في 15 مارس الجاري، استأنفت القوات الأمريكية ضرباتها العسكرية ضد أهداف للحوثيين في اليمن، في إطار حملة ضغط جديدة على الجماعة وداعمها الرئيسي – إيران. تأتي هذه التطورات بعد تهديد الحوثيين باستئناف حظر عبور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر عبر استهدافها، ردًا على منع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة. أسفرت حملة القصف الأمريكية حتى الآن عن مقتل 53 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين، مع أنباء تفيد باستهداف محافظات صنعاء وصعدة والجوف ومأرب وذمار والحديدة والبيضاء وتعز.
في هذا السياق، أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الضربات ستستمر عدة أسابيع على الأرجح؛ وفي المقابل، تبنى الحوثيون عدة هجمات ضد حاملة طائرات ومدمرة أمريكية. لم يمض يومان على التصعيد الأمريكي في اليمن، حتى استأنفت إسرائيل قصفًا واسعاً في غزة أسفر عن مقتل أكثر من 400 شخص، لينهار بذلك اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير الفائت، وجلب معه فترة من الهدوء النسبي في البحر الأحمر.
قبيل الغارات الأمريكية الأخيرة (والمستمرة) على اليمن، دخل القرار التنفيذي للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيز التنفيذ أوائل الشهر الجاري، بإعادة تصنيف الحوثيين رسميًا كمنظمة إرهابية أجنبية – وهي من أولى القرارات التنفيذية التي وقع عليها ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير الفائت، حيث اعتبر بأن أنشطة الحوثيين ”تُهدد أمن المدنيين والجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط، وكذلك سلامة أقرب شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية“. أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ستة تراخيص عامة تُحدد الأنشطة والمعاملات المسموح بها في مناطق الحوثيين، والتي تتراوح بين السماح بدخول سلع زراعية وأدوية وأجهزة طبية محددة، إلى إجراء معاملات مالية للمهام الدبلوماسية والقنصلية لدول ثالثة. من المتوقع أن يكون للعقوبات الموسعة المرتبطة بقرار التصنيف تداعيات سلبية واسعة.
في جميع الأحوال، فإن عواقب التصعيد العسكري الأمريكي في اليمن وقرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، على الوضع الإنساني والاقتصادي وعلى الأمن الإقليمي والجهود الدبلوماسية الرامية إلى إحلال السلام في اليمن، لم تتضح حتى الآن. وعليه، يضم هذا التحليل قراءة لخبراء وباحثي مركز صنعاء عن الآثار والتداعيات المحتملة للضربات الأمريكية، وقرار تصنيف الحوثيين على مستقبل الصراع في اليمن.
ترامب يُرسي قواعد جديدة للاشتباك في اليمن
سَيعيد استئناف الغارات الجوية الأمريكية في اليمن وقرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية تشكيل الديناميكيات على المستوى المحلي والإقليمي. قد تجبر الضغوط المتزايدة الجماعة على لَجم عدوانها على اليمنيين في جبهات القتال، كما هو الحال في مأرب، رغم عدم تخفيف الحوثيين لنبرتهم العدائية في ردّهم على التصعيد الأمريكي الأخير. أما السيناريو البديل فيتمثل في لجوء الحوثيين إلى التصعيد، لكنهم سيجدون أنفسهم هذه المرة في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وليس فقط التحالف الذي تقوده السعودية.
في حين أن الضربات الأمريكية تأتي جزئياً كعقاب للحوثيين على استهدافهم وتعطيلهم حركة الملاحة في البحر الأحمر، إلا أنها تبعث برسالة إلى إيران – الحليف الاستراتيجي للجماعة – حيث قال الرئيس دونالد ترامب، بأن الولايات المتحدة ستُحمّل إيران مسؤولية ”كل طلقة يطلقها الحوثيون“ وتوعّد بعواقب وخيمة. إجمالاً، ستعكس الطريقة التي سيختار الحوثيون الرد بها – سواء كان ذلك من خلال مواصلة التصعيد (البحر الأحمر)، أو اختيار نهج آخر – مصالح طهران، وليس فقط مصالح صنعاء، لا سيما مع الأضرار الجسيمة التي لحقت بأصول إيران الاستراتيجية في المنطقة، حيث لم يتبق لمحور المقاومة التابع لها ساحة معركة بديلة سوى اليمن الذي يمكن أن يلعب دورًا فاعلا في حماية إيران، إذا نجح صناع السياسات الإسرائيليين والأمريكيين المؤيدين لاستخدام القوة في إقناع ترامب بضرب طهران وبرنامجها النووي.
