افتتاحية مركز صنعاء
الدبلوماسية قد توقف القتال لكن لن تفرض السلام
شهد الملف اليمني في الأشهر الأخيرة زخمًا للدبلوماسية من قِبل الفاعلين الدوليين المعنيين، هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب. يبدو التوافق بين الفاعلين الإقليميين والدوليين للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن أقرب من أي وقت مضى. قد تساهم هذه الجهود في اتفاق حول الخطوط العريضة لصياغة إطار عمل لمحادثات تركز على إنهاء الحرب بين الأطراف اليمنية، ولكن التطورات العسكرية الحالية، لا سيما في مأرب، ستعرقل فرص السلام لسنواتٍ في حال استولت جماعة الحوثيين المسلحة على آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليًّا شمالي البلاد.
تتزامن هذه الجهود مع تحركات دولية على الساحة الإقليمية تشير إلى تغير في العلاقة بين واشنطن والرياض وطهران. كان لسياسات واشنطن وطهران دورًا أساسيًّا في إطالة أمد الصراع في اليمن الذي دخل عامه السابع، إذ قدمت الولايات المتحدة خلال إدارتي أوباما وترامب الدعم السياسي والعسكري لتدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن، بينما أمّنت طهران دعمًا سياسيًّا واستراتيجيًّا لجماعة الحوثيين، فضلًا عن الدعم العسكري الذي يُعد انتهاكًا مباشرًا لقرار حظر الأسلحة المفروض من قِبل الأمم المتحدة على إيران.
أما بالنسبة للرياض، فإن قرارها بشن حملة عسكرية في اليمن عام 2015 عاد بشكل كبير إلى مخاوفها من حصول إيران على موطئ قدم في اليمن عبر الحوثيين. حينها، كانت الولايات المتحدة تضع اللمسات الأخيرة على خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران للحد من مشروعها النووي، ولتجنّب معارضة الرياض لتلك الخطة دعمت واشنطن الحملة العسكرية السعودية في اليمن. استفادت جماعة الحوثيين من تحالفها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح خلال السنوات الأولى من اندلاع الحرب، ومع تفاقم النزاع، سعت الجماعة للاستفادة من الدعم الخارجي من الأطراف الوحيدة المستعدة لتقديمه، طهران وقواتها الإقليمية بالوكالة. هذا الأمر ساعدها على مدى السنوات اللاحقة على تعزيز قدراتها العسكرية في ساحة المعركة وكسب اليد العليا ضد خصومها اليمنيين، وفرض تكاليف باهظة للغاية على السعودية والتفرد بالهيمنة على معظم شمالي اليمن. بالنسبة لطهران، فإن دعمها للحوثيين جاء بكلفة منخفضة نسبيًّا مقابل نتائج استراتيجية عالية التأثير تمكنها من إزعاج خصمها اللدود السعودية. ومع تنامي قوة الحوثيين على الأرض، ازداد اهتمام إيران بالجماعة واستثمارها فيها.
ولعل التناقض المأساوي الأبرز في هذه الحرب هو أن قرار الرياض بالتدخل في اليمن جاء بنتائج عكسية، إذ صار الحوثيون وإيران أقرب من أي وقت مضى بينما وجدت السعودية نفسها عالقة في مستنقع حرب تزداد تكلفتها ماديًّا وتخصم من رصيد نفوذها وسمعتها. من الواضح أن السعودية تبحث عن مخرج من حرب اليمن. أما واشنطن، التي ألغت صفقة إيران النووية في عهد ترامب، وجدت نفسها تدفع كلفة هذه الصفقة -كونها داعمًا أساسيًّا في حرب خاسرة أسفرت عن كارثة إنسانية- دون تحقيق أي من الأهداف التي كانت إدارة أوباما تسعى وراءها.
يُعد التحول في نهج واشنطن منذ وصول بايدن إلى سدة الرئاسة إحدى أبرز العوامل وراء الديناميات الدولية الجديدة بخصوص الصراع. دعا بايدن بصراحة إلى إنهاء حرب اليمن وعيّن مبعوثًا خاصًا ليقود هذا الجهد الدبلوماسي، كما أوقف بعض مبيعات الأسلحة إلى السعودية -خطوة أتت بعد أن أصبحت السعودية مدججة بالسلاح بفضل صفقات الأسلحة المبرمة سابقًا مع الولايات المتحدة والبالغ قيمتها مليارات الدولارات. من الجدير بالذكر أن لا الولايات المتحدة ولا أي من الدول الأربع الدائمة العضوية في مجلس الأمن تقدمت بمشروع جديد للمفاوضات يتجاوز القرار 2216 الذي دفعت به الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مجلس الأمن عام 2015 لمنح التدخل السعودي في اليمن شرعية دولية.
يبدو أن مصير الصراع اليمني الآن مرتبط إلى حد كبير بالجهود الواسعة الرامية لخفض التصعيد الإقليمي. في مارس/آذار وأبريل/نيسان عقدت الولايات المتحدة وإيران وعدد من القوى العالمية محادثات في فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي. واستضافت عُمان خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية المتزايدة مع ممثلين عن الولايات المتحدة والسعودية وجماعة الحوثيين المسلحة وإيران والأمم المتحدة وغيرهم من الدبلوماسيين. واستضافت بغداد في أبريل/نيسان اجتماعًا سريًّا بين مسؤولين أمنيين سعوديين وإيرانيين ناقشوا خلاله بؤر التوتر الإقليمية، من بينها اليمن. بعدها، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال مقابلة تلفزيونية إن المملكة تسعى لبناء “علاقة إيجابية” مع إيران. كما توافد خلال الأسابيع الأخيرة مسؤولون من عُمان والأمم المتحدة والولايات المتحدة لعقد محادثات في الرياض. وبالنسبة للسعودية فإن ضمان الأمن على حدودها الجنوبية من الهجمات الحوثية التي تُشن على أراضيها بالطائرات المسيّرة والصواريخ، شرط مسبق لأي اتفاق يهدف لإنهاء النزاع اليمني.
ستبقى علاقة الحوثيين بطهران التي تنامت وتُوجت بتبادل سفراء بينهما ثمينة في المستقبل المنظور، الأمر الذي يجب أن يثير قلق الفاعلين الذين يهمهم إحلال السلام في اليمن. ففي الوقت الذي يُعاد فيه تنظيم العلاقات الدولية نحو مسارِ السلام، يكثّف الحوثيون هجومهم على مدينة مأرب. ولكي تظل الحكومة اليمنية ذات أهمية ووزن في البلاد وفي أي مفاوضات سلام مستقبلية، يجب ألّا تخسر هذا المعقل. من شأن الديناميات الحالية بين الفاعلين المختلفين داخل وخارج اليمن أن تتغير بشكل دراماتيكي إذا سقطت المدينة بأيدي الحوثيين، وبالتالي من المحتمل أن تتلاشى آفاق أي سلام بوساطة الأمم المتحدة، وأن تستغرق جهود إعادة إحياء أي مسار لإنهاء الحرب سنوات. وفي حال استيلائهم على مأرب، سيعزز الحوثيون سيطرتهم على شمالي اليمن وحقول النفط والغاز، ما قد يؤمّن قاعدة اقتصادية لنشوء دويلة حوثية، وحينها سيكون من الصعب إقناع القادة الحوثيين بتقديم تنازلات، كما سيرفع الحوثيون من سقف مطالبهم لإنهاء غزوهم العسكري ويضعون شروطًا لن تقبل بها لا السعودية ولا الأطراف اليمنية الأخرى.
وحتى لو تمكنت هذه الديناميات الدولية والمحلية المستجدة من إقناع الأطراف المختلفة بالجلوس على طاولة الحوار، فإن السلام سيستمر بمواجهة تحديات جمّة. سيعتمد نجاح أي اتفاق لوقف إطلاق النار وديمومته وشكل الوضع ما بعد الصراع على إيجاد توازن مستقر بين القوى المحلية في اليمن بينما يتعيّن على الفاعلين الإقليميين والدوليين وضع آليات لضمان هذا الترتيب. ولكن هذا المسار مهدد بالفشل في حال جاءت الأولويات الدولية قبل أولويات اليمنيين، ولقد رأينا عواقب هذا النهج في اليمن بعد “العملية الانتقالية” الفاشلة عام 2011 -استنادًا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي التي عكست أولويات الخارج حسبما يناسبه- التي ساعدت في اندلاع الصراع الحالي. كما أن من شبه المؤكد أن المتشددين داخل جماعة الحوثيين سيضغطون للحفاظ على حصة مفرطة من السلطة خلال المفاوضات، وهو ما سترفضه الفئات الأخرى من المجتمع اليمني. سيسعى المتشددون داخل الجماعة أيضًا لتقويض أي اتفاق قد يتوصل إليه مفاوضو الجماعة الأكثر اعتدالًا وبراغماتية. وبالمثل، فإن الانقسامات داخل التحالف المناهض للحوثيين قد تقوّض موقفه خلال المفاوضات بسهولة.
وبالتالي من الخطر أن يدفع الفاعلون الدوليون نحو وقف فوري وشامل لإطلاق النار قبل الاتفاق على الشروط الأساسية لدولة ما بعد الصراع؛ هذا الترتيب سيحفّز الجماعات المسلحة التي تجني أرباحًا طائلة من السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها للحفاظ على الوضع الراهن عبر عرقلة اتفاق لتقاسم السلطة. وبدلًا من منح اليمن فرصة لإيجاد مسار نحو سلام مستدام، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو الانحدار مجددًا نحو الحرب وتفكك الدولة اليمنية إلى إقطاعيات يديرها أمراء الحرب. لذلك، يجب السعي نحو التوصل إلى وقف مشروط ومحدود لإطلاق النار، يركز على تجميد الخطوط الأمامية بهدف إتاحة الفرصة لمفاوضات حول الشروط الأساسية لترتيبات ما بعد انتهاء الصراع، والتي يجب أن تحدد الأهداف النهائية الأساسية لتقاسم السلطة السياسية وتحقيق المساواة الاجتماعية وتقاسم الإيرادات ضمن إطار جمهورية يمنية موّحدة.
مارس وأبريل في لمحة
عين على اليمن
فيضانات موسمية شديدة
ضربت الأمطار الغزيرة معظم أنحاء اليمن منتصف أبريل/نيسان واستمرت حتى نهاية الشهر، وتسببت الفيضانات واسعة النطاق بتدمير المنازل والبنية التحتية. عادةً ما يبدأ موسم الأمطار في اليمن خلال فصل الربيع، ولكن الأحداث المناخية المتطرفة أصبحت أكثر تواترًا وشدة في العقود الأخيرة وتفاقمت آثارها نتيجة البنية التحتية الضعيفة أصلًا والتخطيط الحضري في البلاد.
حتى بداية شهر مايو/أيار، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن سقوط قتلى وجرحى ونزوح أكثر من 20 ألف شخص، كما أفاد عن أضرار واسعة النطاق في محافظات عدن وأبين والضالع ولحج وحضرموت ومأرب وتعز. أفادت التقارير عن مقتل أربعة أشخاص وتدمير 167 منزلاً حتى 2 مايو/أيار في مديرية تريم بمحافظة حضرموت. وثّق المصور محمد حيان المشهد هناك في اليوم التالي لمركز صنعاء.
على الساحة السياسية
يسي كومبز
التطورات في مناطق سيطرة الحكومة
السلطات المحلية تطالب بإلغاء اتفاقية ستوكهولم
1 مارس/آذار: دعا رؤساء المجالس المحلية السابقون في ثمان محافظات يسيطر عليها الحوثيون وهي أمانة العاصمة وإب والحديدة والمحويت وذمار وريمة وصعدة وعمران في رسالة بعثوها إلى الرئيس عبدربه منصور هادي لإلغاء اتفاقية ستوكهولم، وطالبوا في رسالتهم الحكومة المعترف بها دوليًّا دفع الرواتب العسكرية بانتظام وتحريك جميع جبهات القتال لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بالقوة.
رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي يصرّح بمخططات الانفصال
1 مارس/آذار: قال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات عيدروس الزُبيدي في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، إن المجلس يسعى إلى إقامة استفتاء لتقرير استقلال جنوب اليمن على الرغم من تقاسمه السلطة مع الحكومة اليمنية في ديسمبر/كانون الأول في إطار اتفاق الرياض. جاءت هذه المقابلة ضمن سلسلة من المقابلات البارزة لزعيم المجلس الانفصالي في وسائل الإعلام الدولية منذ بداية العام. أضاف الزُبيدي أن سيطرة الحوثيين على معقل الحكومة في مأرب يمكن أن يضع المجلس في وضع يجري فيه محادثات مباشرة مع سلطات الحوثيين في صنعاء “يمكن أن يؤدي ذلك إلى وضع يسيطر فيه المجلس إلى حد كبير على الجنوب ويسيطر الحوثيون على معظم مناطق الشمال، وفي هذه الحالة سيكون من المنطقي إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المسيطرة”.
لكن بدا أن الزُبيدي تراجع عن هذا التصريح خلال مقابلة في 15 مارس/آذار مع شبكة سي إن إن بأبو ظبي، وقال إن مثل هذه المفاوضات لن تتم إلا تحت مظلة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مضيفًا أن التعايش مع الحوثيين غير ممكن. وفي شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/ِشباط، تحدث الزُبيدي إلى قناتي سكاي نيوز عربية ومقرها الإمارات وروسيا اليوم مكررًا ذكر مخططات المجلس الانتقالي لتشكيل دولة مستقلة في جنوب اليمن.
وفي 14 مارس/آذار، عيّن الزُبيدي عمرو البيض ممثلًا للشؤون الخارجية. وقبل توليه هذا المنصب، كان البيض مسؤولًا عن الاتصالات الخارجية لهيئة رئاسة المجلس كما عمل في مكتب والده، الرئيس السابق لجنوب اليمن علي سالم البيض. في أوائل أبريل/نيسان أوضح البيض دور المجلس في عملية السلام عبر سلسلة من التغريدات.
ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي في الاتحاد الأوروبي يدفع نحو حل الدولتين
3 مارس/آذار: قال ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في الاتحاد الأوروبي أحمد بن فريد في مقابلة مع الوكالة الإخبارية الإسبانية Descifrando la Guerra إنه يؤمن بحل الدولتين. وسلّط بن فريد الضوء على الانقسام بين الشمال والجنوب باعتباره العامل المهيمن الذي يدفع نحو استقلال جنوب اليمن. وقال “نحن في الجنوب نعتقد أن كل القوى الشمالية لديها نفس النيّة تجاه أرضنا سواء كانت تلك القوى الحوثيين أو حزب الإصلاح أو أي قوى سياسية أو عسكرية أخرى”، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي لم يكن داعمًا بما فيه الكفاية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
متظاهرون يطالبون بإقالة محافظ أبين
مطلع مارس/آذار: أرسلت السلطة المحلية بمحافظة أبين الجنوبية قافلة غذائية إلى مأرب دعمًا للقوات الحكومية في مواجهة الحوثيين، وردًا على ذلك، طالب متظاهرون تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في زنجبار، عاصمة أبين، برحيل محافظ أبين أبوبكر حسين سالم. وانتقد المتظاهرون المحافظ لإرساله مساعدات إلى مأرب فيما فشل في توفير الخدمات العامة الملائمة مثل الوقود لمحطات الكهرباء في مديريتي زنجبار وخنفر بالمحافظة.
محافظ تعز يحشد القوات لتحرير عاصمة المحافظة
11 مارس/آذار: أمر محافظ تعز نبيل شمسان بحشد القوات لإجبار مقاتلي الحوثيين على الخروج من المحافظة وإنهاء الحصار المفروض على مدينة تعز منذ عام 2015. وأعلن شمسان في خطاب متلفز له عفوًا عامًا عن المقاتلين الحوثيين الذين يسلمون أنفسهم للقوات الحكومية.
احتجاجات تشتعل جنوب اليمن
منتصف مارس/آذار: خرج متظاهرون في عدة مدن جنوب اليمن إلى الشوارع احتجاجًا على تدهور الخدمات الأساسية ومنها الكهرباء والمطالبة بدفع رواتب الموظفين الحكوميين وسط ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والوقود. في 15 مارس/آذار، أطلق جنود النار على مجموعة من المتظاهرين اقتحموا مكاتب السلطة المحلية في مدينة سيئون وسط محافظة حضرموت، ما أدى إلى إصابة ستة أشخاص على الأقل. من الجدير بالذكر أن المقر الرئيسي للمنطقة العسكرية الأولى للحكومة يقع في سيئون. في اليوم التالي، كرر المتظاهرون في زنجبار، عاصمة أبين، دعوات المحتجين في وقت سابق من الشهر لإقالة المحافظ أبوبكر حسين سالم. وعلى بُعد 65 كيلومترًا غربًا، أي في العاصمة المؤقتة عدن، اقتحم متظاهرون محيط قصر المعاشيق الرئاسي مقر الحكومة.
الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجد تصل جنوب اليمن
21 مارس/آذار: أبلغت اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة وباء كورونا عن 140 حالة إصابة جديدة و14 حالة وفاة، مسجلة بذلك أكبر عدد من الإصابات والوفيات المرتبطة بفيروس كورونا رسميًّا منذ وصول الجائحة إلى اليمن. الأهم من ذلك أن مستويات الفحص الضئيلة تعني أن عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا الفعلية أعلى من ذلك بكثير. بعد يومين، أعلنت اللجنة حالة طوارئ صحية. يُظهر رسم بياني للأمم المتحدة أن الموجة الأخيرة من الإصابات المبلّغ عنها بدأت أواخر فبراير/شباط. وفي 31 مارس/آذار، وصلت 360 ألف جرعة من لقاح استرازينيكا إلى عدن، حيث اشتكى العاملون في المستشفيات – الذين يفوق التفشي الأخير للفيروس قدراتهم- من نقص الإمدادات الطبية لعلاج المرضى.
طارق صالح يعلن تشكيل مكتب سياسي
25 مارس/آذار: أعلنت قوات المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، تشكيل مكتب سياسي في حفل أقيم بمدينة المخا الساحلية التي تتموضع فيها. يأتي هذا الإعلان في ظل جهود تقودها الولايات المتحدة لإحياء محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة في اليمن لإنهاء الحرب. في هذا السياق، يمكن النظر إلى المكتب السياسي الجديد على أنه محاولة من قِبل صالح للحصول على مقعد على طاولة المفاوضات. (انظر: لقاء إعلامي نظمه مركز صنعاء مع العميد الركن طارق صالح قائد المقاومة الوطنية ورئيس المكتب السياسي).
اعتصام سقطرى ينتهي باعتقالات
28 مارس/آذار: فضت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا اجتماعًا للجنة الاعتصام السلمي في أرخبيل سقطرى، وهي اللجنة التي تعارض التحالف بقيادة السعودية والمجلس الانتقالي. كما اعتقلت القوات عددًا من المتظاهرين بينهم رئيس اللجنة محمد سعيد عيسى.
محافظ حضرموت يعلن حالة الطوارئ بعد احتجاجات دامية
30 مارس/آذار: أعلن محافظ حضرموت فرج البحسني حالة الطوارئ على مستوى المحافظة بعد مقتل متظاهر وإصابة آخرين خلال احتجاجات في منطقة ميفع بمديرية بروم ميفع. كما أمر البحسني باعتقال مدير الأمن في ساحل حضرموت اللواء سعيد العامري. أُفرج عن العامري وعاود مزاولة مهامه بعد تدخل مفاوض قبلي. وأفادت تقارير أن البحسني سافر إلى الإمارات ثم إلى الرياض لمناقشة الوضع مع قادة التحالف بقيادة السعودية.
حكومة هادي تزعم أن غالبية اليمنيين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة
4 نيسان/أبريل: أصدرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي رسمًا بيانيًّا (انفوجرافيك) يدّعي أنه يعرض أرقامًا محدثة عن التوزيع الجغرافي لعدد السكان التقديري لليمن لعام 2020 والبالغ 30.4 مليون نسمة. ووفقًا للوزارة، يعيش 48% من السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، في حين يعيش 46% من السكان في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، ويعيش 6% خارج البلاد كلاجئين. نُشر الرسم البياني -الذي لا يذكر أي منهجية حول كيفية جمع بيانات التعداد السكاني وتحليلها- بعد انتقادات من قِبل بعض المسؤولين الحكوميين للرقم الذي يُستشهد به بشكل واسع بأن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تضم حوالي 70% من سكان اليمن. تنص الحاشية السفلية للرسم البياني على أن “استمرار الحرب يعزز من انتقال المزيد من النازحين إلى مناطق الشرعية”.
مسؤولو جامعة إيرانية يعلنون عن خطط لإنشاء جامعة في اليمن
5 أبريل/نيسان: قال علاء الدين بروجردي رئيس الشؤون الدولية بجامعة آزاد الإسلامية، في مقابلة مع وكالة مهر الإيرانية للأنباء، إن الجامعة تخطط لإنشاء فرع لها في اليمن. ستكون هذه أول جامعة إيرانية في اليمن مما يعكس قوة العلاقات بين الحوثيين في صنعاء وطهران. وقال بروجردي إن الجامعة واجهت عقبات في محاولة الحصول على تراخيص لفتح فروع لها في العراق وسوريا. وأضاف “القانون السوري لا يسمح بإنشاء جامعة أجنبية في سوريا، أما في العراق فهناك قوانين خاصة منها أن المجلس التأسيسي للجامعة يجب أن يتكون من أشخاص عراقيي الجنسية. لكننا نقوم بالتفاوض للحصول على التصاريح اللازمة بالاتفاق”.
دبلوماسي سويدي يزور مأرب
8 أبريل/نيسان: التقى المبعوث السويدي الخاص إلى اليمن بيتر سمنبي محافظ مأرب سلطان العرادة وزار مخيمات النازحين حول مدينة مأرب خلال زيارة للمحافظة.
