إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

مركز صنعاء في 2021: استرداد مستقبل اليمن

Read this in English

أصدقاؤنا الأعزاء،

نحتفل هذا العام بمرور عشر سنوات على الربيع العربي. بالنسبة لنا في مركز صنعاء، كانت تلك اللحظة التاريخية هي عندما أدركنا وجود بعضنا البعض، وأفكارنا وتطلعاتنا، والأهم من ذلك، أحلامنا المشتركة لليمن والعالم، وهي أيضًا عندما أدركنا حقيقة أننا مختلفون وطموحون، وهي في الواقع مصدر قوتنا كجيل بأكمله. لم يكن الربيع العربي نقطة تحول بمسيرتنا كأفراد وحسب، بل كان أيضًا ما ألهمنا لتأسيس مركز صنعاء، واليوم، ما يزال الشعلة التي توقد فريق عملنا، وهو حجر الأساس الذي نستند إليه لنمهِّد الطريق لكي يكون بوسع الأجيال القادمة متابعة النضال نحو يمن وعالم أفضل.

على مدار العقد الماضي، كان إحداث التغيير عبر الأبحاث المستقلة وتوفير منصة للأصوات اليمنية في صميم عملنا ودافع نمونا كمنظمة وكأفراد على حد سواء. خلال هذا العام، وصل عدد أعضاء فريق عملنا إلى حوالي 100 موظف بدوام كامل، يديرون 15 برنامجًا في جميع أنحاء اليمن والعالم. وبالرغم من أننا تجاوزنا المرحلة التي تُعرِّف بها الأرقام عملنا، إلا أننا نتذكر دومًا أن مصدر قوتنا هو فريقنا المتنوع والمتفاني.

وعبر صياغة السردية حول اليمن؛ فإننا نستعيد قصة اليمن من أمراء الحروب والميليشيات والأنظمة الفاسدة والقوى الأجنبية الذين تفرّدوا بروايتها كل على هواه ومصالحه. كما أن التزامنا بالإنتاج المعرفي المحلي يتحدى الأطر الدولية العنصرية وعلاقات القوة غير المتكافئة. وإذا كان العقد الماضي قد علّمنا أن نهجنا الجريء وغير التقليدي هو الطريق الصحيح نحو تحقيق أهدافنا، فإن العام الماضي تحديدًا رسّخ قناعتنا بنموذجنا وطريقة عملنا؛ إذ أثبت أن اعتمادنا على القيادة والملكية المحلية هو منهج مستدام مع تفشي وباء كورونا الذي شلّ حركة العالم والاقتصاد العالمي، إذ أنتجنا 83 منشورًا عام 2020، بزيادة قدرها 39٪ مقارنة بخمسين منشورًا عام 2019.

في الوقت الذي اجتاح فيه فيروس كورونا العالم، كثّفنا الاستثمار في مكاتبنا المحلية وباحثينا، إذ فتحنا مكاتب جديدة في مأرب، وشبوة، وعدن، وتعز، كما أدخلنا المزيد من التكنولوجيا الجديدة في عملنا لمساعدة شبكة موظفينا عبر اليمن لجمع المعلومات وسد فجوات البحث. وبفضل أكثر من 40 منسّقًا وباحثًا وموظفًا ومساعدًا، أصبح بوسعنا جمع واستخدام المعلومات بسرعة فائقة لفهم التطورات عبر أنحاء اليمن والتأثير عليها وصياغة مساراتها.

كما عملنا على رقمنة بعض مشاريعنا التي لم تكن قد اعتمدت هذه التقنية بالكامل، ما ساعدها على النجاة والاستمرار بعملها خلال تفشي الوباء، وفي نفس الوقت ساهم في توسيع حضورها وتعزيز أهميتها. على سبيل المثال، انتقلنا أيضًا إلى عقد مؤتمرات برنامج التبادل المعرفي اليمني -دورات مكثفة حول اليمن- عبر الانترنت، ما مكننا من استضافة متحدثين لم يكن بوسعنا استضافتهم لو عقدنا دوراتنا كالمعتاد؛ لعدم قدرتهم على الحضور، كما وسّع ذلك عدد الخريجين إلى 150 خريجًا وخريجة، أكثر من عدد جميع المشاركين في المؤتمرات الخمسة السابقة.