يتطلع ترامب إلى إرساء قواعد اشتباك جديدة في اليمن، من خلال رفع التكلفة على الحوثيين. كان من الملاحظ نبرة الخوف والقلق هذه المرة في ردة الفعل الأولية للحوثيين، لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستذهب الولايات المتحدة في مواجهتها مع الحوثيين، ولو أن الأمر واعد بالتأكيد بالنسبة لخصوم الجماعة. فالعديد من الأطراف المناهضة للحوثيين باتت تشعر أن الكوابح السعودية التي قيدت المواجهة مع الحوثيين قد حلّت محلها أخيرًا اندفاعة واشنطن الجديدة في عهد ترامب.
إن استدامة هذا الزخم تعتمد على عدة عوامل رئيسية: أولها قدرة الولايات المتحدة على تحييد التهديد الحوثي في البحر الأحمر. منذ الحرب العالمية الثانية، تموضعت الولايات المتحدة باعتبارها الضامن العالمي لأمن الملاحة البحرية، وترتكز القوة العسكرية الأمريكية ونموذجها الاقتصادي على ضمان التدفق الحرّ للتجارة والشحن عبر البحار.
يتمثل العامل الثاني في مدى وضوح الرسائل الأمريكية إلى الشركاء الإقليميين بشأن التعاون الأمني ضد التهديدات المشتركة. أدار ترامب ظهره للسعودية في أعقاب الهجوم على مصفاة بقيق لتكرير النفط، وهو ما زعزع صورة الولايات المتحدة كحليف موثوق به، ولعلّ ذلك لعب دورًا حاسمًا في إضعاف عزيمة السعودية بمواصلة الانخراط في حرب اليمن.
العامل الثالث هو مدى التزام الولايات المتحدة بإضعاف أو تدمير آخر خط دفاع لإيران في المنطقة. يأتي الضغط الأمريكي الأخير في وقت حرج لإيران عقب التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا؛ وسيؤدي مزيج من الضربات العسكرية والاغتيالات والضغوط الاقتصادية إلى تعطيل قدرة الحوثيين على أعادة بناء قوتهم والتعافي من الخسائر والحفاظ على قبضتهم الحديدية على مفاصل السلطة في مناطق سيطرتهم، الأمر الذي سيجعل حُكمهم أكثر هشاشة.
يتمثل العامل الأخير في قدرة إدارة ترامب على ترويض النزعة الإسرائيلية لاستخدام القوة، من خلال التعامل مع التهديدات التي تواجهها، وفي نفس الوقت استيعاب ضغوط تل أبيب وحلفائها في واشنطن ممن يدفعون بجدية باتجاه شن هجوم مباشر على البرنامج النووي الإيراني. إن رغبة ترامب في التمايز عن إدارة بايدن، وتوظيفه للاتهامات التي طالت الديمقراطيين بتبنيهم لموقف ضعيف تجاه إيران وحلفائها، تزيد من مخاطر التصعيد حتى قبل أن تظهر أية مكاسب سياسية وأمنية لسياسته الجديدة تجاه اليمن.
الغارات والعقوبات الأمريكية تجرّ معها مخاطر جمّة على اليمن
يمثل قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية واستئناف الغارات الجوية الأمريكية في اليمن، فصلاً جديداً في الجهود الدولية الرامية لكبح جماح الجماعة والحدّ من قدراتها العسكرية، لكن الخطوتين تخاطران بإلحاق المزيد من الأضرار باقتصاد البلاد التي دمرتها الحرب ومفاقمة الأزمة الإنسانية، ولا تعدان بالكثير من حيث التأثير على ميزان القوى أو تحسين آفاق السلام، لا سيما مع غياب سياسة شاملة مكتملة الأركان للتعامل مع الملف اليمني.