المجلس الانتقالي الجنوبي يبادل مسؤولين حكوميين بجنود في تبادل للأسرى
9 أبريل/نيسان: أجرت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية صفقة تبادل للأسرى في مدينة شقرة الساحلية بمحافظة أبين. أفرج المجلس الانتقالي عن مدير مكتب محافظ مأرب محمد البازلي، وأربعة موظفين إداريين اعتقلوا أثناء سفرهم للقاء مسؤولين في عدن في مارس/آذار، مقابل إطلاق سراح 15 جنديًّا تابعًا للمجلس أُسروا أثناء قتالهم القوات الحكومية في أبين أواخر العام الماضي.
إعادة افتتاح ثالث أكبر مطار في اليمن بحضرموت
9 أبريل/نيسان: أعلنت هيئة الطيران المدني اليمنية إعادة فتح مطار الريان في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت. أُغلق مطار الريان، وهو ثالث أكبر مطار في البلاد، منذ أن استولى مقاتلو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على المدينة عام 2015. سيعمل المطار على تسيير الرحلات الداخلية. صرّح مسؤول في السلطة المحلية بحضرموت لوكالة أنباء شينخوا الصينية إن المطار أُعيد افتتاحه بمساعدة دولة الإمارات. استخدمت القوات الإماراتية منشآت المطار كمركز قيادة وسجن بعد طرد تنظيم القاعدة من المدينة عام 2016. كان مسؤولون يمنيون قد أعلنوا عن إعادة فتح المطار أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لكنهم اضطروا إلى إعادة إغلاقه بعد أيام لأنهم لم يحصلوا على تراخيص من التحالف الذي تقوده السعودية لتسيير رحلات تجارية، حسبما أفادت التقارير.
التطورات في مناطق سيطرة الحوثيين
مهاجرون أفارقة يُحرقون أحياء في معتقل يديره الحوثيون
7 مارس/آذار: احترق عشرات المهاجرين الأفارقة حتى الموت في مركز احتجاز يديره الحوثيون في صنعاء، وذلك بعد أن أطلقت قوات الحوثيين المقذوفات على مستودع مغلق ومكتظ بالمهاجرين. حاول المسؤولون الحوثيون في بداية الأمر إلقاء اللوم في الحريق على منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، لكنهم أقروا بمسؤوليتهم عن الأمر لاحقًا. وبحسب شهادات الناجين، بدأت سلسلة الأحداث التي أدت إلى الحريق باحتجاج المهاجرين المحتجزين على سوء الظروف في مركز الاحتجاز، والتي تشمل محاولات الحوثيين ابتزاز الأموال منهم للإفراج عنهم وتجنيدهم قسرًا للقتال في الجبهات. أضربت مجموعة من السجناء عن الطعام، وعندما حاولت قوات الحوثيين إنهاء الإضراب بالقوة، قاومها المهاجرون، فأغلقت المستودع عليهم وأطلقت مقذوفات يعتقد أنها قنابل دخانية وقنابل غاز مسيل للدموع و/أو قنابل ضوئية مما أدى إلى اشتعال النار.
وفاة وزير النقل الحوثي ورئيس أركان الجيش السابق
21 مارس/آذار: برزت أخبار موت وزير النقل الحوثي ونائب رئيس أركان الجيش السابق زكريا الشامي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن تضاربت المعلومات حول سبب وفاته. صرح مسؤولان يمنيان لم يكشفا عن هويتهما لرويترز إن الشامي توفي متأثرًا بمضاعفات فيروس كورونا في مستشفى بصنعاء يُعالج فيه مصابين آخرين، بينهم مسؤولون حوثيون، أبرزهم رئيس وزراء حكومة الحوثيين (غير معترف بها) عبدالعزيز بن حبتور. لكن مسؤول عسكري يمني لم يكشف عن هويته قال لعرب نيوز إن الشامي قُتل في غارة جوية للتحالف بقيادة السعودية حين كان يقود مقاتلين في هجوم بمأرب.
مسؤول حوثي متهم بالإخفاء القسري والاغتصاب والتعذيب يموت بفيروس كورونا
6 أبريل/نيسان: تُوفي سلطان زابن، مدير إدارة البحث الجنائي التابعة للحوثيين، والذي أشرف على عمليات اختفاء واغتصاب وتعذيب المعارضين والأقليات المعتقلين بعد إصابته فيروس كورونا، حسبما أفادت التقارير. كانت وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد فرضا عقوبات على زابن خلال الأشهر الماضية. وكان زابن “متورطًا بشكل مباشر في أعمال اغتصاب وإيذاء جسدي واعتقال واحتجاز تعسفي للنساء كجزء من سياسة لكبح أو منع الأنشطة السياسية من قِبل النساء اللواتي عارضن سياسات الحوثيين” بحسب قرار تصنيف وزارة الخزانة.
المرجعية الدينية الحوثية تطبق قوانين رمضانية جديدة
13 أبريل/نيسان: أصدرت الهيئة العامة للأوقاف في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون تعميمًا يحدد الخطوط العريضة للتوجيهات الدينية الجديدة خلال شهر رمضان. ودعت الوثيقة إلى توحيد الأذان اليومي للصلاة وبث خطب زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي والبث التوعوي الديني عبر مكبرات الصوت في مساجد صنعاء. أُنشئت الهيئة العامة للأوقاف في 30 يناير/كانون الثاني 2021 لتتولى مهام وزارة الأوقاف والإرشاد. وعُيِّن عبدالمجيد عبدالرحمن الحوثي، أحد أفراد عائلة الحوثي الحاكمة، رئيسًا لها.
اعتقال سلطات الحوثيين لعارضة أزياء يسلط الضوء على القيود المفروضة على حقوق المرأة
11 أبريل/نيسان: كُشف عن اختفاء عارضة الأزياء والممثلة اليمنية انتصار الحمادي في صنعاء بعد أن اتهم ناشطون سلطات الحوثيين بخطفها وخطف امرأتين أخريين قبل نحو شهر. وفي 24 أبريل/نيسان، قال محامي الحمادي لوكالة الأنباء الفرنسية إن انتصار البالغة من العمر 19 عامًا اعتُقلت في 20 فبراير/شباط دون مذكرة توقيف، وإن النيابة العامة فتحت مؤخرًا تحقيقًا في القضية. وأضاف المحامي أن النيابة وجهت لها أسئلة تتعلق بـ”الدعارة والفجور” في محاولة لتصوير القضية على أنها “عمل مخل بالآداب” بحجة أنها “لم ترتدِ الحجاب” في الأماكن العامة. فرضت سلطات الحوثيين في صنعاء قيودًا كبيرة على حقوق المرأة منذ وصولها إلى السلطة في انقلاب أواخر 2014.
قوات الحوثيين تداهم المحلات التجارية للحصول على السجلات المحاسبية والضرائب الدينية
19 أبريل/نيسان: شنت سلطات الحوثيين حملة شرسة لجمع الضرائب في صنعاء والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرتها ابتداء من منتصف أبريل/نيسان. فبعد حلول شهر رمضان بوقت قصير، داهمت قوات مسلحة ومسؤولو المخابرات المحال التجارية وطالبوا التجار بتسليم سجلاتهم المحاسبية كما رفعوا مبالغ الزكاة. يُعتقد أن مصادرة السجلات المحاسبية يهدف لفرض ضرائب وإتاوات جديدة على التجار. نُفذت المداهمات باسم الهيئة العامة للزكاة التي يديرها الحوثيون وهي هيئة شبه حكومية تأسست عام 2018.
19 أبريل/نيسان: أصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى الذي يديره الحوثيون قرارًا بتغيير اسم وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى وزارة التخطيط والتنمية وإعادة تحديد مهامها، ولم يتم توضيح التغييرات في الهيكل التنظيمي للوزارة، لكن سلطات الحوثيين جردتها من صلاحياتها في التعامل مع المانحين الدوليين ونقلت تلك الوظائف إلى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2019.
التطورات الدولية
تعهدات المانحين لا تفي بالمطالب الإنسانية
1 مارس/آذار: تعهد المانحون الدوليون بتقديم 1.67 مليار دولار أمريكي لدعم المساعدات الإنسانية في اليمن لعام 2021، وهو مبلغ أقل بكثير من المبلغ المطلوب والبالغ 3.85 مليار دولار أمريكي. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن خيبة أمله في جهود جمع التبرعات قائلًا إن المبلغ الذي جُمع كان “أقل مما تلقيناه لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية عام 2020 وأقل بمليار دولار مما تم التعهد به في المؤتمر الذي عقدناه عام 2019”. يعود الانخفاض في تعهدات المساعدات إلى مزيج من الأسباب تتضمن تباطؤ الاقتصاد العالمي أثناء جائحة كورونا، وشكوك المانحين في وصول المساعدات إلى المستفيدين المستهدفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. عقد كبار المانحين ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية الأخرى قمة استثنائية في بروكسل في فبراير/شباط 2020 لتسليط الضوء على عرقلة الحوثيين للمساعدات، وطلبوا وضع حد لهذه الممارسات.
الحكومة اليمنية تجدد علاقاتها مع قطر
6 مارس/آذار: عُقد أول اجتماع دبلوماسي بين اليمن وقطر منذ قطع العلاقات في يونيو/حزيران 2017، حيث التقى وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة. لا يزال من غير الواضح كيف سيؤثر تجديد العلاقات مع قطر على الحرب في اليمن، إلا أن الوزير آل ثاني شدد على أهمية الحفاظ على وحدة اليمن وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. أنهت المصالحة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر في يناير/كانون الثاني الحصار الذي فرضته تلك الدول على قطر عام 2017.
الحوثيون وإيران يرفضون مبادرة السلام السعودية لإنهاء الحرب
22 مارس/آذار: أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن مبادرة لاتخاذ الخطوة الأولى نحو المفاوضات السياسية لإنهاء الحرب. وسرعان ما رفض المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام هذا العرض مشيرًا إلى أنه لا يوجد شيء جديد في المبادرة السعودية. وفي 23 مارس/آذار، رفض سفير إيران في صنعاء حسن إيرلو مبادرة السلام وقال على حسابه بتويتر إن مبادرة السلام الحقيقية تعني وقف الحرب، ورفع الحصار المفروض من قِبل التحالف، وسحب جميع القوات العسكرية السعودية، وعدم دعم “المرتزقة والتكفيريين”، (في إشارة إلى القوات الحكومية اليمنية)، وبدء حوار سياسي يمني دون أي تدخل خارجي. بعد أسبوع، رفض عبدالملك العجري، القيادي الحوثي البارز وعضو فريق مفاوضي الحوثيين في مسقط بسلطنة عمان، المبادرة السعودية على نفس الأسس ووصف اقتراح وقف إطلاق النار بأنه مجرد محاولة لوقف تقدم الحوثيين نحو مأرب.
تنازع الأذرع العسكرية والدبلوماسية الإيرانية على السياسة في اليمن
21 أبريل/نيسان: صرح الجنرال رستم قاسمي، المساعد الاقتصادي لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني في مقابلة مع روسيا اليوم أن الحرس الثوري الإيراني قدم أسلحة للحوثيين في وقت مبكر من الحرب ودرّب قوات الحوثيين على تصنيع الأسلحة. وأشار إلى أنه لا يزال هناك عدد صغير من مستشاري الحرس الثوري الإيراني في اليمن. كان هذا التصريح أول اعتراف علني بالدعم العسكري الإيراني للحوثيين. في 23 نيسان/ أبريل، دحضت وزارة الخارجية الإيرانية مزاعم قاسمي في بيان صحفي لها، قائلة إن دعم إيران لليمن هو دعم سياسي. ونشرت وكالة سبوتنيك الروسية الإخبارية في اليوم نفسه تصريحات من مقابلة مع الزعيم السياسي للحوثيين محمد علي الحوثي الذي أكد على موقف وزارة الخارجية الإيرانية قائلًا إن تصريحات قاسمي ربما كان الهدف منها استفزاز دول الخليج. ولكن قاسمي رد على هذه التصاريح وقال إنه عنى ما قاله سابقًا.
على مدى الحرب في اليمن وثقت الأمم المتحدة العديد من حالات انتهاك إيران لحظر الأسلحة المفروض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يحظر شحن الأسلحة إلى الحوثيين.
كيسي كومبس هو صحفي مستقل متخصص في شؤون اليمن وباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. يغرد على: @Macoombs
تطورات الحرب
أبو بكر الشماحي
هجوم الحكومة يضغط على الحوثيين في تعز
شنت القوات الحكومية اليمنية في 3 مارس/آذار هجومًا في تعز محققة أكبر تقدم في المحافظة منذ عام 2016. شهدت الجبهات التي اتسمت بالجمود، مثل تلك الواقعة في مديرية المعافر غرب مدينة تعز ومديرية حيفان جنوب شرق تعز، تقدمًا كبيرًا للقوات الحكومية. جزئيًّا، جاء هذا الهجوم ردًا على هجوم الحوثيين على مأرب، محاولًا الاستفادة من انخفاض عدد قوات الحوثيين في جبهات تعز. أدى تجدد المعارك في تعز إلى تمكين محور تعز العسكري الموالي للإصلاح، والذي يقود رسميًّا جميع القوات العسكرية الحكومية اليمنية في المحافظة. هناك مؤشرات على أن محور تعز العسكري يسعى أيضًا إلى فرض سلطته في مناطق على ساحل البحر الأحمر في تعز، والتي تسيطر عليها حاليًّا القوات المشتركة بقيادة طارق صالح وهي قوات مدعومة من التحالف بقيادة السعودية.
اندلعت بعض المعارك داخل مدينة تعز، إلا أن أغلب القتال تركز في مناطق غرب المدينة، على الحدود بين مديريات المعافر وجبل حبشي ومقبنة.
في 9 مارس/آذار، استولت القوات الحكومية على جزء كبير من الكدحة، شمال غرب المعافر، ما منحها السيطرة على الطريق الذي يربط ساحل البحر الأحمر ومدينة تعز. يؤدي استخدام هذا الطريق إلى اختصار وقت السفر بين مدينة المخا الساحلية ومدينة تعز، ويسمح للمسافرين بتجنب الطرق غير المعبدة والخطرة التي سبق أن أُجبروا على السفر عبرها.
أما في مديرية حيفان، جنوب شرقي المحافظة، هاجمت القوات الحكومية إلى جانب “المقاومة الشعبية” المرتبطة بحزب الإصلاح الحوثيين في 17 مارس/آذار، وأجبرتهم على الانسحاب من الأكبوش والعكاوش، وهي مناطق تقع بالقرب من سلسلة جبال تطل على طريق عدن-تعز، وعلى مقر المنطقة العسكرية الرابعة في معبق (لحج) التي يحاول الحوثيون الوصول إليها.
لكن تقدم القوات الحكومية توقف بعد هذه النجاحات المبكرة. في البداية، بدا كما لو أنها ستعزز سيطرتها في الكدحة والتقدم أكثر نحو مديرية مقبنة شمالًا. لكن خلال النصف الثاني من مارس/آذار وأبريل/نيسان عاد الجمود إلى ما كان عليه، وذلك جزئيًّا نتيجة لغياب التخطيط، ولشن الحوثيين هجومًا مضادًا في مناطق معينة يعتبرونها مهمّة استراتيجيًّا، بدلًا من محاولة استعادة جميع المناطق التي فقدوها.
على سبيل المثال، أرسل الحوثيون في 20 مارس/آذار تعزيزات كثيفة إلى منطقة بلاد الوافي في مديرية جبل حبشي، واستعادوا السيطرة على المناطق التي كانت قد انتزعتها القوات الحكومية منهم، وخاصة في الصراحم وشرف العنين. تطل الصراحم على الطريق الرئيسي بين تعز والحديدة، وهو طريق إمداد رئيسي للحوثيين لا يمكن أن يسمحوا بسقوطه في أيدي القوات الحكومية. كما أرسلوا تعزيزات إلى الطوير جنوب شرق مقبنة التي فُقدت مناطق فيها بداية الهجوم. يتواصل القتال في الطوير حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
معارك عنيفة وتقدم طفيف في مأرب
استمر هجوم الحوثيين في مأرب خلال شهر مارس/آذار، واندلعت غالبية المعارك في مديرية صرواح غرب مدينة مأرب، وتحديدًا في مناطق المشجح والكسارة والزور والطلعة الحمراء. لم تحرز القوات الحكومية أو عناصر الحوثيين أي تقدم يذكر بالرغم من اشتداد القتال بينهما. وأفادت وسائل الإعلام عن وقوع خسائر فادحة من بينها مقتل قائد المنطقة العسكرية السادسة التابعة للحكومة اليمنية اللواء أمين الوائلي في 26 مارس/آذار. وبحلول نهاية أبريل/نيسان، تحول القتال إلى معارك كر وفر، في حين فشل الحوثيون، على الرغم من هجماتهم المتكررة، في الحفاظ على المناطق التي سيطروا عليها؛ إذ أجبرتهم الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية على التراجع. ومع ذلك، يواصل الحوثيون إرسال موجات من المقاتلين إلى الأمام لشن هجمات جديدة. ارتفعت أعداد الضحايا في أبريل/نيسان حيث أُبلغت وسائل الإعلام الدولية عن قتلى بالعشرات. كان من بين القتلى محمد مشلي الحرملي، رئيس أركان المنطقة العسكرية السابعة التابعة للحكومة الذي أُعلنت وفاته في 7 أبريل/نيسان، ومدير دائرة القضاء العسكري للحكومة عبدالله الحاضري الذي قُتل في 24 أبريل/نيسان في المشجح.
واصلت قوات الحوثيين قصف مدينة مأرب ومحيطها، واستهدفت غالبية هجماتها مقر المنطقة العسكرية الثالثة للحكومة اليمنية، لكن بعضها أصاب مناطق سكنية وأدت إلى سقوط ضحايا من المدنيين.
كما استمر القتال بين الجانبين في محافظة الجوف شمال مأرب، وحقق الحوثيون تقدمًا طفيفًا في العلم جنوب شرق الحزم عاصمة المحافظة في 5 مارس/آذار، في حين زعمت القوات الحكومية أنها تقدمت في جبل المطابق في مديرية برط العنان غرب الجوف في 26 مارس/آذار.
تصاعد القتال في الحديدة وهجوم حكومي جديد في حجة
بعد هدوء نسبي في فبراير/شباط، تصاعد القتال في مدينة الحديدة وما حولها خلال شهر مارس/آذار، حيث دارت معارك بين الحوثيين والقوات المشتركة في الجبهات الشرقية للمدينة بشكل رئيسي. لم يحرز أي من الجانبين تقدمًا، لكن الخسائر كانت كبيرة، فخلال الأسبوع الأخير من مارس/آذار قُتل أكثر من 100 مقاتل من الجانبين وفقًا لمصادر طبية. استدعى الحوثيون قوات الاحتياط وضباط الشرطة للقتال في جبهات المدينة في محاولة لتعزيز أعدادهم.
شن التحالف بقيادة السعودية غارات جوية على أهداف للحوثيين في الحديدة على مدار الشهر، وركزت تلك الغارات بشكل أساسي على المناطق الساحلية في محاولة واضحة لتدمير القدرات البحرية للحوثيين. كما أصابت بعض الغارات الجوية منشآت مدنية، منها غارة استهدفت ميناء الصليف للحبوب شمال مدينة الحديدة في 22 مارس/ آذار. تضرر مستودع ومقر سكن تابع لشركة إنتاج أغذية في تلك الغارات. أفادت بعثة مراقبي الأمم المتحدة في الحديدة عن نقل ستة عمال مصابين إلى منشآت طبية محلية لتلقي العلاج.
في 12 مارس/آذار، شنت الحكومة اليمنية هجومًا شمالًا على طول ساحل البحر الأحمر في محافظة حجة. حققت القوات الحكومية بعض النجاحات الأولية في المعارك بمديرية عبس على الحدود مع السعودية، حيث زعمت الحكومة في 14 مارس/آذار أن قواتها سيطرت على عشرات القرى منها المنجورة والحمراء والجرف والشبكة وبرمان. ولم ترد تقارير عن مزيد من التقدم في النصف الثاني من الشهر أو في أبريل/نيسان.
الحوثيون يشنون هجمات على السعودية
أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن عدد من الهجمات الجوية على الأراضي السعودية في مارس/آذار في استمرار لتصعيد الجماعة عملياتها عبر الحدود منذ بداية عام 2021، وعلى الرغم من أن السعودية اعترضت غالبية المقذوفات التي أطلقها الحوثيون، إلا أن الحوثيين يواصلون إثبات قدرتهم على ضرب الأراضي السعودية. في 7 مارس/آذار، استهدف هجوم بصاروخ وطائرة مسيّرة للحوثيين ساحة تخزين نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية في رأس تنورة على ساحل الخليج في السعودية. صرّحت وزارة الدفاع السعودية أنها اعترضت الطائرة المسيّرة المسلحة قبل أن تضرب ساحة التخزين، مضيفة أن شظية صاروخ باليستي سقطت بالقرب من مجمع سكني تستخدمه أرامكو في الظهران. كما أدى هجوم للحوثيين في 19 مارس/آذار إلى اندلاع حريق في مصفاة نفط تابعة لشركة أرامكو في الرياض، وهجوم آخر في 25 مارس/آذار إلى اندلاع حريق في منشأة نفطية في محافظة جيزان جنوب السعودية. وفي 12 أبريل/نيسان، أظهر الحوثيون مرة أخرى قدرتهم على ضرب أهداف في عمق الأراضي السعودية، عندما أطلقوا مقذوفات على منشآت أرامكو في الجبيل بالمنطقة الشرقية وجدة. شُنت هذه الهجمات الأخيرة في الوقت نفسه وشملت استخدام 17 طائرة مسيّرة مفخخة وصاروخين باليستيين، وأصابت أهدافًا في خميس مشيط وجيزان بحسب الحوثيين.
