افتتاحية مركز صنعاء
شهد شهر مارس / آذار ذكرى مرور أربع سنوات على قيام السعودية والإمارات بقيادة تحالف من الدول العربية للتدخل عسكرياً في اليمن، وكانت عواقب النزاع المستمرة في جميع أنحاء البلاد، مأساوية إلى أقصى حد، حيث يدرك اليمنيون والمراقبون جيداً كيف أودت الحرب والانهيار الاقتصادي بجميع هياكل المجتمع ودفعت ملايين السكان إلى حافة المجاعة.
ثمة اعتداء ثانٍ على اليمن تشارك فيه السعودية، لكنه يمر دون أن يلاحظه أحد تقريباً، حيث تركز القوى العالمية على إنقاذ عملية السلام – والمتوقفة حالياً – التي تقودها الأمم المتحدة، وسواء نجحت هذه القوى في إنقاذ اتفاق ستوكهولم من انزلاقه الحالي إلى اللا جدوى، أو تمكنت في النهاية من التحرك نحو حل سياسي شامل للنزاع، فإن السعودية إذا استمرت في طرد العمال اليمنيين المغتربين هناك بنفس الوتيرة، ستسبب لجارتها الجنوبية سنوات عديدة أخرى من الاضطرابات والانفلات الأمني والأزمات الإنسانية.
طوال عقود من الزمن، كانت ندرة فرص العمل في الداخل اليمني تدفع بموجات من اليمنيين إلى البحث عن عمل في الخارج، وغالباً ما تكون السعودية هي وجهتهم، لكن معظم هؤلاء العمال هم من غير المهرة أو شبه المهرة. وبالنظر إلى الطبيعة غير النظامية للكثير من أعمالهم، يصعب الحصول على إحصاءات دقيقة حول أعدادهم، لكن أفضل التقديرات المتاحة هي أن أكثر من مليون يمني يعملون حالياً في السعودية، وبعد توقف صادرات النفط المهمة من اليمن في أعقاب التدخل العسكري للتحالف منذ أربع سنوات، أصبحت تحويلات هؤلاء العمال المغتربين – التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات سنوياً – أكبر مصدر للعملة الأجنبية في اليمن، وقد ساعدت هذه الأموال في الحيلولة دون وصول محنة اليمن إلى مستويات أسوأ: فقد أبطأت انخفاض قيمة الريال اليمني، وزودت السوق المحلية بالعملة الأجنبية لتمويل الواردات، وقدمت لملايين اليمنيين مصدر دخل مع ارتفاع معدلات البطالة.
في السنوات الأخيرة، كثفت السعودية حملتها لتوطين قوتها العاملة، وقد شمل ذلك منع العمال المغتربين من العمل في العديد من المهن، وزيادة الرسوم والضرائب التي يتعين على المسجلين قانوناً في المملكة دفعها للبقاء، وتنفيذ حملات اعتقال جماعي وترحيل قسري للعمال غير المسجلين، وقد أدى ذلك بالفعل إلى إجبار عشرات آلاف اليمنيين على ترك العمل والعودة إلى اليمن، في دراسة ستُنشر قريباً، وجد باحثو مركز صنعاء أنه في حال استمرت الرياض في متابعة إصلاحات سوق العمل التي أعلنت عنها فسيفقد أكثر من 70% من الوافدين اليمنيين إلى السعودية وظائفهم اعتباراً من عام 2020، وهو ما سيدفع نحو موجة جديدة من معاناة اليمنيين وتفكك بلادهم.
وبغض النظر عن انتهاء النزاع الحالي من عدمه، فإن من شأن عودة مئات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل إلى اليمن وفقدان بلادهم لتحويلاتهم المالية أن يقوض أي أساس يبنى عليه للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد لسنوات قادمة، والواقع أن المصاعب الاقتصادية والاضطراب الاجتماعي الناجم عن طرد ما يقرب من مليون عامل يمني عام 1990 ساهم بطرق عديدة في تمهيد الطريق لتقلبات اليمن الحالية.
السعودية هي أكبر مانح مساعدات دولية لليمن بواقع مليارات الدولارات، كما أنها الطرف الأكثر مسؤولية عن احتياج اليمن لمثل هذه المبالغ الهائلة من المساعدات؛ فبطردها العمال اليمنيين (إن استمر مستقبلا)، ستتسبب الرياض باستمرار تدهور الوضع الإنساني في المستقبل المنظور، وإذا كان هدف الحكام السعوديين تجنب سيناريو دولة فاشلة على طول الحدود البرية الجنوبية للمملكة، فلعل السياسة الأفضل بكثير هي طرد قادة الحكومة اليمنية الذين يترفهون في فنادق الرياض منذ 2015، وجعلهم يكسبون أجورهم في ديارهم، والسماح للعمال اليمنيين بالبقاء.
هذه افتتاحية ظهرت في: متلازمة ستوكهولم في الأمم المتحدة – تقرير اليمن – مارس / آذار 2019