مطلع فبراير/شباط الماضي، دعا مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي التابع لجماعة الحوثيين المسلحة، الشاب البالغ من العمر 35 عامًا، إلى اجتماع خاص لكبار القادة والمسؤولين الحوثيين في صنعاء. أراد المشاط الذي أصبح رئيسًا للمجلس في أبريل/نيسان 2018 وضع حد للشائعة التي انتشرت واكتسبت زخمًا خلال الأشهر الأخيرة إذ تداول البعض على وسائل التواصل الاجتماعي وفي جلسات القات (نبتة منبهة يلوكها اليمنيون في مجالسهم خلال ساعات المساء) في جميع أنحاء المدينة الحديث عن أنه ليس سوى شخصية صوريّة. وبحسب مصدر مطّلع على الإجراءات، تحدث إلى مركز صنعاء، وصف المشاط تلك الشائعات بـ”الهراء”، وقال وهو ينظر إلى مدير مكتبه البالغ من العمر 49 عامًا والجالس في الطرف الآخر من الاجتماع أحمد حامد والذي تناولته الشائعات أيضًا: أحمد أخ عزيز لي، ولا يتخذ أي قرار قبل إجراء مشاورات مكثفة.
لم يصدق ما قاله المشاط سوى قلة من الموجودين في تلك الغرفة، صحيح أن المشاط هو الرئيس الرسمي لحكومة الحوثيين (غير معترف بها)، لكن أحمد حامد -الذي يبدو زائد الوزن ويعاني من الصلع- يُعرف في صنعاء برئيس الرئيس، ويصفه أحدث تقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن بأنه “ربما يكون أقوى زعيم مدني حوثي من خارج أسرة الحوثي”.
يعود جزء كبير من السلطة التي يمتلكها حامد إلى علاقته الطويلة والوثيقة بعبدالملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثيين. ولِد أحمد حامد في قرية مران عام 1972 أي نفس المكان الذي ولد فيه حسين بدرالدين الحوثي، شقيق عبدالملك، ومؤسس جماعة الحوثيين الراحل.
كان حامد من أوائل أتباع حسين الحوثي وأكثرهم إخلاصًا له، لكنه أيضًا قضى وقتًا طويلًا مع تابع آخر لحسين، وهو عبدالملك، الأخ الأصغر غير الشقيق لحسين الحوثي، إذ هما صديقان منذ الطفولة. خلال حرب الحوثيين الأولى عام 2004، أمضى حامد وعبدالملك الحوثي معًا أسابيعًا في كهف تحت الحصار في جبال صعدة الوعرة، وانتهت تلك الحرب في سبتمبر/أيلول 2004 بمقتل حسين الحوثي على يد القوات الحكومية.
في ذلك الوقت، بدا وكأن جماعة الحوثيين ستنتهي مع مقتل قائدها حسين. حاول عبدالله الرزامي، القيادي القبلي وعضو البرلمان السابق والذي كان مقربًا من حسين، السيطرة على ما بناه صديقه، ولكن حامد وبعض الأشخاص الآخرين ضغطوا لكي يخلف عبدالملك الحوثي شقيقه حسين، بذريعة أن الجماعة بحاجة إلى أحد من نسل النبي محمد كقائد لها. فشلت محاولة الرزامي للسيطرة على الجماعة في نهاية المطاف، وتولى والد حسين، بدرالدين الحوثي، السيطرة المؤقتة على الجماعة حتى انتقلت القيادة إلى عبدالملك عام 2010.
لم ينسَ عبدالملك أبدًا دعم حامد في بداية مسيرتهم، فغالبًا ما كان الاثنان معًا خلال حروب الحوثيين الست المتتالية ضد الحكومة اليمنية خلال الفترة من 2004 إلى 2010؛ ما أدى إلى تعميق الأواصر التي بدأت منذ طفولتهما. عندما سيطر الحوثيون على صنعاء أواخر عام 2014، عُيّن حامد مسؤولًا عن إعلام الجماعة، وهو الدور الذي تحوّل في النهاية إلى منصب وزير إعلام الحوثيين. لكنه كعبدالملك يعمل الآن خارج الهياكل الحاكمة الحالية. يوجد عبدالملك في مكان غير معروف شمالي اليمن، ولكن حامد هو الرجل الذي يُعتمد عليه في صنعاء.
