د. فوزية العمار وهانا باتشيت وشمس شمسان
ملخص تنفيذي
قلة من اليمنيين نجت من تأثير الحرب الكارثي، إلا أن المعايير الجنسانية (الجندرية) السائدة كانت تعني تأثر النساء والفتيات بشكل مختلف خلال الحرب مقارنة بالرجال والفتيان. يستكشف هذا التقرير الكيفية التي صاغت بها المعايير الجنسانية تجربة اليمنيين للصراع، وكيف يعيد الصراع تشكيل المعايير الجنسانية (الجندرية) في اليمن.
يستند هذا التقرير إلى البحث النوعي ويشمل 88 مجموعة نقاش بؤرية أُجريت في جميع أنحاء اليمن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى فبراير/ شباط 2019 و49 مقابلة معمقة مع مقدمي المعلومات الرئيسيين وست دراسات حالة ومراجعة أدبية. شملت مجموعات النقاش البؤرية 674 مشاركًا في ثمانِ مديريات يمثلون سياقات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة -مناطق قريبة وأخرى بعيدة عن القتال على جانبي خطوط المواجهة. هذه المديريات هي: السبعين وبني الحارث في محافظة صنعاء، والمكلا وسيئون في محافظة حضرموت، والشيخ عثمان وصيرة في محافظة عدنو والشمايتين والقاهرة بمحافظة تعز.
رأى مقدمو المعلومات الرئيسيون والمشاركون في مجموعات النقاش البؤرية في جميع هذه المناطق أن الأعباء المالية دفعت بالنساء للانخراط في القوى العاملة، وأثرت بشكل كبير على الفتيان والفتيات على مستوى الحصول على التعليم وعرضتهم للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وساهمت بتنوع وتعدد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.
قبل النزاع الدائر، كان حوالي نصف اليمنيين يعيشون في فقر وكان أكثر من 40 في المائة يعانون من انعدام الأمن الغذائي[1]. خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب[2]، تراجع الاقتصاد بنسبة تفوق 40 في المائة، وترافق ذلك مع انهيار العديد من الشركات أو تخفيض العمالة. وأثر انقطاع الرواتب الحكومية في سبتمبر/ أيلول 2016 على أكثر من 1.2 مليون عامل في القطاع العام وأسرهم[3]. ودفعت البطالة والعمالة الناقصة، وكذلك انقطاع الرواتب وانخفاض قيمة الريال اليمني، بالطبقة الوسطى نحو الفقر، وأما الذين كانوا يعيشون في فقر مسبقًا، أصبحوا يعيشون في فقر مدقع. ورغم استئناف دفع رواتب بعض موظفي القطاع العام، ما زال نحو 20 مليون من سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الوخيم أو الحاد[4].
رأى مقدمو المعلومات الرئيسيون والمشاركون في المجموعات البؤرية أن النساء والرجال تعاملوا مع واقع البلاد الاقتصادي الجديد بشكل مختلف. وتحدث الكثيرون عن إبداع النساء ومبادرتهن للبحث عن عمل مقابل أجر، بينما تردد بعض الرجال في العمل في وظائف على اعتبار أنها غير مناسبة أو دفعت بهم الأعباء الاقتصادية والأحكام التقليدية لمفهوم الذكورة للانضمام إلى صفوف القوات المقاتلة لإعالة أسرهم.
أشار بعض مقدمي المعلومات الرئيسيين والمشاركين في المجموعات البؤرية من جميع المناطق إلى بروز المزيد من المواقف الإيجابية خلال الحرب تجاه النساء العاملات، مضيفين، على سبيل المثال، أن الرجال أصبحوا يسعون بشكل متزايد للزواج من نساء عاملات على عكس ميولهم ما قبل الحرب إذ كانوا يبحثون عن ربات بيوت. بيد أن المؤشرات كانت أكثر تفاوتًا فيما يخص التمكين الاقتصادي للمرأة وتحديدًا بالنسبة لتعزيز نفوذها في صنع القرار داخل الأسرة أو بالنسبة لاستدامة التمكين والنفوذ في مرحلة ما بعد الصراع؛ ما يعني أنه قد يكون من الضروري تقديم الدعم في هذا المجال في مرحلة ما بعد الحرب.
من خلال استكشاف التبعات الجنسانية للصراع على فئة الشباب في اليمن، يجد هذا التقرير أن آفاق المستقبل لجيل من الفتيان والفتيات والشباب تعرضت للخطر بسبب الدمار الذي لحق بالتعليم نتيجة الحرب. فاقمت العوامل الاقتصادية والأمنية المرتبطة بالحرب المشكلة الاجتماعية المتعلقة بالزواج المبكر، ولا سيما زواج الفتيات القاصرات، إضافة إلى تسرب الفتيان من المدارس للانضمام إلى صفوف القوات المقاتلة.
