إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

استهداف قيادة الحوثيين لا يقلب الموازين

Read this in English

تشكل الضربات الجوية الأخيرة التي شنتها الإدارة الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن تحولاً استراتيجياً، حيث تستهدف واشنطن بوضوح قيادة الحوثيين في جهودها لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر. قد يشكل اغتيال قيادات حوثية دون شك ضربة قوية للجماعة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه التكتيكات ستهدد بقاء الجماعة، حيث أظهرت الجماعة قدرة كبيرة على التكيف خلال الأزمات الداخلية والإقليمية السابقة.

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الهجمات على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، استهدفت “قواعد الإرهابيين وقادتهم وأنظمة دفاعهم الصاروخية”، وزعم مستشار الأمن القومي مايكل والتز، أن الجولات الأولى من الضربات “قضت على قيادات حوثية مهمة منها قائد قوات الصواريخ” دون تقديم أي دليل على ذلك. يشكل التركيز على استهداف القيادات الحوثية تحولاً عن مسار العمليات الأمريكية في اليمن، إبان عهد الرئيس السابق جو بايدن، التي ركزت على إضعاف القدرات الهجومية للجماعة وإحباط التهديدات الوشيكة للسفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر.

يعكس الموقف الأمريكي الجديد الصارم تجاه الحوثيين غالباً موقف الحكومة الإسرائيلية منهم، فمنذ العام الماضي، شن مسؤولون إسرائيليون خمس هجمات ضد اليمن، وهددوا مرارًا “بقطع رأس” قيادة الحوثيين، على غرار الإجراءات التي اتخذتها ضد حماس وحزب الله طوال العام 2024، وتشير اللغة المستخدمة إلى تزايد التوافق بين سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه اليمن والبحر الأحمر.

القيادة العائلية

من غير المفيد مقارنة حركة الحوثيين بحركات كحماس وحزب الله، كما أن التكتيكات المستخدمة ضدهما لن تؤدي بالضرورة إلى نفس النجاح، فما يميز الحوثيين هو الهيكل العائلي الذي يقوم عليه تنظيمهم، ومهارتهم في إدارة التحولات القيادية التي حدثت منذ تأسيس الجماعة.

ارتبطت الجماعة التي أصبحت تعرف بجماعة الحوثيين، باسم مؤسسها حسين الحوثي، ووالده بدر الدين الحوثي، المُفكر الأيديولوجي للجماعة، ومن ثم بدأ الحوثيون بتسمية أنفسهم بأنصار الله عام 2011، من أجل الوصول إلى جمهور يمني أوسع، وكان الهدف من ذلك على الأرجح توسيع نطاق قبولهم أبعد من قاعدتهم الجغرافية والعائلية الضيقة، ويقال إن لقب الحوثي مشتق من منطقة حوث في عمران، وهي محافظة تقع شمال العاصمة صنعاء[1].

قاد الجماعة أفراد من عائلة الحوثي، القاطنة بمحافظة صعدة أقصى شمالي اليمن على الحدود مع المملكة العربية السعودية، ولعب العديد من أفراد العائلة أدواراً مركزية في المكتب السياسي والمؤسسات التابعة للحركة، حيث يرأس عبد الخالق الحوثي، الشقيق الأصغر للزعيم الحالي عبد الملك الحوثي، قوات الاحتياط ويشغل منصب قائد المنطقة العسكرية المركزية، وشغل شقيق عبد الملك الأكبر يحيى الحوثي، منصب وزير التربية والتعليم، بينما يشغل عمه عبد الكريم منصب وزير الداخلية ورئيس المكتب التنفيذي، ويشرف محمد علي الحوثي، ابن عم عبد الملك الرئيس السابق للجنة الثورية العليا على المشرفين الحوثيين في كل محافظة. دور عائلة الحوثي في الشؤون السياسية والعسكرية لا يعتمد فقط على المحسوبية، بل يربط ارتباطًا وثيقًا بالسلالة كما هو الحال في الحكومات الاستبدادية وحكومات الأمر الواقع الأخرى. يدعي أفراد عائلة الحوثي أنهم من السادة، أي أنهم من نسل النبي محمد، وينتمون إلى النخبة الدينية الزيدية التي حكمت شمال اليمن لفترات متقطعة، خلال فترة الإمامة (897-1962).

جيلان من القادة

نجح الحوثيون في تجاوز التغييرات القيادية في الماضي، حيث تجاوزوا اغتيال مؤسس الحركة وتكيفوا مع السياق المحلي والإقليمي الجديد، مما سمح لهم بتوسيع طموحاتهم وعلاقاتهم السياسية والعسكرية وقاعدتهم الجماهيرية، حيث قُتل مؤسس الجماعة حسين الحوثي، في سبتمبر 2004، على يد الجيش اليمني خلال الجولة الأولى من حروب صعدة (2004-2010)، وهو ما ساهم في ظهور رواية استشهاد ذات جذور شيعية دعمت تطور الحركة ونموها. كان حسين نتاج زواج بدر الدين الأول من امرأة من قبائل خولان بن عامر[2]، وبالتالي فهو ينحدر من سلالة السادة والقبائل، وتعد زيجات بدر الدين ذات أهمية كبيرة في فهم كيفية تغلغل الحوثيين في النسيج الاجتماعي لشمال اليمن، الذي يتمحور حول القبائل ونفوذها في السياسة والاقتصاد والجيش.