كثف التحالف بقيادة السعودية من جهته غاراته الجوية في صنعاء، واستهدف مواقع للحوثيين في أنحاء مختلفة في العاصمة، مثل معسكر الصيانة شمال صنعاء ومعسكر الحفا شرقها. شُنت هذه الضربات الجوية على صنعاء في 21 و22 مارس/آذار قبل وبعد إعلان السعودية مقترحها لوقف إطلاق النار. تقول التقارير إن عدد الغارات الجوية للتحالف خلال شهر أبريل/نيسان بلغ أكثر من 400 غارة جوية استهدفت غالبيته الحوثيين في محافظة مأرب.
تصعيد الهجمات المرتبطة بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأبين
شهد شهر مارس/آذار تصعيدًا في عدد الهجمات المشتبه بوقوف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلفها في محافظة أبين جنوب اليمن، واستهدفت الهجمات بشكل أساسي أفرادًا سابقين وحاليين في قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي التي قاتلت التنظيم في أبين قبل عام 2018. خلال شهر مارس/آذار أُبلغ عن خمس هجمات منفصلة مرتبطة بالتنظيم، أسفرت عن مقتل 11 من مقاتلي الحزام الأمني على الأقل. نُفذ الهجوم الأكثر دموية في 18 مارس/آذار عندما هاجمت مجموعة من المسلحين المُعتقد أنهم أعضاء في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب نقطة تفتيش تابعة للحزام الأمني شرق مديرية أحور جنوب شرق أبين، مما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وسبعة من مقاتلي الحزام الأمني.
الاشتباكات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين تهدد الاستقرار في الجنوب
اندلعت اشتباكات متقطعة بين الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي شرق أبين في أبريل/نيسان. كانت القوات الخاصة التابعة للحكومة اليمنية وقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قد اتفقت على تسيير دوريات مشتركة في مديرية أحور بعد تصاعد هجمات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتزايد معدلات الجريمة خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار. ومع ذلك، أدى وجود القوات المتنافسة إلى اشتباكات اندلعت في 5 أبريل/نيسان بعد أن رفعت قوات الحزام الأمني علم جنوب اليمن السابق فوق نقطة تفتيش في منطقة خبر المراقشة بمديرية خنفر شرق أبين. قُتل جندي حكومي خلال هذا القتال الذي استُؤنف في 9 أبريل/نيسان واستمر حتى اليوم التالي رغم جهود الوساطة المحلية.
في 16 أبريل/نيسان اندلعت المعارك أيضًا في مديرية أحور غربًا، قبل أن يتدخل وسطاء محليون لوقف القتال في نفس اليوم. ولم يُبلّغ عن أي اشتباكات أخرى خلال بقية الشهر.
أبو بكر الشماحي، هو باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
التطورات الاقتصادية
الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء
تطورات أسعار الصرف المحلية
استقر سعر صرف الريال اليمني في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون عند 600 ريال يمني لكل دولار أمريكي خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان. تواصل سلطات الحوثيين إعطاء الأولوية للحفاظ على استقرار سعر الصرف، ويساعدهم على ذلك استمرار تطبيق حظرهم لاستخدام الطبعة الجديدة من الريال اليمني (أي الصادرة عن البنك المركزي في عدن بعد سبتمبر/أيلول 2016) في مناطق سيطرتهم.
وعلى النقيض تمامًا، تذبذبت قيمة الريال في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا. ففي 2 مارس/آذار، بلغ سعر صرف الريال 884 للدولار، لينخفض في التاسع من نفس الشهر إلى 913 ريالًا. وفي نهاية مارس/آذار استقر الريال عند 830 للدولار، وجاء هذا التحسّن على خلفية أنباء أفادت بتعهد السعودية تقديم منحة مشتقات نفطية بقيمة 422 مليون دولار أمريكي لليمن، كما سحب فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة اتهامات الفساد التي وجهها ضد البنك المركزي في عدن من تقريره السنوي. وكما حدث في الماضي، لم تدم تحسّن قيمة الريال في مناطق سيطرة الحكومة عقب بعض التصريحات/التطورات السياسية أو الاقتصادية طويلًا، ففي مطلع أبريل/نيسان، انخفضت قيمة الريال إلى 861 للدولار، وانخفضت مرة أخرى بحلول 23 من الشهر نفسه إلى 900 ريال.
الحكومة اليمنية تنشر بيانات المشتقات النفطية دفاعًا عن انخفاض معدلات استيرادها في الحديدة
في الثاني من أبريل/نيسان، نشر المجلس الاقتصادي الأعلى للحكومة بيانات تضمنت عمليات استيراد المشتقات النفطية على مستوى البلاد خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني ومارس/آذار 2021، وقارن هذه البيانات ببيانات مماثلة لعامي 2020 و2019 خلال الفترة ذاتها.
نشاط استيراد المشتقات النفطية في اليمن بين يناير/ كانون الثاني ومارس/آذار للأعوام 2019 و2020 و2021 (طن متري)
الميناء |
2019 |
2020 |
2021 |
الحديدة |
459,422.64 |
710,803.62 |
84,517.86 |
عدن |
289,773.87 |
318,833.89 |
590,235.87 |
المكلا |
110,964.13 |
182,918.03 |
291,750.65 |
نشطون |
23,400.00 |
16,353.30 |
86,873.41 |
الإجمالي |
883,560.64 |
1,228,908.84 |
1,053,377.79 |
المصدر: المجلس الاقتصادي الأعلى للحكومة
أصدرت الحكومة هذه البيانات عبر مذكرة موجزة في محاولة واضحة لتهدئة المخاوف بشأن إمدادات الوقود المتبقية في اليمن، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي يسيطر عليها الحوثيون التي تُقدر نسبة السكان فيها حوالي 70% من إجمالي سكان اليمن البالغ عددهم 31 مليون نسمة. خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية فبراير/شباط 2021، لم يدخل ميناء الحديدة الذي يديره الحوثيون سوى شحنة واحدة من غاز الطبخ، ولم يُسجل أي نشاط آخر لاستيراد المشتقات النفطية خلال تلك الفترة. لكن خلال مارس/آذار أصدرت الحكومة تصاريح لخمس شحنات وقود للدخول والتفريغ في ميناء الحديدة، لكن واحدة فقط من الشحنات التي وصلت كانت معروضة للبيع العام أمام المستهلكين.
بشكل مماثل للانخفاض في نشاط استيراد المشتقات النفطية في الحديدة خلال الفترة الأخيرة (يونيو/حزيران- سبتمبر/أيلول 2020)، سعت الحكومة للتخفيف من تأثير انخفاض واردات الوقود في ميناء البحر الأحمر من خلال السماح باستيراد وقود إضافي عبر موانئ عدن والمكلا ونشطون في مناطق سيطرة الحكومة، مع توقع نقل الوقود برًا إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. في المذكرة الموجزة التي نُشرت في 2 أبريل/نيسان، زعمت الحكومة أنه خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار نُقل 6 آلاف طن متري من الوقود برًا يوميًّا من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة الحوثيين. وفقًا للتقديرات المقدمة من الحكومة، فإن هذا يعني أنه خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، نُقل ما مجموعه 540 ألف طن متري برًا إلى مناطق سيطرة الحوثيين، أي ما يعادل 51% من إجمالي ما تم استيراده إلى اليمن، حسبما صرحت به الحكومة وهو مليون و53 ألف و377 طنًا متريًّا.
كان وما يزال الوقود يُنقل برًا من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة الحوثيين. وسُجل تصاعد متكرر في عمليات نقل الوقود برًا خلال فترات متكررة من المواجهة الطويلة بين الحكومة والحوثيين بشأن الحديدة. ولكن من الصعب تأكيد وجود نشاط نقل بري يومي وتحديد مقدار ما يتم نقله إذ يتطلب بذلك مزيدًا من المعلومات عن مقدار حركة الوقود التي تمر عبر نقاط التفتيش الجمركية الداخلية للحوثيين، إضافة إلى معرفة الطرق الأخرى غير المنتظمة التي يسلكها سائقو الشاحنات.
تحرص الحكومة على التقليل من المخاوف بشأن إمدادات الوقود المتاحة في اليمن، وبالإضافة إلى تسليطها الضوء على نشاط استيراد الوقود، تتهم الحوثيين بمنع توفير الوقود في السوق المحلي في مناطق سيطرتهم. من المؤكد أن هناك نقصًا في المشتقات النفطية في مناطق مختلفة من البلاد، بما في ذلك المناطق الحكومية حيث يتطلع تجار الوقود إلى نقل الإمدادات إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، نظرًا لإمكانية تحقيق أرباح أكبر بسبب ارتفاع أسعار الوقود هناك. لا يزال مدى هذا النقص وشدته غير واضح، حيث يتطلع كل من الحوثيين والحكومة إلى تضخيم المخاوف الإنسانية الناتجة عنه أو التقليل منها.
السعودية تتعهد بمنحة مشتقات نفطية بقيمة 422 مليون دولار للمناطق الحكومية
في 30 مارس/آذار، أعلنت السعودية أنها ستقدم لليمن منحة مشتقات نفطية بقيمة 422 مليون دولار أمريكي من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. صرحت الرياض أن المشتقات النفطية المقدمة ستخصص لتوليد الطاقة الكهربائية، لكنها لم تحدد في البداية المناطق التي ستُرسل المشتقات النفطية إليها وتُوزع وتُستخدم فيها لاحقًا. وفي 13 أبريل/نيسان، أفادت وكالة الأنباء السعودية أن منحة المشتقات النفطية ستوفر 1,260,850 طنًا متريًّا لتشغيل “أكثر من 80 محطة كهرباء“ في المناطق الواقعة تحت السيطرة الإدارية للحكومة. سبق أن قدمت السعودية لليمن منحة مشتقات نفطية لقطاع الكهرباء بقيمة 180 مليون دولار موزعة على فترة ستة أشهر من أكتوبر/تشرين الأول 2018 حتى نهاية مارس/آذار 2019. قُدمت منحة المشتقات النفطية على ثلاث شحنات منفصلة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وديسمبر/ كانون الأول 2018، ويناير/كانون الثاني 2019، ووُزِعت واُستخدِمت في المناطق الخاضعة اسميًّا لسيطرة الحكومة.
فريق الخبراء يراجع تحليله الخاص بالبنك المركزي اليمني في عدن
في نهاية مارس/آذار، سحب فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن التهم السابقة التي وجهها ضد البنك المركزي اليمني في عدن بشأن تعامله مع الوديعة التي قدمتها السعودية في مارس/آذار 2018 والبالغ قيمتها ملياري دولار. تضمن القسم الاقتصادي من أحدث تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن والذي عُمم في نهاية يناير/كانون الثاني 2021 اتهامات بأن البنك تورط في “ممارسات غسيل أموال وفساد”. طلب فريق الخبراء من مجلس الأمن تجاهل هذا القسم على وجه التحديد بانتظار المراجعة النهائية، سحب مؤلف القسم الاقتصادي مراد بالي اسمه من إعادة الترشيح في الفريق. (للمزيد، انظر: “الفساد حقيقي: كان على لجنة الأمم المتحدة ألّا تتراجع عن اتهامات الاختلاس”)
السلطة المحلية في شبوة تلغي اتفاقية تطوير ميناء قنا
في 11 أبريل/نيسان، أعلنت السلطة المحلية في شبوة إلغاء الاتفاقية القائمة مع شركة QZY لتطوير ميناء قنا. أحمد العيسي -أحد أبرز رجال الأعمال اليمنيين ونائب مدير مكتب الرئيس- هو أحد المساهمين في شركة QZY. كانت الشحنة الأولى من المشتقات النفطية (17 ألف طن متري من الديزل) قد فُرغت في ميناء قنا منتصف شهر يناير/كانون الثاني. كانت هناك الكثير من التكهنات في الإعلام المحلي بشأن أسباب إلغاء الاتفاقية بين السلطة المحلية وشركة QZY، حيث اتهمت السلطات المحلية في شبوة العيسي وشركة QZY برفض بيع 35% من أي شحنة وقود تأتي عبر ميناء قنا إلى فرع شركة النفط اليمنية المحلي بسعر التكلفة (أي السعر الذي يُشترى به الوقود مضافًا إليه تكلفة شحنه إلى ميناء قنا). من جانبها، ذكرت شركة QZY أن هذا الشرط لم يكن جزءًا من الاتفاقية الأصلية مع السلطة المحلية.
الحوثيون يفتحون محطات شركة النفط في صنعاء مؤقتًا
في 20 أبريل/نيسان، أعادت شركة النفط اليمنية التي يديرها الحوثيون فتح عدد من محطات الوقود في صنعاء مؤقتًا وباعت البنزين والديزل بمعدل 10 آلاف ريال يمني لكل 20 لترًا. كانت هذه الزيادة ملحوظة عن السعر “الرسمي” السابق البالغ 5,900 ريال يمني لكل 20 لترًا في محطات الشركة، ولكن هذا السعر كان أقل بألفي ريال من سعر محطات الوقود المملوكة ملكية خاصة. ظلت محطات الوقود التابعة لشركة النفط مفتوحة لمدة 48 ساعة تقريبًا قبل أن تغلق مجددًا، وبالتالي لم تعد المشتقات النفطية متوفرة إلا في السوق “الموازية” أو “السوداء” بسعر 13 ألف ريال يمني لكل 20 لترًا. أثار إعادة الفتح المؤقت لمحطات شركة النفط والوفرة المفاجئة للوقود شكوكًا حول احتمال تخزين المشتقات النفطية وصحة مزاعم نقصها بسبب انخفاض واردات الوقود عبر ميناء الحديدة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان.
غرفة التجارة والصناعة في صنعاء تدين إجراءات هيئة الزكاة التابعة للحوثيين
أصدرت غرفة التجارة والصناعة بالعاصمة صنعاء في 18 أبريل/نيسان بيانًا استنكرت فيه الإجراءات “التعسفية” التي اتخذتها هيئة الزكاة التي يديرها الحوثيون في أبريل/نيسان، وتحديدًا نزول مسؤولي الأمن والمخابرات المسلحين إلى المحال التجارية المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص للمطالبة بتسليم قواعد البيانات الداخلية الخاصة بها. كما أعربت الغرفة عن معارضتها للضرر الكبير الناجم عن إجبار عدد من المتاجر على الإغلاق بأمر من مسؤولي الأمن والمخابرات. يُنظر إلى هذه التحركات على أنها جزء من محاولة لزيادة عائدات الزكاة والضرائب العامة، حيث تمثل الضرائب أحد المصادر الموثوقة للتمويل التي يعتمد عليها الحوثيون.
مقالات
تأملات في انتفاضة اليمن عام 2011 بعد عقد من الزمن: 15 يناير 2011:
حين ارتديت ثورة
بلقيس اللهبي
في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 كنت في تونس. كان الاضطراب يسود ورشة العمل التي كنت أحضرها، وكان الجميع يهمس بقلق عن إحراق شاب تونسي نفسه في سيدي بوزيد، ما أثار موجة احتجاج في المدينة.
عدت إلى صنعاء وعقلي عالق في تونس حيث تنامت المظاهرات. كنت أتابع التطورات في منزل صديقتي عندما خاطب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الشعب التونسي نهار الخميس 13 يناير/كانون الثاني 2011 وقال: “فهمتكم” ثم غادر إلى المنفى. كان ذلك حدثًا أيقظ مشاعر الأمل والثورة، مشاعر غامرة بين البكاء والفرحة والذهول. علق الهتاف في حناجرنا وقلوبنا مرددين كلمات الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: “إذا الشعب يومًا أراد الحياة…” ومن منّا لا يريد الحياة؟
بعد أن عدت إلى منزلي، وصلتني رسالة من صديقتي فاطمة مطهر تقترح فيها أن نقيم فعالية ما لنعبر فيها عن فرحنا وتضامنها مع تونس.
في 14 يناير/كانون الثاني، قررت أن أرسل دعوة عامة على الفيسبوك للتجمع صباح اليوم التالي أمام السفارة التونسية في صنعاء. لم أرسل أي دعوات من هذا القبيل من قبل فطلبت المساعدة. ساعدني زميلي في العمل عبدالرشيد الفقيه في صياغة الدعوة ونشرها.
“دعوة لوقفة احتفائية أمام السفارة التونسية يوم السبت 15 يناير/كانون الثاني 2011 الساعة العاشرة صباحًا”.
سرعان ما وصلت الدعوة إلى الناشطة فخرية حجيرة التي أرستلها بدورها إلى طلاب الجامعات وشباب الأحزاب والنشطاء والصحفيين. قد أكون من أرسل الدعوة ولكن فخرية هي من حولها إلى حدث.
في الليلة التي سبقت الحدث، كنت أسمع نبضات قلبي ودموعي تنهمر على وجهي. لم أشغل نفسي بتجفيفها وأنا أتخيل لحظة الانعتاق من حكم فاسد. كنت وحيدة في منزلي بنوم مضطرب كطفل ينتظر صباح العيد. أفكر ماذا سأرتدي؟ ما اللون الذي نرتديه للثورة؟ قررت أن أرتدي اللون البرتقالي، لون الثورة الأوكرانية، سأكسر سواد العباءة القادمة من الصحراء.
في صباح اليوم التالي، وصلت قبل موعد التجمع. كان هناك بعض وسائل الإعلام تغطّي الحدث. قلت لمراسل الجزيرة حمدي البكاري إنني أريد أن أوجه رسالة للرئيس علي عبدالله صالح. وقفت أمام بوابة السفارة وخلفي علم تونس وقلت: “إذا كان يهددنا بالعرقنة، والأفغنة، والصوملة، نحن اليوم نهدده بالتونسة!” كانت لحظة لم أتوقعها يومًا خارج زمني ولكنها وضعتني في زمني.
في هذه الأثناء، كان طلاب الجامعة يسيرون في شارع قريب ليتوجهوا نحو السفارة ويهتفون “إذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر” – بيت الشعر الأول في القصيدة التي سرعان ما أصبحت قصيدة الثورة.
كان هناك ما يقارب من 15 ناشطًا وناشطة وصحفيًّا في تلك الساحة الصغيرة أمام السفارة، كانوا يتجادلون مع قوى الأمن الذين أُرسلوا لاعتقالهم. منعت القوى الأمنية الطلاب من الانضمام إلينا ولكن الهتاف لم يتوقف.
بلقيس اللهبي هي باحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تركز أبحاثها على التطورات السياسية والاجتماعية في اليمن.
الجانب الآخر للجدار
صلاح علي صلاح
“يا للعار يا للعار.. سلمية تُضرب بالنار”. بالرغم من سماعي لهذا الهتاف مئات المرات، لكن ذلك اليوم، كان وقع هذا الهتاف مختلف للغاية لأنني لم أكن داخل الساحة، بل كنت في الجهة الأخرى من الجدار، مع المعتدين.
18 مارس/آذار 2011، يوم جمعة الكرامة، من المستحيل أن يُنسى في اليمن. كنت في منزلي القريب من ساحة التغيير في الجهة الجنوبية جوار الجامعة القديمة. فوجئت عندما أخبرتني زوجتي أنهم أحرقوا ساحة التغيير، فذهبت إلى النافذة ورأيت الدخان يتصاعد من اتجاه المظاهرات، كما رأيت فريقًا إخباريًّا لقناة تلفزيونية في المبنى المقابل، وكان يصوّر باتجاه الساحة، ومروحية هليكوبتر تحلّق فوقها.
“لو توسعت المظاهرات، لن يدعوا نسائكم يدخلن البيوت إلا بعد تفتيشهن! ولن يدعوكم تناموا الليل! سيقيمون حمامات أمام منازلكم! إذا خرج أطفالكم إلى الشارع سيتحرشون بهم!”. هذا ما قاله عقّال الحارات والمناصرون للنظام لتحذيرنا من التظاهر.
أُنشئت جدران اسمنتية حول الساحة بتمويل من النظام وحماية من قوات الأمن. فصلت هذه الجدران الأحياء المحيطة عن المتظاهرين في الساحة. كان هناك أبواب في بعض هذه الجدران يحرسها رجال بلباس مدني من أبناء الأحياء، وكانوا يضايقون المحتجين ويمنعونهم من الدخول إلى الساحة أحيانًا.
خرجت من منزلي متوجهًا إلى الساحة. كنا معتادين على جنود الأمن المركزي الموجودين على المداخل، كانوا يفتشون جميع الداخلين إلى الساحة ليتأكدوا أنه ليس بحوزتهم سلاح. في ذلك اليوم، لم يكونوا هناك، بل كان على كل تقاطع مجموعات من الرجال بلباس مدني موزعين على شكل سلاسل بشرية لمنع الناس من الوصول للساحة.
كانت المجموعة الأكبر من الرجال بالقرب من خط التماس الأول مع الساحة، وراء الجدار الذي شُيّد حديثًا، وُضع على الجدار عدد من الإطارات أحرقها موالون للنظام. كان هذا مصدر الدخان الكثيف الذي رأيته من نافذة منزلي.
كان بعض الأشخاص يحملون الهراوات وعدد منهم يحملون أسلحة نارية (كلاشنكوف)، ولافتات تطالب المتظاهرين بالرحيل من الشارع وتشرح المشاكل التي تسببوا بها لسكان الأحياء المحيطة بساحة المظاهرات. إحدى اللافتات كان فيها حديث للرسول: “إياكم والجلوس في الطرقات”.
في طريقي إلى الساحة، ناداني أحد المسلحين الملثمين باسمي، عرفته مباشرة وسألته: “وين رايح بالسلاح؟ حرام تحمل نفسك دم”. فتح مخزن رصاص بندقيته وقال لي “لا تقلق، هذا رصاص فشنج عشان نخوفهم بس”. استمريت في السير ناحية الجدار، وبدأ كلا الطرفين برشق بعضهم بالأحجار.