قبل النزاع، حد الفقر وعدم القدرة للوصول إلى المدارس في المناطق الريفية من قدرة الأسر على تعليم أولادها، وفاقمت الحرب هذه المشكلة. يفيد اليمنيون أنهم باتوا مجبرين على الاختيار بين إطعام أطفالهم أو تعليمهم، إذ لم يعد بمقدورهم تحمل تكاليف المواصلات أو الاحتياجات المدرسية مثل الزي المدرسي والكتب. أضف إلى ذلك أن المعلمين لا يتقاضون أجورهم أو قيمة رواتبهم التي انخفضت بسبب التضخم المتفشي، ما أدى إلى فقدانهم الرغبة في تأدية عملهم أو انشغالهم بتأمين دخل إضافي أو انضمامهم إلى صفوف المقاتلين في الخطوط الأمامية. كما أثر الضغط الناتج عن الحرب والانهيار الاقتصادي على سلوك المدرسين تجاه الطلاب الذين يذهبون إلى المدرسة ببطون خاوية وتظهر أعراض الصدمة النفسية بادية على وجوههم.
فاقمت الحرب كذلك عدم المساواة بين الجنسين والفوارق في السلطة -التي يعاني منها المجتمع أصلًا -التي تعد الجذور المسببة للعنف القائم على النوع الاجتماعي. إن قلة وعدم دقة الإحصاءات الأساسية المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن تعيق الجهود المبذولة لتحديد النزعات، إلا أن المشاركين ومقدمي المعلومات الرئيسيين لاحظوا أن نسبة العنف الجسدي والجنسي بأشكاله المختلفة ارتفعت خلال سنوات النزاع سواء في المنزل أو الأماكن العامة. روى المشاركون في المجموعات البؤرية حوادث اغتصاب فتيان وفتيات داخل الأسر وفي المدارس وعلى أيدي رجال مسلحين من قوات الأمن والميليشيات. وأشار المشاركون ومقدمو المعلومات إلى ازدياد عمليات الخطف والتلمّس والتحرش اللفظي. بدا الإحباط واضحًا على المشاركين حيال ما وصفه بعضهم إفلات الجناة من العقاب. قال المشاركون في جميع المحافظات إن غياب دولة قوية تقوم بواجباتها تجاه المواطنين قلّل من إمكانية حصول ضحايا العنف الجسدي والجنسي على العدالة، وأضافوا أن الحماية الاجتماعية ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي انخفضت بسبب خوف المارة من التدخل نتيجة ارتفاع نسبة العنف بشكل عام وانتشار الأسلحة.
يركز هذا التقرير على التجربة المتعلقة بالنوع الاجتماعي للحرب على مستوى الأزمة الاقتصادية، التي لوحظ -بشكلٍ كبيرٍ -أنها فاقمت القضايا المحلية والاجتماعية القائمة التي تواجه النساء والفتيات والرجال والفتيان. كما يلقي التقرير نظرة متعمقة على تأثير هذه التجربة المتعلقة بالنوع الاجتماعي للحرب على الفتيان والفتيات وفئة الشباب، ويركز -ذلك قدر الإمكان ضمن حدود الدراسة -على طبيعة ومدى العنف الجسدي والجنسي في المنزل والمجتمع.
تلخص هذه النقاط المفاهيم الأساسية التي توصل إليها مقدمو المعلومات الرئيسيون والمشاركون في المجموعات البؤرية:
- أظهرت النساء قدرة على التكيف في مواجهة التحديات الاقتصادية، حيث أظهرن مرونةً وابتكارًا حين دُفعن إلى البحث عن عمل مقابل أجر. بدأت النساء بفتح مشاريع عمل من المنزل وعبر الإنترنت وفي المجتمع. وفي بعض الأحيان انخرطن في قطاعات عمل غير تقليدية، وغالبًا ما كانت الفرص المتاحة للنساء الأميات وغير المتعلمات غير ثابتة ومنخفضة الأجر.
- يبدو أن المواقف والنظرة تجاه النساء العاملات بدأت بالتغير، ولكن، استدامة هذا التمكين الاقتصادي المتزايد غير مؤكدة؛ إذ أن التحولات في الأدوار الجنسانية داخل الأسر ما تزال محدودة. جرى في الغالب الربط بين التمكين الاقتصادي للمرأة وتدهور مكانة الرجل.
- أدى غياب الدخل إلى تقويض الدور التقليدي للرجل كمعيل للأسرة مما أثر على الحياة الأسرية. حيث عمل العديد من الرجال بوظائف يُعتبر وضعها الاجتماعي أقل من وظائفهم السابقة بينما دُفع العديد منهم للانضمام إلى الخطوط الأمامية سعيًا للحصول على دخل. أثرت ضغوطات الامتثال للمعايير الذكورية على القرار بالمشاركة في القتال.
- تسرّب الأطفال من المدارس. إذ جعل الفقر المتزايد الأهل غير قادرين على تحمل نفقات تعليم أطفالهم، وغالبًا ما تُخرج الفتيات من المدارس ويُبقى على الفتيان لأسباب ثقافية واقتصادية وأمنية. يترك الفتيان المدرسة لكسب المال -مدفوعين بحاجة الأسرة للمال -وغالبًا ما ينضمون إلى الجماعات المسلحة. أدى العنف المسلح في المدارس وبالقرب منها إلى عدم إرسال الأهل أبنائهم وبناتهم للمدارس.
