الملخص التنفيذي
أعادت ثمان سنوات من حرب تدور رحاها في اليمن، وتبعاتها الوخيمة على حياة الناس، تعريف مفهوم السلام لدى المواطنين وتصوّراتهم للعملية برمتها. سنوات من المفاوضات الفاشلة سمحت للأطراف المتحاربة باحتكار محادثات السلام، وإقصاء النساء بصورة ملحوظة على المستويين المحلي والوطني رغم عدم اختلاف اثنين على كونهن في طليعة جهود التخفيف من تداعيات الحرب على اليمنيين. تهدف هذه الدراسة -عبر اتباع نهج يركز على المجتمع -إلى تعريف مفهوم السلام من وجهة نظر اليمنيين بناء على تجاربهم الواقعية، واقتراح تدابير تكفل تعزيز دور المرأة في بناء السلام، وإيجاد طرق للحد من الممارسات والسياسات المحلية التي تسبب/تعيد من تكرار أعمال العنف وعدم المساواة بين الجنسين. تعتمد الدراسة بشكل كبير على الأدبيات النسوية التي تؤكد بأن الدور المحوري لممارسات النساء اليومية “الخفية” -مثل الإنجاب، والروتين اليومي، وتقديم الرعاية، وتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، والتفاوض للحد من أوجه عدم المساواة، والعلاقات الاجتماعية، وفضّ النزاعات -في تعزيز التماسك الاجتماعي، لم ينل التقدير الذي يستحقه أو تتطرق له الأبحاث بشكل كاف.
شارك في هذا البحث 128 يمنيًا ويمنية من مختلف الفئات العمرية والمناطق الجغرافية والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. عقدت الدراسة حلقات نقاش بؤرية في كلٍ من محافظة صنعاء وإب وعدن وحضرموت خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار 2022. كما أُجريت مقابلات في جميع هذه المحافظات مع مختلف صنَّاع القرار والقيادات المجتمعية وأئمة المساجد والزعماء الدينيين. نظرًا للقيود المفروضة على العمل الميداني وتعدد التجارب النسوية في اليمن وتنوعها، لا تهدف الدراسة إلى تعميم الآراء المُعبّر عنها كتجارب تُمثّل كافة النساء في البلاد، ومن هذا المنطلق، اعتُمد على نهج يلقي نظرة تفصيلية على الصعيد المحلي بهدف إعلاء الأصوات المحلية وتمكينها، مما يسمح لليمنيين واليمنيات باستخدام لهجتهم المألوفة، وتحديد احتياجاتهم وأولوياتهم مع الاستفادة من ممارسات السلام المنبثقة من واقعهم اليومي، وخلق بيئة تمكينية للمرأة وزيادة مشاركتها في بناء السلام، وتعزيز آليات التدخلات الكبيرة لصنع السلام. فضلًا عن ذلك، اعتمدت الدراسة على نهج يتمحور حول تعريف مفهوم السلام، وأجندة المرأة والسلام، والأمن من وجهة نظر الجهات الفاعلة المحلية، والنساء على مستوى القاعدة الشعبية في اليمن بدلًا عن التركيز على النهج المتبعة في العالم الغربي. فيما يلي ملخص النتائج التي تمخضت عنها المقابلات وحلقات النقاش البؤرية.
تتشابه تعريفات اليمنيين لمفهوم السلام مع بعض الاختلافات بناءً على المناطق التي ينتمون إليها. تركزت تعريفات المشاركين من جميع المحافظات الأربع لمفهوم السلام حول الأمن والاستقرار بشكل أساسي، وحرية التعبير والتنقل، وتلبية الاحتياجات الأساسية، والتعايش المتأصل في العقيدة الإسلامية، والحفاظ على الكرامة. كانت التعريفات التي أدلت بها النساء والرجال حول السلام متشابهة، إلا أن بعض المشاركين من محافظة صنعاء (التي يفرض فيها الحوثيون قيودًا مشددة على السلوك المجتمعي وحركة التنقل) تلخصت في حرية التعبير والتنقل أكثر مما هو عليه الحال في المحافظات الأخرى. في عدن، كان التعريف الأبرز للسلام هو الرغبة في “التعايش السلمي ونبذ العنصرية والطائفية”.
تتمتع المرأة بدور معترف به على نطاق واسع في بناء السلام، لكن الكثير يربطون هذا الدور في مجال الحياة الخاصة. اتفق المشاركون الذين أدلوا بآرائهم طوال مسار هذا البحث -بغض النظر عن جنسهم أو خلفيتهم أو موقعهم الجغرافي -على أن النساء يلعبن دورًا حاسمًا في بناء السلام، إلا أن الأغلبية حصروا هذا الدور بصورة رئيسية في قالب الحياة الخاصة (أي المنزل)، كأمهات (يحظين بالاحترام بصفتهن بناة السلام الأساسيين في المجتمع، والمسؤولات عن تربية الأجيال المسالمة، وركائز الحفاظ على التماسك الاجتماعي)، أو في الأماكن التي يُنظر إليها على أنها تمثل امتدادًا للحياة الخاصة (كالمدارس والمساجد والتجمعات النسائية).