تهدف الغارات العسكرية الأمريكية الأخيرة إلى تقويض قدرة الحوثيين على مواصلة هجماتهم ضد الملاحة التجارية في البحر الأحمر وضد القوات البحرية الأمريكية المتمركزة هناك. لقد أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أنه يرى الحوثيين كأحد أذرع شبكة إيران الأمنية في الإقليم، والتي تدهورت قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ على مدار الحرب في غزة، خاصة من خلال الاختراق السريع لحزب الله اللبناني وانهيار نظام الأسد في سوريا. تعطي الولايات المتحدة أولوية للدفاع عن إسرائيل وضمان عودة حرية الملاحة في أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، ولكن من المحتمل أن يكون هذا التصعيد الأمريكي مقدمة للمواجهة مع إيران، ربما بهدف إعادة التفاوض على الاتفاق النووي في ظل تراجع وضعف قدرة الردع لدى طهران.
إن السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب تنطوي على مخاطر جمّة بالنسبة لليمن، وسيكون من الصعب حصر تأثير وتداعيات العقوبات الجديدة خاصة وأن جماعة الحوثيين تسيطر على شمال البلاد المكتظ بالسكان، والذي لا يزال يضم جزءا كبيرا من البنية التحتية الاقتصادية والمالية للبلاد. يعتمد الاقتصاد اليمني الضعيف بشكل كبير على الواردات والتحويلات المالية ، وقد تواجه البنوك وغيرها من الكيانات المالية والتجار صعوبة كبيرة في التعامل مع القيود التي تفرضها العقوبات الأخيرة.
فضلا عن ذلك، يعاني نصف سكان البلاد من انعدام الأمن الغذائي، وبالتالي فإن أي تعطل في التدفقات التجارية والمالية يُهدد بمفاقمة الأزمة بوتيرة أسرع. ينبغي أخذ انخفاض المساعدات فعلياً من الجهات المانحة الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقلق المنظمات الإنسانية من الوقوع تحت وطأة العقوبات، ومن المخاطر والتهديدات التي قد يتعرض لها الموظفون المحليون، في الاعتبار. من المهم الإشارة هنا إلى أن الدعم السياسي لطالما كان ضروريًا للحفاظ على تدفقات المساعدات في ظروف وسياقات مماثلة، كما كان الحال تحت حُكم طالبان في أفغانستان أو حُكم حماس في غزة؛ ولم يتضح بعد ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية وكافية لضمان ذلك في اليمن.
من جانب آخر، تجازف العقوبات والضربات الجوية الأمريكية بتصعيد حوثي بالمقابل – ليس فقط في البحر الأحمر، بل ضد الحكومة اليمنية الضعيفة والمنقسمة، وداعمتيها – السعودية والإمارات. يمتلك الحوثيون ترسانة أسلحة كبيرة ومتنوعة، معظمها أسلحة إيرانية مهربة إلى جانب قدرة محلية متطورة الآن على تصنيع أسلحة نوعية. تعزّزت القدرات التسليحية للجماعة من الصواريخ والطائرات المسيرة على مدار فترة الصراع، مع تنامي قوتها العسكرية، وظلت قيادتها صامدة رغم سنوات من الغارات الجوية التي شنها التحالف بقيادة الرياض، ومؤخراً الغارات الأمريكية -البريطانية والغارات الإسرائيلية.
