إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

خطاب الباحثة بشرى المقطري بمناسبة فوزها بجائزة بالم لحرية الصحافة والتعبير

Read this in English

الأصدقاء القائمون على جائزة يوهان فيليب بالم لحرية الصحافة والتعبير المحترمون

من قلبي أشكركم على منحي شرف الحصول على جائرة (يوهان فيليب بالم لحرية الصحافة والتعبير) هذا العام، انا والصديق الصيني، الناشر “غوي مينهاي“، الذي أتمنى من السلطات الصينية إطلاق سراحه، وأن يرى الحرية قريبًا، وكل المعتقلين في سجون أطراف الحرب في بلادي.

أصدقائي

كنتُ أتمنى أن يُعقد الحفل في مدينة برلين، وأكون حاضرة مع صديقي “غوي”، في هذه المناسبة العظيمة، لكن بسبب اجراءات فيروس كورونا، الذي حال دون سفري، وكذلك اقامتكم للحفل افتراضيًّا، لكني آمل فقط أن تكونوا بصحة وأن تُطوى محنة كورونا، ويتنفس العالم من جديد.

أصدقائي

لقد تفاجأتُ كثيراً بحصولي على الجائزة، لأن الكتاب والصحفيين اليمنيين الذين يعيشون في اليمن هم بعيدون عن دائرة الضوء، رغم أنهم يواجهون الكثير من الصعاب والمخاطر اليومية، لذلك أراني محظوظة بهذا التكريم، لقد وصلني خبر حصولي على الجائزة من الصديقة الصحفية مونيكا بوليجرز، والتي أشكرها كثيرًا لأنها لعبت دور جبار في موضوع ترجمة كتابي “ماذا تركت ورائك.. أصوات من بلاد الحرب المنسية” للغة الألمانية، وأشكر أيضا المترجمة صديقتي ساندرا هيتسل، والناشرة سيلفي هورخ من دار نشر أيكون.. ووكيلتي الأدبية نينا سيلم، كما أشكر الصديقة آنيت كرونرت والبروفيسور أولريخ بالم وفريق المؤسسة والصحفية الألمانية كريستيانة شلوتسير، التي اقترحت اسمي للجائزة.

أصدقائي

إن الوضع الذي نعيشه في اليمن، وأقصد من تبقى من الكتاب والصحفيين صعب وقاس جدًا، لأنك عندما تكتب يقوم أطراف الصراع والإعلام التابع لهم بتهديدك وتشويهك، لذلك يعاني الكتاب كثيرًا والصحفيون، هناك كتاب وصحفيون فقدوا أرواحهم في الحرب وهم يكشفون حقيقة جرائم أطرافها، لذلك نحن نتحرك في مساحة ضيقة جدًا، ويظل الخوف من التعرض للتهديد والاعتقال، وأيضًا التشويه والاستهداف المعنوي يطال كل من يدين أطراف الحرب من الكتاب والصحفيين ويكشف جرائمهم.

فعلى امتداد سنوات الحرب، استُهدف الكتاب والصحفيين من قِبل أطراف الحرب، حيث لا يزال يقبع في سجون جماعة الحوثي العشرات من الصحفيين، بعضهم حُكم عليه بالإعدام، وفي حين أفرجت سلطات الحوثي عن أربعة صحفيين، لا يزال الصحفي توفيق المنصوري قابعًا في السجن منذ أكثر من خمس سنوات، حيث تدهورت حالته الصحية مؤخرًا، لكن سلطات الحوثي ترفض الإفراج عنه، وعن العشرات من الصحفيين المعتقلين في سجونها منهم الصحفي سلطان أحمد قطران الذي يقبع في سجون الحوثي منذ ثلاث سنوات.

وفي محافظة حضرموت، لا يزال الصحفي عبدالله بكير، معتقل منذ ثلاثة أشهر في سجن الأمن السياسي بالمكلا، وفي مأرب، الخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًّا، لا يزال الصحفي محمد علي المقري، مُعتقل منذ سنوات، وقبل أشهر، اعتُقل الصحفي الشاذلي سعيد في سجن تابع لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة لحج، وقبلها عُذب الصحفي أصيل سويد في سجن يتبع المجلس الانتقالي في محافظة لحج، وقبلها سُجن المصور الصحفي رضوان الحاشدي في سجون مدينة مأرب، وقبلها بأسابيع، اعتُقل الناشط عمر منه في محافظة ذمار من قِبل سلطات جماعة الحوثي لأنه كتب منشورًا على الفيسبوك، وقد اعتُقل مرتين وأُفرج عنه.

