيين.

وبعد مرور خمس سنوات، كان ضعف الحكومة اليمنية أمام شركائها في التحالف ملحوظاً بشكل واضح. فعندما بدأت قوات التحالف تدخّلها عبر شن حملة جوية ضخمة استهدفت البنية التحتية الحيوية، والمستشفيات، ومصانع الأغذية، ومواقع التراث الثقافي، لم تنبس حكومة هادي ببنت شفة. ساد هذا الصمت وأمسى سمة دائمة للصراع، حيث بدت الحكومة موافقة على السماح للسعودية والإمارات، الشريكان الرئيسيان في التحالف، بتحقيق أجندتهما في البلاد، حتى لو كانت تلك الأجندة تتعارض مع مصالحها ومع مصالح الشعب اليمني.

بعد انهيار محادثات السلام في الكويت في أغسطس/آب 2016، غيرت الرياض مسارها وبدأت بتعطيل تقدم القوات الحكومية، وفضّلت بدلاً من ذلك الاعتماد على الغارات الجوية والحفاظ على القتال عند مستوى يمكن التعامل معه. وبدلاً من محاولة كسب الحرب، بدأت السعودية باستخدام الصراع اليمني للحشد ضد إيران، منتهزةً الفرصة لتنفيذ خططها الاستراتيجية . فلقد أرادت المملكة وعلى مدى عقود السيطرة على ممر بري إلى بحر العرب، عبر حضرموت و/أو محافظة المهرة، لكي لا تمر شحنات النفط عبر مضيق هرمز، الذي يعتبر نقطة اختناق بحرية. ورغم أن الدستور اليمني لا يُعطي الرئيس سلطة التنازل عن أراضي، إلا أن نشر السعودية قواتها في المهرة منذ عام 2017 أعطى الرياض سيطرة فعلية على المحافظة. أما الإمارات، فلقد شكلت ودعمت منذ بداية الصراع وحدات عسكرية لا تعترف بسلطة الحكومة اليمنية. وفي كلتا الحالتين، فشلت الحكومة اليمنية في منع حلفائها من التمادي على سيادة اليمن.

على الصعيد المحلي، فشلت الحكومة اليمنية في بناء جبهة سياسية موحدة ضد جماعة الحوثيين، ما أدى إلى تقسيم الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة إلى مناطق نفوذ متناحرة. أقصت الحكومة في المراحل الأولى من الحرب، حزب المؤتمر الشعبي العام وأبعدت المنشقين العسكريين والسياسيين عن صنعاء. ورضخت لمحاولة حزب الإصلاح الشرسة لاحتكار السلطة في مأرب وتعز. أما قوات المقاومة الوطنية المدعومة من الإمارات والتابعة لحزب المؤتمر والمتواجدة على ساحل البحر الأحمر بقيادة طارق صالح، إبن شقيق علي عبد الله صالح، فلقد رفضت الاعتراف بشرعية الحكومة اليمنية. وفي هذه الأثناء، شجع إهمال الدولة لشؤون الجنوب وإقالة هادي لقادة جنوبيين من مناصبهم على إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أصبح المنافس الرئيسي للحكومة في الجنوب. رفضت الحكومة الاعتراف بحق المجلس الانتقالي الشرعي بتمثيل قاعدته الشعبية في الضالع ولحج، ما دفع بالمجلس الانتقالي على الإصرار على احتكار تمثيل جنوب اليمن كله واستبعاد الفصائل البدوية الموالية لهادي في أبين وشبوة. تطور النزاع إلى اشتباك مسلح في أغسطس/آب عام 2019، وعلى الرغم من جهود السعودية لحل الخلافات، إلا أن التوترات بين الأطراف لا تزال مشتعلة تحت الطاولة. في هذه الأثناء، وضعت حضرموت بهدوء وذكاء الأسس لدولة حضرمية مستقلة، إما ضمن اليمن الفيدرالي أو ككيان مستقل.