بعد دقائق قليلة، وصلت شاحنة تقل جنودًا يرتدون زي قوات الصاعقة. كانت أعمارهم صغيرة ويبدو من حلاقة شعرهم أنهم مجندون حديثًا. كانوا يحملون الهراوات فقط وليس بحوزتهم أسلحة ولا يرتدون خوذات الرأس ودروع حماية. جرى نشرهم في المنتصف، وحين بدأ الرشق بالحجارة بين المتظاهرين والمعتدين، نالوا النصيب الأكبر منها، كانوا هم الضحايا، الضحية التي أرسلها النظام لإغضاب المتظاهرين.
تلطخ الجنود بالدماء. حصل النظام على الصور التي يريدها، إذ كان يُظهِر بأن المتظاهرين هم من هاجموا أولًا.
أمسك بعض الموالين للنظام الذين يدافعون عن الجدار بأحد الجنود المنسحبين وصرخ به: “أين عتسيروا، أرجعوا احموا الوطن!”، رد الجندي “عيال الكلب -يقصد قياداته- جابونا هنا بعصيان حسسوني انحنا عنلعب جولف”.
على الجهة الأخرى، سمعت أحد الأشخاص يصرخ عبر مكبر الصوت ويشجع المتظاهرين على اختراق الجدار. كان يصيح: “من يريد الجنة فهي هناك خلف ذلك الجدار”. سمعت هذه العبارة واستغربت، فأنا كنت خلف الجدار ولم أكن في الجنة.
بدأت أجزاء الجدار العلوية بالانهيار، وازدادت وتيرة أصوات الأعيرة النارية في اتجاه المعتصمين. كان هناك مسلحون ملثمون تابعون للنظام فوق عدد من المباني، بعضهم قناصين، إضافة إلى المسلحين الموجودين على الأرض، من بينهم صديقي صاحب الرصاص الصوتي “الفشنج”.
في موقعنا خارج الجدار، لم نكن خائفين من الأعيرة النارية إذ كانت تنطلق من جانبنا نحن.
حينها لم نكن نعلم ما الذي يجري داخل الساحة. جاء أحد أبناء الحي ليتحدث مع مجموعة من “المشاهدين غير المشاركين”، ومن بينهم أنا، وقال: “شوفوا أصحاب الساحة على كذابين قدهم يقولوا في التلفزيون إن معهم 30 شهيد!” يبدوا أن الكثيرين كانوا مقتنعين برواية الرصاص الفشنج الذي سيُستخدم فقط لإخافة المتظاهرين.
استمرت الأحداث بشكل متصاعد، وبعد فترة جاءت قوة أمن مجهزة بعربة رش مياه وقنابل مسيلة للدموع، وبدأت برش المعتصمين بالمياه والغاز المسيل للدموع في حين بدأ الجدار بالتهاوي.
عدت إلى البيت بسبب الغاز المسيل للدموع، ولأشاهد الأخبار حول ما يحدث داخل الساحة. كانت النتيجة صادمة، إذ سقط أكثر من 54 شهيدًا نتيجة تلك الاشتباكات.
صرح علي عبدالله صالح أن القتل الذي حصل قام به سكان الأحياء المتضررين من المظاهرات، كما أُخذ مجموعة من القناصين الذين اتُهموا بقتل المعتصمين إلى مقر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها علي محسن الأحمر. لا توجد أي تقارير دقيقة عن هوياتهم أو مصيرهم ولكن من المرجح أنه أفرج عنهم. فعليًّا لا يزال هناك الكثير من الأسرار حول جمعة الكرامة وثورة 2011.
قبل جمعة الكرامة بأيام، كان عندي صديقي خالد الحزمي، شاب متحمس مثقف وكان يحدثني بشغف كبير عن أهمية التغيير وضرورة إنشاء تكتل شبابي منظم لإنقاذ اليمن. كان من بين الشهداء داخل الساحة في ذلك اليوم.
هل ذهب دمه هدرًا هو ورفاقه؟ وهل سيحقق اليمن يومًا ما التغيير الذي حلموا به وضحوا من أجله؟ من يدري.. ليس هناك إجابات على هذه الأسئلة، مثلما لا توجد إجابات حول متى ستنتهي هذه الحرب أو متى سيحل السلام في اليمن.
صلاح علي صلاح هو باحث في مركز صنعاء. شغل في السابق منصب مدير عام وحدة الرقابة والتفتيش الفني بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
كيف تبدو انتفاضات اليمن من مقر الأمم المتحدة
كيسي كومبس
شهد اليمن سلسلة من الاحتجاجات ألهمتها ثورات الربيع العربي في يناير/كانون الثاني 2011. كنت حينها قد بدأت للتو عملي كصحفي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. بعثت الثورات التي اندلعت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الحياة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من جديد، بعد أن تراجع دوره في معالجة التهديدات للسلام والأمن الدوليين خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق.
لكن الانتفاضة اليمنية لم تكن على جدول أعمال المجلس المكوّن من 15 دولة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2011، عندما زارت توكل كرمان -ناشطة مناصرة للديمقراطية تبلغ حينها من العمر 32 عامًا وعضوة في حزب المعارضة اليمني حزب الإصلاح- مقر الأمم المتحدة للضغط من أجل اتخاذ إجراءات ضد حملة القمع العنيفة الممارسة ضد المتظاهرين السلميين. كانت كرمان قد حصلت على جائزة نوبل للسلام للدور الذي لعبته في الانتفاضة التي قادها الشباب ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي استمر 33 عامًا على سدة الحكم، والذي نجا من محاولة اغتيال في يونيو/حزيران 2011 بعد أن أطلق مناصروه النار وقتلوا 50 متظاهرًا على الأقل في مارس/آذار. عاد صالح إلى الظهور في العاصمة اليمنية صنعاء أواخر سبتمبر/أيلول بعد عدة أشهر من النقاهة في مستشفى بالسعودية. تزامنت عودة صالح غير المتوقعة مع حملة قمع دموية أخرى ضد المتظاهرين السلميين وقتال شوارع مفتوح بين قوات الحرس الجمهوري الموالي لصالح والقوات الموالية للواء علي محسن الأحمر الذي انشق عن صالح قبل ذلك بشهور.
وفيما أخذت ثورة اليمن منعطفًا نحو الأسوأ، راوح عمل مجلس الأمن مكانه بسبب تداعيات قراره بتفويض الناتو لتطبيق حظر جوي فوق ليبيا لحماية المدنيين من القوات الموالية للرئيس معمر القذافي. سرعان ما تحول قرار فرض الحظر الجوي إلى حملة قصف تهدف إلى تغيير النظام في نظر روسيا والصين حيث اتهم سفيرا البلدين في الأمم المتحدة نظراءهما من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة باستغلال التدخل الإنساني. هذه الدول الخمس هي دائمة العضوية في المجلس والوحيدة من لها حق النقض، ما يعني أن أي منها قد تمنع التدخل في سياقات مماثلة مثل سوريا. وبالفعل، استخدمت كل من روسيا والصين حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التي صاغها الغرب بهدف كبح حملة القمع التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد، والتي قتلت ما يقدر بنحو 2,600 شخص بحلول منتصف سبتمبر/أيلول من ذلك العام. وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يبلغ عدد قتلى الصراع في سوريا حتى الآن 400 ألف قتيل على الأقل.
أدى الجمود الدبلوماسي بين الأعضاء الخمسة الدائمين الذي أعقب هذه التطورات إلى الحد من فرص استجابة مجلس الأمن لمطالب توكل كرمان برفض خطة مجلس التعاون الخليجي لمنح الرئيس صالح الحصانة مقابل استقالته. كما طالبت كرمان المجلس بتجميد أصول صالح وأصول أفراد دائرته المقربة وإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. بعد ثلاثة أيام من وصول كرمان، أصدر مجلس الأمن بالإجماع القرار 2014، الذي أيد المبادرة الخليجية ونص على عملية الانتقال السياسي التي سيدعمها جمال بنعمر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى اليمن.
قال سفير المملكة المتحدة حينها مارك ليال غرانت “حامل قلم” ملف اليمن في مجلس الأمن: “أهمية هذا القرار هو أنه أتى بالإجماع، وبالتالي فإنه يمثل إدانة قوية للغاية، ودعوة قوية جدًا من المجتمع الدولي الموحّد. وأعتقد أن هذا هو ما يعطي القرار قوته”.
انهار هذا القرار بالطبع وانهارت معه عملية الانتقال السياسي المدعومة من الأمم المتحدة في نهاية المطاف بعد ثلاث سنوات عندما تحالف صالح مع جماعة الحوثيين المسلحة التي استولت على العاصمة في انقلاب عسكري في 21 سبتمبر/أيلول 2014. وبعدها بأشهر، فرض مجلس الأمن عقوبات على صالح وقادة حوثيين كما فرض حظرًا على الأسلحة في أبريل/نيسان 2015، ولكن لم تنجح هذه الإجراءات بتحقيق أي شيء يذكر لوقف تحالفهما. أما اليوم فقد أصبح لليمن مبعوث خاص ثالث للأمم المتحدة بينما يواصل مجلس الأمن تكرار الإدانات والدعوات لإنهاء الحرب وإعادة بناء دولة فاعلة في اليمن.
كيسي كومبس هو صحفي مستقل متخصص في شؤون اليمن وباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. يغرد على: @Macoombs
كيف اختطفت النخب المتقاسمة الانتفاضة اليمنية
عبدالغني الإرياني
استمرت انتفاضة شباب اليمن عام 2011 بضعة أسابيع فقط قبل أن تستولي عليها القوى السياسية التقليدية التي كان على رأسها حزب الإصلاح، الذي كان قادته شركاء للنظام الحاكم ويتقاسمون المنافع الاقتصادية مع الرئيس آنذاك علي عبدالله صالح خلال معظم فترة توليه منصبه. كما انشق من معسكر صالح فصيل كبير بقيادة اللواء علي محسن الأحمر في موالاة لحزب الإصلاح. ومنذ تلك اللحظة -أي 18 مارس/آذار 2011- أصبحت الانتفاضة صراعا على السُلطة بين فصيلين من النخبة السياسية الحاكمة في اليمن. تفاقمت المواجهات المتوترة بينهما إلى صراع عسكري ومحاولة اغتيال لـ”صالح” قبل أن تتغلب الحكمة ويتم التوصل إلى اتفاق لنقل السلطة من صالح إلى نائبه.
أقر مؤتمر الحوار الوطني، برعاية الأمم المتحدة، ترتيبات طموحة لتقاسم السلطة والثروة على نحو تدريجي، إلاّ أنه فشل في ثلاث مجالات رئيسية، فَقَد مصداقيته بانتهاك لوائحه الداخلية، وفَقَد أهميته بالنسبة لعامة الشعب نتيجة غياب تواصل حقيقي مع القاعده الشعبية، والأهم من ذلك، أن مؤتمر الحوار حاول أن يأخذ من النخبة الحاكمة أكثر مما هو ضروري حقًا لتنفيذ عملية انتقال ناجحة، الأمر الذي أشعل فتيل مقاومة قوية.
هيمن أعضاء من النخبة الحاكمة المنشقين عن صالح، وتحديدًا رجل الأعمال الثري والسياسي حميد الأحمر واللواء الركن علي محسن الأحمر، على ترتيبات تقاسم السلطة في المرحلة الانتقالية، ما ضمن استمرارية النظام الفاسد ذاته ولكن مع وجود عدد أقل من الأشخاص المتقاسمين للمنافع. فقدت مكونات ساخطة، مثل الحراك الجنوبي، الأمل في عملية الانتقال السياسية وطالبت بالانفصال الكُلي للجنوب. استغل المكونان المذهبيان في الكيان السياسي اليمني، جماعة الحوثيين المسلحة وحزب الإصلاح، ضعف الدولة المركزية فسارعا بالسيطرة على معسكرات الجيش في صعدة والجوف، الأمر الذي اعطانا لمحة عما سيعقب ذلك: اندلاع صراع عنيف وحالة استقطاب على أسس متصلة بالهوية.
يوجد في اليمن خمس هويات رئيسية حددها الانتماء الجغرافي والنشاط الاقتصادي، وطورت كل منها سماتها الاجتماعية والثقافية واللغوية المتميزة. وعلى مدى عصور، كانت هذه الهويات، التي تتمتع كل منها بجذور تاريخية عميقة، أدوات للتعبئة والصراع. تلك الهويات انطلاقًا من الشرق، تُحدد جغرافيًّا على النحو التالي:
- حضرموت.
- المشرق (بدو المنطقة الصحراوية الممتدة من الحدود السعودية إلى بحر العرب، وتشمل محافظات الجوف ومأرب وشبوة وشرق أبين والبيضاء).
- المرتفعات الشمالية.
- وسط اليمن (المنطقة التي يطلق عليها تاريخيًّا اسم يمنات أو اليمن، وتضم مزيجًا من القبائل والفلاحين في إب وتعز ولحج وعدن والضالع وغرب أبين).
- سهل تهامة (السهل الساحلي الغربي الذي امتد تاريخيًّا إلى عمق المملكة العربية السعودية الحالية).
تنافست هذه الهويات عبر التاريخ، مع صعود وسقوط دول عظيمة من كل منها حيث سيطر بعضها أحيانًا على جميع الأراضي المعروفة تاريخيًّا على أنها اليمن. خلال القرن الماضي، سيطرت القبائل الزيدية الشمالية المتمركزة في المرتفعات على شمال اليمن. وفي الجنوب، ساعدت معاهدات الحماية المبرمة مع بريطانيا العظمى في الإبقاء على 23 كيانًا مستقلًا حتى الاستقلال عام 1967.
منذ الاستقلال اندلعت اشتباكات بين البدو في أبين-شبوه والقبائل في المحافظات الغربية، وتُوّجت بالحرب الأهلية الدموية عام 1986. كان مسار الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1994 مماثلًا حيث قاتل البدو في أبين-شبوة إلى جانب قوات الحكومة المركزية (القوات الشمالية) ضد قوات الحزب الاشتراكي اليمني (القوات الجنوبية).
اتّبعت أحداث عام 2011، والحرب التي تلت ذلك، النمط التاريخي للديناميكيات السياسية التي حاولت كسر احتكار النخبة الشمالية القبلية الزيدية للسلطة. ومن الأمثلة الماضية لمثل هذه المحاولات، الثورة الدستورية عام 1948 والثورة الجمهورية عام 1962.
إلاّ أن الانتفاضة الشعبية عام 2011، والدعم الدولي الذي حظيت به، شكلت التحدي الأكبر لهيمنة النخبة الشمالية القبلية الزيدية في التاريخ المعاصر. ولا يُعزى ذلك إلى قوة المعارضة، بل إلى الانقسامات داخل هذه النخبة نفسها والتي شلتها ومكّنت العناصر السياسية الأخرى من المطالبة بنصيب في السلطة.
غالبًا ما يُشاد بصالح لتنازله عن السلطة سلميًّا، إلا أن الوقت حان لتبديد هذه الخرافة. فوفقًا للدكتور عبدالكريم الإرياني، رئيس وزراء سابق وشخصية سياسية بارزة في اليمن، فقد التقى صالح بجنرالاته على مدار ثلاثة أيام متتالية قبل التوقيع على مبادرة مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وطلب منهم النظر في الخيارات العسكرية لفض اعتصام الشباب في ساحة التغيير بصنعاء. كان تقييمهم في نهاية كل اجتماع هو عدم جدوى الخيار العسكري وأن الخيار السياسي وحده هو المقبول. كان صالح يستطلع عما إذا كانوا سيظلون موالين له في حال لجأ إلى استخدام القوة. كان جوابهم لا. انتهى اجتماع اليوم الثالث في منتصف اليوم، وبحلول الساعة الرابعة عصرًا، كان صالح قد وصل الرياض وعلى استعداد للتوقيع على المبادرة الخليجية.
كانت النخبة الشمالية القبلية الزيدية منقسمة للغاية بعد انشقاقات في صفوفها لصالح المعارضة لدرجة أنه لم يكن بمقدور صالح إقناع الموالين له بالقتال.
استقال صالح، ورُغم تركه منصبه أبقى الحكومة الانتقالية في حالة من التشوش عبر ممارسة جميع أشكال التخريب السياسي، كما وعد في خطاب له خلال حملته الانتخابية الرئاسية عام 2006.
سيطر المنشقون من النخبة الشمالية القبلية الزيدية على العملية الانتقالية التي دامت لعامين، وتصرّف حميد الأحمر على وجه الخصوص كخلف لرئيس الفترة الانتقالية. باءت محاولات الرئيس الجديد، نائب صالح السابق، عبدربه منصور هادي، لتولي زمام الأمور عبر إزاحة الشخصيات القوية من النظام السابق بالفشل، ونجح فقط في إقناع النخبة الشمالية القبلية الزيدية بتوحيد الصفوف للدفاع عن امتيازاتها. ولم يكن لدى صالح الاستعداد لمسامحة المنشقين. وكان يعتقد أيضًا أنه لم يُعد بحاجة إليهم، فقد كان أمامه بديل أفضل، التحالف مع فصيل النخبة الشمالية القبلية الزيدية الذي لم يكن يومًا جزءًا من الدولة الجمهورية: جماعة الحوثيين. (كانت صعدة مركز الملكيين خلال الستينيات. وبعد إبرام اتفاقية السلام عام 1970 التي وضعت حدًا للحرب الأهلية في شمال اليمن، تم إدماج القبائل الموالية للملكيين المحيطة بصنعاء بشكل كامل في الدولة الجمهورية، في حين تم استبعاد القبائل الأخرى في أقصى الشمال من الاتفاقية). وفقًا لشاهد عيان، جمع صالح عددًا كبيرًا من زعماء القبائل الشمالية الزيدية في نوفمبر 2011 وأخبرهم أنهم إن أرادوا البقاء في السلطة، فعليهم الذهاب إلى “السيد”، أي زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي.
أدى تحالف صالح مع الحوثيين إلى تحويل مسار التغييرات التي حدثت خلال عامي 2011-2012، ولكن سرعان ما تبدد أمله في السيطرة على جماعة الحوثيين وبأن يصبح الشريك الرئيسي لها بسبب قدرة الجماعة التنظيمية والتزامها الأيديولوجي وولائها المُطلق لزعيمها الديني والدنيوي: “السيد”.
كان ينبغي لثمانين عامًا من محاولات كسر نموذج الهيمنة هذا أن تكون كافية ليدرك اليمنيون أن المشكلة لا تكمُن في الطبيعة الديموغرافية للنخبة الشمالية القبلية الزيدية بل هي في تمركُز السلطة في صنعاء (أو في حالة جنوب اليمن، في عدن). لا يمكن تصور طريقة لتقاسم السلطة بصورة متوازنة ومُجدية داخل دولة مركزية، إذ يجب توزيع السلطة والمنافع الاقتصادية لمنع احتكار السلطة مجددًا.
ساهمت القبضات المحتجة والأفئدة الشجاعة لمتظاهري عام 2011 إلى حد كبير في تفكيك النظام السابق الذي كان يتداعى ويقود البلاد إلى انهيار اقتصادي وسياسي، إلا أن الأخطاء الكارثية والإخفاقات التي أعقبت ذلك دفعت الدولة اليمنية إلى حافة الدمار. يتحمل فصيلي النخبة، الفصيل الذي قاوم التغيير والفصيل الذي اختطف ساحات وميادين التغيير، المسؤولية عن ذلك.
عبد الغني الإرياني هو باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. عمل الإرياني مستشارا اول لبعثة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن ولمكتب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن.
عقد من الأحلام المحطمة
محمد القاضي
يمكننا تقسيم انتفاضة اليمن التي اندلعت عام 2011 إلى فترتين: ما قبل 18 مارس/آذار 2011 وما بعدها. قبل تلك الجمعة، كان من الممكن حدوث أي شيء مهما كان كبيرًا أو غريبًا. ففي شهر يناير/كانون الثاني من ذلك العام شاهدنا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وهو يفر من بلاده إلى المنفى. وبعدها بأيام، تحديدًا في 21 فبراير/شباط، ضرب القدر ضربته الثانية، واستقال حسني مبارك الذي حكم مصر لما يقرب من 30 عامًا. هل يمكن أن تكون اليمن التالية على القائمة؟ هل سيلحق علي عبدالله صالح بزملائه من الرؤساء الذين ترأسوا بلدانهم طوال حياتهم ويتنحى عن السلطة مثلهم؟
أتذكر تلك الأيام في صنعاء، عندما كنت أشاهد طلائع الانتفاضة من الطلاب الشباب والناشطين وهم يخرجون إلى الشوارع أمام جامعة صنعاء. لقد آمنوا بالمعجزات، فما بدا احتجاج للتضامن ودعم الانتفاضات في تونس ومصر سرعان ما اتخذ طابعًا محليًّا.
جذبت تلك النواة الصغيرة من الطلاب والناشطين المزيد من المتظاهرين، الذين بدورهم جذبوا آخرين ليهتفوا معًا: “ارحل، ارحل”. تردد صدى هتافاتهم في شارع الدائري ليصدح في جميع أنحاء المدينة.
وسرعان ما نصب الناس خيامًا بأشكال وأحجام وألوان مختلفة ومتنوعة باختلاف وتنوع المتظاهرين أنفسهم. الجميع أراد التغيير وبداية جديدة. كان هناك زخم وآمال وأحلام وإيمان بأن ما حدث في تونس ومصر يمكن أن يحدث في اليمن أيضًا.
ثم حل ذلك اليوم، الجمعة 18 مارس/آذار 2011. نظم المتظاهرون مظاهرة أطلقوا عليها اسم جمعة الكرامة، ولكن نظام صالح كان لديه خطط أخرى، فبعد وقت قصير من صلاة الجمعة، أطلق قناصة تمركزوا حول الساحة النار على المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات في مذبحة ذات دوافع سياسية.