وبالمثل، قمنا بتحويل مبادرة إفطار اليمن الإعلامي إلى برنامج اليمن في الإعلام الدولي الذي يُعقد افتراضيًّا، مما سمح لمئات الصحفيين من جميع أنحاء العالم بالانضمام، إذ كانت أعداد المشاركين محدودة حين عُقدت الجلسات سابقًا في بيروت. بدأنا العام الجديد بلقاء مع رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك سعيد عبر تقنية الفيديو كونفرانس. وعلى المستوى الإعلامي أيضًا، نحن فخورون بأننا ما نزال نلعب دورنا كعين الصحافة الدولية التي ليس بوسعها الوصول إلى اليمن. يلعب خبراؤنا وفريقنا الرقمي دورًا مهمًا في تأمين القدرة على الوصول إلى المعلومات وتوفير إضاءات للصحفيين الدوليين ومساعدتهم على التحقق من قصصهم فيما يخص اليمن. ولهذه الغاية، نظمنا زيارةً أخرى إلى اليمن عام 2020 لوفد من الصحافة الدولية من جميع أنحاء العالم. نحن ممتنون لجميع هؤلاء الصحفيين الذين يواصلون المخاطرة بحياتهم لمساعدتنا في سرد قصة اليمن، التي تصدّرت مواضيعها من البيئة والسياسة إلى الجيش والحروب بالوكالة والقات والعسل الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية.

كما أطلقنا برامج وسلسلة منشورات جديدة خلال العام الماضي. سوف يستكشف أحدث برامجنا –المساعدات الإنسانية وآثارها على الاقتصاد الجزئي والكلي في اليمن– مدى كفاءة الاستجابة الإنسانية في اليمن. كما سنعمل بالشراكة مع مبادرة الإصلاح العربي وشركاء استثنائيين من جميع أنحاء المنطقة بما في ذلك لبنان وليبيا وسوريا وفلسطين على تعزيز إشراك النساء الناشطات في بناء السلام، وتمكين الجيل القادم من القيادات النسائية في مجال العلوم الاجتماعية. نحن ننظر إلى مثل هذه الشراكات على أنها خطوة طبيعية وأساسية يجب علينا أخذها تجاه “الإقليم المجاور” بعد أن رسّخنا وجودنا وأهميتنا في شؤون اليمن.

كما نعمل من خلال برامج الإرشاد والتدريب على تزويد الشباب اليمني الصاعد بأكثر المهارات أهمية -القدرة على طرح الأسئلة النقدية- ونحاول المساعدة في ملء الفراغ الذي خلّفه تدمير كليات العلوم الاجتماعية في اليمن بسبب الحرب. تستمر مبادرة منتدى سلام اليمن التي تهدف إلى تمكين الجيل القادم من الباحثين في اليمن بالنمو. بالإضافة إلى ذلك، طوّرنا، تحت إشراف الدكتورة سارة فيليبس وإدارة الأبحاث في المركز، برنامج زمالة للباحثين والكتَّاب اليمنيين.