- زاد العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال النزاع. تأثرت النساء والفتيات بأعمال الاغتصاب والخطف والتحرش الجنسي والعنف المنزلي على أيدي الميليشيات وأفراد المجتمع وكذلك الأزواج والآباء والإخوة، وأصبح العنف الجنسي ضد الصبيان واسع الانتشار أيضًا.
- يُعد انعدام الأمن المالي محركًا رئيسيًا وراء تزايد العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتُلام النساء من قِبل الرجال والنساء على حد سواء حين يقعون ضحية أعمال العنف.
- ارتفعت نسبة الزواج المبكر. تُزوج الفتيات في عمر مبكر؛ نتيجة ضغوط اقتصادية ومخاوف على سلامتهن في بيئة أمنية غير مستقرة.
- الإفلات من العقاب على العنف القائم على النوع الاجتماعي آخذ في الازدياد. تقلصت الحماية الاجتماعية في الوقت الذي تغيب فيه أنظمة الدولة والأنظمة القضائية.
نهاية هذا التقرير، قُدمت توصيات كاملة لإرشاد أصحاب المصالح المحليين والدوليين للمساعدة في تخفيف تأثيرات الحرب المتعددة على النساء والفتيات والرجال والفتيان. كما أن التوصيات تهدف إلى تحسين الأوضاع الطارئة، على مستوى الاقتصاد، والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتعامل مع الصدمات النفسية داخل الأسر والمدارس والمجتمعات المحلية. تهدف العديد من التوصيات إلى تحقيق الاستقرار داخل الأسرة والاستفادة من مكاسب المرأة الاقتصادية التي استطاعت المرأة تحقيقها خلال الحرب. تسعى كذلك للتطرق إلى التغييرات الضرورية على العناصر القانونية والسياسية والاجتماعية الأساسية التي من شأنها أن تساعد في التصدي للتمييز الحاد والعنف القائم على النوع الاجتماعي الحاد، وكذلك تحسين احتمالات استدامة التمكين، الذي جرى تحقيقه خلال سنوات الحرب القاسية، لكي يستمر في أوقات السلم وإعادة البناء.
التوصيات الرئيسية
- ينبغي إشراك النساء بطريقة مجدية في محادثات السلام وفي العمليات السياسية بعد انتهاء النزاع.
- ينبغي على الأطراف المتحاربة تسريح جميع الجنود الأطفال فورًا.
- ينبغي على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا استئناف دفع الرواتب بشكل كامل ومنتظم لموظفي القطاع العام في جميع أنحاء اليمن.
- ينبغي على جميع أصحاب المصلحة إعطاء الأولوية لزيادة الالتحاق بالمدارس وتحسين بيئة التعلم. لتحقيق هذه الغاية؛ يمكن الاعتماد على آليات تشمل تدريب المعلمات وتأمين المواصلات وتوفير وجبات الإفطار المدرسية، إضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي وإعادة الابتعاث الدراسي الحكومي.
- ينبغي على الجهات المانحة أن تستثمر أكثر في مجال الأبحاث لتسترشد بها التدخلات عند معالجة الصدمات المتعلقة بالنوع الاجتماعي في اليمن.
- ينبغي على المجتمع المدني اليمني، بدعم محلي ودولي، أن يجذب الزعماء القبليين لثنيهم عن السماح بزواج الأطفال.
- ينبغي دعم مشاركة المرأة المتزايدة في الاقتصاد، ومن الضروري أيضًا إجراء مزيد من الأبحاث حول دور المرأة في الاقتصاد غير الرسمي وفي المناطق الريفية.
- تماشيًا مع توصيات مؤتمر الحوار الوطني، يجب على أي حكومة ما بعد الصراع:
- ضمان تمثيل المرأة على جميع المستويات السياسية، بما في ذلك منحها حقائب وزارية.
- مواءمة التشريعات اليمنية مع التزاماتها الدولية المتعلقة بالنوع الجنسي.
- تحديد سن الزواج القانوني بـ 18 عامًا للرجال والنساء.
- ميزانية الأسرة اليمنية 2014، البنك الدولي، كما ورد في “مذكرة الفقر عن اليمن”، البنك الدولي، يونيو/ حزيران 2017، المستندات،
documents.worldbank.org/curated/en/147231509378508387/pdf/Yemen-Poverty-Notes-Revised-0612.pdf - “اليمن: الآفاق الاقتصادية” – أكتوبر/ تشرين الأول 2019، البنك الدولي، 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2019،
https://www.albankaldawli.org/ar/country/yemen/publication/economic-update-october-2019 - منصور راجح، أمل ناصر، فارع المسلمي، “اليمن بلا بنك مركزي: فقدان أساسيات الاستقرار الاقتصادي وتسريع المجاعة”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 2 نوفمبر 2016،
https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/59 - “اليمن: الآفاق الاقتصادية” – أكتوبر/ تشرين الأول 2019، البنك الدولي، 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2019،
https://www.albankaldawli.org/ar/country/yemen/publication/economic-update-october-2019