كان ذلك اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء. نجح القناصة في سحق المظاهرة السلمية ذلك اليوم، ولكنهم غرسوا بذور زوال النظام. فبعد المجزرة بقليل، وبينما كان الجرحى ما زالوا يتلقون العلاج، أعلن علي محسن الأحمر، القائد العسكري الأقوى في البلاد وأحد أقرب حلفاء صالح، انشقاقه عن الرئيس ووقوفه بجانب المحتجين. فتح انشقاق علي محسن الباب أمام آخرين، وفي غضون ساعة من إعلان علي محسن، أعلن العشرات من المسؤولين الحكوميين والسفراء في الخارج والقادة العسكريين وشيوخ القبائل دعمهم لانتفاضة اليمن.
لوهلة بدا الأمر وكأنه نهاية لنظام صالح وانتصار الاحتجاجات السلمية، غير أن توالي الانشقاقات عن الجيش أدى إلى عسكرة الانتفاضة السلمية. في نهاية المطاف، تم احتواء الاحتجاجات من قِبل المعارضة المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك وتحولت ساحة التغيير إلى ورقة مساومة أخرى تُستخدم للضغط السياسي. ذهبت أحزاب اللقاء المشترك إلى المفاوضات وكأنها تمثل جميع المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد، وتحرك رجال علي محسن من الفرقة الأولى مدرع لحماية المتظاهرين في ساحة التغيير. أتذكر أنني كنت أتساءل في ذلك الوقت عن سبب احتياج المتظاهرين السلميين إلى الحماية من قِبل وحدات مسلحة. ولكن هذا كان فخًا، إذ عسكرة أي انتفاضة سلمية لا تحصد الانتصار بل الصراع.
بدأت المعارك في حي الحصبة وحول مناطق المتظاهرين ثم انتشرت داخل صنعاء وبلغت ذروتها نهاية المطاف بتفجير مسجد دار الرئاسة الذي كاد أن يُقتل فيه صالح الذي نُقل جوًا إلى السعودية لتلقي العلاج لإجراء عملية جراحية.
استغرق الأمر شهورًا من المفاوضات للتوصل إلى المبادرة الخليجية لنقل السلطة ولكي يوافق صالح على التنحي، وأخيرًا وفي فبراير/شباط 2012، استقال صالح وقام بتسليم زمام السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، الذي كان من المفترض أن يشغل منصب الرئيس المؤقت لمدة عامين. انعقد بعدها مؤتمر الحوار الوطني، ونوقشت الخطط، وبدأ المستقبل بالتبلور. لكن بعد ذلك ذهب المشروع بأكمله أدراج الرياح. هناك الكثير ممن يلامون على ذلك، ولكن الكثير من الخطأ يقع على عاتق الحوثيين.
كانت أحزاب اللقاء المشترك، التي اعتمدت على دعم المجتمع الدولي، مشغولة للغاية بالتنافس على الحقائب الوزارية والمناصب لدرجة أنها نسيت أن صالح لم يذهب إلى المنفى أو السجن، بل كان في منزله ينتظر ويخطط. وفي نهاية المطاف أودى انتقام صالح إلى سقوط البلاد في براثن حرب أهلية مما أدى إلى انهيارها.
وفي أواخر عام 2014، تحالف صالح مع أعدائه السابقين -الحوثيين- للسيطرة على صنعاء ووضعوا هادي وحكومته تحت الإقامة الجبرية. تمكن هادي من الفرار إلى عدن ثم السعودية، لكن قوات الحوثيين وصالح كانت تمشي على مسار الحرب، واقتحمت عدن وقصفت القصر الرئاسي بالطائرات المقاتلة. بعدها بأيام، في مارس/آذار 2015، شنت السعودية عملية عاصفة الحزم بهدف إعادة هادي إلى السلطة. طال أمد هذه العملية التي كان من المفترض أن تستمر لبضعة أسابيع فقط، وها نحن ندخل العام السابع من هذا الصراع الذي دمر اليمن وجعله يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
بعد عقد من الزمان، أصبح جيل عام 2011 في اليمن أو غالبيته إما من القتلى أو الجرحى أو النازحين أو المشردين أو العاجزين عن فعل أي شيء. خسر الطلاب والناشطون وانتصرت الحرب إذ أن الاحتجاجات السلمية سرعان ما انتهت بعد أن اختطفتها جماعات سياسية وعسكرية وقبلية ذات نفوذ.
لقد تحدثت مع العديد من أولئك الناشطين الشباب، ومعظمهم لا يشعر بالندم على ما قاموا به، لكنهم يشعرون بخيبة الأمل لأن الثورة تعرضت للخيانة وتم التلاعب بها. كانت الأطراف التي اختطفت الثورة هي نفسها التي اختطفت المقاومة المسلحة ضد الحوثيين أيضًا. والنتيجة هي الكارثة التي تشهدها البلاد اليوم.
مضت ست سنوات من المعاناة ومن هذه الحرب المشؤومة، لكن القضايا التي أثارها المحتجون السلميون قبل عقد من الزمان ما زالت بحاجة إلى معالجة، وعلى رأس قائمة تلك القضايا بناء دولة قائمة على سيادة القانون والمواطنة المتساوية. إذا لم يتم حل تلك القضايا ومعالجتها فستفشل كل محاولات السلام. مضى عقد من الزمن منذ جمعة الكرامة، وما زال هناك بصيص أمل. ففي يوم من الأيام، سينتهي هذا الصراع وستُبنى الدولة من جديد وتنهض من تحت الرماد. ربما يخرج المتظاهرون منتصرين عندما يأتي ذلك اليوم.
محمد القاضي، هو صحفي ومحلل يمني، عمل على تغطية اليمن لأكثر من عقدين، ويعمل حاليًّا كمراسل لوكالة بلومبيرج نيوز ومستشارًا سياسيًّا في مركز الحوار الإنساني بجنيف. يغرد على: mohammedalqadhi@
الكرامة أفق وليست جدار
بلقيس اللهبي
مرت سنين منذ مارس/آذار 2011، واليمنيون يسفكون دمائهم على جدار يعتقدون أنه يمثل كرامتهم، جدار نهم للدم ولا يكتفي. جدار بنته عقود من أنظمة قمعية أسست للجهل والفساد في المجتمعات التي حكمتها. تتآكل اليمن أرضًا وإنسانًا وهي تحاول هدمه. من واجه هذا الجدار إما سفك حياته عليه وتلاشى، أو اندمج وتماهى به وأصبح إحدى لبناته.
ليست المشكلة في صلابة الجدار، بل في الأدوات التي يستخدمها الذين يحاربون للتحرر ويحاولون هدمه. الشباب عراة الصدر الذين واجهوا الرصاص والمدافع المائية في ساحة التغيير عام 2011 لم يهدموا الجدار، ولا الحرب المستمرة منذ ست سنوات، ولا عشرات الجماعات المسلحة التي ظهرت خلال الصراع. يحتاج اليمن لأدوات أكثر قوة من الشجاعة؛ نحتاج عقول منفتحة تدرك ما الذي يجب فعله وقادرة على فعله، عقول مسلحة بالمعرفة لمكونات الجدار لكي تتمكن من هدمه.
استجاب البسطاء الباحثين عن الانعتاق للصوت الذي اعتادوه، وتبنوا الحرب بدأ من الحصبة، الصمع بارحب، انتهاء بحرب تلتهم اليمن بأكمله منذ ستة أعوام.
بلقيس اللهبي هي باحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تركز أبحاثها على التطورات السياسية والاجتماعية في اليمن.
الرجل الأقوى في صنعاء – لمحة عن أحمد حامد
غريغوري دي جونسن وطاقم مركز صنعاء
مطلع فبراير/شباط الماضي، دعا مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي التابع لجماعة الحوثيين المسلحة، الشاب البالغ من العمر 35 عامًا، إلى اجتماع خاص لكبار القادة والمسؤولين الحوثيين في صنعاء. أراد المشاط الذي أصبح رئيسًا للمجلس في أبريل/نيسان 2018 وضع حد للشائعة التي انتشرت واكتسبت زخمًا خلال الأشهر الأخيرة إذ تداول البعض على وسائل التواصل الاجتماعي وفي جلسات القات (نبتة منبهة يلوكها اليمنيون في مجالسهم خلال ساعات المساء) في جميع أنحاء المدينة الحديث عن أنه ليس سوى شخصية صوريّة. وبحسب مصدر مطّلع على الإجراءات، تحدث إلى مركز صنعاء، وصف المشاط تلك الشائعات بـ”الهراء”، وقال وهو ينظر إلى مدير مكتبه البالغ من العمر 49 عامًا والجالس في الطرف الآخر من الاجتماع أحمد حامد والذي تناولته الشائعات أيضًا: أحمد أخ عزيز لي، ولا يتخذ أي قرار قبل إجراء مشاورات مكثفة.
لم يصدق ما قاله المشاط سوى قلة من الموجودين في تلك الغرفة، صحيح أن المشاط هو الرئيس الرسمي لحكومة الحوثيين (غير معترف بها)، لكن أحمد حامد -الذي يبدو زائد الوزن ويعاني من الصلع- يُعرف في صنعاء برئيس الرئيس، ويصفه أحدث تقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن بأنه “ربما يكون أقوى زعيم مدني حوثي من خارج أسرة الحوثي”.
يعود جزء كبير من السلطة التي يمتلكها حامد إلى علاقته الطويلة والوثيقة بعبدالملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثيين. ولِد أحمد حامد في قرية مران عام 1972 أي نفس المكان الذي ولد فيه حسين بدرالدين الحوثي، شقيق عبدالملك، ومؤسس جماعة الحوثيين الراحل.
كان حامد من أوائل أتباع حسين الحوثي وأكثرهم إخلاصًا له، لكنه أيضًا قضى وقتًا طويلًا مع تابع آخر لحسين، وهو عبدالملك، الأخ الأصغر غير الشقيق لحسين الحوثي، إذ هما صديقان منذ الطفولة. خلال حرب الحوثيين الأولى عام 2004، أمضى حامد وعبدالملك الحوثي معًا أسابيعًا في كهف تحت الحصار في جبال صعدة الوعرة، وانتهت تلك الحرب في سبتمبر/أيلول 2004 بمقتل حسين الحوثي على يد القوات الحكومية.
في ذلك الوقت، بدا وكأن جماعة الحوثيين ستنتهي مع مقتل قائدها حسين. حاول عبدالله الرزامي، القيادي القبلي وعضو البرلمان السابق والذي كان مقربًا من حسين، السيطرة على ما بناه صديقه، ولكن حامد وبعض الأشخاص الآخرين ضغطوا لكي يخلف عبدالملك الحوثي شقيقه حسين، بذريعة أن الجماعة بحاجة إلى أحد من نسل النبي محمد كقائد لها. فشلت محاولة الرزامي للسيطرة على الجماعة في نهاية المطاف، وتولى والد حسين، بدرالدين الحوثي، السيطرة المؤقتة على الجماعة حتى انتقلت القيادة إلى عبدالملك عام 2010.
لم ينسَ عبدالملك أبدًا دعم حامد في بداية مسيرتهم، فغالبًا ما كان الاثنان معًا خلال حروب الحوثيين الست المتتالية ضد الحكومة اليمنية خلال الفترة من 2004 إلى 2010؛ ما أدى إلى تعميق الأواصر التي بدأت منذ طفولتهما. عندما سيطر الحوثيون على صنعاء أواخر عام 2014، عُيّن حامد مسؤولًا عن إعلام الجماعة، وهو الدور الذي تحوّل في النهاية إلى منصب وزير إعلام الحوثيين. لكنه كعبدالملك يعمل الآن خارج الهياكل الحاكمة الحالية. يوجد عبدالملك في مكان غير معروف شمالي اليمن، ولكن حامد هو الرجل الذي يُعتمد عليه في صنعاء.
في البداية، حكم الحوثيون صنعاء وشمالي اليمن بالشراكة مع عدوهم السابق، الرئيس السابق علي عبدالله صالح. شكّل الحوثيون وصالح معًا المجلس السياسي الأعلى في يوليو/تموز 2016 الذي تألف من عشرة أعضاء، خمسة رشحهم الحوثيون وخمسة رشحهم صالح. لكن تحالف الحوثيين وصالح، المبني إلى حد كبير على مصالح وأعداء مشتركين، كان محكومًا عليه بالفشل منذ البداية نظرًا للضغائن بينهما، فقوات صالح هي من قتلت حسين الحوثي عام 2004.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، اندلع الخلاف بين الطرفين وقُتل صالح -ويقول البعض إنه أُعدم- على يد الحوثيين. بعد رحيل صالح، عزز الحوثيون سيطرتهم على صنعاء والحكومة في الشمال، ما يعنى أن القيادي الحوثي، صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى أصبح -حينها- رئيسًا لسلطات الأمر الواقع الحوثية، لا يعارضه أي من أعضاء المجلس الذين اختارهم صالح بعناية.
في يناير/كانون الثاني 2018، عيّن عبدالملك الحوثي أحمد حامد مديرًا لمكتب الصماد، وعندما قُتل الأخير في غارة جوية بعد بضعة أشهر، بقي حامد في منصب مدير مكتب الرئيس الجديد مهدي المشاط. وجود حامد في هذا المنصب أتاح لعبدالملك رصد الرئيس في حالِ أصبح قويًّا أكثر مما يجب، واستخدم حامد هذه السلطة لزيادة نفوذه في صنعاء، حتى أنه دخل في صراع مع أفراد من عائلة الحوثي.
استمرت سيطرة الحوثيين على الحكم في الشمال على مراحل، حيث ركز الحوثيون في البداية على من يرأس الوزارات الحكومية فاستبدلوا الوزراء وكبار المسؤولين بموالين لهم، لكنهم أبقوا البيروقراطية على ما هي. في وقت لاحق، ووسط مخاوف متزايدة بشأن ولاء الكثير من الموظفين الإداريين الذين يشغلون مناصبهم منذ عهد صالح، طبق الحوثيون نظام “المشرفين”، وعيّنوا شخصيات حوثية موثوقة كمشرفين في معظم الإدارات. هؤلاء المشرفون ليسوا جزءًا رسميًّا من البيروقراطية الحكومية، ولكنهم يقررون ما يمكن أو لا يمكن للوزارة أن تفعله، وفي الحقيقة هم من يديرون كل إدارة فيها. لعب حامد إلى جانب مسؤول حوثي كبير آخر وهو محمد الحوثي دورًا أساسيًّا في تعيين العديد من هؤلاء المشرفين، وفي عالم سياسة الحوثيين حيث تعتبر العلاقات غير الرسمية أكثر أهمية من الألقاب الرسمية يقدم العديد من أولئك المشرفين تقاريرهم إلى حامد ويأخذون منه توجيهاتهم.
أما تحركات حامد الأكبر والأكثر إثارة للجدل، كانت في الجانب المالي حيث حوَّل الأموال من حسابات كل من صندوق رعاية الشباب وهو صندوق تابع لوزارة الشباب والرياضة، وحساب الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات إلى سلطة مكتبه، بحسب مسؤول سابق بأحد تلك الصناديق ومسؤول برلماني مطّلع على تلك التحويلات. وبحسب المصادر ذاتها، وضع حامد في مايو/أيار 2018 الهيئة العامة للزكاة، المسؤولة عن جباية الزكاة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تحت سلطة مكتبه أيضًا. حاول حامد بعد بضعة أشهر السيطرة على حساب وزارة الأوقاف والإرشاد التي تدر أيضًا إيرادات كبيرة ولكنه لم يتمكن من السيطرة المباشرة على حساباتها، لذلك قال المصدر البرلماني إن حامد أنشأ في نهاية الأمر إدارة موازية لها -تُعرف باسم الهيئة العامة للأوقاف– ثم ربطها بمكتب الرئاسة؛ ما أتاح له الوصول إلى تلك الموارد وإن كان من الباب الخلفي.
أما خارج اليمن فقد اشتُهر حامد بسيطرته على المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، الذي حلّ مكان الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التي كانت تحت سيطرته أيضًا. يشغل حامد منصب رئيس مجلس إدارة المجلس الذي يشرف على استلام وتوزيع جميع المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين. فكما وصف مدير يمني لمنظمة إغاثة محلية -في حديث لوكالة أسوشيتد برس- الوضع: لا يمكن حتى تنفيذ مشروع بسيط في شمال اليمن دون موافقة هذا المجلس وإشرافه.
أرسل مركز صنعاء طلبًا لمقابلة حامد ولكنه لم يرد على الطلب.
استخدم حامد عبر المجلس المساعدات الغذائية كسلاح وأداة لمكافأة الموالين ومعاقبة المعارضين. الجدير بالذكر أن أحد أعضاء المجلس هو رئيس جهاز استخبارات الحوثيين، الجهاز الذي وصفه فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بالـ”مرشح غير (المناسب) لكيان مختص بتنسيق المساعدات الإنسانية”. يتدخل حامد من خلال منصبه على قمة هرم المجلس بشكل مباشر على جميع المساعدات التي تتدفق إلى شمالي اليمن، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان والأكثر حاجة للمساعدات في بلد تصف الأمم المتحدة الوضع فيه بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
أظهر تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس عام 2020، أنه في وقت من الأوقات كانت ثلاث وكالات مختلفة تابعة للأمم المتحدة تدفع رواتب شهرية يبلغ مجموعها 10 آلاف دولار لكبار المسؤولين في المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، ومن المفترض أن حامد كان أحد أولئك المسؤولين. “كما قدمت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مبلغ مليون دولار كل ثلاثة أشهر إلى المجلس من أجل تكاليف لتأجير المكاتب والتكاليف الإدارية، ومنحت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة المجلس مبلغ 200 ألف دولار أخرى للأثاث والألياف الضوئية”.
في وقت من الأوقات خلال عام 2019، اقترح حامد أن يُمول المجلس من ضريبة نسبتها 2% من الميزانية التشغيلية لكل منظمة إنسانية تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مارسا الضغط ضد محاولة الابتزاز الواضحة. سحبت الولايات المتحدة التمويل الإنساني من هناك في مارس/آذار 2020، مشيرة إلى مخاوف من أن الحوثيين كانوا يتلاعبون بالمساعدات لتمويل جهودهم الحربية.
اتهم برنامج الغذاء العالمي المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية بتحويل وبيع مساعدات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، وردّت قيادة الحوثيين باتهامات مضادة، متهمة البرنامج بالفساد وإرسال أغذية منتهية الصلاحية إلى اليمن. قال الحوثيون لاحقًا إنهم أمروا بإجراء تحقيقات داخلية، لكن لم يُعلن عن أي من نتائج تلك التحقيقات. خلال ذلك، استمر عبدالملك في دعم حامد ومساندته. ففي مقابلة أُجريت عام 2019، في خضم الجدل حول تحويل الحوثيين للمساعدات عن مسارها، شدد عبدالملك على أن جميع المساعدات الدولية يجب أن يتم تنسيقها من خلال المجلس الأعلى، مما يدل على دعمه لعملية تذهب فيها السلال الغذائية الثمينة وموارد المساعدات الأخرى إلى حيث يريدها حامد بالضبط.
أما بالنسبة لفريق خبراء الأمم المتحدة، فليس هناك شك أن حامد هو من يتخذ القرارات، حيث يذكر تقرير الفريق الأخير أن حامد مسؤول بشكل مباشر عن أنشطة المجلس “التي تعيق تدفق المساعدات الإنسانية وتعرقل التحركات الإنسانية”.
لم يحاول سوى عدد قليل من الأشخاص في صنعاء تحدي حامد، حيث استقال منذ 2018 ثلاثة وزراء على الأقل ممن عينهم الحوثيون، وزراء الصحة والسياحة والمياه، بعد صدامات علنية مع حامد. كان هناك مسؤول آخر انتقد حامد علنًا، لكن أحد أقاربه احتُجز كما استُولي على منزله. جمّد حامد الحسابات البنكية لمعارضين آخرين. تعتقد لجنة خبراء الأمم المتحدة أنه يرأس أحد الأجنحة الثلاثة المتنافسة داخل جماعة الحوثيين، في حين يرأس الجناح الآخر محمد الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا، والثالث يرأسه وزير الداخلية عبد الكريم الحوثي، عم عبدالملك، وفقًا للجنة الخبراء.
تنامى نفوذ حامد حين أصبح المشاط رئيسًا عام 2018، وقال مصدر في صنعاء إن المشاط لا يشارك في المعاملات الورقية البيروقراطية التي تمر عبر مكتبه، مما يسمح لحامد المعروف بإدمانه للعمل باكتساب المزيد من السلطة والنفوذ. في الاجتماع الذي عُقد في فبراير/شباط، قال المشاط في القاعة إنه وحامد يتخذان القرارات معًا، “كلانا يعمل بأوامر السيد بغض النظر عن مناصبنا”، في إشارة إلى عبدالملك الحوثي. وفي الطرف الآخر من القاعة، رد حامد بالإيماء برأسه والابتسام.
غريغوري دي جونسن هو محرر تقرير اليمن وزميل غير مقيم في مركز صنعاء. عمل جونسن عضوًا في فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن خلال الفترة 2016 و2018.