ونخطط عبر مركز صنعاء في جنيف إلى توسيع جهود الإرشاد هذه، لتشمل دولًا أخرى في المنطقة خلال الأعوام القادمة؛ حيث نعمل على تطوير مركز صنعاء في جنيف -الذي أُسس عام 2019- إلى منصة لنسخ وتصدير نموذجنا في الإنتاج المعرفي إلى دول أخرى، لا سيما تلك المتأثرة بالنزاعات. ينضم إلينا لتحقيق هذا الهدف إيف داكور، المدير العام السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي ستساعدنا خبرته الواسعة على الاستمرار في تدارك ومواجهة الاختلالات المتعلقة بالإنتاج المعرفي وتصديرها بفاعلية كأداة لمواجهة الأنظمة والهياكل السياسية المختلّة. ما يحفزنا ويدفعنا نحو هذا المسعى هو إيماننا بأن المعلومة والمعرفة هي مصدر قوة هائل خاصة في الوقت الذي اجتاحت فيه المعلومات المضلّلة وسوء استخدام الحقائق اليمن والعالم.

وبالإضافة إلى مركز صنعاء في جنيف، سجلنا عام 2020 فروعًا شقيقة لمركز صنعاء في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وما يزال مركز صنعاء في اليمن المظلّة الأم لهذه الكيانات.

في بعض الأحيان، بدت السنوات العشر الماضية كأنها دهر من الزمن؛ عندما ننظر -نحن الذين صعدنا عام 2011- في المرآة، ليس بوسعنا سوى ملاحظة الشيب الذي غزا شعرنا لنتذكر أنه في حين حققنا الكثير وكبرنا، فإن عدد الرفاق القدامى الذين بدأوا هذه الرحلة معنا أصبح أقل؛ بعضهم قُتل، وبعضهم نجحت الكثير من الأطراف في استمالتهم واستقطابهم وبعضهم أسكت الخوف أصواتهم.

لقد ابتُليت أوطاننا بالمليشيات المحلية، والحكومات الفاشلة والمخزيّة، ونخب جشعة وانتهازية، وإسقاطات مدمرة للنفوذ من قِبل القوى الأجنبية والحروب بالوكالة. إننا نرى ونعيش كل ذلك، لذا نحن في المقام الأول وقبل كل شيء، ممتنون في كل حين كوننا ما زلنا على قيد الحياة، وممتنون لنعمة الاستيقاظ كل يوم لنمارس عملًا يجمع ما بين مهاراتنا وروحنا وشغفنا. وبالفعل، ليس هناك أي مهمة أصعب أو أكثر تعقيدًا من عكس روح (روح الربيع العربي في حالتنا) في نص أو آلية أو برنامج. نحن ممتنون وشكورون للغاية لأننا لدينا الفرصة لنستمر في السعي نحو ذلك بالرغم من كل شيء حولنا.

في مركز صنعاء، يعود الفضل لما أنجزناه ولتحلينا بالصبر الاستراتيجي إلى فريق عملنا في اليمن وفي أنحاء العالم. هم والله وحده يعلمون ما الذي يتطلبه الأمر ليس لمواصلة عملنا وحسب، ولكن أيضًا لتنمية وتوسيع نطاق مهامنا وخيالنا. ففي بعض الأيام، يستيقظ باحثونا الميدانيون وهم غير متأكدين ما إذا كانوا سيعودون إلى منازلهم في نهاية اليوم أم سينتهي بهم المطاف في السجن أم يلقون حتفهم. إن التزامهم بإنجاز أبحاث مستقلة بالرغم من المخاطر الجمّة التي يواجهونها في واحدة من أكثر الأماكن دموية في العالم هو فعلًا مصدر إلهام ومحط تقدير وإعجاب. يتخذ موظفونا وخبراؤنا الدوليون المقعد الخلفي دائمًا؛ إذ أنهم يؤمنون بالفعل في أهمية الملكية والقيادة المحلية للسرديات والأفكار. شركاؤنا ومانحونا تكيّفوا بسرعة مع نموذجنا وصيغنا غير التقليدية في التفكير والعمل. نحن ممتنون لذلك. وطبعًا نتقدم بجزيل الشكر إلى أعضاء الهيئة الاستشارية لمشورتهم وتوجيههم على مر السنين.

وأخيرًا، شكرًا لقرائنا، دائمًا. نتطلع قُدمًا إلى عام مثمر.

فريق مركز صنعاء

مشاركة