لقد ثبت مراراً أن مساعي تقويض وإضعاف قدرات الجماعة العسكرية وإرغامها على التخلي عن نزعتها الاستبدادية وطموحاتها التوسعية بحُكم البلاد، هو أكثر صعوبة مما كان متوقعاً. في العام الماضي، تحرّك البنك المركزي بعدن لعزل الحوثيين عن النظام المصرفي اليمني وعن الشبكات المالية الدولية، لتردّ الجماعة على الفور بالتهديد بشن هجمات ضد الحكومة اليمنية (غير المهيأة لِهكذا مواجهة)، وضد السعودية أيضاً. لا يُستبعد أن يلجأ الحوثيون لمثل هذه التهديدات مجددا – وربما لتنفيذها – في حال تزايدت عليهم الضغوط.
إجمالاً، لم يتضح حتى الآن نطاق تأثير وفعالية الغارات الجوية الأمريكية وطائلة العقوبات الجديدة عقب قرار التصنيف الأخير، لكن الانخراط الأمريكي يبعث بقدر من الأمل في التزام دولي أكبر بإنهاء الحرب اليمنية المستمرة منذ عقد من الزمن. في غضون ذلك، تُحكم سلطة الحوثيين قبضتها الحديدية على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ولا يوجد حاليا أطراف محلية قادرة على منافستها. إذا ما نظرنا إلى قرار التصنيف والضربات الأمريكية الأخيرة بمعزل عن طبيعة الجماعة، يمكن الخلاص إلى أنها تجازف بتعميق معاناة السكان المدنيين المحاصرين داخل اليمن، ولن تقرّب البلاد خطوة من تحقيق السلام.
قرار التصنيف والعمليات العسكرية لن تُحيّد تهديد الصواريخ الحوثية
مضى أكثر من عامين منذ أن دخل الصراع في اليمن مرحلة من الجمود إثر المحادثات الثنائية بين السعودية وجماعة الحوثيين، والتي أفضت إلى هدنة بين الجانبين. بذلت السعودية قصارى جهدها للحفاظ على الهدنة رغم الخروقات المتكررة من جانب الحوثيين، في إطار خُططها للخروج من مستنقع الحرب في اليمن، لكن خيارات الرياض ظلت محدودة بسبب ضعف وتشرذم حلفائها اليمنيين ممن أضاعوا كل الفرص التي وُضعت أمامهم، واختاروا الانغماس في نزاعات داخلية وتقويض بعضهم البعض، طمعاً في تحقيق مكاسب تكتيكية مؤقتة. من جهة أخرى، لم تتشجع السعودية على اتخاذ موقف أكثر حزماً بسبب تقاعس الولايات المتحدة في الدفاع عن المملكة، والذي تجلى في أعقاب الهجوم الحوثي على منشآت أرامكو النفطية عام 2019، إلاّ أن عمليات الحوثيين في البحر الأحمر خلال حرب غزة دفعت السعوديين إلى إعادة تقييم مقاربتهم تجاه الحرب في اليمن؛ بعد أن رأوا أن السلام مع الحوثيين خطوة غير مضمونة تحفها المخاطر، وبالتالي قرروا الاكتفاء بمراقبة الوضع الراهن طالما لا يوجد التزام ودعم موثوق به من قبل الولايات المتحدة – بما في ذلك توفير منظومة مضادة للصواريخ.
تتغير ديناميكيات الصراع في اليمن مرة أخرى مع القرار الأمريكي بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. أصبحت فرص بقاء سلطة الحوثيين (في إطار نموذج الدولة التي تطمح لها) موضع تساؤل اليوم، وهذا يفتح فرصة سانحة لخصومهم في الداخل، لكن مجلس القيادة الرئاسي (على الجانب الحكومي) لن يفوت فرصة لإهدار الفرص، حيث أظهر أعضاء المجلس حالة التشرذم التي يعيشها هذا الكيان، من خلال تقديم كل منهم نفسه على أنه الحليف الأفضل لمواجهة الحوثيين، وهو ما أثبت للسعودية وللولايات المتحدة أنه لا يوجد طرف محلي قادر على حمل راية المقاومة اليمنية ضد الجماعة.