تقرير من الجبهات في تعز
شنت قوات الحكومة في مارس/آذار هجومًا على جبهات الحوثيين التي ضعفت مؤخرًا بتعز بعد أن أرسلت الأخيرة عددًا كبيرًا من مقاتليها إلى مأرب. استولت القوات الحكومية على مناطق للحوثيين في المحافظة، ولكن هذا التقدم لم يدم طويلًا؛ أعاد الحوثيون تجميع صفوفهم فيما غابت الثقة بين أطراف التحالف المناهض للحوثيين وافتقاره إلى الأسلحة والدعم. بحلول نهاية الشهر، حافظت القوات الحكومية على سيطرتها في بعض المناطق، لكن الحوثيين ثبتوا سيطرتهم على معظم المناطق الاستراتيجية التي خسروها في وقت سابق من الشهر. أسفر الهجوم عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين بين قتيل وجريح ونزوح عدد من السكان نتيجة القتال الذي لم يكن حاسمًا.
خالد فاروق*
*ملاحظة المحرر: الكاتب هو محلل يمني مقيم بتعز، وهو يكتب باسم مستعار لأسباب أمنية.
انقسمت مدينة تعز، وهي ثالث أكبر مدينة باليمن، عام 2015 حين سيطرت قوات الحوثيين -بعد إجبارها على الانسحاب من عدن وأجزاء أخرى من جنوب اليمن- على ضواحيها الشمالية وكذلك على جزء كبير من المناطق الشمالية من المحافظة. هذا يعني أن الحوثيين يسيطرون على المنطقة الصناعية في تعز ويكسبون منها مئات الملايين من الريالات كل عام عبر فرض الضرائب على أصحاب المصانع، كما يسيطرون على ثلاث طرق رئيسية في المحافظة. يرزح سكان مدينة تعز تحت الحصار منذ ست سنوات. ونظرًا لانتشار القناصة الحوثيين بشكل دائم، أصبح من المستحيل عبور بعض الطرق والأزقة، ما أجبر شحنات المواد الغذائية والإمدادات المتجهة نحو المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة في المدينة إلى سلوك طريق طويل من عدن للوصول إلى المدينة عبر طريق وحيد تسيطر عليه القوات الحكومية، وهو طريق ترابي غير معبّد. وبالتالي يستغرق الذهاب من منطقة لأخرى ما بين خمس أو ست ساعات بدلًا من خمسة عشر دقيقة حيث يضطر من يريد التنقل إلى الالتفاف حول الجبهات الأمامية والعبور عبر عدد كبير من نقاط التفتيش التابعة لمليشيات ووحدات عسكرية متنافسة.
تطور النزاع في تعز على مراحل. النزاع المبدئي بين الحوثيين والتحالف المناهض للحوثيين الفضفاض فسح المجال عامي 2018-2019 أمام صراع بين أطراف الأخير. خرج حزب الإصلاح والوحدات العسكرية التابعة له منتصرين من هذه المعركة ودفعوا بالقوى المنافسة، مثل اللواء 35 مدرع وجماعة أبو العباس، إلى خارج مدينة تعز نحو المناطق الريفية، جنوب المدينة.
في أوائل 2021، أخذت الحرب في تعز منحى آخر في الوقت الذي جدد فيه الحوثيون هجومهم على مأرب. يعتبر الإصلاح القوة الحكومية المهيمنة في كل من تعز ومأرب. أرسل الحوثيون عددًا كبيرًا من مقاتليهم للمشاركة في الهجوم على مأرب، وشنت القوات الموالية للحكومة في تعز هجومًا على الحوثيين بالمحافظة في محاولة لاستغلال الوضع لصالحها بعد أن أمست الجبهات الحوثية ضعيفة.
تغيرات قليلة بالرغم من القتال الكثيف
اندلع القتال في تعز في 2 مارس/آذار عندما اشتبكت القوات الحكومية مع مقاتلين حوثيين شرقي المدينة. تمتد حقول الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون على مدى السنوات الست الماضية، شرق تعز، من مديرية صالة وصولًا إلى دوار القصر الجمهوري وشارع الأربعين. فضلًا عن الألغام، توفر التلال الجبلية في شرق تعز أفضلية عسكرية تكتيكية حيث بوسع الحوثيين السيطرة على المنطقة من خلال عدد قليل نسبيًّا من المقاتلين.
وفي اليوم التالي -الأربعاء 3 مارس/آذار- وسعت قوات الحكومة هجومها نحو المنطقة الغربية في مديرية جبل حبشي بتعز. وكما هو الحال شرق تعز، يتواجد عدد قليل نسبيًّا من المقاتلين الحوثيين على الجبهات في جبل حبشي، ما سمح للقوات الحكومية بالسيطرة على كافة المناطق هناك تقريبًا وعلى جبهة الكدحة في مديرية المعافر.
أثارت الانتصارات المحرزة بسرعة وغير المتوقعة في الغرب إعجاب قيادات الدولة -تحديدًا نائب الرئيس علي محسن الأحمر ورئيس الوزراء معين عبدالملك- الذين كان هدفهم الرئيسي هو تخفيف الضغط عن الجبهات في مأرب عبر إجبار الحوثيين على تحويل مواردهم إلى تعز. وفي 11 مارس/آذار، أعلن محافظ تعز نبيل شمسان أن أهداف الهجوم في تعز لن تقتصر فقط على الضغط على الحوثيين بل ستشمل أيضًا فك حصار الحوثيين على المدينة والدفع بقوات الحوثيين خارج المحافظة. نصّب شمسان، الذي يُنظر إليه بشكل عام على أنه شخصية ضعيفة محليًّا، نفسه رئيسًا للجنة دعم وإسناد معركة التحرير التي أُنشئت في مارس/آذار للإشراف على الهجوم، وأمر بتعبئة عامة للموارد لدعم القوات الموالية للحكومة.
خسر الهجوم زخمه بغضون أيام؛ كانت القوات الحكومية غير منظمة وبدت غير قادرة على الاتفاق على استراتيجية متماسكة لاستعادة المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون. توقفت المعارك في جبهة الكدحة على الحدود مع مديرية موزع. وفي مديرية مقبنة، في الجزء الغربي من المحافظة، توقف تقدم القوات التابعة للحكومة في منطقة الطوير الأعلى التي باتت مسرحًا لمواجهات كر وفر بين القوات الحكومية والحوثيين. وفي أوائل ابريل/نيسان، أعلن الحوثيون مقتل العديد من المقاتلين في مقبنة من بينهم مدير أمن المديرية عبدالحكيم العشملي.
شكلت جبهة الأحكوم اختبارًا حقيقيًّا لقدرات الحكومة، إذ يعني الاستيلاء عليها السيطرة على الخط الرئيسي بين مدينتي الدمنة والراهدة. ولكن تعرضت معنويات القوات الحكومية لانتكاسة عقب مقتل القيادي البارز في مقاومة الحجرية وقائد الكتيبة الأولى باللواء الرابع مشاة جبلي، عبده نعمان الزريقي. أصبح استعادة جثته الهدف الرئيسي للمقاتلين. استغرقت الجهود لاستعادة جثته ثلاثة أيام، وبعدها توقف القتال في الأحكوم بشكل شبه كلي.
وبحلول 28 مارس/آذار، توقف القتال بشكل عام واستعاد الحوثيون سيطرتهم على الكثير من الأراضي التي خسروها أوائل مارس/آذار.
التحالف المناهض للحوثيين: اليوم خصوم، غدًا حلفاء
ظاهريًّا، يواجه التحالف المناهض للحوثيين عددًا من التحديات على مستوى جهوده لإخراج الحوثيين من تعز ورفع الحصار. تعود هذه التحديات بشكل أساسي إلى غياب الثقة دخل أطراف هذا التحالف، فالسعودية لا تثق بالإصلاح الذي لا يثق بدوره باللواء 35 مدرع وجماعة أبو العباس إذ اشتبك مع كليهما عدة مرات عامي 2019 و2020. كما لا تثق السلطات المحلية والوحدات العسكرية بمحور تعز العسكري الذي يسيطر عليه الإصلاح وهو الذي لا يثق بدوره بالتحالف بقيادة السعودية.
في فبراير/شباط، قدم وفد من محور تعز العسكري خطة للقوات السعودية في عدن، بحسب مسؤول في السلطة المحلية في تعز. اقترحت القوات في تعز، التي تدرك جيدًا خطورة القتال في مأرب، تحريك الجبهات العسكرية الجامدة في المحافظة، ورد السعوديون شخصيًّا بشكل إيجابي على هذا المقترح ولكنهم لم يؤمّنوا أسلحة وذخائر كافية للوحدات التابعة للإصلاح. وفقًا للمسؤول نفسه، كانت قيادة التحالف الذي تقوده السعودية قلقة من استخدام الإصلاح لهذه الأسلحة في استهداف قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، المتمركزة على طول ساحل البحر الأحمر في تعز والمدعومة من السعودية والإمارات. طلبت قيادة التحالف الذي تقوده السعودية في عدن من القادة المحليين في تعز شراء أسلحة بأنفسهم وقالت إن السعودية ستدفع لهم ثمنها لاحقًا. ليس من المستغرب أن هذا الاقتراح قوبل بالرفض. يُعتبر افتقار القوات التي تقاتل إلى جانب الحكومة للسلاح أحد أهم العوامل التي ساهمت في توقف الهجوم في تعز.
في هذه الأثناء، عانى أطراف التحالف المناهض للحوثيين في تخطي الخلافات القديمة وإثبات أنه بوسعهم العمل معًا للتحالف بقيادة السعودية. احتاجت القوات الموالية للإصلاح خلال هذه المعركة إلى دعم وإسناد باقي الأطراف في التحالف المناهض للحوثيين، بما فيهم جماعات اشتبكت معهم في الماضي. أحد الأمثلة على ذلك هو ما حدث في جبهة الكدحة حيث عملت قوات اللواء 17 مشاة الموالية للإصلاح مع اللواء الخامس حماية رئاسية، ذات القيادة السلفية، واللواء 35 مدرع في محاولة لإظهار وحدة الصف داخل التحالف المناهض للحوثيين. ضُم اللواء 35 مدرع -الذي ينظر إليه تقليديًّا على أنه قريب من الحزبين الإشتراكي والناصري وأنه يشكل قوة توازِن حزب الإصلاح في تعز- تحت مظلة الإصلاح بشكل كبير منذ اغتيال قائد اللواء في ديسمبر/كانون الأول 2019.
فشلت التشكيلات المسلحة التابعة للحكومة بتعز في تنسيق عملها والاتفاق على استراتيجية واحدة. وبدلًا من ذلك شن التحالف المناهض للحوثيين سلسلة من الهجمات المتفرقة باءت بالفشل في نهاية المطاف، ما سمح للحوثيين الذين ينسقون عملياتهم بفعالية من نقل مقاتليهم من جبهة لأخرى.
كان الأمر مشابهًا على الصعيد المالي، فبالرغم من دعوات شمسان للتبرع لدعم جهود الحرب إلا أن قلة فقط في تعز كانت تثق بأن المال سيستخدم للأهداف المعلنة. وبحسب رجل أعمال محلي، انتاب التجار الأثرياء والمتبرعون من تعز القلق من استخدام جماعة مسلحة ما هذا المال لاحقًا لتمويل النزاعات بين أطراف التحالف المناهض للحوثيين.
الحوثيون
نظرًا للجمود على الجبهات في تعز خلال السنوات الماضية؛ ولتحول النزاع إلى صراع بين أطراف التحالف المناهض للحوثيين، سحب الحوثيون تدريجيًّا بعض مقاتليهم من تعز لنشرهم على الجبهات الأكثر نشاطًا في الحديدة، ومؤخرًا في مأرب. ولتغطية هذا النقص، عمل الحوثيون على تجنيد محليين من داخل مناطق تعز الخاضعة لنفوذهم، ما يعني غالبًا أن المقاتلين الحوثيين في تعز لا يحاربون بدوافع أيديولوجية مثل أولئك الذين ينحدرون من الشمال رغم أنهم يشاركون في نفس الدورات “الثقافية” كسائر المقاتلين الحوثيين. وأشار مصدر عسكري حكومي في تعز إلى أن هذا الأمر شكل عاملًا في تحقيق القوات الحكومية مكاسب أولية أوائل مارس/آذار، حيث أفادت بعض التقارير بأن المقاتلين الحوثيين على جبهات الكدحة وجبل حبشي غادروا مواقعهم الأمامية وتركوا أسلحتهم مع تقدم القوات الحكومية.
يسيطر الحوثيون بشكل كامل على مديريات التعزية وشرعب السلام وشرعب الرونة وماوية وخدير وحيفان وعلى أجزاء من مديريات صالة والصلو ومقبنة وجبل حبشي، ولكن تواجدهم العسكري في غالبية هذه المديريات يقتصر على قوات رمزية ومشرفين، وهم حوثيون متشددون من خارج المحافظة.
لدى المشرفين الحوثيين صلاحيات أكثر من مديري المديريات، وغالبًا ما يحكمون السكان بالقوة إذ أنهم يجبرونهم على دفع إتاوات -إما مالية أو عينية (مواشي) أو نسبة معينة من المقاتلين- لدعم جهود الحرب، وإلا يهددونهم بالسجن. كما يعيّن المشرفون مشرفين ثانويين تابعين لهم على مستوى كل قرية وعزلة داخل المديرية ذاتها.
يتركز معظم الوجود العسكري الحوثي على الجبهات حول مدينة تعز وأطراف المدينة في مناطق جبل حبشي والشقب ودمنة خدير وسامع. ويقع مقر الحوثيين العسكري والإداري في منطقة الحوبان، منطقة تعز الصناعية شمال شرق المدينة. كما لديهم وجود عسكري قوي على الحدود مع لحج حيث تشتبك قواتهم بشكل منتظم مع القوات المشتركة الحكومية والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
المدنيون عالقون في الوسط
وكما هو معتاد في تعز، كان السكان المدنيون هم من عانى من وطأة العنف في مارس/آذار. ومع تحول القتال من جبهة إلى أخرى، اضطر المدنيون للفرار لتجنب وجودهم في مرمى النيران. سقط العديد من المدنيين بين قتيل وجريح على مدى الأسابيع الماضية. وقال راصدون مستقلون لمركز صنعاء في 30 مارس/آذار إن 35 مدنيًّا سقطوا بين قتيل وجريح من بينهم 20 طفلًا وأربع نساء. كما اضطرت أكثر من 30 أسرة للنزوح بعد هذه الاشتباكات، ما أدى إلى موجة نزوح صوب مناطق جبل حبشي.
أثار تجدد القتال في تعز مخاوف من تجدد القصف العشوائي والمزيد من الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية التي تُصنف أسعارها زائدة أكثر بحوالي 30% إلى 40% من المناطق الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة، بحسب مكتب الصناعة والتجارة في تعز.
ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الحصار وتزايد تكاليف نقل البضائع عبر طريق هيجة العبد الجبلي شديد الانحدار وهو طريق أساسي واحد يؤدي إلى المدينة. كما يسيطر الحوثيون على معظم الطرق الثانوية المؤدية إلى المدينة حيث هناك عدد من نقاط التفتيش التابعة لهم والتي يجب على سائقي الشاحنات أن يتفاوضوا معها للمرور. وفي نهاية المطاف، المستهلكون هم من يدفعون قيمة الرشاوى.
رغم انحسار العمليات القتالية واستعادة الحوثيين سيطرتهم على الكثير من المواقع التي خسروها بداية الهجوم الذي شنته القوات الحكومية، زعم قادة عسكريون موالون للحكومة وقادة أحزاب سياسية أن المعركة لم تتوقف، وهم يصورون الهدوء الحالي على أنه فرصة للقوات لتستريح وللقادة لإعادة تقييم مسار المعارك الماضية لتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها.
من الأرجح أن القوات الحكومية لديها القدرة على استئناف هجومها وربما انتزاع السيطرة على مناطق يسيطر عليها الحوثيون في تعز نظرًا لأنها تمتلك الأفضلية من حيث عدد المقاتلين في صفوفها. ولكن غياب التنسيق والثقة بين التحالف الذي تقوده السعودية والقوات الحكومية وبين أطراف التحالف المناهض للحوثيين يستمر بتشكيل عائق. بعض الجماعات المناهضة للحوثيين تنظر إلى تعز على أنها فقط ثاني معقل للإصلاح.
وبالتالي، سيستمر التنافس المبهم داخل الحكومة والأجندات المتنافسة بلعب دور أساسي في التطورات التي ستشهدها تعز مستقبلًا.
وحتى لو شُنت جولة جديدة من المعارك لرفع الحصار عن تعز، فإن التوقعات بنجاحها ضئيلة في ظل غياب صيغة لتكتيكات وأساليب جديدة لتعزيز التنسيق.
“معركة جميع اليمنيين ضد الانقلاب الحوثي”-
مقابلة مع طارق صالح
نظم مركز صنعاء في 9 أبريل/نيسان 2021 إحاطة إعلامية مع طارق صالح، قائد قوات المقاومة الوطنية ونجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. سلط اللقاء الضوء على آخر المستجدات على الجبهة الغربية وساحل البحر الأحمر وتشكيل المكتب السياسي لقوات المقاومة الوطنية الذي أعلن عنه صالح في مارس/آذار 2021. يسر الجلسة ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء.
حُررت هذه المقابلة مراعاة للوضوح. المقابلة كاملة موجودة هنا.
مركز صنعاء: ما هو المكتب السياسي لقوات المقاومة الوطنية؟ هل يمكن الحديث عنه باعتباره بديلًا لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يبدو أنه انقسم ولا يتمتع بالنفوذ السياسي الذي كان يتمتع به سابقًا؟
صالح: أُنشئ المكتب السياسي نتيجة الوضع السياسي الراهن في اليمن. نحن هنا على الساحل الغربي نحتاج إلى ذراع سياسي يمثلنا في أي مفاوضات (في المستقبل)، يمثّل صوتًا آخر لليمنيين بعيدًا عن أي تكتلات دينية. المؤتمر الشعبي العام هو بيتنا الكبير ولكن انقسم ما بين الداخل والخارج. (ونتيجة هذا الانقسام) لم يُعطَ الفرصة ليقوم بدوره على الساحة اليمنية (السياسية) سواءً بالتمثيل الخارجي أو الداخلي.
في داخل اليمن، الحزب تحت ضغط الحوثيين، وأصبح دوره السياسي مهمشًا للغاية. أما خارج البلاد، فانقسم إلى عدة تيارات. نحن نتمنى أن يقوم المؤتمر بدوره الكبير. لن ننتقص من دوره ولن نكون بديلًا له أو لأحد آخر. يمثل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية القوات المشتركة هنا على الساحل الغربي كما يمثل الذراع السياسي لجميع هذه القوات هنا على الساحة اليمنية السياسية.
مركز صنعاء: تأسست قوات المقاومة الوطنية أواخر عام 2017 لخوض معركة ضد الحوثيين، وخاضت هذه المعركة ووصلت إلى أطراف مدينة الحديدة، وكانت أكثر القوات طموحًا ضد الحوثيين وحققت نتائج بسرعة. ولكن أتى اتفاق ستوكهولم. مضى عامان على توقيعه. ماذا تفعلون منذ ذلك الحين؟ ما الوضع على الجبهات الآن مع الحوثيين؟
صالح: كنّا نتمنى أن يحقق اتفاق ستوكهولم شيئًا لليمنيين. والسبب الرئيسي وراءه هو تخفيف المعاناة. ولكن لم يحقق شيئًا سوى أنه (أوقف) هذه المعركة لتحرير الحديدة من المليشيات التي تستخدم ميناء الحديدة للتهريب ولكسب المال ولأغراض عسكرية وتهريب الصواريخ والأسلحة. استمر الحوثيون في السيطرة على الميناء ولم يسحبوا قواتهم من مدينة الحديدة حسبما نص عليه الاتفاق.
أما بالنسبة للقوات المشتركة، فنحن التزمنا بالاتفاق لأنه اتفاق دولي ووقعت عليه الحكومة الشرعية ونحن ملتزمون بأي شيء توقعه الحكومة لأنها تمثل الشرعية الدستورية للدولة اليمنية وجميع اليمنيين…ولكن بالنسبة للجبهات، ليس هناك أي تغييرات حقيقية أو تقدم لأي طرف حاليًّا. اقترحنا في نوفمبر الماضي أن نشارك في الدفاع عن مأرب. عقدنا اجتماعًا ضمن إطار التحالف العربي وقالوا إن الحكومة الشرعية كانت تناقش الأمر. عرضنا المشاركة ولكن الحكومة قالت إنها لا تحتاج إلى قوات تأتي للمشاركة في الدفاع عن مأرب. ندعو لهم بالتوفيق والنصر.
مركز صنعاء: كان هناك حديث عن نقل قوات لك من الساحل الغربي إلى مأرب ولكن حتى الآن لم يأتِ رد بالموافقة أو الرفض، صحيح؟
صالح: نعم، عرضنا دعمنا بعد الموجة الأولى من الهجوم على مأرب عندما سيطر الحوثيون على معسكر ماس وتقدموا في صرواح وباتجاه الصحراء باتجاه معسكر العلم. وبعدها توقف هجومهم لشهرين أو لشهرين ونصف ثم بدأت الموجة الثانية. خلال هذه الفترة، قلنا إن لدينا قوات على جبهات لا تشهد قتالًا، بوسعنا أن نساهم في دعم الجيش الوطني في المعركة التي نعتبرها جزءًا من معركة جميع اليمنيين ضد الانقلاب الحوثي. عرضنا نشر بعض قواتنا في مأرب حيث بوسعنا المساعدة في بعض النشاطات ولكن الجواب لم يكن إيجابيًّا.
مركز صنعاء: لماذا لا تتحركون إلى جبهة أخرى غير مأرب؟
صالح: بنهاية الأمر. لست أنا من يأخذ القرار بالتحرك نحو الجبهات. القرار بيد الشرعية (بخصوص الاستراتيجية العسكرية).