في البداية، حكم الحوثيون صنعاء وشمالي اليمن بالشراكة مع عدوهم السابق، الرئيس السابق علي عبدالله صالح. شكّل الحوثيون وصالح معًا المجلس السياسي الأعلى في يوليو/تموز 2016 الذي تألف من عشرة أعضاء، خمسة رشحهم الحوثيون وخمسة رشحهم صالح. لكن تحالف الحوثيين وصالح، المبني إلى حد كبير على مصالح وأعداء مشتركين، كان محكومًا عليه بالفشل منذ البداية نظرًا للضغائن بينهما، فقوات صالح هي من قتلت حسين الحوثي عام 2004.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، اندلع الخلاف بين الطرفين وقُتل صالح -ويقول البعض إنه أُعدم- على يد الحوثيين. بعد رحيل صالح، عزز الحوثيون سيطرتهم على صنعاء والحكومة في الشمال، ما يعنى أن القيادي الحوثي، صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى أصبح -حينها- رئيسًا لسلطات الأمر الواقع الحوثية، لا يعارضه أي من أعضاء المجلس الذين اختارهم صالح بعناية.
في يناير/كانون الثاني 2018، عيّن عبدالملك الحوثي أحمد حامد مديرًا لمكتب الصماد، وعندما قُتل الأخير في غارة جوية بعد بضعة أشهر، بقي حامد في منصب مدير مكتب الرئيس الجديد مهدي المشاط. وجود حامد في هذا المنصب أتاح لعبدالملك رصد الرئيس في حالِ أصبح قويًّا أكثر مما يجب، واستخدم حامد هذه السلطة لزيادة نفوذه في صنعاء، حتى أنه دخل في صراع مع أفراد من عائلة الحوثي.
استمرت سيطرة الحوثيين على الحكم في الشمال على مراحل، حيث ركز الحوثيون في البداية على من يرأس الوزارات الحكومية فاستبدلوا الوزراء وكبار المسؤولين بموالين لهم، لكنهم أبقوا البيروقراطية على ما هي. في وقت لاحق، ووسط مخاوف متزايدة بشأن ولاء الكثير من الموظفين الإداريين الذين يشغلون مناصبهم منذ عهد صالح، طبق الحوثيون نظام “المشرفين”، وعيّنوا شخصيات حوثية موثوقة كمشرفين في معظم الإدارات. هؤلاء المشرفون ليسوا جزءًا رسميًّا من البيروقراطية الحكومية، ولكنهم يقررون ما يمكن أو لا يمكن للوزارة أن تفعله، وفي الحقيقة هم من يديرون كل إدارة فيها. لعب حامد إلى جانب مسؤول حوثي كبير آخر وهو محمد الحوثي دورًا أساسيًّا في تعيين العديد من هؤلاء المشرفين، وفي عالم سياسة الحوثيين حيث تعتبر العلاقات غير الرسمية أكثر أهمية من الألقاب الرسمية يقدم العديد من أولئك المشرفين تقاريرهم إلى حامد ويأخذون منه توجيهاتهم.
أما تحركات حامد الأكبر والأكثر إثارة للجدل، كانت في الجانب المالي حيث حوَّل الأموال من حسابات كل من صندوق رعاية الشباب وهو صندوق تابع لوزارة الشباب والرياضة، وحساب الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات إلى سلطة مكتبه، بحسب مسؤول سابق بأحد تلك الصناديق ومسؤول برلماني مطّلع على تلك التحويلات. وبحسب المصادر ذاتها، وضع حامد في مايو/أيار 2018 الهيئة العامة للزكاة، المسؤولة عن جباية الزكاة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تحت سلطة مكتبه أيضًا. حاول حامد بعد بضعة أشهر السيطرة على حساب وزارة الأوقاف والإرشاد التي تدر أيضًا إيرادات كبيرة ولكنه لم يتمكن من السيطرة المباشرة على حساباتها، لذلك قال المصدر البرلماني إن حامد أنشأ في نهاية الأمر إدارة موازية لها -تُعرف باسم الهيئة العامة للأوقاف– ثم ربطها بمكتب الرئاسة؛ ما أتاح له الوصول إلى تلك الموارد وإن كان من الباب الخلفي.
أما خارج اليمن فقد اشتُهر حامد بسيطرته على المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، الذي حلّ مكان الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التي كانت تحت سيطرته أيضًا. يشغل حامد منصب رئيس مجلس إدارة المجلس الذي يشرف على استلام وتوزيع جميع المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين. فكما وصف مدير يمني لمنظمة إغاثة محلية -في حديث لوكالة أسوشيتد برس- الوضع: لا يمكن حتى تنفيذ مشروع بسيط في شمال اليمن دون موافقة هذا المجلس وإشرافه.
أرسل مركز صنعاء طلبًا لمقابلة حامد ولكنه لم يرد على الطلب.