تواجه الناشطات في مجال السلام تحديات الوصم الاجتماعي من كلا الجنسين على حد سواء. رأى المشاركون في مجموعات النقاش البؤرية أن النساء اللواتي يعملن بشكل علني في مجال بناء السلام باليمن يواجهن الوصم الاجتماعي، من قبل كلا الجنسين على حد سواء. صرحت بعض النساء بأن الناشطات في مجال بناء السلام لا يمثلنهن بالضرورة، كما أُبلغ عن تعرض ناشطات لمضايقات في مناطق سيطرة الحوثيين وكذلك المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا، وذُكر أن حملات التشهير هي أبرز العوائق التي تحول دون مشاركة المزيد من النساء في بناء السلام بصورة أكثر علنًا.
لا يُعرف الكثير عن تعريف بناء السلام سوى أنه «مفهوم غربي». نتصور بعض شرائح المجتمع اليمني أن مصطلحات مثل “السلام” أو “بناء السلام” و”المساواة بين الجنسين” هي مفاهيم غربية، الأمر الذي يعوق من عمل الأفراد والمنظمات، وعلى وجه الخصوص النساء اللواتي ينظر إليهن البعض على أنهن يتقبلن “بسذاجة” المفاهيم الغربية التي تفرضها المنظمات المحلية والدولية. أعرب العديد من المشاركين في الاستطلاع عن شكوكهم إزاء المنظمات الدولية التي تدعو إلى تعزيز السلام، حيث رفض المسؤولون والقيادات المجتمعية ممن قُوبِلوا في محافظتي صنعاء وإب (الخاضعتين لسيطرة الحوثيين) دور المنظمات الدولية في إرساء السلام على الأرض. كذلك، عبّر خطباء المساجد والشخصيات الدينية في حضرموت وعدن عن عدم ثقتهم في المنظمات الدولية، رغم انفتاحهم على دعمها في حال تماشت أنشطتها مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.
تُشكل الأنشطة التي تضطلع بها المرأة اليمنية يوميًا من أجل البقاء جزءًا لا يتجزأ من التماسك الاجتماعي. لوحظ أن النساء يفاوضن للحد من أوجه عدم المساواة، ويتوسطن في النزاعات الأسرية والمجتمعية، ويجابهن التحديات التي أوجدها انعدام الأمن، ويمارسن المقاومة والصمود ضمن أنشطتهن اليومية، لكن هذه الإجراءات غالبًا ما تحدث في الأماكن الخاصة مثل (البيوت، والأحياء، والمساجد، والمدارس) أكثر من الأماكن العامة مثل (المنابر السياسية) التي يهيمن عليها الرجال. استشهد المشاركون بالعديد من الأمثلة على تدخّل النساء في فض النزاعات على المستوى الشعبي، وأشاروا إلى وجود تقليد متجذر في الثقافة اليمنية لحل النزاعات يُنظر من خلاله إلى النساء كعوامل محفزة للسلام عند تفاقم الصراعات.
يلعب الخطاب الديني دورًا في تمكين المرأة أو التحريض عليها. أشارت العديد من النساء إلى بعض القيود المفروضة على المرأة منها: القيود المفروضة على السفر والتنقل (لا سيما سياسة المَحْرَم)، والفصل بين الجنسين في ممارسات الحياة العامة، واستحالة العمل حتى ساعات متأخرة، والشكوك المتأصلة في نفوس البعض بشأن قدرة المرأة على تعزيز السلام، والخطاب الديني المضلّل الذي يصدر عن بعض الشيوخ، وضعف الدعم المعنوي المقدم من الأسرة. غالبًا ما تستند هذه القيود إلى التفاسير المتزمتة والمتطرفة لتعاليم الإسلام التي تُضيِّق على المرأة، إلا أن العديد من النساء يَرين أن الخطاب الديني الموجه في المسار الصحيح يعزز من تمكينها. على سبيل المثال، كان يُنظر إلى الداعيات الإسلاميات[1]في اليمن على أنهن أطراف فاعلة ومهمة في تمكين المرأة من خلال استخدام الحجج الدينية، وتعليم المرأة أسس الشريعة الإسلامية المتينة التي تمكنها من مواجهة الآراء المتطرفة.
في نهاية هذا التقرير، ترد جميع التوصيات التي قد تُرشد الجهات المحلية والدولية في تبني نهج تصاعدي أكثر شمولًا يعتمد على الأصوات الشعبية في بناء السلام، ويشجع على إدماج الممارسات اليومية للمرأة في جهود بناء السلام الشامل. تستهدف هذه التوصيات على وجه التحديد المجتمع الدولي ومكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن والجهات المحلية الفاعلة التي تنخرط في مجال بناء السلام وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتشمل ما يلي:
- الاعتراف بالأمن البشري كجزء لا يتجزأ من جهود بناء السلام.
- تمكين النساء على مستوى القاعدة الشعبية في اليمن من خلال الاعتراف بممارساتهن اليومية في بناء السلام.
- إشراك الرجال كشركاء ومدافعين عن دور النساء كصانعات سلام.
- توطين مبادرات صنع السلام في اليمن، عبر إدماج تعريف اليمنيين لمفهوم السلام والنُهج المحلية.
- إنفاذ القوانين التي تحمي نشطاء السلام في اليمن.
- التعاون مع المنظمات المحلية والوطنية لإذكاء الوعي ببرامج وجهود صنع السلام على الأرض، بغية تعزيز ثقة المجتمعات المحلية التي تُشكك في مثل هذه المبادرات.
- إشراك القيادات الدينية والمجتمعية في مبادرات تمكين المرأة وتعزيز دورها في بناء السلام.