يظل الهدف المرتجى بالنسبة للسعوديين هو الخروج من دوامة الصراع في اليمن، وتحويل كامل تركيزهم واهتمامهم إلى خطة التنمية الاقتصادية الطموحة المعروفة بـ ”رؤية السعودية 2030“، وبما أن السعودية باتت مقتنعة بأن مخاوفها الأمنية لن تهدأ بمجرد توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، قررت الانسحاب استراتيجيًا من المستنقع اليمني بالطريقة نفسها التي اعتمدتها عام 1970: أي من خلال الاعتراف بانتصار الطرف الذي يسيطر على العاصمة. جلّ ما يحتاجه السعوديون اليوم هو فرصة لإعلان السلام مع ذلك الطرف.
من جانبها، لطالما تعاملت الولايات المتحدة مع اليمن من خلال العدسة الأمنية السعودية؛ كان هذا هو الحال حتى اندلعت أحداث أكتوبر 2023، لتهيمن العدسة الأمنية الإسرائيلية منذ ذلك الحين. يتمثل الهدف الوحيد بالنسبة لإسرائيل في تحييد قدرات الحوثيين التسليحية من الصواريخ والطائرات المسيرة، مما يعني أنه أصبح أيضًا الهدف الرئيسي للولايات المتحدة حالياً. لا يغيب عن الأذهان بالطبع أن للجانب الأمريكي هدف آخر يتمثل في محاربة تنظيم القاعدة في اليمن، وهي حرب كان الحوثيون شريكًا تكتيكيًا للولايات المتحدة فيها منذ أن بدأوا زحفهم باتجاه صنعاء عام 2014.
من المهم الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن تقويض قدرات الحوثيين من الصواريخ والطائرات المسيرة بشكل تام؛ بل على العكس، سيصبح الاستحواذ على هذه القدرات أرخص وأسهل مع تطور التكنولوجيا. من جهة أخرى، قد يبرز خيار قصف واغتيال القيادات الحوثية كإجراء عقابي وانتقامي مُغرٍ، لكنه لن يحدّ من قدرات الجماعة بالدرجة المأمولة؛ حيث سيتم استبدال منصات إطلاق الصواريخ المدمرة، وستستمر قطع غيار الصواريخ والطائرات المسيرة في التدفق من إيران وعبر السوق السوداء.
بناء عليه، تبقى الصفقة السياسية الطريقة الوحيدة للتعامل مع قدرات الحوثيين الصاروخية وطائراتهم المسيرة، وهو مسار لا يزال مجلس القيادة الرئاسي بعيداً عنه. من المحتمل أن تضغط الولايات المتحدة – بعد جولات متعددة من القصف والتدمير – على السعودية لعقد صفقة مع الحوثيين، حتى لو كانت فرص صمود هذه الصفقة معدومة أمام اختبار الزمن. وإجمالاً، أي خطط استراتيجية تضعها الولايات المتحدة للمناطق الطرفية باليمن، مرهونة في نهاية المطاف بدورتها الانتخابية كل أربع سنوات.
قرار تصنيف الحوثيين وعدم اتساق السياسة الخارجية الأمريكية
نظرياً، يمكن اعتبار قرار إدارة ترامب بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية أداة مفيدة في سياستها الخارجية؛ ولكن عملياً، لا يبدو أنه كذلك، حيث تبرز ثلاثة أسباب قد تُنبئ بأنها لن تحدث الأثر المتوخى أو تسهم في احتواء الحوثيين ودحرهم، ألا وهي – افتقار الولايات المتحدة إلى سياسة متسقة ومتماسكة تجاه اليمن، وغياب سياسة متناغمة في الشرق الأوسط، والعجز البيروقراطي بشكل عام.
