أعلن التحالف بقيادة السعودية في التاسع من ابريل/نيسان وقف إطلاق نار أحادي الجانب في اليمن لمدة أسبوعين، مؤملا أن تمثل هذه الخطوة فرصة لإنهاء تدخله العسكري المحفوف بالمصاعب والمستمر منذ خمس سنوات. ولكن محاولات التوصل إلى تسوية سياسية ستكون معقدة وقد تتعثر لأنه لم يتم التشاور مع الحوثيين قبل إعلان وقف إطلاق النار كما أنه ليس هناك إجماع على الخطوات المقبلة بين السعوديين والإماراتيين والحكومة اليمنية بقيادة عبد ربه منصور هادي. وبالرغم من استمرار القتال بعد إعلان وقف إطلاق النار في أغلب الجبهات المفتوحة، فإن احتمال إيقاف الصراع مؤقتاً يُعتبر فرصة ملائمة للتمعن في دور الكويت وسلطنة عُمان على مستوى التهدئة والحوار وبناء الثقة في/وعبر الجهود الدبلوماسية.
اعتمدت كل من الكويت وعُمان نهجاً يتسم بالدبلوماسية وسط دوامة السياسة الخليجية، إذ يختلف نهج الدولتين كثيراً عن نهج السعودية والإمارات العربية المتحدة الذي يستند إلى القوة فيما يخص الشؤون الإقليمية. ركزت عُمان، خلال حكم السلطان قابوس بن سعيد الذي امتد من عام 1970 حتى 2020، على تسهيل المحادثات بين الخصوم عبر إيصال الرسائل وخلق الظروف الملائمة لعقد الاجتماعات. وأبرز مثال على ذلك هو استضافة عُمان للمفاوضات التي تمت عبر القنوات الخلفية بين إيران والولايات المتحدة خلال عامي 2012 و2013. أما الكويت فقد ركزت أكثر على لعب دور الوسيط، إذ غالباً ما قام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي تولى منصب وزير الخارجية لأربعة عقود من الزمن، بجولات دبلوماسية مكوكية كما حدث في الأسابيع الأولى من الخلاف داخل مجلس التعاون الخليجي عام 2017، في محاولة لرأب الصدع بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية.
لدى كل من الكويت وعُمان سجل حافل بعمليات التوسط وتسهيل المحادثات فيما يخص اليمن. فخلال تولي الشيخ صباح الأحمد وزارة الخارجية الكويتية، لعبت الكويت دور الوسيط في عدة مناسبات، أحدها خلال أحداث عام 1972 عقب الاشتباكات الحدودية بين دولتي شمال اليمن وجنوبه، ثم أصبح دورها أكثر مباشرة عند تجدد الصراع بين الشطرين عام 1979 حين استضافت قمة المصالحة التي انتهت بتوقيع ما أصبح يعرف باتفاقية الكويت. ولكن العلاقات بين الكويت واليمن تأزمت بشدة عندما لم تدن الجمهورية اليمنية الموحدة حديثاً حينها غزو صدام حسين للكويت في أغسطس/آب 1990، واستغرقت عملية إعادة العلاقات الى طبيعتها عدة سنوات.
عام 2016، حاولت الكويت التوسط في حرب اليمن عبر استضافة محادثات استمرت لأشهر خلال الفترة (أبريل/نيسان – أغسطس/آب 2016) ولكنها فشلت في سد الفجوات بين أطراف الصراع. ونسقت الكويت عن كثب مع الأمم المتحدة ومع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، كما ركزت الكويت على الملف اليمني خلال عضويتها في مجلس الأمن عامي 2018 و2019.