فشلت الحكومة فشلاً ذريعاً في إدارة شؤون البلاد وكان لقرارها باستخدام الاقتصاد كسلاح خلال الحرب نتائج مدمرة على البلد بأكمله. وأوضح مثال على ذلك كان قرارها المتهور في سبتمبر/أيلول 2016 بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. وقد تعهدت الحكومة، كجزء من هذه الخطوة، بدفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين (وهو وعد لم تف به) رغم أن معظم إيرادات الدولة ظلت تحت سيطرة الحوثيين. تمكن الحوثيون من استخدام هذه الإيرادات لتمويل الحرب إلى جانب إثراء أنفسهم بعد تحررهم من مسؤولية دفع رواتب الموظفين الحكوميين. كان لقرار تقسيم إحدى أهم المؤسسات وأكثرها حيوية في اليمن – والتي كانت مستمرة في العمل حينها – دون التخطيط اللازم للحفاظ على وظيفتها الأساسية، أي ضمان سياسة نقدية متماسكة، تداعيات سلبية وخيمة على الاقتصاد وعلى جميع اليمنيين.

بذلت الحكومة قصارى جهدها لإضعاف مؤسسات الدولة الأخرى، مما قلل من قدرة الدولة اليمنية على الصمود. وبما أن العديد من هذه المؤسسات كانت تتمركز في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، كانت الحكومة على استعداد لإيقاف عملها من أجل “إنقاذها” من الحوثيين. حاولت الحكومة استنساخ هذه المؤسسات في عدن ولكنها لم تأخذ بعين الإعتبار أن عدن كانت تحت سيطرة معارضي هادي في المجلس الانتقالي. وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فإن معظم الوزارات الحكومية تتألف من وزير وحقيبة أوراق وعدد من المساعدين. وينعكس ذلك في المستوى البائس للخدمات المقدمة إلى المجتمعات الخاضعة لسيطرة الحكومة. وفي نظر العديد من اليمنيين، فقدت الحكومة الشرعية، التي استمدتها من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأصبحت رهينة لداعميها في التحالف.

كان إخفاق الحكومة على جميع الجبهات تقريباً مفيداً لجماعة الحوثيين، التي تتشكل من الشباب العقائديين المنضبطين، إذ فرضت الأخيرة سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة في صنعاء خلال الحرب. كما عين الحوثيون الموالين لهم في المناصب الرئيسية، وفعّلوا القطاعات الأكثر أهمية بالنسبة لهم، مثل تحصيل الإيرادات، ورقابة الشرطة، وهياكل الحكم المحلي وأدوات التعبئة الشعبية.

طوال هذا الوقت، تبدو مختلف الأطراف داخل الحكومة راضية عن أدائها الضعيف طالما أنها تستفيد من الحرب. أحد الأمثلة البارزة على الكسب غير المشروع أثناء الصراع تجلى في تضخيم جداول الرواتب الحكومية بمئات الآلاف من الجنود (الجنود الأشباح) والموظفين المدنيين الوهميين، مما يتيح للمسؤولين قبض رواتب زائدة. ويبدو أن التنافس على الوظائف غير الموجودة، والفرص الأخرى للانتفاع في قطاعات الحكومة، يتفوق على أي اهتمام بالإدارة الفعّالة أو حتى خوض الحرب بطريقة أفضل.

نادراً ما تأخذ الحكومة موقفاً ولكنها عندما تفعل، فغالباً ما يكون ذلك ناجماً عن الانقسامات التي شلتها منذ البداية، وخير دليل على ذلك هو استقالة وزيري الخدمة المدنية والنقل مؤخراً. لم يستقيل أي من أعضاء الحكومة احتجاجاً على قصف طائرات التحالف للقوات الحكومية في نهم أو الجوف أو تعز أو شبوة أو أبين. ولكن عندما ضُغط على هادي للتصالح مع المجلس الانتقالي الجنوبي، استقال عدة وزراء.

تستمر الحكومة اليمنية بفقدان ثقة غالبية السكان ولكنها لا تزال الممثل الشرعي للشعب اليمني في نظر المجتمع الدولي. وبالتالي ستبقى أيضاً المفاوض الرئيسي على الطاولة مع جماعة الحوثيين للتوصل إلى تسوية نهائية للصراع. ولكي تنجح هذه المفاوضات، يجب إعادة هيكلة الحكومة لتشمل ممثلين عن جميع الأحزاب اليمنية التي تحارب حالياً تحت مظلة التحالف المناهض للحوثيين، وسيؤدي الفشل بتحقيق ذلك إلى إطالة أمد الصراع وخسارة المزيد من الأرواح.


مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.

مشاركة