أولاً، يعتمد نجاح قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية على رفده بتدابير واجراءات أخرى تُتخذ بالتوازي، ولا سيما زيادة الدعم للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وكذلك زيادة المساعدات الإنسانية، لكن هذا الأمر غير وارد مع قيام إدارة ترامب بتجميد أو إلغاء عدد كبير من برامج المساعدات الأمريكية، على الجانبين التنموي والأمني. نتيجة لذلك، من المرجح أن تتضخم الآثار السلبية لقرار تصنيف الجماعة، خاصة وأنها تفرض قيودا على إيصال المساعدات الإنسانية والإنمائية. مع غياب جهود مستدامة تقودها الولايات المتحدة بالتعاون الوثيق مع السعودية والإمارات لتوحيد جبهة قوية ضد الحوثيين، سيبقى الحوثيون القوة السياسية والعسكرية المهيمنة في اليمن؛ ولن يؤدي استئناف أو تكثيف الغارات الجوية والضربات البحرية مع قرار تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية إلى تغيير هذا الواقع بشكل جذري.
ثانيًا، سيؤدي غياب سياسة خارجية متسقة ومتناغمة في الشرق الأوسط ككُل إلى عرقلة الجهود المتفرقة لاحتواء الحوثيين. لم يوضح الرئيس ترامب بعد ما إذا كان يسعى إلى الانخراط في محادثات مع إيران أو سيختار المواجهة المباشرة. قد تتماشى حملة الضغط القصوى التي يمارسها ترامب على الحوثيين وعلى إيران، في فترة ولايته الثانية، مع كلا التوجّهين: أي الضغط على إيران وشركائها في محور المقاومة كهدف في حد ذاته، أو الاستفادة من هذه الضغوط لانتزاع المزيد من التنازلات في نهاية المطاف. أيا كان الهدف النهائي المتوخى من قبل الإدارة الامريكية، من المستبعد جداً أن توافق إيران – ضمن أي إطار اتفاق جديد قد يُبرم مع الولايات المتحدة – على تقليص دعمها للحوثيين، ناهيك عن قطع علاقاتها بالجماعة. في غضون ذلك، تظل سياسة واشنطن في اليمن ثانوية – كما كان الحال تقليديًا – مقارنة بأولوياتها الأخرى في المنطقة.
ثالثًا، ستؤدي فوضوية وعدم ثبات توجهات إدارة ترامب بشكل عام إلى تقييد نطاق سياساتها الخارجية والحد من قدرتها على متابعة أهدافها العديدة المتعارضة (أو المتضاربة في أغلب الأحيان) بنجاح. إن الفوضى البيروقراطية بسبب طبيعة التمويل المطلوب وتغطية التكاليف المرتبطة بالجنود، إلى جانب غياب التنسيق والتواصل الفعال بين مختلف الوكالات الأمريكية، سيعيق أية مساعٍ لتبني سياسة متسقة ومتماسكة في اليمن.
من الناحية النظرية، يمكن القول بأن الولايات المتحدة لا تسعى وراء هدف خاطئ برغبتها في احتواء الحوثيين ودحرهم؛ لكن من غير المحتمل أن ينجح ذلك عمليًا، بل وقد يأتي بنتائج عكسية، خاصةً تداعياته على الوضع الإنساني ناهيك عن أنه سيزيد حتماً من جرأة الحوثيين.
قرار تصنيف الحوثيين قد يؤجج دورة العنف داخل اليمن
يعكس تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية الأهمية المتزايدة التي توليها واشنطن لليمن كساحة لتنفيذ سياساتها تجاه إيران، وكبح النفوذ الإيراني في المنطقة، لكنه لا يمثل بالضرورة مقاربة أمريكية استراتيجية لمستقبل اليمن، حيث سيبقى قرار التصنيف مرهوناً على الأرجح بتغير سلوك طهران، مما يجعله أساساً أداة للمساومة. من المحتمل أيضًا أن يعتمد النهج الأمريكي الجديد والحازم في اليمن، بما في ذلك الحصار الاقتصادي وتكثيف العمليات العسكرية المستهدفة للحوثيين، على سقف التصعيد الحوثي المضاد.