مركز صنعاء: دعني أسألك عن علاقتك بالسلطة المحلية في محافظة تعز التي يتبعها ميناء المخا إداريًّا. كيف تبدو هذه العلاقة؟ هل هي معقدة؟ هل الهوية السياسية للطرف الذي يسيطر على تعز (حزب الإصلاح) ينعكس على علاقتكم مع السلطة المحلية؟
صالح: هناك من يحاول إثارة هذه القضية إعلاميًّا، وهذا لا يخدم قضيتنا كيمنيين في مواجهة الحوثي. علاقتنا مع المحافظ (نبيل شمسان) جيدة. هو من يصدر التعليمات وهو من يعيّن مدراء المديريات. ليس نحن. نحن نتعاون معهم، ونقدم لهم التسهيلات والخدمات. أما النفوذ على الأرض، نحن قلنا إنه بوسع المحافظ (أن يأتي إلى المخا) متى شاء. ليس لدينا مشكلة. نحن لا نرفض السلطة المحلية.
زار وكيل المحافظ المخا أكثر من مرة. ليس لدينا أي مشكلة بهذا. ولكن أن يريد بأن نصبح تابعين لطرف سياسي معين، هذا ليس من حقه. نحن الآن في خضم معركة تحرير وفي ظرف استثنائي. ولكننا لا ننكر السلطة المحلية ولا ننكر أنها لديها السلطة الحقيقية على الأرض. بالعكس، ونحن (نفعل ما بوسعنا لمساعدتهم).
مركز صنعاء: لماذا لم يطلق الحوثيون سراح شقيقك وابنك وأطلقوا سراح أولاد عمك؟
صالح: كانت هناك جهود من قِبل العمانيين والسلطان الراحل قابوس للتوسط مع الحوثيين. طلبت عائلتي هذه الوساطة، وتواصلت مع الحوثيين عبر القنوات التي تمتلكها عمان معهم. استمر الحوثيون بالمراوغة لفترة من الزمن. كما كان هناك (جهود وساطة) من قِبل شخصيات اجتماعية بارزة وأعضاء من حزب المؤتمر مثل (رئيس المؤتمر) الشيخ صادق أمين أبو راس وغيرهم. وبعد الأخذ والرد، كان هناك لقاء متلفز مع عبدالملك الحوثي حضره الكثير من الشخصيات القبلية. وقال لهم إنهم سيخلون سبيل اثنين ثم يخلون سبيل اثنين آخرين على مرحلة ثانية. وقال إنه عليه ضغوط من المتطرفين من داخل الجماعة.
قال إنهم سيخلون سراح محمد (شقيقي) ونجلي (عفاش) بعد شهرين. خرج الناس (من هذا اللقاء) على هذا الاتفاق، (ولم يعتقدوا) أنه قد يكذب علنًا أمام الناس خاصة أنه يعتبر نفسه سليل القرآن. بعد فترة، الزيارات مُنعت وحتى الاتصالات أيضًا. ولكن إن شاء الله الفرج قريب.
مركز صنعاء: متى اتصلت بهما آخر مرة؟
صالح: أنا؟ ديسمبر 2017، ولكن كان هناك اتصالات مع إخوتي أو مع أمي. كان آخر اتصال في فبراير (2019) قبل سنتين.
مركز صنعاء: بما أننا نتحدث عن الحوثيين وعنك، هناك سؤال يتردد دائمًا وهو كيف أفلت طارق من قبضة الحوثيين بعد أحداث ديسمبر 2017*؟
* ملاحظة المحرر: في ديسمبر 2017، انهار التحالف بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح وقُتل الأخير من قِبل حلفائه السابقين.
صالح: الله سهلها. بعد أن أحكم الحوثيون قبضتهم على المدينة، وأصبحت دباباتهم على بُعد أمتار منّا، استطعنا الخروج مع مجموعات صغيرة، وتفرقنا. ثم انتقلت من (منزل) لآخر. كنت أسمع عن مداهمات واضطر للمغادرة. أمضيت عشرة أيام في صنعاء قبل أن أحاول الخروج من المدينة وبقيت في أربعة منازل مختلفة. كان هناك عرض لأخرج إلى مأرب ولكني فضلت الخروج إلى عدن. رتبت الأمر عبر أشخاص يعملون في التهريب. استخدمنا عدة سيارات منها شاحنة وتاكسي حتى وصلت إلى عدن بأمان. أهم جزء في الحركة كان في شاحنة بضائع.
مركز صنعاء: هناك سؤال من الغارديان. ما هي طبيعة علاقتك مع الإمارات العربية المتحدة؟
صالح: هي علاقة شراكة. نحن والإمارات وضعنا أسسًا لهذا التحالف، (تنص) على أن هذه قضيتنا وأنتم (الإمارات) جزء من هذا التحالف ونحن نحتاج إلى دعم لمواجهة الحوثيين. كان مرحبًا بهذا الدعم على أساس أن نكون شركاء لتحرير اليمن واستعادة الدولة. هذه الأهداف الرئيسية، استعادة الدولة وعودة المؤسسات والحكومة الشرعية. كان هذا جزء كبير من الأهداف المتفق عليها مع الإمارات وهي ملتزمة بها. لا توجد مصالح أو أجندات أخرى غير تحرير اليمن من الانقلاب.
مركز صنعاء: هناك سؤال من نائب السفير الهولندي. هو يسأل عن المكتب السياسي. هل يمثل المكتب السياسي ألوية العمالقة والقوات التهامية أم لا؟
صالح: أغلب (ألوية العمالقة) ملتزمون دينيًّا ولا ينخرطون في الأحزاب السياسية، ولكنهم قالوا إنهم يدعمون صوت المكتب السياسي ويعتبرونه ممثلًا لهم. أما بالنسبة للقيادة التهامية، فأغلب القادة التهاميين جزء من المكتب السياسي، وحضروا اجتماع الإشهار.
مركز صنعاء: كيف هي العلاقة على الساحل الغربي بين قواتك وألوية العمالقة والمقاومة التهامية؟ من يدير القرار؟
صالح: قبل انسحاب القوات الإماراتية، عملت على تشكيل القيادة المشتركة وغرفة عمليات مشتركة بين القوات الوطنية وألوية العمالقة. طبعًا التهاميون هم جزء من القوات الوطنية وألوية العمالقة. أنشأت الإمارات قيادة العمليات المشتركة، وهناك ممثلين عن ألوية العملاقة وعن المقاومة الوطنية وعن المقاومة التهامية. تؤخذ القرارات بالتشاور من خلال اللقاءات مع القيادة وممثلين عن جميع هذه الأطراف. يتخذون القرار الأنسب.
مركز صنعاء: أعود للجنوب. كيف هي علاقتك مع المجلس الانتقالي الجنوبي؟
صالح: لدينا هدف مشترك وهو استعادة صنعاء. تحدثنا عن هذا معهم، (وشرحنا) أن هذا هدفنا الأول. نقدم لهم الشكر لأنهم في البداية كانوا معنا وساعدونا على إنشاء النواة الأولى للمقاومة رغم الضغوط من عدة قوى التي قالت إنني أتيت لأحتل عدن. أنا ذهبت مع عشرة أشخاص، كيف لي أن أحتل عدن؟! كانوا يحاولون (إثارة المشاكل بيننا) ولكن المجلس وقف معنا، ولن ننسَ لهم هذا الجميل.
وجهات نظر
الفساد حقيقي: كان على لجنة الأمم المتحدة ألّا تتراجع عن اتهامات الاختلاس ضد البنك المركزي والحكومة اليمنية ومجموعة هائل سعيد أنعم
خالد منصّر
تراجع فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المعني باليمن التابع للأمم المتحدة نهاية مارس/آذار عن بعض الاتهامات التي كان قد وجهها ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا والبنك المركزي اليمني في عدن ومجموعة هائل سعيد أنعم، أكبر مجموعة صناعية وتجارية يمنية. وُجهت هذه الاتهامات في تقرير اللجنة السنوي الذي تناول تطورات السنة الماضية وفصّلت مزاعم بالفساد والتكسب غير المشروع من الوديعة السعودية البالغة قيمتها ملياري دولار والتي قدمتها المملكة في يناير/كانون الثاني 2018 لدعم واردات السلع الأساسية. أكد التقرير أن حوالي ربع الوديعة السعودية -423 مليون دولار- اُختلست عبر التلاعب بآلية سعر الصرف.
أعلن الفريق في رسالة مؤرخة 26 مارس/آذار تراجعه عن هذه المزاعم بناءً على تلقيه “معلومات جديدة”، ولكن دون الإفصاح عمّا هيتها أو كيف حصل عليها، وأن المراجعة الأولية تظهر عدم وجود أدلة على الفساد أو غسل الأموال، بحسب تقرير لوكالة رويترز اطّلع على نسخة من الرسالة. تحدث مركز صنعاء مع ثلاثة مصادر دبلوماسية مختلفة أكدت أن بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضغطت على اللجنة للتراجع عن هذه الاتهامات. وفي وقت لاحق، استقال الخبير المالي في اللجنة.
تعرض تقرير اللجنة لنقد لاذع لهذه الاستنتاجات في حين أكدت الحكومة اليمنية ومجموعة هائل سعيد أنعم وغيرهم أن التقرير يحتوي على أخطاء فادحة في الحكم. كما أكد المراقبون أن تقرير اللجنة يهدد بتفاقم الوضع الإنساني المزري في اليمن نظرًا لأن البنك المركزي في عدن يحتاج إلى دعم جديد بالعملة الأجنبية ليستمر بتمويل الواردات، محذرين من أن الاتهامات بالفساد ستثني أصحاب المصلحة الرئيسيين عن تأمين هذا الدعم المادي. (مثال عن هذا النقد، انظر مقال رأفت الأكحلي: “فريق الخبراء يخطئ بشأن اليمن” الذي نشره مركز صنعاء في مارس/آذار).
من دون شك أن تقرير اللجنة الأخير يحتوي على أخطاء في الوقائع والتحليل. ولكن الصورة الأكبر في التقرير عن ممارسات الفساد التي ترتكبها الحكومة اليمنية والبنك المركزي والقطاع الخاص هي في الواقع دقيقة. وبدلًا من إصدار التصحيحات اللازمة، ارتكبت اللجنة خطأ آخر بتراجعها عن هذه الاتهامات، إذ أن الأطراف التي وُجهت هذه الاتهامات ضدها تدّعي الآن أنها بُرأت، وبالتالي ضاعت قصة الفساد الحقيقية.
يجادل العديد من الناقدين أن تقرير اللجنة خرج عن نطاق ولايته الذي ينص على “الإبلاغ عن الأعمال التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن” حسب القرار الدولي رقم 2140 بشأن العقوبات على اليمن، غير أن الفساد والتربح واقتصاد الحرب يمثلون تهديدًا للأمن والسلام والاستقرار ويساهمون بشكل مباشر في اطالة أمد الصراع. لذلك، فإن الضغط على فريق الخبراء للتراجع عن استنتاجاتها يشجّع على غياب المساءلة.
لا ينبغي النظر إلى مصلحة اليمن واليمنيين من الزاوية الضيقة لمصالح شركات ورجال أعمال معينين أو حتى حكومة معينة. يُعتبر إعطاء الأولوية للأثرياء والأطراف الذين يتمتعون بامتيازات على حساب المصلحة العامة للمجتمع سابقة خطيرة. وفي حقيقة الأمر، فإن غياب المؤسسات الشمولية وسيطرة مجموعة محدودة من نخب العائلات اليمنية على الثروة عاملان رئيسيان وراء عدم المساواة الاقتصادية وسياسات الاحتكار اللتان تساهمان في هشاشة الدولة.
يقول منتقدو تقرير اللجنة الأولي، مثل رأفت الأكحلي، إن الأسعار التفضيلية التي استخدمها البنك المركزي لتغطية الواردات من السلع الأساسية قانونية ويدحضون استشهاد التقرير بالمواد 2 و23 و47 من قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000، لكن هذا الادعاء غير صحيح. في الواقع، فإن ما ورد في المادة 2 من قانون البنك المركزي هي تعاريف عامة، ليس أكثر، ولا تحتوي على نصوص حول استخدام أسعار الصرف التفضيلية. كما أن المواد 23 و47 في القانون تتضمن أحكامًا عن إقرار نظام سعر صرف العملة الأجنبية (ثابت، معوّم، مدار، إلخ …) بالتشاور مع الحكومة وليس عن تحديد سعر الصرف.
تنص المادة 23: “يحدد البنك بالتشاور مع الحكومة نظام سعر الصرف الأجنبي ويقوم البنك دون سواه برسم وتنفيذ سياسة سعر الصرف في الجمهورية”، بينما تنص المادة 47: “يحدد البنك بالتشاور مع الحكومة نظام سعر الصرف الأجنبي على أن يكون منسجمًا مع أية معاهدة دولية تكون الجمهورية طرفًا فيها أو ملزمة بها ويجوز للبنك أن يحدد قيمة خارجية للريال اليمني وأي تغيير فيها بعد ذلك وإذا اختار عدم تحديد قيمة خارجية للريال فإن أسعار الصرف للريال مقابل العملات الأخرى تُحدد في السوق”.
نظام سعر الصرف المستخدم في الجمهورية اليمنية منذ تبنّي برنامج الإصلاح المالي والإداري عام 1996 هو معوّم وليس ثابت حيث يُحدد سعر الصرف وفق آلية السوق/ العرض والطلب. كما أن البنك المركزي اليمني في عدن عزز ذلك بأن أصدر قرارًا بتعويم الريال في أغسطس/آب 2017 ولم يتخذ أي قرار لاحق يلغي ذلك. كما أن المادة 47 من قانون البنك المركزي تنص في آخرها على أن أسعار صرف الريال مقابل العملات الأخرى تُحدد في السوق كقيمة خارجية للريال. كما ينص قرار الحكومة رقم 75 لسنة 2018 في الفقرة 2 على توفير العملة الأجنبية لتجار المواد الأساسية بسعر السوق. وبالتالي، كان هناك ممارسات مخالفة لقرارات البنك المركزي بالتعويم ولقرار الحكومة رقم 75، والتي تهدف إلى تنظيم عملية استيراد السلع الأساسية والمشتقات النفطية، ما سمح باستخدام الأموال العامة لصالح تجار معدودين.
يقول البعض، بما في ذلك تقرير نشره مركز صنعاء مؤخرًا، إن الأسعار التفضيلية كان لها أثر على أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية مشيرين إلى أن عوامل أخرى، مثل الازدواج الضريبي من قِبل السلطات في عدن وصنعاء وأسعار الوقود، أثّرت أيضًا على الأسعار. وعلى الرغم أن أسعار السلع شهدت استقرارًا نسبيًّا -للأسعار المرتفعة بالأساس- إلا أنها لم تشهد انخفاضًا يوازي الفارق بين سعر الصرف المدعوم من الوديعة السعودية وسعر السوق.
يتراوح حجم السلع الأساسية المستوردة خلال هذه الفترة والمغطاة بالوديعة السعودية ما بين 40% إلى 50% من إجمالي السلع المستوردة، أي أن هناك ما نسبته 50% إلى 60% من السلع المستوردة تم تغطيتها بسعر صرف السوق، أي بأسعار غير تفضيلية. ظلت أسعار السلع في السوق واحدة سواء التي استوردها التجار بأسعار مدعومة من الوديعة السعودية أو بأسعار صرف السوق. وبالتالي من استفاد من الأسعار التفضيلية هم التجار وليس المستهلكين اليمنيين الذين يواجهون الجوع وسوء التغذية. ومن المفارقات أيضًا أن البنك المركزي اليمني في عدن سجل في نظامه المحاسبي ربحًا وهميًّا بعشرات المليارات من الريال اليمني نتيجة الفرق بين سعر الصرف التفضيلي وسعر تقييم الدولار، رغم بيعه الدولار لرجال الأعمال بسعر أقل من سعر السوق.
حدد تقرير الخبراء في الاتهامات التي تراجع عنها مجموعة هائل سعيد أنعم كأحد المستفيدين الرئيسيين من خطة الدعم. تسيطر المجموعة -أكبر مستورد للمواد الغذائية في اليمن حيث تبلغ نسبتها في السوق من واردات القمح 50%- على عدد كبير من الشركات والكيانات في القطاعات المصرفية والتأمين والصناعة. ولكن الكثير من السلع الأساسية التي تستوردها المجموعة (القمح والسكر والزيت والحليب) لا يُعاد بيعها في السوق بالرغم من أن هذا هو الهدف من تأمين البنك المركزي في عدن لأسعار الصرف التفضيلية لاستيراد هذه السلع. وفي الواقع فإن جزءًا كبيرًا من هذه الواردات استُخدمت كمواد أولية لتصنيع المنتجات الاستهلاكية. على سبيل المثال -وبحسب تقرير لجنة الخبراء- تلقّت الشركة اليمنية لصناعة السمن والصابون، المملوكة لمجموعة هائل سعيد أنعم، أكثر من 52 مليون دولار لتمويل استيراد سلع أساسية من الوديعة السعودية. هذه النقطة تدعم استنتاجات تقرير لجنة الخبراء عن تحويل أموال من الوديعة السعودية لخدمة أهداف أخرى غير تلك المبتغاة أصلًا وقانونًا من الوديعة.
كما عقدت مجموعة هائل سعيد أنعم وبعض كبار مستوردي المواد الأساسية صفقات مع برنامج الغذاء العالمي وغيره من المنظمات الدولية لتأمين سلال غذائية. دفعت منظمات الإغاثة للمستوردين بالدولار ولكن الأخيرين تلقّوا المال لدعم استيرادها من الوديعة السعودية. كما قامت مجموعة هائل سعيد أنعم بتصدير نخالة القمح وبيعه بالعملة الأجنبية وهذا يجب أن يُستنزل من المبالغ المغطاة بالوديعة السعودية، لكن ذلك لم يحصل.
استفاد التجار أيضًا من فارق أسعار الصرف بين الأوراق النقدية المطبوعة حديثًا والقديمة والذي لوحظ بوضوح بداية العام 2020؛ بعد أن حظرت سلطات الحوثيين استخدام الأوراق النقدية الجديدة التي طبعها البنك المركزي بعدن في مناطق سيطرتها. ازدادت قيمة الأوراق النقدية القديمة المتداولة في السوق مقارنة بالأوراق النقدية الجديدة، ما دفع بالمستوردين، ومن بينهم مجموعة هائل سعيد أنعم، إلى رفع سعر المواد الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة حيث يتم التداول بالأوراق النقدية المطبوعة حديثًا. ومع أن تقرير الخبراء لم يتطرق لهذه النقطة، إلا أن معظم المستوردين، ومن بينهم مجموعة هائل سعيد أنعم، استفادوا من فارق قيمة الريال مقابل الدولار نتيجة فرق سعر الصرف بين الأوراق القديمة والحديثة، وذلك من خلال شراء الدولار بالأوراق النقدية المطبوعة حديثًا والتي تدهور سعرها بشكل ملحوظ عام 2020. وقد كان لمجموعة هائل سعيد أنعم حصة الأسد من هذه المضاربة بالعملة كونها واسعة الانتشار وقادرة على التوريد النقدي بالريال اليمني لقيمة اعتماداتها من فرع بنك التضامن في عدن بحسب شروط البنك المركزي هناك.
وبدلًا من توجيه البعض الاتهام لفريق الخبراء الذي أصدر تقريرًا مهمًّا رغم بعض المآخذ عليه، كان الأولى بالمنتقدين أن يطالبوا الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في جميع المعاملات من الوديعة السعودية وتنظر في أسباب الفرق بين سعر صرف السوق وسعر الصرف المغطى من الوديعة السعودية، وتتأكد من تكافؤ الفرص والمعاملة المتساوية لكل تجار المواد الأساسية، وتتحقق من استكمال جميع المستندات. ويجب نشر نتائج تحقيق كهذا للرأي العام ومحاسبة المتورطين (قيادات البنك السابقة والحالية) وإقالتهم. كما يجب على البنك المركزي نشر بياناته المالية والتقارير الإحصائية ووضع إجراءات وشروط عادلة تلائم مختلف مستوردي السلع الأساسية.
كما أن الأسئلة الجوهرية التي لا بد من طرحها هي: ما جدوى الأسعار التفضيلية خاصة في ظل شح الموارد بالعملة الأجنبية وفشل سياسة الدعم من الأساس؟ كيف أُضيفت سلع مثل أعلاف الدواجن إلى قائمة السلع المغطاة بالوديعة السعودية؟ لماذا أُبقي على مادة السكر ضمن السلع الأساسية؟ ومن استفاد من حجم الفوارق الكبيرة بين سعر الصرف في السوق وسعر الصرف التفضيلي المغطى بالوديعة السعودية وفوارق أسعار الصرف بين الأوراق النقدية الجديدة والقديمة؟ ولماذا لم تنعكس هذه الفوارق كما يجب على أسعار السلع الأساسية؟
خالد منصّر هو مدير عام المراجعة الداخلية السابق في البنك المركزي اليمني.
نحو سياسة أمريكية حكيمة في اليمن
الكسندرا ستارك
“أنا لا أعارض كل الحروب، ولكني أعارض الحروب الغبية”. هذا ما صرّح به باراك أوباما في اجتماع حاشد مناهض للحرب في شيكاغو، أكتوبر/تشرين الأول 2002 عندما كان سيناتورًا، وهو نفس الشهر الذي صوّت فيه الكونجرس للسماح بغزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق. ردد أوباما الذي ترشح لمنصب الرئاسة هذا الخطاب طوال موسم الانتخابات الرئاسية عام 2008، بعد أن انطلق إلى الشهرة الوطنية جزئيًّا بسبب معارضته العلنية المبكرة لحرب العراق. قال أوباما للجمهور: “أعلم أن غزو العراق دون مبرر واضح ودون دعم دولي قوي لن يؤدي إلا إلى تأجيج نيران الشرق الأوسط، وسيشجع ردود الأفعال الأسوأ وليس الأفضل في العالم العربي، كما سيؤدي إلى تقوية ذراع التجنيد في تنظيم القاعدة”.