ومطلع هذا العام قُتل المصور الصحفي نبيل القعيطي في مدينة عدن من قِبل مسلحين، أكاديميين أيضًا تعرضوا للاعتقال، منهم الدكتور عدنان الشرجبي أستاذ علم النفس في جامعة صنعاء، اعتُقل من قِبل سلطات جماعة الحوثي في صنعاء، لأكثر من شهر، وبعد خروجه من المعتقل بأيام قليلة توفي جراء مضاعفات السجن والقهر والتعذيب، وكثير من المعتقلين توفوا جراء التعذيب، ولا يزال الدكتور حميد عقلان رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا في سجون جماعة الحوثي في صنعاء.

ما أقصده أن الكتابة في اليمن والتي تستهدف كشف جرائم أطراف الحرب، هي مثل قطع تذكرة للموت، وعندما يستمر كثير من الكتاب والصحفيين اليمنيين في كشف جرائم الحرب، فإن النجاة مسألة حظ لا أكثر في ظل بيئة غير آمنة للكتاب والصحفيين، وأيضًا لليمنيين عمومًا.

أصدقائي

عندما كتبت كتاب الضحايا، كان أملي أن يعرف العالم أن أطراف الحرب تمارس جرائم بشعة بحق اليمنيين، هي ضليعة بانتهاكات جسمية من قتل واغتصابات وقتل خارج القانون وجرائم منظمة، لكن ما يزال القتل هو السردية اليومية التي يعشها اليمنيون، فقد قُتل في غضون أسبوع فقط أكثر من خمسين مدنيًّا بقصف مليشيات الحوثي في مدينة تعز والحديدة، بالإضافة إلى عشرات الضحايا جراء الألغام التي زرعتها المليشيات في مدينة الحديدة ومأرب والجوف.

كما قُتل مدنيون بسبب غارات طيران التحالف السعودي الإماراتي أو ما يُعرف بالتحالف العربي في مناطق حدودية، بالإضافة إلى الاغتيالات في معظم المدن اليمنية، وكذلك القتل والتمثيل بالجثث، آخرها قتل الدكتور أصيل الجبزي في مدينة تعز من قِبل قوات حزب التجمع اليمني للإصلاح، المعروف بالإخوان المسلمين، لقد مثلوا بجثته، فيما يستمر القتل والتصفيات الجسدية والإعدامات خارج القانون بين الفصائل المتصارعة في مدينة تعز وشبوة وأبين وصنعاء وغيرها من المدن اليمنية، فيما يتحمل المدنيون الأبرياء وحدهم ثمن الحرب والاقتتال والعنف الممنهج.

أصدقائي

هناك طبقات أخرى يتحرك وفقها الكتاب والصحفيون الذين يعيشون في اليمن، منها الوضع الإنساني القاهر الذي يعاني منه اليمنيون، اذ أن كلمة مجاعة، تظل كلمة مجردة، لا معنى لها، ولا تعكس ما يعانيه اليمنيون.

لقد تضاعفت الأزمة الإنسانية بعد نقل البنك المركزي من صنعاء من قِبل السلطة الشرعية إلى مدينة عدن، في سبتمبر ٢٠١٦، والآن هناك أكثر من مليون موظف يمني في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي محرومون من رواتبهم، وحقهم في الحياة، يموتون دون أن يتمكنوا من شراء العلاج.

لقد حولت أطراف الحرب الاقتصاد إلى سلاح ضد المواطنين الأبرياء بعد أن نهبت موارد الدولة لصالحها وصالح شبكات الحرب التي تتغذى على إفقار اليمنيين، فيما يجوع الملايين، لقد مات كثير من اليمنيين بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وكذلك الوضع الصحي، لقد ماتت ابنة عمي في مدينة تعز لأنها لم تجد علاج الأنسولين، وماتت ابنة خالتي بسبب حمى موسمية، ولأن المنطقة التي تعيش فيها في مدينة الحديدة؛ لا توجد مستشفيات مؤهلة، وفي صنعاء مات صديقي الصحفي بشير السيد، لأنه لم يحصل على علاج جيد في المستشفى.

أصدقائي

الفقر في اليمن سياسة ممنهجة، مفروضة من قِبل سلطات الحرب، فيما يتنامى اقتصاد الحرب في اليمن، اقتصاد الحرب في صنعاء الخاضعة لمليشيات الحوثي، وفي العواصم العربية والاقليمية الموالية للجماعة في دمشق وطهران وبيروت، واقتصاد الحرب التابع للسلطة الشرعية في المدن اليمنية الخاضعة لهم، وفي القاهرة والأردن، والعواصم الأوربية، وهناك اقتصاد الحرب التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة القاهرة وأبو ظبي وغيرها، وهناك اقتصاد حرب التابع لحزب الإصلاح، أكبر الأحزاب التابعة للسلطة الشرعية، والمسيطر على المؤسسة العسكرية، في قطر وتركيا وماليزيا.