استخدم حامد عبر المجلس المساعدات الغذائية كسلاح وأداة لمكافأة الموالين ومعاقبة المعارضين. الجدير بالذكر أن أحد أعضاء المجلس هو رئيس جهاز استخبارات الحوثيين، الجهاز الذي وصفه فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بالـ”مرشح غير (المناسب) لكيان مختص بتنسيق المساعدات الإنسانية”. يتدخل حامد من خلال منصبه على قمة هرم المجلس بشكل مباشر على جميع المساعدات التي تتدفق إلى شمالي اليمن، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان والأكثر حاجة للمساعدات في بلد تصف الأمم المتحدة الوضع فيه بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
أظهر تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس عام 2020، أنه في وقت من الأوقات كانت ثلاث وكالات مختلفة تابعة للأمم المتحدة تدفع رواتب شهرية يبلغ مجموعها 10 آلاف دولار لكبار المسؤولين في المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، ومن المفترض أن حامد كان أحد أولئك المسؤولين. “كما قدمت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مبلغ مليون دولار كل ثلاثة أشهر إلى المجلس من أجل تكاليف لتأجير المكاتب والتكاليف الإدارية، ومنحت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة المجلس مبلغ 200 ألف دولار أخرى للأثاث والألياف الضوئية”.
في وقت من الأوقات خلال عام 2019، اقترح حامد أن يُمول المجلس من ضريبة نسبتها 2% من الميزانية التشغيلية لكل منظمة إنسانية تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مارسا الضغط ضد محاولة الابتزاز الواضحة. سحبت الولايات المتحدة التمويل الإنساني من هناك في مارس/آذار 2020، مشيرة إلى مخاوف من أن الحوثيين كانوا يتلاعبون بالمساعدات لتمويل جهودهم الحربية.
اتهم برنامج الغذاء العالمي المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية بتحويل وبيع مساعدات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، وردّت قيادة الحوثيين باتهامات مضادة، متهمة البرنامج بالفساد وإرسال أغذية منتهية الصلاحية إلى اليمن. قال الحوثيون لاحقًا إنهم أمروا بإجراء تحقيقات داخلية، لكن لم يُعلن عن أي من نتائج تلك التحقيقات. خلال ذلك، استمر عبدالملك في دعم حامد ومساندته. ففي مقابلة أُجريت عام 2019، في خضم الجدل حول تحويل الحوثيين للمساعدات عن مسارها، شدد عبدالملك على أن جميع المساعدات الدولية يجب أن يتم تنسيقها من خلال المجلس الأعلى، مما يدل على دعمه لعملية تذهب فيها السلال الغذائية الثمينة وموارد المساعدات الأخرى إلى حيث يريدها حامد بالضبط.
أما بالنسبة لفريق خبراء الأمم المتحدة، فليس هناك شك أن حامد هو من يتخذ القرارات، حيث يذكر تقرير الفريق الأخير أن حامد مسؤول بشكل مباشر عن أنشطة المجلس “التي تعيق تدفق المساعدات الإنسانية وتعرقل التحركات الإنسانية”.
لم يحاول سوى عدد قليل من الأشخاص في صنعاء تحدي حامد، حيث استقال منذ 2018 ثلاثة وزراء على الأقل ممن عينهم الحوثيون، وزراء الصحة والسياحة والمياه، بعد صدامات علنية مع حامد. كان هناك مسؤول آخر انتقد حامد علنًا، لكن أحد أقاربه احتُجز كما استُولي على منزله. جمّد حامد الحسابات البنكية لمعارضين آخرين. تعتقد لجنة خبراء الأمم المتحدة أنه يرأس أحد الأجنحة الثلاثة المتنافسة داخل جماعة الحوثيين، في حين يرأس الجناح الآخر محمد الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا، والثالث يرأسه وزير الداخلية عبدالكريم الحوثي، عم عبدالملك.
تنامى نفوذ حامد حين أصبح المشاط رئيسًا عام 2018، وقال مصدر في صنعاء إن المشاط لا يشارك في المعاملات الورقية البيروقراطية التي تمر عبر مكتبه، مما يسمح لحامد المعروف بإدمانه للعمل باكتساب المزيد من السلطة والنفوذ. في الاجتماع الذي عُقد في فبراير/شباط، قال المشاط في القاعة إنه وحامد يتخذان القرارات معًا، “كلانا يعمل بأوامر السيد بغض النظر عن مناصبنا”، في إشارة إلى عبدالملك الحوثي. وفي الطرف الآخر من القاعة، رد حامد بالإيماء برأسه والابتسام.
ظهرت هذه المادة في عقد على الربيع العربي – تقرير اليمن، مارس/أبريل 2021
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هو مركز أبحاث مستقل، يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.