تكمن معضلة الحوثيين اليوم في ضعف قدرتهم على التكيف مع تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية. منذ العام 2018، أعادت الجماعة تصميم هيكلها الداخلي في محاولة للانتقال من تنظيم مسلح إلى دولة مؤسسية. مكّن هذا الأمر الحوثيين من التموضع كميليشيا وفي الوقت نفسه الالتحام في بنية الدولة، والاستفادة من مواردها دون الالتزام بأعبائها، وتطوير مشروعيتها السياسية بوصفها ”حكومة صنعاء“ وليس سلطة أمر واقع.
من المفارقة أن هذا النموذج الذي مثّل نقطة قوة للحوثيين خلال الحروب الهجينة ومسارات التفاوض السياسي، تحوّل اليوم إلى نقطة ضعف، فَحرص الحوثيين على اكتساب الاعتراف السياسي والتوسع اقتصادياً جعل شبكاتهم المالية أكثر انكشافاً، وفي مرمى العقوبات الأمريكية. الحوثيون ليسوا دولة قوية على غرار إيران أو كوريا الشمالية بحيث يمكنهم الصمود أمام العقوبات لمدة زمنية طويلة أو التحايل عليها بمساعدة حلفاء دوليين مثل روسيا والصين. في الوقت نفسه، لم يعودوا جماعة ثورية زاهدة قادرة على البقاء والتعايش بموارد محدودة أو في عزلة تامة عن النظام الدولي سياسياً ومالياً، على غرار تنظيم القاعدة أو داعش.
ينصب تركيز الولايات المتحدة الأساسي ببساطة على ردع إيران، باستخدام اليمن كساحة والحوثيين كذريعة. بالتالي، فإن أفضل نهج يمكن أن تتخذه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا هو الاستفادة من قرار تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية لتسريع تنسيقها الاقتصادي مع واشنطن، والدفع باتجاه مستوى أعلى من التعاون العسكري ضد الحوثيين.
تميل جماعة الحوثيين إلى التصعيد خارج حدود اليمن باعتباره الخيار الأكثر عائداً والأقل تكلفة، إلى جانب كونه وسيلة لتأكيد الدور الجيوسياسي الجديد للجماعة كلاعب إقليمي. اكتسبت الجماعة قدراً كبيراً من الثقة خلال حرب غزة من خلال هجماتها على إسرائيل واستهدافها حركة الملاحة في البحر الأحمر، وكذلك من طريقة إدارتها للحرب الاقتصادية مع الحكومة المعترف بها دوليًا خلال العام 2024، والضغط على البنك المركزي في عدن لإلغاء قراراته التي حاول من خلالها إرغام البنوك على نقل مراكزها الرئيسية من صنعاء.
مع تزايد الضغوط الأمريكية، قد يجد الحوثيون أنه من الأسهل التصعيد داخل اليمن، ويشمل ذلك شن هجوم بري كبير على مأرب أو القيام بعمليات محدودة في جبهات تعز والساحل الغربي ومحافظات جنوب اليمن، بهدف القضم التدريجي للمناطق. قد يلجأ الحوثيون أيضا إلى قصف أهداف مدنية للحكومة المعترف بها دولياً مثل المقرات الحكومية في عدن أو البنك المركزي أو المطارات أو الموانئ. بينما يبرز التصعيد محليًا كخيار أسهل، سيُكبد اليمنيين بالتأكيد المزيد من الشقاء والصعوبات فوق معاناتهم المستمرة.
قرار تصنيف الحوثيين مؤشر على التحوّل إلى الحلول العسكرية لاحتواء تهديدهم
من المنتظر أن يكون لقرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية تداعيات واسعة الأثر، وأن يؤدي التحول الجذري في نهج واشنطن تجاه الحوثيين إلى زيادة عُزلة الجماعة على الصعيد الدولي، وزيادة الضغوط على الوضع الاقتصادي المتردي أساساً في اليمن، لا سيما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. من جانب آخر، قد يعمّق قرار التصنيف حالة الاستياء الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع الرواتب، ويغذي الغضب المتنامي تجاه الحوثيين حيث يقتنع الكثيرون بأن الجماعة تُلقي بالبلاد في براثن صراعات مدفوعة بطموحاتها الأيديولوجية والسياسية.