قاد عبد الملك الذي خلف حسين، تحول الحوثيين من حركة حرب عصابات محلية إلى لاعب إقليمي بدعم من المقاتلين الذين شاركوا في حروب صعدة ضد الجيش والمسلحين السلفيين والقبليين الموالين للحكومة، عبد الملك الأخ غير الشقيق لحسين الحوثي هو ابن بدر الدين من زواجه الرابع من امرأة من الهاشميين، وينتمي حسين وعبد الملك إلى جيلين مختلفين (الأول ولد حوالي عام 1960 والثاني عام 1979)، وقد عمل عبد الملك تدريجياً على تعزيز شبكة من القيادات الشابة من المستويين المتوسط والعالي، الذين ترجع خبرتهم السياسية إلى انتفاضة 2011، والانقلاب الذي أعقبها عام 2014، والحرب التي تلت ذلك، ومنهم صالح الصماد الذي شغل منصب رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، قبل مقتله خلال غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية على الحديدة عام 2018، وحل محل الصماد وهو أكبر مسؤول حوثي قُتل في الحرب حتى الآن، شخصية أكثر تشدداً وهو مهدي المشاط، في تحول جسد مرونة الجماعة ونضوجها السياسي نحو وضع إقليمي أكثر.

إعادة تشكيل الأجندة الاستراتيجية

يتميز الجيل الجديد من القيادات الحوثية بسمتين رئيسيتين، الأولى أنهم يركزون بشكل أقل على صعدة معقل الحركة أو على المظالم المحلية، فهذا الجيل من القادة “يفكر أكبر من ذلك” ويطمح إلى السيطرة على اليمن بأكملها وتعزيز مكانة الحوثيين في المنطقة. أصبح لجماعة الحوثيين دوراً مباشراً في الحكم، منذ سيطرتهم الفعلية على صعدة ثم العاصمة صنعاء وبقية مناطق شمال اليمن، فخلال الفترة بين عامي 2013 و2017، استمال الحوثيون الكتلة السياسية الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ثم استوعبوها ضمن الحركة في نهاية المطاف مما عزز قبضتهم على الاقتصاد وأجهزة الأمن والمؤسسات العسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. تساعد هذه الديناميكية بالإضافة إلى سياسة الزواج التي تنتهجها عائلة الحوثي، في تفسير كيفية تغلغل الجماعة في القبائل الشمالية وكسبها لدعمها. أنشأت جماعة الحوثيين بصفتها السلطة الحاكمة، العديد من المنظمات والهياكل الجديدة، مما أضفى طابعاً مؤسسياً على توجيهات عبد الملك، ونتيجة لذلك أصبحت القيادة أكثر تماسكاً ومركزية.

أقام الجيل الحالي من القيادات الحوثية علاقات أوثق مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحلفائه المسلحين في محور المقاومة، كانت الخمينية مصدر إلهام لحسين الحوثي الذي أعجب بإيران هو وجيله، نظراً لطبيعتها الثورية وخطابها المعادي للإمبريالية، وبالنسبة لعبد الملك، تمثل إيران شريكاً استراتيجياً في تحقيق أهداف الجماعة السياسية والعسكرية في اليمن، والصراع الإقليمي ضد إسرائيل والولايات المتحدة. تطورت أهداف الحوثيين منذ بداية الحرب عام 2015، وأصبح البعد الإقليمي الآن محوراً أساسياً في استراتيجية الحركة، كما يتضح من هجماتها في البحر الأحمر وضد إسرائيل.

سياسة شاملة

نظراً للهيكل التنظيمي القوي للحوثيين، وقدرتهم على التكيف وتقاربهم مع إيران، فإن تأثير القضاء على كبار قادتهم سيكون على الأرجح أقل من تأثيره على الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة، من حيث العزيمة السياسية والاستراتيجية، فكما صرح مصدر من الجماعة مؤخراً لوسائل الإعلام: “نتحرك بحذر شديد لكننا في الوقت نفسه مستعدون تماماً للتضحية ولا يمكننا التراجع”.

لذلك، يجب أن يدق ناقوس الخطر في واشنطن، فمن غير المرجح أن تؤدي الضربات الجوية وحدها إلى إخضاع الحوثيين، بل يجب أن يكون أي عمل عسكري جزءاً من استراتيجية سياسية شاملة للبلاد، بالتعاون مع حلفاء اليمن ودول الخليج والحلفاء الدوليين، وكما يظهر تاريخ الجماعة حتى الآن، من غير المرجح أن تؤدي الطرق المختصرة والحلول السهلة مثل القضاء على قيادة الحوثيين إلى نتائج تقلب الموازين.


هذا المقال جزء من سلسلة من المنشورات الصادرة عن مركز صنعاء، بتمويل من حكومة مملكة هولندا، وتستكشف هذه السلسلة قضايا متعددة في الاقتصاد والسياسة والبيئة، بهدف إثراء مناقشات وصياغة السياسات التي تعزز السلام المستدام في اليمن، ولا يجب أن تُفسر أي آراء معبر عنها في هذه المنشورات على أنها تمثل مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.

الهوامش
  1. عبد الله حميد الدين، حركة الحوثيين في اليمن، الأيديولوجية والطموح والأمن في الخليج العربي، آي. بي. توريس بلومبسورى، 2022، ص. 11، الحاشية 3.
  2. باراك أ. سالموني وبرايس لويولت ومادلين ويلز، النظام والأطراف في شمال اليمن، ظاهرة الحوثيين، RAND، 2009.
مشاركة