إن جميع أطراف الحرب في اليمن وقبلها القوى الدولية التي تنظر لليمن كسوق سلاح، وكساحة خلفية للصراع السعودي-الإيراني هي المستفيدة من استمرار الحرب في اليمن، وتأبيد معاناة اليمنيين.

أصدقائي

إن قرار الحرب كان قرارًا يمنيًّا، وذلك عندما قامت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران والقوات التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح بالانقلاب على السلطة الشرعية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها، وبعد أن قام الرئيس عبدربه منصور هادي باستدعاء السعودية والإمارات، أي دول التحالف العربي، لدعمه في حربه ضد الحوثيين وصالح، تحوّلت الحرب إلى حربٍ إقليمية، لكن بعد ست سنوات من الحرب، لم يعد الحرب بيد هذه القوى المحلية التي تموّلها قوى إقليمية، إيران تدعم جماعة الحوثي، والإمارات تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وقطر وتركيا تدعم حزب الإصلاح، الإخوان المسلمين، والسعودية تدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا، لكن هذه الأطراف لم يعد قرار الحرب بيدها، وإنما بيد القوى الكبرى التي تُنمّي الحرب في اليمن وتغذيها من أجل عقد صفقات السلاح.

من المحزن واللاإنساني واللاأخلاقي أن تستمر إبادة اليمنيين من أجل مصالح القوى الدولية والإقليمية.

أصدقائي

إن مسؤولية الكاتب في بدان الحروب هو أن يبقى شاهدًا على ما يحدث في واقعه، وأن يؤرّخ الفظاعة والرعب والموت وسردية الحياة اليومية في ظل الحرب بكل قهرها وبشاعتها، ويحاول أن يكتب ما يراه لكي يصل أصوات المواطنين البسطاء الذين تجاهلهم أطراف الصراع والقوى الدولية إلى العالم، لكن على كل الكتاب والمثقفين الإنسانيين في اليمن وألمانيا وكل دول العالم، أن يرفعوا أصواتهم لوقف الحرب في اليمن، صحيح أنه في الأخير ستتوقف الحرب اليوم أو غدًا، لكن كل دقيقة تمر في اليمن، يموت اليمنيون بالقتل والجوع والاغتيالات والانفلات الأمني والكراهية ودورات العنف المتعاقبة.

أصدقائي

نحن نؤجل حياتنا حتى تنتهي هذه الحرب ولا أعرف متى يكون ذلك، لكن يظل لدينا أمل أن نرى السلام قريبًا، ويعود أصدقاؤنا اليمنيين في الشتات إلى بلادهم، وأن يتنفس ذوي الضحايا ويبكون على موتاهم، ويدفنونهم بشكلٍ لائق، ويحصلون على العدالة، لكن الآن ليس هناك شيء عدا الحرب، نحن نعيش زمن الحرب والموت والرعب والقتل والخوف والقهر النفسي، نريد أن نعيش ونستعيد حياتنا الآدمية، نحن نستحق ذلك، لقد تعبنا من كل هذا الموت الذي لا يتوقف.

أصدقائي

شكرًا لكم مرة أخرى على تشريفي بجائزتكم، وآمل أن يحلّ السلام في اليمن والعالم.

السلام لكل ضحايا الحرب في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وفلسطين، السلام لضحايا الانفجارات في بيروت، السلام لضحايا فيروس كورونا والأوبئة في كل العالم.

الحرية لصديقي غوي مينهاي، ولكل المعتقلين في سجون بلادي من قِبل أطراف الحرب.

قبلات كثيرة.

بشرى المقطري.

صنعاء.

٥ ديسمبر ٢٠٢٠

بشرى المقطري هي باحثة في مركز صنعاء، وهي كاتبة وباحثة يمنية حاصلة على الليسانس في التاريخ من جامعة تعز. نشرت مقالاتها في العديد من الدوريات والصحف العربية والدولية، من بينها، صحيفة العربي الجديد، والنيويورك تايمز، والبيت الخليجي للدراسات والنشر. كما ألفت المقطري دراسات عدة حول الثورة اليمنية واليسار اليمني، ومن أبرز مؤلفاتها رواية “خلف الشمس” الصادرة عن المركز الثقافي العربي، وكتاب “ماذا تركت ورائك.. أصوات من بلاد الحرب المنسية” الذي تمت ترجمته للألمانية، وكتاب مشترك مع المفكر اللبناني فواز طرابلسي يحمل عنوان “جنوب اليمن في حكم اليسار”. حازت المقطري على عدة جوائز دولية، من بينها جائزة فرانسواز جيرو للدفاع عن الحقوق والحريات.

خطاب الباحثة بشرى المقطري عند استلامها جائزة بالم لحرية الصحافة والتعبير | مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية

خطاب الباحثة بشرى المقطري بمناسبة فوزها بجائزة بالم لحرية الصحافة والتعبير

مشاركة