كانت تنبؤات أوباما بشأن الغزو الأمريكي للعراق نافذة البصيرة ذلك الوقت. وفي الواقع، هي تنطبق أيضًا على تدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن بعد مرور ما يقرب من ثلاثة عشر عامًا -التدخل الذي دعمته إدارة أوباما. أصبح هذا الدعم الأمريكي الذي شمل تزويد طائرات التحالف بالوقود الجوي وتبادل المعلومات الاستخباراتية نقطة حساسة في إرث السياسة الخارجية لإدارة أوباما، وبحلول مغادرة أوباما منصبه، كانت الحرب قد تسببت في أزمة إنسانية، عانى حينها أكثر من 450 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في الوقت الذي كان يشهد اليمن تفشي وباء الكوليرا الذي وصف على أنه الأسوأ في التاريخ المسجّل.
تركزت سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن لعقود على الحلول قصيرة الأجل التي تخدم الأهداف الاستراتيجية لها في المنطقة الأوسع، ولم تركز على اليمن نفسه. ولكن هذا النهج أضر بالمصالح الاستراتيجية لها في المنطقة بدلًا من تسهيلها. اعتبرت كل من الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية اليمن بمثابة ملحق إلى السياسة المتعلقة بالسعودية، ومكافحة الإرهاب، وإيران، وليس كدولة تستحق نهج سياسة خاص بها. ما عناه ذلك من الناحية العملية هو منح الشركاء الأمنيين في الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، ما يريدونه مقابل تعاونهم بشأن الأولويات الاستراتيجية الأخرى للولايات المتحدة، وليس التركيز على ما يتطلبه الأمر للمساعدة في تزويد اليمنيين بالأدوات اللازمة لتحقيق استقرار داخلي مستدام.
في الحرب الحالية كمثال، استمرت الولايات المتحدة في مساعدتها للتحالف الذي تقوده السعودية لمدة ست سنوات؛ ليس لأن التدخل السعودي كان ناجحًا، بل لأن الدعم الأمريكي كان يُنظر إليه على أنه ضروري لعلاقاتها مع السعودية والإمارات. بالإضافة إلى الحفاظ على هذه العلاقات، كان المسؤولون الأمريكيون يأملون في البداية أن يشجع دعمهم للتحالف الحصول على المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالأولويات الأمنية للولايات المتحدة، وخاصة الاتفاق النووي الإيراني -خطة العمل الشاملة المشتركة- ومبيعات الأسلحة لاحقًا. كانت الولايات المتحدة تأمل أيضًا أن انخراطها يمكن أن يخفف من الأضرار الأسوأ التي قد تنجم عن تدخل التحالف.
على الرغم من ذلك، أدى هذا النهج قصير النظر إلى نتائج عكسية، فضلًا عن عدم تحقيق أهداف الولايات المتحدة. تسبب تدخل التحالف الذي تقوده السعودية بزيادة عدم الاستقرار في اليمن والمنطقة الأوسع، إذ خلقت الآثار غير المباشرة للصراع ظروفًا يمكن أن تسمح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بتشكيل تهديد لسنوات قادمة. كما منحت الحرب وتدخل التحالف مساحة أكبر لإيران لبناء شراكة مع طرف غير حكومي قادر على استعداء السعودية على حدودها الجنوبية. من المرجّح أن يستسلم اليمن المجزأ بشكل دائم للصراع في المستقبل، ما يخلق فرصًا للتدخل والمزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. في الوقت ذاته، أضر تورط الولايات المتحدة في هذه الحرب بسمعتها الدولية، إذ لا تستطيع تحصين نفسها من هذه المشاكل، والتي كانت جزئيًّا نتيجة دعمها للتحالف، كما لا يمكنها صرف النظر عن التداعيات الأخلاقية للكارثة الإنسانية التي تلت ذلك التدخل.
حين وصلت للسلطة؛ ضاعفت إدارة ترامب الدعم الذي قدمته إدارة أوباما للتحالف بقيادة السعودية، وكانت أول رحلة خارجية لترامب إلى الرياض حيث وقع “رؤية استراتيجية” مشتركة تتضمن مبيعات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار. في وقت لاحق من ولايته، استخدم ترامب حق النقض ضد جهود الكونجرس لمنع مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات ولتمرير قرار سلطات الحرب لعام 1973 لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف. قامت الإدارة أيضًا بمبيعات أسلحة جديدة مثيرة للجدل إلى الإمارات، من بينها صفقة مقاتلات إف 35 (F-35) “الطائرات المقاتلة من الجيل الخامس الأكثر تقدمًا في الولايات المتحدة”. أوقفت إدارة بايدن بداية ولايتها هذه الصفقة ومبيعات الأسلحة الأخرى. ولكن المتحدث باسم الخارجية أكد مؤخرًا أن إدارة بايدن تخطط للمضي قُدمًا في العديد من هذه المبيعات، الأمر الذي أثار استياء العديد من صانعي السياسة والنشطاء.
نهج الثنائية الحزبية
كان نهج الولايات المتحدة تجاه اليمن، في ظل كل من إدارتي أوباما وترامب، مدفوعًا بالشراكات الأمنية الأمريكية مع السعودية والإمارات. رؤية اليمن والحرب من هذا المنظور أدت إلى وقوع الولايات المتحدة في عدد من الأخطاء المتعلقة بالسياسة الخارجية.
أفاد مسؤولون أميركيون بارزون في الأمن القومي أنه عندما تواصل معهم مسؤولون سعوديون على انفراد في مارس/آذار 2015 وأخبروهم أنهم سيمضون قدمًا في التدخل، اعتقدت إدارة أوباما أنه يتعيّن عليها تقديم بعض الدعم. بحلول هذه الفترة، كان كل من المسؤولين السعوديين والأمريكيين -بإصرار كبير من السعوديين- يعتقدون أن العلاقة الثنائية بين الشريكين الأمنيين قد تراجعت، حيث شعرت القيادة السعودية بخيبة أمل بسبب الدعوات الأمريكية للرئيس المصري حسني مبارك، حليف السعودية (والولايات المتحدة الأمريكية سابقًا)، بالتنحي عام 2011 خلال الربيع العربي وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني. كان القادة السعوديون قلقين من أن خطة العمل الشاملة المشتركة تشير إلى تبنّي الولايات المتحدة نهجًا ناعمًا تجاه إيران، الخصم الإقليمي الرئيسي للمملكة. ينعكس هذا الرأي في مقابلة أُجريت مع أوباما عام 2016 حيث قال: “وجهة نظري لم تكن أبدًا أنه يجب علينا التخلص من حلفائنا التقليديين لصالح إيران”، وأكد أن على شركاء الولايات المتحدة في الخليج وإيران “إيجاد طريقة فعّالة (للتعايش) في المنطقة وإقامة نوع من السلام البارد”.
نتيجة لذلك، أكد العديد من المسؤولين الأمريكيين أن إدارة أوباما شعرت أنها لا تمتلك خيارًا آخر، حيث اعتقدوا أن عدم دعم التدخل من شأنه أن يضر بعلاقتها مع السعودية بشكل لا يمكن إصلاحه، ورأوا تقديم الدعم للتدخل كنوع من المقايضة في مقابل عدم تقويض السعودية وغيرها من دول الخليج لخطة العمل الشاملة المشتركة. في الوقت ذاته، لم يكن لدى العديد من المسؤولين الأمريكيين ثقة كبيرة في أن التدخل يمكن أن ينجح، حيث تحدث مسؤول أمريكي كبير في وقت لاحق عن القرار قائلًا: “علمنا أننا ربما نركب سيارة سائقها مخمورًا”، لكننا اعتقدنا أن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في التخفيف من أسوأ نزعات المملكة.
أما بالنسبة لإدارة ترامب فقد طغت العلاقات الشخصية مع قادة دول الخليج، ومبيعات الأسلحة الأمريكية، والرغبة في الدفع نحو تطبيع العلاقات بين بعض دول الخليج وإسرائيل، على المخاوف بشأن الوضع الإنساني في اليمن وعلى الاعتقاد المتزايد بعدم وجود حل عسكري للصراع في اليمن.
إعادة صياغة الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج
تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة فهمها لمصالحها في الخليج بهدف المساهمة في بناء سلام مستدام في اليمن، حيث أن وجود يمن مستقر يوفر فرصًا اقتصادية للمواطنين ويوزّع الموارد الحكومية بعدالة أكثر، سيكون أقل عرضة لانحداره نحو صراع عنيف في المستقبل، وهو الأمر الذي بدوره سيمنع التدخل العسكري الخارجي والآثار غير المباشرة للصراع. ستساعد التسوية السياسية المستدامة أيضًا في الحفاظ على أمن شركاء الولايات المتحدة الأمنيين الإقليميين مثل السعودية. أي باختصار، يمنًا مزدهرًا يُمارس فيه الحكم الرشيد سيكون مفيدًا لليمنيين والمنطقة والولايات المتحدة.
للتقدم نحو هذه الرؤية البديلة طويلة المدى لبناء يمن مستقر ومزدهر، يجب على الولايات المتحدة استخدام النفوذ الذي تملكه تجاه السعودية والإمارات لإنهاء التدخل العسكري الخارجي أو تقليصه. يمكن للولايات المتحدة تحقيق ذلك من خلال تزويد شركائها الأمنيين بإجراءات تطمينية. كما يجب أن تعمل على دفع هذه الدول الخليجية إلى إحضار شركائها المحليين على الأرض إلى طاولة المفاوضات من أجل إجراء محادثات قائمة على حسن النية. في الحقيقة، أدى تعيين المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى اكتساب جهود الوساطة ثقل دبلوماسي، كما أن الاجتماعات الأولية بين إيران والسعودية بشأن اليمن، حسبما أفادت بعض التقارير، تبدو واعدة حتى وإن كانت آراء الأطراف لا تزال متباعدة بشأن القضايا الرئيسية. يجب على الولايات المتحدة أيضًا تقديم الدعم والموارد اللازمة لعملية انتقال سياسي تستثمر في العدالة الانتقالية وتعالج الأسباب الكامنة وراء الصراع. وأن تركز مساعداتها الاقتصادية لليمن على الاستثمار في التنمية المستدامة، والمساعدات الإنسانية التي تشتد حاجة البلد إليها، وفي نفس الوقت العمل على ضمان ألا تؤدي هذه المساعدات الطارئة إلى تعطيل الأسواق المحلية بشكل غير مقصود. يجب على الدبلوماسيين الأمريكيين دعم جهود الحكم الرشيد في اليمن واستراتيجيات حل النزاعات المحلية لمنع اندلاع أعمال عنف مستقبلًا. ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن التعجيل بهذه العملية من أجل تحقيق نسخة “استقرار” قصيرة النظر، لن يؤدي إلا إلى بقاء القضايا الأساسية التي أدت إلى الصراع دون حل.
تُعد خطوة إدارة بايدن لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية بداية جيدة، لكن حروب اليمن لن يتم حلها دون مفاوضات مضنية تتطلب مقايضات سياسية صعبة، وعملية عدالة انتقالية متينة، واستثمارات في المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية المستدامة. سيستغرق كل ذلك وقتًا وسيتطلب اهتمامًا دبلوماسيًّا مستدامًا من الولايات المتحدة، بما في ذلك المساعدة في ضمان أن تكون المفاوضات شاملة بحق وأن تكون عمليات تسريح المقاتلين فعّالة. بمجرد إبرام الاتفاق، يمكن للولايات المتحدة المساعدة في مراقبة التنفيذ وردع المخربين ورفع تكلفة عدم الامتثال. في نهاية الأمر، سيكون أمر تقرير مصير اليمن السياسي بعد الحرب متروكًا للأطراف اليمنية نفسها، لكن الدبلوماسية الأمريكية يمكن أن تساعد في تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق سلام دائم.
من خلال انخراط الولايات المتحدة في عملية سلام من أجل اليمن، بدلًا من النظر إليها من منظور علاقاتها مع شركائها الأمنيين الخليجيين، يمكن لسياستها ليس فقط أن تدعم سلامًا أكثر استدامة في اليمن، بل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لها في المنطقة.
ألكسندرا ستارك هي باحثة أولى في نيو أمريكا New America. حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة جورج تاون، وتعمل حاليًّا على كتاب بعنوان “الحروب المنسيّة: ما الذي يخبرنا به التدخل في الحرب الأهلية اليمنية عن سياسات الشرق الأوسط وإخفاقات السياسة الأمريكية” بالتعاون مع دار نشر جامعة ييل.
سقطرى تواجه جائحة كورونا دون استعداد
كوينتين مولر، سقطرى
عندما بدأ فيروس كورونا في التفشي بسرعة في جميع أنحاء اليمن خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار 2020، نجت سقطرى من الجائحة إلى حد كبير. يعود هذا بشكل كبير إلى عزلة أرخبيل سقطرى. نظرًا للقيود التي فرضتها الحرب على خيارات السفر، لم يكن هناك أواخر عام 2020 سوى عدد قليل من الطرق المنتظمة التي تربط بين حديبو، المدينة الرئيسية في الجزيرة، والبر اليمني، ورحلات جوية من مطار سيئون، وقوارب من المكلا وعدن، بالإضافة إلى سفن الركاب من صلالة في سلطنة عمان.
بداية 2021، استأنفت شركة السعيدة للطيران رحلاتها الدولية المباشرة إلى سقطرى عبر دبي، على الرغم من إلغائها الشهر التالي. وفي مارس/آذار، أنشأت العربية للطيران -شركة طيران منخفضة التكلفة ومقرها الشارقة- طريقًا منتظمًا إلى الجزيرة عبر أبو ظبي. وهكذا أصبح لدى العائلات السقطرية -التي تعيش في الإمارات والتي يقطن الكثير منها في إمارتي عجمان ورأس الخيمة- وسائل ملائمة للسفر إلى لجزيرة ذهابًا وإيابًا منذ يناير/كانون الثاني. كما عاد السياح ومعظمهم من الغرب لزيارة الجزيرة، ما مثّل دفعة للاقتصاد المحلي، ولا سيما قطاع السياحة ومن يعمل فيه من منظمي الرحلات السياحية المحلية والمرشدين والسائقين والفنادق، لكنه وفر أيضًا جسرًا جويًّا لتفشي فيروس كورونا ووصوله إلى سقطرى.
طُلب من السياح الأجانب تقديم فحص كورونا (PCR) يثبت عدم إصابتهم بالفيروس قبل صعودهم الطائرة في الإمارات وإجراء فحص دم عند الوصول، ولكن من دون فرض أي حجر صحي عند وصولهم إلى الجزيرة. كما لوحظ عدم استخدام السكان المحليين أو السياح في سقطرى الكمامات بشكل دائم. وعلى عكس ما فُرض على السياح الأجانب، لم يُفرض على اليمنيين المسافرين إلى سقطرى من البر الرئيسي تقديم فحص كورونا (PCR) يثبت عدم إصابتهم بالفيروس قبل السفر.
خلال الأشهر القليلة الأولى من عام 2021، بدت الحياة في الجزيرة كما كانت عليه قبل الوباء، وغالبًا ما أخبر المرشدون المحليون السياح أن سقطرى خالية من فيروس كورونا. ولكن كان لاستئناف السفر الدولي عواقب سلبية، فخلال الأيام الأربعة الأولى من شهر أبريل/نيسان أُصيب أكثر من 40 سقطريًّا بالفيروس وفقًا للدكتور سعد القدومي من مستشفى خليفة بن زايد، المستشفى الرئيسي في سقطرى المموّل من الإمارات، والواقع في العاصمة حديبو. قال القدومي: لا تزال الجزيرة مفتوحة للزوار، ولا يخضع المواطنون القادمون من حضرموت والمهرة لفحص كورونا، وما زالوا يتنقلون بحريّة بين الناس في الأسواق والشوارع”.
كشف موظف سقطري في مستشفى خليفة بن زايد تحدث إلى مركز صنعاء شريطة عدم الكشف عن هويته أن 19 من أصل 25 فحص كورونا أُجريت يوم الأول من أبريل/نيسان كانت إيجابية. صحيح أنها عينة صغيرة إلا أنها مرتفعة بشكل خطير. وقال: “ماتت جارتي، وهي سيدة كبيرة في العمر، بسبب فيروس كورونا، وعدد الحالات يتزايد كل يوم، ولكن لا أحد يرتدي كمامة”.
ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو عدم وجود غرف حجر صحي في مستشفى خليفة، ما يعني أن سقطرى لديها الحد الأدنى من الموارد للتعامل مع تفشي جائحة كورونا. قال الدكتور القدومي لمركز صنعاء: “لدينا أربعة أجهزة تنبيب وأربعة أجهزة تنفس للجزيرة بأكملها. هذا ليس كافيًّا، لكنه أفضل من لا شيء”. وأضاف أن المرافق الطبية بالجزيرة عادة ما تزوّد بالأكسجين من حضرموت، لكن الرياح العاتية في فصل الربيع تحد من عمليات توصيل الأكسجين على متن القوارب. أما المركز الطبي الآخر في الجزيرة، المركز الميداني السعودي، المموّل من السعودية، سرّح مؤخرًا معظم موظفيه، الذين كانوا أردنيين بشكل عام.
لا توجد سوى منشأة واحدة فقط في الجزيرة تجري فحص كورونا (PCR) وهي مختبر العسلي، لكن تكلفة الفحص باهظة للغاية إذ تبلغ حوالي 45 ألف ريال يمني (أي حوالي 52 دولارًا أمريكيًّا عند كتابة هذا المقال) أي ما يعادل راتب شهر كامل للكثير من الأسر. تُرسل الفحوصات التي يجريها المختبر إلى البر الرئيسي للحصول على النتيجة. يستخدم مستشفى خليفة فحوصات الأجسام المضادة، وهي فحوصات أقل موثوقية وأرخص تكلفة، وتبلغ كلفتها 6 آلاف ريال يمني (حوالي 6.90 دولار أمريكي).
تساهم التصرفات الفردية الطائشة أيضًا في انتشار فيروس كورونا، فبحسب موظف محلي يعمل لدى شركة العربية للطيران -طالبًا عدم ذكر اسمه لكي يتحدث بصراحة عن الوضع- حاول 15 راكبًا الصعود على متن رحلة في 29 مارس/آذار إلى أبو ظبي ولكنهم مُنعوا من ذلك لثبوت إصابتهم بفيروس كورونا. “القلق الحقيقي هو أن الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس لا يقومون بعزل أنفسهم، بل يذهبون إلى المطار، ويختلطون مع مجاميع الناس معتقدين أنه لا يزال بإمكانهم ركوب الطائرة، حتى يتم إيقافهم ويُطلب منهم إظهار شهادة خلوهم من فيروس كورونا، حتى أن البعض قال: أنا بصحة جيدة، وهذه مجرد إنفلونزا”.
أقر أحد مدراء الفنادق، الذي تحدث أيضًا شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن العديد من المرشدين السياحيين السقطريين استمروا في العمل دون ارتداء كمامات على الرغم من إصابتهم بفيروس كورونا. “أتذكر شخصًا ثبتت إصابته بالفيروس مؤخرًا، ويعزل نفسه الآن، لكنه مكث لمدة أسبوع مع 12 سائحًا قدِموا من الإمارات”.
وقال الدكتور القدومي: “ما زال الناس لا يؤمنون بوجود عشرات الإصابات بالفيروس في حديبو ويتعاملون مع الوضع بلا مبالاة. إنهم لا يرتدون الكمامات ولا يتخذون أي إجراءات وقائية”.
تتوفر الكمامات في المحلات حول مستشفى خليفة بسعر 200 ريال يمني للكمامة (20 سنت أمريكي). وعلى الرغم من أن سعر الكمامة مقدور عليه لمعظم الناس، إلا أن شراء العديد من الكمامات يمكن أن يؤثر على ميزانيات الأسر ذات الدخل المنخفض.
لم تأخذ السلطات المحلية سوى القليل من الإجراءات بشكل عام للتصدي لتهديد الجائحة، حيث لم تدلِ بأي تصريحات بشأن انتشار الفيروس في الأشهر الأخيرة ولم تصدر بروتوكولات جديدة للصحة العامة. كما أن السكان مستمرون بحياتهم اليومية كالمعتاد، فلا تزال العائلات تجتمع حول طبق واحد لتناول الطعام، ويتجمعون سويًّا لمضغ القات، ويلقون التحية بمصافحة اليدين ولمس الأنوف. كما أن معظمهم مستمرون بوضع زجاجة مياه عذبة وأكواب أمام منازلهم للعطشى من المارة.
وفي نهاية أبريل/نيسان، بدأت حملة تلقيح، بدعم من اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية للسكان البالغ عمرهم 60 وما فوق على الجزيرة.
أعد هذا التقرير (حسب الترتيب الأبجدي): أبو بكر الشماحي، أماني حمد، بلقيس اللهبي، حمزة الحمادي، ريان بيلي، سبنسر أوسبرغ، سوزان سيفريد، صلاح علي صلاح، عبدالغني الإرياني، علي الديلمي، غريغوري جونسن، غيداء الرشيدي، فارع المسلمي، ماجد المذحجي، كيسي كومبس، نزيهة بعاصيري وياسمين الإرياني.
تقرير اليمن، هو تقرير شهري يصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية منذ يونيو/ حزيران 2016، وصدر كنشرة شهرية باسم “اليمن في الأمم المتحدة” في أعوامه الأولى. يهدف التقرير إلى رصد وتقييم التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية بشأن اليمن وتزويد القراء برؤية سياقية شاملة حول أهم القضايا الجارية في البلاد.
لإعداد “تقرير اليمن”، يقوم فريق مركز صنعاء في مختلف أنحاء اليمن والعالم، بجمع المعلومات والأبحاث، وعقد اجتماعات خاصة مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية، لتحليل التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة باليمن.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.