خلال السنوات الماضية عملت عُمان بكثافة لإيصال الرسائل وتسهيل المحادثات عبر القنوات الخلفية بين أطراف الصراع المختلفة، التي تشمل الجهات الفاعلة اليمنية المحلية والمسؤولين الأجانب من الدول المرتبطة بشكل وثيق بأبعاد الحرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران. ترتبط محافظة ظفار في غربي سلطنة عُمان بمحافظة المهرة الواقعة في أقصى شرقي اليمن عبر شبكة من العلاقات القبلية والتجارية والاجتماعية والاقتصادية العابرة للحدود، وبالتالي ينظر المسؤولون العُمانيون بقلق إلى النفوذ السعودي والإماراتي المتنامي في المهرة. وتعتبر عُمان بالنسبة للعديد في اليمن وسيطاً محايداً وجديراً بالثقة كونها الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تشارك بأية أعمال ضمن التحالف العسكري بقيادة السعودية. قدرة عُمان على التحدث مع جميع الأطراف شملت لقاءات مع مسؤولين سعوديين وحوثيين رفيعي المستوى إلى جانب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث. ولعبت عُمان أيضا دوراً رئيسياً في التوسط لعقد محادثات عبر القنوات الخلفية بين السعودية والحوثيين عقب الاعتداءات على المنشآت النفطية السعودية في سبتمبر/أيلول 2019.
ومما لا شك فيه أن التأثير غير المسبوق لجائحة كورونا قد هيمن على صناع السياسات في وقت تكافح فيه الحكومات لمواجهة الجائحة. أما عُمان، على وجه التحديد، فلقد تأثرت بشدة إلى جانب تداعيات كورونا نتيجة انخفاض أسعار النفط منذ مارس/آذار. هذه الضربة المزدوجة عقدت الشهور الأولى من حكم السلطان هيثم بن طارق الذي خلف ابن عمه السلطان قابوس في يناير/كانون الثاني، والذي تعهد بالسير على نهج سلفه فيما يخص الشؤون الإقليمية ودعم الحلول السلمية لمعالجة النزاعات. ويرى البعض أن قدوم قيادة جديدة في مسقط سيشكل فرصة لإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع السعودية والإمارات بعد توترها المعهود مؤخرا. كما أن الرغبة السعودية في الانسحاب عسكرياً من اليمن تعني أن أي محادثات تسهلها وتستضيفها عمان تمتلك فرصة أكبر لتتوسع وتشمل مفاوضات رسمية وجوهرية، على غرار ما حدث بين إيران والولايات المتحدة حين مهدت المحادثات بينهما –بوساطة عمانية- إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بين طهران ودول الـ5+1.
فيما يتعلق بالصراع في اليمن، فإن التحدي المقبل أمام الكويت وعُمان وأمام أي طرف إقليمي أو دولي آخر يسعى للتدخل فيه هو تحديد الطرق العملية لدعم خطوات التهدئة وسد الفجوات بين المواقف المغالية التي قوضت المحادثات السابقة. ولكي تكون العملية السياسية مجدية ولا تلقى نفس مصير الوساطة الكويتية عام 2016، لا بد من العمل التحضيري المضني والحثيث لاستكشاف حلول الوسط الممكنة حول قضايا معينة، وخفض سقف توقعات أطراف الصراع لتتمكن جميع الأطراف من بناء الثقة ببعضها البعض، والاتفاق على معايير واضحة لأي مفاوضات سلام مقبلة، للحد من مخاطر قيام البعض بمساعٍ للفت الأنظار وتسجيل النقاط.
الكويت وعُمان في موقع جيد لوضع معظم الأسس اللازمة للتفاوض والتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب في اليمن. بشكل عام، فإن جميع الأطراف تنظر إليهما كوسيطين ذوي مصداقية وجديرين بالثقة ولا تلوث سمعتهما – نسبياً – أي ارتباطات وثيقة بطرف من أطراف النزاع. حيادهما الملموس وعمل المسؤولين الكويتيين والعمانيين الراسخ في المجال السياسي بالمنطقة يعني أن الكويت وعمان قد تستطيعان أكثر من غيرهما دفع الأطراف المتحاربة للتغلب على السنوات الماضية المتسمة بانعدام الثقة التي عرقلت محاولات الأمم المتحدة الرامية لتعزيز ودعم المسار السياسي في اليمن.