عانت الأقليات العرقية والدينية في المجتمع اليمني من التهميش بشكل مستمر عبر مختلف الفترات، سواء تلك التي ساد خلالها التسامح أو طغى فيها الاضطهاد. لكن هذا العنف والقهر الممارس ضد هذه المجموعات المهمشة ازداد بشكل دراماتيكي خلال الصراع الحالي لدرجة أنه بات في الواقع يعيد تشكيل المجتمع. ولكي يبقى اليمن كما نعرفه، لا بد من ضمان لوجود أقلياته إذ أن جزءًا جوهريًّا من تشكيلة الأمم والأوطان يموت حين تندثر الأقليات.
لعب اليمنيون اليهود، الذي يعود تاريخ تواجدهم في البلاد إلى آلاف السنين، دورًا تأسيسيًّا في تطوير الثقافة والتجارة وأنشأوا أغلب الصناعات الحرفية التي يشتهر بها اليمن. وفي حين أن عددهم أخذ بالانخفاض خلال العقود الماضية، إلا أن الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد جماعة الحوثيين المسلحة عقب استيلائها على صنعاء عام 2014 دفع -تقريبًا- كل ما تبقى من العائلات اليهودية إلى المنفى، الأمر الذي أطفأ جزءًا من روح اليمن. وعلى نحو مماثل، كما يفصّل هذا التقرير الذي نشره مركز صنعاء مؤخرًا، فإن أفراد الطائفة البهائية في اليمن يتعرضون للإلغاء وبوتيرة سريعة نتيجة حملة ممنهجة عليهم من قِبل جماعة الحوثيين، وهي حملة قائمة على تشويه السمعة والافتراء.
أما طبقة المهمشين -وهي طبقة عرقية دنيا يطلق عليها أيضًا اسم الأخدام- استُغلت من جميع أطراف النزاع المتحاربة. وكما يفصّل تقرير آخر لمركز صنعاء، عمد الحوثيون وخصومهم إلى تجنيد شباب المهمشين للمشاركة في القتال على الجبهات. وفي الوقت نفسه، تحرم الأطراف المتحاربة، بشكل منتظم، وصول جميع المهمشين المصابين إلى الرعاية الصحية والحصول على التعويضات المالية، كما تزيل أسماء أسرهم من لوائح المستفيدين من المعونات الإنسانية الدولية.
على المجتمع اليمني أن يدرك ويواجه هذه الممارسات القائمة على عدم التسامح والتعامل معها بجدية. لا يجب أن يُحرم أي يمني -بغض النظر عن الدين، والعرق، والجنس، والتوجه الجنسي أو غيره- من الحقوق القانونية والحماية الاجتماعية. ذلك القبول المذهل والمتحرر للاختلاف الذي شهده اليمن بين أبنائه من مختلف الخلفيات في شوارع وساحات البلاد خلال ثورة عام 2011، هو في الواقع دليل صارخ على أن المجتمع اليمني قادر على ما هو أفضل.
لطالما عانت المجموعات المهمشة من الاضطهاد في اليمن، غير أن الحرب الحالية أعادت محنتهم إلى الواجهة بشدة. ففي حين يعاني جميع اليمنيين تقريبًا من النزاع، إلا أن معاناة المجموعات المهمشة والضعيفة أمسى تهديدًا وجوديًّا عليهم. على الأطراف الفاعلة اليمنية والإقليمية والدولية أن تأخذ خطوات حاسمة لحماية هذه الفئات الضعيفة. ولكي تنجح أي جهود وساطة بقيادة الأمم المتحدة في التوصل إلى سلام عادل، على المبعوث الأممي الخاص الجديد أن يسعى أيضًا إلى إدراج خطوات تحمي مجتمعات اليمن المهمشة ضمن مسار السلام.
ظهرت هذه الافتتاحية في التقرير الشهري “عين على الشرق” – تقرير اليمن، يونيو/حزيران 2021.