على المستوى الاقتصادي، من المرجح أن يؤدي قرار التصنيف إلى تقييد الواردات إلى مناطق سيطرة الحوثيين، خاصة عبر الموانئ التي تسيطر عليها الجماعة في الحديدة، ما يعني تعطيل تدفق إمدادات الوقود والواردات الغذائية. في المقابل، ستصبح الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة نقاط الدخول الرئيسية للبضائع إلى اليمن، مع إمداد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين براً عبر خطوط التماس. سيؤدي هذا الوضع إلى فرض رسوم جمركية إضافية، تشمل الرسوم الجمركية المفروضة من الحكومة المعترف بها دولياً على البضائع الواردة عبر الموانئ البحرية، والرسوم التي يفرضها الحوثيون عند نقاط التفتيش الواقعة بين المناطق الداخلية. بعبارة أخرى، ستؤدي هذه الضريبة المزدوجة إلى زيادة الأسعار وتفاقم معدلات التضخم المرتفعة أساساً، وهو ما سيفرض أعباء أكثر على كاهل السكان.
على الصعيدين السياسي والعسكري، قد يدفع قرار التصنيف الحوثيين إلى مزيد من التصعيد، إما عن طريق تكثيف هجماتهم في البحر الأحمر أو هجماتهم ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة. لا يُستبعد كذلك استئناف هجماتهم ضد الدول المجاورة، في ظل تنامي النبرة العدائية للجماعة في الأسابيع الأخيرة. فضلا عن ذلك، قد يدفع قرار التصنيف جماعة الحوثيين إلى التقرب من دول أخرى تربطها علاقة ندّية مع الولايات المتحدة، مثل إيران وروسيا والصين.
بشكل عام، يُظهر تباين موقفي إدارتي بايدن وترامب فيما يخص قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، غياب نمط متسق في نهج السياسة الخارجية الأمريكية. تميل الإدارات الأمريكية إلى استخدام مثل هذه التصنيفات كأدوات سياسية تتماشى مع الأولويات المحلية والديناميكيات والمصالح الحزبية، بدلاً من الاستجابة للأزمات السياسية بصورة مدروسة. يشير إدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب الأمريكية ومن ثم رفعهم من القائمة منذ العام 2021، وحتى الآن – مع تفاوت مستويات العقوبات المفروضة عليهم – إلى غياب استراتيجية أمريكية متسقة ومتماسكة تجاه اليمن. في هذا الصدد، كان من اللافت غياب أية إشارة إلى الصراع الداخلي الدائر في اليمن في القرار التنفيذي الأخير الذي وقعه ترامب بتصنيف الجماعة.
فضلا عن ذلك، يشير قرار التصنيف الأخير إلى تراجع ثقة الولايات المتحدة بجدوى الانخراط دبلوماسياً في اليمن، وإلى تحول واضح نحو الحلول العسكرية، وهو ما يتأكد من الضربات الأمريكية الأخيرة على مناطق سيطرة الحوثيين، ومن خطاب ترامب شديد اللهجة. في المقابل، قد يؤدي ذلك إلى عودة الثقة لدى الحلفاء الخليجيين وشركاء الولايات المتحدة الآخرين؛ خاصة بعد تعليق الرئيس السابق جو بايدن – خلال عامه الأول في منصبه – بيع الأسلحة الهجومية إلى السعودية بشكل مؤقت، وقيام إدارته بسحب بطاريات صواريخ باتريوت، وإلغائها صفقة بيع أسلحة مع الإمارات شملت مقاتلات من طراز إف – 35.
أخيراً، يفتح قرار تصنيف الحوثيين المجال أمام مرحلة جديدة من التوترات العسكرية والاقتصادية في اليمن، والأيام كفيلة بأن تظهر ما إذا كانت واشنطن ستُفلح في إضعاف قدرات الحوثيين من خلال ممارسة هذه الضغوط، بدفعهم إلى طاولة التفاوض وفق شروط جديدة، أم أنها ستؤدي إلى انزلاق اليمن والإقليم إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.